Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

قصة استشهاد الشهيد الملازم طيار طلال محمد سعد الله

 

 

الطريق إلى الجنة .. 
قصة استشهاد 
الشهيد الملازم طيار / طلال محمد سعد الله

يرويها : أ / صفوان سعد الله ، شقيق الشهيد
كتبتها : أسماء محمود كاشف

**********************
أسرع الملازم طيار طلال الخطى ، متوجهاً إلى زيارة صديقه أحمد جابر ، فقد اعتاد زيارته وتمضية بعض الوقت معه ، تماماً كما يمضى الوقت مع أصدقاء الطفولة ، مصطفى رجب ، وعادل الجارحى وعبد الفتاح يونس وغيرهم ، صحيح أن أحمد ليس صديق طفولة ، لكنه صديقه فى الكلية الجوية ، منذ أن كانا طالبين فى الدفعة 20 طيران ، وما إن تخرجا عام 1968 بعيد النكسة ، حتى أصبحا سوياً طيارين على المقاتلات ميج 17 فى السرب نفسه ، وبذلك أصبحا رفيقين فى السلاح والسرب .

لم تكن علاقته بأحمد زمالة عادية ، إذ أنه من رافقه أثناء تحقيق حلمه ليصبح طياراً مقاتلاً يذود عن سماء الوطن .

ولأن أحمد لا يستطيع أن يزور طلال فى هذه الأونة ، فضل الملازم طلال أن يذهب لزياته ، دلف عبر البوابة ، وقف أمامه ملقياً التحية ، يصرح إليه بأخبار عمليات الاستنزاف والثأر ، وإن كان أحمد يعرفها سلفاً ، ويسترسل الملازم طلال فى الحديث ، تنزح منه الدموع رغماً عنه ، يخبره أنهم وقائد السرب الرائد محمد عكاشة لقنوا العدو درساً وقصفوا مواقع صواريخ الهوك ، لم يكن باستطاعة أحمد أن يقطع حديث طلال ، أو يتداخل معه ، لكنه يشعر به ، يسمعه ، يفرح بزيارته .
يعده طلال بمزيد من الويل والدمار للعدو قائلاً :

زى ما أنت عارف يا أحمد وزى ما كنت بقولك دائماً ، لو العدو أصاب طيارتى وأنا فوق موقعه ، مش هتردد أنى اقتحم موقعه بالطيارة ، ومش هرجع ، طالما أنا قادر على الاشتباك .. استحالة اقفز بالمظلة وأبقى أسير لهم .
واستطرد قائلاً : 3 شهور يا أحمد وأنت مفارقنا ، وحشتنا قوى ، لكن نقول إيه أكيد مكانك فى الجنة أحلى بكتير ، سلام مؤقت وجاى لك قريب بإذن الله .
ثم وقف يتلو الفاتحة على روح صديقه قبل أن ينصرف ، فالكثير من الأعمال تنتظره فى وقت الإجازة القصير .


ولكنه قبل أن يغادر مقابر الشهداء ، تذكر شىء هام ، استدعى المسئول عن الدفن فى المقابر ، ليقول له :

بقولك إيه ، أوعى حد يدّفن هنا فى التربة دى ، أنا حاجز هنا !!

تلقاها الرجل بروح المرح والدعابة ، تماماً كما نطق بها الملازم طلال ، لكنه وإن بدا مازحاً ، إلا أنه كان عازماً على الشهادة ، ساعياً إليها ، علها تختاره ، كما اختارت صديقه أحمد جابر .

سار طلال إلى موعد آخر هام ، إنه فى طريقه لملاقاة عروسه التى اختارها قلبه، وقعت عيناه عليها للوهلة الأولى فى عيادة طبيب الأسنان وخفق قلبه لها ولجمالها الآخاذ ،ويبدو أن الشعور كان متبادلاً ، إذ خفق قلب الفتاة للبطل الطيار ، ذو الشجاعة الفائقة ،تعارفا ، تفاهما ، وتمكن من تحديد موعد يوم 23 أبريل ليتوجه وأسرته وقائده لخطبتها رسمياً .

ودع طلال حبيبته ، ممنياً نفسه بيوم الخطبة المرتقب ، وقت أن تتوجه الأنظار إليه وإلى عروسه ، ويستقبلان التهانى من الأهل والأحباب ، فيم كانت العروس تدعو له بالسلامة والنصر .

توجه إلى أصدقاء الصبا وجيرانه ، مصطفى وعادل وعبدالفتاح ، كانوا يتسامرون ، وقد أضفى وجود طلال على مجلسهم المرح ، بحديثه الشيق وضحكاته التى ملأت المكان ، تحدث عن طلعاته والأبطال للنيل من العدو الأمر الى أثار إعجاب رفاقه ، فقد بدا أمامهم الأمل يتفتح ، إننا قادرون على مواجهة العدو ، وأن النسورجميعهم رهن أمر الإقلاع ، طلال وقائده الرائد محمد عكاشة وصديقه جلال زكى و الشهيد أحمد جابروغيرهم ، هم جميعاً يكتبون تاريخ مشرق جديد .

بل إن طلال لازال يؤكد لهم إصراره على أن يصرع العدو ، ويذكّرهم أنه لن يستخدم المظلة حال إصابة طائرته فوق مواقع العدو ، سيقتحم بطائرته الموقع ..
كان فى كلماته كما لو يرسم النهاية ، ولم لا فقد فعلها الشهيد جواد حسنى من قبل حينما خط فى موضوع الإنشاء كيف سيواجه العدو ، كتب نهايته قبلها بسنوات ، والآن طلال يرسم نزاله مع العدو .

رحى حرب الاستنزاف لاتزال دائرة وتعقد مصر الأمل والطموح على ابنها طلال وملايين الأبطال لتكبيد العدو خسائر فادحة ، وبالرغم من أن الملازم طلال تخرج حديثاً ، إلا أنه صنع من البطولات الكثير حتى أنه حاز ثلاثة أنواط منها نوطين لا يفصلهما سوى شهرين ، نوط الشجاعة العسكرى من الطبقة الأولى فى سبتمبر 1969 ، ونوط الشجاعة العسكرى من الطبقة الأولى فى نوفمبر 1969 .

ودع الملازم طلال أصدقائه ، وفى صباح اليوم التالى ودع أسرته ، عائداً إلى القاعدة الجوية ورفاقه الأبطال ، آملاً فى مواجهة أخرى مع العدو ، بينما كانت الأسرة ممثلة فى والديه وأخوته ينتظرون عودته والاحتفال به ، وكذلك بدأت العروس تحصى الأيام ، حيث أن لهما موعد قريب كما وعدها فى لقائه منذ أيام ..

وماهى إلا أيام حتى كان لدى طلال موعد جديد ، إنه الموعد الذى يحب ألا يتأخر عليه هو أو زملائه ، إنه قتال العدو ، ففى 21 أبريل 1970 صدرت الأوامر للملازم طلال سعد الله بقيادة تشكيل من 4 طائرات وضرب مواقع صواريخ الهوك فى بالوظة ، وقد سعد طلال بهذا الأمر أيما سعادة ، أقلع وتشكيل الطائرات متعاهدين على هزيمة صواريخ الهوك ، كما أعتادوا دائماً ، وعاهد طلال نفسه كما عاهد الله والوطن من قبل على النصر أو الشهادة .

نسورنا البواسل فوق موقع بطاريات الهوك ، يقذفون الصواريخ محطمين ليس فقط بطاريات العدو وموقعه ، وإنما يحطمون أيضاً غروره وصلفه وحلمه بالاستيلاء على سيناء دونما مقاومة أو قتال ، يحطمون رهانات الغرب الدائمة على إسرائيل وجيشها ، يحطمون اليأس ، ويواصلون إعلان التحدى .. هنا سماء مصر أيها العدو ،فيها ومنها يكون مصرعك .

دقائق معدودة نجح خلالها الملازم طلال وتشكيله فى إسكات بطاريات العدو ، استدار عائداً إلى القاعدة ، وفى تلك الأثناء بدأ العدو المذعور يوجه نيرانه إلى طائراتنا ، أصيبت طائرة الملازم طلال ، واشتعلت بها النيران فوق مواقع العدو ، ولم يكن البطل فى حاجة لأن يفكر فيم يفعله ، طالما اتخذ قراره منذ أن تخرج طيار مقاتل ، وتعاهد على النصر أو الشهادة ، ولطالما قرر مسبقاً أن يصطدم بموقع العدو حال إصابة طائرته فوق موقعهم ، كان القرار واضح ومسبق ، والآن حان وقت التنفيذ .

ولم يدر بخلده أن حياةً جديدة تنتظره ، بجوار حبيبته ، بين أصدقائه ، مع أسرته ، بل إنه هنا فوق الأجواء من أجلهم ، إنه يعشق الوطن والوطن هم ، يذوب الجميع فى معناه وتكوينه ويتفانوا من أجله، إنها اللحظة التى رسمها ، وباح بها ، كما أن القرار نفسه لن يتبدل ، فى سرعه مذهلة ، أبلغ باللاسلكى أن طائرته اشتعلت وأنه الآن فى طريقه إلى قاعدة العدو .. فى طريقه إلى الجنة ، وأصطدم بطائرته فى موقع صواريخ هوك ، ليشتعل الموقع ويخضع للنيران فتلتهمه ، ويخلد البطل فى سجل العظماء الذين قدموا أرواحهم فداء الوطن.

فى اليوم التالى وقع خبر الاستشهاد كما الصاعقة على أسرته وأصدقائه ، أنهارت الأم ألماً وحزناً وبكاء ، فطلال ولدها الثالث ، كانت على وشك أن تحتفل بخطوبته ، لكنه الآن لم يعد موجود بينهم ، أما والده الأستاذ محمد سعد الله موجه التربية الفنية فقد تلقى الخبر بشىء من التماسك ، كذلك أخوته أسامة ، محمد عبد الهادى ، صفوان وتيسير ، جميعهم تألموا ، لكنهم تماسكوا ،، فقد سار طلال على الدرب الذى رسمه لنفسه منذ أن كانت أحلامه الإقامة فى منزل مرتفع ، و عشقه تسلق الارتفاعات ، وكذلك رغبته الالتحاق بالكلية الجوية ليصبح طياراً يحمى سماء الوطن ، ويشارك فى ردع العدو ، ومحو آثار الهزيمة ..

وفى 28 أبريل ، شيع الحضور جنازته ، وشهيدين آخرين من نسورنا ، إنهما الشهيدان فاروق جاد الرب ومحمد عبد الجواد ، سارت جموع المصريين فى وداعهم ، ساروا وقلوبهم يعتصرها الألم ، وفى الوقت ذاته يستحضرون روح البطولة ، ويتفاخرون بصنيع الأبطال ، ويرسلون للعدو رسالة ، إننا صامدون حتى آخر مصرى ..

سارت جموع الأهل والأصدقاء إلى مثواه ، فى المكان الذى اختاره بالقرب من صديقه الشهيد أحمد جابر ، فى مقابر شهداء القوات الجوية .
وفى مشهد تهتز له القلوب ، وقف والد الشهيد الملازم طلال سعد الله ، وقف أمام قبر ابنه الشهيد ، يصيح قائلاً :

ابنى لم يمت ، ابنى حى ويسمعنى 
ابنى لم يمت ، ابنى حى ويسمعنى 
تجلت صورته أمام أصدقائه ورن صوته فى أذانهم وهو يكرر أنه سيقتحم الموقع بطائرته ، كانوا يظنون أنه يكرر هذا الافتراض من فرط حماسته ، لكنهم فوجئوا به وقد نفذه .

بينما جثت خطيبته على ركبتيها تحتضن القبر ، وتبكى بشدة ، ألم يعدها بلقاء جديد ؟ ألم تكن الحياة السعيدة تنتظرهما ؟ هل تناسى أحلامهما وطموحاتهما المشتركة ؟ كانت من الحزن والذهول بدرجة لم تعد تصدق أن طلال الذى كانت روحه تشع بهجة ومرح ، سكن ، واستشهد ، تاركاً زملائه على الدرب ، حتى يحققوا النصر ، حاول الجمع تهدئتها ، وحاول الحراس إبعادها ، لكن محاولاتهم لم تنجح ، أمرهم أحد الضباط بتركها حتى تهدأ ، وتسكن الأوجاع ..

وكيف للأوجاع أن تسكن ، وزهرة شباب مصر يمضون واحداً تلو الآخر ، محاولين انتزاع النصر ورفع اسم الوطن عالياً ؟؟

تمضى الأيام ، والسنون ،إلا أن استشهاد طلال لم يمر كحدث عابر ، فقد ترسخت بطولته لدى الكثير من أبطالنا نسور مصر ،واختار بعضهم نهاية مماثلة ، وحينما حانت ساعة الصفر وانطلق نسور مصر فى سمائها متجهين إلى مواقع ومطارات العدو يصبون عليها حمم النيران ، انطلق معهم النقيب طيار صبحى الشيخ يحمى المقاتلات القاذفة ، الموكلة بتدمير مطار رأس نصرانى ، بدأ الأبطال يدكون المطار ، وبدأ العدو فى توجيه صواريخه ونيران مدفعيته ،أصيبت طائرة البطل ، وبدلاً من أن يقفز بالمظلة ، اتخذ قراره باقتحام دشمة للعدو ،تستعد فيها طائراته للإقلاع ، أبلغ فى اللاسلكى أن طائرته أصيبت ، ردد : الله أكبر .. تحيا مصر ،، واقتحم بطائرته دشمة العدو ..

وفى عدد مجلة الهلال التاريخى ، نُشرت صورة الشهيد طلال بين أبطال النصر ، ووضعت صورة الشهيد صبحى مدوناً الاسم تحتها ، صبحى الشيخ ، تلميذ سعد الله ، فقد مضى طلال لكنه كان قدوة لصبحى الشيخ ، ولغيره من النسور البواسل الذين لم يهابوا الموت فى 1973 ..

مضى وبقيت بطولته نبراساً على درب الأبطال والشهداء ..

مضى طلال ، لكنه بوطنيته وإخلاصه وبطولته حياً فى أذهان الكثيرين ، فها هو عادل الجارحى صديق الطفولة يكتب عنه فى مدونته بعد مضى أكثر من 30 عام على استشهاده ، وها هو قائده اللواء محمد عكاشة ، يروى للأجيال بطولة الشهيد ، وتنزح عبراته كلما تذكر طلال ذاك الشاب الصغير سناً ، الشهيد والبطل مقاماً .. وحينما زار أسرة الشهيد ، تجسدت أمامه ذكرياته مع طلال وأحمد ولفيف من الشهداء ، حاول مقاومة الدموع ، لكنها هزمته ، تماماً كما هزمها منذ عشرات السنين ، حينما كان الوطن فى أوج القتال والصمود .

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech