Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه وحش الجزيره - بقلم احمد زايد - الجزء الثاني

الفصل الثاني

الجندي

 

مر وقت طويل منذ أستشهاد محمد ، عادت فيها الحياه الطبيعيه لعائله خيري بشكل كامل ، وعاد صديقيه حسن ومصطفي الي الجبهه مرة اخري ، في تلك الاثناء أشتري خيري راديو ترانزستور صغير يعمل بالبطاريه ، واصبح هذا الراديو هو رفيق خيري في وحدته الاختياريه وعزلته اللانهائيه ، وعن طريق هذا الراديو بدأ خيري يلم بما يحدث علي الجبهه والقتال الدائر يوميا هناك واحس بالالم والغضب مما يسمعه من غطرسه العدو المنتصر، كما سمع عن إغراق قواتنا البحريه للمدمرة ايلات الاسرائيليه ، وعن دوريات العبور التي تعبر القناه ، لكن اكثر ما لفت نظر خيري هو التغير في الاغاني التي اصبحت تبث يوميا عن تلك التي كانت تبث قبل النكسه ، حتي صوت عبد الحليم قد نالت النكسه منه واصبح منكسرا ، وبدلا من الاغاني الحماسيه والالحان الرنانه التي صدح بها عبد الحليم نجد ان صوته اصبح منكسرا وهو يغني موال النهار وينعي حال البلد ويحث الرجال علي الصمود رغم كل شئ ورغم الهزيمه ، وكانت تلك الاغاني هي المؤشر الذي استخدمه خيري لمعرفه حال البلد ، فالهزيمه كانت كبيرة ومروعه علي كل ارجاء البلد ، والاحتلال الاسرائيلي فرض نفسه علي ثلاث بلاد عربيه ، وأستغل العدو ذلك في اهانه العرب وفي فرض واقع مر اليم يرفضه واستغل خيري ذلك الراديو الصغير في توسعه مداركه والالمام بواقع كان منعزل عنه في الماضي .

وخرج خيري في قافله تجارة مضطرا بعد ضغط اهله عليه ، وعاد كما سافر هائما حزينا مفكرا صامتا عابسا

وفي احد الايام وفي وسط رذاذ خفيف من امطار الشتاء خرج خيري من المسجد بعد صلاه الفجر وقادته قدميه الي مكانه المفضل، وبينما هو يجلس في غير مبالي بالامطار مفكرا وتائها ،أضائت عشرات بل ملايين المصابيح في عقله مرة واحده فقد استجاب الله اخيرا لدعواته ووجد الحل لعشرات علامات الاستفهام التي كانت بل حل ، ووجد ان طريقا قد رُسم ليحل له كل مشكلاته النفسيه مع نفسه ، فهو يريد اطفاء تلك النيران التي تأكل صدرة في كل لحظه ومع كل نفس يدخل صدرة تزيده نارا ، ويريد ان ينتقم لاستشهاد محمد ويريد ان يعيد النصاب لاوضاع حياته المقلوبه رأسا علي عقب .

وبدون اي مقدمات ظهر الحل ، فظهرت الابتسامه لاول مرة علي وجهه منذ ان علم بالخبر المشئوم ، ولاول مرة منذ ذلك اليوم يحس بأنفاسه تدخل وتخرج بسهوله ، فأنتفض في مكانه وأسرع تجاه منزله وهو يعدو عدوا .

وبعد ساعتين خرج مرة اخري من منزله مهرولا وأسرع تجاه محطه القطار ، كان يحس بتفكيرة نقيا واضحا ، وتبسم عندما وجد نفسه بدون وعي يركض تجاه محطه القطار ليتجه الي الزقازيق ، حيث دلف بعد ساعتين الي مبني متواضع موضوع عليه لافته (( مكتب تطوع القوات المسلحه )) وبعد ساعه تقريبا خرج مرة اخري من المبني وقد أحس بسعاده غامرة تجتاح كل جوانبه ، سعاده باطنها الحزن والاسي والحقد والكراهيه ، فقد كانت معادله سهله لكن صُعب عليه حلها لفترة طويله فهو يريد الثأر لمصر ولشرفها ولصديق عمرة محمد ، فأولا واخيرا محمد جزء من مصر والهدف واحد والغايه مبررة  والثأر لا يكون الا بالقتال ، قتال كل ما هو اسرائيلي ، فقد أصبح يكره الاسرائيلين كرها شديدا يفوق قدرته علي التحمل وعدم التجاوب مع احساسه جعله تائها شاردا ممزقا ، ومنذ ساعات حل الله له المعادله  فاذا اردت ان تثأر لمصر ولمحمد فعليك القتال ، ولكي تقاتل يجب ان تتطوع في القوات المسلحه لتكون ترسا في منظومه تروس تعمل بلا كلل لتحقيق نفس الاهداف مع اختلاف الاسباب ، فما الفرق بين من يريد القتال لتحرير الارض او للثأر فالهدف واحد والكراهيه واحده والحقد واحد ايضا .

 

عاد من الزقازيق لمنزله قرب اذان العصر ، وطوال الطريق للمنزل لاحظ كل من في القريه التغير الذي طرأ علي خيري ، حتي اهل منزله شاهدوا التغير ، وعندما اخبرهم بما قام به هذا الصباح ، فجعت الام وغضبت وثارت ، فهي ام قبل اي شئ اخر وتخاف علي ابنها وكثيرا ما حمدت الله علي انه وحيد وليس له تجنيد اجباري مما يبعده عن ويلات الحرب ، وها هو ابنها يلقي بنفسه في اتون الحرب في وقت يتهرب فيه الاخرين من التجنيد خوفا منها ، فهرعت تطلب العون من عمه الذي تناقش كثيرا مع خيري في هذا الامر محاولا تضييق الخناق عليه لكن خيري كان كالسد العالي صلب وقوي ،

 وبأءت كل محاولات عمه معه بالفشل الذريع لان خيري رد علي اخر محاولات عمه بهدوء شديد (( محمد مات وسايبني اخذ تارة ، مين غيري هياخذ تار مصر وتار محمد ؟؟؟))

فخرج العم خالي الوفاض بعد فشل كل محاولاته مع خيري الذي كان متحمسا بالطريق الذي رُسم له

 

وفي احد ايام الشتاء البارده وتحديدا في شهر يناير عام 1968 غادر خيري منزله متجهها لمعسكر التدريب بعد ان امضي اسبوعا في الكشوفات الطبيه والاجتماعيه حتي تم قبوله للتطوع بالقوات المسلحه .

غادر خيري منزله بعد ان ودع اهله وسط دموع ودعاء والدته وشقيقتيه ، وسار علي الطريق المؤدي لمحطه القطار لاخر مرة كمواطن مدني ، فحياته المدنيه تلفظ انفاسها الاخيرة بلا رجعه وهو الان علي مشارف مرحله جديده في حياته .

وقرب الساقيه القبليه وجد محبوبته وابنه عمه تنتظرة كما تعودت ان تودعه وتستقبله مع القافله ، ومن بعيد تلاقت العيون في شوق ودفئ كبير رغم بروده الطقس ، وتلاقت العيون في منتصف الطريق تبث أشواق وامنيات ودعوات ، لكن الجديد الذي ميزة خيري في نظرات محبوبته له هذه المرة هو تشجيعها علي ما يقوم به وطلبها الشديد له بأن يأخذ بثأر محمد وثأر مصر كلها ، لحظات توقف فيها الزمن تاركا النظرات تنتقل بين الاثنين وتشحن احاسيس خيري لاقصي مدي .

تدفقت الدماء في شرايين خيري بسرعه كبيرة وازداد حماسه حماسا بعد تشجيع محبوبته له ووداعها له كأجمل ما يتخيل، وهرول تجاه محطه القطار وهو سعيد بما نقلته له محبوبته من مشاعر واحاسيس .

 

وبعد ساعات كان خيري يودع رسميا الحياه المدنيه بكل ما فيها ليبدأ مشوارا صعبا شاقا مميتا بكل ما تحمله الكلمه من معاني ، وتخلي خيري عن اي شئ يربطه بالحياه المدنيه سواء الملابس او الشعر ، كل ما استطاع ان يحتفظ به من حياته السابقه هو الراديو الصغير وصورة له مع محمد .

وفور استلامه للمخله العسكريه وملابسه العسكريه الجديده بدأ خيري اول ايامه كجندي مجند، ملئ بالكراهيه للعدو

وبكل حماس وإقدام بدأ خيري تدريباته العسكريه والبدنيه بكل شوق ، كانت تدريبات هدفها الاساسي تحويل الفرد المدني الي شخص عسكري بكل ما تحمله الكلمه من معاني ، فالطاعه والانضباط العسكري هما الهدف الرئيسي من ايام التدريب الاولي ، تلاها تدريبات بدنيه شاقه جدا لاكساب الجندي لياقه بدنيه تجعله قادرا علي تخطي الصعاب التي قد يواجهها ، ثم تلي ذلك تدريبات بسيطه علي استخدام السلاح الشخصي .

وبعد شهر أتم خيري فترة التدريب المبدئي والتي كانت مكثفه وسريعه جدا ، فالقوات المسلحه في حاجه الي كل مقاتل يمكن ان يتوفر بسرعه لكي يتم دفعه للجبهه سريعا حتي تستطيع ان تنتهي من خط الدفاع الاول .

وكان تفوق خيري في كافه التدريبات ملفتا للنظر كذلك طاعته المثاليه ، لكن رغم كل المحاولات التي تم بذلها من جانب زملائه ، فقد رفض ان يصادق اي منهم وفضل ان يكون بمفرده طوال فترات الراحه مصطحبا فقط الراديو الصغير لكي ينقل له ما يحدث علي الجبهه اول بأول .

وفي نهايه فترة التدريب تم استدعاء خيري الي مكتب القائد ، حيث سأله القائد عن السلاح الذي يرغب الانضمام له بعد فترة التدريب المبدئي ، وحيث ان خيري كان الاول علي زملائه في التدريب وكما كان متبعا فله الحق في اختيار السلاح  ، وعلي الفور اجابه بلا تفكير ولا تردد بأنه يريد الانضمام لسلاح المدفعيه .

تعجب القائد من سرعه رد خيري ، وسأله في دهشه عن السبب ، ورد خيري بعبارات مختصرة وقاطعه

(( عشان اخذ بتار مصر من الطيران الاسرائيلي اللي موت عساكرنا في سينا يا فندم  ))

نظر القائد الي ملف خيري الذي بين يديه وهو يحاول اخفاء اظهار اعجابه بأجابه خيري ، وكان بالملف كل المعلومات التي جمعتها المخابرات الحربيه عن خيري في فترة ما قبل قبول تطوعه بالقوات المسلحه ، وكان بالتقرير وصف لمدي الترابط بينه وبين ابن عمه الشهيد محمد والذي كان في سلاح المدفعيه المضاده للطائرات والتي كانت تعتبر حتي الان فرعا من فروع المدفعيه قبل فصل الدفاع الجوي في سلاح مستقل لاحقا في نفس العام

وكان القائد فطنا وذو بعد نظر كبير ، ووجد ان اجابه طلب خيري لالحاقه علي سلاح المدفعيه سيكون عاملا ايجابيا لخيري وللقوات المسلحه حيث سيزيد عطاء الجندي وابداعه وتفوقه طالما انه يعمل في مجال يختارة بنفسه ، وكذلك ان الغضب المكتوم والاحتقان الكامن داخله سيجعل معدلات ادائه عاليه جدا مقارنه بمن تم فرض السلاح عليه فرضا بدون اختيار،

فوافق القائد علي الفور ، وأمر بالحاق خيري علي سلاح المدفعيه وكتب توصيه بأن يتم الحاقه علي فرع المدفعيه المضاده للطائرات .

وسعد خيري كثيرا بهذا القرار والذي اعتبرة خطوه اخري تقربه من هدفه ، واحس بأن الله يمهد له الطريق لكي يقوم بما كان يجب ان يقوم به من فترة كبيرة .

وسعد اكثر عندما علم بأن له يومين اجازة يقضيهم في قريته قبل ان ينتظم في معسكر المدفعيه لبدء تدريب تخصصي علي سلاحه الجديد.

عاد خيري الي قريته قرب صلاه العصر ، وفي الطريق الي منزله لمح عمه وسط ابنائه وعدد من الفلاحين يعملون بالحقل ، فدخل اليه وسط الزراعات ، وعينيه تشق الفضاء باحثه عن محبوبته ، هرع الي عمه وابنائه التوأم و الفلاحين فور ان شاهدوه ، وارتمي خيري في احضان عمه بعد شهر من الغياب ، وفي تلك اللحظه عاد اليه بصرة سريعا يحمل مشهد محبوبته وهي تهرع تجاهه من بعيد  وعلي وجهها ابتسامه شوق وسعاده غامرة .

تحدث اليه عمه وابنائه والفلاحين مرحبين به لكنه لم يسمعهم ، فمن المؤكد ان اذنه سمعت الكلام لكن العقل كان متركزا ومشغولا في مشاهد محبوبته والتي ينقلها له عينيه من بعيد ، فلم يهتم العقل بما تنقله الاذن  وتابعت الاعين محبوبته التي ابطئت من سرعتها وظهر الخجل علي وجهها وهي تمد يدها بالسلام علي خيري ، مجرد اجراء شكلي قامت به محبوبته فالسلام والترحيب تم من فترة عندما تلاقت الاعين وعندما تشابكت النظرات .

افاق خيري من حلمه الجميل واصطدم بأرض الواقع عندما تنبه الي ما يقوله عمه من عبارات الترحيب ومن تعلق ابناء عمه بثيابه العسكريه فأضطر مجبرا الي تحويل نظرة عن محبوبته ، ووسط سعاده عمه والفلاحين بعودته أنسل خيري منهم بصعوبه بالغه متجهها نحو منزله وهو في شوق لان يعود لمحبوبته

أستقبلته والدته وشقيقتيه استقبال الفاتحين المنتصرين واعدت له وليمه فرحا وترحيبا بعودته وحزنت عندما علمت بأن لن يلبث معهم سوي ليله واحده فقط ، لكنها استغلت تلك الفترة القصيرة احسن استغلال في بث اشواقها وحنانها وحبها لابنها الوحيد ، ورغم اعتراضها في البدايه علي أنضمامه للقوات المسلحه ، الا انها تباهت به امام اهالي القريه وهو يغادر منزله في اليوم التالي متجهها لمحطه القطار.

كان تخطيطيه محكما في اختلاس عده نظرات وربما حديث ودي مع محبوبته ، وبدأ عقله يعمل بأسلوب عسكري بحت مما تعلمه في فترة التدريب المبدئي ، فقام بالتمويه علي اهله بالمغادرة مبكرا بحجه ان يحتاج لشراء عده حاجيات قبل السفر ، قام بالتسلل تجاه الساقيه القبليه ، لكن قام عمه بأفساد تخطيطه عندما وجده امامه يركب عربته التي يجرها حصان ، ودعاه لتوصيله الي محطه القطار ، فبهت خيري من تلك المفاجأه التي قلبت موازين خطته وإسقط في يده .

وركب بجوار عمه صاغرا وكم تحسر وهو يري محبوبته بجوار الساقيه كما توقع ، لكنها ودعته بنفس النظرات المشجعه له .

التحق خيري بمعسكر تدريب المدفعيه المضاده للطائرات فورا بعد يومين فقط من عودته من الاجازة ، وهناك كان الحال مختلفا تماما عن معسكر التدريب المبدئي ، ففي معسكر تدريب المدفعيه كانت المشقه بعينها ، فالحياه داخل المعسكر عباره عن تدريبات بدنيه وتدريبات عسكريه طوال اليوم ، وفي الليل تدريبات نظريه ومحاضرات توعيه .

انبهر خيري بساحه التدريبات حيث تراصت المدافع المضاده للطائرات وحولها الرجال يتدربون بسرعه فائقه ، فالوقت عامل  حاسم في المعركه

وكان اول ما عرفه في هذا المعسكر هو شئ مهم جدا ، هو ان امامه ستون يوما فقط لكي يخرج الي الجبهه ، ستون يوما يجب ان يعرف فيها كل ما يحتاجه ان يعرف عن سلاحه الجديد وكيفيه صيانته وتكتيكات استخدامه فكان يجب ان يدرس ويتدرب ويجيد ويتفوق ويستوعب جيدا كل ذلك .

منذ ان خطا اول خطوه داخل هذا المعسكر وجد ان السباق قد بدأ منذ فترة بين قواتنا المسلحه وبين العدو ويجب ان نسبق العدو باي حال من الاحوال والا فأن مصير الامه كله سيكون في خطر ، فقواتنا المسلحه تبني نفسها من الصفر والعدو يحاول بشتي الطرق ان يعيدنا الي نقطه الصفر مرة اخري ، وكان يستخدم سلاحه الجوي والذي يعتبرة ذراعه الطويله في تدمير اي تجهيزات تقوم بها قواتنا المسلحه للوقوف علي قدميها مرة اخري، وكان لابد من وجود دفاع جوي فعال ضد الطيران الاسرائيلي لكي يحمي قواتنا البريه ،

لذلك كان معسكر تدريب المدفعيه المضاده للطائرات كخليه نحل بكل ما تحمله الكلمه من معاني فلا هدوء ولا راحه ويجب ان يتم تكثيف التدريبات لاختصار ما يمكن اختصار لتخريج دفعات مؤهله للعمل علي الجبهه فورا

 

ومن خلال المحاضرات النظريه اليوميه ومن خلال دروس التوعيه تعلم خيري درسا مهما جدا في حياته ، فمن خلال الدرسات عرف ان مصر لم تهزم ولن تهزم مهما كانت الصعاب ،فقد هُزمنا في معركه وهو شئ وارد جدا لاي جيش، لكن الفرد المصري لم يهزم ولن يستطيع احد هزيمته مهما كان، فالعزيمه موجوده والانتقام ورد الشرف هو القاسم المشترك الوحيد بينهم  وعرف ان الهزيمه تحدث عندما يفقد الفرد ايمانه بالله وبقضيته وبالنصر ، وطالما ان الجندي المصري لم يفقد ايمانه بالله بل ازدار تمسكا بذلك فأن الهزيمه كانت ابعد ما يكون عن مصر وكانت تلك حقيقه علمها خيري قبل ان يعلمها الشعب الذي نخرت الهزيمه عظامه ،فالشعب لم يدرك بعد ان الجيش صامد ويقاتل بكل عزيمه لكي يصمد هو الاخر .

 

وفي محاضرات التوعيه طار خيري مع طيارونا الذين دكوا دفعات العدو شرق القناه في 14 و 15 يوليو 1967 وأبحر مع لنشات الصواريخ في ضربها للمدمرة ايلات فخر البحريه الاسرائيليه في 21 اكتوبر 1967 ودق قلبه مع ضربات المدفعيه علي تحصينات العدو طوال الفترة الماضيه ، عبر مع دوريات العبور المقاتله التي عبرت إما لجمع شتات القوات المشتته في سيناء او لضرب مخازن الذخيرة المكدسه في العراء .

احس فعلا بانه ترس صغير جدا في منظومه هائله تحاول ان تقف علي قدميها وان عليه ان يضاعف مجهوده عشرات المرات لكي يساعد تلك المنظومه في النهوض ، انها مصر تناديكم ان ترفعوا العار عنها فهل انتم لها ؟؟ جمله قالها احد المحاضرين فسرت علي الفور قشعريرة في بدن خيري وصاحت جوارحه بكل عزم وكبرياء نعم نحن لها

 

لم يمض وقت طويل حتي لمع نجم خيري في ارجاء المعسكر ، فبخلاف الطاعه العمياء والانضباط الشديد ودقته في تنفيذ الاوامر ، كانت حماسته واصرارة وتفوقه في التدريب الفني ملفته لانظار جميع الضباط

حتي ان احد ضباط الصف المسئولين عن سريته كتب في تقرير سري يرفع للقائد

(( خيري لا يتدرب انما يقاتل ، وان عزيمته في التدريب وراءها هدف خفي لا اعرفه ، فهو نموذج للريفي البدوي الاصيل الذي يرد في ادب ويؤدي اي عمل يطلب منه في إتقان وسرعه ))

 

واستمر خيري في معسكر التدريب يتدرب ثماني عشر ساعه يوميا ، وبعد انتهاء التدريب كان يجلس فوق سريرة محتضنا الراديو الصغير وينظر الي صورة محمد من ان لاخر ثم يهيم من خلال نافذه العنبر الي السماء صامتا شاردا مفكرا حتي ينام .

ورغم تكرار محاولات عدد من الزملاء في مصداقته الا انه قد اخذ عهدا علي نفسه الا يصادق احدا بعد محمد وكان في ذلك العهد راحه كبيرة لنفسه .

مع مرور ايام التدريبات الشاق والمجهده برز تفوق خيري ولمع اسمه واقترن بمهام الفرد رقم 2 علي المدفع المتوسط من عيار 85 مليمتر المضاد للطائرات وهي مهام فرد التنشين والضرب علي المدفع ، وتوالت التدريبات وخيري يتقدم ويجيد

وكانت التدريبات تشمل اطلاق انذار مفاجئ وعلي جميع الافراد التوجه الي امكانهم علي المدافع اينما كانوا ، وكان الجميع يتسابق للوصول الي مدفعه واعطاء تمام الاستعداد في اسرع وقت ممكن .

 

وبعد فترة من التدريب الشاق ، خرجت سريه خيري الي ميدان ضرب النار لعمل بيان عملي لضرب ذخيرة حيه علي اهداف جويه هيكليه ، وكان ذلك معتاد قرب نهايه فترة التدريب للوقوف علي مستوي الجنود .

وعلي غير المعتاد حضر التدريب رئيس اركان القوات المسلحه الفريق عبد المنعم رياض ويرافقه قائد قوات المدفعيه وجمع من قاده القوات المسلحه وهو يعكس مدي اهتمام القياده العليا بمستوي الجنود الجدد في القوات المسلحه

وأتمت سريه خيري انتشارها في ميدان ضرب النار ، وأطمأن خيري علي تجهيز مدفعه ووجود ذخيرة كافيه ، ووضع قائد السريه مدفع خيري في منتصف تشكيل البطاريه لكي يستطيع ان ينسق العمل بين المدافع الاخري .

وبعد دقائق ظهر الهدف الاول وهو عبارة عن طائرة نقل عسكري تجر خلفها بمسافه طائرة هيكليه يتم الضرب عليها

سار الهدف امام خيري لكنه كان بعيدا عن مدي مدفعه فلم يضرب عليه ، وبعد دقائق عاد الهدف لكنه عاد من اتجاه يجعل الشمس في ظهر الهدف وفي اعين اطقم المدفعيه وهو اسلوب قتال جوي استحدثه البريطانيين في معركه الدفاع عن بريطانيا عام 1942 وهو يعمد الي ان الشمس تقوم بحجب الهدف عن المدفعيه الارضيه في حين تكون الاهداف الارضيه واضحه تماما .

اصابت الشمس عيني خيري وهو يحاول تحديد مدي الهدف لكنه وبصعوبه كبيرة استطاع ان يبدأ الضرب علي الهدف بدفعات مركزة وقصيرة من مدفعه ولحقه بقيه المدافع في الضرب ايضا ، لكن خيري كان له السبق في تدمير الهدف بدفعه مركزة ، واثناء الاشتباك ظهر هدف اخر في اتجاه اخر قريب جدا من احد المدافع الاخري والذي دمرة ايضا

وتواصل الاشتباك مع الاهداف التي تظهر علي فترات طوال فترة التدريب الحي

وفي نهايه التدريب كان خيري قد استطاع تدمير ثلاث اهداف من اجمالي خمس اهداف تم تدميرها ، وكانت نتيجه جيده جدا لذلك طلب رئيس الاركان مقابله اطقم المدافع واثني علي عملهم وأمر بصرف خمسين جنيها لكل جندي منهم تقديرا لجهودها ، ودار حوار بين الرجل وجنوده وعما يحتاجونه فأندفع خيري طالبا سرعه توجههم الي الجبهه فتبسم رئيس الاركان واخبرة بأن الموعد قد قرب جدا وان المهم في هذه المرحله هو التدريب الشاق لان هذا التدريب يوفر الدم خلال المعركه .

وبعد مغادرة رئيس الاركان ومرافقيه لارض التدريب ، انزوي خيري بقائد سريته وطلب منه تحويل مبلغ المكافأه الي اهله أسوة بمرتبه كما تعود ، فربت قائد السريه علي كتف خيري واخبرة بأن ذلك لن يكون عسيرا .

 

مرت ايام التدريب مشحونه بالتدريب والعمل الجاد لكن بالنسبه لخيري فقد كانت بطيئه وممله ، فهو في شوق للجبهه بمثل شوقه للنظر الي محبوبته ، فقد كان يحصي الساعات والدقائق التي تقربه من الخروج لمقابله العدو وجها لوجه لكي يبدأ في اخراج البركان الكامن داخله .

وازداد غضب خيري عندما علم من الراديو بأن الجبهه مشتعله ، فالاشتباكات صارت اكثر شراسه وحده ، والطيران الاسرائيلي يضرب قواتنا بطول الجبهه ، وجعلت تلك الاخبار خيري غير متمالك نفسه وظهر ذلك جليا عندما استدعاه قائده عصر احد الايام في شهر مارس عام 1968 عندما قاربت فترة التدريب علي الانتهاء

دخل خيري بكل انضباط الي مكتب قائده وادي التحيه العسكريه لقائده والذي بادله اياها ، تحدث القائد بأن الدفاع الجوي اصبح قوة مستقله عن الاسلحه الاخري ثم اردف القائد بأن خيري مرشح لدوره تدريب علي الصواريخ ارض-جو التي بدأت تصل مصر بكثافه لتعمل جنبا الي جنب مع المدفعيه المضاده للطائرات وان هذه الدوره لا يحصل عليها الا افراد أكفاء ومؤهلين جيدا ، وان خيري مرشح  لهذه الدورة والتي تستمر حوالي ثلاث اشهر .

ففزع خيري وصاح في سرعه (( لا – انا مش عاوز دورات ))

فوجئ القائد برد فعل خيري الغير هادئ والغير متوافق مع شخصيته الهادئه والمعروفه علي مستوي المعسكر ، فظهرت علامات التعجب والحيرة علي وجهه القائد ، الا ان خيري تمالك نفسه سريعا واستكمل

(( انا اسف يا فندم ، بس انا كنت بأعد الايام اللي اخلص فيها التدريب عشان اروح الجبهه ، ومش هقدر استحمل دورة لمده تلات اشهر تانيه ، انا نفسي اروح الجبهه النهارده قبل بكرة ، ارجو سامحني يا فندم ))

تبسم القائد أبتسامه لم يفهم خيري معناها وقتها ورد القائد بعدها (( طيب ، أظن انك كمان مش هترفض اجازة 72 ساعه ولا هتوافق ؟))

فرد خيري بالموافقه ، وكان ذلك ايذانا بانتهاء خيري من مرحله التدريب التخصصي في معسكر تدريب المدفعيه المضاده للطائرات .

هم خيري بأن ينصرف الا انه توقف وعادت ملامحه للجديه الشديده وسأل قائده (( ممكن اطلب منك خدمه يا فندم ؟؟))

ظن القائد ان خيري سيطلب منه اي طلب من الطلبات التي يطلبها الجنود من قادتهم مثل مد فترة الاجازة.

فأوما الرجل برأسه موافقا ، وساله خيري (( ممكن اتنقل لاكتر موقع متقدم علي الجبهه ))

حدق القائد في وجه خيري الخالي من التعبيرات ، وفكر في معدن هذا الرجل الواقف امامه والذي يطلب ان يُزج به الي النار بملئ ارادته ، لكنه تذكر ما قرأه في ملف خيري وعن ملاحظات قادته عنه وعن تقارير المتابعه الوارده اليه ، ففكر قليلا ثم اجابه بأنه سيقوم بما يمكن وان خيري فور عودته سيعرف وحدته الجديده .

انصرف خيري من مكتب القائد ومشاعرة متباينه جدا ، فتارة هو في شوق الي الجبهه وفي شوق الي القتال وتارة اخري هو في شوق الي عيون محبوبته والي العوده الي المنزل .

 

واستمر تفكيرة حتي وهو في القطار متجهه نحو قريته ، ولفت نظرة مناظر الزراعات علي جانبي القطار والحياه الريفيه التي تعج بها الحياه في الدلتا ، وسرح مع مشهد مر من امامه سريعا مشهد فلاح  يزرع ارضه وبجوارة صبيه صغيرة ترعي الغنم ، فبينما لم يسمع او يري او يفكر طوال الثلاث وسبعين يوما الماضيه في شئ غير الحرب والقتل والدمار ومدفعه ، فأن الحياه مازالت تنبض في هذا البلد الصامد ، فالحياه يجب ان تستمر ولا بد ان تستمر ، فكيف يتوقف الفلاح عن الزراعه وكيف يتوقف العامل في مصنعه

فأذا توقف كل هؤلاء لتوقفت الحياه ولوجد الجيش نفسه جائعا عاريا اما عدو لا يتواني عن اي عمل مهما كان دنيئا او حتي غير انسانيا لكي يحقق اهدافه .

احس بتفكيرة قد تغير ، فهو يلاحظ الان اشياء لم يكن يلاحظها من قبل ، اشياء كانت غائبه عن تفكيرة مثل الحياه وما فيها من امور مسلم بها لا يفكر فيها لا من يفتقدها .

لمست قدماه ارض رصيف القطار وقد اصبح انسانا اخرا بكل ما تحمله الكلمه من معاني ، فقد غادر نفس المكان منذ ثلاث وسبعين يوما شخصا مدنيا تائها باحثا عن هدف ، وهو الان يعود لنفس المكان اكثر ثباتا وتركيزا ، اكثر معرفه بهدفه واكثر ثقه في نفسه وفي امكانياته لتحقيق هذا الهدف .

اول ما احس به خيري هو الغربه في قريته ، فهذه الطرقات والمزارع سار بها اكثر من الاف المرات خلال عمرة وهو الان يحث بالغربه فيها ، الهذه الدرجه تعود علي الحياه العسكريه في تلك الفترة القصيرة لدرجه انه أستغرب الحياه المدنيه التي شب عليها ؟.

سار خطوات قصيرة ليقابل عمه مصادفه في الطريق ، سعد عمه جدا بلقاء خيري المفاجئ ودعاه الي منزله للعشاء لانه يريده في أمر هام جدا ، لم يهتم خيري كثيرا بالموضوع الهام بقدر اهتمامه بأنه سيري محبوبته في المساء ، واستقبلته والدته وشقيقاته استقبالا كبيرا كما اسقبلته في المرة الماضيه واعدت له وليمه كبيرة أحس بعدها خيري بالامتلاء التام وهو احساس غاب عنه كثيرا في الجيش ، ثم امضي بقيه النهار بصحبه شقيقتيه يحكي لهما احواله في معسكر التدريب،

وفي المساء صلي العشاء في جامع القريه وتحدث قليلا مع الشيخ عبد الله وبعض الرجال ، ثم استأذنهم متجها لمنزل عمه

 

أدخله رجب الي غرفه الضيوف  كما اعتاد ، و فوجئ خيري بصورة محمد معلقه علي الحائط و متشحه بقطعه سوداء من القماش ، هام للحظات بمفرده في صورة محمد ، وتحدث معها (( خلاص يا محمد ، هانت ، كلها كام يوم بأذن الله وابدأ اخذ بتارك من ولاد الكلب اليهود اللي موتوك وموتوا زملائك في الصحراء ، صدقني يا محمد طيارات اليهود كلها مش هتشفي غليلي بس كده احسن ما اقعد حاطط ايدي علي خدي واندب حظي ))   قطع دخول العم حديث خيري الصامت مع صورة محمد، بدأ العم في الترحيب بخيري وسؤاله عن احواله ، واستمر الحوار لمده دقائق وخيري منتظر دخول العم في لب الحديث ، وسرعان ما تطرق العم الي المهم قائلا (( مش ان الاوان يا خيري عشان ننفذ وصيه محمد ؟))

بهت خيري من المفاجأه وتساءل عما يتحدث عمه ، فلاول مرة يعرف خيري ان محمد ترك وصيه وظهرت الحيرة علي وجهه

 فأستطرد العم (( من كام يوم وصل جواب كان محمد باعته لنا قبل النكسه ، والجواب وصل لنا بعد الفترة دي كلها ، وفي الجواب محمد كاتب الموضوع اللي قلته له عند محطه القطر قبل سفرة ، وانه بيبارك وموافق علي جوازك من بنت عمك ، وطبعا انا مش هلاقي احسن منك لبنتي ))

شلت المفاجأه لسان خيري ، فنظر الي صورة محمد المعلقه علي الحائط وطفت دموع قليله علي عينيه فأستكمل عمه

(( الجواب ده بالنسبه لي ولك زي الوصيه تمام وانا لازم انفذها بالحرف))

أستمر خيري صامتا مركزا نظرة في صورة محمد ولم يستطع ان يتفوة بكلمه فتسأل العم عن سبب صمت خيري والذي اجاب بصعوبه وبدون تركيز فيما يقوله

(( والله يا عمي ...... الموضوع ده .........  انا مش عارف اقول ايه ؟...... وصيه محمد بالنسبه لي .......))

 فأدرك العم مدي ارتباك خيري فأنهي الموضوع وهو يمد يده لخيري (( نقرأ الفاتحه ))

مد خيري يده بعفويه سريعه وقرأ الفاتحه مرتين  فهو يكاد يطير فرحا مما يحدث له هذه الايام لكنه أوقف فرحته سريعا فلا يجب ان ينسي تلك النار التي تأكل صدرة بأستمرار ولا يجب للفرحه ان تحل محل تلك النار فلا يجب ان ينسي ثأر مصر وثأر محمد ، لذلك قرأ الفاتحه في المرة الثانيه ترحما علي روح محمد والذي كان بجانبه حيا وشهيدا

 

عم السرور ارجاء المنزل بعد ان اعلن العم انه قد قرأ الفاتحه مع خيري  وإن كانت فرحه مبتورة ، فخيري اعلن انه لا يمكن له اتمام الزواج قبل الحصول علي موافقه القوات المسلحه وهو اجراء متبع ومعروف ، مما جعل فرحه محبوبته مبتورة وإن كانت عينيها تنطق بكل الوان الفرح الموجوده في الدنيا .

ومرت اجازة خيري سريعا بأسرع مما يتخيل ، فعاده اوقات الفرح تمر بسرعه واوقات الحزن تمر كئيبه بطيئه جدا

وبعد ساعات وجد خيري نفسه في عربه خاله التي يجرها الحصان تشق الطريق تجاه محطه القطار ، هذه المرة كانت محبوبته بجوارة في نفس العربه لا يفصل بينها غير اخواتها التوأم والذين كانوا مثل حائط منيع بين الاثنين ، لكن خيري لم يعدم حيله ، فأستمرت النظرات كما كانت في السنوات الماضيه ، وإن كانت نظرات صريحه مستقيمه لا تخشي ان يلاحظها احد .

ودع خيري محبوبته علي باب القطار ، وبدأ القطار يتحرك ببطء وعيناهما متشابكه تأبي ان تنفصل عن بعضهما البعض ، ومع تزايد سرعه القطار بدأ التباعد يزداد شيئا فشيئا حتي تلاشت محبوبته ومحطه القطار من امامه تماما .

جلس علي مقعد خالي في القطار وهام في حاله الحب والعشق التي يعيشها حاليا مع محبوبته ، وفكر انه متجهه للجبهه وأستشهاده وارد جدا فما سيكون حال اهله ومحبوبته بعد وفاته ، لكن فجأه دق جرس الانذار في عقله ، وجاءت صيحات التحذير مدويه ، فما حدث في تلك الاجازه لا يجب ان يثنيه عما هيأ نفسه له ويجب الا ينسي هدفه الاساسي والوحيد في هذه الدنيا الا وهو الثأر ، فكيف يعيش سعيدا وهو لم يأخذ بالثأر بعد ، وكيف يواجه نفسه والبركان يغلي داخله ولم يخرج بعد ، وهام في هذا التفكير قليلا حتي توصل الي انه يجب ان يفصل تماما بما يحس به ويحدث له في قريته وخاصه مشاعرة تجاه محبوبته وبين ما وضعه لنفسه من اهداف ، حتي لا يتعارض تنفيذ اهدافه مع مشاعرة الشخصيه والتي لا بد وان تكون في ذيل اولوياته في الوقت الراهن .

 

وعاد بتفكيرة الي اخر لقاء له مع قائده ، وتذكر وعد قائده له بأنه سيرسله لاقرب موقع علي الجبهه وفكر قليلا في اي موقع سيرسله له قائده ، وعاهد نفسه مره اخري انه يجب ان يكون متفوقا علي نفسه والا يترك طائرة اسرائيليه تنعم بالهدوء في سماء موقعه ايا كان .

 

وصل خيري لمعسكر تدريب المدفعيه فوجد حشدا من الجنود يستعدون لركوب سيارات النقل ، كان حشدا كبيرا تسوده حاله من عدم الانضباط والهرج ، ولمح قائد سريته فأسرع الي ركضا متسائلا عما يحدث ، وفور ان رأه قائد السريه حتي نظر في ورقه يحملها قائلا (( خيري ...... وحدتك في الجزيرة الخضراء ، شد حيلك يا وحش ، اركب اللوري رقم 9 ))

ادي خيري التحيه العسكريه وصافح قائده واتجه ناحيه سيارات النقل باحثا عن السيارة رقم 9 ثم ركب الصندوق بجوار عدد اخر من الجنود من ابناء دفعته المتجهين الي الجبهه .

وتابع ببصرة عدد السيارات المنطلقه الي الجبهه تحمل جنود مدفعيه مضاده للطائرات ، عشرات الجنود في طريقه الي مواقعهم الجديده لكي يساهموا مع خيري ورفاقهم القدامي في الجبهه في تحويل سماء الجبهه الي جحيم ونار تلهب وتحرق المقاتلات الاسرائيليه ، فتمني في نفسه السلامه لكل واحد منهم .

وفور تحرك السيارة شرد خيري فيما قاله له قائده (( الجزيرة الخضراء )) فما هي ؟؟ واين تكون ؟؟ اهي قريبه ام بعيده من الجبهه ؟؟ هل قائده يكافأه ؟؟ ام يعاقبه ؟؟ فلو كانت بعيده عن الجبهه فهو عقاب له وربما يظن القائد انه يخدمه بهذه الطريقه .

فيضان عارم من الافكار والامال والامنيات طاف بعقل خيري طوال الطريق والذي كان مزدحما بسيارات عسكريه تتجهه من والي جبهه القناه حيث القتال الحقيقي .

في بدايه الطريق كان الهرج هو سمه صندوق السيارة ، فالجنود يتكلمون في مواضيع مختلفه وبصوت عال ينافس صوت الرياح التي تلفح وجوههم في الطريق وصوت محرك السيارة، وكعادته كان خيري صامتا هائما  وغير قادرا علي سماع صوت الراديو ، وفي لحظه صمت الجميع ليستمعوا الي ما يبثه راديو خيري .

فقد كان بيانا عسكريا عن غارة اسرائيليه جويه علي قواتنا في القطاع الجنوبي للجبهه خلفت اصابات بين المدنيين ، وهو بيان عسكري معتاد في مثل هذه الايام .

وكتم خيري غيظه وغلي الدم مرة اخري في عروقه ، فمن سيوقف الطيران الاسرائيلي عن استباحه سماءنا ، ما ذنب المدنيين في ان يقتلوا في الحرب ، فما نوع هذا العدو الذي سيواجهه ، اهم من بني ادم ام من ابناء جنس اخر لا يرحم

ولا يراعي مواثيق او اعراف .

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech