Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

والده الشهيد

 

الكاتب - اللواء طيار أ-ح متقاعد محمد زكي عكاشه

 

 

جلس يتصفح أحد المجلات الأجنبية التي تمتلئ بالشرح والتحليل عما دار في حرب أكتوبر 1973 التي انتهت منذ شهرين.. كان مشدودا بكل تفكيره إلى أراء الخبراء العسكريين الأجانب وخاصة أراء الإسرائيليين الذين أشادوا بما فعلته القوات المسلحة المصرية أثناء الحرب.. خرج من استغراقه علي رنين التليفون.

-         الو.. منزل العقيد فاروق عليش.

-         نعم.. أنا هو يا سيدتي

كأنها وجدت ضالتها أخيرا فاندفعت في الحديث دون توقف.

-         اسفه يا سيدي أنت لا تعرفني.. أنا والدة الملازم طيار عبد القوي شمس الدين.. أريد أن أراك لحاجة ضرورية..هل يمكن أن أزورك بمنزلك أم أن هذا شئ يزعجك.

-  تشرفت بمعرفتك يا سيدتي.. وأهلا بك في أي وقت.. لكن الواجب أن احضر أنا إليك.

-         إذن ليكن لقاؤنا في السابعة مساء اليوم بمنزلي.

في الموعد المحدد كان أمام فيلا العائلة الواقعة علي النيل بالجيزة. يتساءل في نفسه عن سر هذا اللقاء.. مر بهذا الموقف كثيرا ويعرف انه لقاء ثقيل علي نفسه ويصيبه بحزن كبير رغم مشاعره التي تبدو باردة أمام الآخرين. لم يجد فيلا كما توقع إنما قصر محاط بحديقة مترامية. رافقه حارس البوابة، ثم في الصالون استقر مبهورا من الثراء الذي ينم عنه الأثاث البالغ الفخامة. وجد أن القهوة مناسبة في تلك الظروف، اخذ يتجول بعينيه في التحف الموجودة حوله. سمع خطوات السيدة التي جاء لزيارتها وهي تهبط درجات السلم. كان لديه مسافة كافيه كي يتأملها وهي قادمة إليه.. كانت في الأربعين من عمرها لكن جمالها مازال نضرا، تمشي في ثقة وثبات.. استلفت نظره أنها مُحجّبة وكان الحجاب نادرا في هذا الوقت.

-       خالص عزائي يا سيدتي

-       شكرا .. لكن الأحياء لا يقبل فيهم عزاء.

  أفحمته كلماتها الواثقة فجلس وهو لا يدري ماذا يقول إلى أن بادرته هي بالكلام.

-       كان أبني طيار تحت قيادتك.. هل كنت تعرفه جيدا ؟

-       نعم يا سيدتي، أعرفه جيدا

-       هل كنت تعرف انه وحيد ؟.. لقد توفي والده وهو في العاشرة ومن يومها ونحن متلاصقان لم يكن أحد يخفي عن الآخر شئ في حياته.

-       لم اكن اعلم تفاصيل حياته العائلية.. ومعرفتي به كانت من خلال العمل.

-       إذن فيما كان الخلاف بينك وبينه ؟

-       بالعكس كان قريبا إلى نفسي مثل كثير من الطيارين الذين تحت قيادتي.

   فناولته ورقة مطوية وهو في دهشة كبيرة من الموقف كله.

-       أذن أرجو أن تقرأ هذا.

كانت الورقة خطاب من عبد القوي إلى والدته أرسله لها بعد أسبوع من بداية الحرب.

أمي الحبيبة: سلام الله عليك. أنا وزملائي بخير يا أمي. الحرب نحن منتصرون فيها بأذن الله.. دعواتك يا أمي أن تكون مصر دائما منتصرة. أنا أبذل قصار جهدي كما تعودت مني طوال حياتي. لكن العقيد فاروق منذ يومين أمر ألا أشارك في طلعات مهاجمة اليهود، ولا ادري سبب هذا القرار؟.. ورغم أنه قائد متزن وأشعر نحوه بحب واحترام لكن هذا الأمر ضايقني كثيرا.. أرجو أن تكوني راضية عني وهذا ما يهمني كثيرا. أعاهدك بان نكون من المنتصرين بإذن الله.

                                                      ولدك: عبد القوي

 انتهي من قراءة الخطاب، رفع رأسه ببطء والصمت يلف المكان كله إلا من صوت قطرات المطر ترتطم بزجاج الصالون.. كان يشعر انه في حلم غريب وأنه عاجز عن الكلام.. لكنها لم تتركه لنفسه بل عاجلته كلماتها.

-       لقد طلبت زيارتك لكي تفسر لي أمرين أولهما هذا الخطاب.

واخذ يسترجع زمام نفسه حتى يواجه تلك السيدة وهدوءها المثير.

-   سيدتي. إن ابنك تخرج من الكلية الجوية منذ عام، والتحق باللواء الجوي الذي أتولى قيادته ضمن ثمانية من دفعته، وكنت أتولى تدريبهم علي القتال بنفسي، وتولدت بني وبينهم رابطة خاصة.. كانوا أخوة صغار لي وليس ضباط تحت قيادتي.

-       إذن لماذا حرمته من الاشتراك في الحرب بعد اليوم الخامس

 شعر بان ثقته بنفسه عادت إليه تماما وأنه أصبح المسيطر علي الحديث.

-  لم يكن الأمر شخصي يا سيدتي، أو لأنه لا سمح الله مقصر أو ضعيف عن زملائه.

-       إذن ما هو السبب ؟.

-       السبب يا سيدتي أن أوامري منذ بداية الحرب كانت أن يتساوي جميع الطيارين في عدد الطلعات، فليس هناك إنسان أجدر من الأخر بالحياة أو أجدر منه بشرف الشهادة.. وفي اليوم الخامس فوجئت بأن عبد القوي يسبق أقرانه في عدد الطلعات بمقدار الضعف فأوقفته لهذا، وبعد ثلاثة أيام أمرته بالطيران معي في نفس التشكيل وقد استشهد في هذه الطلعة. اعتقد الآن أنك مطمئنة إلى أن إيقافي لعبد القوي لم يكن عن غضب منه أو عقاب له.. بل بالعكس تماما. ولكنه أمر الله الذي لا راد لقضائه…

قاطعته بكلماتها الهادئة الشديدة الثقة.

-       هذا هو الأمر الأول أما الثاني فهو هل استشهد ابني وهو مقبل أم مدبر؟.

لم يفهم معني سؤالها فاستفسر: أفندم

-       هل عبد القوي استشهد وهو يهاجم أم وهو ينسحب ؟

أدرك معني سؤالها وانتابته مشاعر الانبهار بهذه السيدة والدهشة والغرابة من كلماتها.

-       سيدتي أن ابنك شهيد حق. لقد استشهد وهو يقاتل قتال الأبطال.استشهد في سبيل الله حقا.. شاهدته بعيني وهو يدمر موقع العدو ثم اشتبك مع طائرتين إسرائيليتين ولولا هذا لما تمكنا منه. إنه في الجنة مع رفقاؤنا الذين سبقونا.

ران الصمت ولم يدر ماذا يقول بعد هذا، صوب نظره نحوها ينتظر قولها. فوجد أن وجهها قد تألق بفرحه غريبة وأشرقت عينيها وهي تقوم إلى علبة من الفضة كانت علي المائدة تفتحها.

-       أشكرك سيادة العقيد. لقد أسعدتني كلماتك أيما سعادة. ومن الواجب الآن تناول الحلوى.

تناول قطعة من الحلوى وهو في دهشة من هذه السيدة التي أثارت في نفسه مشاعر متضاربة شتي. كان لابد أن ينهي الزيارة بعد أن جثمت أحزان كبيرة علي صدره. خرج من القصر  وقد خفت حدة الأمطار إلا من رذاذ خفيف. انطلق بسيارته عائدا وقد توقف تفكيره عند هذه السيدة وما أثارته في نفسه. لاحظ أن المطر المتساقط علي زجاج السيارة يعوق الرؤية أمامه فقام بتشغيل مساحات الزجاج الأمامية.. لكن لم يجد لها تأثير. كانت عيناه تدمعان

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech