Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كل رجال السويس فدائيون في وضح النهار - الجزء السادس

 

 

للتواصل مع الكاتب

 

 

كابتن غزالي

جلس «كابتن غزالي» على كرسيه الخشبي، وسط عدد كبير من الكتب وشهادات التقدير وضعها في مكتبته الصغيرة، وأخذ يحكي ذكرياته وبطولاته مع المقاومة الشعبية في السويس منذ نكسة 1967 وحتى انتصار أكتوبر 1973.

لم يكن من الصعب الوصول إلى كابتن غزالي، فجميع من في السويس يعرفونه ويلقبونه ببطل (البندقية و السمسمية).

كان الكابتن «محمد أحمد غزالي» من شباب السويس الذين شاركوا مع الفدائيين في عمليات إغارة على قوات الاحتلال الإنجليزي المتمركزة في مدن القناة وخاصة السويس عام 1951، وما تلتها من معارك ضد الإنجليز أدت لقيام ثورة 23 يوليو عام 1952.

حينما وصلنا إلى مكتبته الصغيرة في أحد أحياء السويس القديمة، استقبلنا بحفاوة وتواضع «أهلًا بالرجالة».

تذكرنا للتو كلمات وأغاني كابتن غزالي التي زادت عن 800 أغنية، والتي طالما كانت تشعل حماس أبطال السويس من الفدائيين وجنودنا على الجبهة وقت حربي الاستنزاف وأكتوبر، أمثال «غني يا سمسمية لرصاص البندقية»، «عضم ولادنا نلمه نلمه، ونعمل منه مدافع»، و«إحنا لها إحنا لها الحرب إحنا أدها».

امتد اللقاء مع بطل السمسمية والبندقية لأكثر من ثلاث ساعات، تناول فيها بطولات السويس في حرب أكتوبر، وكشف عن إهمال الدولة لمحافظة السويس طيلة السنوات الماضية، وأكد أنه بعد مرور أربعين عامًا على حرب أكتوبر، لم تستفد السويس بشيء.

يقول كابتن «غزالي» : «بعد 5 يونيو 1967 بدأ التفكير مع مجموعة من الشباب لعمل مقاومة شعبية، وصمموا على ألا يُهزموا، بعد أن شاهدوا بأنفسهم عدد كبير من جنود وضباط الجيش عائدين من سيناء شاردين إلى مدينة السويس يوم 8 يونيو، حيث قام شعب السويس بمساعدتهم ومعالجة المصابين منهم».

بدأ الفدائيون يجمعون أسلحة جاءوا بها من الجبال وبعضها كانت مع الجنود، ونظموا حركة المقاومة الشعبية من جديد، كان دورها حينئذ حراسة المنشآت ومعاونة الجيش في حركاته وبعض عملياته في سيناء.

بالإضافة إلى ذلك شكل «كابتن غزالي» فرقة من المثقفين والشباب أسماها «أولاد الأرض»، تمثلت مهمتها في إلقاء الأغاني الثورية؛ لتحميس الشباب والمقاتلين على الجبهة.

أثناء حديثي معه رأينا «سمسمية» مُعلقة على الحائط خلفه، استأذنته أن يغني  واحدة من أغانيه على ألحانها، لكنه اعتذر لعدم قدرته على العزف بسبب مرض أصابه في أصابعه، واكتفى بترديد تلك الأبيات « إحنا لها إحنا لها.. الحرب إحنا أدها.. هنخوضها شعب وجيش سوى.. هنخوضها لجل ما ترتوي .. أرض بلدنا بدمها.. تطرح ولاد على كفها».

يقول كابتن غزالي: «هذه الأغاني أصبحت توثيق لحرب أكتوبر والسويس، كل شيء تريد أن تعرفه عن الحرب ستجده في أغاني المقاومة الشعبية، وعندما قمنا بتلك التجربة التهبت الجبهة وأصبحت أخطر من كل الأسلحة التي كانت مع الجيش، كنا نؤلف و نغني أغاني وطنية لتحميس كل المصريين، وهذا جعلنا نلف قرى ونجوع مصر نحكي للناس ما يحدث على الجبهة في السويس ومدن القناة».

«بدأنا ببطانية مفروشة على الأرض، وأقمنا مسرحًا لنا نُنشد من فوقه الأغاني الحماسية التي تزيد من التعبئة المعنوية للجيش والفدائيين على طول الجبهة والمواقع العسكرية من بورسعيد للغردقة، هذا نوع من الطرب، الأغاني في وقتها كانت منشورات سياسية تجذب الناس، لكن المناخ السياسي الآن تغير. غني يا سمسية لسه الناس بتغنيها»

حينما توفي الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر»، قرر «السادات» تسريح المقاومة الشعبية في السويس وأخذ منهم الأسلحة واعتقل جزء منها، لكن بقيت مجموعة من شباب السويس تعمل مع المخابرات، في «منظمة سيناء العربية»، وقاموا بمهام خاصة بالقوات المسلحة، رغم قلة عددهم.

و بمجرد سؤاله عن ذكرياته في حرب السويس يوم 24 أكتوبر 1973، لم يقل شيء سوى هذه الأبيات التي كتبها تخليدًا لروح شهداء تلك المعركة.

خلديهم يا بلدنا

لما نصرك يبقى عيد

على محرم بن قلبك

مصطفى وأخوه سعيد

 خلديهم يا بلدنا

وأيدي منهم نور صباحك

 خلدوكي هم قبلا

لأجل ما تعود لبراحك

إبراهيم سليمان وأشرف

أحمد أبو هاشم في أشرف

ملحمة والمولى حافظ،

ندهتك فايز يا حافظ

 والسويس أدان ومدنى

.....

يقول كابتن غزالي: «هؤلاء الشهداء كانوا بواسل وعملوا البدع وضربوا الدبابات الإسرائيلية، وكان في السويس أكثر من آلاف العساكر المصريين قاعدين في البيوت، كانوا مؤخرات الجيش الثالث، وشعب السويس هما اللي طلعوا يضربوا، لحد ما منعنا اليهود من دخول السويس، وفضلنا محاصرين إحنا والجيش الثالث 101 يوم».

يا صبر يا صبار

مضغوك الغلابة

 زرعوك يا صبر

على قبر الشهيد لبلابة

 زى الهوا

يا حبيبي زى الهوا

غنوك الديابة

نشيد للجيل

يهد الحيل

 وزيادة

إنما للصبر حدود

هكذا كان يغني كابتن غزالي وشعب السويس وقت الحصار، لكنه الآن لا يُخفي نقمه من عدم تقدير دور السويس في المقاومة والفداء من قبل الدولة.

 

 ويقول «الحرب كانت حرب مصر كلها، وآلاف من شباب مصر استشهدوا في الدفاع عن الوطن، محدش قال ماتوا إزاي، والقيادات السيئة هي اللي مسكت الحكم، حسني مبارك قعد 30 سنة، وأوهمنا بالضربة الجوية الأولى، خرج أجيال من الجامعة متعرفش حاجة، نحتفل بأكتوبر حقنا، إنما السويس في المقدمة ودور الشباب فيها كبير، وأبطالنا قدموا كل التضحيات دي مش مستنين حاجة من حد، لكن يعز علينا إحنا فدائيين السويس وشعبها أنه بعد كل التضحيات دي مفيش حاجة اتقدمت للبلد».

يؤكد كابتن غزالي أن الأبطال اللي قدموا كل هذه التضحيات لا ينتظروا  تكريم من محافظ أو غيره، «إحنا اللي مفروض نكرمه لأننا ولاد البلد، المحافظة أرسلت لي كارت دعوة لاحتفالات أكتوبر ولم أذهب، مش فاضيلهم، أنا تحت أمر بلدنا وولادنا الصغيرين، الشباب بيطلبوا يقابلوني، لأن دي قضيتي، أما الحكومة لا تفيد أحد لو كرمتك يبقى علشان تهينك».

نظرات كابتن غزالي وحزنه على إهمال الدولة لم تتوقف عند هذا الحد، يتحدث وفي حلقه مرارة: «عبد العاطي صائد الدبابات مات وهو عنده فشل كلوي، ومحدش سمع عنه، التكريم كلام عيال، وهناك أيضا «عبد المنعم قناوي» هتلاقيه ماسك وسطه بيجرجر فيه، ده بطل أدنا مليون مرة، اللي عمله ما اتعملش، بعدما انتهت الحرب جاءت «سوزان مبارك» واستقبلت الفدائيين في منظمة تحرير سيناء، وأعطت كل واحد منهم شهادة بـ 10 جنيه، هذا ما قدمته الدولة لنا!، لكن الضباط اللي كانوا بيسرقوا حاجات الجيش يودوها البيت في عز المعركة، أصبحوا الآن هم الأبطال وهم من يتم تكريمهم».

السويس انفردت بأنها على خط الجبهة وكانت ميدان للحرب، حيث تم تهجير أهلها بشكل إجباري وعاشوا محنة الغربة لسنوات، لذلك يؤكد كابتن «غزالي» في شهادته أن السويس خسرت في الأربعين عامًا الماضية كثيرًا، وأن 80% من منشآت السويس وبنيتها التحتية  تهدمت بسبب الحرب.

 

«لم نستفد بأي خدمة، مقدرناش ننجح في النظافة حتى، محافظة السويس مثل باقي محافظات مصر، إحنا عندنا جهاز تنفيذي موروث ظل كما هو حتى بعد قيام ثورة يناير، حكومات مؤقتة معندهاش سياسة تغيير، وكل المحافظين سد خانة، ليس لديهم صلاحية القرار بيساعده سكرتير عام بمخلفات الزمن اللي فات وميعرفش حاجة عن المحافظة، الناس المحترمة متلاقهومش».

 

«إحنا عايشين علشان نحقق إنجازات في حربنا مع إسرائيل، الشعب والجيش عمل أقصى ما يمكن أن يُفعل، إنما دائما بيخذلنا القرار السياسي، بعد 6 أكتوبر، وبالتحديد يوم 24 أكتوبر، اليهود كانوا بيحاربونا في السويس، طلع قال السادات إحنا كنا بنعمل حرب تحرير لكنها طلعت حرب تحريك».

 

كابتن غزالي يرى أن الرئيس الراحل «أنور السادات» تسبب في عدم اكتمال نصر أكتوبر بسبب سياساته الخاطئة «السادات كان ماشي على خط «عبد الناصر» بأستيكة، «عبد الناصر» كان اشتراكي و بيحب الفقراء وعمل أعظم قضية في التاريخ حل القضايا الاجتماعية، لكن «السادات» بعد أكتوبر، جاب أعفش الناس وأعطاهم السلطة، وكان آخرهم المخلوع مبارك».

في الوقت نفسه يقول بطل السمسمية: «ثورة يناير كانت أمل وحلم عند كل المصريين بيراودنا مين اللي هيخلصنا من «حسني مبارك»، دائمًا الشعوب وضميرها بيبقى في الشباب والشباب في مصر كانت قلقة، وهما اللي عملوا الثورة، وهنا في السويس الثورة بدأت من 21 يناير والناس استجابت، لكن دلوقتي إيه الجديد اللي حصل «مفيش»، الوضع كما هو».

كابتن غزالي في حديثه مع الكاتب، لا يُخفي حزنه من عدم تقدير الدولة لدور السويس وقت سريان الصراع مع إسرائيل

 

 

قناوي.. البطل المنقذ

 

حينما تقابلت مع البطل «عبد المنعم» في منزله  بحي فيصل في مدينة السويس وجدت رجل متواضع لكن حديثه وروحه تعبر عن بطل حقيقي، وفدائي من طراز فريد، يحكي بطولاته بتواضع ، ليس من هؤلاء الأشخاص الذي يقولون «فعلنا كذا وكذا من أجل أن يقول الناس أن فلان بطل».

 

يتحدث عن عملياته الفدائية حينما ذهب خلف خطوط العدو الإسرائيلي يستطلع تحركاته ويبلغها للقيادة المصرية، باعتباره واجب عليه، حيث كشف «قناوي» في لقاءي معه عن كثير من الأعمال البطولية التي قدمها وعدد من جدعان السويس وقت الحرب، كما اشتكى من تجاهل المسئولين له، خلال أكثر من أربعين عام مرت على حرب أكتوبر.

الصغير قبل الكبير في مدينة السويس يعرفون من هو «عبد المنعم قناوي» وما الذي قدمه من تضحيات، لم يكن من الصعب علينا الوصول إلى منزله المتواضع في منطقة فيصل بالسويس، استقبلنا «قناوي» وعلى وجهه علامات من الفرح ممزوجة بحزن وأسى لما آلت إليه أحواله.

 

بدأ «قناوي» حديثه حول الطريقة التي أنضم بها للفدائيين في «منظمة سيناء العربية»، حينما أصبح «قناوي» بطل الجمهورية في الرماية وعمره لم يتجاوز 12 عامًا، كان في ذلك الوقت يساعد الفدائيين في السويس وقت العدوان الثلاثي على مصر، ومرت الأيام تباعًا وجاءت نكسة يونيو.

 

وقتها كانت السويس مليئة بجنود وضباط الجيش المصري بعضهم مصاب والآخر قد فارق الحياة، وقد نزل خبر الهزيمة كالصاعقة على أهالي السويس، فقاموا يضمدون جراح الجيش المنكسر، وكان قناوي واحدًا من فريق إسعاف المصابين بالمستشفى الميداني بـ «بور توفيق».

 

صار «قناوي» في مقدمة صفوف المقاومة الشعبية من الشباب المسئول عن حماية المنشآت الحيوية التي تحوي تجمعات بشرية كبيرة، كما كان عضو في فرقة مهمتها تمشيط القناة ليلاً خوفًا من توجيه العدو ضرباته على السويس ومينائها.

في تلك الفترة اجتمعت المخابرات الحربية بقناوي وأصدقاءه الفدائيين، لتقديم العون لهم، ومن هنا تأسست «منظمة سيناء العربية» تحت إشراف المخابرات الحربية، والتي وصل عدد المشتركين بها إلى أكثر من 757 فدائي من مدن القناة وسيناء، وبدأت التدريبات على حمل السلاح وزرع الألغام ورصد مخازن السلاح والوقود، وكانت أول عملية قام بها فدائيو المنظمة هي مهاجمة قوات إسرائيلية شرق القناة وقت حرب الاستنزاف.

 

بعد حرب الاستنزاف صدر قرار من القيادة العامة للقوات المسلحة بالدفع بمجموعة من الأفراد خلف خطوط العدو في عمق سيناء لجمع المعلومات عن العدو الإسرائيلي.

 

حيث يحكي قناوي: «كنا من محافظات القناة الثلاثة بجانب أهالينا في سيناء بلغنا حوالي 757 فدائي، كل واحد فينا كان يحمل جهاز لاسلكي مداه 500 كيلو متر، يلتقط عليه الإشارات باللغة الإنجليزية على موجة البرنامج الثاني، واللغة العربية على إذاعة صوت العرب، بالإضافة لكاميرا تصوير مداها 10 كيلو متر».

 

ويستكمل «تم دفعي إلى سيناء عند فنار أبو الدرج جنوب العين السخنة بحوالي 35 كم، ركبت قاربًا مطاطيًا من أمام الضفة الشرقية لخليج السويس، كان ينتظرني هناك أحد بدو سيناء وأرشدني إلى ممر متلا من الناحية الشرقية، لأتواجد هناك منذ يوم 14 سبتمبر 1973، لأكون أحد عيون المخابرات الحربية في سيناء».

 

ظل «قناوي» في عمق سيناء ينقل المعلومات عن القوات الإسرائيلية ونوع الأسلحة والمعدات التي يراها، ويقول «ظللت أدون وأرسل للقيادة عن طريق جهاز اللاسلكي، كنت أتابع الإشارات على موجة البرنامج الثاني باللغة الإنجليزية، ثم أحول على إذاعة صوت العرب».

 

في الثانية والنصف من ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973، كان «قناوي» في عمق سيناء بملابسه البدوية، يضبط إشارات بث إذاعة صوت العرب، كي يتلقى رسائل جديدة من القيادة وعلى إثرها يرسل معلوماته عن تحركات العدو، لكنه فوجئ بالخبر العاجل «قامت قواتنا المسلحة بعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف المنيع».

 

لم يصدق وقتها وأخذ يتحدث مع نفسه كما يقول، «معقولة عبرنا القناة، ده إحنا لما كنا بنعمل عملية صغيرة كانت الدنيا بتتقلب أكيد الوضع أتغير دلوقتي»، وظل «قناوي» بمكانه في ممر متلا، حتى تأكد من عبور المصريين للقناة حينما رأى طيارات مصرية مكتوب عليها «لا اله إلا الله» تصل لعمق سيناء وتطير على مسافات قصيرة تجنبًا للصواريخ الإسرائيلية وتدمر مواقع العدو الإسرائيلي من أمامه.

 

«عندما حدثت المعارك في 6 أكتوبر، العدو الإسرائيلي لم يستطع فعل أي شيء، لكن ابتداءًا من 7 أكتوبر بدأ الإمداد يأتي من عمق سيناء لخط بارليف، استمريت في تدوين نوع وحجم السلاح والأفراد وأرسلت كل هذه التحركات للقيادة» ..هكذا يحكي قناوي.

 

حينما بدأت ثغرة الدفرسوار، أمرت القيادة «قناوي» بالتوجه لمكان الثغرة وجمع معلومات عن العدو، وكان الوحيد الذي أستطاع الوصول إلى ثغرة الدفرسوار ومعرفة حجم ونوع الأسلحة والأفراد التي عبرت للضفة الغربية من القناة.

ويستطرد: «نجحت أنا والدليل أن نعبر أحد كباري العدو ونخترق ثغرة الدفرسوار، وكان جزء من القوات الإسرائيلية غرب القناة بين منطقة سرابيون وأبو سلطان بقيادة شارون، جمعنا معلومات عن نوع الأسلحة والأفراد الإسرائيليين و«ربنا أراد أن يعميهم عنا».

 

وبعد معركة السويس يوم 24 من أكتوبر، تم تكليف «قناوي» من قبل المخابرات الحربية، بجمع المعلومات عن الجيش الثالث وأهالي السويس، خصوصا أن الاتصال اللاسلكي انقطع في تلك الأثناء بعد محاصرة قوات العدو للسويس.

كان قناوي وقتها في مركز القيادة بالقاهرة، وفور سماعه نبأ تكليفه بجمع المعلومات والذهاب للسويس، علت الابتسامة وجهه، لأنه سيعود للسويس مرة أخرى بعد غياب دام أكثر من شهر، استقل أتوبيس خاص بالجيش، كان طريق القاهرة السويس في ذلك، مليء بقتلى وجرحي من الجيش المصري، وكانت الدبابات والعربات شبه مدمرة وقتها خطر على ذهن قناوي سريعًا مشاهد الجنود المصريين بعد نكسة يونيو.

 

في تلك اللحظات كان العدو الإسرائيلي يحاصر مدينة السويس من كل جانب.

 

توقف «قناوي» عند محطة الدفع على بعد ما يزيد عن 70 كيلو متر من القاهرة في طريق القاهرة - السويس الصحراوي، وجد سيارة جيب في انتظاره، استقلها ودخل إلى منطقة «وادي حجول» وبعدها تسلق سلسلة جبال «عتاقة» ومنها وصل للسويس، حيث تسلق من مصنع السماد المتواجد في المدينة وتخطى محطة السكة الحديد إلى أن وصل لمنزل زميله قائد الفدائيين هناك  «محمود عواد»، وبعدها اتصل بالقيادة عن طريق اللاسلكي وأرسل لها معلومات عن عدد الأفراد والأسلحة التي تمتلكها قوات العدو، وقت حصارها للسويس.

بنبرة حزن يشكو عبد المنعم قناوي من تجاهل الدولة له ولكل فدائيي السويس، حيث يقول بصوت مبحوح «أصبح لدينا إحباط من عمليات تكريم الدولة لنا، أنا بقول للمسئولين صبرنا وعَبْرنا ومحدش عَبَّرنا، ولو الأيام بتتكلم كانت قالت عملنا إيه».

ليضيف: «حرب أكتوبر كانت حقيقة، في كل متر فيه بطولة تحتاج لكتب، لكنهم اقتصروا الحرب على الضربة الجوية الأولى».

يتابع: «في عام 2007، تم ترقية أحد ضباط المراسلة في حرب أكتوبر لقيادة المخابرات الحربية، ذهبت له وعدد من أبطال «منظمة سيناء العربية»، وقلنا له يا فندم الرئيس هيكرمك ويعطيك وسام الجمهورية فكره بالفدائيين بتوع منظمة سيناء، فرد عليه مبارك وبسخرية يقوله «هو أنتم لسه فاكرين حرب أكتوبر انسوها بقى»، «ما هي الحرب هي اللي عملته رئيس دولة»، يقولها قناوي وفي حلقه مرارة من تعامل مبارك معه ومع كل الفدائيين  من أبناء جيله.

في الفصل القادم يحكي قناوي كيف قضى 101 يوم فوق جبل «عتاقة» يتابع تحركات القوات الإسرائيلية وقت حصار السويس، وكيف أنقذ بنفسه مركز قيادة الجيش الثالث من الدمار وقت حصار السويس..

 

عبد المنعم قناوي يحمل مدفع رشاش اقتنصه الفدائيون من دبابة إسرائيلية وكانوا يضعونه على تلك العربة الصغيرة، ليقوموا ببعض الأعمال الفدائية ضد العدو الإسرائيلي وقت حصار السويس

 

 

101 يوم في جبل «عتاقة»

 

بعدما حاصر العدو الإسرائيلي مدينة السويس، منذ يوم 24 من أكتوبر عام 1973، أصدرت المخابرات الحربية قرارها لقناوي بالتسلل خلف خطوط العدو، لجمع المعلومات عن نوع السلاح و الأفراد التي تمتلكها إسرائيل في حصارها للسويس.. ومن هنا بدأت بطولة جديدة من بطولات الشباب السويسي ..

101  يوم قضاها الفدائي عبد المنعم قناوي على جبل «عتاقة» ..

 

«سلكت عدة دروب في سلسلة جبال «عتاقة» ، استقر بي الحال في حفرة ضيقة تحت صخرة ضخمة، كنت مزود بجهاز اللاسلكي والكاميرا ونظارة معظمة وطعام يكفيني 15 يوم فقط وجركن ماء واحد نفذ مني بعد عدة أيام ، وبعدها أصبحت أعتمد على الندى المتساقط عند الفجر أو الماء المتجمع في الحفر الصغيرة نتيجة الأمطار»، هكذا يقول.

كان قناوي يواجه صعوبة شديدة بسبب برودة الجو، حيث كان ينام في حفرة صخرية وجهه في مواجهة النجوم مباشرة، وغطاؤه بطانية خفيفة، وفي أحدى المرات تجمدت أصابعه حتى كسرت مفتاح اللاسلكي لعدم قدرته على السيطرة عليه، ومرة أخرى لم يستطع كتابه الشفرة بالقلم لتجمد أصابعه.

 

لكن أصعب ما واجهه في تلك المنطقة الجبلية غير البرد والعدو كانت الثعابين، أخطرها نوع يسمى «الطريشة»، كان من المعتاد في الدوريات الجبلية سواء كانت استطلاع أو قتال،  أن يصطحب أفردها بعض الأمصال المضادة للعقارب ولدغات الثعابين.

 

لم يكن مع قناوي شيء من هذا ولا قرص «أسبرين»، لكن إرادة الله أنقذته من تلك الثعابين، أحيانا كان يأكل الحشائش عندما ينفذ منه الطعام، وأحيانا أخرى كان يلتقي برجال الصاعقة أثناء قيامهم ببعض دوريات قتالية في جبل «عتاقة»، وكانوا يقدمون له الطعام والشراب.

 

وفي أحد الليالي كان قناوي يرتدي «أفارول» إسرائيلي ويرقد على جبل «عتاقة» يراقب تحركات العدو، وجد نقطة استطلاع للعدو تبعد مسافة قريبة من مركز قيادة الجيش الثالث أثناء حصاره، بعدها ذهب لقائد الجيش اللواء «عبد المنعم واصل» وأخبره بحقيقة ما رآه من تحركات لجنود العدو.

«أخبرت قائد الجيش بوجود قوة إسرائيلية قريبة وكانت على وشك تدمير مركز القيادة، وأعطيت له نظارتي المعظمة، وحينما وجد قوات إسرائيلية اصطحبني لملجأ به قائد استطلاع الجيش الثالث يدعى العقيد «عبيد»، وسأله ''إيه أخبار العدو عندك يا عبيد؟».. رد عليه قائد الاستطلاع أن «العدو بعيد عن مركز القيادة، كله  تمام يافندم والعدو بعيد عننا».

ويتابع قناوي «ثم قال لي اللواء عبد المنعم واصل : أعطيه نظارتك المعظمة كي يرى بنفسه، أعطيت نظارتي لقائد الاستطلاع، وأشرت له بأن هناك خمسة أفراد إسرائيليين وطائرة هليكوبتر  من طراز بل 205، على مقربة منا، وهو بيبص (ينظر) في النظارة لاحظ الطائرة الإسرائيلية تصعد وتظهر عليها نجمة داوود، بعدها أنهال قائد الجيش على قائد الاستطلاع بالضرب والسباب ونهره بشدة، وأمرهم على الفور بنقل مركز قيادة الجيش من منطقة «بير عبيد» إلى بعد 50 كيلو متر عن السويس في منطقة تسمى «الروبيكي»، الواقعة بالقرب من مدينة  العاشر من رمضان، بعدها بساعات قام العدو  الإسرائيلي بتدمير مركز قيادة الجيش الثالث القديم، والحمد لله نجت قيادة الجيش من الدمار» هكذا يروى قناوي شهادته على إنقاذ الجيش الثالث وقت الحصار..

 

سألت قناوي، بعد مرور 42 عام على حرب أكتوبر، هل ترى أن الأهداف التي قامت من أجلها حرب أكتوبر قد تحققت؟، لكنه أمهلني ثوان قبل أن يرد، فقد كان يعيد شريط ذكرياته، وقال بنبرة حزن يملئها اليأس «أهداف حرب أكتوبر تلخصت في قائد الضربة الجوية وكأن مبارك هو اللي حارب لوحده، حرب أكتوبر كانت حدث حقيقي، في كل متر فيه بطولة قام بها شجعان وتحتاج لكتب ودوريات عسكرية يحكوا عنها، والسويس شاركت بأبطال حقيقيين في تلك الملحمة لكن مبارك ظلم السويس طوال 30  سنة من حكمه مثلما ظلم مصر كلها».

 

حيث يرى «قناوي» أن هناك شباب مصري تائه الآن ومغيب بسبب نظام مبارك، قائلًا: في أواخر يناير عام 1974، عُقد مؤتمر صحفي في تل أبيب يناقشوا من خلاله مشكلة هزيمة الجيش الإسرائيلي وانتصار الجيش المصري عليه في أكتوبر، أحد الصحفيين الدوليين، سأل وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها «موشي ديان»، قال له : لأول مرة منذ قيام دولة إسرائيل، يتم هزيمة الجيش هل لو سنحت ليكم الفرصة لمحاربة المصريين مرة أخرى ستحاربونهم من جديد؟ وقتها قال له «موشي ديان» : «نعم سنحاربهم،  ولكن عندما ينتهي جيل أكتوبر بالكامل، وللأسف هذا أبشع ما فعله حسني مبارك في مصر» يرددها قناوي بحزن.

 

ويستكمل حديثه: «في أكتوبر عام 1983 أصدر مبارك قرار جمهوري بإلغاء الاحتفال بيوم 24 أكتوبر في مصر كلها، و إقتصره على السويس فقط، هذا اليوم كان عيد قومي لمصر، كانت تعطل فيه الدواوين، ويصبح إجازة رسمية، السادات كان يصلي كل عام عيد الفطر معنا في السويس، لأنه لولا شعب السويس لكانت مصر تدمرت إحنا قمنا بأكثر مما قامت به القوات المسلحة».

قناوي لا يخفي كرهه لنظام مبارك الذي وصفه «بـعميل أمريكا وإسرائيل»، لكنه يرى أن مبارك هو أحد المسئولين الأساسيين عن «ثغرة الدفرسوار»، عندما كان قائد للقوات الجوية في ذلك الوقت.

يتابع: «مصر كانت ممكن أن تتغلب على ثغرة الدفرسوار لو كانت شاركت القوات الجوية فيها، مبارك وقتها كان قائد القوات الجوية، كان يستطيع أن يأمر الطيران المصري وتحديدًا من نوع «تي يو 16»، بضرب ثغرة الدفرسوار من عند منطقة «أبو صوير» لأنها قاذفة بعيدة المدى، ووقتها إسرائيل ذهبت إلى مدينة الإسماعيلية دون طيران، وجاءت إلى السويس وحاصرتها ، ولم نجد طائرة مصرية عليها «جركن مياه حتى».

بعد مرور 40 عام على حرب أكتوبر، يعمل البطل «عبد المنعم قناوي» سائقًا لسيارة ميكروباص أشتراها بالتقسيط في منتصف الثمانينيات، فهو يحب القيادة بطبعه لكنه وبعد انتهاء حرب أكتوبر، مثله مثل كثير من زملاءه الأبطال، لم يجدوا مكانًا لهم في «عالم التزييف، وأبطال أكتوبر الوهميين»، هكذا كان تعبيره.

وبرغم مرض السكر الظاهر على فمه، والانزلاق الغضروفي الذي يجعله غير متزن في مشيته يصر «قناوي» على اقتياد سيارته الميكروباص حتى الآن، كي يستطيع أن يتحصل بعض النقود التي تساعده على المعيشة، بجانب معاشه الشهري المقدر ب 450 جنيه.

سألناه عن تكريم الدولة له هو وأبطال السويس، لم يتذكر «قناوي» سوى 500 جنيها منحتها الدولة مكافأة له وزملاءه في «منظمة سيناء العربية» لعدة سنوات، قائلًا «كان يوم القبض بالنسبة لنا عبارة عن رحلة بنتجمع فيها سنويًا مع الفدائيين ونأكل بالفلوس سمك، والباقي نجيب فاكهة للعيال وإحنا راجعين.. وكان الله بالسر عليم».

«قناوي» أصيب بـثلاث جلطات إحداهما في المخ، عُولج منهم على نفقة الدولة، لكن كل مرة، يصاب لابد أن يتحرك زملاءه القدامى في المقاومة والشيخ حافظ سلامة كي يتوسطوا له عند المحافظ وحينما يعلم المحافظ أنه من الفدائيين يصدر أمر بعلاجه.

لكنه أشتكى قائلًا: «هو أنا لازم لما اتعب استني لما حد يتصل بالمخابرات ويكتب مذكرة ويروح للمحافظ علشان يعالجوني، ليه ميكونش معايا كارنيه ولا شهادة مثل البطاقة أني أدخل أي مكان طبي عسكري في الجمهورية كي يسهل لي العلاج!!».

«علشان أتعالج على نفقة القوات المسلحة لازم وزير الدفاع أو رئيس الأركان يصدق على قرار علاجي ، لمدة ست شهور أو عام، ولما يخلصوا نعمل قرار جديد، عقبال ما يصدر قرار آخر بعلاجي يكون العلاج الأول اللي أخدته باظ لأن مفيش متابعة في العلاج، علاج السكر والانزلاق الغضروفي والمخ والأعصاب إلى ما شاء الله، ليس له وقت محدد، وهذا ما أعانيه دائمًا»

يقول قناوي في لقاءنا أن عدد من القيادات العسكرية وقت حكم «مبارك» قال لهم بالحرف «أنتم لستم عسكريين والقيادات المدنية لا تعترف بكم»، وذلك حينما ذهبوا يطلبون معاشات استثنائية مثل التي تصرفها القوات المسلحة للعسكريين المتقاعدين، كي تساعدهم على المعيشة في تلك الظروف الصعبة.

 إلا أنه قبل حرب أكتوبر، أصدر المشير «أحمد إسماعيل» وزير الحربية قرار عسكري  بعمل كل  فدائي من أبطال السويس ومنظمة سيناء العربية تحت رتب عسكرية، بمعنى أن الشهيد «إبراهيم سليمان» الذي أستشهد في معركة 24 أكتوبر وهو أحد قادة الفدائيين كانت رتبته نقيبًا مكلفًا، وجميع الفدائيين في السويس كانوا برتب عسكرية مكلفة، لكن الشهداء فقط من الفدائيين هم من يصرف لذويهم معاشات برتبهم العسكرية، لكن الفدائيين الأحياء أمثال  «قناوي» و«عواد»  و«طه»، يعتبرهم الجيش مدنيين برغم عملهم في فترة الحرب تحت رتب عسكرية مكلفة.

 ويقول قناوي أن أحد قيادات الجيش أيام مبارك لم يتذكر اسمه قال له هو وزملاءه «لو كان تم استشهادكم في حرب السويس، كنا اهتمينا بيكم، وكان أهاليكم سيأخذون معاشات برتبكم العسكرية»، لكن قناوي رد عليه حينها قائلًا: «يا فندم طيب لو كنا موتنا كلنا بعد كده مش هتلاقوا بني آدم يتكلم عن حرب أكتوبر وبطولاتها» يقولها قناوي والحزن يكسو وجهه.

كل ما يطلبه قناوي وزملاءه المتبقيين من فدائيي السويس، هو «كارنيه» مثل المحاربين القدامى، كي يسهل لهم العلاج وبعض الخدمات في الدولة، تقديرًا لدورهم الذي بذلوه فداءً للوطن، وحتى يستطيع قناوي أن يسدد ثمن علاجه الذي يكلفه شهريًا 750 جنيه.

لم يتبقى لدى الحاج «قناوي» سوى ثلاث بنات، وولد أصيب في تفجيرات شرم الشيخ التي حدثت في عام 2005 حيث كان يعمل نجل «قناوي» بأحد المطاعم السياحية، وأثرت عليه الإصابة بشكل بالغ حيث تم بتر ساقه اليسرى لأنه كان قريب من التفجيرات، فور أن علم الحاج «قناوي» ببتر ساق نجله في تفجيرات شرم الشيخ، كان رد فعله بشكل تلقائي وبأريحية شديدة «الحمد لله أنا جاهدت عشان خاطر البلد وربنا سترها معايا، وابني كمان جاهد بس المرة جاهد علشان أكل العيش، الحمد لله».

لكن «قناوي» لا يزال يذكر تلك الكلمات حتى الآن، حينما يذكره أي شخص بحرب أكتوبر ودور الفدائيين قبلها وبعدها

«صبرنا وعبرنا ومحدش عبّرنا»

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech