Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

صراع في السماء - اللواء طيار محمد عكاشه - الجزء السابع والاخير

الفصل السابع

هل كانت الهزيمة حتمية ؟؟

 

وقعت هزيمة يونيو67 وأصبحت حقيقة واقعة فى التاريخ وفى سجلات الحروب ، ولأن الهزيمة يتيمة دائماً فقد تنصل الكل منها وتسابق الجميع سياسيون وكتاب ومحللون إلى إلقاء اللوم على القوات الجوية المصرية ، وأصبحت النغمة السائدة أنه لولا الهجوم الجوي الإسرائيلي، ولولا تدمير قواتنا الجوية وهي على الأرض، ولولا حرمان قواتنا البرية فى سيناء من الغطاء الجوي لكان للحرب شأن آخر ولكانت مصر حققت نصراً كبيراً على إسرائيل ، وهذا القول يهون كثيراً من حجم الهزيمة التي نالتها مصر وقواتها المسلحة، ويسطح الأمر ويخفي سبب الهزيمة فى إهمال أو تقصير القوات الجوية المصرية ،

الهزيمة كانت واقعة لا محالة سواء بدأت مصر القتال أو تلقت الضربة الأولى ، الهزيمة وقعت قبل 67 بسنوات ، القوات الجوية المصرية نعم كانت مقصرة. لكنها  لم تكن بمعزل عن القوات المسلحة التي هي جزء من كيان الدولة كلها ، كان التقصير والإهمال يسود الدولة كلها ، مصر فى هذه الآونة كان على رأسها قطبان يتصارعان الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر   ولا ثالث لهما على الإطلاق ، يحيط بكل منهما مجموعة من السياسيين والعسكريين المواليين لشخص  كل منهما، ونتيجة لهذا الولاء ينال الرضا ويصبح من أهل الثقة الذين يتوزعون على  كافة مناصب الدولة السياسية والعسكرية ، وكانت رغبات الرئيس عبد الناصر والمشير عامر أياً كانت , أوامر غير قابلة للنقاش أو التعديل. فلم يكن أمام أهل الثقة إلا الموافقة والتنفيذ لهذه الرغبات.

وحتى يصبح هذا الرأي موضوعياً وليس انفعالا أو رأياً شخصياً. سنعرض لأحداث حقيقية ذات دلالة واضحة على أن الهزيمة كان لابد آتية، وسنستعين بآراء وأقوال  شهود على هذه الأحداث مع اختلاف مواقعهم.

أبدأ بتجربتي الشخصية حيث كنت طيار مدرس بالكلية الجوية ومعي 28 طيار آخر تم توزيعنا جميعاً على أسراب المقاتلات والقاذفات مع بداية فترة الطوارئ (20 يوم) تنقلت خلالها بين 5 مطارات أحدهم لم أمكث فيه إلا ليلة واحدة ، وفى كل مطار كنت أذهب إليه لم أكن أعرف ما هي المهمة المكلف بها السرب الذي أنا ضابط فيه ؟؟ كل ما كان يقال لنا فقط سنهاجم إسرائيل لضرب وتدمير أهداف داخلها ، أو سنقوم بالدفاع واعتراض الطائرات الإسرائيلية التي يمكن أن تهاجمنا ، والجدير بالذكر أنني كنت بعيد عن طائرة القتال ميج17 التي سأشارك بها فى الحرب لمدة ثلاث سنوات سابقة وكان هذا حال كل زملائي الطيارين.

يقول الفريق أول صدقي محمود قائد القوات الجوية المصرية أمام لجنة التاريخ

س : بالطبع واضح أنهم فى إسرائيل كانوا جاهزين وأسلوب هجومهم على القواعد الجوية فى وقت واحد يؤكد أنهم كانوا يتدربون على هذه العملية من بعد 1956 يعني 11 سنة.

صدقي : كانوا يعرفون كل شيء عن كل قاعدة سيهاجمونها ، بينما معلوماتي من المخابرات عن القواعد الجوية الإسرائيلية ولا حاجة.

س : يعني لم يكن عندنا أي معلومات صحيحة ؟

صدقي : ولا حاجة.

س : ولكن مطاراتهم معروفة لكم.

صدقي : ألم أقل لسيادتك إن الإسرائيليين كان تحت أيديهم كل شيء عنا. الدفاع الجوي فى مطاراتنا ، عددها ، إمكاناتها ، بينما ليس عندنا شيء عنهم فمعنى هذا.

س : قصور فى المعلومات.

صدقي : بالإضافة إلى القصور الموجود أصلاً فى القوات ، والتورط الذي لم يكن له داع ، كل هذا كان لازم يضرنا.

وأضاف الفريق أول صدقي محمود رداً على سؤال آخر.

س : معنى هذا أن فكرة العملية الهجومية كانت موجودة من يـوم 23/5 لغايـة يـوم 2/6 بعد 2/6 بدأت الفكرة تتحول إلى عمليات دفاعية، يعني كانت القرارات قرارات فيها نوع من أنواع التردد، سيادتك عشت طبعاً هذه الفترة ؟

صدقي : شوف سيدي الفاضل، أولا أنا أعترض على أن نقول مؤتمر أو أي لجنة، حين أدعى إليها وتكون قرارات مصيرية لابد وأن يكون هناك جدول أعمال أولا ، ولابد أن يكون هنـاك محضر بما جرت مناقشته وما الذي اتفق عليه،يعني بعد 14/5 إلى 2/6 كل "القعدات" التي قعدناها مع بعض لا اسميها غير هذا ، كان يدور فيها مناقشات فى الغالب منصبه على القوات البرية. كما قلت لسيادتك العملية الخاصة بالفرقة السادسة وكان حاضر فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم تظهر فيها  النية للحرب، أو الجدية فى أننا سندخل معركة. فى الواقع كما قلت لسيادتك ، لأني أول ما اتصلت بفوزي بعد الحشد قالوا لي إنها مظاهرة واستمرت العملية على أنها مظاهرة رغم أني قلت لهم مظاهرة ، كيف نسميها مظاهرة ؟؟

إنما أنا شخصياً تأكدت أن فيه حرب يوم 23 مايو لما الرئيس الراحل جمال عبدالناصر اتكلم مع الطيارين فى أبو صوير.

س : سيادتك تذكر التاريخ.

صدقي : أيوه يا فندم 23 مايو67 ، كان المشير عامر موجوداً، عبد المحسن مرتجى كان موجوداً وبدأ سيادة الرئيس بكلام عام ، وأنا باعتبر أنه فى هذا اليوم الرئيس جمال عبد الناصر رمى الصولد كله على الترابيزة ، كانت مقامرة قال : إسرائيل  لن تحارب، لأنها كانت تقول لو صعدنا أعمال الفدائيين ستقوم بحرب وقائية ، وصعدنا ولم تفعل شيئاً ، كانت تقول لو حشدنا فى سيناء، وحشدنا ولم تفعل شيئاً ، لو  أغلقنا خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية ، وأنا هنا الآن أعلن للعالم كله غلق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية ، وأيضاً مش حاتحارب ، فى الواقع أنا فوجئت بقرار غلق خليج العقبة ، حصل لي ذهول ،

س : إسرائيل أعلنت قبل هذا أن ذلك معناه رباط عنق خانق لها،ومعناه الحرب فوراً.

صدقي : انتهت عملية التصوير و،و، إلى آخره ، خرج الصحفيون ودارت مناقشة كعادة الرئيس كان يسأل ، أي أسئلة ؟ أي استفسارات ؟ وكان يسأل عدة أسئلة، ضابط طيار ملازم قال لسيادة الرئيس ، أنت أعلنت إغلاق خليج العقبة ، إغلاق خليج العقبة ده معناه الحرب ، إحنا دلوقت جاهزين ، فتصدر لنا أوامرك إن إحنا نعمل أي حاجة ، استمرت المناقشة، والواقع كلام الشاب ده كان منطقي جداً ،  لكن الرئيس جمال عبد الناصر، قال مفيش حرب ، الموضوع سياسي ،  وحايتحل سياسي ، أنا شخصياً فى هذا اليوم تأكدت أنها الحرب.

وأشهد أنني كطيار متلهف على معرفة ما يدور، التقيت أحد الزملاء الذين حضروا لقاء الرئيس عبد الناصر فى أبو صوير مع الطيارين بعد ساعات من اللقاء وقد حكى ما دار بينهم وبين الرئيس وأكد أن الرئيس عبد الناصر يعرف ماذا يقول وأنه قال بثقة إنه مفيش حرب ، وقد حاولت أن أقنع نفسي بأنه ليس هناك حرب لأن الرئيس عبد الناصر مؤكد لديه مجال رؤية للأحداث أكبر بكثير منا نحن الضباط الصغار، ولم نكن نعرف ما يدور فى قيادة الدولة السياسية والعسكرية ، ولكن الشواهد أمامنا كانت تثير فى أنفسنا الشك والريبة فى أننا سننتصر إذا قامت الحرب ،

وأضاف الفريق أول صدقي محمود فى موضع آخر.

س : معنى هذا أيضاً أننا سببنا لهم خسائر.

صدقي : مفيش كلام وأستطيع القول إنني عندما تركت القوات الجوية كانت قوة المقاتلات والقاذفات المقاتلة الموجودة 70% مما كان موجوداً أصلاً وبدأنا به.

س : فما الذي أعطى الإيحاء للقيادة العامة للقوات المسلحة بأن موقف القوات الجوية فى انهيار كامل ؟

صدقي : فى أول يوم لم يكن هناك خسائر شنيعة

س : فما الذي دفع سيادة المشير لأن يأخذ قرار الانسحاب ؟

صدقي : أنا لا أعلم عن قرار الانسحاب أي شيء.

س : خالص.

صدقي : إطلاقاً إلا يوم سبعة بالليل.

وقد ذكرنا فى الصفحات السابقة حجم القوات الجوية المصرية وعدد طائراتها وماذا فعلت طوال أيام الحرب ، وذكرنا حجم الخسائر التي حققها الهجوم الإسرائيلي،  وهي أرقام حقيقية ومن مصادر موثقة ، وبعد هذا كله يشكك الفريق أول صدقي محمود فى الأرقام ويقول إن قواتنا الجوية لم تخسر إلا 30% من قوتها ؟؟ بل ويقول إن أول يـوم لم تكن الخسائر شنيعة ،إذن ما هي الخسائر الشنيعة ؟؟! هل خسارة 1،% من القاذفات الثقيلة، 1،% من القاذفات المتوسطة، 85% من المقاتلات القاذفة والمقاتـلات ليسـت بالخسارة الشنيعة ؟؟؟!! وبل ويتخيل قائد القوات الجوية  أنه بطلعـات فرديـة تمـت من 2-4 طائرة قد حقق خسائر لإسرائيل ، وإذا كانت  2-4 طائـرات تحقق خسائر فماذا حقق الهجوم الإسرائيلي علينا الذي كان بأكثر من 2، طائرة.؟؟

س : سؤال أخير، صحيح سيادتك قلت حاجات كتير إنما نحب نقول فى الآخر يعني كخلاصة رئيسية لهزيمة يونيو67، ما هي أسبابها من وجهة نظرك ؟

صدقي : فى تقديري لم يكن عندنا أي تفكير فى الحرب فى يونيو67 ، ولم تكن القوات المسلحة فى وضع يسمح لها أن تقوم بالواجبات التي تتطلبها مثل هذه المغامرة،،، ثم أضاف كنت أركب معه الطيارة أروح معاه اليمن وهو طالع علشان أخلص ورقي وأعمالي وأرجع فى نفس الطيارة نتيجة لأن المشير لم يكن متفرغاً ، وفى تقديري أنه ساب أمر القوات البرية بالكامل لشمس بدران.

س : من ناحية يعني شئون الضباط.

صدقي : كل حاجة وغيره ، وغير شمس بدران كان حوله ناس وصفهم الله يرحمه عبد المنعم رياض بالصغار الكبار، هؤلاء الصغار الكبار مثلا حاولوا التخلص من عبد المنعم رياض لأن عبد المنعم رياض كان رجلاً على علم، رجلاً على خلق، جاداً جداً وعلى درجة عالية جداً من العسكرية والانضباط.

 


، كانت القوات المسلحة المصرية تسير نحو الهزيمة بخطي متسارعة ، فمنذ أن استقل المشير عبد الحكيم عامر بها تحت إمرته الشخصية هو ورجاله المقربين، أصبحت خارج تنظيم الدولة تعمل دون أي رقابة أو مسئولية أو التزام أمام أي جهة فى الدولة، وبدأ المشير ورجاله المقربون يروجون إلى وهم أن مصر تمتلك أقوى قوة ضاربة فى الشرق الأوسط ، بدأت المقولة لفظاً بلاغياً لوصف قوة جيش مصر، لكن الإعلام السطحي تسابق فى ترسيخ تلك المقولة اعتماداً على ما يصدر من القوات المسلحة نفسها، وتطوعاً منه لكسب ثقة النظام الحاكم وثقة القوات المسلحة ، والمعروف أن الإعلام فى هذه الفترة كان يخضع للدولة تماماً لا يقول إلا ما تقوله الحكومة فقط ، لكن العجيب فى هذا الأمر أن المشير عبد الحكيم عامر ورجاله المقربين قد صدقوا  تلك المقولة الأكذوبة بل واستطاعوا إقناع الرئيس جمال عبدالناصر بها ، وعلى هذا أصبح الرئيس عبد الناصر والمشير عامر يقدران الأمور ويتصرفان فيها وكأن مصر حقا تملك أقوى قوة ضاربة فى الشرق الأوسط.

http://store1.up-00.com/Mar10/Ylv52854.jpg

 

وبنظرة إلى صحيفة الأهرام وهي الصحيفة الرسمية للدولة فى هذه الفترة ظهرت   الصفحة الأولى بتنسيق إعلامي عسكري وهي تقول إن مصر قد أصبح لديها صاروخ متعدد المراحل يصل مداه إلى 1000 كيلو متر ويستطيع أن يخترق نطاق الجاذبية الأرضية، وكان هذا الصاروخ ضمن سبعة أسلحة جديدة  تضيف إلى قواتنا المسلحة قوة فوق قوتها ، وكان من ضمن هذه الأسلحة السبعة صواريخ القاهر والظافر والتي لقيت صدى كبير عند جماهير الشعب حتى أنه حين قامت حرب يونيو67 كان الشعب كله  متأكد من أننا سندك إسرائيل بهذه الصواريخ ، ولكن الحقيقة كانت غير هذا تماماً، فمشروع الصواريخ القاهر والظافر بدأ العمل فيه فى بداية الستينيات تحت إشراف المشير عامر شخصياً بواسطة ثلاثة ضباط استطاعوا التعاقد مع بعض العلماء الألمان لتصنيع  هذا الصاروخ وقد نجحوا فى عمل النموذج الأول للصاروخ الذي ستتم عليه التجربة ، وتم دعوة الرئيس عبد الناصر ورجال الدولة والإعلام لحضور تجربة إطلاق الصاروخ. وانطلق الصاروخ أمام الرئيس عبد الناصر والتقطت الصور وتم إذاعة الخبر بأن إطلاق الصاروخ تم بنجاح تام ، لكن الحقيقة أن الصاروخ بعد إطلاقه أصبح خارج نظام التوجيه والتحكم وبدأ فى الانحراف عن المسار المفروض والمخطط فتم تفجيره فى الجو. وكان هذا يعني فشلاً ذريعاً مما جعل المشير عامر  يودع الرئيس عبد الناصر من مكان الاحتفال ثم يعود إلى العاملين فى المشروع ثائراً عليهم وموجهاً إليهم أقزع الشتائم والألفاظ، وغادر الموقع وهو يتوعدهم ، وتمضى الأيام ثم نفاجأ بالخبر الذي يقول إنه ظهرت فى العرض أيضاً الصواريخ العربية  الظافر والقاهر، وقد صرح مصدر عسكري بأنه قد أدخلت عليهما تطويرات هامة.!!!

http://store1.up-00.com/Mar10/knP52854.jpg

 

الصواريخ القاهر والظافر أمام الرئيس عبد الناصر فى العرض العسكري السنوي

ومن حقائق العمل فى الصواريخ القاهر والظافر هذا أن إسرائيل هي التي أفشلت هذا المشروع تماما ، فحين نما إلى علمها أن مصر قد بدأت العمل لتجهيز طرازين من الصواريخ ذات المدى البعيد، والتي يمكن بها تهديد المناطق الإسرائيلية المليئة بالسكان.

اجتمعت على الفور الأجهزة المختلفة فى القيادة الإسرائيلية وتقرر إفشال هذا المشروع عن طريق إبعاد العلماء الألمان الذين كانوا يقومون بتنفيذه ،

وتم تجهيز عملية مخابراتية على درجة عالية من الحنكة. فقد تم إرسال خبير الخيول الألماني الجنسية (لوتز) إلى القاهرة، وتحت ستار أنه ثرى ألماني يهوى تربية الخيول استطاع ممارسة حياته فى وسط مربى الخيول فى مصر وهم عادة من الأثرياء وذوي النفوذ. وتمكن من الوصول إلى أماكن إقامة هؤلاء العلماء الألمان، وتم إرسال خطابات تهديد لهم بمغادرة مصر، ثم أعقبها بخطابات متفجرة أصابت البعض منهم مما دفع الباقين إلى مغادرة مصر قبل إتمام مشروع الصواريخ ، وتم القبض على لوتز   وحكم عليه بالسجن ولكن فى 1967 وحين تقرر تبادل الأسرى اكتشفت مصر أن لوتز ما هو إلا ضابط مخابرات إسرائيلي يتبع للموساد.

ثم نجد فى صدر الصحيفة تحية "إلى قواتنا فى اليمن التي سجلت أروع انتصاراتها  خلال الأيام الأخيرة بغير خسائر". وسوف نستشهد تعليقاً على هذا المفهوم الذي كان سائداً لدى المشير عامر ورجاله المقربون بما قاله الفريق أول محمد فوزي وزير  الدفاع السابق والذي كان يشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى فترة حرب اليمن. سنعرض لبعض فقرات جاءت فى كتابه حرب الثلاث سنوات 67/1970 مذكرات الفريق أول محمد فوزي.

*** نجحت القوات المسلحة المصرية فى سرعة نقل أفراد الصاعقة والطائرات والإمدادات إلى اليمن، بعد أيام من قيام الثورة وقيل وقتها إن هذه القوة التي لم يزد عدد أفرادها  عن 1،0 فرد سوف تنهى مهمتها خلال ثلاثة أشهر على الأكثر.

  • ·            وكانت أول عملية هجومية سريعة تقوم بها هذه الطليعة الصغيرة من القوات على منطقة صرواح حيث استشهد كل أفراد فصيلة المظلات التي شاركت فيها وكان الملازم نبيل الوقاد أول شهيد فى اليمن.

  • ·            وقد تمكنت القوى المعادية لثورة اليمن من تطوير الوضع الداخلي، مما أحرج القوة الصغيرة التي أرسلتها مصر (ج.ع.م). وأصبحت المسألة صراعاً على السمعة، واضطرت إلى إرسال دعم عسكري أكثر.

  • ·            وقد وصل عدد القوات فى عام 1964 إلى 70.،0 مقاتل مصري وكانت الأعمال التي قامت بها هذه القوات حتى عام 1964 كافية جداً، من وجهة النظر العسكرية، إذ كانت القوات العسكرية المصرية قد حققت السيطرة الكاملة على المثلث الداخلي فى اليمن وهو صنعاء - تعز- الحديده. وكان تعزيز هذه المنطقة وسكانها كافياً لإنهاء المهمة العسكرية لمصر فى اليمن وذلك حتى نوفمبر 1964.

  • ·           انتهى الوضع بأن أصبحت القوات المسلحة المصرية مسؤولة عن اليمن أرضاً وشعباً، فاضطرت مصر (ج.ع.م) إلى إرسال الدعم المالي والاقتصادي والمعونات. ووصلت الحالة إلى إمداد القبائل بالأموال والأسلحة، كما ساعدت فى بعض النواحي الاجتماعية مثل فتح المدارس وشق الطرق وإدارة أعمال الميناء الوحيد فى اليمن (الحديده). كما فتح اتجاه سياسي وتأييد ثوري ضد الاستعمار البريطاني فى اليمن الجنوبي أطلق عليه اسم "عملية صلاح الدين".

  • ·           أما التأثير القاتل الذي أقصده فيكمن فى المبالغة وتضخيم انتصارات الوحدات المصرية. وحتى روايات البطولات الفردية والترقيات الاستثنائية والنياشين والأوسمة التي منحت كلها، جاءت على عكس المقصود منها. فبينما كانت القيادة المصرية تريد رفع معنويات أفراد القوات المسلحة المصرية والشعب فإن رد فعل هذه المبالغات كان الغرور القاتل والثقة الفارغة بالنفس والتقليل من شأن العدو الحقيقي. الأمر الذي أدى بالقوات المسلحة إلى تصديق ما يظهر فى عناوين الصحف والإذاعات من مجد زائف، وكفاءة قتالية مظهرية.

لقد وصفت أجهزة الإعلام المصرية أحداث اليمن بأنها معارك، بينما هي فى الواقع أعمال عصابات. وكان من الأجدر أن نسميها عمليات تطهير بدلاً من لفظ عمليات حربية. إذ أن المعركة الحربية يلزم لها طرفا نزاع أو صراع. بينما ما حدث فى اليمن هو صراع من جانب واحد فقط. خصوصاً إذا علمنا أن رجال القبائل المضادين ليس لديهم أي دبابة أو مصفحة أو مدفع ميداني أو طائرة من أي نوع.

  • ·           إلا أن أخطر خسارة عادت على القوات المسلحة المصرية، هي إقحام صفات مخلة  على تصرفات وأخلاق المقاتلين وهي :

- عدم الانضباط العسكري وهي صفة اكتسبت فى مسرح اليمن.

- الوساطة والمحسوبية سعيا وراء المرتب المضاعف واستغلال النفوذ لأغراض شخصية.

- الاستهانة بالفاعلية الحقيقية لمطالب القتال.

ووصلت هذه الحالة المؤسفة إلى حد اقتراح الضباط المصريين فى اليمن، أن يطلبوا عقد امتحان الثانوية العامة لأبنائهم وأقاربهم هناك. فترتب على هذه الحالة كثرة الهمس عن المهمة القومية للقوات المسلحة فى اليمن، وأشار هذا الهمس إلى اسم الرئيس عبدالناصر، وضباط مكتب المشير فى هذا الموضوع الأمر الذي هزّ الثقة فى بعض القيادات، وقد عولج الموقف بإحالة بعض الضباط الصغار إلى المعاش، وكان وراء  ذلك كله الرائد على شفيق صفوت، السكرتير العسكري للمشير عبد الحكيم عامر.

وهكذا فإن تأثير حملة اليمن السلبي على القوات المسلحة المصرية ترتب عليه دخولها معركة 1967 وهي غير معدة إطلاقاً للحرب الحديثة، ناقصة التدريب، منخفضة المستوى، كفاءتها القتالية ضعيفة جداً، فاقدة للانضباط العسكري، ومعداتها التي استخدمت فى اليمن غير مصانة.

ونتيجة لوضع وحجم وحالة القوات المسلحة المصرية فى اليمن تقدمت هيئة عمليات القوات المسلحة فى عام 1966 بدراسة وتحليل استراتيجي عسكري عن توزيع قواتنا المسلحة فى الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة ومنها الاتجاه الاستراتيجي لليمن، وتورط الحجم الكبير من القوات لمدة غير محددة من الزمن وغير معلنة. وقد انتهى التحليل  إلى نتيجة مؤداها، أنه لا يصح التورط القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل فى هذا الوقت، ولمدة قادمة طالما أن قواتنا المسلحة متورطة بهذا الحجم فى اليمن.

وقد وافقت على هذا التقرير ورفعته بمذكرة إلى المشير عبد الحكيم عامر قبل سفره  إلى باكستان فى زيارة عسكرية عام 1966، بصفتي رئيساً لأركان القوات المسلحة. ولا أعلم ماذا كان رأى المشير فى هذا التقرير للآن، ولماذا رفض هذه النصيحة العلمية.

وتمر الأيام وأكلف فى أواخر أغسطس عام 1967، وبعد الهزيمة العسكرية بتسليم الأوراق والخرائط السرية للغاية من خزينة المشير عبد الحكيم عامر فى الجيزة.  وكانت المفاجأة أني وجدت هذا التقرير (دون أن يبدى المشير أي تعليق عليه !!!).

وهكذا شرح الفريق أول محمد فوزي حال القوات المسلحة وأثر حرب اليمن عليها. ولدينا شاهد آخر هو الفريق أنور القاضي قائد القوات المصرية فى اليمن حتى نوفمبر 1963 فى مقابلة له مع الرئيس عبد الناصر فى مايو 1963 قال "إحنا عملنا اللى علينا وأكتر. ولابد أن ننسحب بأسرع ما يمكن من هذا الفخ ، لكن الرئيس عبد الناصر قال : الانسحاب بقواتنا مش ممكن ، معنى كده انهيار ثورة اليمن ، والعملية سياسية  أكثر منها عسكرية ، أنا أعتبر أننا وجهنا ضربة مضادة لضربة الانفصال فى سوريا ولا يمكن أن نترك اليمن"([1]).

*** هل كان لابد أن تحدث كارثة هزيمة 1967 حتى نعرف كل هذا ؟؟، لقد دفعت مصر ثمناً غالياً من ترابها ودماء أبنائها لكي تظهر صورتها الحقيقية أمام أبنائها ، شعور بالهوان استمر لسنوات حتى استطاع أبناؤها المخلصون دحر هذه الهزيمة وظهور صورة مصر الحقيقية ، مصر الرجولة والفداء ،

هل كان لابد أن تحدث كارثة هزيمة 1967 حتى يقتنع النظام بقيادتيه السياسية والعسكرية أنهما كانا على خطأ ؟؟، سنوات وسنوات قبل الهزيمة وهما الاثنان  يقودان مصر من وهم إلى وهم حتى جاءت الطامة الكبرى فى يونيو1967 ،

لقد كانت حرب 1956 درساً كبيراً واضحاً للعيان، لكن الثقة الزائدة بالنفس جعلت كلاً منهما يتصور أنه السبب الوحيد فى تحقيق انتصار على ثلاث دول معتدية. وتعاظم الإحساس بالذات وأصبح كل منهما لا يرى إلا رأيه هو ولا يسمع إلا صوته هو ، وقام المقربون وأهل الثقة من حولهما بتغذية هذا الشعور حتى أصبح كل صوت مخلص يمكن أن يقول رأياً لصالح الوطن هو صوت الرجعية وصوت أعداء الثورة ،

وحتى لا أتهم بالعداء للناصرية فيكفي دليل واحد هو ما كتبه السيد محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام فى هذا الوقت وكان له مقال أسبوعي بعنوان بصراحة تقرأه مصر كلها ويذاع فى الإذاعة فى نفس اليوم ، ومن يريد أن يعرف موقع السيد هيكل من الحكم ومن عبد الناصر عليه أن يقرأ كتبه التي أصدرها والتي يروى فيها أنه كان متداخلا مع الرئيس عبد الناصر فى كل شيء طوال الليل والنهار،

يقول السيد هيكل فى مقاله الأسبوعي يوم الجمعة 2/6/1967 ، بعد أن شرح نشأة إسرائيل وسيطرة المؤسسة العسكرية عليها وتخطيطها لغزو سوريا يختم مقاله "وكانت المفاجأة ، مفاجأة الأيام العشرة العظيمة التي غيرت كل شيء فى الشرق الأوسط ، تقدم الجيش المصري بقوة لم ينتبه لها راسموا الخطط الاستراتيجية فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ولا تصوراً وجودها ، وتقدم بكفاءة كانت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أول من شهد بها وحاولت أمام المفاجأة الصاعقة أن تنسبها إلى تخطيط قديم محاولة تبرير جهلها، مضيفه إلى ذلك أن لابد أن السوفيت شاركوا فى الإعداد لها !

وذابت قوة الطوارئ الدولية فى ساعات ، ونصبت المدافع المصرية أمام مضيق تيران تغلقه فى وجه الملاحة الإسرائيلية ، وكانت إسرائيل تقول إن مجرد دخول جندي مصري واحد إلى شرم الشيخ يعني الحرب حتى قبل أن تتخذ مصر قراراً بإغلاق خليج العقبة ، ودخلت قوة مصرية قادرة على إغلاق الخليج، وأغلق الخليج فعلاً قبل أن تفيق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من ذهولها !

ثم يضيف السيد هيكل فى آخر المقال بالقول الفصل ، إما أن تضرب إسرائيل لكي تكسر الحصار العربي حولها ، وإما أن لا تضرب وتنكسر إسرائيل من الداخل ، مهما يكن وبدون محاولة لاستباق الحوادث فإن إسرائيل مقبلة على عملية انكسار تكاد تكون محققة سواء من الداخل أو الخارج ،

هكذا كان الرجل الأول فى الإعلام والصحافة المصرية ، كان يعرف الكثير والكثير عن خبايا الأزمة وحالة القوات المسلحة والعلاقات بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وهو من الذكاء الذي يستطيع به تقدير الأمور تقديراً صحيحاً ، لكن كان هذا تحليله وكلماته فى الصحيفة الرسمية للدولة وقبل نشوب الحرب بثلاثة أيام.

وكان أي مخلص محب لهذا الوطن يعرف الحقيقة تماماً قبل نشوب الحرب، ولن نعلق على كلمات السيد هيكل وإنما سنجد القول الحق على لسان أحد أبناء مصر الشرفاء الفريق عبد المنعم واصل حيث ذكر فى مذكراته "بعد ظهر يوم 4 يونيو تلقيت إشارة بضرورة تواجدي كقائد اللواء 14 مدرع اعتباراً من صباح يوم 5 يونيو فى مطار  تمادا لاستقبال المشير عبد الحكيم عامر، وفى تمام الساعة 8:45 صباح 5 يونيو ونحن فى انتظار طائرة المشير عبد الحكيم عامر ظهرت الطائرات الإسرائيلية وقامت 3 طائرات بالهجوم على مطار تمادا، وألقت قنابل الدخان لتعليم حدود المطار، ثم هجمت طائرات أخرى ونجحت فى تدمير جميع الطائرات، وهي مصطفة على أرض المطار، وكتبت فى نوته سرية كانت معي : قامت الحرب وخسرنا الحرب"([2]).

كلمات صادقة من ضابط مخلص ، لم يكن يعرف بعد ماذا حققت الضربة الجوية الإسرائيلية من خسائر. لكنه كان قائد اللواء الذي تحرك 009 كيلو متر طوال فترة الطوارئ تحرك فيها إلى أربع مواقع مختلفة وفى كل مرة تتغير المهمة المكلف بها اللواء ، وكان هذا كافيا له لكي يدرك ويتأكد من عشوائية القرارات وفوضى الخطط التي تكلفت بها وحدات القوات المسلحة، والتي كان لابد فى نهايتها من الهزيمة المحققة.

*** والآن كيف لنا أن نعي الدرس الرهيب الذي أدى إلى تلك الكارثة فى 5 يونيو، كيف لنا أن نخرج بدروس مستفادة من تلك الأحداث وهي دروس كثيرة ، ولكن سنكتفي بما جاء من دروس مستفادة على لسان المشير محمد عبد الغني الجمسي وزير الدفاع الأسبق والذي يعتبر بحق وعن جداره عبقرية عسكرية فذه سنتحدث عنها بالتفصيل فى الجزء الثاني ،

يقول المشير الجمسى فى مذكراته "مذكرات الجمسى ، حرب أكتوبر 1973 - المشير محمد عبد الغني الجمسى"

  • ·           بكل المرارة والألم أقول إن مصر لم تكن مستعدة للحرب ضد إسرائيل فى ذلك الوقت. فقد كان الكثيرون من القادة يشفقون على الحالة السيئة التي وصلت إليها القوات المسلحة عام 1967 لأسباب كثيرة، جعلتها ضحية الظروف الصعبة التي واجهتها وكانت تعمل فى إطارها. وإني إذ أقرر هذه الحقيقة وأنا أحد أبنائها وأمضيت كل حياتي العملية فيها، وشاهدت أحداث هذه الحرب وتطوراتها فى سيناء.

  • ·           والأثر الخطير لحرب اليمن هو أن القيادة العليا للقوات المسلحة وجهت كل جهودها الرئيسية لليمن لمدة خمس سنوات، أهملت فيها مسرح العمليات الرئيسي فى سيناء ضد العدو الرئيسي إسرائيل. وكانت النتيجة أنه لم يتم إعداد وتدريب القوات  للحرب ضد إسرائيل، كما لم يتم إعداد وتجهيز النطاقات والخطوط الدفاعية فى سيناء تجهيزاً هندسياً متكاملاً، حيث اكتفى فقط بتجهيز الخط الدفاعي الأول القريب من حدود مصر الشرقية، ولم يتم تجهيز باقي الخطوط بما فى ذلك خط المضايق الذي يعتبر آخر الخطوط الدفاعية عن مصر من الشرق.

  • ·           إن اتخاذ القرار على مستوى الدولة لا يترك لتفكير ورأى فرد. بل يخضع هذا القرار- أياً كان هذا القرار سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً - لدراسات علمية من الأجهزة المتخصصة. ولا شك أن قرار الحرب أو القرار الذي يترتب عليه احتمال نشوب الحرب هو قرار خطير، ولذلك يجب بحث كل الحقائق والعوامل التي تحيط بالموقف قبل اتخاذه.

ومن المؤسف والمؤلم أن يكون كلام المشير عامر- إذا صح ما نسب إليه - عندما  سأله الرئيس عبد الناصر فى مؤتمر مايو 1967 عن استعداد القوات المسلحة لتنفيذ إغلاق المضايق، بعد أن قال عبد الناصر: إذا قفلنا المضايق فالحرب مؤكدة 1،%، كان رد المشير عبد الحكيم عامر : برقبتي يا ريس، كل شيء على أتم استعداد ، كان ذلك هو الفيصل فى الحكم على القدرة القتالية للقوات المسلحة واستعدادها للحرب برغم أنه كلام سطحي لا يستند على أساس عسكري. كما أن أسلوب اتخاذ هذا القرار السياسي الهام والخطير ليس هو الأسلوب العلمي الصحيح لزج القوات المسلحة فى حرب ضد إسرائيل.

  • ·           لم يكن خافياً على القياديتين السياسية والعسكرية أن قواتنا المسلحة تعمل بمرتبات السلم المخفضة عندما اتخذ القرار السياسي بإغلاق المضايق. فقد كان هناك قرار أصدره وزير الحربية بتسريح دفعة من الاحتياط قبل موعدها بشهرين مع تأخير استعواض الوحدات بالمستجدين لمدة ثلاثة أشهر. بهدف ضغط مصروفات القوات المسلحة تنفيذاً لقرارات ضغط ميزانية الدولة. وكان هذا القرار يطبق من مارس حتى يونيو1967 ومعنى ذلك أنه لم يكن هناك احتمال لتصعيد الموقف السياسي والعسكري مع إسرائيل وهو ما تم فى مايو 1967.

  • ·           ولم يكن النقص مقصوراً على الأفراد بل كان يشمل أيضاً نقص فى الأسلحة والمعدات فى القوات البرية يوم 14 مايو قياسا على مرتبات الحرب. وكان النقص بصفة عامة فى الأسلحة الصغيرة 30% وفى قطع المدفعية 24% وفى دبابات التعاون الوثيق 45% وفى الحملة الميكانيكية من 40-70%.

  • ·           وقد كنا نتباهى ونعلن سنوياً أننا نملك أكبر قوة جوية فى الشرق الأوسط لعدة سنوات سابقة لحرب يونيو، ولكن الحقيقة كانت خلاف ذلك. فقد كانت كفاءتها القتالية أقل من مستوى السلاح الجوي الإسرائيلي الذي عملت  قيادته على تطويره كما ونوعاً وتدريباً خلال السنوات العشر السابقة لحرب يونيو،

 

 

السيد شمس بدران وزير الحربية أثناء محاكمته عام 1968

الأمر الذي حقق له النجاح فى ضربته الجوية الأولى ومكنه من تدمير الجزء الأكبر من طائراتنا وهي  على الأرض خلال الساعات الثلاث الأولى من الحرب.

وليس من المتصور أن يكون موقف القوات الجوية والدفاع الجوي غير معروف للقيادة العليا للقوات المسلحة والمشير عامر عندما قرر فى الاجتماع السياسي فى مايو أن القوات المسلحة جاهزة وعلى أتم استعداد لتنفيذ إغلاق مضيق العقبة. ومن الواضح أن إسرائيل كانت على علم تام بالقدرات الحقيقية لقواتنا الجوية والدفاع الجوي عندما قررت شن الحرب علينا.

  • ·           وأصبحت موضوعات الأمن لها الأسبقية الأولى والأهمية القصوى بالنسبة لأي عمل عسكري آخر. وأصبحت فكرة الولاء قبل الكفاءة تسود العمل فى القوات المسلحة وطبقت هذه الفكرة بوضوح فى نشرات التنقلات التي تمت بين القادة قبل وأثناء فترة الحشد مما جعل بعض التشكيلات الميدانية يتولى قيادتها أهل الثقة وليس أهل الكفاءة.

وكان موضوع الأمن هو الموضوع الأول الذي يشغل بال المشير عامر والوزير شمس بدران، وتعددت الأجهزة التي تعمل لتحقيق أمن القوات المسلحة. ومن هنا تحول مجهود إدارة المخابرات الحربية - كأسبقية أولى - لموضوعات الأمن. ولم تعطي الأهمية الواجبة للحصول على المعلومات عن العدو ومتابعة حجم وأساليب قتاله  وتقدير نواياه.

  • ·           واستناداً إلى الحقائق السابق توضيحها يمكن القول إن القرار السياسي  بإغلاق مضيق العقبة لم يكن محسوباً بطريقة صحيحة من الناحية العسكرية بناء على القدرات الحقيقية لكل من مصر وإسرائيل وقتئذ. وهنا يتبادر إلى الذهن، هل كانت هذه الحالة معروفة للقيادة السياسية وتجاهلتها عند اتخاذ القرارات السياسية - طلب سحب قوات الطوارئ الدوليـة وإغـلاق المضيق - والذي كان مؤكداً أن يترتب  عليها نشوب الحرب ؟ أم أن القيادة السياسية لم تكن تعلم موقف القوات المسلحة، وهل يقبل أن تكون كل هذه الحقائق غير معروفة لها فى الوقت الذي كان من الطبيعي أنها معروفة لإسرائيل والدول الكبرى ؟.

http://store1.up-00.com/Mar10/jxl52854.jpg

  • ·           وجاء الدور على شمس بدران وزير الحربية بتقديمه للمحاكمة. وأثناء هذه المحاكمة فى فبراير 1968 سأله رئيس المحكمة عن رأيه فيما حدث، وترتب عليه هزيمة يونيو رد قائلاً :

- لما تطور الموقف ورأينا أننا لازم نسحب البوليس الدولي علشان نبين أن إحنا جاهزين للهجوم، لأن وجود البوليس الدولي يمنع أي عملية دخول لقواتنا، وانسحب البوليس الدولي استتبع ذلك احتلال شرم الشيخ الذي استتبع قفل خليج العقبة ، وكان الرأي أن جيشنا جاهز للقيام بعمليات ضد إسرائيل وكنا متأكدين 1،% أن إسرائيل لا تجرؤ على الهجوم أو أخذ الخطوة الأولى أو المبادرة بالضربة الأولى، وإن دخول إسرائيل أي عملية معناها عملية انتحارية لأنها قطعاً ستهزم فى هذه العملية.

ولما سألته المحكمة مستفسرة عن رأيه فى أن الرئيس عبد الناصر قرر قفل خليج  العقبة بعد أن أخذ "تمام" من القائد المسئول. رد شمس بدران قائلا :

- القائد العام (المشير عامر) أعطى تمام وقال أقدر أنفذ وبعدين من جهة التنفيذ كان صعب عليه.

علق رئيس المحكمة على كلام شمس بدران بقوله :

والله إذا كانت الأمور تسير بهذا الشكل، وتحسب على هذا الأساس، ولا تكون فيه مسئولية الكلمة ومسئولية التصرف، يبقى مش كتير اللي حصل لنا.

  • ·           وفى مصر، لابد من التعمق فى معرفة أسباب الهزيمة للخروج منها بالدروس المستفادة بعد أن فقدنا نتيجة لهذه الحرب سيناء وقطاع غزة واستشهد لنا 98، (تسعة آلاف وثمانمائة) رجل بين شهيد ومفقود، وخسرنا الجزء الأكبر من أسلحة ومعدات القوات المسلحة، وتحمل الاقتصاد المصري عبئاً جسيماً تطلب تضحيات من الشعب أثقلت كاهله.

وبنظرة موضوعية لما حدث فى مصر خلال هذه الحرب، نجد أن الهزيمة التي لحقت بنا كانت المحصلة الطبيعية لأخطاء سياسية وأخرى عسكرية، تراكمت منذ العدوان الثلاثي على مصر1956، والآثار التي نتجت عن انفصال سوريا ومصر عام 1961 وحرب اليمن عام 1962 التي استمرت القوات المصرية تقاتل هناك خمسة أعوام، وعدم وجود تنظيم لشئون الدفاع عن الدولة، والخلل فى أسلوب القيادة والسيطرة على القوات المسلحة.

  • ·           ولعل أبرز الأخطاء التي حدثت فى حرب يونيو، كان عدم وجود استراتيجية عليا للدولة تحدد الهدف السياسي المطلوب تحقيقه، وعمل التوازن والتنسيق بين الهدف السياسي وقدرات الدولة على تنفيذه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً ، لقد صدرت قرارات سياسية ثلاثة، وهي حشد القوات فى سيناء ثم سحب قوات الطوارئ الدولية ثم إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية، دون تنسيق مسبق مع القيادة العامة للقوات المسلحة، برغم إن عبد الناصر قدر خلال مايو 1967- قبل إغلاق المضيق - أن إغلاقه يجعل نشوب الحرب مؤكداً 1،%. ومن متابعة وتحليل أحداث مايو ويونيو1967 نجد أن القيادة السياسية فى مصر حاولت القيام بمغامرة سياسية تدعمها مظاهرة عسكرية لتحقيق مكاسب سياسية، فتحولت إلى حرب حقيقية لم تكن مصر على استعداد لخوضها. وإظهار القوة العسكرية أو التلويح باستخدامها عمل معروف، ولكن يجب أن يكون العمل العسكري مخططاً وقادراً على تنفيذ القرار السياسي.

فالحرب هي امتداد للسياسة بالنيران. والحقيقة أنه تم استدراج القيادة السياسية فى  مصر للدخول فى حرب ضد إسرائيل التي استعدت لخوضها منذ وقت طويل.

وهكذا يؤكد المشير الجمسى ما قلناه من قبل من أن فى مصر دائماً القرار السياسي يصدر دون الرجوع أو التشاور مع العسكريين. وقد أدى هذا إلى ثلاث هزائم متلاحقة، ففي 1948 قرر النقراشى رئيس وزراء مصر وقتها دخول الحرب كمظاهرة عسكرية. وفى 1956 اتخذ الرئيس عبد الناصر قرار التأميم للقناة وهو يعلم مدى رد الفعل الغربي دون التشاور أيضاً، وفى 1967 وضح ما نقوله تماماً وجاء على لسان كل من كان ينظر إلى الأمور والأحداث الجارية بنظرة وطنية مخلصة.

وحتى يكتمل هذا الجزء من الكتاب، وقد حاولت قدر الجهد أن أعرض ما حدث فى الجولات المصرية - الإسرائيلية الثلاث بصدق شديد، عرضت فيه كل ما تمكنت من وثائق، وشهادات شهود، وآراء خبراء، ومحللين مصريين وإسرائيليين، وأجانب، عسكريين ومدنيين ، كان ولابد وأن أعرض شهادة للتاريخ من فم الشاهد الأول والأهم فى هذه الأحداث الرئيس جمال عبد الناصر.

 

أنقل هنا أقوال الرئيس عبد الناصر فى وثيقة رسمية ضمن كتاب الانفجار للسيد/ محمد حسنين هيكل الذي لديه وثائق وشهادات كثيرة يعجز أي أحد غيره عن الوصول إليها، يقول السيد هيكل فى كتابه صفحة 890 :

وفى الأسبوع الأول من شهر يوليو تم الاتفاق على إجراء مجموعة من المشاورات فى القاهرة تشارك فيها الجمهورية العربية المتحدة بالطبع، وسوريا، والأردن، والجزائر، والعراق.

           

 

وكان أول القادمين لهذه المشاورات هو الرئيس "هوارى بومدين" الذي وصل بالفعل  إلى القاهرة، وبدأ أول اجتماع له مع "جمال عبد الناصر" فى الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 10 يوليو 1967. وطبقاً للمحضر الرسمي المفرغ عن شريط تسجيل لهذه الجلسة فإن الصفحة الأولى منه حوت مكان الاجتماع وتوقيته، وأسماء المشاركين فيه من الجانبين.

وفى الصفحة الثانية من المحضر يبدأ الرئيس جمال عبد الناصر بالترحيب بالرئيس بومدين ،،، ثم توجه بومدين فى الصفحة الثالثة من المحضر بسؤال للرئيس جمال عبد الناصر يسأل فيه عما حدث وفى نفس هذه الصفحة من المحضر يبدأ جمال عبد الناصر بعرض رأيه فيما حدث فيقول بالنص :

*** الحقيقة التي لا أستطيع إخفاؤها عن الإخوان هي أنني حتى هذه اللحظة غير قادر بالضبط على فهم ما حصل، وكيف حصل، ونحن نقوم بدراسات مكثفة لمعرفة الحقيقة، واعتقادي المبدئي الآن أن هناك عوامل أساسية أثرت وأوصلت لهذه النتيجة.

العامل الأول هو الثقة فى النفس أكثر من اللازم، بل وصل الأمر إلى حد التبجح بهذه الثقة. وقد رحنا نتكلم ونتكلم حتى صدقنا أننا نستطيع أن نتصدى  لإسرائيل ولأمريكا.

والعامل الثاني هو أن الجيش لم يكن بالكفاءة التي كنا نقدرها، وأنا أقول لكم هذا الكلام بصراحة. والذي أضر بكفاءة الجيش هو فكرة الأمن أو تصور فكرة الأمن. فتحت اسم الأمن كان يجرى تنظيم الجيش وتوزيع الناس على محلاتهم. وباسم الأمن جلس ناس فى غير مقاعدهم والمثل الظاهر هو الطيران. ومع الأسف فنحن لم نستفد من دروس 1956 ولا من دروس الانفصال. وعلى هذا بقى صدقي محمود قائداً للطيران 11 سنة بعد السويس.

والعامل الثالث هو اتجاهنا إلى عدم أخذ الأمور بجدية نتيجة نقص المعلومات، ونتيجة التراخي فى تنفيذ ما يترتب على هذه المعلومات. وأنا شخصياً حذرت صدقي محمود وقلت له فى آخر اجتماع حضرته فى هيئة أركان الحرب إن الهجوم سيحصل يوم الاثنين. وإن الضربة الأولى ستكون ضد الطيران. وأنا لم أكن فى هذا متنبئ وإنما  كنت حاسب الحساب ومقدر أن ذلك سيحدث. فى البداية قلت الحرب بنسبة 50%. ثم قلت أن النسبة أصبحت 80%. ثم وصلت إلى يقين أن الحرب واقعة بنسبة 1،%. وأنت تتذكر (موجها كلامه للرئيس بومدين فى نهاية صفحة 4 من المحضر) أن الأخ زكريا حينما زاركم فى الجزائر قبل المعركة بيومين نقل اعتقادي بأن الحرب قائمة بنسبة 1،%.

وفـى هذه النقطة من الحديث تدخل السيد زكريا محي الدين وقال : أنا بالفعل نقلت  هذه المعلومات إلى الرئيس بومدين وأن الرئيس بومدين وافق على ما قاله السيد زكريا  محيي الدين وتسجل الصفحة الخامسة من المحضر أن الرئيس جمال عبد الناصر عاد يستكمل  كلامه قائلاً : أنا اتكلمت معهم يوم الجمعة 2 يونيو على أساس أن الضربة قادمة يوم الاثنين 5 يونيو، يوم السبت قام الطيران بعمل مظلة جوية للإنذار المبكر والاشتباك، ويـوم الأحـد حدث نفس الشيء وخرجت مظلة جوية. يوم الاثنين لم تكن هناك مظلة جوية وفوجئنا بالطائرات الإسرائيلية فوق مطارتنا دون أن يشعر بها أحد، وهذا موضوع نحقق فيه. كنت أعتقد أن خطتنا للدفاع الجوي مضبوطة، وقد رأيتها على الورق، وجاء نائب قائد الدفاع الجوي السوفيتي وقابلني ومعه صدقي محمود قبل الأزمة بوقت طويل. وقال لي نائب قائد الدفاع الجوي السوفيتي إن خطة الدفاع التي رآها على الورق وعلى الطبيعة معقولة جداً. وإنه وخبراؤه لاحظوا وجود ثغرات فيها وقد أخطر بذلك صدقي محمود، وتم الاتفاق على عمليات تكملة. ولكن هذا لم يحدث كما يظهر  لي الآن. فدفاعنا الجوي أصيب بالشلل. وهذا موضوع نحقق فيه الآن.

والعامل الرابع هو أن القيادة العسكرية عندنا لم تكن مستعدة لتصديق المعلومات التي تجئ لها كان لديهم تصور محدد، لم يكونوا مستعدين لقبول أي شيء يختلف عن هذا التصور. وعلى سبيل المثال فالروس أبلغونا يوم الخميس (1 يونيو - وهذا الكلام   وارد فى الصفحة السابعة من المحضر) عن حجم قوات اليهود من المدرعات وقالوا  أنها 9 لواءات. وكانت القيادة عندنا مصممة على أن اليهود ليس عندهم إلا خمسة لواءات. وقد ناقشنا هذا الكلام فى اجتماع يوم الجمعة 2 يونيو. وقلت لهم على أي أساس تقولون إن إسرائيل لديها 5 لواءات بينما الروس ولديهم كل إمكانيات المعلومات يقولون إن لديها تسعة. وكان الرد الذي كرره عبد الحكيم عامر وعدد من القادة هو أن معلومات السوفيت مبالغ فيها، وهم يهولون فى الموضوع لكي يخيفونا ويجعلونا نتردد ولا ندخل المعركة. وأيضاً قالوا إن الروس فيما يظهر لهم حسبوا الدبابات الإسرائيلية القديمة من طراز "شيرمان" وهي لم تعد صالحة للعمل وبالتالي لا تدخل فى الحساب. وكان هذا كله ضمن عوارض الثقة بالنفس أكثر من اللازم مما يجعلك تقلل من قوة العدو لكي تزيد من قوتك.

والعامل الخامس، وهذا هو الذي يذهلني حتى الآن، هو أن القيادة العامة بعد ضربة الطيران أصبحت مثل واحد حصل له انفجار فى المخ وأصيب بالشلل جسمه كله.

والعامل السادس هو أن الخطط التي كانت معدة كانت محكومة أيضاً بالثقة بالنفس. وقد دهشت من أنه لم تكن هناك دفاعات فى الخطة وراء العريش. ولذلك فإنه حينما حدث الارتباك والانفجار فى المخ وتمكنت القوات الإسرائيلية من دخول العريش لم يحدث قتال وراءها فى القطاع الشمالي، وإنما اندفعت المدرعات الإسرائيلية على طريق أسفلتي جديد كنا بنيناه بين العريش والقنطرة حتى وصلت دون قتال إلى شاطئ قناة السويس.

والعامل السابع هو الخلط بين الوهم والواقع (صفحة 11 من المحضر) فأنا قلت للقيادة العامة من البداية إننا سندخل معركة دفاعية، وهي معركة تتفق مع خططنا التي كانت موجودة مع إمكانياتنا المتوفرة. ولا أعرف من أين ركبتهم حكاية أنهم لازم يبدأوا بالهجوم بينما هو فى رأيي مستحيل من الناحية السياسية.

وعبد الحكيم قالي لي وهو يناقش فى هذا الموضوع إنه إذا كان هدفي من تحرك القوات المصرية بعد الحشود على سوريا هو نجدة سوريا بالفعل فمعنى ذلك أننا لابد أن نهجم وإلا فنحن لا ننجدها. وحاولت أن أشرح له أن مجرد حشد قواتنا سيفرض على إسرائيل أن تستعد لنوايانا وتحول حشودها من الشمال إلى الجنوب. وهذا هو المطلوب للتخفيف عن سوريا.

وأما موضوع أن يتحول هذا إلى هجوم فهذا له حسابات أخرى. والغريب أنهم ظلوا  مع ذلك يتوهمون إمكانية الهجوم. وجدت تحركات كثيرة خلافاً للخطط الأصلية على أساس إمكانية الهجوم. وكانوا يتصورون أن يقوموا بالهجوم من الجنوب فى اتجاه إيلات. وعندما هاجم الإسرائيليون من الشمال نسوا القوات التي حشدوها للهجوم فى الجنوب. وقبل هذا كله لم تكن عندنا خطط حقيقية للهجوم. نحن استطلعنا الجبهة الجنوبية لإسرائيل، ولكننا لم نكن نعرف ما فيه الكفاية عن الجبهة الوسطى أو الشمالية. وبالتالي فالهجوم لا تتوفر لدينا إمكانياته المادية فضلاً عن المخاطر السياسية التي تلحق بنا إذا حاولناه. معنى ذلك أننا نعطي لأمريكا دعوة مفتوحة بضربنا بكل وسائلها ولا يستطيع أحد أن يفتح فمه.

وخلص جمال عبد الناصر فى صفحة 15 من المحضر إلى أن يقول : قراءتي للموقف أنه لم تحدث فى الواقع حرب. حدث قتال عنيف جداً فى مناطق متفرقة وحصلت بطولات هائلة فى الحقيقة. ومات واستشهد وضحى ناس أثبتوا أنهم رجال. وفعلوا ذلك وفوقهم قيادة لا تقود لأنها فقدت أعصابها إلى درجة أنهم أخطروني أن اليهود ينزلون بالباراشوت على الناحية الغربية من القناة فى حين كانت الحقيقة أن اليهود كانوا يلقون بتموين وذخائر بالباراشوت للقوات التي وصلت إلى ضفة القناة الشرقية أسرع مما توقعت القيادة الإسرائيلية. وفقدان الأعصاب هذا جعل الأوامر متضاربة. وقد عرضت على عندما بدأ التحقيق مجموعات أوامر صادرة فى نفس الوقت، بعضها يأمر بالانسحاب  إلى خط الدفاع الثاني، وبعضها يطلب الانسحاب إلى غرب القناة. وكان معنى هذا فوضى فى الانسحاب. وعملية الانسحاب هي أصعب العمليات فى الحرب.

وفى النهاية وجدت أمامي كارثة لابد أن أوقفها عند حد، وكان قبولي لوقف إطلاق النار. ولم أفكر لحظة فى استعمال أسلحة غير تقليدية كالصواريخ أو الغازات لأنه لم يكن لاستعمالها من نتيجة سوى أنني أزود الاستفزاز وأعرض مرافقنا المائية والصناعية لضربات انتقامية عقابية. وعلى أي حال فالصواريخ لم تكن مستعدة بأجهزة التوجيه. والغازات كان يمكن أن تثير علينا الدنيا بدون فائدة لأن الفرصة راحت ،

ونكتفي من أقوال الرئيس جمال عبد الناصر بهذا القدر، وقد حمل نفسه المسئولية الأدبية عن الهزيمة وكأنه ضيف شرف فى تلك الأمور التي حدثت. وألقى بالمسئولية كاملة عن الهزيمة فوق كاهل القيادة العسكرية (المشير عبد الحكيم عامر) وخاصة القوات الجوية. وأفاض وأسهب فى شرح أوجه القصور التي كانت عليها القيادة العسكرية، والقوات الجوية المصرية ، ونحن لا ندافع عن القيادة العسكرية أو القوات الجوية بل أوضحنا هذا فى الفصول السابقة ، ولكن أقوال الرئيس عبد الناصر تحتم علينا أن نعلق عليها ونطرح أسئلة كثيرة لأننا شرحنا فى الفصول السابقة أن الهزيمة كانت قبل بداية الحرب وذكرنا كل العوامل التي أدت إلى تلك الهزيمة.

ذكر الرئيس عبد الناصر سبعة عوامل هي التي أدت إلى الهزيمة. لم يذكر فى هذه العوامل أي شيء عن القرار السياسي وهو قرار نبع منه هو شخصياً ولم يشاركه فيه أحد ، ويبدأ الرئيس عبد الناصر بأنه يلوم نفسه لأنه كان يتحدث بثقة أكثر من اللازم، ثم على الفور يتبعها بأن الجيش لم يكن بالكفاءة التي كنا نقدرها ، حقاً لم يكن بالكفاءة المطلوبة وهنا نتساءل :

من أين إذن كان الرئيس جمال عبد الناصر يستمد تلك الثقة الأكثر من اللازم ؟

لماذا أصر على بقاء القوات المسلحة فى اليمن رغم تحذير الفريق أنور القاضي له من هذا الوضع ؟

لماذا ترك أهل الثقة والمقربين من المشير عامر فى المواقع الحساسة من الجيش ؟ مستبعديـن بذلـك الضباط الأكفاء ؟؟ وهل كان راضياً عن هذا ؟؟ أم أنه كان مجبراً؟؟ أم أنه كان لا يدرى عن القوات المسلحة صورتها الحقيقية ؟؟

ويتعلل الرئيس عبد الناصر بأن الهزيمة فى 5 يونيو67 وقعت لأننا لم نستفد من دروس حرب عام 1956 ، ونتساءل عن الأسباب التي عطلت دراسة حرب 56 لمدة أحد عشر عاماً. وبصفته رئيساً للدولة لماذا لم تعمل الأجهزة المختلفة وخاصة فى القوات المسلحة على دراسة هذه الحرب والخروج بالدروس المستفادة منها.

ويقول الرئيس عبد الناصر ويؤكد أن الخطة كانت دفاعية لأن إمكانياتنا لا تسمح بالهجوم ويتهم القيادة العسكرية أنها هي التي غيرت الخطط وتحولت إلى خطط  هجومية يستحيل تنفيذها سياسياً وهنا نتساءل :

أولا موقع الرئيس عبد الناصر فى تنظيم الدولة المصرية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة أي أن المفروض أن المشير عامر يتبعه. والتحول من الدفاع إلى الهجوم أمر يخص الدولة وليس القوات المسلحة فلماذا تغاضى عن هذا ؟؟

ثانيا إذا كان مفهوم الحشد ودخول القوات المسلحة إلى سيناء للدفاع فلماذا اتخذ قرار إخلاء قوات الطوارئ الدولية ؟‍! ولماذا قام بإغلاق خليج العقبة ؟

وفى ختام الحديث يقول الرئيس عبد الناصر إن الصواريخ لم تكن مستعدة بأجهزة التوجيه. وقد شرحنا قصة هذه الصواريخ فى فصل سابق لكن نتساءل :

فى الاستعراض السنوي فى 23 يوليو احتفالا بذكرى قيام الثورة كانت الصواريخ (القاهر والظافر) تمر أمام الرئيس واستمر هذا سنوات قبل 1967. كانت الصحافة والإعلام تفرد لها الكثير من الصور والمقالات، حتى بات يقينا عند كل المصريين البسطاء أن لدينا صواريخ جاهزة للرد على أي عدوان إسرائيلي ،

فهل كان السيد الرئيس جمال عبد الناصر يعلم أن الصواريخ التي تمر أمامه فى العرض العسكري نماذج فاشلة لا يمكن استخدامها ،؟؟

 

ومنذ كم من السنوات قبل الحرب كان يعلم أن هذه الصواريخ ليست جاهزة ؟؟

ولماذا سكت الرئيس عبد الناصر طوال تلك السنوات ؟؟

وهل كان يساهم مع قيادة القوات المسلحة فى خداع شعب مصر ؟؟

لقد تمت محاكمة عدد من قيادات القوات المسلحة والقوات الجوية وحكم على أغلبهم بالسجن لعدة أعوام طويلة وكانت التهمة الموجهة لهم هي الإهمال والتقصير فى أداء واجبهم قبل وأثناء الحرب ، ومع اعترافي بصحة هذه التهمة إلا أن التقصير والإهمال والقرارات الخاطئة كانت تنفيذاً لقرار سياسي خاطئ لم يحاكم عليه المسئول الذي  أصدره.

*** بقى شيء هام لابد وأن نتحدث عنه حتى نصل إلى إجابة السؤال "هل كانت  الهزيمة حتمية ؟؟"

، إنه الدور العربي فى المعركة وأثره فى مجريات الصراع التي بلغت ذروتها فى 5يونيو67 ، وإذا تحدثنا عن الدور العربي فى هذه الحرب نجد أن موقف حرب 1948 يخرج من الذاكرة على الفور، فما أشبه الليلة بالبارحة. كما قلنا عن حرب 1948 فى الفصل الأول نجد نفس الكلمات والصفات لم تتغير، قادة وملوك ورؤساء دول عربية المفروض أنهم مجتمعون تحت مظلة واحدة هي جامعة الدول العربية لهم هدف واحد هو هزيمة العدو الإسرائيلي واستعادة أرض فلسطين وعودتها إلى أهلها ، لكن المفروض شيء والواقع شيء آخر، فالواقع كان هو الفرقة والانقسام والتناحر بل والتآمر قبل حرب يونيو وأثناؤها ، فمنهم من يؤيد ويساعد بإخلاص ومنهم من يقف على الحياد وكأن الصراع لا يخصه ، ومنهم من يتواطأ ، ومنهم من يورط الآخرين ويقف متفرجاً ، بل ومنهم من كان يخفى بصعوبة الشماته فى هزيمة مصر.

، فالملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية كان له الفضل الأكبر والدور الأول فى توريط الجيش المصري فى اليمن لمدة خمس سنوات. متواطئاً فى ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا ، وقد عرفنا أثر حرب اليمن على الجيش المصري فى معركة يونيو67 ، ألم يكن يجول فى خاطر الملك فيصل أن انتصار إسرائيل على مصر هو تهديد استراتيجي للأمن السعودي؟ 0 لم يفكر فى هذا  لكن كل ما كان يشغل فكره هو هزيمة عبدالناصر!!

 

أما الأردن فالعجب والتساؤل كله عن دوره فى هذه المعركة ، فبعد عداء سنوات وسنوات مع مصر ومع عبد الناصر، يصل الملك حسين إلى القاهرة قبل المعركة بخمسة أيام ويوقع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر ويصطحب معه الفريق عبد المنعم رياض لقيادة الجبهة الأردنية ، ثم حين بدأت الحرب لا يفعل شيئاً فى المعركة سوى بعض الاشتباكات بالمدفعية وطلعات جوية لا تذكر لإثبات أنه فى المعركة، ولتعطى إسرائيل الذريعة لكي تحتل الضفة الغربية وتدخل قضية فلسطين وهي القضية الأصل فى دهاليز ودروب ليس لها نهاية، حيث لم تحل حتى 2،7 أي بعد 40 عاماً من الهزيمة ، وبعد شهر من انتهاء المعركة يطلب من القوات العراقية التي كانت متمركزة فى الأردن العودة إلى العراق ويبرر هذا الطلب بأن الظروف تغيرت ، ولا ندرى ما هي تلك الظروف التي تغيرت. وكأن الظروف قد سمحت له استعادة الضفة الغربية.

أما عن سوريا فنتحدث ولا حرج ، فبداية الأزمة من سوريا ، والقيادة السورية شبه يومي تندد بمصر وعبد الناصر بأنه يترك سوريا وحدها تواجه إسرائيل ، وبعد معركة 7 أبريل الجوية كانت سوريا كلها تتساءل أين اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، والتصريحات النارية تنطلق طوال عام كامل قبل الحرب ، ثم جاءت أنباء الحشود وتصاعدت الأحداث حتى وصلنا إلى الحرب ، وهنا ، لاذت سوريا  بصمت مريب.

فمن اللحظة الأولى فى الحرب طلب الفريق عبد المنعم رياض من سوريا أن تقوم طائراتها بقصف ومهاجمة المطارات الإسرائيلية، لكن الإجابات كانت "بنجهز الطائرات سيدي" واستمر هذا التجهيز حتى الواحدة ظهراً حين هاجمت إسرائيل المطارات السورية بعد أن انتهت من الضربة الجوية على مصر.

ويقول الفريق أول محمد فوزي عن يوم 5 يونيو "وفى حوالي الساعة 11 صباحاً  كلفني المشير بالاتصال بالقيادة السورية لإخطارها بالموقف، ومحاولة تنفيذ خطط القصف الجوي على مطارات إسرائيل الشمالية، وهي جزء من الخطط التي كنت قد نسقتها مع رئيس أركان الجيش السوري اللواء/ أحمد سويدان ، اتصلت به لاسلكيا، وطلبت منه تنفيذ الخطة التعرضية "رشيد" لكنني لم أحصل رداً إيجابي، وكـان كـل مـا نطق به هو جملة واحدة "نحاول سيدي" ثم علمت بعد ذلك أنه لم تصدر أية أوامر من الجانب السوري باتخاذ أي موقف مضاد أو تعرضي، أو حتى تدخل فى أي عمليات إطلاقاً ضد إسرائيل"([3]).

ومرت أيام 8،7،6،5 يونيو ولم تقدم سوريا للمعركة التي نشبت بسببها أي عمل عسكري يذكر سوى بعض المناوشات الخفيفة بالمدفعية ثم حدثت المفاجأة التي تثير الشك والريبة وتطرح عشرات الأسئلة، ألا وهي مهاجمة إسرائيل للجولان والاستيلاء عليها فى غمضه عين ،

الجولان عزيزي القارئ هي حدود سوريا الغربية التي تطل على إسرائيل ويتدرج ارتفاعهـا فوق سطح الأراضي الإسرائيلية من 120م فى الجنوب حتى تصل إلى 100متر فى الشمال. أي أنها تشكل تهديد خطير للأراضي الإسرائيلية والمناطق الأهلة بالسكان ،

وكما شرح إسحاق رابين فى مذكراته نعرف أنه كانت هناك اجتماعات مكثفة بين أشكول رئيس الوزراء وموشى دايان وزير الدفاع ومعهم اللجنة الوزارية لشئون الأمن حتى مساء 8 يونيو، وانتهت الاجتماعـات وبضغـط من دايان بأنه لا يمكن مهاجمة سوريا فى الوقت الحالي، وأبلغ رابين رئيس الأركان قائد الجبهة الشمالية بهذا القرار وذهب فى منتصف الليل لينام. ثم يضيف واصفاً موشى دايان بأنه غير المتوقع ، وغير المتسرع الخطوات عاد وفاجأ ،

"إن من أيقظني فى الساعة السابعة صباحاً من النوم كان عليه أن يكون واثقاً بأن لديه سبب جيد ليفعل ذلك ، فقد قال لي عيزرا وايزمان أن دايان اتصل قبل 15 دقيقة مع قائد الجبهة الشمالية دافيد اليعازر وأمره بمهاجمة سوريا بدون إبطاء ،

أسرعت إلى موقع القيادة العليا "أتضح أن وزير الدفاع قد وصل إلى هناك فى الساعة السادسة صباحاً تقريباً. وطلبت الاستماع إلى تقييم للوضع من رجال الاستخبارات. وسمع عن الانهيار التام للجيش المصري. ومازال مصراً على عدم مهاجمة سوريا. ولكن فى حوالي الساعة السابعة ولأسباب لم أفهمها حتى الآن أمر إليعازر بشن الهجوم"([4]).

هذا عن الجانب الإسرائيلي والراوي هو رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي الذي  نـام بعـد منتصـف الليل وهو متأكد أنه ليس هناك هجوم على سوريا ثم يصحو بعد 4-5 ساعات يجد أن الأوامر صدرت دون الرجوع إليه بالهجوم على سوريا. ومن المؤكد  أن هناك أسباب لهذا التغيير المفاجئ لكن لا نعلمها.

لكن ما حدث على الجانب السوري الذي يجعلنا نتساءل بريبة وشك ، فسوريا كانت تعلم يقينا أن هناك حرب دائرة طوال أربعة أيام سابقة ، وقبلت وقف إطلاق النار  فى 8 يونيو، ولم تكن قد خسرت أي أراضي لها ، وبدأ الهجوم الإسرائيلي فى  صباح 9 يونيو وعلى الفور أصدرت القيادة السورية أمر بالانسحاب للقوات الموجودة فى هضبة الجولان دون قتال ، ودخلت القوات الإسرائيلية المواقع السورية فوجدتها خالية من الجنود ، ثم تجئ علامة الاستفهام الكبرى حين أعلنت إذاعة دمشق نبأ سقوط مدينة القنيطرة عاصمة الجولان فى الساعة الثامنة والنصف صباحاً يوم 10يونيو رغم أنه لم يكن حولها أو بالقرب منها أي جندي إسرائيلي  بل إن القوات الإسرائيلية وصلت إلى القنيطرة وقامت باحتلالها فى  الخامسة بعد ظهر ذلك اليوم.

ورغم أن المشهد العربي القومي كان مليئاً بالإحباط من ناحية (السعودية - الأردن - سوريا) إلا أن الرئيس الجزائري هوارى بومدين أضاء بصيص من النور والأمل فى العمل القومي. فقد بدأت مساندته لمصر من اليوم الأول للمعركة. وأمر بإرسال الطائرات الجزائرية إلى مصر وقد وصلت بالفعل واشتركت فى المعركة كما شرحنا فى الفصول السابقة ، ثم تابع ذلك بجهد كبير فى التفاوض مع الاتحاد السوفيتي عارضاً فى المفاوضات مع القادة السوفيت دفع المبالغ اللازمة لإعادة تسليح القوات المسلحة المصرية بأسرع ما يمكن.

عزيـزي القـارئ ، أعتقد أنك تستطيع الآن أن تجيب على السؤال المطـروح  "هل كانت الهزيمة حتمية ؟؟"

لقد كنا نملك قوة قادرة على فعل الكثير فى مجريات الأحداث ، لكن ليس بالقوة وحدها يمكن أن نحقق ما نريد. فالقوة يلزمها تخطيط وإعداد، وتدريب وتعاون،  وأهداف واضحة ، وكان هذا ما افتقدناه طوال سنوات طوال فكان طريقنا لابد وأن ينتهي بالهزيمة ، إن هزيمة يونيو67 لم تنته حتى الآن فالجولان والضفة الغربية والقدس مازالت فى حوزة العدو الإسرائيلي ، ومصر لم تدفع وحدها الثمن فحين هزمت مصر هزمت الأمة العربية وحين انتصرت فى 1973 انتصرت الأمة العربية.

انتهت حرب يونيو67 بهزيمة مصر، وقد أوضحنا فى هذا الكتاب وبالتفصيل لماذا ؟ وكيف انهزمت مصر؟، لكن ورب ضارة نافعة كانت هذه الهزيمة هي الناقوس الذي دق فوق رؤوسنا. صحونا من غفوتنا لنواجه الحقيقة ، لنواجه مصريتنا ، هل نحن أبناء هذا الوطن حقاً ؟، هل تستحق مصر منا كل هذا ؟

وكانت إجابتنا المدوية هي لا وألف لا. سنعيد نحن المصريون الكرامة والعزة إلى مصر، سنبذل الغالي والرخيص من أجلك يا مصر، سنقدم دماءنا وأرواحنا فوق تراب مصر حتى لا يدنسه العدو الإسرائيلي.

وسوف نعرض فى الجزء الثاني القادم إنشاء الله (جند من السماء) كيف انطلقت روح مصر فى أبنائها المخلصين ؟ وكيف استطاعت هذه الروح أن تحقق مستحيلاً ؟ كانت إسرائيل والعالم كله يجمع على أنه لن يتحقق إلا بعد 20 عام.

))سيتم وضع كتاب جند من السماء علي حلقات في قسم الدراسات العسكريه وقسم المراجع قريبا  ))

سنرى كيف أن مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر نفسه المهزوم فى يونيو67، وبالجنود والضباط المصريون الذين قالت عنهم صحف ودعاية إسرائيل أنهم فروا أمام الجيش الإسرائيلي، سنرى كيف تمكن هذا الرئيس وهؤلاء الجنود والضباط بعد عشرون يوماً فقط من قتال جيش إسرائيل والتصدي له وتكبيده خسائر كبيرة فى جنوده (السوبرمان) بين قتلى وجرحى، وتدمير مدرعاته (الرهيبة)، رغم أن القوة المصرية التي واجهتهم لم تكن إلا أفراد معهم تسليح شخصي لكن بداخلهم إيمان وإصرار على النصر يتضاءل أمامه أي سلاح. مما جعل الجيش الإسرائيلي (الذي لا يقهر) يتراجع وينسحب ولا يفكر فى التقدم مرة أخرى بعد قتال استمر أيـام .

كما سنعرض أيضاً فى الجزء الثاني كيف أن العسكرية المصرية حين يتاح لها الإعداد والتخطيط تستطيع أن توقع فى إسرائيل الخسائر الموجعة، سنرى كيف استطاعت مصر أن تهاجم إسرائيل فى العمق حين هاجمت ميناء إيلات ثلاث مرات، فى كل مرة كانت الخسائر الإسرائيلية فادحة.

سنتحدث عن حرب الاستنزاف التي استمرت أكثر من 5، يوم ولم تتوقف إلا بطلب أمريكي إسرائيلي. كان كل يوم فى هذه الحرب يحوى بطولات وتضحيات من جنود وشعب مصر، ولكن كان هناك فى المقابل خسائر شديدة فى العدو الإسرائيلي. سنعرض كيف أجبرنا العدو الإسرائيلي على الدفاع فقط ضد هجماتنا. لقد هاجمنا العدو الإسرائيلي فى كل مواقعه فى العريش ومصفق ورمانة على ساحل سيناء فى البحر الأبيض وفى الطور ورأس سدر ورأس محمد على البحر الأحمر وعلى طول المواجهة فى قناة السويس. وكانت معظمها هجمات ناجحة ومؤثرة وقد تمت بجنود وضباط مصريون كانوا قبل عامين يقال أنهم فروا أمام جيش إسرائيل (الذي لا يقهر).

كما سنعرض فى الجزء الثاني أيضاً النصر العظيم الذي تحقق على يد جنود وضباط مصريون فى أكتوبر 1973 ، سنعرض كيف تم التدريب على عبور أصعب مانع مائي فى العالم. وكيف سقط خط الدفاع الإسرائيلي (خط بارليف)، والذي استغرق بناؤه خمس سنوات بأيد القوات المسلحة المصرية فى أقل من 24 ساعة.

سنرى كيف قاتل الجندي والضابط المصري بأسلحة تقل فى القدرة كثيراً عن أسلحة العدو الإسرائيلي ولكننا أثبتنا أن السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح. سنرى كيف استغاثت إسرائيل صاحبة الجيش الذي لا يقهر بالولايات المتحدة الأمريكية من اليوم التالي للقتال، وكيف كانت صورة جولدا مائير وموشى دايان مثال الصلف والغرور بعد أن عبرت قواتنا قناة السويس. وأن الدعم الأمريكي كان مستمراً طوال أيام الحرب، ورغم ذلك صمد الجندي والضابط المصري أمام أعتي وأحدث الأسلحة فى الترسانة الأمريكية.

سنرى ملحمة عظيمة ، عظيمة ، عظيمة. بدأت بضربة جوية فى السادس من أكتوبر ظهراً وانتهت بمعركة السويس فى 24أكتوبر والتي شارك فيها أبطال مصريون عسكريون ومدنيون.

وبالانتهاء من الجزء الثاني (جند من السماء) أكون قد ساهمت بقدر من الجهد فى إظهار حقيقة ما دار خلال الفترة من 1948 - 1973. وكيف كانت الهزيمة ؟ وكيف كان النصر ؟. وعلى أن نضع نصب أعيننا دائماً كيف ولماذا وصلنا إلى الهزيمة ؟؟ وكيف ولماذا وصلنا إلى النصر ؟؟

على أن لا يغيب عنا أبداً أن إسرائيل كانت دائماً هي العدو وستظل لسنوات طويلة قادمة هي أيضاً العدو.

 

 

 

 

بيــان المراجــع

 

1

الفريق أول محمد فوزي

حرب الثلاث سنوات

2

المشير محمد عبد الغني الجمسى

حرب أكتوبر 1973

3

أقوال الفريق محمد صدقي محمود

لجنة كتابة التاريخ

4

اللواء طه المجدوب

هزيمة يونيو - حقائق وأسرار

5

تقرير لجنة التحقيق العسكرية العليا

 

6

الفريق عبد المنعم واصل

الصراع العربي الإسرائيلي

7

الفريق عبد المحسن مرتجى

الفريق مرتجى يروى الحقائق

8

لواء طيار/ على لبيب

القوة الثالثة

9

أقوال الشهود فى القضية 938/68

جنايات عسكرية - القاهرة

10

محمد حسنين هيكل

الانفجـــار

11

محمد حسنين هيكل

ملفات السويس

12

محمد حسنين هيكل

العروش والجيوش ج1

13

مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

العسكرية الصهيونية

14

إسحاق رابين

من مفكرة إسحاق رابين - سجل خدمة

15

تريفور.ن.دوبوى

النصر المحير

16

جاكســـون

تاريخ القوات الجوية الإسرائيلية

17

راندولف تشرشل

حرب الأيام الستة

18

جاك كوبر

من حرب الأيام الستة إلى حرب الساعات الستة

19

موشى دايان

قصة حياتي

20

محمود عوض

وعليكم السلام

21

محمود عوض

ممنوع من التداول

22

أحمد بهاء الدين

إسرائيليــات

23

أحمد بهاء الدين

وتحطمت الأسطورة عند الظهر

24

روجيه جارودى

الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية

25

روجيه جارودى

ملف إسرائيل - دراسة للصهيونية السياسية

26

د. عبد الوهاب المسيرى

الصهيونية والعنف

27

محمد صبيح

أيـام وأيـام

28

انتوني بيرسون

مؤامرة الصمت

29

د. جمال حمدان

اليهـــود

 

 


([1]) حديث الفريق أنور القاضي - مجلة آخر ساعة - القاهرة 8 يونيو1988.

([2]) الفريق عبد المنعم واصل - الصراع العربي الإسرائيلي - ص129.

([3]) الفريق أول محمد فوزي - حرب الثلاث سنوات - ص144.

([4]) من مفكرة إسحاق رابين - سجل خدمة - ص154.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech