Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

ورثنَا المجدَ عنْ آباءِ صِدقٍ

 

 

 

بقلم هاني عبد الله 

 

فى الثامن من أكتوبر من العام 1973م؛ وقف أحد ضباط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) بمعتقل [عتليت] بالأراضى الفلسطينية المُحتلة؛ ليدقق - بإمعانٍ شديد - فى ملامح شاب «طويل القامة»، أسمر اللون من أبناء القوات الخاصة المصرية (الكوماندوز).
أدركَ «الشاب» أنه على وَشَك معركة جديدة، سيكون فيها «العَقلُ»، والأعصابُ الهادئةُ» هما سَيِّدَا الموقف.. إذ بدَت ملامحه مألوفة لخصمه(!)

سأله الضابط بلغة عربية سليمة: عديت القناة قبل كدة؟!
= الشاب: لا.. هذه هى المرة الأولى.
الضابط: اتجندت فى الجيش المصرى إمتي؟!
= الشاب: أغسطس 1971م.
(واصل الضابط أسئلته بغضب):
تسليحك إيه؟
= الشاب: بندقية آلى.
الضابط: لك إخوة بالجيش المصري؟!
= الشاب: لا.
وصل الغضب بالضابط إلى ذُروته، قبلَ أن تستقر أعينهما فى مواجهة بعضهما البعض للحظات.. إلا أَنّ «الشاب» حافظ على هدوء أعصابه، إلى النهاية؛ إذ لم تكن ثمة معلومة واحدة [صحيحة] من بين ما أدلَى به من معلومات، خلال التحقيق(!)
فالشاب القادم من ريف محافظة القليوبية (وهو بالمناسبة: والدُ كاتب هذه السطور)؛ كان قد التحق بقوات الصاعقة المصرية فى العام 1968م.. وعبر المانع المائى والساتر الترابى عدة مرات: (للاستطلاع، وزرع الألغام، وتنفيذ عددٍ من العمليات النوعية الأخرى).. كما كان (بشهادة قادته) واحدًا من أمهر رماة الكتيبة 83 صاعقة».. إذ كان تسليحه (آر - بى - جيه). 
<<
أدرك الشاب أَنّ صورتَه المنشورة بعدد من «الجرائد المصرية» خلال العام 1970م، وبدايات العام 1971م؛ كانت وراء استدعائه بتلك الكيفية، من دون غيره(!).. لذلك.. رتّبَ ذِهنَه سريعًا، وأسقط من ذاكرته نحو 3 سنوات كاملة قضاها فوق الجبهة، شارك خلالها [مع نحو عشرة أفراد] من رفقائه فى الانتقام لشهداء «مدرسة بحر البقر» مرتين.. إذ كان أحد أبطال [معركة السَّبت الحزين] الرئيسيِّين.. وأحد ثلاثة حملوا معهم الأسير الإسرائيلى «يائير دوريه تسيفى» للضفة الغربية من القناة.
فعندما شَنَّ سلاح الطيران الإسرائيلى هجومه «الغادر» [صباح «الأربعاء» 8 إبريل من العام 1970م] على مدرسة «بحر البقر» الابتدائية، وأسفر هذا العدوان عن استشهاد 30 طفلاً، وإصابة 50 آخرين.. كان أن قررت القيادة المصرية أن تردَّ الصاع صاعين إلى قوات الاحتلال
ولم يمضِ أكثر من أسبوع على تلك الجريمة؛ إلا وتحرك (بعدها) نحو 10 أفراد من عناصر «الكتيبة 83 صاعقة»؛ للانتقام، عَبْر زَرْع الألغام (المُكثفة) فى طريق عبور قوات الاحتلال بالضفة الشرقية من القناة.. وكان هذا فى 16 إبريل من العام نفسه.. وباقتراب نهاية الشهر التالي؛ كان أن نفّذت [المجموعة نفسها] انتقامَها الثانى.. وكان هذه المَرَّة أكثر إيلامًا لقوات الاحتلال.. إذ تمت العملية «يوم سبت».. ودفع ما أحدثته العملية من خسائر بين صفوف قوات الاحتلال؛ رئيسة الوزراء الإسرائيلية (جولدا مائير)؛ لأن تصفها بـ«السَّبت الحزين»(!)
<<
فبالتزامُن مع التحرك للانتقام، ووجود رغبة مُلحة من قِبَل «أجهزة المعلومات» للحصول على أسرَى من جنود جيش الدفاع الإسرائيلى.. كان أن تمّ التخطيط - بالفعل - للحصول على أسرَى من كل القطاعات بالجبهة.. وركز الجيش الثانى الميدانى عمليات الرصد على المنطقة من شمال القنطرة حتى رأس العش (منطقة «رقبة الوزة»)؛ حيث القوات المعادية منعزلة، ولا يوجد عُمق للدفاع الإسرائيلى يحمى مواقعها.
كانت قوافل الإمداد الإسرائيلي؛ تتحرك - إذ ذاك - تحت حماية جَوِّية متواصلة، وتحرسها المدرعات والعربات المصفحة.. وخلال عودتها تمتلئ بجنود الإجازات.. ومن ثمّ.. استمرت عملية المراقبة لتحركات العدو مع دراسة الأرض «نهارًا وليلاً» لعدة أيام بدقة.. حتى اتضح الموقف، وأسلوب تحرك مجموعات الإمداد الإسرائيلى، وموعد عودتها، وطريقة تحركها وأسلوب حراستها.
وفى نهاية مايو من العام 1970م؛ قررت القيادة المصرية تنفيذ العملية اعتمادًا على عنصر المفاجأة، إذ تم رصْد مجموعة إسرائيلية مكونة من 4 دبابات، و4 عربات مدرعة، وحافلتيِّ ركاب إجازات، عند تحركها شمالاً من القنطرة.
وتم التخطيط للعملية المطلوبة بدقة من قِبَل القوات المشتركة بها؛ حيث تم تحديد منطقتيِّ شمال القنطرة (على مسافة 30 كم)، وجنوب رأس العش (لمسافة 14 كم) كنقطتين للهجوم.. وتم تخصيص كَمين «رقم 1» للمنطقة الأولى، مكون من 12 فردًا من عناصر (الكتيبة 83 صاعقة).. وخُصص للمنطقة الثانية؛ كمينٌ آخر، مكون من 21 فردًا من (لواء المشاة رقم: 135) بقطاع بورسعيد
وأعقب هذا الأمر.. حدوث اتصالات خاصة وتنسيق على أعلى مستوى قيادى، بين وحدة «الصاعقة» وقيادة اللواء 135.. فضلاً عن إجراء اتصالات بوحدات الجيش الأخرى المتواجدة فى هذا القطاع لتنظيم التعاون بين الجميع.
وعلى هذا.. عَبرَت القوات فى ليلة (29/ 30) من شهر مايو.. واتخذت مواقعها مستفيدة من طبيعة الأرض، والسواتر الترابية فى شرق القناة.. وظلت القوات تكمُن فى مواقعها فى صمت وترقُّب تام لوصول قوات العدو المتحركة.. ثم أفادت نقطة مراقبة فى شمال القنطرة غرب بتحرك مجموعة الإمداد الإسرائيلية المكونة من عدة دبابات وعربات نصف جنزير.
وبالطبع؛ وصلت هذه المعلومات إلى قائد كتيبة الصاعقة 83 وقائد اللواء 135 مشاة.. وقرر قائد الكتيبة «83 صاعقة» عدم التدخل ضد قوات العدو المتحركة، وهى فى طريقها إلى الشمال، إلا إذا اكتُشف أمرُ الكمين، مُفضلاً اشتباك قواتنا الخاصة (الكوماندوز) معهم حال العودة، إذ سيكون عنصر المفاجأة هنا أقوى.. فسبق أن عبَرت قوات الاحتلال هذه المنطقة دون أن يكون هناك ما يهدد أمنها (هكذا بدا لقوات الاحتلال فى حينه).
وبعد أن حدثت الاشتباكات مع الكمين رقم 2، التابع لـ"اللواء مشاة 135»، عادت القوات الإسرائيلية مسرعة إلى حيث كانت.. فمَرَّت، بمنطقة «الكيلو30»؛ حيث يتخندق «كمين الصاعقة» [الأول] من دون حراك.. ولم تشعر القوات المعادية إلا وعناصر الصاعقة تنقضُّ عليهم من دون هوادة.. وكان هول المفاجأة كبيرًا؛ إذ أحدث ذُعرًا لا حدود له.. ولم ينجُ من هذا الكمين سوى فرد واحد فقط - يُدعَى «يائير».. حمله ثلاثة من المجموعة معهم، وهم عائدون إلى الضفة الغربية من قناة السويس، إذ تم القضاء على نحو 39 عنصرًا من عناصر جيش الاحتلال، التابعين لسلاح المظلات (اللواء جولانى)، الذى كان يمثل أعلى مستوى تدريبى بالجيش الإسرائيلى وقتئذٍٍ.
<<
كان من نفذوا تلك العملية، على سبيل الحصر:
< الملازم «عبدالحميد خليفة» (اللواء فيما بعد).
< الملازم «محمد التميمى» (اللواء فيما بعد).
< رقيب «خليفة مترى ميخائيل» (مُكلف بالحصول على الأسير).
< رقيب مجند «السيد محمد على داوود» (مُكلف بالحصول على الأسير).
< رقيب مجند «عبدالله مصطفى فرج» (والد الكاتب/ مُكلف بالحصول على الأسير).
< مساعد «فاروق هيكل» (متطوع/ كان مُكلفًا بالحصول على الأسير، لكنه أصيب بشظية فى كتفه).
< رقيب أول «حسن خليل».
< رقيب مجند «حماد إبراهيم».
< جندى مجند «عبدالرءوف جمعة كريم».
< جندى مجند «أبوالحمد سيد أحمد».
< جندى «شكرى هاشم».
< عريف «كامل قرنى».
(ومن قوات الصاعقة البحرية: حسن السويفى، وعزت طلبة).
قال «سامى شرف»: لم أرَ «عبدالناصر» مبتسمًا منذ يونيو 1967م؛ سوى يوم «السبت الحزين».. إلا أَنّ القَدَر لم يُمهل الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»؛ للكشف عن تفاصيل العملية بنفسه.. ومَنْ فعَلَ، هو خلفه «الرئيس الراحل (أنور السادات).. إذ وقف السادات، بلهجته وعباراته المميزة، فى لقائه بعمال طنطا «يناير 1971م» ليَزفَّ الخبر إلى الأهالى قائلا: «10 أولاد من أولادى بَس، عَبَروا القناة، وادولهم درس عُمرهم ما هاينسوه».. لتتناقل - بعدها - وسائل الإعلام صور المجموعة التى نفذت العملية، وأزعجت «تل أبيب» إلى أبعد مدَى.
<<
وفى يوم 6 أكتوبر من العام 1973م؛ تم الدفع بالكتيبة 83 صاعقة (بكامل عناصرها) (بمَن فيهم أبطال السبت الحزين) فى عملية «شبه انتحارية» خلف خطوط العدو.. إذ انقسمت الكتيبة التى عبَرت القناة جوّا فى الثانية ظهرًا (من منطقة: الزعفرانة) إلى مجموعتين: الأولى بمنطقة «وادى بعبع» (وضمت من تبقى من أبطال السبت الحزين)، والثانية بمنطقة «وادى فيران».. وكانت الأهداف المنوط بالكتيبة تنفيذها (على بُعد 300 كم من عُمق صفوف العدو): 
< عمل كمائن، وإحداث «الذُّعر» خلف خطوط العدو.
وعلى مدار يومين متتاليين من الاشباكات، والأكمنة، تمكنت مجموعات الكتيبة 83 صاعقة من القيام بالمهام الموكلة إليها فى مناطق: (الطور/ فيران/ أبو رديس/ أبو زنيمة/ غرندل).. وظل العدو حبيسًا فى هذه المناطق.. لكنْ.. نظرًا لتأخر وصول اللواء الأول ميكانيكى، الذى كان يقوده العميد «صلاح ذكى»؛ بدأ سلاح الجو الإسرائيلى فى التضييق على مجموعات الصاعقة المصرية؛ إذ تعثر وصول اللواء الأول ميكانيكى بمنطقة «المسلة» (أى: على بُعد 200 كم من أماكن عمل مجموعات الصاعقة).. ومن ثمّ.. ازدادت الأمور تعقيدًا على مجموعات العمل.. إلا أنها قاومت إلى النهاية.
<<
فى سنوات وعيِى [الأولى]؛ حكَى لى «والدى» (الذى لايزال يقاوم - إلى اللحظة - أشرس نوعين من الأمراض التى عرفها المصريون) ما غرس بداخلى كل ما تحمله [كلمة: الوطنية] من معانٍ.. وعلمنى [من واقع ساعات الحصار تلك]؛ كيف أَنّ «أرواح الأبطال»؛ هى التى تملأ شرايين «الأوطان» بالحياة.. إذ كان الشهيد البطل «سمير البهى عرفان» هو ضابط اتصال مجموعتهم.. وعندما انقطعت الاتصالات بينهم وبين مركز القيادة؛ لم يكن أمام النقيب «سمير البهى» سوى خيارين لا ثالث لهما: إما التمكن من الهرب، أو الاستشهاد.. فقرر «سمير البهى» الاستشهاد(!)
قال لى والدى (وأنا لم أتجاوز الخامسة من عمرى بعد): كان «سمير البهى» أمامى مباشرة.. وكان الحصار على مجموعتنا مُحكمًا (قاعدة الدوريات).. إذ لم نتمكن من الخروج مثلما فعل [عبدالحميد خليفة، ومعه: سيد داوود، وعبدالرءوف جمعة] (بقية عناصر مجموعة «السبت الحزين» التى قضت نحو 200 يوم فى ملحمة بطولية جديدة خلف الخطوط).
فحمل «سمير البهى» سلاحه، ونطق الشهادتين.. وقال بصوت سمعناه جميعًا: [أستشهد فى سبيل الله، والوطن، والواجب]؛ ليشتبك - بعدها - فى شجاعة «مفرطة» مع قوات العدو، أصيب على أثرها بـ«دانة أنرجا»(!)
تخيَّل الطفلُ (الكاتب) المشهدَ؛ فاقشعَرَّ بدَنُه، أمام المعنَى الحقيقى للوطنية.. وانطبع فى ذاكرته ما لم يسقط بالتقادم.
فإلى من علّمَنى أَنَّ «حُبَّ الوطن»، مِن «حُبِّ الله».
 .. إلى «المقاتل»، الذى لم ترهقه «سنوات الحرب»، على الجبهة؛ مثلَما أرهقته معى.
ــ  إلى (أبـى):  أحد أبطال «الكوماندوز»، الذين ثأروا لشهداء «بحر البقر» مرتين.. وصنعوا (ملحمة: السبت الحزين)، فى «شموخ»، و«كبرياء»... 
إلى الرَّجُل، الذى أهدَى «وطنه» أسيرًا «إسرائيليًّا».. قبل أن تستقر كتيبته، يوم العبور، خلف خطوط العدو.. فى مهمة «شبه انتحارية»: يكفينى فخرًا؛ أنك (أبـى).

(فاللهم رحمتك بمَن علَّمنا كيف نتقرَّبُ لـ«ذاتك» فى مِحراب الوطن

 

 

المصدر 

http://rosa-magazine.com/Article.aspx?ArticleID=4160

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech