Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

صراع في السماء - اللواء طيار محمد عكاشه - الجزء السادس

 الفصـل السـادس

الوهــم  والحقيقـة

حرب يونيو67 دراسة وتحليل :

تضافرت عوامل عديدة لإنجاح الجولة الثالثة بين مصر وإسرائيل التي رتبت لها إسرائيل ترتيباً محكما فحققت نصراً تاريخياً لم تكن تتوقع أن يكون بمثل هذا الحجم ، ورغم أن العوامل التي أدت إلى النصر لم تكن كلها إسرائيلية إلا أنها استطاعت أن تستغل بكفاءة عالية العوامل الخارجية متمثلا فى الموقف الأمريكي والسوفيتي، وأيضاً تستغل العامل الأهم وهو التقصير والإهمال المصري الذي فاق كل تصور.

العوامل السياسية والدولية فى حرب يونيو67 :

الموقـف الأمريكـي :

لعبت الدول الكبرى على مر التاريخ الحديث دوراً هاماً فى أحداث المنطقة العربية وبخاصة مصر بحكم موقعها الجغرافي المتميز وحضارتها ودورها المؤثر فى المنطقة، وأيضاً لقربها من مصادر الثروة البترولية. فاتفقت آراء الدول الكبرى على مر السنين على ألا تكون مصر قوية تتزعم المنطقة وتؤثر فى أحداثها. بدءاً من ضرب أسطول مصر فى عهد محمد على بواسطة أساطيل الدول الكبرى وحتى حرب 1956 والتي كانت خير مثال على ذلك، وإن كنا لم ندركه حق الإدراك ،

وعقب العدوان الثلاثي حل النفوذ الأمريكي عنوة محل النفوذ البريطاني الذي انتهى فى المنطقة وبدأت السياسة الأمريكية تخطط وترتب الأوضاع بما يخدم مصالحها ونفوذها.

ولما كانت مصر فى نهاية الخمسينيات والستينيات هي العقبة أمام النفوذ الأمريكي، فقد حاولت أمريكا احتواءها فى أول الأمر، لكن الرئيس جمال عبد الناصر كان يدرك تماماً أن تحقق مصالح أمريكا سيكون على حساب مصر فكان الصدام بينهما ،

كانت مصر قبل حرب يونيو67 تتمتع بعداء الغرب والعديد من الدول العربية ، فالغرب كان يعتبر مصر هي مدخل أفريقيا والدول العربية وأنها منبع التيار الثوري الذي يهدد الأنظمة الموالية للغرب وأنها بارتمائها فى أحضان الاتحاد السوفيتي  ستساعد على بسط النفوذ الشيوعي فى المنطقة مما يهدد المصالح الغربية وخاصة الأمريكية منها.

 

 

 

ولما فشلت محاولات احتواء مصر لم يكن أمام الغرب وأمريكا إلا إسقاط النظام المصري بالقوة. ولن نتكلم عن الدعم السياسي قبل وأثناء الحرب وقد تعرضنا له سابقاً، وإنما سنذكر بعض من الدعم العسكري الذي كان من العوامل الهامة والمؤثرة فى مجرى العمليات العسكرية ، فالسلاح الأمريكي انهمر على الجيش الإسرائيلي دون قيود أو محاذير كما وصف ذلك رابين حين قال أن مشتريات الأسلحة الأمريكية أصبحت أبوابها مفتوحة لنا لأقصى مدى ، كما وأن ترويض الرئيس جمال عبدالناصر فى فترة مايو قبل الحرب وإقناعه بالانتظار وتلقى الضربة الأولى كان هدية على طبق فضه للجيش الإسرائيلي ، ناهيك عن المعلومات التفصيلية الدقيقة عن القواعد والمطارات المصرية التي حصلت أمريكا عليها بواسطة أجهزتها المختلفة وقدمتها هدية أخرى إلى إسرائيل.

فالقوات الجوية الإسرائيلية لم تقم بطلعات الاستطلاع التي تمكنها من الحصول على هذا الحجم من المعلومات وبهذه الدقة عن القواعد والمطارات ومواقع الصواريخ أرض/جو المصرية ، وهناك العديد من الشواهد التي لا تقبل الشك على هذا الدعم.

-            فى مساء 23 مايو 67 تمت طلعة استطلاع لمواقع الصواريخ أرض/جو المصرية وقد أطلق على طائرة الاستطلاع عدد من الصواريخ المصرية لكن لم تصب بأي منها نتيجة للتشويش الإلكتروني الذي قامت به الطائرة على مواقع الصواريخ ولم تكن إسرائيل تملك هذا النوع من الطائرات فى هذا الوقت.

-            تواجد السفينة ليبرتى بأجهزة المراقبة والتنصت والتشويش المزودة بها فى منطقة أمام العريش دلالة أخرى كافية على الدعم والتواطؤ الأمريكي.

-            قالت المصادر الإسرائيلية العسكرية والإعلامية أن إسرائيل استخدمت كافة ما  تملكه من طائرات فى الضربة الجوية الأولى ضد مصر عدا 12 طائرة فقط  لحماية إسرائيل، وكان التبرير أنها مغامرة محسوبة. لكن إسرائيل التي استعانت بإنجلترا وفرنسا عام 1956 لحماية سمائها لم تكن لتخاطر بمثل هذا إلا لأنها متأكدة أن هناك 2 حاملة طائرات أمريكية على بعد 70 كيلو متر من الشواطئ الإسرائيلية، عليهما طائرات جاهزة فى دقائق للطيران وحماية سماء إسرائيل إذا استدعى الأمر.

-            فى يوم 7 يونيو1967 وصلت رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر من الرئيس الأمريكي جونسون بواسطة السفير السوفيتي بالقاهرة يخبره فيها بأن هناك طائرتين قتال أمريكيتين عبرتا منطقة القتال اضطراراً للقيام بمهمة عاجلة لا شأن لها بالقتال الدائـر بيـن مصر وإسرائيل ، كانت الرسالة تحاول نفي اشتراك أو دعم أمريكا فى القتال لصالح إسرائيل ،

-            ما الذي أوجد الطائرات الأمريكية أصلاً على مقربة من منطقة القتال ؟؟

-            ما هي المهمة التي كانت تستدعي مرور طائرات قتال للمنطقة والحرب دائرة فيها منذ يومين ؟؟

كان من الصعب على مصر أن تثبت اشتراك أمريكا فى القتال. لكن لظروف لا نعلمها صدرت هذه الرسالة من الرئيس الأمريكي لكي يؤكد ويوثق اشتراك أمريكا فى هذه الحرب.

وهكذا تولى الجانب الأمريكي دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً بينما تولى الاتحاد السوفيتي الجانب الآخر وهو مصر.

الموقـف السوفيتـي :

رغم صفقة الأسلحة التي تمت بين مصر وروسيا عام 1954 ثم التحول الاشتراكي والاتجاه إلى النظام الشمولي الذي ساد مصر بنهاية الخمسينيات والستينيات. لم يكن الاتحاد السوفيتي يقنع بهذا القدر من التحول بل كان يبغي أن تصبح مصر ومن ورائها باقي دول المنطقة دولا تدور فى فلكها على غرار أوروبا الشرقية ، كما كان ينظر إلى الرئيس جمال عبد الناصر على أنه الحاجز الأكبر فى بسط النفوذ السوفيتي فى المنطقة العربية والأفريقية.

-            ولو تناولنا الدور السوفيتي فى حرب يونيو67 فلابد وأن نعود إلى عشر سنوات  قبل بداية الحرب ونؤكد على نقص قطع غيار المعدات العسكرية وكذا حجب الأسلحة المتطورة عن عمد للقوات المسلحة المصرية. ويكفي أنه فى عام 1966 كان موضوع قطع الغيار والأسلحة المتطورة يثار على أعلى المستويات من  الجانب السوفيتي لكن دون استجابة وتجلي هذا فى أوضح صوره فى موقف الدفاع الجوي المصري الذي كان يعاني من الكفاءة القتالية المنخفضة لعدم وجود رادارات كشف منخفضة ووسائل اتصال وقيادة وسيطرة ، كما طلبت مصر مراراً  طائرات استطلاع حديثة للقصور الواضح فى المعلومات، لكن هذا الطلب لم يكن بأفضل من الطلبات السابقة.

-            ثم جاء مايو 67 ليكشف عن الدور السوفيتي فى ذلك الفخ الذي تم نصبه لمصر، بدأ بتلك المعلومات الزائفة التي تم دسها على القيادة السياسية والعسكرية فى مصر والإلحاح عليها بأن هناك حشوداً إسرائيلية على سوريا ، وهي معلومات ثبت زيفها بتقارير مراقبي الأمم المتحدة على جبهة سوريا وبالفريق أول محمد فوزي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية ، لكن الاتحاد السوفيتي كان يدفع مصر إلى حرب وهو يدرك تماماً بأنها غير مستعدة لهذه الحرب ، وكيف تدخل حرب ولها فى اليمن 40% من قواتها البرية ؟؟، كان الاتحاد السوفيتي يعرف أن مصر سوف تهزم فى هذه الحرب، وأن قواتها المسلحة ستفقد الكثير من معداتها وأسلحتها. وهنا ليس أمام مصر إلا استعواض خسائرها وهنا يتمكن الاتحاد السوفيتي من فرض سيطرته التامة على مصر،

-            دليلنا على ذلك تلك المقابلة الشهيرة التي تمت بين الرئيس عبد الناصر والسفير السوفيتي فى القاهرة فى الثالثة فجر السابع والعشرين من مايو حين شعر بأن  مصر يمكن أن تقوم بالضربة الأولى - رغم أنها لم تكن لتغير من نتيجة الحرب - مطالباً بعدم الهجوم على إسرائيل، وقد حصل على تأكيد واضح بأن مصر لن تقوم بالضربة الأولى، وكان هذا ما تبغيه وتطلبه إسرائيل.

-            استغرقت فترة التوتر ما بين إعلان الطوارئ وقيام الحرب 20 يوماً، دارت فيها أحداث ورسائل ولقاءات وتحركات بين مصر والاتحاد السوفيتي ، لكن لم يثبت فى أي مرجع عسكري أو إعلامي كتب عن تلك الحرب أن الاتحاد السوفيتي أمد مصر بأي معلومات عن الجيش الإسرائيلي طوال تلك الفترة. هل كانت كل المعلومـات المتوفرة لدى السوفيت هي فقط الحشود الإسرائيلية على الجبهة السورية،؟؟

بل وإن الوفد المصري برئاسة السيد شمس بدران وزير الحربية الذي كان فى موسكو يوم 27 مايو طلب من مصر قيام الرئيس عبد الناصر بالضغط حتى تستجيب القيادة السوفيتية لطلبات الوفد ، وبالفعل أرسل عبد الناصر رسالة إلى بريجينيف أسفرت عن تأجيل اجتماع القيادة السوفيتية مع الوفد المصري.

وتداولت القيادة السوفيتية فيما بينها وعادت للاجتماع بالوفد المصري وأسفر الاجتماع بعد التأجيل والمداولة عن تنفيذ عقود قديمة يتم تسليمها فوراً ، أما عقود عام 1968 فيتم تسليمها خلال شهرين ، وبالنسبة للمطالب الجديدة التي قدمها الوفد المصري فوعد السوفيت بدراستها والرد عليها فى أقرب فرصة.

وهكذا اتفقت مصالح الدولتين العظيمتين على ضرب مصر وتدمير قواتها المسلحة وإسقاط القيادة السياسية فيها.

السياسة الإسرائيلية فى حرب يونيو1967 :

رغم أن ظروفاً كثيرة ساعدت إسرائيل إلا أن القيادة السياسية بها سعت إلى هذا النصر فعملت الكثير من أجله فكان طبيعياً أن يدين لها ، ولكن غير الطبيعي أن يتحقق النصر الإسرائيلي بمثل هذا الحجم وبمثل هذه السرعة.

كان وضوح الهدف لدى الدولة الإسرائيلية كافة, من أبرز العوامل المؤثرة فى هذه الحرب، الاستراتيجية ثابتة فى :

-            إسرائيل دولة لابد وأن تتوسع.

-            لا حروب داخل أرض إسرائيل وإنما نقل المعركة من اللحظة الأولى إلى أرض العدو.

-            الحرب لا تفرض على إسرائيل وإنما هي التي تحدد وتقرر موعد الحرب.

القيادة السياسية تعمل من أجل هدف واضح يجرى الترتيب له فى نظام وتنسيق تام لعشر سنوات قبل الحرب ، السياسة تمهد للعسكرية وتخلق لها الظروف الملائمة، والعسكرية تنفذ مطالب السياسة وطموحها. وقد وصف الكاتب الإسرائيلي يوسف عفرون هذه بصورة دقيقة حين قال : أنه لولا العمل السياسي الدائب الذي سخر لخدمة السياسة الحربية وأدى إلى تنفيذ صفقات ضخمة من الأسلحة والمعدات الحربية سبقت العمل العسكري وكانت من الدوافع الأساسية لتنفيذه. لولا ذلك لما استطاع الجيش الإسرائيلي أن يشن حرب 1967. فإن الدبابات والطائرات التي أدت إلى النصر لم تهبط على الجيش الإسرائيلي من السماء بل كانت ثمرة تخطيط دقيق وعمل شاق لسنوات طوال.

كانت القيادة السياسية الإسرائيلية تعمل طوال عشر سنوات تحت مسلمات غير قابلة للنقاش ولم تكن يوما محل خلاف بين أي من المسئولين اليهود. كان أهم تلك المسلمات هو التوسع شيء حتمي والحرب لابد منها ولا محال ،

يقول بن جوريون فى مذاكرته "أمامكم الإعلان الأمريكي للاستقلال ليس به أي ذكر لحدود أرضية ، ولسنا ملزمين بتعيين حدود للدولة"([1]).

استوعبت القوات الجوية الإسرائيلية بعد عام 1956 المطلوب منها تماماً، وظهر إلى الوجود مبدأ الاعتماد على النفس وأصبح هو العقيدة الأساسية التي يعمل الجميع تحت ظلها. وفى سبيل تحقيق الهدف المطلوب تكاتفت الجهود السياسية مع العسكرية. وإيماناً بالدور الهام والخاص الذي ستقوم به القوات الجوية فى الحرب، قامت القيادة السياسية بتكليف جهاز المخابرات الإسرائيلي بالحصول على طائرة القتال المعادية التي تشكل تهديداً للطائرات الإسرائيلية أثناء تنفيذ مهامها ، ونجحت بالفعل المخابرات الإسرائيلية فى تجنيد طيار عراقي وهبط بطائرته المقاتلة طراز ميج21 وقد أفاد ذلك القوات  الجوية الإسرائيلية حيث تم تدريب الطيارين الإسرائيليين على نقاط الضعف والقوة فى الطائرة المقاتلة الميج21.

ولوضوح الهدف أمام القيادة السياسية والعسكرية كان العمل يجرى فى توافق تام  خاصة فى الفترة التي شهدتها المنطقة عام 1966 وبداية عام 1967 التي تصاعدت فيها أعمال اختراق الطائرات والاشتباكات المدبرة التي يعقبها تصريحات ملتهبة. وكان قمة توافق العمل السياسي والعسكري تلك المعارك الجوية المدبرة التي نشبت بين السلاح الجوي الإسرائيلي والسوري فى أبريل 1967 وما أعقبه من تصريحات مدروسة للسياسيين.

وقد أشرنا فى أحداث شهر مايو أثناء فترة التوتر على واقعة الاجتماع الشهير الذي تم بين الرئيس الأمريكي جونسون مع ابا ابيان وزير الخارجية الإسرائيلية الذي لم يكتف بتأييد عام من الرئيس الأمريكي وإنما استفسر مستوضحا عن تدخل أمريكي واستخدام كل ما تملكه أمريكا من وسائل لمساندة إسرائيل ومن إجابة جونسون الذي قال نعم ، نعم ، نعم وضع تحتها خطوطاً للتأكيد ، نفهم كيف كان وزير الخارجية يعمل  لخدمة إسرائيل سياسياً وعسكرياً.

وأيضاً طوال فترة مايو وأول يونيو67 كان الاتصال مستمر بين مجلس الوزراء الإسرائيلي وهو القيادة السياسية فى الدولة وبين إسحاق رابين رئيس الأركان ومعه العديد من جنرالات الجيش ، كما وأن بن جوريون رغم أنه كان خارج الحكومة  وكذا مناحم بيجن وموشى دايان اجتمعوا مرات عديدة بل وأن إسحاق رابين استشار معلمه وأستاذه بن جوريون فى مجريات الأمور وقتها ، وحين اتفقت الآراء بعد تلك الاجتماعات على الحرب ومهاجمة مصر تشكلت وزارة ائتلافية ممثلة لكل القوى السياسية لكي تقود إسرائيل فى تلك المرحلة المصيرية.

السياسة المصرية فى حرب يونيو1967 :

فى المقابل كانت القيادة السياسية المصرية ، والمفترض فى أي قيادة سياسية أنها  تقوم بوضع الاستراتيجية العامة للدولة ثم تبنى الأجهزة الخاصة لتحقيق هذه الاستراتيجية، مع خلق الظروف الملائمة لكي تؤدي هذه الأجهزة واجبها بأعلى كفاءة ممكنة ، وعلى رأس هذه الأجهزة تأتي القوات المسلحة التي هي أداة فى يد السياسة لتحقيق أهدافها.

وانطلاقاً من هذا نجد أن القيادة السياسية المصرية قد فشلت فى ذلك تماماً. ففي ظل النظام الشمولي السائد فى هذا الوقت غابت الاستراتيجية تماماً، وأصبحت القرارات الفردية الصادرة من قمة القيادة السياسية هي الهدف الذي تعمل كافة أجهزة الدولة على تحقيقه ، وطبيعي وفى غياب الاستراتيجية لابد وأن تأتي القرارات الفردية مليئة بالأخطاء والنظرة القاصرة.

ومثالنا على ذلك الواضح هو توارى عظمة قرار تأميم قناة السويس كقرار صحيح  حين تداعت الأمور وكاد يعيد احتلال مصر لولا ظروف لم يكن للقيادة السياسية المصرية يد فيها أفشلت العدوان وحققت لمصر انتصاراً لم تكن هي صانعته.

ولو استعرضنا الفترة السابقة على حرب يونيو1967 لوجدنا العديد من الأخطاء التي وقعت فيها القيادة السياسية المصرية مما كان له أكبر الأثر على هزيمة مصر فى الحرب ، كانت البداية حين سمحت القيادة السياسية المصرية للقوات المسلحة أن تنفصل وتصبح قوة مستقلة عن باقي الدولة دون مساءلة أو رقابة، اعتماداً على العلاقة العاطفية التي كانت تربط بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر. وهنا حدثت الفجوة والانفصال بين القيادة السياسية وأفراد القوات المسلحة. وغاب عن القيادة السياسية أن تبنى قوات مسلحة ذات كفاءة قتالية عالية أو من المحتمل أن تكون قد صدقت أنها فعلت هذا ،

توالت القرارات السياسية دون روية أو دراسة فكانت القوات المسلحة تجد نفسها فى مأزق ولابد من مواجهته ، مثالنا على ذلك بدءاً من عام 1962 حين تم إرسال  طلائع قوات مصرية إلى اليمن بدأت بمئات الجنود ثم تحولت إلى 40% من حجم القوات البرية المصرية. وللأسف لم تحقق هذه القوات النجاح المنشود لأنها واجهت حرب عصابات ومؤامرات غربية وعربية ، ثم جاءت تصرفات القيادة العسكرية بترقيات استثنائية وامتيازات للبعض دون الآخر لتقضى على الروح القتالية حيث أن معيار هذه الترقيات والامتيازات كان التملق والتقرب من القيادة العسكرية ، وانقلبت الخدمة فى اليمن إلى منفعة شخصية للضباط والأفراد هناك.

وقد انجذبت القيادة السياسية نحو تيار الحركات التحررية العربية، واعتبرت أن مصر هي الدولة الحاضنة لكل هذه الحركات، وتخيلت أن نجاح هذه الحركات هو قمة النجاح لمصـر. وقد حجب هذا الاهتمام القومي العربي الرؤية عن تأمين الأمن القومي المصري، فوجود قوات مصرية بهذا الحجم فى اليمن كان ضد الأمن القومي المصري بداهة ،

لم تكن القوات المسلحة تحتل مكانها المناسب فى تفكير الرئيس جمال عبد الناصر، فهو كان على علم بأمور حيوية تحتاجها القوات الجوية مثل رادارات الارتفاعات المنخفضة وطائرات الاستطلاع ووسائل دفاع جوي لكن لم يتم التعامل مع هذه الطلبات مع الاتحاد السوفيتي بالمستوى المفروض. وندلل بمثال واحد على هذا من أقوال الفريق محمد صدقي قائد القوات الجوية أمام لجنة كتابة التاريخ

"صدقي : الواقع أن القوات الجوية وأنا بالذات كنت ألح على ضرورة عمل الملاجئ للطائرات وفى كل سنة نتقدم بمبالغ لها تشطب. أذكر آخر مرة أتكلمت فى هذا الموضوع ربما كان 1965 وكنت أتكلم بشيء من الحكمة مع المشير عبد الحكيم   عامر لأنه ليس سليما أن الطيارات تكون معرضة بهذا الشكل، فقال لي قابل جمال عبدالناصر. حاضر. قابلت الرئيس جمال عبد الناصر وتكلمت معاه فعلاً فكان رده الله يرحمه "يا صدقي أعملك مخابئ للطيارات، وألا أجيب قمح للناس علشان تآكل" الرد الطبيعي ، لأ نجيب قمح. عندما يكون هذا هو الوضع فماذا يكون الموقف ؟ هل نعرض أنفسنا لأي حرب أو نستفز الناس ليهجموا علينا؟([2]).

ولن نزيد ونوضح ما تم خلال سنوات الستينيات ونصل إلى بداية الأزمة :

ففي 13 مايو حين وصلت المعلومات السوفيتية عن الحشود الإسرائيلية استمع الرئيس جمال عبد الناصر إليها وكأنها أمر مسلم به، وبعد اجتماع مع المشير عامر تم اتخاذ القرارات التي أدت بتصاعدها إلى كارثة الهزيمة فى 5 يونيو، وهنا لابد وأن نسأل :

-            هل الحشود على الجبهة السورية كانت مبرراً لإعلان حالة الطوارئ ؟؟!

-            هل تم التشاور مع أحد غير المشير عبد الحكيم عامر ؟؟!

-            هل تم التأكد من أن القوات المسلحة المصرية جاهزة ومستعدة لهذه القرارات ؟!

كانت الأسئلة مشروعة ولابد من الوقوف أمامها والتأكد منها، فمصير دولة وشعب مصر لا يتحدد بقرار فرد أو اثنين ، لقد أوضح الفريق أول محمد فوزي شكه واندهاشه وتساءل مثلنا عن أسباب هذا الاندفاع خاصة بعد أن عاد من سوريا ومعه صور  للجبهة السورية قبل يوم واحد ليس فيها أي حشود ،

هل توهم الرئيس جمال عبد الناصر أنه قادر على إحراز نصر سياسي على غرار ما حدث عام 1960 حين دفع ببعض القوات المسلحة فى مظاهرة عسكرية إلى سيناء فانسحبت إسرائيل من  أمام قرية التوافيق السورية دون قتال ؟، ربما ، لكن لكل حادث معطياته وظروفه المحيطة ، من أقوال الفريق محمد صدقي محمود قائد القوات الجوية أمام لجنة التاريخ

"س : السؤال الأول الذي نريد أن نسأله هو بالنسبة للقرار العسكري للحرب هل اشتركت فى أي جلسة تضم أياً من القادة قبل اتخاذ القرار ؟

صدقي : أنا لم أشترك فى أي جلسة لاتخاذ القرار. بل على العكس أنا فى النصف الأول من أبريل أوفدت فى مهمة رسمية إلى سوريا. سيادة المشير اتصل بي وقال أني أقوم على سوريا فوراً. وكان ذلك بعد المعركة الجوية التي حدثت يوم 7 أبريل وأسقطت فيها طائرات لسوريا. رجعت بعد حوالي 36 أو 48 ساعة قضيتها فى اجتماعات هناك.

س : بعد عودتك يعني الفترة من أبريل إلى يونيو ألم تحدث أي اجتماعات للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لمناقشة قرار سياسي مثلا ؟

صدقي : لا، واتحدي إن كنا حاولنا أن نجد محضر اجتماع واحد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يعزز فيه الدخول للمعركة

س : وماذا كان انطباعك عند عودتك من سوريا ؟

صدقي : أتصور أنهم كانوا يريدون توريطنا فى المعركة

س : هل عرضت تقريرك على الرئيس

صدقي : حصلت مقابلة مع سيادة الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عامر، وذكرت أننا يجب أن نمسك أعصابنا لأننا غير مستعدين وذكرت الرئيس والمشير عامر بتقدير موقف كنت قد قدمته فى سنة 66 ملخصه أنه لو أجيبت كل طلباتي من معدات بالنسبة للقوات الجوية والدفاع الجوي فى الأوقات المتفق عليها ولو أجيبت كل طلباتي محلياً يجوز أن فى سنة 70 أكون جاهز للدخول فى معركة. ووجدت منهما موافقة تامة على هذا الرأي. وأنا كل الذي وعدت به السوريين أنه لو حدث أي شيء أمامهم مثل حشد  أو شيء من هذا القبيل، فأزيد من النشاط الجوي داخل سيناء وداخل حدود إسرائيل حتى أسحب جزء كبير من القوات الجوية الإسرائيلية فى الجنوب، ووافقوا وهذا كلام مضبوط ومباشر لكنني فوجئت يوم 14 أو 15 بقرار الحشد من الصحف عندما دخلت مكتبي"([3])

هذه هي بعض - أقول بعض - خلفيات اتخاذ قرار بالحرب ، رئيس أركان حرب يؤكد زيف المعلومات التي استند إليها القرار السياسي، وقائد القوات الجوية يقول صراحة أن سوريا تريد توريطنا فى الحرب، وأن مصر غير جاهزة للحرب إلا فى  سنة 1970 وهما رأيان هامان قاما على مبررات وأسانيد وليس على عاطفة أو انفعال شخصي. ورغم هذا ينطلق القرار السياسي فى اندفاع غريب.

ثم يأتي السؤال الأهم وهو عن مدى جاهزية واستعداد القوات المسلحة المصرية لتنفيذ هذا القرار السياسي ، فالثابت كما أوضح الرئيس السادات فى كتابه أنه حين سئل المشير عامر عن استعداد القوات المسلحة من الرئيس عبد الناصر، رد المشير عامر بقولته الشهيرة التي عرف بها الجميع فيما بعد "برقبتي ياريس" ، وسنقف أمام هذا الرد ونقول أنه قول هزل فى موضع جد ، مصر تساق إلى الحرب، والقرار السياسي يندفـع نحو هذه الحرب. والأداة الأولى فى يد الرئيس عبد الناصر هي القوات المسلحة

 وتمام الاستعداد لهذه القوات يأتي بمثل هذا الرد الغريب ، والكارثة ليست فيمن قال "برقبتي ياريس" ولكن الكارثة فيمن استمع إليها وصدق عليها وبني قراره السياسي معتمداً وواثقاً من هذا الرد.

ألم يكن يعلم الرئيس عبد الناصر أن أكثر من ثلث القوات المسلحة يبعد 2،0 كيلو متر عن مسرح العمليات فى سيناء ؟؟،

ألم يكن الرئيس عبد الناصر يعلم "أن سياسة تخفيض القوات المسلحة بدأ تنفيذها فى أول مايو67 أي قبل عملية التصعيد بأسبوعين"؟([4])

ومنذ عام 1966 كان العجز المالي فى ميزانية القوات المسلحة واضحاً ومؤثراً وقد ظهر هذا حين طلبت القوات الجوية بناء دشم للطائرات لكن رفض طلبها "المثل الثاني الذي يبين أثر العجز المالي فى ميزانية القوات المسلحة : هو النقص الشديد فى الاعتمادات التي خصصت لتجهيز مسرح العمليات وتنفيذ الخطة الهندسية الضرورية لبناء التحصينات والتجهيزات الدفاعية المختلفة"([5]).

كانت القيادة السياسية والعسكرية تظن أنها يمكن أن تكسب نصراً سياسياً وموقفاً دعائياً تثبت به لنفسها وللعالم أجمع أنها القوة المسيطرة وصاحبة النفوذ والتأثير فى المنطقة،

ولم تكتف القيادة السياسية بهذا بل انزلقت إلى فخ التصعيد بمحض إرادتها فأمرت برحيل القوات الدولية من على الحدود، واتبعت ذلك بقفل خليج العقبة دون استشارة أو مشاركة العسكريين الذين وقع عليهم العبء كله نتيجة مفاجأتهم بهذه القرارات.

ويتكرر ما حدث عام 48 حين قال رئيس الوزراء المصري لقائد القوات المشتركة فى الحرب أنها لن تكون حرب بل مظاهرة ، ويتكرر ما حدث 1956 حين قام الرئيس عبد الناصر بتقدير الموقف بأن بريطانيا لن تستطيع مهاجمتنا وأن فرنسا متورطة فى الجزائر وأن إسرائيل لن تتواطأ معهما. كما وأن الحرب يوما بعد يوم يقل احتمال وقوعها. وفوجئت مصر فى أكتوبر بعد أكثر من 90 يوماً من تقدير الموقف هذا  بهجوم من الثلاث دول ، وكان هذا هو ما حدث تماماً فى يونيو67، القيادة السياسية فى وادي والقوات المسلحة فى وادي آخر فيكون الفشل والهزيمة لثلاث مرات.

وكان قفل خليج العقبه هـو  ما تريده إسرائيل تماماً لكي تجد الذريعة التي تمكنها من شن العدوان تحت رعاية وتشجيع المجتمع الدولي بأسره، حيث كانت إسرائيل تعلن دائماً أن قفل خليج العقبة يعني بالنسبة لها الحرب.

ولما كانت القيادة السياسية منفصلة عن قواتها المسلحة وواثقة فيها أشد الثقة فقد صدقت أنها تملك أقوى قوة ضاربة فى الشرق الأوسط وقد وضح هذا فى رد عبد الناصر على الطيارين فى أبو صوير حين سئل عن موقف الأسطول السادس الأمريكي حين قال أن لدينا طائرات قاذفات قادرة على إغراقه ،!!. وقد تناست وتجاهلت القيادة السياسية  أن القوات المسلحة المصرية لم تستطيع أن تحسم أو تنهى حرب اليمن منذ خمس سنوات مضت رغم أنها تواجه أفراد مسلحين بالبنادق والرشاشات الخفيفة فقط. فضلاً عن الخسائر الكبيرة فى الرجال والعتاد ،

ونجحت إسرائيل فى تغذية حالة الزهو والثقة بذلك الصمت المريب والتصريحات المترددة المغلفة بالخوف. فابتلعت القيادة السياسية الطعم بشراهة جعلتها لا تكتف بهذه الأخطاء الفادحة بل وقعت فيما هو أفدح ، فبعد أن أعلنت كل تلك القرارات السابقة والتي تعطي إسرائيل الذريعة فى شن الحرب، خرجت للعالم بقولها أن مصر قد قررت تلقى الضربة الأولى ،!!!

جاء هذا على لسان أوثانت سكرتير الأمم المتحدة بعد عودته من القاهرة فى 26 مايو "لقد أعطوني وعداً وضماناً بأن الجمهورية العربية المتحدة (مصر) لن تأخذ المبادرة  فى أي عمل هجومي ضد إسرائيل"([6]) وتصدر هذا التصريح الصحف المصرية، وكانت الصحف فى هذا الوقت هي الحكومة ، وما كانت إسرائيل تطمع فى أكثر من ذلك الضمان. فقد تمكنت بهذا من اختيار توقيت ومكان الضربة الجوية، ولا ندرى من أين جاءت القيادة السياسية المصرية بتلك المقدرة على تحمل الضربة الأولى من إسرائيل، لهذا جاء اجتماع 2 يونيو بين الرئيس جمال عبد الناصر وبعض قيادات القوات المسلحة صوره صادقة عن الفردية وقصور النظرة الشاملة فى اتخاذ القرار المصيري رئيس الدولة يتوقع أن الحرب ستقع خلال 2-3 يوم وأننا سوف نتلقى الضربة الأولى وقائد القوات الجوية ينبه ويحتج على هذا القرار متخيلاً أن خسائره   من الضربة الأولى لن تزيد عن 20-25% من حجم طائراته. والمشير عامر يتدخل ملطفاً الجو بأن القرار سياسي حتى لا تنضم أمريكا إلى إسرائيل. والقادة الآخرين يستمعون دون تعليق فالموضوع يخص الفريق أول محمد صدقي محمود وكأنه لا يخص مصر وجيش مصر، وينتهي الاجتماع دون شيء محدد وينصرف الرئيس عبدالناصر بعد أن اطمأن بأن "كله تمام".

ونظراً لأن قرار تلقى الضربة الأولى جاء على تلك الصورة الغير مدروسة فكان طبيعياً أن تأتي نتائجه على نفس الصورة أيضاً ، فلم تصدر أي أوامر بتعديل  أوضاع القوات الجوية سوى رجوع حوالي 22 طائرة من مطارات سيناء إلى كبريت، كما قرر القائد العام وزيارة الجبهة فى سيناء صباح نفس اليوم المتوقع للضربة، بل واصطحب معه فى الطائرة أربعة من القادة الذين حضروا اجتماع 2يونيو وقام رئيس أركان حرب الفريق محمد فوزي بتوديعهم فى المطار قبل الضربة بثلاثين دقيقة

العوامل العسكرية المؤثرة فى حرب يونيو67 :

القيادة العسكرية الإسرائيلية :

كان العبء الأكبر فى تنفيذ الهدف الإسرائيلي يقع على عاتق القيادة العسكرية الإسرائيلية، والتي بدأت بعد عدوان 1956 مباشرة فى وضع تخطيط طويل المدى ونظم تدريب وتسليح أدت فى النهاية إلى ظهور القوة العسكرية الذاتية ، وظهر  نجاح القيادة العسكرية الإسرائيلية فى نواح عديدة كان أبرزها بناء تلك القوات الجوية القادرة على حسم المعركة، وتوفير كل الإمكانيات المادية والبشرية لها للوصول إلى هذه الدرجة من الكفاءة ثم كان ذلك الاستخدام الواعي والمدرك لدور القوات الجوية الإسرائيلية وتأثيره فى المعركة ونتيجة الحرب.

وقد نجحت تلك القيادة بفضل الدراسة والانفتاح على الثقافة العسكرية فى مختلف دول العالم والتطوير المستمر فى تحقيق النجاح المطلوب بأقل خسائر ممكنة ، ساعد على هذا التطبيق الناجح لأهم مبادئ الحرب والتي تتمثل فى :

الحشد والتركيز - المبادأة - المفاجأة - التعاون المشترك فى الجو والبر البحر،  وهي مبادئ ثابتة لا تتغير منذ بدء التاريخ ونشأة الحروب، لكن نجاح القيادة يقاس  بمدى كفاءتها فى تطبيق هذه المبادئ.

وقد وضح جهد القيادة العسكرية الإسرائيلية فى تطوير خطة التعبئة. فبعد أن كانت  مثالاً للفشل فى حرب 1956 حتى أن القادة الإسرائيليين وصفوها بأنها كانت مثالاً للفوضى، نجحت فى حرب 1967 بأن تكون نموذجاً يحترم فقد استطاعت تعبئة ربع مليون مقاتل.

ومنذ بداية فترة التوتر فى 14 مايو كانت القيادة العسكرية الإسرائيلية تعرف خطواتها القادمة، فالخطط تم تجهيزها مسبقاً ، والأفراد مدربون عليها ، وأماكن الحشد محددة سلفاً ، حتى أن إسحاق رابين بعد يومين فقط اجتمع مع رؤساء الأركان السابقين للجيش الإسرائيلي (يعقوب دورى - إيجال يادين - مردخاى ماكليف -  موشى دايان - حاييم لاسكوف - زفى تسور) لاستعراض الموقف معهم ويومها قال له موشى دايان خطوات مصر المقبلة كما ذكرنا وكما حدث تماما ، ومنصب رئيس الأركان فى إسرائيل محدد بثلاث سنوات خدمة فقط قد تزيد عدة شهور. لكن بعد  الفترة المحددة لابد وأن يتم تغيير رئيس الأركان لأن عقيدتهم فى هذا أنه بعد ثلاث سنوات فى المنصب لا يوجد لديه جديد يقدمه، لذا فالمسئول الجديد يتولى المنصب ومعه فكره الجديد.

القوات الجوية الإسرائيلية :

كانت القوات الجوية الإسرائيلية خير مثال للعمل على تحقيق هدف واضح محدد وعملت من أجله طوال إحدى عشر عاماً. فرغم تغيير قائد القوات الجوية فى هذه   الفترة مرتين إلا أن القادة الثلاثة كانوا يعملون على نهج واحد كل يكمل سلفه فى إطار خطة واحدة لا تتغير بتغير القادة، وإن اختلفت بعض تفصيلاتها. وقد عبر عن هذا مردخاى هود قائد القوات الجوية فى عام 1967 بقوله بعد الحرب "إن الفضل فى هذه الخطط يعود إلى سلفه عيزرا وايزمان الذي بدأ الإعداد للحرب غداة أن حرمنا من  ثمار نصر 1956" ، كما وأن ليفى أشكول فى خطابه فى الكنيست عقب الانتصار كرر الشكر لقائد القوات الجوية السابق عيزرا وايزمان مرتين ،

فقد نجحت القوات الجوية الإسرائيلية فى عهده الذي استمر 8 سنوات فى إعداد  وتجهيز الطيارين وتدريبهم بصورة مشابهة لما ستكون عليه الطلعات أثناء الحرب. فكان طبيعياً أن تكون النتيجة تلك الكفاءة العالية والدقة التي تم بها تنفيذ الهجمات ضد القواعد والمطارات المصرية. ثم الطائرات الجديدة ذات المواصفات الخاصة التي تم التعاقد عليها ، كما لم يغفل الإعداد والتجهيز الأرضي وأطقم الخدمة الأرضية ،  أما مفاجأة الحرب كلها فكانت قنبلة الممرات التي سنتحدث عنها لاحقاً بالتفصيل ،

أيضاً كانت الاختراقات المفاجئة المستمرة للوقوف على آخر موقف لكفاءة وحدات الدفـاع الجوي المصري ونظام الإنذار وأهم الثغرات به وكان آخرها حين استطاعت طائرتـا ميراج إسرائيلـية إسقـاط طائـرتين ميج19 مصرية فوق وسط سيناء فى 29نوفمبر1966. كما وضح على خريطة أحد الطيارين الإسرائيليين الذين اسقطوا فى 5 يونيو توقيع جميع مواقع الصواريخ أرض/جو المصرية عليها،

نالت الخطة الجوية الإسرائيلية التي حققت السيطرة الجوية الشاملة الكثير من العناية والدراسة حتى أخذت شكلها الأخير قبل موعد تنفيذها بسنوات فجاءت على تلك  الصورة المتكاملة.

ولضمان تنفيذ الضربة الإسرائيلية بنجاح فقد تم تخطيطها على أساس مباغته كل المطارات المصرية فى وقت واحد وتدمير معظمها فى الهجمة الأولى، ثم تدمير قواعد الصواريخ ومحطات الرادار. وحتى تحقق النجاح المطلوب حشدت القيادة الإسرائيلية كل قدرات المجهود الجوي بمبادأة منها ومفاجأة ضد مصر، وحرمت قواتها البرية من الدعم الجوي فى اليوم الأول. وبهذا التركيز استطاعت تنفيذ ثلث ما هو مخطط من طلعات فى اليوم الأول للقتال ،

وكانت هناك عوامل عديدة تضافرت لإنجاح الخطة الإسرائيلية سنعرض لأهمها :

- التخطيط الجيد

كان للتخطيط والتجهيز والحساب الدقيق أثر كبير فى أن تأتي الضربة الإسرائيلية ضد مصر مفاجئة وحاسمة،وتم التدريب عليها مرات عديدة. وكان من أقوال مردخاى هود قائد القوات الجوية الإسرائيلية عقب ذلك النجاح "ستة عشر عاماً ونحن نخطط من أجل هذه الثمانين دقيقة. كنا نعيش على الخطة. نأكل الخطة. ننام ونصحوا على الخطة، لقد تدرب الطيارون الإسرائيليون لسنوات عديدة على أهداف مشابهة فى صحراء النقب حتى أن الأهداف ضربت بآلاف القنابل"([7]).

وكان لعوامل الخداع نصيب كبير فى عملية التخطيط وكان أبرز الترتيبات لتحقيق الخداع :

(1)   عدم اعتراض طلعات الاستطلاع المصرية التي تمت فى فترة الطوارئ أعطى فكرة مضللة عن قدرة القوات الجوية الإسرائيلية وقد رأينا كيف أصر المشير عامر على عرض تقرير الاستطلاع بنفسه على الرئيس عبد الناصر والحديث الذي دار بينهما كما ذكرنا فى الفصل الثالث.

(2)   ترويض أجهزة الدفاع الجوي المصري والإنذار على أنماط متكررة من النشاط بالطيران فوق البحر أمام سيناء صباحاً. حتى أيقن الجميع أن هذا نشاط روتيني.

(3)   إخفاء تعديل مدى عمل الطائرات خاصة الميراج مما مكنها من الوصول إلى أبعد المطارات داخل عمق مصر.

(4)   مداومة المناورة بأماكن تمركز الطائرات لإيقاع البلبلة فى أجهزة الرصد والمتابعة.

كان النجاح الكبير فى التخطيط هو فرض تلك السرية على كل تلك الأعمال والتحضيرات الضخمة فلم تكتشف الضربة الإسرائيلية إلا حين أصبحت الطائرات الإسرائيلية فوق المطارات المصرية.

- توقيت الضربة الجوية

كان اختيار توقيت الضربة أحد العوامل المهمة التي ساعدت فى نجاحها، فالقيادة الإسرائيلية كانت تعلم أن المطارات المصرية تكون فى هذا الوقت مغطاة بشبورة تبدأ فى الانقشاع بعد الثامنة صباحاً، كما كانت تعلم أن القوات الجوية المصرية تكون فى أقصى حالات الاستعداد فى أول ضوء، ثم تبدأ الحالة فى الاسترخاء تدريجياً بعد ساعتين، وذلك لاعتقاد الجانب المصري الراسخ بأن إسرائيل ستوجه ضربتها الأولى فى أول ضوء.

"وقد استبعدت القيادة الإسرائيلية تنفيذ الضربة الجوية فى أول ضوء لأن ذلك كان يستلزم إيقاظ الطيارين الإسرائيليين فى منتصف الليل لعمل التلقين والتجهيز والاستعداد الأخير. وكان هذا سيؤدي إلى إرهاقهم خاصة وكان مطلوب منهم مجهود كبير وشاق فى أول يوم قتال. كما وأن توقيت الضربة فى التاسعة إلا ربع كان يضع القادة المصريين فى مأزق شديد حيث يكون معظمهم فى طريقهم إلى مكاتبهم وأماكن قيادتهم"([8])، وإن كان السبب الأخير غير مقنع لأن القادة المصريين يقيمون فى أماكن قيادتهم ليل نهار بنظام المناوبين. لكن المرجح أن هذا التوقيت قد حدد نهائياً بعد التقاط المخابرات الإسرائيلية نبأ زيارة المشير عامر ومعه قائد القوات الجوية إلى سيناء فى هذا التوقيت. والمعروف أن قادة الجبهة سيكونون فى استقبال هذه الزيارة بعيداً عن أماكن قيادتهم.

كما أتاح اختيار هذا التوقيت للقوات الجوية الإسرائيلية نهاراً كاملاً للقتال استطاعت خلاله أن تعيد الضربة الجوية المركزة مرتين ضد القواعد والمطارات المصرية.

-            قنبلـة الممـرات

كان التخطيط المصري لوسائل الدفاع الجوي مبنى على الهجمات التقليدية التي ترتفع فيها الطائرة إلى 1،0-12، متر حتى يمكن قذف القنابل أو إطلاق الصواريخ، وعلى هذا الارتفاع تكون جميع وسائل الدفاع الجوي بالمطار قادرة على التعامل مع الطائرات وتحقيق إصابات فيها أو تدميرها.

لكن فى صباح 5 يونيو فوجئت القوات الجوية المصرية - بل وكثير من دول العالم – بقنبلـة تسقط "من الطائرات الإسرائيلية المهاجمة من على ارتفاع 1، متر فقط، وبعد 0.3 ثانية تنطلق 4 صواريخ صغيرة من مقدمة القنبلة لتقليل سرعتها الأفقية وحتى تسقط المقدمة وتصبح القنبلة بزاوية 80 درجة على الممر، ثم بعد 0.6 ثانية تنفتح مظلة مثبتة فى القنبلة حتى تهبط عمودياً وفى خط رأسي مستقيم ثم بعد 1.1 ثانية تبدأ المرحلة الأخيرة أتوماتيكياً حيث يبدأ اشتعال 4 صواريخ مثبتة  فى مؤخرة القنبلة تجعلها تندفع إلى الممر بسرعة حوالي 6، كيلو متر/ساعة. ورغم أن وزن القنبلة كان 180 كيلو جراماً تقريباً إلا أن تأثيرها كان يعادل تأثير قنبلة تقليدية وزنها 5،كجم"([9]).

وبهذه القنبلة المفاجأة التي توفر طريقة إسقاطها سهولة فى التنشين، كما توفر دقة عالية فى الإصابة والتدمير، كما توفر حماية للطائرة بدرجة عالية من وسائل الدفاع الجوي. أمكن إغلاق وتدمير معظم الممرات فى القواعد والمطارات المصرية بعد الهجمة الأولى.

- استثمار السيطرة الجوية

نجحت إسرائيل فى تحقيق السيطرة الجوية الشاملة بالمفهوم العسكري، لكن السيطرة الجوية الشاملة وتدمير القوات الجوية المصرية لم يكن هدفاً فى حد ذاته. بل كان  وسيلة لتحقيق الهدف الاستراتيجي للحرب وهو تدمير القوات المسلحة المصرية والاستيلاء على أراض جديدة ذات أهمية للدولة الإسرائيلية ، وهذا ما أشار إليه عيزرا وايزمان تماماً فى عام 1964 كما سبق ذكره فى الفصل الثاني. وقد ظهر هذا جليا طوال أيام 8،7،6 يونيو حين تفرغت القوات الجوية الإسرائيلية إلى تدمير القوات المصرية المنسحبة فى سيناء فأوقعت بها الحجم الأكبر من الخسائر فى الأفراد والمعدات. مثلما حدث فى ممر متلا حيث توالى قذف القوات المنسحبة ليل/نهار من الطائرات الإسرائيلية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القيادة العسكرية المصرية :

وضعت البذور الأولى للنصر الإسرائيلي فى داخل إسرائيل، لكن ظهور هذا النصر للعالم بمثل هذا الحجم وبهذه الصورة المروعة لنا لم يكن إلا بأيدينا نحن. بعجزنا وأخطاؤنا فى التفكير والتقدير، وإهمالنا أشياء كثيرة أدت إلى قرارات كارثة. ورغم  هذا كله كنا نتخفى تحت ستار أن "كله تمام".

كان على قمة القوات المسلحة فى مصر المشير عبد الحكيم عامر بوصفه نائب القائد الأعلى ووزير الحربية - كان يشغل منصب مدير مكتب المشير للشئون العامة قبل تعيينه وزير - ورئيس أركان حرب ورئيس هيئة العمليات ومدير الأركان. وكانت هذه القيادة إضافة إلى 2 مساعدين للمشير عامر هي المسئولة عن التخطيط الاستراتيجي وإدارة العمليات والسيطرة على كافة القوات المسلحة وكان مقرها القاهرة.

وكما ذكرنا فإنه منذ عام 1962 وللحساسية التي كانت بين الرئيس عبد الناصر والمشير عامر انفصلت القوات المسلحة عن الدولة تحت قيادة المشير الشخصية الذي أصبح يعمل بلا أجهزة وإنما بالأسلوب الفردي. لم يكن يعتمد على أجهزة للقيادة أو التخطيط وإنما مجموعة من الضباط كان يطلق عليهم مكتب المشير. كان هذا المكتب هو همزة الوصل بين المشير والقوات المسلحة. وكان أساس التعامل بين هذا المكتب وضباط القوات المسلحة الثقة والولاء وليس الكفاءة. وعلى هذا توزعت المناصب القيادية والمواقع الحساسة على أهل الثقة دون النظر إلى الخبرة والكفاءة. وحتى فى فترة الطوارئ نرى أن قائد فرقة يعين قبل ثلاثة أيام من الحرب وهو عائد من مكتب مشتروات فى الخارج، وآخر يعين قبل أيام لقيادة قوات صد وتدمير الاختراق الإسرائيلي المدرع وهو أيضاً عائد من الخارج قبل أيام ، وكأن أحد من القادة الموجودين فى مصر لا يصلح لهذه القيادات ، كان هذا المبدأ الخطير يمثل طعنة للعسكرية المصرية حيث تسابق أكثر الضباط لنيل تلك الثقة التي تؤهله إلى تولى المناصب والقيادات، ومن لم يشارك فى  هذا السباق فقد لاذ بالصمت والإحباط وأخذ موقف المتفرج احتراماً لذاته وخشية من تلك القيادة.

وكان النتاج الطبيعي لهذا المبدأ هو المظهرية فى العمل والبعد عن التدريب الحقيقي والعمل الجاد ، وليس أدل على ذلك من شهادة رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتها الذي قال "التدريب فى ذلك الوقت كانت تغلبه المظهرية عن الجدية، المسئولية القيادية فى التدريب كانت من اختصاص المشير وكان من الناحية العملية غير مهتم وغير متفرغ وكان تقرير السنة التدريبية 65/66 هو أن القوات البرية حققت كل المهام التي كلفت بها داخل وخارج الجمهورية بروح عالية وتصميم أكيد ،0الخ ثم فى آخر التقرير أن معظم أوجه النقص ونقط الضعف لها ظروفها التي فرضها التطوير الشامل للقوات المسلحة"([10]).

ولم يكن هذا التدريب المظهري كما جاء فى حوار الفريق محمد فوزي غريباً على تلك القيادة فالمشير عامر نفسه كان أبعد ما يكون عن العلوم العسكرية والنظرة المستقبلية، والتطوير والتخطيط الواعي لظروف المعركة المقبلة ، كان شاغله الأكبر هو ضمان البقاء فى المناصب التي يتولاها وما أكثرها وتكريس أكبر مجموعة من السلطات فى يده ، وبلغ من ضيق الأفق والنظرة الشخصية للأمور أن جهاز اللاسلكي الذي كان يربط رادار عجلون فى الأردن بمصر وضع فى مركز قيادة القوات الجوية وأيضاً فى مكتب وزير الحربية السيد شمس بدران ، ولا ندرى السر فى وضع الجهاز الثاني  فى مكتب الوزير أما كان الأجدى أن يوضع فى مركز قيادة القوات المسلحة ؟ أو حتى فى هيئة عمليات القوات المسلحة ؟؟!، لقد دفعت مصر كلها ثمن هذا حين وردت الإشارة بالهجوم وتلقاها مكتب وزير الحربية ولكن لم تفد فى شيء.

وكان وضع القيادة العليا للقوات المسلحة يثير التساؤل فقائد القوات الجوية وقائد القوات البحرية لا يعترفان بقيادة رئيس أركان حرب القوات المسلحة لهما لأنه كان أحدث منهما فى الرتبة العسكرية ولم يحاول المشير عامر وهو المسئول عن كل أفرع القوات المسلحة التدخل لتصحيح هذا الوضع ، وقد قالها الفريق محمد صدقي محمود أمام لجنة التاريخ.

"صدقي : فى الواقع عندما عين الفريق أول محمد فوزي رئيس أركان حرب قدمت استقالتي وأرسلتها للمشير ليس لأن فوزي غير كفء ولست أنا اللي أحكم عليه. إنما  أنا كان مضى على 12 سنة قائد قوات جوية. وحصل تنظيم ومفروض أن رئيس  أركان حرب هو الشخص التالي للقائد العام وينوب عنه فى حالة غيابه.

س : سيادتك أقدم منه.

صدقي : أيوه. فى الدفعة الأسبق منه فى التخرج ، النهاية ، أنا قعدت فى البيت وفى اليوم التالي اتصل بي المشير وحاول يفهمني أنه مزق الاستقالة ، قلت له أني سأكتب غيرها ، بعد حوالي نصف ساعة فوجئت بالرئيس عبد الناصر يتصل بي.

الرئيس عبد الناصر: إيه الكلام الفاضي اللي باسمعه من المشير يا صدقي ، أنت بتدلع علينا.

صدقي : أبداً بس العملية طولت بالنسبة لي 12 سنة كفاية.

الرئيس عبد الناصر: يا صدقي لن يزيد عن أن يكون مدير مكتب لسيادة المشير بالنسبة لك ، ثم أسمع لما أقولك. القوات الجوية بالنسبة لي هي صدقي محمود، وصدقي محمود هو القوات الجوية. يوم ما ألغي القوات الجوية حابقى أقبل استقالتك.

صدقي : يا سيادة الرئيس دى ثقة أنا أعتز بها جداً كتر ألف خيرك.

الرئيس عبد الناصر: بكره تكون فى مكتبك.

صدقي : لا.لا. ده بعد نصف ساعة اطلبني حتلاقيني فى المكتب"([11]).

هكذا كان التفكير بين أعلى ثلاث مناصب فى الدولة ، تفكير ينبع من علاقة شخصية وليس علاقة تنظيمية ، ونتيجة لهذا التفكير الفردي بعدت الأسلحة الثلاث عن   بعضها فلم يدر كل سلاح ماذا يدور فى السلاح الآخر فلم يحدث أي تخطيط أو تنظيم للتعاون ، فلما جاءت الحرب كان كل يعمل بمعزل عن الآخر تماما، وغاب مبدأ التعاون بين الأسلحة رغم تنافي هذا مع العلم العسكري فى العقيدة الشرقية أو العقيدة الغربية.

ولا نطيل عن القيادة العسكرية فى الفترة قبل عام 1967 لنرى ماذا قامت منذ إعلان الطوارئ فى مايو67 ، ففي الفترة التحضيرية بين مايو ويونيو67 وقعت القيادة العسكرية فى أخطاء فادحة نتيجة التخبط والقرارات غير المدروسة ، فلم يكن غائب عن ذهن تلك القيادة أن جزء كبير من القوات المسلحة فى اليمن على بعد 2،0كم  من مسرح سيناء، وأن سياسة تخفيض القوات المسلحة بدأ تنفيذها قبل أسبوعين من عملية التصعيد، وأن مسرح العمليات فى سيناء تم تجهيزه هندسياً بمقدار 20% من المخطط له نظراً لتخفيض الميزانية ، ثم بعد ذلك تتفق مع القيادة السياسية على دفع الموقف إلى حافة الحرب دون تروي أو تدبر.

كانت أول بوادر الفشل الذريع هو خطة التعبئة التي لم تنجح إلا فى تعبئة 82.،0جندي وقد شرحنا ذلك سابقاً ، ثم تلا ذلك التأرجح الذي حدث فى الخطط والتغيير المستمر لها الذي كان يلاحق التحرك السياسي دون استعداد لذلك ، بدأ ذلك بالخطة الدفاعية قاهر فى الفترة 14-17 مايو ثم تحولت إلى دعم وزيادة القوات المسلحة من 18-23 مايو إثر سحب قوات الطوارئ وقفل خليج العقبة. ثم تغيرت الخطة لتصبح شن هجوم محدود ضد النقب من 24-31 مايو، ثم انتهت بخطة  الدفاع عن سيناء وتلقى الضربة الأولى ثم شن هجوم مضاد من 1-5 يونيو.

وهناك حادث يوضح مدى ما نتحدث عنه من تخبط وقرارات غير مدروسة. فقد أرسل قائد الجيش الميداني فى سيناء مدير عملياته إلى القاهرة يطلب من رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الإجابة عن - مهمة الجيش بالتحديد ؟؟ ما هي خطط العمليات ؟؟ ما هي أوضاع العدو وتجمع قواته ؟؟

لكن لم يكن هناك إجابة لهذه الأسئلة.

ولعل أمر القتال رقم (2) ملحق ، يوضح الكثير من فكر القيادة العسكرية يوم 2يونيو ونظرتها إلى مجريات الأحداث فى المنطقة ، وهو غنى عن أي تعليق.كانت أوضاع القوات المسلحة المصرية مثال للفوضى فلا هي أوضاع هجومية ولا هي أوضاع دفاعية ، كانت أوضاع لا تصلح لأي عمل عسكري منظم ، مثال ذلك تم دفع فرقة مشاة إلى رفح قبل الحرب بأيام دون تجهيزها أو تحديد مهمة قتالية فكان طبيعياً أن يتم اكتساح هذه الفرقة واستشهاد قائد الفرقة فى بداية القتال.واللواء المدرع الذي تحرك على الجنازير طوال فترة الاستعداد حتى قطع 9،كم تحرك من موقع لآخر دون هدف ولم يتوقف إلا فى 6 يونيو عندما اشتبك مع قوة مدرعة إسرائيلية ورغم الإرهاق واستهلاك المعدات فى التحرك السابق استطاع أن يقاتل ببسالة ويعطل القوة الإسرائيلية لمدة 24 ساعة.

ثم كان انهيار القيادة العسكرية فور وقوع الهجوم الجوي الإسرائيلي، فعجزت عن مجابهـة الموقف وصدرت الأوامر تباعاً دون هدف واضح ، ثم كان قمة الانهيـار

 

 

حين أصدر المشير عامر الأمر الكارثة بانسحاب القوات المسلحة إلى غرب القناة. وشرحنا سابقاً الظروف والحوار بين المشير عامر والفريق فوزي حين أصدر أمر الانسحاب ، وقد حاول بعض الضباط فى مركز القيادة العامة للقوات المسلحة إقناع المشير ليلة 6/7 يونيو بإلغاء أمر الانسحاب لأن القوات كان مازال بعضها متماسكاً ويستطيع القتال. وحين اقتنع المشير بهذا الرأي كانت القوات قد بدأت فى الانسحاب متفرقة ودون خطة بل وكان الاتصال مقطوعاً مع العديد من التشكيلات والفرق لتنظيم خطة لانسحاب القوات.

القوات الجوية المصرية :

خرجت الأمة العربية كلها عقب هزيمة الخامس من يونيو67 وهي تشير بأصبع الاتهام إلى القوات الجوية المصرية وبأنها السبب الوحيد والأول للهزيمة ، وقد حان الوقت لنعرف ما هي الحقيقة ؟. وما هي أخطاء القوات الجوية المصرية ؟. وما هو دورها خلال المعركة ؟. فقد نالت القوات الجوية الكثير من الطعنات من كل جانب. فلا أقل من أن نكشف الحقيقة حتى نعرف هل كانت القوات الجوية مقصرة ؟ أم مجني عليها ؟.

انتهت حرب 1956 وقد وضح أثر الطيران فى المعركة وبدأت مصر على الفور فى إعادة بناء قواتها الجوية واستعواض الخسائر فى الطائرات التي نجمت عن الهجوم الأنجلو-فرنسي. وتم التفكير على الفور فى حماية هذه الطائرات وهي رابضة على الأرض من أى  هجوم جوي معادي وبدأ التفكير فى إنشاء دشم وملاجئ لهذه الطائرات وتقدمت قيادة القوات الجوية بهذا المطلب مرات عديدة حتى وصل الأمر إلى العرض على الرئيس جمال عبد الناصر لكنه لم يوافق لعدم وجود ميزانية، واستمر تكرار هذا الطلب حتى عام 1966 حيث عرض على المشير عامر فتحمس بشدة للمطلب هذه المرة وأصدر الخطاب التالي فور عرض الأمر عليه

 

رقم 304/8416                                         الموضوع : دراسة عمل حفر وقائية

بتاريخ 17/7/1966                                         للطائرات بالقواعد الجوية

السيد/ مدير المهندسين

بناء على توجيهات السيد المشير النائب الأعلى للقوات المسلحة فى يوم 16/7/1966 أثناء حضور سيادته ضرب نار مدفعية الدفاع الجوي بشأن الموضوع عاليه. يضع مدير المهندسين جميع إمكانياته وخبرته تحت تصرف قائد القوات الجوية والدفاع الجوي لدراسة عمل حفر بأرخص التكاليف. تقدم الدراسة للسيد ر.أ.ح القوات المسلحة فى بحر 15 يوم من تاريخه.

مدير الأركان بالقيادة العليا

وتم تشكيل لجنة فعلاً بدأت العمل فى شهر سبتمبر66 وكان كافة الإمكانيات التي وضعت تحت تصرف قائد القوات الجوية هو 2 سرية مهندسين بدأت العمل فى ثلاث دشم بمطار غرب القاهرة كتجربة ، وقامت حرب 1967 ولم ينته العمل فى الدشم الثلاث. ولم يتم شيء أكثر من ذلك فى موضوع الدشم ولا يتحمل قائد القوات الجوية مسئولية هذا التقصير.

كانت القوات الجوية المصرية كأحد أسلحة الدولة تعمل وفقاً لما تمليه العوامل والظروف التي تحددها القيادة السياسية ، كان من أهم هذه العوامل هو الانغلاق التام عن دول العالم وقصر العلاقة على الاتحاد السوفيتي الذي وضع قواتنا الجوية تحت رحمته حيث هو المورد الوحيد للطائرات والمعدات المطلوبة ، فرغم تكرار الطلب  لم تصل إلينا طائرات استطلاع أو رادارات كشف الارتفاعات المنخفضة أو وسائل دفاع جوي متطورة، كما استخدمت قطع الغيار كوسيلة ضغط من الجانب السوفيتي فكان طبيعياً أن ينعكس كل هذا على قدرة القوات الجوية القتالية.

كذلك كانت القوات الجوية تفاجأ بقرارات القيادة السياسية دون أي استشارة أو تنسيق مسبق. وضح ذلك منذ عام 1956 حين فوجئت بالعدوان الإسرائيلي. ثم حرب اليمن التي بدأت بطلب طائرة مواصلات واحدة للمرور بها على القبائل اليمنية وانتهت بتمركز حوالي 5 أسراب جوية فى اليمن. ثم كانت المفاجأة الكبرى حين أعلنت الطوارئ فى مايو67 ولم تبلغ قيادة القوات الجوية قبلها ولو بساعة واحدة.

ثم جاءت القيادة العسكرية بخططها المتغيرة والمترددة كل عدة أيام لتزيد قدرة القوات الجوية ضعفا. خاصة وأن القيادة العسكرية كانت تحدد أهدافاً لطائراتنا مثل ضرب المفاعل الذري فى ديمونا أو ميناء حيفا أو محطة الكهرباء فى إيلات وهي أهداف لا تمثل قيمة عسكرية فى الضربة الأولى مما ينم عن عدم دراية القيادة العسكرية بأسلوب استخـدام القـوات الجوية فى المعركة الحديثة. بل أنه فى الحرب العالمية الثانية قبل 25عاماً كان يتم تدمير الأهداف العسكرية أولا ثم بعد ذلك الأهداف المدنية والصناعية.

ثم جاءت القيادة السياسية المصرية بقرار تلقى الضربة الأولى - لم تكن ستتغير نتيجة الحرب لو قامت مصر بالضربة الأولى - والذي أجهز على البقية الباقية من قدرة القوات الجوية المصرية. وإذا كان هناك إنذار قد تم فى 2/6/67 فذلك ليس مبرراً لكي تلقى التبعية بأكملها على القوات الجوية. لأن الإنذار لم يناقش أو يدرس بموضوعية  بعد أن أظهر قائد القوات الجوية اعتراضه. دليل ذلك أن المشير عامر حدد يوم احتمال الهجوم ميعاد لزيارة سيناء واصطحب معه وزير الحربية وقائد القوات الجوية ورئيس هيئة العمليات وهم جميعاً ممن حضروا ذلك الاجتماع الذي تم فيه الإنذار، كما أن زيارة الوفد العراقي بصحبة نائب رئيس الجمهورية فى ذلك اليوم إلى الجبهة، دليل  آخر على أن من أطلق التحذير والإنذار بالهجوم الإسرائيلي ومن استمع له لم يكونوا جادين فيما يقولون أو يستمعون 0 لقد كان تحذيراً عاماً. وهل كان من المنطق والعقل بعد هذا التحذير أن يتم إصدار أمر بنزول الأجازات فى الثالث من يونيو ؟ كما يتم تخفيض طاقم مركز القيادة الرئيسي للقوات المسلحة فى الرابع من يونيو ؟!

لكن كل تلك العوامل السابقة لا تسقط المسئولية عن قيادة القوات الجوية التي شاركت فى صنع تلك الهزيمة وبمثل هذا الحجم. فقد كان هناك الكثير من القصور والأخطاء والتي وقعت فيها خلال السنوات السابقة للحرب وفى الفترة التحضيرية (مايو-يونيو67) وفى أثناء إدارة المعركة.

كان أول هذه الأخطاء هو قلة عدد الطيارين الذي تمثل فى تخريج دفعات سنوية بين 30-40 طيار فقط. وهو عدد لا يكفي لسد الاحتياجات المطلوبة ولا استعواض خسائر التدريب أو خسائر حرب اليمن، وكذا كان تقاعد الطيارين عن الطيران فى سن ورتبة أقل من أي مستوى آخر فى العالم. وتقاعست القيادة عن محاولة زيادة هذه الأعداد  حتى وصل الأمر إلى أن القوات الجوية لم تستطيع حتى الوصول بنسبة الطيارين إلى الطائرات إلى نسبة 1:1.

ثم أهملت قيادة القوات الجوية تدريب هؤلاء الطيارين إهمالاً بالغاً. فساعات تدريب الطيار المصري قبل الحرب لم تكن تتجاوز 8 ساعات شهرياً وأحياناً أقل من ذلك. رغم أن المعدل المتوسط المتعارف عليه هو 14-22 ساعة شهرياً. كما أن هذه الثمان ساعات لم تكن تشمل تدريباً تكتيكياً عملياً فى ظروف تماثل ظروف المعركة الحقيقية، إنما كانت كلها تدريب على ارتفاعات متوسطة وعالية بمستوى رف (4طائرات) وليس بمستوى سرب (12 طائرة). كما كان هناك قصور شديد فى التدريب على الطيران المنخفض وضرب النار والصواريخ امتد لكثير من الطيارين إلى عامين وثلاث قبل الحرب دون رماية جوية.

ومـن تقريـر لجنـة التحقيق العسكرية العليا التي شكلت برئاسة اللواء حسين   مطاوع  لبحث أوضاع الطيران المصري وأسباب الهزيمة يقول البند 5 الفقرة ب- مستوى التدريب لبعض عناصر الدفاع الجوي :

"اطلعت اللجنة على نتائج التفتيش التي قامت بإجرائها لجنة هيئة التفتيش والتدريب للقوات المسلحة لاختبار الاستعداد للقتال وتقرير الكفاءة القتالية فى مارس/أبريل 1967 واتضح الآتي :

(1) قاعدة العريش الجوية

تم التفتيش على قاعدة العريش الجوية بالنسبة لحالة الاستعداد للقتال للواء الثاني  مقاتلات وتخصـص للقاعـدة عدد 3 عملية اعتراض ضد أهداف على ارتفاعات 5،متر، 1،0متر، 5،0متر ولم تنجح القاعدة فى اعتراض أي من هذه العمليات كما هو موضح فى تقرير هيئة التفتيش والتدريب المرفق.

 

(2) اللواء 92 صواريخ

تم التفتيش على اللواء لاختبار حالة الاستعداد والكفاءة القتالية وقد تخصص له 3 أهداف حقيقية وأعطى للواء مهمة تدمير هذه الأهداف على خطوط سير محددة ولم ينجح  اللواء فى تنفيذ المهمة التي أعطيت له بالكامل حيث أنه تم تنفيذ جزء من المهمة فقط"([12]).

ثلاث عمليات اعتراض جوى تفشل تثبت أن نظام القيادة والسيطرة فى القوات الجوية كان يعاني من ثغرات رهيبة وضحت للجميع حين استطاعت إسرائيل اختراق المجال الجوي المصري عدة مرات طوال  فترة الستينيات عن طريق سيناء وعن طريق البحر الأبيض. رغم ذلك لم تجر أي محاولة لسد تلك الثغرات أو لتحليل تلك الاختراقات وكشف أسبابها والخروج بدروس مستفادة منها.

وجاءت فترة الطوارئ فى مايو67 والقوات الجوية تعاني من النقص والقصور  للأسباب التي ذكرناها سابقاً ثم جاءت أخطاء تقدير الموقف وأخطاء إدارة المعركة لتصل فى النهاية إلى هذا الحجم من الهزيمة.

كان نقص المعلومات يمثل عائقاً كبيراً نحو تحقيق أي هدف من أهداف القوات الجوية فى العمليات. فقيادة القوات الجوية قامت بتقدير موقف إسرائيل بأنها "ستعمل على ثلاث جبهات مصر وسوريا والأردن، وكان متوقع أن الضربة الأولى ستكون ضد مطارات سيناء، وأن جهاز الدفاع الجوي بما فيه من مصاعب كان يمكنه أن يتعامل بالمدفعية م/ط من مطارات سيناء وبالمقاتلات من مطارات القناة فى حالة مهاجمة مطارات سيناء، وأن قوة إسرائيل الجوية حوالي 250 طائرة منها 25% غير صالحة، 25% منها مخصصة للدفاع الجوي فيتبقى 130 طائرة تواجه ثلاث دول.

كان المفترض أن يخصص 30% منها أمام سوريا والأردن لذا كان المتوقع استخدام 80-90 طائرة فقط ضد مصر تستخدم فى أنساق لا يزيد كل منها عن 50-60طائرة.

ومن هنا جاء التقدير بأن الهجوم الإسرائيلي لا يمكن أن يكون ذو تأثير إلا ضد مطارات سيناء وحدها وأن الخسائر ستكون فى حدود 15-20% بعدها يمكن التعامل معها من قواعد ومطارات القناة والمنطقة المركزية"([13]).

ولا ندرى من أين أتي الفريق صدقي محمود بهذه النسب والتوزيعات والتي اختصرت الهجـوم الإسرائيلي كله فى 50 طائرة لا أكثر رغم أنها لا تستند إلى أي معلومة مؤكدة، وانعكس ضعف المعلومات على طياري الأسراب المنفذين للمهام. وقد قالها الفريق صدقي محمود أمام لجنة كتاب التاريخ "لما عرضوا على هذه الخطة كانوا مقدرين أن الخسائر التي ستلحق بنا إذا إسرائيل بدأت الضربة 15% شطبتها أنا بأيدي وكتبتها 25% سئلت عن السبب ؟ قلت لهم لا تنسوا أن عندنا نقص كبير فى الدفاع الجوي خصوصاً الرشاشات ، وكتبوا ستكون نسبة الخسائر فى الطيران الإسرائيلي أيضاً 15% شطبتها وكتبت 10% لماذا ؟ لأنه ليس عندي معلومات كافية  عن وضع وتوزيع القوات الجوية الإسرائيلية واعتبر أني لو قمت بالضربة الأولى فالواقع ستكون عبارة عن استكشاف مسلح. وكنت أعين لكل وحدة أكثر من غرض تبادلي لأن معلوماتنا كانت تقريبا اجتهادية جداً بالنسبة لأوضاع القوات الجوية الإسرائيلية" وتغنى أقوال الفريق صدقي محمود عن أي تعليق أو تحليل.

ونتيجة لكل ما سبق من قصور وأخطاء وإهمال كانت إدارة المعركة مليئة بالأخطاء والخسائر حيث القرارات عشوائية وغير مدروسة ومبادئ الحرب غائبة تماماً عن التطبيق. فشاهدنا طلعات بأعداد 2-4 طائرة فقط تهاجم أهداف غير محددة ودون  حماية جوية ودون قيادة وسيطرة. وما أن استخدمت قيادة القوات الجوية طائراتها يوم 8 يونيو بأسلوب صحيح من حيث الحشد والتركيز والتعاون حتى جنت ثمار الاستخدام الصحيح فأوقعت خسائر كبيرة فى العدو الإسرائيلي المتقدم من على المحور الشمالي فى منطقة بير العبد ورمانة.

 

 

 


([1]) روجيه جارودى - ملف إسرائيل - دراسة للصهيونية السياسية - ص149.

([2]) أقوال الفريق محمد صدقي محمود قائد القوات الجوية المصرية أمام لجنة التاريخ.

([3]) أقوال الفريق محمد صدقي محمود أمام لجنة التاريخ.

([4]) الفريق مرتجى يروى الحقائق - ص40.

([5]) اللواء طه المجدوب - هزيمة يونيو - حقائق وأسرار- ص64.

([6]) جاك كوبر - من حرب الأيام الستة إلى حرب الساعات الستة - ص94.

([7]) راندولف تشرشل - حرب الأيام الستة - ص91-92.

([8]) راندولف تشرشل - حرب الأيام الستة - ص71.

([9]) جاكسون - تاريخ القوات الجوية الإسرائيلية - ص9.

([10]) الفريق محمد فوزي - جريدة الأخبار- 12/6/1977.

([11]) أقوال الفريق محمد صدقي محمود أمام لجنة كتابة التاريخ.

([12]) تقرير لجنة التحقيق العسكرية العليا.

([13]) تقرير لجنة التحقيق العسكرية العليا - أقوال قائد القوات الجوية المصرية.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech