Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

صراع في السماء - اللواء طيار محمد عكاشه - الجزء الثالث

بدايــة الزلــزال

1 مايو - 5 يونيو 1967

جاء شهر مايو 1967 والمنطقة تتناثر فيها كرات لهب سياسية عديدة تضئ للحظات سماء الأحداث الملبدة بالغموض ، لكن ما حدث طوال عام 1966 وبداية عام 1967 كان يؤكد وينبئ بأن أحداثاً جساماً ستقع فى المنطقة ، وكانت تلك الإضاءة المتقطعة تشير بوضوح على من سيقوم بهذه الأحداث؟ وضد من؟ وكيف؟، لكن القيادة السياسية المصرية عجزت عن تجميع تلك الدلائل وربطها بعضها البعض ثم الخروج بتحليل وتوقع لما هو قادم ، وكان الخطأ الافدح الذي وقعت فيه القيادة السياسية المصرية هو أن كل القرارات التي صدرت عنها رد فعل لموقف فرض عليها وليس فعل مخطط وبمبادرة منها.

وسنعرض لبعض أحداث وقعت فى أوائل شهر مايو 1967 أدت فى النهاية إلى قيام مصر بحشد قواتها فى سيناء وكان هذا هو المطلوب كي تستطيع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة من توجيه الضربة القاصمة إلى مصر.

1-        وجه الملك حسين دعوة للفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان القوات العربية المتحدة وتم اللقاء فى عمان فى 1 مايو 1967 وطلب الملك أن يتم إبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر فقط بما سيقوله ، "أن الفريق رياض يعرف ويتابع بلا شك  كل أسباب ودواعي الخلافات القائمة بينه وبين القاهرة. لكن هناك موضوعات  تعلو على أي خلافات لأنها تمس الأمن القومي فى الصميم. والآن فإن الملك لديه ما يدعوه إلى اليقين بأن هناك فخاً يدبر للجمهورية العربية المتحدة وللرئيس جمال عبد الناصر. فهناك محاولة لتوريطهم فى حرب مسلحة لا تلائمهم ظروفها. وأن "الجماعة" فى سوريا مخترقين وبعضهم متواطئ مع جهات لديها خططها. والفكرة الأساسية فى هذه الخطط الآن هو إشعال الموقف على الجبهة السورية بما يفرض على مصر أن تقوم بأي عمل لنجدة سوريا. وهنا تصبح مصر هي الهدف الأول للمؤامرة ويجرى ضربها. وهو يريد أن تصل رسالته هذه إلى الرئيس جمال عبد الناصر بأسرع ما يمكن، ويرجو أن يتأكد الرئيس أن دافعه إليها هو

واجبه القومي وليس أي سبب آخر، وهو يتمنى أن تؤخذ رسالته جداً ولا تحمل على محمل موقفه من بعض الأطراف المعنية فى دمشق"(1) !!! وقد كان هناك علامات استفهام وشك كبيرة فى رأس الفريق عبد المنعم رياض لما كان يتصف به الملك حسين عن علاقته بالغرب وإسرائيل ، لكن لم يكن خافيا على أحد بأن مصر إذا أضيرت أو هزمت عسكريا فلابد وأن الأردن سيحترق بنيران تلك الحرب القادمة، وأن إسرائيل لن تتوانى فى حال هزيمة مصر أن تبتلع الضفة الغربية لأسباب عسكرية بالدرجة الأولى. فقد كان عرض دولة إسرائيل من الضفة الغربية وحتى شاطئ البحر 14كم مما يجعلها معرضة لخطر داهم خاصة مناطقها السكانية ، وقد وصل تقرير الفريق عبد المنعم رياض إلى الرئيس جمال عبدالناصر يوم 14مايو بعد أن تم إعلان حالة الطوارئ فى القوات المسلحة المصرية.

2-        فى نهاية أبريل 1967 كان السيد "أنور السادات" يقوم بزيارة إلى كوريا الشمالية ماراً بموسكو فى طريق الذهاب والعودة. وقد سمع من رئيس الوزراء السوفيتي اليكس كوسيجين أثناء ذهابه بأن سوريا تواجه موقفاً صعباً وأن هناك استفزازات إسرائيلية على سوريا وأثناء العودة فى 13 مايو 1967 التقى برئيس الدولة بادجورنى وسمع منه نفس الملاحظات عن سوريا وأكد السفير المصري فى موسكو لأنور السادات مخاوف الاتحاد السوفيتي من الموقف الإسرائيلي أمام سوريا وأن حواراً طويلاً دار مع وكيل الخارجية السوفيتي طالب السفير فيه بأن تقوم مصر بالوقوف إلى جوار سوريا فى تلك الظروف الحرجة ، ولأهمية المعلومات طلب السادات من السفير إرسالها إلى عبد الناصر فى برقية عاجلة لكسب الوقت حتى يصل إلى القاهرة،0 "وفى نفس يوم المقابلة بين أنور السادات وبادجورنى 13 مايو 1967 ذهب مندوب المخابرات السوفيتي الذي كان معروفاً باسم  سيرجى - وكانت وظيفته الرسمية مستشاراً بالسفارة السوفيتية بالقاهرة - إلى مقابلة عاجلة مع مدير المخابرات العامة لينقل إليه رسالة من موسكو عن أن هناك حشوداً إسرائيلية بحجم أحد عشر لواء تتجمع أمام الجبهة السورية"(1).

ورغم أن المعلومات عن الحشد الإسرائيلي أمام سوريا قد جاء من أعلى مستويات الحكومة السوفيتية. بل وبطريقة تحدد حجم القوات الموجودة أمام سوريا.  لكن كان من السهل التحقق من هذه المعلومات ومدى صحتها ، وقد اتضح بأن المعلومات كانت مزيفة بل أن "يوثانت سكرتير عام الأمم المتحدة فى تقرير بعث به  إلى مجلس الأمن عن مزاعم تحركات وحشود القوات الإسرائيلية قال : تؤكد تقارير مراقبي هيئة مراقبة الهدنة الدولية عدم وجود تحركات وحشود للقوات على أي من جانبي خط وقف إطلاق النار"(2).

ولم يكن هذا فقط دليل زيف المعلومات السوفيتية إذ أن أجهزة المخابرات الإنجليزية فى اليمن أفادت "ما يبدو غريباً هذه الأيام هي أنه حين تستمر الاتصالات السوفيتية مع المصريين على ترديد هذه المعلومات التحذيرية فإن خطوط المخابرات السوفيتية الخاصة مع موسكو تقول ما يفيد عكس هذه المعلومات. وأن الجيش الإسرائيلي ليس محتشداً على الجبهة السورية. وأن اليهود لديهم خطة تعبئة سريعة يستطيعوا تنفيذها  فى أقل من عشر ساعات. أي أن الإسرائيليين سوف يشنون نوعاً من أنواع الحرب  لكن بشرط أن يقوم آخرون بالخطوة الأولى.  ويبدو أن الروس يحاولون دفع المصريين للقيام بهذه الخطوة"(3).

3-        جاءت تصريحات القادة الإسرائيليون متوافقة بشكل ملفت للنظر فكل التصريحات تكاد تكون متطابقة فى الهدف وأن اختلفت فى الصياغة  "فأدلى رئيس حكومة إسرائيل بأن حرب العصابات أمر لا يقبله العقل ولا يمكن ترك الأمر فى إسرائيل. ومن الواضح أن سوريا هي مصدر التخريب والمخربين الذين يفدون إلينا.

ثم تبعه اريين بن اليعازر نائب رئيس الكنيست فى العاشر من مايو بأن الفدائيين  العرب هاجموا إسرائيل خمس عشرة مرة خلال شهر واحد وأن على حكومة إسرائيل  أن تفصح عما تنوي عمله لتأمين حياة المواطنين ووضع حد لهجمات الأعداء.

وبلغت حرب التهديدات قمتها فى 12 مايو حين أعلن رابين رئيس الأركان فى الإذاعة. أننا سنشن هجوماً خاطفاً على سوريا وسنحتل دمشق لنسقط الحكم فيها ثم نعود.

وكانت التصريحات واضحة وفجة لكن أحداً لم ينتبه إلى ما وراءها. ومن شدة وضوح التصريحات كتبت صحيفة النيويورك تايمز فى عددها الصادر فى 12 مايو 1967 "قرر بعض القادة الإسرائيليين أن استخدام القوة ضد سوريا ربما تكون السبيل الوحيد لبتر الإرهاب المتزايد، وأن مثل هذا العمل الإسرائيلي ضد عمليات التسلل المتواصلة سيتم من خلال استخدام قدر كبير من القوة، ولكن فى فترة وجيزة ومنطقة محدودة، أصبح هذا واضحاً فى محادثات المسئولين والمطلعين على مجريات الأمور من الإسرائيليين، ممن أدلوا بأحاديث فى الآونة الأخيرة وسط جو من تصاعد أعمال العنف على الحدود"(1).

4-        وفى دمشق أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانا قالت فيه "إن سوريا تحمل إسرائيل وحماتها مسئولية ما قد يحدث فى المنطقة، وأن سوريا على استعداد لمواجهة أي عدوان بكل ما تملك من طاقات. وبعزم وتصميم لا يعرف التردد ولا الاستسلام. ثم أضاف البيان "إن إسرائيل تمهد لعدوان كبير. وسوريا لن تكون وحدها إزاء هذا العدوان وإنما ستقف معها فى المواجهة كل الأقطار العربية التقدمية. وأن اتفاقيات الدفاع المشترك سوف توضع موضع التنفيذ فى حال قيام إسرائيل بهذا العدوان"(2).

وتبع ذلك أيضاً وصول رسالة فى 13 مايو من وزير الدفاع السوري حافظ الأسد إلى المشير عبد الحكيم عامر تقول "بوصول تقارير إلى دمشق عن حشد ما بين إحدى عشر إلى ثلاث عشر كتيبة إسرائيلية فى مواجهة الجيش السوري على مرتفعات الجولان، وأن هنـاك هجومـاً يدبر على المواقع المتقدمة للجيش السوري على المرتفعات فى 16/17 مايو بين الساعة الرابعة والخامسة صباحا"(1).

كانت هذه الأحداث المتلاحقة خلال أيام وليس شهور تبدد بعضاً من ظلام  يغطي سماء الدول الأربع (مصر - سوريا - الأردن - إسرائيل) ، وسنعرض لما قام به كل من الجانب المصري والإسرائيلي حتى تصل الأحداث إلى اشتعال الحرب صباح 5 يونيو مع عرض لدور كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي فى هذه الحرب.

الجانب المصري سياسياً :

كان لتصريحات القادة الإسرائيليين خاصة تصريح رابين رئيس أركان حرب القوات المسلحة الإسرائيلية باحتلال دمشق وإسقاط الحكم فيها مفعول السحر فى مجريات الأحداث التي اندلعت فى الرابع عشر من مايو ولم تتوقف إلا فى العاشر من يونيو 1967 بعد أن استمرت الحرب ستة أيام ،

فى 13 مايو 1967 اجتمع الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر وكان الرأي بين الاثنين "أن الجمهورية العربية المتحدة لا تستطيع أن تقف ساكتة وأن الحوادث تفرض عليها أن تكون مستعدة لكافة الاحتمالات ، وكان القرار هو دعوة أركان حرب القوات المسلحة المصرية إلى اجتماع طارئ صباح غد -14 مايو- لدراسة ما يمكن اتخاذه من إجراءات تقتضيها ضرورات الاستعداد ، كذلك درس الاثنان فكرة إيفاد الفريق أول محمد فوزي رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية ومعه وفد من كبار الضباط إلى دمشق لإخطار القيادة هناك بما تقرر اتخاذه من إجراءات وللتنسيق العملي إزاء احتمالات تصاعد الموقف"(2).

فى 14 مايو صدرت تعليمات العمليات الحربية من رئيس أركان حرب القوات المسلحة تقول ، تؤكد المعلومات من مصادرها المختلفة نية إسرائيل فى العدوان على الجمهورية العربية السورية.

وفى ضوء اتفاقية الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العربية السورية قررت القيادة العليا للقوات المسلحة فى الجمهورية العربية المتحدة التدخل جواً وبرا وبحراً فى حالة قيام إسرائيل بعدوان شامل على الأراضي السورية بقصد احتلالها أو جزء منها أو تدمير القوات الجوية السورية ،

وتلى هذا التقديم القرارات التي تقضي بأن تتحول جميع القوات إلى حالة الاستعداد الكامل وبدء التعبئة فى القوات المسلحة وحشدها فى سيناء.

وفى 15 مايو صدرت قرارات نائب القائد الأعلى المشير عبد الحكيم عامر والتي شرح فيها الموقف السياسي والعسكري فى إحدى عشر نقطة ، كتب المشير عبد الحكيم عامر بخط يده النقطة 11 التي تقول "إن تحرك قواتنا إلى سيناء استعداداً للمعركة يجعل إسرائيل تفكر مرتين قبل أن تغزو سوريا شطب عبد الحكيم عامر كلمتي "تغزو سوريا" وأضاف بدلاً منها عبارة تقوم على غزو سوريا"(1).

وبدأت وحدات القوات المسلحة تنفيذ ما جاء فى التوجيهات بالتحرك إلى أماكن تمركزها لكن هذا التحرك اتخذ مظهراً دعائياً ضخماً، فقد كانت الوحدات تعبر شوارع القاهرة فى وضح النهار يرافقها كاميرات التليفزيون. كما كانت القواعد والمطارات المصرية مادة غزيرة فى الصحف دون مراعاة عوامل الأمن المطلوبة لمثل تلك الأحداث. وكان الهدف من هذه الحملة الدعائية الكبرى إظهار قوة مصر المسلحة أمام الإسرائيليين  حتى يفكروا كثيراً قبل أي رد فعل لهم ، وهذا ما يتناقض مع سرية التخطيط والتحرك فى مبادئ الحرب ،

وكان طبيعياً أن تندفع القيادة السياسية لأن تطلب من الأمم المتحدة سحب قوات الطوارئ الدولية. وتقدمت بطلب إلى الجنرال ريكى قائد قوة الطوارئ بطلب سحب القوات من جبهة سيناء ، وانتقل طلب مصر إلى مقر الأمم المتحدة ودارت فيه مناورات وضغوط وتمكن الدكتور رالف بانش مساعد السكرتير العام للأمم المتحدة من وضع مصر فى مأزق وخيار صعب ، فأما بقاء قوات الطوارئ بالكامل أو سحبها بالكامل ، فلم يجد الرئيس جمال عبد الناصر من مخرج إلا أن يطلب سحب قوات الطوارئ الدولية من كامل الحدود المصرية الإسرائيلية فى الثامن عشر من مايو،

وجاء التاسع عشر من مايو لتجد القيادة السياسية والعسكرية نفسها فى وضع حرج وموقف لم تخطط له من قبل ، فقد أصبحت شرم الشيخ خالية من قوات الطوارئ الدولية والسفن الإسرائيلية من حقها أن تمر فى مضيق تيران فى خليج العقبة. وكان هذا المـرور مـن نتائج حرب 1956 ، وعلى الفور دفعت مصر بقوات مظلات إلى شرم الشيخ تحسباً لأي تحرك إسرائيلي ، ولما مر ثلاثة أيام دون ظهور أي رد فعل من الجانب الإسرائيلي فقد شعر الرئيس جمال عبد الناصر أنه أصبح سيد الموقف، واجتمع فى مساء 21 مايو باللجنة المركزية العليا للاتحاد الاشتراكي واشترك فى الاجتماع عدد من الوزراء وعدد من قادة القوات المسلحة ودارت مناقشات لأكثر من ثلاث ساعات انتهى فيها القرار إلى أنه يتحتم إعلان إغلاق الملاحة فى خليج العقبة وتعود مصر إلى تطبيق القواعد التي كانت متبعة قبل عام 1956. وكان مما  قاله الرئيس جمال عبد الناصر فى الاجتماع "وطبقاً لتقارير المخابرات أن إسرائيل تنقل قواتها بسرعة فائقة من القطاع الشمالي والأوسط فيها إلى الجبهة الجنوبية. كما  أن القوات التي كانت محتشدة أمام سوريا لم يبق منها إلا مجموعة لا تزيد عن لوائين.  وأما الباقي كله فقد وصل إلى الجبهة المصرية أو هو فى طريقه إليها. وهنا فإن  القضية تتحول إلى درجة الاستعداد المتوافرة لدى القوات المسلحة المصرية لقبول الحرب"(1).

وكان مما قاله المشير عبد الحكيم عامر "وأما ما يتعلق بحالة استعداد القوات  فقد أكد عبد الحكيم عامر أن القوات المسلحة المصرية مستعدة للموقف ولديها خططها الدفاعية والتعرضية"(2).

واتفق على أن يتم إعلان إغلاق خليج العقبة خلال الساعات القادمة قبل وصول   يوثانت سكرتير عام الأمم المتحدة. وبواسطة الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً ومن مكان  فى داخل القوات المسلحة المصرية.

وفى الثالثة بعد ظهر يوم 23مايو كان الرئيس جمال عبد الناصر مجتمعاً مع الطيارين الذين كان يملأهم الحماس والثقة فى قاعدة أبو صوير الجوية وقام بشرح الموقف وأسباب التوتر الجاري فى المنطقة ، وأن مصر قادرة على الوقوف بجوار سوريا وصد العدوان الإسرائيلي عليها ، وفى هذا الجو الحماسي كان تساؤل الطيارين الأول هو لماذا لا نهاجم نحن أولاً ما دامت الحرب قد تقررت بيننا وبين إسرائيل ؟؟، وكان رد الرئيس بـأن الطياريـن دائماً متسرعين بحكم السرعات العالية التي يمارسون بها مهامهـم، وأن


الرئيس عبد الناصر والمشيرعامر والفريق أول صدقي محمود

مع الطيارين فى قاعدة أبو صوير 22 مايو67

 

الجندي المشاة لم يصل إلى موقع القتال بعد. وحين يتم وصول جميع القوات إلى أماكنها فأننا لن نتوانى لحظة عن تحقيق أهدافنا. ثم كان التساؤل الثاني عن موقف الأسطول السادس من معركتنا المقبلة ؟؟، وكانت الإجابة حاسمة وهي أن لدينا السلاح القادر على إغراق الأسطول السـادس إذا تدخـل فى  المعركة ، ثم أضاف بأن إسرائيل لن تستطيع شن حرب وأننا لم نعد فى 1956 فاليوم نحن نملك الكثير من قاذفات القنابل (توبولوف16) إن الفرق بين الأمس واليوم كبير لأن إسرائيل لا يوجد إلى جانبها بريطانيا وفرنسا كما  حدث فى 1956.

وعاد عبد الناصر إلى القاهرة وقد أصابته عدوى الحماسة والثقة من الطيارين، ولما رد اشكول فى مساء نفس اليوم بخطاب نموذج فى الاعتدال دعا فيه إلى  السلام بين إسرائيل والدول المجاورة ولم يشر فى خطابه إلى المضايق إلا إشارة عابرة، متظاهراً بتخفيف حدة التوتر بين إسرائيل والعرب وقال "أود أن أقول للبلدان العربية وبصفة خاصة مصر وسوريا أنه ليس لدينا أي مخططات أو أهداف عدوانية تجاههم. وأننا ليس لدينا أي مصلحة فى المساس بأراضيهم أو بحقوقهم المشروعة"، وكانت هذه الكلمات الهادئة كافية لأن يكون إعلان إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية بمثابة انتصار وأصبح عبدالناصر بطلاً جماهيرياً تهتف له الشعوب العربية.

وفى 23 مايو تلقى عبد الناصر رسالة من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون تنبض بالحرارة وتمتدح عبد الناصر بشدة وكان أهم ما جاء فيها "ولكني أدعوك إلى أن تجعل أولويتك الأولى لشعبك ولمنطقتك وللمجتمع العالمي هدف تجنب قيام أعمال عدوانية"(1) وعرض فى خطابه فكرة إرسال نائب الرئيس الأمريكي إلى القاهرة لكي يحاول تهدئة الأوضاع المضطربة.

ووصل يوثانت سكرتير عام الأمم المتحدة إلى القاهرة مساء 23 مايو. وفى  نفس المساء صدر بيان سوفيتي من رئيس الوزراء اليكس كوسيجين كان أهم ما جاء فيه "يجب ألا يخامر أي إنسان الشك فى الحقيقة التالية : إن كل من يغامر بشن عدوان فى الشرق الأوسط لن يواجه فقط القوى المتحدة للدول العربية بل سيواجه كذلك مقاومة صلبة من جانب الاتحاد السوفيتي"(2) وفى نفس الوقت صدر بيان من البيت الأبيض  كان أهم ما جاء فيه "إن ما قيل عن إغلاق خليج العقبة فى وجه السفن الإسرائيلية قد أضاف بعداً جديداً وخطيراً للأزمة. إن الولايات المتحدة تعد هذا الخليج ممراً دولياً. وتشعر بأن فرض حصار على سفن إسرائيل أمر غير مشروع ويكمن فيه احتمال لكارثة تحل بقضية السلام. إن حق المرور البريء فى هذا الممر المائي الدولي أمر له أهميته الحيوية للمجتمع الدولي"(1).

ولم تؤد زيارة يوثانت واجتماعه مع عبد الناصر إلى شيء. وإن كان قد استوعب موقف مصر من إغلاق خليج العقبة.

"وفى صباح يوم 25 مايو 1967 كان جمال عبد الناصر يتلقى تقارير من وزارة الداخلية مؤداها أن عملية بدأت - بهدوء - ترحيل الرعايا الأمريكيين فى  مصر. فقد تلقى عدد كبير منهم إخطارات من القنصليات الأمريكية تطلب إليهم فيها أن يجهزوا أنفسهم لمغادرة مصر فى ظرف أسبوع على الأكثر. ولم يكن جمال عبدالناصر متأكداً من دقة هذه التقارير وطلب تأكيدات إضافية لمدى صحتها ، وبعد ساعات كانت الصحف الأمريكية الصادرة صباح هذا اليوم تحمل إليه بنفسها هذا التأكيد فقد نشرت كل من الـ"نيويورك تايمز" والـ"واشنطن بوست" صباح هذا اليوم نبأ يقول أن وزارة الخارجية الأمريكية نصحت الرعايا الأمريكيين فى كل من مصر وإسرائيل بأن يعدوا أنفسهم لمغادرتهما"(2).

كانت كل هذه الإشارات والومضات التي تلمع فى سماء الأحداث غير كافية حتى تفطن القيادة المصرية إلى أن مصر تدفع دفعاً إلى الدخول فى الفخ المنصوب. فمنذ الثالث عشر من مايو وبعد 13 يوماً من الأحداث المتلاحقة ومصر تدخل إلى فخ  الحرب بتأثير إياد خارجية عربية وأمريكية وسوفيتية، إضافة إلى تفكير سياسي  مصري مشوش ومرتبك لأنه وجد أن الأحداث تفرض على مصر قرارات لم تكن مستعدة لها، أو لأن الغرور قد تملك من القيادة السياسية والعسكرية المصرية فاقتنعت بأن النصر آت آت دون أي قلق أو شك.

وتوالت التصريحات والأحداث فى سرعة وعنف، فالاتحاد السوفيتي يعلن أن أي عدوان فـى المنطقة لن يقابل بالدول العربية فقط ولكنه سيلقى تعاوناً صادقاً من الاتحاد السوفيتي، ثم يصرح السكرتير العام للأمم المتحدة بأن مصر قد أعطته ضماناً بأنها لن تبدأ بأي عمل هجومي ، وفى الثالثة من صباح السابع والعشرين من  مايو يقابل السفير السوفيتي بالقاهرة الرئيس جمال عبد الناصر ليطلب منه عدم البدء بالهجوم على إسرائيل ثم يتلقى عبد الناصر رسالة من جونسون بنفس المعنى، ودهش عبد الناصر من هذا التوتر ولم يستطع أن يفهم من أين حصل الإسرائيليون على رؤيتهم هذه، ولكي يوضح موقفه ألقى خطابين متتابعين يومي 27 ،29 مايو قال فيهما "أننا لن نطلق الرصاصة الأولى ولن نكون البادئين بالهجوم"(1).

وبينما كان كلاً من السفير السوفيتي والرئيس الأمريكي يناشدان مصر بضرورة ضبط النفس، يعلن وزير الخارجية الأمريكية بأنه ليس من اختصاص أمريكا أو روسيا كبح أي هجوم إسرائيلي ويعد بتأييد الولايات المتحدة الحاسمة لإسرائيل.

وفى 30 مايو حدث ما لم يكن متوقعاً فقد حضر الملك حسين إلى القاهرة ومعه رئيس الوزراء الأردني ورئيس الأركان الأردني والتقى بجمال عبد الناصر وحضر الاجتماع المشير عبد الحكيم عامر وتم استعراض الأوضاع العسكرية على الجبهة المصرية والأردنية ، وفوجئ جمال عبد الناصر بطلب الملك حسين أن يعين قائد مصريا للجبهة الأردنية، وتم اختيار الفريق عبد المنعم رياض لشغل هذا المنصب وطلب الملك حسين أن يسافر معه على طائرته حتى يستطيع أن يتعرف على الجبهة الأردنية وأوضاعها أمام إسرائيل فى أسرع وقت ممكن ، وكان طبيعياً أن يتعجل الملك حسين سفر الفريق عبد المنعم رياض معه لأن طبول الحرب قد بدأت تدق وبصوت مسموع.

وبعد تكرار الطلب التقى الرئيس جمال عبد الناصر مع مستر روبرت  اندرسون مبعوث الرئيس الأمريكي جونسون. وكان مما قاله اندرسون فى تقريره الذي أرسله إلى الرئيس جونسون من لشبونه صباح الأول من يونيو "وقد سألته مباشرة  وعلى وجه التحديد عما إذا كان يعتزم الدخول فى عمليات عسكرية فقال إنه يطلب  مني أن أوضح لحكومتي أن بلاده لن تكون هي البادئة بأي قتال وأنه ينتظر ما سوف تفعله إسرائيل، وكان مما قاله جمال عبد الناصر ، أنه يعتقد أنه أصبح هدف إسرائيل الأول وأن الضربة الرئيسية للهجوم ستكون موجهة ضد مصر"(1).

وهكذا نرى أن سياسة الولايات المتحدة مع مصر كانت مثل جبل الجليد يظهر منه جزء يسير لكن الجزء الأكبر مختفي وسنعرف حين نتكلم عن الجانب الإسرائيلي والدولي ماذا فعلت الولايات المتحدة فى مجريات حرب 1967. ووقعت القيادة  السياسية فى مصر بقيادة جمال عبد الناصر فى الفخ المنصوب ، فقد اندفعت إلى تصعيد الموقف العسكري على جبهة سيناء ثم تبعته بسحب قوات الطوارئ - رغم أنها لم تكن تشكل أي عقبة أمام مصر - ثم أعلنت إغلاق خليج العقبة ، وبعد كل هذه الخطوات الواسعة إلى الحرب. وقفت تنتظر ماذا ستفعل إسرائيل إزاء هذه الخطوات. وهو انتظار أقل ما يوصف به أنه خطأ استراتيجي فاتح.

ووضح هذا فى اجتماع الرئيس جمال عبد الناصر مع قيادات القوات المسلحة المصرية مساء 2 يونيو حضر المشير عبد الحكيم عامر والفريق أول محمد صدقي محمود قائد القوات الجوية ودارت المناقشة بتوجيه من الرئيس جمال عبد الناصر بأن إسرائيل قد أعلنت تشكيل وزارة حرب وأن هذا التشكيل الوزاري الذي أصبح فيه موشيه ديان وزيراً للدفاع يعني أن الحرب قادمة خلال يومين أو ثلاثة ، وأنه على القوات المسلحة أن تتحسب لهذا وتستعد لتلقى الضربة الأولى.

وتساءل الفريق صدقي محمود عما يجعلنا ننتظر ضربتهم الأولى. وأنه إذا  كانت الحرب قادمة ولا شك فلنبدأ نحن ، ورد عبد الناصر بأننا لا يمكن أن نبدأ بالضربة الأولى وإلا أعطينا أمريكا الفرصة كاملة للوقوف مع إسرائيل ، وزاد اعتراض الفريق صدقي محمود وأوضح بأنه من غير المقبول أن نسمح بتدمير  الطيران المصري على الأرض مرة أخرى كما جرى فى 1956. واحتدم الموقف لكن الرئيس عبد الناصر أنهى المناقشة بحسم واضح بأن القرار السياسي قد اتخذ وأننا سنتلقى الضربة الأولى. ثم قام منصرفا من الاجتماع ، وبعد خروج الرئيس عبدالناصر من الاجتماع كان الفريق صدقي محمود فى أشد حالات الانفعال والغضب فما كان من المشيـر عبد الحكيم عامـر - محاولاً تخفيف الانفعال والتوتر لدى الفريق صدقي - إلا أنه قال تعبيراً مفاده أن هذه الحرب وموعدها شيء لا يزال فى علم الغيب ،  وأثبتت تصرفات المشير اللاحقة بأنه كان مقتنعاً بهذا القول تماماً.

 

الجانب المصري عسكرياً :

أعلنـت حالة الطوارئ فى القوات المسلحة المصرية الساعة الحادية عشر صباح يوم 14 مايو 1967 ، ثم صدرت توجيهات وقرارات القيادة العليا للقوات المسلحة لتعبئة القوات المسلحة الساعة الثانية عشر ظهراً لحشد القوات فى جبهة سيناء طبقاً للخطة "قاهر" والتي تم إعدادها فى خريف عام 1966.

وبدأت الأجهزة المختصة فى القوات المسلحة فى العمل على تجهيز القوات والوصول بها إلى مرتبات الحرب. لكن اعتباراً من 17 مايو بدأ الخروج عن الخطة المقررة بإنشاء وحدات جديدة، وخروج واستحداث خطط جديدة جعلت مهمة القوات المسلحة غامضة وغير محددة وتأرجحت بين خطط دفاعية، وخطط دفاعية مع شن عمليات هجومية ذات مهام محدودة، وخطط دفاعية ثم التحول إلى هجوم عام بسرعة  إلى قلب أرض العدو ، ووقع عبء تنفيذ خطة التعبئة لقوات الاحتياط على جهاز محدود لم ينفذ خطط الاستدعاء قبل ذلك إلا مرة واحدة عام 1965 باستدعاء وحدة احتياطية واحدة فقط ، مما أدى إلى ظهور ثغرات كبيرة أثناء تنفيذ الخطة منذ إعلان الطوارئ وحتى بداية الحرب. فقد كان المخطط فى خطة التعبئة استدعاء 125 ألف فرد احتياط لم تنجح الخطة إلا فى استدعاء 82 ألف فرد فقط. إضافة إلى نوعية أفراد الاحتياط وتدنى المستوى القتالي لهم نتيجة لابتعادهم عن المعدات والأسلحة وعدم التدريب عليها ولمدة طويلة تصل إلى سنوات. مما نتج عنه وحدات ذات قدرة قتالية ضعيفة. ومع ذلك تم وضع هذه الوحدات ذات القدرة القتالية الضعيفة فى أماكن حيوية طبقاً للخطة.

 

وانطبق على القوات الجوية المصرية ما انطبق على باقي القوات المسلحة فكان حجم القوات الجوية :

 

الحجم فى 14/5/1967

الحجم المقرر الوصول إليه فى 26/5/1967

أسراب المقاتلات

9 سرب

12 سرب

أسراب المقاتلات القاذفة

1

1

أسراب القاذفات المتوسطة

3

3

أسراب القاذفات الثقيلة

3

3

أسراب النقل والمواصلات

9.5

9.5

كتيبة صواريخ نيران

26

27

كتيبة صواريخ فنية

7

8

وحدات رشاشات م/ط

متنوعة التشكيل والعيار

39 وحدة

57 وحدة

 

وبهذا نجد أن قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي - كانا تحت قيادة واحدة - كانت تهدف إلى زيادة أسراب المقاتلات بنسبة 33% وزيادة الرشاشات م/ط بنسبة 35%. وكانت الزيادة فى أسراب المقاتلات تعتمد على 29 طياراً يقومون بالتدريس فى الكلية الجوية أما الزيادة فى تشكيلات ووحدات م/ط فتعتمد على استدعاء أفراد من الاحتياط وقد أصاب القوات الجوية والدفاع الجوي ما أصاب خطة الاستدعاء العامة للقوات المسلحة من أخطاء وقصور. كان أهمها عدم الدقة فى توصيف وظائف الأفراد  الاحتياط فكان مثلا التسجيل فى بيان خدمة المستدعى أن الفرد مدفعي م/ط دون النظر إلى الاختلاف بين عمله على رشاش م/ط عيار 12.7مم أو مدفع م/ط 37مم.

وكان مدرسو الكلية وعددهم 29 طياراً يمثلون  20% تقريبا من عدد طياري المقاتلات بالقوات الجوية إلا أنهم كانوا بعيدين تماماً عن التدريب على القتال الجوي لمدة وصلت إلى ثلاث سنوات ورغم ذلك تم استدعاءهم وانخرطوا فى أسراب المقاتلات التي ستنفذ خطة القوات الجوية ،

وعندما أعلنت القوات الجوية بحالة الاستعداد الكامل للقتال يوم 14 مايو بدأت على الفور قيادة القوات الجوية فى إعداد وتنظيم المعركة من مركز القيادة الرئيسي بالقاهرة وحتى صباح الخامس من يونيو 1967 كانت أسراب القوات الجوية تتمركز فى أربعة عشر قاعدة ومطار من أصل عشرين كانت فى هذا الوقت.

وكان حجم القوات الجوية المصرية فى صباح الخامس من يونيو 391 طائرة منها 278 طائرة مقاتلة وقاذفة خفيفة ومتوسطة وكان بيانها كالآتي :-

الطراز القوة

القوة

الصالح

غير صالح

ملاحظــات

مقاتلات ميج21

91

76

15

 

سوخوي7

16

15

1

كان هناك 16 طائرة أخرى

تحت التركيب

ميج17

69

47

22

 

ميج15

26

12

14

 

ميج19

26

19

7

5 غير صالحة بسبب قطع غيار

قاذفة اليوشن28

27

23

4

 

قاذفة تيولوف19

23

23

ــ

 

نقل اليوشن14

49

43

6

 

نقل أنتينوف12

22

21

1

 

هليكوبتر

42

34

8

 

 

وبنظرة فاحصة على هذا الجدول نجد أن طائرات القتال سواء فى الدفاع أو الهجوم كان عددها 215 طائرة بينما هناك 63 طائرة قتال غير صالحة أي أن نسبة الصلاحية الفنية كـان 87.5% رغـم مضى عشرون يوماً على إعلان الطوارئ والاستعداد للقتال،

بـدأت القوات الجوية المصرية توزيع وحداتها على القواعد والمطارات اعتباراً من 14 مايو طبقاً للخطة العامة (قاهر) ، والتي كانت تحدد مهام القوات الجوية المصري بالدفاع الجوي فوق سيناء والأهداف الحيوية غرب القناة مع تقديم المعاونة الجوية للوحدات البرية فى سيناء.

وكان التخطيط وإدارة أعمال القوات الجوية المصرية يتم من مركز القيادة الرئيسي بالقاهرة - دون تنسيق مع القوات البرية أو البحرية - تنفيذاً للخطة (فهد1) الخاصة بالقوات الجوية والتي كانت تقضى بقصف وتدمير مطارات رامات ديفيد - بتاح تكفا - اللد - عكير - كاستينا وكذا قصف وتدمير قواعد صواريخ الهوك  بالمنطقة الوسطى ويتم تنفيذ تلك المهام فى حماية المقاتلات المصرية.

وكانت خطة عمليات القوات الجوية (فهد1) قد تم وضعها فى نوفمبر 1966. لكن منذ انتقال القوات الجوية إلى الحالة الكاملة فى 14 مايو وحتى صباح 5 يونيو تعددت وتبدلت الخطط لأكثر من مرة ولأكثر من هدف ،

فالقوات الجوية المصرية فى الخطة فهد1 كان مقرراً لها أن تتلقى الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى ثم القيام بالضربة المضادة تكون فيها الطائرات المصرية  فوق أهدافها الموضوعة فى الخطة بعد ساعتين من صدور الأوامر. ثم وضعت الخطة (أسد) لتوجيه ضربة جوية إلى ميناء إيلات ومحطات توليد الكهرباء ، ثم وضعت الخطة (منصور) ، ثم أخيراً الخطة (شامل) والتي تقضى بإعادة تمركز الطائرات  فى القواعد والمطارات بما يحقق أنسب الأوضاع لتلقى الضربة الأولى بأقل خسائر وقد كان مقدراً أن أقصى خسائر يمكن أن تحققها إسرائيل فى ضربتها الجو الأولى 20%.

ورغم تعدد الخطط وكثرة التغير فيها ونتيجة للأخطاء الفادحة فى تحليل قدرات العدو الجوية ، فلم يتم تغيير كبير فى تمركز الوحدات الجوية إلا فى أضيق الحدود، وحتى بعد توجيه الرئيس جمال عبد الناصر فى الثاني من يونيو 1967 بضرورة الاستعداد لتلقى الضربة الأولى من إسرائيل ، فقد كان من الصعب نقل الطائرات إلى مطارات خلفية مثل الوادي الجديد - المنيا - أسوان ، لأن طائرات المقاتلات كانت كلها مشتركة فى خطة الدفاع الجوي نظراً لعدم وجود كتائب صواريخ م/ط فى كل منطقة سيناء، علاوة على أن شبكة المطارات نفسها لم تكن لمثل هذا الانتشار.

ونتيجة لكل هذا قامت قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي بتوزيع وحداتها  لتكون صباح الخامس من يونيو فى الأوضاع الآتية :-

(1) فى منطقة سيناء

مطار العريش

6 طائرة مقاتلات ميج17 + 8 طيار

مطار السر

6 طائرة مقاتلات ميج15 + 9 طيار

مطار تمادا

8 طائرة مقاتلات ميج17 + 9 طيار

قاعدة المليز

14 طائرة مقاتلات ميج21+18 طيار بالإضافة إلى 2 طائرة ميج19

(2) منطقة قناة السويس

قاعدة أبوصوي

19 طائرة مقاتلات ميج21 + 18 طيار

 

27 طائرة قاذفة خفيفة اليوشن28 + 24 طاقم

قاعدة فايد

17 طائرة مقاتلة قاذفة سوخوي7 + 19 طيار

 

12 طائرة مقاتلة ميج21+ 18 طيار

 

بالإضافة إلى طياري فرقة سوخوي7 بدأ عقدها فى 28/5

قاعدة كبريت

22 طائرة مقاتلات ميج15 + 14 طيار

 

هذه الطائرات تم سحبها من مطارات سيناء لتخفيف القوة يوم الثالث من يونيو 67

قاعدة الغردقة

6 طائرة مقاتلات ميج21 + 8 طيار

 

12 طائرة مقاتلات ميج19 + 15 طيار

 

(3) منطقة القاهرة

قاعدة أنشاص

16 طائرة مقاتلات ميج21 + 10 طيار

 

20 طائرة مقاتلات ليلي ميج21 + 16 طيار

قاعدة غرب القاهرة

26 طائرة مقاتلات ميج15 وميج17 + 4 طيار مدرسين، 17 طيار طالب

 

13 طائرة مقاتلات قاذفة سوخوي7 جاري تركيبهم

قاعدة بني سويف

23 طائرة قاذفات متوسطة توبولوف16 + 17 طقم

قاعدة ألماظة - شرق القاهرة – الدخيلة

كان يتمركز بها أسراب النقل والهليكوبتر

 

أما وحدات الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات والتي كانت تتبع قيادة القوات الجوية فكانت موزعة كالآتي :-

1-        فرقة دفاع جوي فى منطقة القناة يتبعها

-            2 لواء صواريخ بقوة 8 كتيبة نيران

-             لواء مدفعية مضادة للطائرات فى مطارات القناة

-             لواء مدفعية مضادة للطائرات فى مطارات سيناء

2-        فرقة دفاع جوي فى منطقة القاهرة ويتبعها

-            2 لواء صواريخ بقوة 10 كتيبة نيران

-            2 لواء مدفعية مضادة للطائرات

3-        فرقة دفاع جوي فى منطقة الإسكندرية ويتبعها

-            2 لواء صواريخ بقوة 7 كتيبة نيران

-             لواء مدفعية مضادة للطائرات

4-        مجموعة دفاع جوي فى منطقة أسوان ويتبعها

-             لواء صواريخ بقوة 3 كتيبة نيران

وكانت التغطية الرادارية موزعة على 6 كتائب رادار موزعة على سيناء والقناة والقاهرة والإسكندرية والمنصورة وأسوان لكل منطقة كتيبة.

وبنظرة إلى توزيع وحدات الدفاع الجوي نجد أن منطقة سيناء بالكامل كانت خالية  تماماً من كتائب الصواريخ فكان الدفاع الجوي ملقى على عاتق الطائرات ، كما أن منطقـة القناة التي بها التجميع الرئيسي للقوات المسلحة كان يغطيها 8 كتيبة نيران وفى نفس الوقت كانت منطقة الإسكندرية والتي تعتبر فى عمق مسرح العمليات يغطيها 7كتيبة نيران،

وبنظرة أخرى إلى توزيع محطات الرادار نجد أن منطقة سيناء خصص لها كتيبة واحدة فقط مثل منطقة أسوان رغم التباين الشديد بينهما من حيث أهمية وموقع  كل منهما بالنسبة لخط الجبهة.

كما أن وحدات الدفاع الجوي هذه كانت ذات كفاءة فنية ضعيفة لعدة أسباب منها :

-            تم استكمال مرتبات الوحدات من الضباط والصف والجنود المستدعين من الاحتياطي وكان مستوى كفاءتهم الفنية والتدريبية ضعيف، وكان معظمهم من غير التخصصات المطلوبة.

-            كان هناك مشاكل فنية كبيرة لم يتخذ فيها أي حل مثل التداخل والإعاقة الإلكترونية وكذا النقص فى قطع غيار أجهزة الرادار.

المعلومـات والاستطـلاع :

استراحت القيادة العسكرية المصرية للمعلومات الواردة عن العدو الإسرائيلي، فلم تبذل أي جهد لتأكيد تلك المعلومات أو التحقق منها، وثبت بمجريات الحرب أن الكثير من هذه المعلومات كان قاصراً ومغلوطاً. وتبع ذلك استنتاج خطأ فكانت نتيجة هذا الاستنتاج خطيئة كبرى.

وانسحب هذا الفكر على قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي فوقعت فى العديد من الأخطاء عند تحليل قدرة العدو وإمكانياته الحقيقية، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على المعلومات الواردة من أجهزة المخابرات والاستطلاع. ولم تكن القوات الجوية تعاني من القصور الشديد فى المعلومات فقط وإنما ابتلعت معلومات خاطئة بصورة غريبة ،

ففي أثناء دراسة العدو وتقدير الموقف حتى يتم وضع القرارات وردت معلومات عن العدو الإسرائيلي بعيدة عن الواقع تماماً فكانت القرارات أيضاً بعيدة عن الواقع تماماً، ومن هذه المعلومات ما ورد فى مذكرات فرع الاستطلاع الجوي عن أن القوات الجوية الإسرائيلية لا يمكنها الحصول على السيطرة الجوية الشاملة فى جميع قطاعات مسرح العمليات ولكن يمكنها حشد مجهود جوي كبير للحصول على السيطرة الجوية المؤقتة فوق قطاع معين ولفترة وجيزة.

كما ورد أن إسرائيل ستعمل على دفع من 8-12 طائرة للتحليق على المطار أو  القاعدة المراد عزلها ومنع تدخلها كما حدث فى مطار كبريت عام 1956 وقت إنزال قوات المظلات فى ممر متلا.

وجـاء فى بند الطيارين الإسرائيليين أن مجموع الطيارين يوازي عدد الطائرات   180-2، طيار منهم 30-40 طيار مدربين على الطيران المنخفض.

كما جاء أيضاً أن فترة إعادة الملئ بالوقود والذخيرة تستغرق 2-3 ساعة وهي معلومات كما نرى تعبر عن قوات جوية متوسطة لا تستطيع شن حرب وتحقيق انتصار، وسنعرف قدر هذه القوات حين نتحدث عنها وعما قامت به ،

ولم تكن المعلومات عن العدو الإسرائيلي هي التي تثير الدهشة والعجب بل فاق ما يتصوره العقل والعلم العسكري ما جاء فى الاستنتاجات.

فقد جاء فى الاستنتاجات أن العدو الإسرائيلي سيحاول جاهداً أن يبدأ العمليات قبل آخر ضوء بـ7-8 ساعة حتى يتمكن من استغلال فترة الليل فى التجهيز لعمليات أول  ضوء اليوم التالي مع القيام بعمليات القاذفات ليلاً.

وجاء فى الاستنتاجات أيضاً أن إسرائيل ستقسم قواتها الجوية إلى 30-32طائرة للدفاع المحلي ثم 120-130 طائرة للهجوم على مصر، مقسمة فى داخلها إلى 50طائرة قوة حماية للطائرات القائمة بالهجوم الأرضي والتي يبلغ حجمها 72-80 طائرة.

وجاءت الطامة الكبرى فى المعلومات عن مدى عمل الطائرات الإسرائيلية على الارتفاع المنخفض جداً والذي انحصر فى 120كم (4 طائرات سوبر مستير) وحتى 270كم (4 طائرات فوتور) وباستعراض هذا المدى للطائرات الإسرائيلية حسب ما كان متوفراً من معلومات نجد أن السلاح الجوي الإسرائيلي سيصل إلى مطارات سيناء فقط وقد ينجح فى الوصول إلى مطارات القناة لكن من الصعوبة التامة أن يصل إلى مطارات غرب قناة السويس.

ولم تكن القوات الجوية المصرية تمتلك طائرات استطلاع جوي رغم تكرار طلبها من الاتحاد السوفيتي ونظراً للنقص الشديد فى المعلومات الحديثة فقد اضطرت القوات الجوية المصرية إلى تجهيز أربع طائرات مقاتلات طراز ميج 21 مجهزة بكاميرات كانت مصممة وتستخدم فى تسجيل نتائج القصف الجوي وتم تنفيذ طلعتين فوق إسرائيل على ارتفاعات عالية جداً خلال فترة الطوارئ فجاءت الصور غير دقيقة وصعبة التفسير نظراً لمقياس الرسم الصغير جداً. وكان غريباً أن إسرائيل لم تعترض هذه الطائرات "وقد رأى المشير عبد الحكيم عامر أن يروى بنفسه للرئيس جمال عبد الناصر استنتاجاته واستنتاجات القيادة العامة من مهمة الاستطلاع وكان تعليقه : يظهر أننا بالغنا فى كفاءة الطيران الإسرائيلي ثم أضاف، أن معنويات الطيارين ارتفعت للغاية بتجربة عملية الاستطلاع وكان رأي جمال عبد الناصر أن هناك حاجة إلى تدقيق هذه المعلومات، وأن يقترح أن تتصل القيادة بالملحقين العسكريين السوفيت مع رجائهم إذا أمكن فى تأكيد استنتاجات القيادة المصرية بصور مما تلتقطه الأقمار الصناعية السوفيتية.(1)

وكانت أجهزة المخابرات والاستطلاع المصرية كمصدر رئيسي للمعلومات  تتجه فى تقاريرها إلى تحليلات غريبة وبعيدة كل البعد عن النوايا الحقيقية لإسرائيل، وكأنها تأثرت بالحملة الإعلامية الصارخة التي كانت دائرة فى هذا الوقت ، ففي التاسع عشر من مايو اختتم ملخص التقرير بأن الأحداث التي جرت فى المنطقة قد قللت من فرص إسرائيل فى تحقيق المبادأة. ودفعتها إلى اتخاذ موقف الترقب والحذر.

ثم جاء تقرير يوم 21 مايو ليوجه الأنظار إلى الجنوب حيث أفاد عن نشاط للنقل  الجوي والإمداد إلى منطقة إيلات ثم أعقبه تقرير يوم 22 مايو بأنه قد تم دفع بعض أسراب الطائرات إلى مطارات النقب فى حتسريم وسدي إبراهام وديمونا متسادا ومتسابية رامون وأبرز التقرير قلق إسرائيل البالغ من احتمال التعرض لحرية الملاحة فى خليج العقبة.

وصدقت القيادة المصرية ما جاء فى هذه التقارير فبدأت من 22 مايو فى  إرسال قوات إلى منطقة شرم الشيخ 3 كتيبة مظلات + كتيبة مشاة ودفعت 6 طائرة مقاتلات ميج21 و12 طائرة مقاتلات ميج19 إلى مطار الغردقة. ونجحت إسرائيل فى شد انتباه القيادة المصرية إلى الاتجاه الجنوبي بتحركات ليلية هيكلية - كان سهل اكتشافها - بغرض تخفيف القوات فى وسط وشمال سيناء وابتلعت أجهزة المخابرات المصرية الطعم وأفادت فى تقريرها يوم 26 مايو - دون معلومات مؤكدة - بأنه قد توالت الشواهد التي تدل على اهتمام إسرائيل بمنطقة إيلات والجزء الجنوبي من النقب وإنه رصد خلال ليلة 25 مايو مظاهر تفيد باحتمال تجمع قوات معادية إضافية بمنطقة إيلات. وأن هنـاك عمليـة تجميع قوات لأغراض أخرى خلاف الدفاع عن منطقة إيلات،

وهكذا تحولت الأنظار إلى الاتجاه الجنوبي وبدأت القيادة فى وضع الخطط المضادة وهي الخطة (أسد) للقوات الجوية المصرية دعما للقوات البرية التي ستقوم بتنفيذ الخطة (فجر) ، وبهذا تشتت الجهود وتركيز الدفاع بعيداً عن اتجاه المجهود الرئيسي. واستمرت تقارير المخابرات اليومية فى التأكيد على الاتجاه الجنوبي. ولم تكتف تقارير المخابرات المصرية بالتحليل العسكري الخاطئ بل أقحمت نفسها فى التحليل السياسي فجاء فى تقرير أول يونيو إنه فى ظل تزايد التجمع العربي ضد إسرائيل يتزايد قلق إسرائيل بما قد يدفعها إلى المزيد من التفكير والتردد قبل الإقدام على أي عمل متهور، ويزداد الأمر غرابة ودهشة إنه وحتى يوم الثاني من يونيو ورغم تأكيد رئيس الجمهوريـة فى اجتماعه مع قيادات القوات المسلحة بأن إسرائيل ستبدأ الحرب خلال 2-3 يوم جاء تقرير المخابرات فى نفس اليوم يرجح أن إسرائيل لن تقوم بأي عمل عسكري تعرضي وأن الصلابة العربية الراهنة ستجبر العدو بلا شك على أن يقدر العواقب المختلفة المترتبة على اندلاع شرارة الحرب فى المنطق!

الجانب الإسرائيلي سياسياً :

لم يكن الموقف السياسي الإسرائيلي قبل حرب الأيام الستة مبنياً على التداعيات التي ترتبت على الحشود المصرية فى سيناء أو إغلاق خليج العقبة. وإنما كانت السياسة الإسرائيلية امتداداً لتنفيذ المخطط الذي وضع فى المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقده هيرتزل عام 1897.

فلما جاء عام 1967 بالتوتر الحادث على الحدود السورية تلقفت القيادات الإسرائيلية الفرصة وبدأت على الفور فى التخطيط والتجهيز لشن الحرب التي تحقق أهدافها فى التوسع الجغرافي ، وكان المطمع الأكبر بعد الانتصار فى تلك الحرب  هو الفوز بالضفة الغربية وإعلان القدس عاصمة موحدة للدولة اليهودية ، ولما  تدخلت مصر بإعلانها التعبئة فى 14/5/1967 ثم سحب قوات الطوارئ الدولية من الحدود المصرية الإسرائيلية ثم إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية. أصبحت الفرصة سانحة تماماً أمام الجيش الإسرائيلي لتدمير القوات المسلحة المصرية التي تشكل خطراً دائماً على الدولة اليهودية.

وبنظرة شاملة نجد أن إسرائيل قد استطاعت فى الفترة من 1957-1967 من الإعداد الجيد لهذه الحرب بتجهيز قوات مسلحة على أسس ومبادئ العلم العسكري، كما جهزت وأعدت المجتمع الدولي وبصفة خاصة الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة واتفاقيات ثنائية تجعلها قادرة على تنفيذ كل ما خططت له من أعمال توسع جغرافي، دون أي شك أو خوف من الهزيمة أو فشل محتمل.

"وتظهر الوثائق الأمريكية أن فى شهر مارس 1967 كانت إسرائيل على وشك أن  تقوم بعملية واسعة لاحتلال جنوب سوريا، ويكون من أثر هذه العملية تفجير الموقف فى الشرق الأوسط كله. ولعل المعلومات التي تسربت عن نوايا إسرائيل فى ذلك الوقت كانت الحافز المباشر للملك حسين على دعوة الفريق عبد المنعم رياض إلى عمان فى أول مايو ورسالة التحذير المبكرة التي أرسلها إلى القاهرة. والتي كان شاغله الأكبر من ورائها هي مخاوفه من المطامع الإسرائيلية فى الضفة الغربية. وقد كان تقديره للنوايا الإسرائيلية سليماً. فإسرائيل تريد أن تقدم أي ضربة لمصر هدية للرئيس الأمريكي وأما غنيمتها هي (إسرائيل) فقد كان الملك واثقاً أنها الضفة الغربية من مملكته.

ولم تتحقق خطة العمل الإسرائيلية فى مارس 1967، ولكن تحركات الجيوش المصرية فى مايو 1967 جاءت بفرصة أكبر. وفى 17 مايو وبعد أن أذيع نبأ تحرك الجيوش المصرية رسمياً على العالم دعا ليفى أشكول مجلس وزرائه للاجتماع ، وانعقد المجلس فعلاً مساء ذلك اليوم، واتخذ قرار بإعلان تعبئة جزئية تحسبا للتطورات. وكانت الحقيقة أكبر من هذه المقولة، فإن إعلان التعبئة الجزئية كان يعني على الفور سحب 001 ألف مجند من المزارع والمصانع واستدعاؤهم إلى صفوف الجيش، وهذا العبء لا تستطيع أن تحتمله إسرائيل إلا إذا كان لديها تصميم على الفعل السريع"(1).

ومنذ بداية الأزمة فى الرابع عشر من مايو تداخلت القيادة فى إسرائيل بين العسكريين والمدنيين فقد كان ليفى أشكول رئيسا للوزراء ووزيراً للدفاع وكان إسحاق رابين رئيسا لأركان الجيش. وعلى هذا كانت تتم الاجتماعات بين أشكول ورابين ومعه عدد من جنرالات الجيش. وقد مارس الجنرالات الذين حضروا تلك الاجتماعات ضغوطا مكثفة على أشكول حتى يسرع فى اتخاذ قرار الحرب وأن لا مجال للتهدئة. لكن أشكول بصفته رئيسا للوزراء كان ينتظر لقاء وزير الخارجية الإسرائيلية ابا ايبان مع الرئيس الأمريكي جونسون وما يسفر عن هذا الاجتماع مع اتفاق بين إسرائيل وأمريكا ،

وحاول أشكول كوزير دفاع أن يستوعب هذا الضغط من الجنرالات الإسرائيلية بلقاءات وزيارات للوحدات العسكرية لكنه كان يواجه بنفس الضغوط حتى أن رابين قال "هاهو عيزرا وايزمان قد جاء بنفسه وأبلغني بأنه بمبادرة منه وحده وبدون موافقتي توجه إلى رئيس الوزراء بحضور وزير العدل وتحدث معه بصورة جارحة وقال : يجب أن نعمل لقد دفعتنا الحكومة إلى وضع خطير جداً"(2)، وفشل أشكول فى مواجهة هذه الضغوط بل وفشل فى الاحتفاظ بمنصبه على قمة الجيش وتعين موشى دايان وزيراً للدفاع فى الوزارة الائتلافية التي تشكلت قبل الحرب بأيام قليلة.

وفى نفس الوقت كان ابا ايبان وزير الخارجية الإسرائيلية يقوم بجولة إلى كل من فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة فى سبيل الحصول على الدعم السياسي والعسكري إذا ما تفجرت الحرب مع مصر. وقد حاول فى هذه الزيارة إقناع الرئيس  الفرنسي ديجول بأن إسرائيل فى موقف دفاعي وأن ما فعلته مصر هو إعلان حرب من جانبها لكنه فشل فى هذا تماما. أما فى إنجلترا فقد وجد رئيس الوزراء هارولد ويلسون متحمساً لإسرائيل، وأن إنجلترا لن تسمح لعبد الناصر بالخروج منتصراً من هذه الأزمة. وقد أرسل ابا ايبان بما دار فى هذه اللقاءات إلى ليفى أشكول الذي كان متوتراً ومنتظراً بلهفة نتائج زيارته لواشنطن.

وصل ابا ايبان إلى واشنطن فى الخامس والعشرين من مايو لكن موعده مع الرئيس الأمريكي لم يكن قد تحدد بعد فاجتمع بوزير الخارجية الأمريكي دين راسك الذي طمأنه بأن أمريكا تدعم إسرائيل فى أزمتها ودار الحوار على فكرة الولايات المتحدة بتشكيل قوة بحرية دولية تقوم باقتحام خليج العقبة وهنا تأخذ الأزمة أحد مسارين لا ثالث لهما فأما أن تتعرض مصر لتلك القوة البحرية ويكون لذلك أثار عديدة وأما أن تقبل مرورها وبهذا تكون مصر قد خسرت الحرب سياسياً ،

وجاء الموعد أخيراً فى 26 مايو والتقى ابا ايبان بالرئيس الأمريكي ودار الحوار بينهما طويلاً، كان وزير الخارجية الإسرائيلي متعجلاً ومتلهفاً لتلقى تأييد  الرئيس الأمريكي صراحة لكن الرئيس الأمريكي كان يطلب منح إدارته بعض الوقت لكي يرتب تأييداً أمريكياً وعالمياً لإسرائيل بصورة مختلفة حتى لا يحدث ما حدث فى عام 1956.

"وسأله ايبان فى النهاية ماذا يقول لزملائه فى مجلس الوزراء الذي سيحضر اجتماعه يوم الأحد المقبل ؟ ورد عليه جونسون : قل لهم أن إسرائيل لن تكون وحدها إلا إذا أرادت هي أن تكون وحدها. وكان ايبان يريد تعهداً محدداً فسأل جونسون : هل أستطيع أن أنقل للمجلس أنكم سوف تستعملون كل وسائل القوة المتاحة لكم لدعم موقفنا؟ فقال له جونسون نعم ، ثم أضاف نعم ثلاث مرات، وضع تحت كل واحدة منها خطاً لمزيد من التأكيد"(1).

وعاد ابا ايبان من واشنطن فى 27/5/1967 مباشرة إلى اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي الذي انقسم على نفسه بين مؤيد لقرار الانتظار كما تطلب الولايات المتحدة وبين متعجل لشن الحرب.

واشتعلت الساحة السياسية بدخول بن جوريون وهو الزعامة التاريخية فى إسرائيل  وكذا مناحم بيجن وجولدا مائير رغم أنهما خارج الوزارة. وكان ايجال اللون نائب رئيس الوزراء يضغط فى اتجاه شن الحرب لأن إطالة أمد التعبئة أمر يضر بالاقتصاد الإسرائيلي ولا يمكن للجبهة الداخلية فى إسرائيل أن تتحمل ذلك مدة طويلة. واتفق بيجن وبن جوريون على الضغط لتعيين موشى دايان وزيراً للدفاع.

وفى النهاية أسفرت ضغوط الجنرالات والقادة السياسيين عن تشكيل حكومة ائتلافية شارك فيها مناجم بيجن وتولى موشى دايان وزارة الدفاع ، وكان هذا يعني أن عجلة الحرب قد بدأت فى الدوران.

الجانب الإسرائيلي عسكريا :

ما أن أعلنت مصر التعبئة العامة فى قواتها المسلحة إلا وعلمت به القيادة العسكرية الإسرائيلية عن طريق أجهزة مخابراتها. ثم توالت المعلومات عن تحركات الوحدات المصرية وزيارة رئيس الأركان المصري إلى سوريا. فكان رد الفعل المبدئي هو رفع حالة الاستعداد دون تعبئة للاحتياط الإسرائيلي. لكن فى 17/5/1967 بدأت القيادة العسكرية الإسرائيلية فى تعبئة الاحتياط جزئياً ثم يوما بعد يوم وبتصاعد الأحداث تم استكمال استدعاء كل أفراد الجيش الإسرائيلي.

وفى 19/5/1967 عقد إسحاق رابين رئيس الأركان اجتماعا مطولاً لقيادات الجيش وتم استعراض الموقف من كل جوانبه وردود الفعل التي تناسب كل موقف تتعرض له إسرائيل سواء من مصر أو سوريا أو الأردن. وكان من أهم ما جاء فى هذا الاجتماع على لسان رابين "لقد علمنا بأن الأهمية القصوى خلال الحرب هي سلاح الجو.  فكل جانب يبدأ الحرب بضربة جوية يحقق لنفسه مكسباً بارزاً. والجانب الذي يحقق تفوقاً جوياً سيتمتع بالتفوق البارز فى كل ما يتعلق بالحرب البرية والبحرية. ومن جهة إسرائيل  فإن تحقيق التفوق الجوي كان حيوياً جداً لمنع العدو من تمكنه من ضرب المجال الحساس وهو قصف المراكز الآهلة بالسكان. ومن هنا فإن تفكيرنا العسكري كان منصبا أولا وقبل كل شيء على ضمان التفوق الجوي وذلك عن طريق القيام بهجوم حاسم لتدمير القوات الجوية التابعة للدول العربية"(1).

وقد "كانت لدينا الخطط العملية الدفاعية لمصر التي سميت (القاهر) والخطط العملية الدفاعية للأردن التي سميت (الحسين) وسوريا التي سميت (الجهاد)"(2).

وهكذا كان الجيش الإسرائيلي مستعداً ومدرباً تدريباً عالياً على خطط موضوعة مسبقة. وتعددت اجتماعات القيادة لكن أهمها كان اجتماع 2 يونيو 1967 وكان موشى دايان قد أصبح وزيراً للدفاع وعرض الجيش الإسرائيلي خططه لتدمير القوات المسلحة المصرية على مجلس الوزراء وفى الساعة 12.30 ظهراً اتخذ القرار ببدء الحرب بعد ثلاثة أيام وفى المساء وفى اجتماع مع قادة الجبهة "حدد موشيه دايان تحفظين صريحين دار حولهما فيما بعد نقاش حاد. لقد قال دايان أنه يجب بأي شكل من الأشكال عدم الوصول إلى قناة السويس. فالقناة هدف دولي وليس مصري. والشيء الثاني بجب عدم احتلال قطاع غزة فى المرحلة الأولى من الحرب"(1).

وعلى هذا كان دايان وكثير من قادة الجيش لا يتوقعون أن يصلوا إلى قناة السويس بل أن المعركة ستكون محصورة فى وسط سيناء.

وقـد نجحت القيادة العسكرية الإسرائيلية فى تعبئة حوالي 250 ألف مقاتل أي بنسبة 10% تقريبا من تعداد دولة إسرائيل.

وكانت الخطة الإسرائيلية تقوم على ثلاثة محاور رئيسية هي عنصر المفاجأة وعنصر إحراز تفوق جوي حاسم فى الساعات الأولى من الحرب وعنصر الاشتباك الحاسم مع القوات المصرية الرئيسية فى سيناء بغرض تدميرها أو الالتفاف حولها وتطويقها. وعمد الإسرائيليون إلى خطة خداع محكمة لتوجيه أنظار القيادة المصرية إلى أن الهجوم الإسرائيلي من الجنوب وذلك بتحريك وحدات إسرائيلية بصورة ظاهرة صوب الحدود وتكثيف نشاط الطائرات الإسرائيلية خاصة طائرات الهليكوبتر نحو منطقة إيلات ثم عادت هذه الوحدات  إلى أماكنها فى بداية شهر يونيو وكان لخطة الخداع أثراً ملموساً فى سير المعارك حيث لم تدرك القيادة العسكرية المصرية اتجاه الهجوم الرئيسي الإسرائيلي إلا متأخراً.

القوات الجوية الإسرائيلية :

أتمت القوات الجوية الإسرائيلية كافة أعمال التجهيز وأصبحت مستعدة لتنفيذ ما يطلب منها لتحقيق السيطرة الجوية فى الساعات الأولى. وصل عدد طياريها إلى 010طيار بعد وصول عدد غير قليل من الطيارين الأجانب خلال فترة الطوارئ،  كما نجحت فى الوصول بنسبة صلاحية الطائرات إلى 98% قبل بدء الحرب. ولم تغير القوات الجوية الإسرائيلية من أماكن تمركز طائراتها إلا فى حالات محدودة حيث الخطة كانت معدة سلفاً على أماكن تمركز الطائرات. وكان حجم القوات الجوية الإسرائيلية فى الرابع من يونيو 1967 كالآتي :-

-            3 أسراب ميراج متعددة المهام بقوة 72 طائرة

-            سرب سوبر مستير مقاتلات قاذفة بقوة 18 طائرة

-            2 سرب مستير 4أ مقاتلات قاذفة بقوة 40 طائرة

-            2 سرب أورجان مقاتلات قاذفة بقوة 40 طائرة

-            سرب فوتور قاذفات خفيفة بقوة 24 طائرة

بإجمالـي حوالي 002 طائرة إضافة إلى 2 سرب فوجا ماجستير بقوة 60 طائرة (وهي طائرات كانت تستخدم فى تدريب طلبة كلية الطيران لكن تم تجهيزها واشتركت فى قصف القوات المصرية).

ولترويض أجهزة الإنذار المصرية والدفاع الجوي المصري كانت الطائرات الإسرائيلية تقوم بطلعات جوية على ارتفاع متوسط أمام سواحل سيناء الشمالية بين الثامنة والتاسعة صباحاً. وبتكرار هذه الطلعات طوال أكثر من أسبوعين قبل الحرب  فقد رسخ فى ذهن العاملين على أجهزة الإنذار والرادار المصرية أن هذه طلعات روتينية.

الخطة الجوية الإسرائيلية :

خططت إسرائيل ضربتها الجوية المفاجئة (الخطة كولومب) لتنفذ فى نسقين يهاجم النسق الأول منها على امتداد 75 دقيقة القواعد الجوية والمطارات المصرية فى وقت واحد قدر الإمكان على موجات متلاحقة ، على أن تكون أسبقية القصف والتدمير للممرات بقنابل خاصة جزء منها بطبات تأخير زمنية، ثم طائرات حالات الاستعداد الرابضة بجوار أول الممر، وأخيراً تدمير باقي الطائرات والأهداف الأخرى ، ويعقب ذلك تكرار الهجمة الثانية على امتداد 75 دقيقة بواسطة نفس الطائرات وعلى نفس الأهداف لتأكيد وزيادة تدمير الأهداف المصرية، على أن يتم مهاجمة وتدمير كتائب الصواريخ ووسائل الدفاع الجوي المصري بعد تأكيد نجاح الضربة الجوية بالنسق الأول والنسق الثاني.

وتضمنت الخطة الإسرائيلية تفصيلات الرحلة الجوية من مطارات الإقلاع داخل إسرائيل   إلى الأهداف المصرية وكذا رحلة العودة بحيث تتم دون أن تلتقط أو تكتشف الطائرات الإسرائيلية المهاجمة بواسطة شبكات الإنذار والرادار المصرية. وتم هذا فعلاً أثناء التنفيذ استناداً إلى نجاح وسائل المخابرات الإسرائيلية فى تحديد أوضاع وقدرات الدفاع  الجوي المصري ومحطات الرادار وقدرتها على الكشف الذي كان لا يلتقط أي أهداف جوية تحت ارتفاع 05 متر.

ونجحت القيادة الإسرائيلية فى التخطيط لهذه الضربة باستغلال كل المعلومات المتوفرة لديها كما استغلت نقاط ضعف عديدة فى القوات الجوية المصرية. فحددت الخطة ممرات الاقتراب لتبدأ من سواحل إسرائيل فى اتجاه الغرب وعلى ارتفاع يتراوح بين 30-50 متر بمحاذاة ساحل سيناء. وعند الوصول إلى المنطقة بين العريش ودمياط تنقسم الطائرات المهاجمة إلى ثلاث مجموعات معتمدة فى تحديد موقع انفصال كل مجموعة على منارات إرشاد لاسلكية موضوعة فوق سفن إسرائيلية واتخذ الهجوم الشكل التالي :-

  • المجموعة الأولى تنفصل من ممر الاقتراب فوق البحر عندما تصل إلى شمال مدينة العريش وتتجه طائراتها لتهاجم فى وقت واحد مطارات سيناء (العريش - السر – المليز- بيرتماده  ) .

  • المجموعة الثانية تنفصل من ممر الاقتراب فوق البحر عندما تصل إلى شمال مدينة بورسعيد وتتجه طائراتها لتهاجم مطارات القناة (أبو صوير - فايد - كبريت).

  • المجموعة الثالثة تنفصل من ممر الاقتراب عندما تصل إلى المنطقة شرق مدينة دمياط وتخترق الدلتا لتهاجم مطارات (غرب القاهرة - بني سويف - أنشاص).

وكانت الخطة الجوية الإسرائيلية تستهدف بهذا شل قدرات القوات الجوية المصرية منذ اللحظة الأولى بتدمير عشر قواعد ومطارات مصرية تضم حوالي 90% من طائرات القتال المصرية.

وبذلك تفقد مصر قواتها الجوية من اللحظة الأولى بعد تدمير المطارات والطائرات على الأرض. ثم عند التأكد من تحقيق هذا الهدف يتحول الجزء الأكبر من القوات الجوية الإسرائيلية لتقديم المعاونة للقوات البرية القائمة بالهجوم فى سيناء. مع مداومة الضغط على القوات الجوية المصرية بهجمات متتالية بالجزء الباقي من طائراتها.

ونظراً لأهمية الضربة الجوية الإسرائيلية ومدى تأثيرها الحاسم على نتيجة المعركة بأكملها فقد وضعت القيادة الإسرائيلية كل ما تملك من طائرات - عدا 12طائرة فقط لحماية سماء إسرائيل - فى الضربة الأولى لتضمن النتيجة المرجوة.

وكانت المخاطرة محسوبة بوضع 12طائرة فقط للحماية فوق إسرائيل وذلك اعتماداً على تقدير سليم لنتيجة المفاجأة التي ستحدث بواسطة الضربة الجوية الأولى. وأيضاً اعتماداً وبشكل كبير على وجود عدد وفير من طائرات القتال الأمريكية فوق حاملات الطائرات الأمريكية المتمركزة فى شرق البحر الأبيض وجاهزة للانطلاق والدعم والحماية فى دقائق معدودة.

ولما كانت الساعات الأولى من المعركة بل الدقائق لها أهمية بالغة. لذلك عنيت القيادة الإسرائيلية بالتوقيت أيما عناية فكان على النحو التالي :

"الساعة 8.25 (الثامنة وخمسة وعشرون دقيقة)

بداية اتجاه الموجة الأولى إلى أهدافها

الساعة 8.35 (الثامنة وخمسة وثلاثون دقيقة)

اختراق الموجة الأولى للحدود المصرية

 

بداية اتجاه الموجة الثانية إلى أهدافها

الساعة 8.45 (الثامنة وخمسة وأربعون دقيقة)

هجوم الموجة الأولى على أهدافها

 

اختراق الموجة الثانية للحدود المصرية

 

بداية اتجاه الموجة الثالثة إلى أهدافها

الساعة 8.52 (الثامنة واثنان وخمسون دقيقة)

انتهاء هجوم الموجة الأولى ومغادرة الأهداف

الساعة 8.55 (الثامنة وخمسة وخمسون دقيقة)

بدء هجوم الموجة الثانية

 

اختراق الموجة الثالثة للحدود المصرية

الساعة 9.02 (التاسعة ودقيقتان)

انتهاء هجوم الموجة الثانية ومغادرة الأهداف

الساعة 9.05 (التاسعة وخمسة دقائق)

بدء هجوم الموجة الثالثة

الساعة 9.12 (التاسعة واثنا عشر دقيقة)

انتهاء هجوم الموجة الثالثة ومغادرة الأهداف

 

وصول طائرات الموجة الأولى إلى قواعدها

الساعة 9.22 (التاسعة واثنان وعشرون دقيقة)

تقريباً بدء اتجاه الموجة الأولى (وقد أصبحت الموجة الرابعة) إلى أهدافها

الساعة 9.42 (التاسعة واثنان وأربعون دقيقة)

الموجة الأولى (الرابعة) تهاجم الأهداف للمرة الثانية"(1)

 

وتحددت ساعة الهجوم مساء يوم 4 يونيو فى اجتماع بين رابين رئيس الأركان وقادة الأسلحة المختلفة "وكان هذا التوقيت هو السابعة وخمسة وأربعون دقيقة من صباح يوم الاثنين (بالتوقيت المصري الصيفي هو الثامنة وخمسة وأربعون دقيقة) حسب طلب قائد سلاح الجو العميد/ موردخاى هود فقد قال : لقد تتبعنا طيلة الأسبوعين الماضيين التحركات الدقيقة لسلاح الجو المصري وكانت طائرات سلاح الجو المصري تقلع مع الفجر فى دورة جوية تستمر ساعة وبعد ذلك يهبطون ويذهبون لتناول الإفطار والوقت بين الساعة السابعة والساعة الثامنة هو وقت ميت"(2).

العوامل السياسية الدولية :

أدت السياسة الدولية فى أزمة يونيو1967 دوراً مؤثراً وفعالاً، وكانت أصابع الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تلعب فى مجريات الأمور حتى وصلت إلى اشتعال الحرب بين مصر وإسرائيل. بل أن الأزمة بدأت فى مايو 1967 عن طريق معلومات مزيفة  صادرة من الاتحاد السوفيتي إلى مصر عن أن سوريا تتعرض لخطر غزو إسرائيلي. وكان هذا يعني دفع مصر إلى تصعيد الأزمة بالتضامن مع سوريا.

فبداية من آخر أبريل 1967 حين كان أنور السادات مارا بموسكو فى طريقه إلى كوريا الشمالية والمعلومات تنهال على مصر تارة من الخارجية السوفيتية وتارة من رئيس الوزراء اليكس كوسيجين وأخرى من رئيس الدولة بادجورنى ، وقد حاولت إسرائيل نفي وجود حشود إسرائيلية عن طريق سفيرها فى موسكو لكن كوسيجين عنف السفير الإسرائيلي قائلاً "إن الاتحاد السوفيتي ليس فى حاجة إلى إرسال أحد إلى الجبهة الشمالية لكي يعرف الحقيقة. فلديه الوسائل التي يستطيع بها معرفة الحقيقة دون زيارة المواقع"(1).

وما أن اشتعل الموقف فى 14 مايو بإعلان التعبئة فى القوات المسلحة المصرية حتى توالت إشارات التأييد من الحكومة السوفيتية عن طريق رسائل وتصريحات ولقاءات مع القادة السوفيت والسفراء ، كانت إحداها حين قابل الرئيس جمال عبدالناصر السفير السوفيتي بالقاهرة يوم إعلان إغلاق خليج العقبة حاملاً إليه رسالة تحمل تأييداً كاملاً من الحكومة السوفيتية ومن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي للدوافع التي حدت بمصر أن تطلب سحب قوات الطوارئ الدولية وكان أهم ما قاله السفير للرئيس عبد الناصر "أنكم يا سيادة الرئيس أنتم وبقية العالم العربي لابد وأن تعرفوا أن الاتحاد السوفيتي وحكومته يقفون بحزم وراء الدول العربية المستقلة وأن الاتحاد السوفيتي سوف ينتهج فى الأيام القليلة القادمة خطاً حازماً، وأنه إذا تطورت الأمور فى اتجاه العدوان بواسطة القوى الاستعمارية وابنها بالتبني - إسرائيل - فأننا سنتخذ  الخطوات اللازمة"(2).

وحاول الرئيس جمال عبد الناصر التأكد من موقف الاتحاد السوفيتي فبعث بوفد عسكري برئاسة شمس بدران وزير الحربية لاستطلاع موقف الاتحاد السوفيتي وطلب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شحنات أسلحة جديدة والإسراع فى وصول الشحنات القديمة ، واجتمع الوفد بالقيادة العسكرية السوفيتية برئاسة وزير الدفاع الماريشال اندريه جريتشكو كما اجتمع بوزير الخارجية وأيضاً برئيس الوزراء إليكس كوسيجين وتم بحث الأزمة الناشئة بين مصر وإسرائيل بكل أبعادها بعد سحب قوات الطوارئ وإغلاق خليج العقبة. وكان رأى جريتشكو أن القوات المسلحة المصرية يعمل لها العدو ألف حساب وأن إسرائيل لن تجرؤ على شن الحرب. وأيد كوسيجين هذا الرأي بل زاد عليه بأن مصر قد انتصرت سياسياً وعسكرياً وأن رأيه أن تكتفي مصر بهذا ، وكأن الأمور كلها فى   يد مصر وكأنه ليس هناك طرف آخر يخطط ويتحرك. وتمت الموافقة على طلبات مصر من الأسلحة على ثلاث مراحل منها ما هو فوري ومنها ما يتم تسليمه خلال شهري يوليو وأغسطس والجزء الثالث سيتحدد موعد تسليمه لاحقاً.

وجاء ختام الزيارة بأكبر مما كان الوفد المصري يتوقع وتم إبلاغ الرئيس جمال عبدالناصر بهذا فور وصول الوفد إلى القاهرة. بنص ما جاء فى كتاب الانفجار لمحمد حسنين هيكل. فقد أقيم حفل وداع للوفد المصري بمطار موسكو وانتحي الماريشال حريتشكو وزير الدفاع السوفيتي جانباً مع وزير الحربية المصري شمس بدران قائلاً "اطمئنوا لكل طلباتكم ، سنعطيها لكم. أريد أن  أوضح لك أنه إذا دخلت أمريكا الحرب فسوف ندخلها بجانبكم ، هل فهمت ما أعنيه؟ واستطرد قائلا وصلتنا معلومات اليوم أن الأسطول السادس فى البحر الأبيض أعاد إلى كريت جنود مشاة الأسطول السابق تحميلهم على ظهر مجموعة الإنزال ،

إن أسطولنا فى البحر الأبيض قريب من شواطئكم الآن، وبه من المدمرات والغواصات المسلحة بالصواريخ وبأسلحة لا تعلموها، هل فهمت تماماً ما أعنيه؟، أريد أن أؤكد لكم إنه إذا حدث شيء واحتجتم لنا فمجرد إرسال إشارة نحضر لكم فوراً فى بورسعيد أو فى أي مكان. وانتهى الحديث وصافحته مودعا لكنه عانقني بحرارة.

إمضـاء

شمـس بـدران

وزيــر الحربيــة

وصدقت القيادة المصرية سياسياً وعسكرياً ما جاء فى بيانات الاتحاد السوفيتي وكلماته المعسولة الضخمة عن التأييد لمصر وردع من يحاول المساس بها ، لكن التناقض فى موقف السوفيت كان واضحاً. ففي بداية الأزمة تم دفع مصر دفعاً إلى تصعيد الموقف وبعد عدة أيام كان ضبط النفس وعدم البدء بالضربة الأولى مطلباً سوفيتياً ملحاً إلى مصر وكأن أشهرها مقابلة السفير السوفيتي بالقاهرة بوجداييف  للرئيس جمال عبدالناصر فى الثالثة من فجر يوم 27/5 يطلب منه ويلح على عدم القيام بالضربة الأولى، وجاء أول يونيو ولم تصل الشحنات السوفيتية إلى مصر بحجة أن يوغسلافيا لا تسمح بعبور الطائرات السوفيتية لأجوائها مما حدا بالرئيس جمال عبد الناصر بالاتصال بالرئيس تيتو لحل هذه المشكلة ، لكن أغرب الأمور هو أن الاتحاد السوفيتي لم يقدم أي معلومة عن قوات الجيش الإسرائيلي للقيادة المصرية تفيد فى التخطيط  للحرب رغم امتلاكه للكثير من هذه المعلومات.

أما عن الولايات المتحدة الأمريكية ودورها فى هذه الحرب فالأحداث كثيرة ، فالحرب كانت بين مصر من جانب وإسرائيل التي حاربت نيابة عن الولايات المتحدة من جانب آخر، وكان من عجائب القدر أن تتوفر تلك اللحظة الدرامية التي تتوافق فيها مصالح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد السوفيتي على ضرب مصر، كل له مصلحة مختلفة وخاصة لكن الجميع اتفق على أن ضرب مصر ضروري  لتحقيق هذه المصلحة.

قبل سنوات من بدء الحرب فى يونيو1967 نالت إسرائيل دعماً سياسياً وعسكرياً من الولايات المتحدة لا حصر له ، وسنعرض فى اختصار بعض وليس  كل مواقف هذا الدعم، وسوف نستعرض لاحقاً كل أشكال الدعم العسكري الذي مكن إسرائيل من النصر قبل أن تبدأ الحرب.

فبعد كشف صفقة الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل وتعثر تسليمها تعهدت الولايات المتحدة بتعويض إسرائيل عن هذه الصفقة وأوضح رابين فى مذكراته حين طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة تزويدها بطائرات سكاى هوك ودبابات باتون م48 "وقرر جونسون الرجل السياسي أن يربط هذا بذاك أي تزويد الأسلحة لإسرائيل والأردن وأن يزيل بذلك معارضة إسرائيل وأصدقائها فى الولايات المتحدة لتسليح الأردن ، وكان التسليح فى البداية نقطة نقطة. لكن مع مر الزمن أصبح بحجم زائد باستمرار وفتحت أمام إسرائيل مصادر المشتريات الأمريكية إلى حد أن الولايات المتحدة تعهدت بصراحة وعلنا بالتزام بعيد الأثر وهو توزين القوى بين إسرائيل وجاراتها فى الشرق الأوسط"(1).

وتوالت مواقف الولايات المتحدة المؤيدة لإسرائيل فى نفس الوقت الذي كانت العلاقات تتدهور وتسوء مع مصر وحكومتها ، حتى وصلنا إلى بداية الأزمة فى  شهر مايو67 وظهر التأييد الكامل لإسرائيل على أرض الواقع ، فدعوة الرئيس الأمريكي جونسون إلى إنشاء قوة بحرية دولية تقوم باقتحام خليج العقبة والمرور فيه كانت بمثابة قنبلة دخان للتعمية حتى تعتقد القيادة المصرية أن الأزمة قد أصبحت فى  يد المجتمع الدولي وليست فى يد إسرائيل مما يبعد شكوك الحرب عن تفكير القيادة المصرية فتقع فى فخ الاسترخاء واستبعاد قيام إسرائيل بالهجوم.

وفى 25 مايو 1967 التقى ابا ايبان وزير الخارجية الإسرائيلي مع ايرل هويلر رئيس هيئة الأركان المشتركة والذي يعد هو المنصب العسكري الأعلى فى أمريكا، قال لايبان "إنني لا أريدك أن تقلق من أي اعتبار سواء بدأوا هم (المصريين) أو بدأتم أنتم، فليس لدينا شك فى النتيجة، فنحن نعرف حجم ما هو متاح لكم، كما أننا نقدر كفاءتكم فى إدارته، ثم أضاف حسابات المعركة كلها فى صالحكم ، هذه تقديرات جميع خبرائنا ولم يعترض منهم أحد، فلديكم كل ما هو لازم وزيادة"(1). وفى اليوم التالي جاء تأكيد الرئيس الأمريكي جونسون لايبان بأن أمريكا مع إسرائيل بصورة مؤكدة ، ولما ألح ايبان على التأكيد باستخدام القوة المسلحة الأمريكية، قال له جونسون كلماته الواضحة والمحددة والتي اختتمها بنعم نعم نعم.

وفى 27 مايو يدعى السفير المصري فى واشنطن على عجل للاجتماع بنائب وزير الخارجية الأمريكية الذي يبلغه بأن هناك احتمال مؤكد للهجوم على إسرائيل بواسطة مصر وسوريا ويدعوه إلى إبلاغ الرئيس المصري بضبط النفس وتجنب أي أعمال عسكرية،وفى الفجر يأتي السفير السوفيتي فى القاهرة ليوقظ الرئيس عبدالناصر من نومه ويبلغه نفس الرسالة ويزيد عليها أن الرسالة وصلت إلى رئيس الوزراء السوفيتي من الرئيس الأمريكي مباشرة على الخط الساخن بين البيت الأبيض والكرملين.

وفى خضم الاتصالات الجارية بين مصر والولايات المتحدة عن طريق الخارجية المصرية والسفير المصري فى واشنطن ومندوب مصر فى الأمم المتحدة وصلت رسالة الرئيس الأمريكي جونسون إلى الرئيس جمال عبد الناصر فى 23 مايو 1967 والتي يدعوه إلى تجنب الأعمال العدوانية وأن الصراعات الكبرى لا تحل بالقتال ، وأنه يقترح إرسال نائبه ليتحدث مع عبد الناصر والقادة العرب والقادة الإسرائيليين ، ورد الرئيس جمال عبد الناصر على الرسالة فى 3 يونيو 1967 مرحبا بمبادرة الرئيس جونسون وأنه يقترح إرسال نائبه السيد زكريا محيي الدين إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي وشرح وجهة النظر المصرية فى الأزمة.

ولا يمكن التعليق على العوامل السياسية العالمية المحيطة بمصر إلا أن القيادة  المصرية سياسيا وعسكريا بسوء تقديرها، وخطأ الحسابات، وضعف الأداء الاستخباراتي، والخلل الاستراتيجي ، والاتحاد السوفيتي يدفع مصر إلى الأزمة والولايات المتحدة ترتب مع إسرائيل للهجوم فى نفس الوقت الذي تقيد مصر وتحذرها من القيام بأي هجوم ، كل هذا أدى إلى أن القيادة المصرية أشعلت الأزمة ووضعت قواتها المسلحة فى سيناء وجلست تنتظر رد الفعل الإسرائيلي وتؤكد المرة تلو الأخرى أنها لن تكون البادئة بالهجوم.

 


(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص438.

(1) المصدر السابق - ص445.

(2) تريفور .ن. دوبوى - النصر المحير - ص267.

(3) انتوني بيرسون - مؤامرة الصمت - ص13.

(1) تريفور .ب. دوبوى - النصر المحير - ص266.

(2) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص446.

(1) انتوني بيرسون - مؤامرة الصمت - ص18.

(2) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص447.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص454.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص515.

(2) المصدر السابق - ص515.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص538.

(2) المصدر السابق - ص544.

(1) المصدر السابق - ص545.

(2) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص563.

(1) محمد حسنين هيكل - عبد الناصر والعالم - ص338.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص681.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص701.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص503.

(2) من مفكرة إسحاق رابين - سجل خدمة - ص135.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص604.

(1) من مفكرة إسحاق رابين - سجل خدمة - ص109.

(2) المصدر السابق - ص110.

(1) المصدر السابق - ص139.

(1) جاكسون - تاريخ القوات الجوية الإسرائيلية - ص178.

(2) من مفكرة إسحاق رابين - سجل خدمة - ص140.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص443.

(2) المصدر السابق - ص524.

(1) من مفكرة إسحاق رابين - سجل خدمة - ص96.

(1) محمد حسنين هيكل - الانفجار - ص597.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech