Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

مهمه خلف خطوط العدو - الفصل الرابع

 

( الفصل الرابع )

 عرف بعد ذلك سبب ماحدث من هذا الجمل .. فقد كان سعد قد اصطحبه ليذهب الى دياره .. ولكنه شعر بالارهاق من اثر ذلك المشوار الذى قام به مع نصر.. فابتعد بعيدا عن مكان الخور .. وهبط من الجمل ونام أسفل احدى الشجيرات ويبدو أن الجمل شاهد تلك العربات المدرعة قادمة باصواتها ففزع .. وأراد الهرب وطبيعى ان يهرب الى مكان يعرفه ليختبئ فيه فاتجه الى مكان الخور وبذلك نستطيع ان نقول أن الله سخر العدو لانقاذ حياة المجموعة .. بمعنى انه لولا وجود عربة العدو امام مدخل الخور لكان الجمل قد دخل .. وكان العدو قد شاهده وشك وهاجم الخور .

طمأن نصر مجموعته وأبلغهم بان العدو يقوم بتدريب جاف وأنه سينصرف قبل آخر ضوء ..ولكنه أمر بالاستعداد لترك ذلك المكان فى نفس الليلة .. وهنا كانت الخبرة فنصر يعرف ان التدريبات الجافة على الرمايه تستكمل فى اليوم التالى مباشرة بالذخيرة الحية  وعليه فان العدو سيعود فى صباح اليوم التالى ومعه الاشكال التى سيطلقون عليها النار للتدريب فى مدخل الخور .. وذلك واضح من وضع الجنود وتوجيه اسلحتهم لمدخل الخور أثناء التدريب الجاف الذى تم .. لذا فلابد من اخلاء المكان والتوجه الى مكان آخر .

بدأ نصر ورجاله استكمال طعامهم الذى أوقف بسبب ماحدث .. هذا ومزال العدو على مدخل الخور يقوم بتدريباته .. ولكن أثناء تناولهم الطعام سمع نصر ورجاله أصوات العدو فى داخل الخور المجاور لهم تماما .. فتوترت اعصاب الرجال مرة أخرى .. فمن الممكن أن يمر أحدهم ليدخل الخور الذى هم فيه .

أخذ نصر سلاحه وصعد مرة أخرى من ناحية اتجاه الخور المجاور وكان كلما يقترب من أعلى يأخذ حذره أكثر حتى لايسمع أفراد العدو صوت حركته وعندما اقترب من القمة سحب طلقة فى ماسورة بندقيته الآليه ثم امنها ووضع اصبعه على الزناد والاصبع الآخر على الأمان .. وظل يزحف بهدؤ مقتربا من الفتحة التى سينظر منها على جنود العدو بالخور المجاور .

كان يقوم بذلك بحذر ففي كل لحظه كان يتوقع أن يفاجأ بوجه احد جنود العدو أمامه مباشرة وهو فى هذا التوتر الشديد .. اذا به يفاجأ بشئ ما أسود قوى يصطدم بوجهه بقوة كاد يسقط من قوتها من أعلى .. فتشبس بصخرة حتى لايقع ويحدث صوتا يلفت نظر العدو ..

بسرعة تمالك نصر نفسه .. وفتح عينيه .. فوجد حوليه بعض الريش يتساقط فى الهواء .. وعلى الفور عرف انه اقترب من فتحه صغيرة كانت عشا لاحدى فراخ الجبل التى ذعرت فانطلقت بسرعة وبقوة لتهرب فاصطدمت بوجهه ..

استأنف نصر زحفه الى أن وصل الى مكان شاهد منه جنود العدو فى الخور المجاور وهم فى الراحة حيث كانوا يشربون العصائر ويدخنون السجائر. ويمرحون بقذف بعضهم البعض بالعلب الفارغه .. فعاد نصر الى رجاله وطمأنهم ثم أخذ هو سلاحه وتسلق مايشبه مصطبه علويه فى الخور .. بعد أن ابلغ رجاله انه سينام .. وحذرهم بشدة من ايقاظه الا اذا عبر العدو فردة الكاوتش التى عند مدخل الخور .. وتعجب افراده منه ونظروا الى بعضهم بحيرة .. فكيف سينام قائدهم والعدو مازال ملتصقا بهم وبجوارهم .. وأقول هنا ان نصر اثبت بما فعل انه قائد محنك .. ففى كتاب مشاهيرالقادة .. سأل احد القادة الكبار عمن هو القائد الجاد القوى .. فأجابهم انه القائد الذى يستطيع ان ينام .

نام نصر من التاسعه صباحا حتى العصر .. وعندما استيقظ سأل رجاله عن أخبار العدو .. فأخبروه أنه أخلى المنطقه وانصرف .. فطلب من رجاله التجهيز للاخلاء وبعد اتمام اخفاء الآثار .. بدأت المجموعة رحلة الاخلاء وبرفقتهم البدوى سليم واتجهوا الى سلسلة جبال تبعد عن مكانهم بمسافة أربعة كيلو مترات . وهى سلسلة من سلاسل جبال الحائط الغربى لسيناء ..

حيث قصد نصر بمجموعته جبلا يطلق عليه " جبل حيطان " وهناك تركهم سليم عند مدخل الجبل على ان يعود اليهم بعد احضار التموين فهو سيعرف مكانهم من اقتفاء أثرهم .. واستمر نصر وجماعته فى التوغل داخل الجبل .. الذى كان من الجبال الصالحة جدا للاختفاء من حيث كثرة خيرانه التى لها اكثر من فتحة ليتمكنوا من الهرب لو حاصرهم العدو .. وكان ايضا العدو قد انتهى من تمشيط تلك الجبال الكبيرة بحثا عن الكوماندوز المصريين فأصبح من الطبيعى أن تكون المجموعة أكثر أمانا فى ذلك الجبل .. فلن يعود العدو الى تمشيطها مرة أخرى بعد أن اطمأن من خلوها كان قد حل شهر يناير على تلك المجموعة ..

 فتعمد نصر أثناء تجهيز المكان أن يتم حفر ما يشبه القناه الصغيرة تحسبا للمطر وذلك لكى تتصرف مياهه بعيدا عن الموقع وأبلغ نصر قيادته عن موقعه الجديد. وبدأ هو ومجموعته العمل من هذا المكان .. وأيضا كانت تصله  رسائل بها احتياجات لاستطلاع أماكن قريبة منه .. فكان يقوم بتنفيذها بالتبادل من الضابط علوان .. وابلاغ القيادة بالنتائج

وفى يوم ما وعلى غير العادة كانت الشمس محتجبة .. وبعد لحظات بدأت قطع الثلج التى يطلق عليها البرد تتساقط من السماء..ثم بدأت المجموعة تسمع صوتا يشبه صوت الوش .. وبعد دقائق وبلا أى مقدمات ازداد هذا الصوت قوة واقترابا .. وفجأة كان ذلك الطوفان من الماء .. وكأن سدا قد انهار واندفعت المياه منه بكثرة وبقوة .. لقد كان سيلا ضرب نصر ومن معه بأسلحتهم وأجهزتهم اللاسلكية وخرائطهم وطعامهم وبطاطنهم وكل شيئ.. حيث جرفهم السيل .. فقد كانوا دون ان يعلموا فى مجراه .

وبصعوبه حاول كل منهم أن يتمسك بصخرة أو جزع شجرة حتى لايجرفه السيل لأسفل .. وحاول الخروج عن مجراه وبمشقه نجحوا فى ذلك .. ولكن السيل قد جرف كل ما معهم .. هنا انتاب نصر وزملائة الفزع حقا هم نجوا من جرف السيل لهم .. ولكن متعلقاتهم خصوصا الخرائط وأجهزة اللاسلكى والاسلحة قد جرفت .. ومايفزع أكثر .. ان مجرى السيل هذا الذى دفع بتلك الاشياء . يصب عند اول الطريق الذى عليه نقطة شرطة عسكرية اسرائيلية .. ومعنى ذلك ان تلك الاشياء المهمة والتى تعتبر قرائن دالة على وجود كوماندوز مصريين فى هذا المكان . وبالتالى سيبحث عنهم العدو وسيكشف امرهم ..

ترك نصر تلك الصخرة التى كان متمسكا بها وهو يصرخ فى باقى جماعته ان يحذوا حذوه فى جمع اشيائهم ..فقد كانت الاسلحة والخرائط تصطدم بشجيرات الرتم ..فتتوقف , فأسرع الجميع مرة أخرى الى داخل مجرى السيل متمسكين بالصخور والشجيرات ليجمعوا تلك الاشياء قبل ان تجرف الى اسفل .. وتصل الى العدو وكما هى العادة .. كان الله مع تلك المجموعة فمكنهم من جمع كل متعلقاتهم قبل أن تصل الى يد العدو وتدل عليهم .

عاشت المجموعة بعد حادث السيل اربعة ايام دون طعام .. فقد جرف السيل كل الدقيق وباقى الطعام وحتى الكبريت . فلم يتمكنوا حتى من اشعال النار للتدفئة ولكنهم تمتعوا كثيرا بمياه هذا السيل التى تجمعت فى الاخوار واصبحت كحمامات السباحة .. واخذت المياه الوان الصخور فشكلت لوحة ملونه جميلة .. فأصبح لديهم مخزون ماء يكفى الدهر كله بعد ان كانوا يشربون الماء من غطاء الزمزميه اصبحوا يشربون منه

بما يكفيهم واكثر وبعد ان كانوا يستحمون بطريقة فرك اجسادهم بأصابعهم .. اصبحوا يستحمون فى تلك الاحواض ويسبحون فيها  ولكنهم ظلوا جياعا الى ان حضر اليهم البدوى سليم وأحضر معه الطعام والكبريت فاسرعوا باشعال النار وصنعوا الطعام واكلوا وشربوا الشاى الذى حرموا منه تلك المدة .. فبدأت الحياه تدب فيهم وارتفعت معنوياتهم مرة أخرى .

وحل شهر فبراير على المجموعة وهى فى هذا المكان .. كان هو الشهر الخامس منذ أن دخلوا خلف خطوط العدو .. ليقوموا بعملية ويعودوا بعد ستة ايام وهاهى قد مرت عليهم خمسة أشهر ولم تتمكن القيادة من ارسال من يعود بهم الى قواعدنا .

ولكن اتصال القيادة هذه المرة كان به تعليمات بالانتقال الى منطقة فى اتجاه الغرب اى فى اتجاه قواتنا .. وهذا ما أسعد تلك المجموعة فتلك كانت اشارة الى قرب العودة وسريعا ماقاموا باجراءآت الاخلاء وبدأوا الرحلة الى المنطقة الجديدة وايضا معهم ذلك البدوى الوطنى سليم .. وكان لابد من اجل الخروج من ذلك الجبل ان يمشوا على درب لايتعدى عرضه عى 50 سم وتحته جرف لايقل عمقه عن 500 متر ..وكانت مسافة ذلك الدرب حوالى كيلو متر .. حملوا الجمل الذى مع سليم بكل مايخص المجموعة من معدات .. وركب سليم فوقه وبدأت الرحلة ..

 وتظهر قدرة الله فى امكانيات خلقه.. فقد منح الله ذلك الحيوان اى الجمل قدرة السير فى الظلام على درب بهذا الحيز الضيق وبكفاءة نادرة .. وكان افراد المجموعة يسيرون خلفه على هذا الدرب الضيق بحذر شديد .. أما الجمل فقد كان يسير فى تلك المناطق الضيقة بثبات وثقه .. ولكن فجأة زلت أقدام الجمل وكاد يسقط فى الجرف ..وشهق الجميع رعبا .. فقد اعتقدوا ان الجمل بما حمل حتى بصاحبه قد سقط .. ولكن الجمل قفز وكأنه لاعب سيرك يسير على حبل .. قفز على قدميه الآخرتين .. فرفع قدمية التى سقطت فاستوى فورا على الدرب مرة اخرى .. ومن اعجاز الله فى خلقه .. ان خلق الجمل مختلفا فى سيره عن باقى الدواب .. فهو يسير باليمنى الأماميه مع اليمنى الخلفية .. واليسرى الأمامية مع اليسرى الخلفية .. وهذا يفسر تلك الحركة الغريبة التى حدثت عند سقوط قدميه .. فقد استند فورا على قدميه اليمنى الامامية والخلفية ورفع بهما جسمه الذى هوى فاستوى مرة أخرى واستأنف سيره على الطريق .

اخيرا وصلت الرحله الى وادى الفراشات وهو المكان المطلوب الانتقال اليه وأصبحوا على بعد خمسين كيلومترا من قواتنا التى على خط القتال بعد عبورها القناه واختار نصر مكانا مناسبا للاختفاء .. وامر بتجهيزه واصبح هذا المكان هو القاعدة الجديدة للمجموعة . وابتدأ العمل وتم استطلاع المنطقه المحيطه بالمكان .. وتم ابلاغ القيادة بكل المواقع الاسرائيلية الموجودة فى تلك المنطقه .

كانت تلك المنطقه من المناطق المغلقه .. وكلمة مناطق مغلقه تعنى ان بتلك المنطقه قواعد لقوات العدو  فمحظور على اى فرد من البدو المرور فيها او الرعى بها الا بعض الاعراب المتعاونين مع العدو وهم قلة قليلة جدا ..كانت تلك النقلة للمجموعة تعتبر بداية رحلة العودة .. فقد كانت اتفاقية وقف اطلاق النار الاولى قد وقعت .. ورفع الحصار عن مدينة السويس .. وعملية الفصل الاولى تمت واليهود تراجعوا عن السويس وفتح الطريق اليها وعليه فقد اصبح موضوع رجوع المجموعة وارد جدا .

وللعلم ان الخريطة التى مع نصر  كانت آخر منطقه او آخر جزئ فيها هى تلك المنطقه التى هو فيها الان " منطقة وادى الفراشات " ومابعد ذلك الى الغرب لايعلم عنها شيئ اى انه لايعرف اماكن قواتنا .. واماكن قوات العدو المواجه لبعضها .. ومعنى ذلك ان نصر لايستطيع ان يتقدم للعودة الا لو كان لديه معلومات تفصيلية وكان الحل اما ان ترسل له القيادة دليلا من البدو يعرف الطريق ليرشد نصر ومجموعته ليصطحبهم الى خطوط قواتنا وحدد لنصر النقطه التى سيلتقى بها مع هذا الدليل والوقت بالساعة والدقيقة وكود التعارف السرى .

وفى صباح هذا اليوم .. أبلغ فرد المراقبه نصر بان هناك بعض البدو يرعون أغنامهم فى المنطقه .. كان نصر مرتديا جلبابا بدويا وطاقية فوق رأسه وشالا وذقنا كثة طويلة .. وكان فى شكله يشبه البدو ..فتقدم نصر ومعه الضابط علوان .. وكانت الجيوب الصخرية ممتلئه بالماء وكانت على شكل احواض سباحة كما ذكرنا من قبل وظلا يتنقلان بين تلك الصخور والاخوار ليصلا الى مكان يشرف على المنطقه كلها ليستكشفا منه حركة البدو ... وفجأة وهما يتنقلان بين الصخور اذا بهما يسمعان اصواتا نسائية .. كانت تطلق ضحكات رنانه .. ودهش الاثنان واقتربا قليلا من مصدر الصوت الذى كان يقوى كلما تقدما وفجأة اذا بهما امام مشهد غريب وغير متوقع فقد شاهدا على بعد عشرين مترا تقريبا من مكانهما .. خوار به ماء بالشكل الذى ذكرناه من قبل وكانت هناك فتاتان من البدويات لاتتعدى اعمارهما من السابع عشرة الى الثامن عشرة عاما وهما شبه عاريتان .. وكانت تمرحان وتلعبان وتتعاكسان وتجريان خلف بعضهما وهما تطلقان الضحكات الرنانه التى صدى الصوت اعطاها نوعا من الصوت المجسم المشابه لما فى الافلام السينمائية .

واثناء دهشة نصر وعلوان .. سمعا صوتا قادما من خلفهما .. فشاهدا بدوية واضح انها أم الفتاتين وهى تصرخ عليهما وتقذفهما بالحجارة لتنبههما لوجود من يتلصص عليهما واستمرت تقذفهم بالحجارة وهى تنظر الى نصر وعلوان بغضب .. ونظرت الفتاتان فشاهدت نصر وعلوان .. وصرخت الفتاتان وهربتا فى الاتجاه المعاكس ..

نتيجه ماحدث .. فقد اصبح معروفا وجودهما لبدو المنطقه التى سيصلهم الخبر عن طريق البدوية الام .. وقد ذكرنا من قبل مدى خطورة ذلك .. وتذكر نصر ماكان يحدث للكوماندوز المصريين فى المناطق المغلقه من نوعية هؤلاء البدو فقد كان العدو يسلمهم جهازا صغيرا يطلق عليه " البيكو" يلصقه البدوى فى قطعة من الحطب ويسحب فتيله فيه ويلقيه فى المنطقه التى اكتشف فيها احدا من الكوماندوز وهذا الجهاز كان يصدر اشارات تلطقتها طائرات العدو الهليكوبتر وتحدد المكان وتبدأ التفتيش فى دائرة متتابعه الى ان تصل الى اقرب مكان يصدر منه تلك الاشارات من ذلك الجهاز .. وبعد لحظات تصل طائرة كبيرة بها الجنود ويهبطون فى المنطقه ويقبضون على الكوماندوز .

لم يكن أمام نصر سوى ابلاغ قيادته بأنهم قد اكتشفوا .. وفعلا عاد الاثنان الى الموقع وارسلت اشارة بهذا المعنى .. فوصله الرد بضرورة اخلاء المنطقه .. ولكن نصر وقع فى مأزق آخر .. فاتصل مرة أخرى يطلب من القيادة ان تتصل بذلك الدليل الذى الذى سيلتقى بهم ليدلهم على طريق العوده ..وكان الموعد مساء اليوم .. فردت القيادة انه لايمكن الاتصال بالدليل فقد انطلق فعلا فى طريقه اليهم وليس هناك وسيلة اتصال معه .. وطلبوا من نصر التصرف .

طلب نصر من افراده ان يخفى كلا منهم نفسه وفعلا تم ذلك .. وظل الجميع طوال النهار يراقبون طائرات الهليكوبتر التى تمر فوقهم .. وهم منتظرون ان تهبط احداها ويهبط منها جنود العدو وقصاصو الاثر ليعثروا عليهم .

ولكن والحمد لله مر كل النهار .. وبعد آخر ضوء اعطى نصر لأفراده اشارة الظهور فقد اطمأن .. وتجمعوا مرة اخرى .. وحضر اليهم سليم وبدأوا فى اشعال النار ليصنعوا طعامهم ولتكون تلك النار ايضا دليلا ومرشدا للدليل المنتظر وصوله مابين الساعه التاسعة والعاشرة مساءا .

وفى الموعد المحدد ظهر الدليل ونادى عليهم بالنداء الكودى المتفق عليه فرد عليه نصر بعد ان اطمأن.. وكان ذلك الدليل مصطحبا ابن شقيقه وعندما وصل اليهم استقبل بالأحضان والترحيب .. فهو الذى سيقودهم لطريق العودة وكان اسمه الحاج عيد من قبيلة المزاينه من جنوب سيناء .

كان ذلك الدليل مرهقا من السير المتواصل وكان يريد الراحة ..ولكن نصر شرح له الموقف وماحدث . وأبلغه بأنه لابد من سرعة اخلاء المنطقه وفعلا صدق الحاج عيد الدليل على ذلك ووجد انه من الضرورى سرعة الاخلاء فعلا ..

كان عليهم فى مثل تلك الظروف ان يستخدموا الخداع .. فلا يمكن ان يتجهوا مباشرة الى الغرب .. فقرر نصر ان يتجهوا الى اتجاه الشرق مرة اخرى لمسافه كبيرة فالعدو لن يتوقع ان يهربوا الى الداخل .. بل المتوقع ان يهربوا الى اتجاه القوات المصريه وفعلا تحرك افراد الجماعه مع الحاج عيد وايضا سليم فى اتجاه الشرق مع الانحراف ناحية الجنوب قليلا .

قطعوا تلك الليلة بكاملها فى الرجوع مرة اخرى فى اتجاه الشرق .. وقبل ظهور اول ضوء كانوا قد اختاروا موقعا لهم .. وهنا ودعهم سليم فلم يبقى لهم سوى رحلة العودةالى الوطن .. وتعاهد مع نصر ان يلتقى به بعد عودة سيناء لنا .. أما الحاج عيد الدليل .. فقد استأذن من نصر ان يتركهم ويذهب ليطمئن على اولاده وعائلته فقد كانوا على بعد حوالى سبعين كيلومتر من هذا الموقع .. وترك لهم ابن شقيقه .. على أن يلتقى بهم بعد اسبوعين فى منطقه اتفقا عليها وهى الحافة الغربيه " لجبل الراحة " وانصرف الرجل ..

وفى نهار اليوم التالى .. لاحظ نصر ان هناك طائرات فوق المنطقه .. فاختفوا منها وفى ثالث يوم زادت كثافة الطائرات أكثر وبدأت دائرة تجوالها تضيق أكثر , ورابع يوم زادت اكثر وضاق محورها فوقهم للأضيق .. وفى النهار الخامس.. شاهد نصر ومجموعته من مكان اختفائهم هبوط الطائرات حيث نزلت منها قوات العدو وقصاصى الاثر وأيضا عدد من كلاب الحرب المدربه .. وهنا تأكدت المجموعة تماما انهم المقصودون بذلك .. فقد فعلتها تلك البدوية واستخدمت فعلا ذلك الجهاز وبناءا عليه قامت تلك الحملة للتفتيش وهاهم قد اقتربوا جدا من مكان اختفائهم ..

بدأت حملة التفتيش تضيق عليهم .. ولكن مازال بضعة أيام حتى يحل موعد لقائهم بالحاج عيد الدليل ..  فظل نصر مستمرا فى مناورته مع العدو .. فكل ماينتهى من تمشيط قسم دائرى فى الليل ينتقل اليه نصر مع جماعته وهكذا ..كان الجميع فى توتر شديد لاحتمال العثور عليهم وأسرهم .. ولكن ضيق العدو حلقات التفتيش عليهم جدا .. فأصبحوا حتى لايستطيعون الاتصال بالقيادة ولاحتى اشعال نار لتجهيز الطعام ولاحتى اشعال سيجارة خوفا من كشفهم ..وكان العدو يجن جنونه .. فهو يعرف بوجودهم فى هذه المنطقه  بل ويشم رائحتهم ..ولكن لايستطيع العثور عليهم وأخيرا وصل الدليل الحاج عيد .. وكان معه اثنان من اولاد عمه .. كان يريد تهريبهما مع المجموعه الى خطوطنا .. لان العدو يبحث عنهما لتعاونهما مع المصريين .. فأصبح عدد المجموعة التى مع نصر عشرة افراد .. وسارت تلك المجموعة بعيدا عن المكان الذى كان العدو يقوم بتمشيطه والبحث فيه .. وبدأو الاقتراب ببطئ من خطوطنا .

وصلت المجموعة الى منطقة الحافة الغربية لجبل الراحة .. وهذه المنطقة كلها عبارة عن جرف ساحق إلا من مطلعين منه فقط .. وكانت المجموعة عند احد هذين المطلعين وكان امامهم واحد وهو عبارة عن درب ضيق جدا .. وكانت المسافة من هذه النقطة الى أماكن قواتنا تقدر باربعين كيلو متر بمعدل سرعة السير على الاقدام وهى خمسة كيلومتر فى الساعة .

معنى ذلك ان المجموعة محتاجة من ثمانى الى عشر ساعات للوصول الى قواتنا لذا كان من الضرورى على نصر ومجموعته ان يبأوا السير فى آخر ضوء ولاينقطع السير الى ان يصلوا الى اخطر مواقع العدو ومواقعنا ايضا .. على خط القتال قبل اول ضوء .. فلو ظهر الضوء وشوهدوا من جانب العدو او جانب قواتنا فان النيران ستطلق عليهم فورا فكما قلنا عندما حوصرت المجموعة وضيق العدو الحصار عليها .. ثم توقف الاتصال اللاسلكى .. وعندما حاولوا الاتصال بين المجموعة والقيادة كانت البطاريات قد سقطت لدرجة ان القيادة اعتبرت ان المجموعة قد وقعت فى الاسر ...

وقبيل آخر ضوء كان نصر ومجموعته ومعهم الدليل على اول ذلك الدرب من أعلى وبعد ان نظر نصر فى نظارة الميدان فى اتجاه ذلك الدرب الذى ليس لهم بديل الا السير فيه وكان على حافة جرف عمقه اكثر من الف متر .. وجد ان هذا الدرب طوله حوالى من 4 الى 5 كيلو متر .. نهايته على الاسفلت يمر بجوار معسكراسرائيلى وممتد بجوار سور المعسكر .. وعلى حافة السور من ناحية المجموعة حارس فى مكانه للمراقبة .. حسب نصر المسافة والزمن فوجد ان العشر ساعات المسموح له السير فيها ليلا لاتكفى للوصول الى خط القنال قبل ظهور اول ضوء .. ومعنى ذلك انه لابد وان يبدأ المسير على الدرب من هذه اللحظة ولكن كيف والشمس مازالت ساطعة والنهار مشرقا .. إن اى تحرك منهم على الدرب فى هذا التوقيت خطير جدا .. فهو على خط السماء وفى ضوء النهار اى انه من المستحيل القيام بهذه المجازفة , فلو رفع احد من جنود العدو نظره الى اعلى فلابد ان يراهم وسيراهم بوضوح واذا انتظروا لانتهاء اخر ضوء فانهم سيصلون الى خطوط العدو فورا أو يطلق عليهم النار .. واذا نجحوا بمعجزة فى اختراق خطوط العدو دون ان يفطن اليهم  ودخلوا فى خطوط العدو فان قواتنا نفسها ستطلق عليه النار فورا على انهم متسللون ..أسقط في يد نصر واحتار في اتخاذ القرار .. وكادت رأسه تنفجر من كثرة التفكير في ذلك المأزق الذي هو فيه ولاحل له ..

 وكما كان دائما الله مع هذه الجماعه المجاهده .. ايضا جاء الحل من عنده على لسان الحاج عيد  الذى نظر فجأه وبجرأة وبقوة الايمان لنصر وقال " اسمع يازلمة احنا مابنغضب ربنا فى شئ.. لابنسكر ولا بنزنى ولابنسرق .. احنا بنجاهد كيف يازلمة يكون ربنا معاهم وموش معانا.."

سمع نصر ذلك القول من الحاج عيد..وفجأة شعر براحة غريبة .. ودفعه من عند الله جعلته يقرر البدء فى التحرك على الدرب فى ضوء النهار وعندما رجع نصر لرجاله وسمعوا قراره دهشوا وتعجبوا .. وبعضهم اكد انهم منتهون .. ولكنهم لم يترددوا فى السير خلف قائدهم بجرأة شديدة دون أى محاولة للتخفى فليس هناك اى مجال له .

كانت قدرة الله وحمايته مع تلك المجموعة .. فقد اعمت العدو عنهم تماما الى ان وصلوا الى قرب سلك المعسكر وكان الظلام قد اكتمل هنا سأل نصر الحاج عيد عن المسافة من هذا المكان حتى الطريق الاسفلتى .. فقال له كيلو او اثنين كيلومتر ومعنى ذلك انه مازالت هناك مسافة يستطيعون السير فيها بدون خوف  فساروا بلا حذر وفجأة وهم سائرون طابورا متجاورين العشرة بجوار بعضهم فوجئوا بضوء ساطع أنار ما أمامهم فوجدوا انهم على بعد أقل من مترين من الطريق الاسفلت ..

ألقى الافراد بأنفسهم فى الوضع راقدا على الارض وسحبوا معهم البدو .. وكل أخذ موضع الثبات .. وبعد دقيقة من هذا الثبات انطفأ كشاف تلك العربه .. فهمس لهم نصر بأن ينتظروا الى ان تمر العربة ثم يسرعون باختراق الطريق ..ولكن العربة لم تتحرك ..

اخرج نصر نظارة الميدان ونظر فى الاتجاه الذى صدر منه الضوء .. فشاهد عربتين للعدو تقفان عند نقطة معينه .. والجنود يتحدثون مع بعضهم وانتظر نصر قليلا عسى ان تتحرك العربتان.. ولكن بعد حوالى دقيقتين سطع نور الكشاف مرة اخرى على الطريق وظل لمدة نصف دقيقة وانطفأ .. ثم تكرر ذلك عدة مرات .. فبدأ نصر يحسب مدة الاضاءة ومدة الاطفاء .. وذلك للقفز للجانب الآخر من الطريق الذى كان لايتعدى عرضه ستة امتار .. وبعده جزئ منخفض به بعض كودى الاعشاب التى تصلح للاختفاء بعد القفز  واعطى لرجاله التعليمات بالاستعداد عند اعطاء الاشارة ..

وظل نصر فى كل مرة يحسب مدة الاستضاءة ومدة الظلام .. ولكنها لم تكن ثابته وفطن نصر ان اى تأخير فى هذا المكان سيؤثر عليهم فى تقدمهم للامام فأعطى تعليماته بان يستعدوا وعند أول الظلام ينطلق الجميع بأقصى سرعة الى الجانب الآخر ..وفعلا بمجرد ان اطفأت السيارة ضوءها هذه المرة ومع صوت اشارة نصر الضعيفة انطلقت عشرة صواريخ بشرية الى الجانب الآخر من الطريق ولبد كل منهم دون حراك الى ان اضاءت العربه ضوءها ثم اطفأته .. فبدأ الجميع فى السير لاتجاه الغرب

وصل الرجال الى الموقع الاول للقوات الاسرائيلية واخترقوه دون ان يشعر بهم العدو وأيضا استمروا الى ان اخترقوا ايضا الموقع الأول لقواتنا ولم يشعر باختراقهم أحد.. فقد كانوا يمرون بين الثغرات وظلوا سائرين بهدوء حتى وصلوا الى عيون موسى ..

بدأ النهار يظهر .. فوجدوا انفسهم بين جنودنا المصريين .. وحركتهم الصباحية العادية كانوا غير مصدقين انهم اصبحوا بين اهلهم وفى امان لاول مرة بعد مضى 180 يوما قضوها  خلف خطوط العدو ...  

                                  مع تحياتى ,,,

   

                            م / محمدعبدالسميع

 

  

 

  

 

 

                                          

                                  

                                        

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech