Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه وحش الجزيره - بقلم احمد زايد - الجزء الخامس

الفصــــل الخـــــــــامــــــــــس

الدمنــــــــــــــــهوري

 

عاد خيري لموقعه ليلا وبعد ان غادر لنش الريس غريب شاطئ الجزيرة حاملا معه عدد من الجنود المتجهين الي منازلهم في اجازات ، وجد خيري ان الجنود مازالوا في حاله الراحه التي تركهم عليها قبل اجازته، فرغم ان سطح الجزيرة ليلا يكون عاده صامتا خاليا من الحركه ، الا انه في اوقات الهدوء وخاصه مع اعتدال المناخ يكون ساهرا عامرا بدوائر من الجنود الساهرة في حديث مستمر حول اكواب الشاي الثقيل ودخان السجائر، رحب الجنود بعوده خيري وزادت سعادتهم بكميات الفطير والجبن الطازج التي اصطحبها خيري معه لهم ، وعلي الفور تم عمل مائده سريعه لطاقم المدفع في الملجأ لتناول اصناف الطعام المتعدده ، وقبل انتصاف الليل كان الطعام قد اختفي من علي سطح المائده تماما .

ووسط الحوار المرح تسأل خيري عن احوال الموقع في الايام الماضيه ، فأفاض بولس وعبد الحميد في الشرح المفصل لاي حدث قد يكون هاما لخيري ، وانحصرت تلك الاحداث في متابعه عمليه قصف جوي معادي للسويس ، ورد المدفعيه المصريه بقصف مكثف لمنطقه بورتوفيق والتي تقع شمال الجزيرة تماما .

 

وفي الصباح التالي اعتلي خيري مدفعه مرة اخري بكل همه ونشاط كعادته دائما ، وتطلع ببصرة في السماء باحثا متطلعا ومتمنيا رصد اي اهداف جويه ، لكن بصرة عاد اليه بخيبه امل كبيرة ، وقرب منتصف النهار سمع صوتا مميزا ، انه صوت محرك الريس غريب ، فما الذي يجعله ياتي للجزيرة صباحا ؟ واين ذهبت تحذيرات الريس غريب وحرصه الشديد علي الحضور ليلا ؟

رسي اللنش ونزل منه عده جنود يحمل عدد منهم الكثيرمن العلب صغيرة  .

فور نزول الجنود اجتاح الموقع  حاله من السعاده فجأه ، وتساءل خيري وجاءة الرد من وحيد بأن الدمنهوري قد حضر

وتسأل خيري في دهشه عمن يكون هذا الدمنهوري ، فرد عبد الحميد شارحا بينما خيري يتابع بعينيه قائده وهو يسرع ويستقبل احد الجنود الذين نزلوا من اللنش في سعاده .

قال عبد الحميد (( الدمنهوري ظهر من فترة قبل ما انت تيجي هنا ، وكان بيجي لنا كل اسبوع تقريبا ومعاه هدايا كتير وبتكون قعدته معانا حلوة ومرحه جدا ))

والتقط بولس طرف الحديث (( احنا مش عارفين هو رتبته ايه ، عمره ما جالنا وهو حاطط رتب ، بس من الواضح انه رتبه كبيرة لان القائد بيقابله بأحترام جامد ، وشكله كده انه من قياده الجيش الثالث))

فسر حديث الرفاق ما يراه خيري بعينيه من حديث ودي باسم بين الرائد منعم والنقيب مصطفي وبين ذلك الدمنهوري ، ذلك الرجل نحيف الجسد ممشوق القوام أسمر اللون خفيف الشعر .

وبعد لحظات اختفي الثلاث داخل مقر القياده وعاد الهدوء الي سطح الجزيرة مرة اخري ، وبعد فترة دعا الرائد منعم عددا من الجنود لتناول الغذاء في الميس بصحبه الدمنهوري ، وكان خيري واحدا ممن وقع عليهم الاختيار .

دلف خيري الي الميس وجلس في مكانه المفضل وبعد لحظات دخل الدمنهوري ضاحكا وبعده الرائد منعم والنقيب مصطفي

وجلس الجميع ، وبدأ وضع اصناف الطعام والتي تميزت بوفرة اللحوم والدجاج علي غير العاده .

واطلق الدمنهوري عده نكات متتاليه ضجت لها القاعه ضحكا وتبسم خيري مجامله وان كانت عينيه تتابعان الدمنهوري في تركيز وتتسائل عمن يكون هذا الرجل الغامض .

وبدون اي مقدمات يتجه الدمنهوري الي خيري بحديثه وكأنه يعرفه منذ سنوات (( مالك يا خيري مش بتضحك ليه ؟؟))

نظر خيري الي عيني الدمنهوري والتي بدت لاول وهله انها اعين ميته بلا شعور ، وفكر خيري في الرد قليلا ، وتسائل كيف عرف الدمنهوري بأسمه وهو لم يقابله من قبل ، الا ان الدمنهوري لم يمهله اي فرصه وباغته ضاحكا وهو يمسك فرخه بيده (( اللي ياكل الفرخه دي الاول يترقي عريف ؟ ))

كان اقتراحا شهيا ضجت له القاعه ضحكا وشاركهم الرائد منعم في الضحك ،

 

 الا ان خيري رد علي الاقتراح بأقتراح اخر (( لا يا فندم ، أراهنك علي فك وتركيب المدفع 14ونص )) وعم الصمت ارجاء القاعه من رد خيري الحاد وتلاقت عيني خيري مع الدمنهوري في تحد ، وعلا صوت الرياح عبر فتحات التهويه وسط الصمت والترقب من الجميع ، وبدلا من أستمرار نبرة الضحك في حوارة ،

قال الدمنهوري في تحد اخر لخيري مستفزا (( بس ده مش مدفعك يا دفعه ، انت عاوز تطير الترقيه من أيدك ولا ايه ؟؟))

تبسم خيري في ثقه قائلا (( يبقي ساعتها ربنا مش كاتبلي نصيب في الترقيه ))

فتبسم الدمنهوري ووافق علي اقامه المسابقه بعد الغذاء ، واختار الحكمدار عبد الفتاح كمنافس لخيري ،وكان ذلك تحديا اخر فعبد الفتاح حكمدار مدفع ثقيل 14.5 بوصه وهو متخصص فيه ، مما جعل التحدي صعب جدا  

وبعد انتهاء الغذاء ، انطلق الخبر في ارجاء الموقع وتجمع الجنود حول المدفعين في انتظار بدء المسابقه ، وبعد اشارة من يد الرائد منعم ، بدأ السباق في فك المدفعين وسط تشجيع الجنود وهتافاتهم المشجعه ، وبعد دقائق انتهي الاثنين في فك المدفعين في توقيت متزامن ، وبدأا في التركيب بنفس القوة والنشاط ، لكن خيري كان الاسبق في تركيب المدفع بسرعه اثارت دهشه واعجاب الجميع وخاصه ان هذا المدفع ليس تخصصه ، وبعد مرور دقائق انتهي خيري من تركيب المدفع وبعده بدقيقه استكمل عبد الفتاح مهمته ايضا ، وسط عبارات الاعجاب والاشاده بخيري من الجميع ووسط نظرات الاعجاب من الدمنهوري ، أُعلن الرائد منعم فوز خيري بالمسابقه وبالترقيه .

وبعد انتهاء المسابقه اقترح الدمنهوري اقامه مبارة كرة بين جنود المشاه وجنود الدفاع الجوي ، وتحمس الجميع واعتلي خيري احد الصخور يتابع المباراه في صمت وتركيز .

وانتهت المبارة بفوز فريق المشاه وسط جو احتفالي من الرجال ، وفي ظل جو البهجه والمرح الذي صنعه مجئ الدمنهوري وكسرة لروتين العمل اليومي بدأ ظلام الليل في الانتشار معلنا انتهاء نشاطات اليوم ، وتحت برج الملاحظه اتخذ الدمنهوري له مكانا وبدأ يتحدث مع الجنود حوله في احوال البلد والجيش والمعارك التي تدور رحاها حاليا علي الجبهه ، ومع كل كلمه من فمه كان عدد الجنود يزيد من حوله ، ووسط عدد من اكواب الشاي ودخان بعض السجائر المشتعله ، قص عليهم الدمنهوري اخبار اخر اغارة لقواتنا علي مواقع العدو شرق القناه ، و بكلمات مختارة بعنايه قص عليهم تفاصيل تلك الاغارة لدرجه ان خيري احس بأنه كان مع جنود الصاعقه في تلك الاغارة من دقه وصف الدمنهوري ، وتعالت التكبيرات من فم الجنود كلما وصف لهم عملا بطوليا قام به احد الجنود ، وازدادت بهجه الرجال عندما انتهي الدمنوري من وصف تلك الاغارة بذكرة ان كل الرجال قد عادوا الي قواعدهم سالمين .

 

ومرة اخري يظهر صوت لنش الريس غريب ، لكن هذه المرة قابل كل الرجال صوت اللنش بفتور بالغ ، فهذا يعني ان الدمنهوري سيغادر الموقع ، ولا احد يعلم متي سيعود اليهم مرة اخري ، ووسط مشاعر الوجوم بدأ الدمنهوري في توزيع عدد من العلب الصغيرة التي حملها معه علي افراد الموقع  ، وكان من نصيب خيري احد الصناديق الصغيرة والتي  سلمها له الدمنهوري بابتسامه غامضه لم يفهمها خيري قبل ان ينصرف  مودعا الجميع .

دلف خيري الي ملجأه وصلي العشاء وهم ان يخلد الي النوم ، لكنه تذكر الصندوق الصغير الموضوع علي سريرة ، فمد يده وبدأ في فتح الصندوق  وفجأه ظهرت علامات التعجب والاندهاش علي وجهه ، فبداخل الصندوق كان يوجد عدد من البطاريات التي يستعملها خيري في الراديو الصغير ، ووجد بها ايضا عدد من الايصالات باستلام اهله لمرتبه ، ثم كانت المفاجأه الكبري له  فبداخل مظروف صغير بني اللون وجد خيري خطابا بترقيته الي رتبه العريف ومعه شارات الرتبه

وأسقط في يد خيري ، فالدهشه تجتاح كل جوانبه والاسئله تتلاطم في عقله كموج هادر ، وكان السؤال الاعظم هو

من هو الدمنهوري ؟؟؟ من هو لكي يعرف ان خيري سيفوز في المسابقه وسيستحق الترقيه حتي قبل ان تقام المسابقه ، وكيف عرف نوعيه البطاريات التي يستخدمها في الراديو الصغير، ومن اي اتي بايصالات استلام المرتب ؟؟ فمن يكون هذا الدمنهوري ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

نام خيري والسؤال يتردد في عقله وأستيقظ قرب اذان الفجر لاستلام ورديه الحراسه علي المدفع ، وبعد وقت طويل ظهرت تباشير الصباح ومع اول خيوط الصباح تم استدعاء خيري ورفاقه حكمداريه المدافع الاخري الي مقر القائد

والذي دخل القاعه بعد لحظات من دخول الجميع ، وبعد اداء التحيه بدأ القائد يشرح لهم الوضع العسكري علي الجبهه ، ثم تطرق الي اخر تقارير المخابرات التي وردت اليه والتي تشير الي احتمال تعرض الجزيرة لغارات قويه مكثفه في الايام القادمه ، بعد ان استطاعت ان تدمر كل تجهيزات حائط الصواريخ واستطاعت ان تعيد فرض سيطرتها علي سماء الجبهه

وبدأ القائد في شرح خطه الدفاع عن الجزيرة في المرحله المقبله وكذلك خطط النيران ، في اثناء الشرح كان خيري يكاد يطير فرحا ، ففترة الركود الحاليه لم تستمر ، وها هي طائرات العدو ستعود الي سماء الجزيرة مرة اخري لكي تذوق من نيرانه .

وبعد انتهاء التلقين من القائد ، اثني علي دور الرجال في المرحله السابقه وشد من ازرهم لان

(( المرحله اللي جايه هتكون أشد من اللي فاتت )) هكذا قال لهم بالحرف ، ثم هنأ خيري بالترقيه التي تكلل ذراعه وأمرهم بالانصراف

خرج خيري من مقر القياده مسرعا متهلهلا حاملا الاخبار الجديده الي رفاقه ، وعلي عكس المتوقع فقد قابل رفاقه تلك الانباء بقتور كبير ، فرغم سعاده كل منهم عند اصابه طائرة او اسقاطها الا ان الغارات تحمل لهم ايضا الموت ، مما جعلهم  لا يتجاوبون مع فرحه خيري والذي ظل منتشيا بتلك الانباء طوال اليوم وهو يتطلع الي السماء محدقا ومنتظرا ومتمنيا ، وزادت حاله التأهب علي مستوي الموقع كله وظهرت علامات الترقب علي كل الرجال ، لكن الليل زحف سريعا بدون اي غارات .

ومر اليوم التالي والذي يليه ايضا بدون غارات ، مما اعاد خيري الي حاله الحنق مرة اخري والتي كان عليها قبل الاجازة

وفي اليوم الثالث حضر قائد الجيش الثالث الميداني ومعه قائد التشكيل في زيارة للجزيرة ، وكانت دهشه الجنود بالغه فكبار رجال الجيش حضروا في طائرة هيلكوبتر ، فلابد وان الامر اصبح خطرا لدرجه استدعت ان يخاطر القاده بالحضور الي الجزيرة جوا في ظل احتمال اكتشافهم من قبل العدو .

دخل قائد الجيش سريعا الي مقر القياده ومن خلفه كبار القاده المرافقين له ، وبعد حوالي الساعه خرج الرجال متجولين بين الجنود والضباط في انحاء الموقع ، وعندما وصلوا الي مدفع خيري  قام الرائد منعم بتعريف خيري ورجاله ونوهه بأنهم اصابوا ثلاث طائرات خلال الاشهر الماضيه ، فأثني قائد الجيش علي ادائهم وتمني لهم التوفيق ، وربت علي كتف خيري سائلا (( كله تمام يا وحش ؟ مش ناقصك حاجه ؟)) فرد خيري في (( تمام يا فندم كلنا تمام ومدفعي تمام ))

فتبسم الرجل ومرافقيه وحيا الرجال مودعا ، واستكمل جولته علي باقي الجنود ثم أمر بصرف خمسه جنيهات لكل جندي للترفيه ، وبعد دقائق أقلعت طائرة قائد الجيش مغادرة الجزيرة وتاركه الرجال في حيرة وشوق لمعرفه ماذا تخبئ لهم الايام القادمه .

 

في الصباح التالي مباشرة دق جرس الانذار في الصباح الباكر ، وتم علي الفور رصد اربعه طائرات معاديه علي ارتفاع متوسط ، وتم اعطاء الاوامر سريعا بفتح النيران ، وبدأت المدافع كلها في الضرب عدا مدفع خيري ، ففي تلك اللحظات احس خيري بفطرته بأن هناك شيئا خطأ ، فطائرات العدو تقترب بطريقه مكشوفه جدا وعلي ارتفاع مناسب جدا لضربها وهذا ليس من طبع عدو رضع المكر وفطم علي الغدر ، فأستدار بعينيه ماسحا السماء باحثا عن اهداف اخري ، وبينما عيني خيري تبحثان في السماء ، كان الرائد منعم غاضبا منفعلا متسائلا  لماذا لا يتعامل خيري مع الاهداف القادمه ، ولم يرد خيري علي تساؤلات قائده عبر التليفون الميداني والذي ينقلها له شديد .

دارت عيني خيري في سماء الجزيرة الملتهبه من جراء النيران المندفعه ، حتي رصدت طائرتين تحلقان علي ارتفاع منخفض في الاتجاه الغربي للجزيرة ، اي انهما تأتيان من اتجاه السويس وهو اتجاه غير متوقع الا من عدو ماكر خبيث ، وعلي الفور بدأ خيري في الضرب علي هاتين الطائرتين مبكرا وبمعدل عال ، لكن المسافه كانت قربيه جدا  للتعامل مع الهدفين بالتناوب ، فركز كل مجهوده علي احد الطائرتين محاولا اصابتها مبكرا للتعامل مع الاخري ، وبينما المدافع الاخري كلها مشتبكه مع الاهداف الاربعه الاخري رصد القائد ما يقوم به خيري وسريعا امر المدفع رقم 4 معاونته في صد تلك الطائرات قبل اختراقها لستار النيران ، وبالفعل زادت قوة النيران تجاه تلك الطائرات واستطاع خيري ان يصيب احد الطائرات اصابه مباشرة قرب شاطئ الجزيرة لتنفجر الطائرة الي اشلاء ويتناثر حطامها علي صفحه المياه وبعض اجزاء الموقع محترقا وناشرا دخان اسود كثيف في سماء الموقع بشده ،

لكن وفي نفس اللحظه تقريبا  استطاعت الطائرة الاخري الاختراق واسقاط قنبله ، تابع خيري تلك الطائرة محاولا اصابتها، لكن الموقع اهتز في عنف نتيجه انفجار قوي جدا ، وطار خيري ورفاقه من  فوق المدفع نتيجه قوة الانفجار ،

وبسرعه افاق خيري من صدمه الانفجار الذي اطاح به لمسافه عشر امتار تقريبا من مكانه ، وعاد الي مدفعه بسرعه وهو يبعد كما من المخلفات التي اطاح بها الانفجار علي مدفعه  وسارع معه رفاقه في العوده لمواقعهم ، لكن السماء فوقهم كانت سوداء كاليل الحالك نتيجه انفجار الطائرة والقنبله التي اصابت الموقع ، فلم يستطع خيري او رفاقه رصد اي من الطائرات التي ُيسمع صوتها واضحا فوق الموقع مختلطا باصوات انفجارات طلقات المدافع ، فحزم خيري امرة وبدأ في الضرب الاعمي بدون تصويب ، ومع مرور الوقت أستمرت غارة العدو القويه  وتطايرت طلقات وشظايا قنابل العدو حول الموقع في جنون تام ، فوسط الدخان والظلام لم يكن احدا يري شيئا ، وأصبح التنفس صعبا مع تزايد الدخان الثقيل ، لكن الذي استنتجه عبد الحميد ان ذلك الدخان يحجب مواقعنا ايضا عن طائرات العدو ، لذلك يكون تصويبها غير دقيق ، وبعد فترة صعبه بدأ الدخان يتلاشي رويدا رويدا ، وبدأت طائرات العدو في الانسحاب من سماء الموقع ، أستطاع خيري ان يلمح بنظرة سريعه من طرف عينه ان المدفع رقم 6 ، قد أصيب وان النيران مشتعله به بشده ، فزاد غضبه غضبا  وتعالت وتيرة الضرب ضد طائرات العدو التي انسحبت بعد ان خسرت طائرة وفشلت في اسكات دفاعات الجزيرة .

بعد لحظات تعالي صوت صافرة الامان وتوقف الضرب ، وفور توقف الضرب  خلع خيري خوذته وهم ان يجري تجاه المدفع رقم سته محاولا انقاذ اي من طاقمه ، لكن يد وحيد أمسكته في قوة  وبنظرة يعتصرها الم هز وحيد رأسه لخيري مخبرا اياه بعدم جدوي ما يفكر فيه ، فنظر اليه خيري غاضبا محاولا الافلات ، لكن وحيد تمسك به اكثر قائلا والالم يعتصرة

(( دي كانت اصابه مباشرة يا خيري  مفيش فايده )) فنظر خيري تجاه النيران المشتعله وهو في حسرة شديده .

وبعد دقائق اليمه صعبه  أستطاع رجال جماعه الاصلاح من اطفاء النيران فيما تبقي من المدفع ، كان منظرا اليما لذلك المدفع والذي انصهر حديده وتكور داخل الفجوة التي تكونت من انفجار القنبله ، حيث امتزاج الحديد المنصهر مع عظام الرجال وذابت الدماء الطاهره مع زيوت المدفع في مشهد بشع بكل ما تحمله الكلمه من معاني ، فالقنبله اصابت المدفع اصابه مباشرة جعلت ما تبقي منه من اجزاء لا يمكن التعرف عليها .

وقف الرجال حول ما تبقي من مدفع ، والدموع تنهمر في صمت من الاعين الحاقده الغاضبه ، فمنذ دقائق قليله كان سته رجال يملئون سماء الموقع بنيرانهم ، والان فقد لاقوا ربهم في اطهر وانبل لقاء يمكن ان يلاقي فيه المرء ربه.

 وطافت ذكري محمد علي عقل خيري بكل ذكرايتها ، فهي هي أسماء جديده تضاف الي قائمه طويله من اسماء الشهداء الذين يجب الاخذ بثارهم .

تقدم الرائد منعم من جمع الرجال وملامح الاسي تجتاحه ، وبصوت حزين أمر الشاويش عباس بعمل تقرير خسائر لابلاغه لقياده التشكيل ، وانصرف منكسا رأسه في ألم .

 

بعد دقائق قليله عاد الجنود الي مواقعهم تاركين جماعه الاصلاح يقومون بازاله اشلاء الشهداء من موقع الانفجار ، وجماعات الاسعاف تعالج عدد من الجرحي .

وبعد فترة صمت طويل ، دق جرس الانذار مرة اخري معلنا عن غارة اخري ، وانطلقت الاعين كلها الي السماء باحثه عن تلك الطائرات تتوعدها بالانتقام ، فالنار داخل كل جندي وضابط اصبحت في قمتها ، وبدأت المدفعيه في الضرب وأخذ خيري علي نفسه تغطيه مكان المدفع المدمر ، وبكل الحقد الموجود في العالم  بدأ خيري في الضرب ضد طائرات العدو المغيرة ، وتكاد قدمه ان تكسر بدال الضرب من شده الضرب ، فهو يضرب ويصوب ويكبر في نفس الوقت وعينيه لا تفارق طائرات العدو التي تحمل في قلبها الموت لهم .

تجاوب شديد ووحيد مع امداد عبد الحميد بالذخائر للتجاوب مع معدل خيري العالي في الضرب ، وضع خيري طائرة معاديه داخل دائرة تصويبه وواصل الضرب عليها ، لكن احساس ما طفا علي عقل خيري في تلك اللحظه ، احساس بأن الطيار ينظر له وهو يناور بعيدا عن طلقاته ، فالطائرة محاصرة بالطلقات المنفجرة في عنف ، وازداد الاحساس داخل خيري بان الطيار فعلا ينظر له ، فخوذه الطيار البيضاء واضحه جدا لخيري داخل دائرة التصويب لكن الطيار ماهر جدا ، فهو يناور بكل ما اوتي من مهاره في الخروج من دائرة نيران خيري .

وبعد عده محاولات استطاع الطيار الخروج من حصار طلقات خيري مستغلا ارتفاع طائرته وابتعادها عن مدي طلقاته ،

لكن بتصميم قوي ورغبه جامحه في القتل ، أستطاع خيري ان يصيب تلك الطائرة وبدأ يتصاعد من فتحه عادمها دخان اسود كثيف ، أراد خيري ان يستمر في الضرب عليها ، لكن عبد الحميد نبهه الي طائرة اخري تقترب من الموقع ، فصوب خيري تجاهها علي عجل ، تاركا الطائرة المصابه تنسحب مخلفه ذيلا من الدخان الاسود الكثيف .

أستمر في الضرب بمصاحبه بقيه المدافع ضد طائرات الاخري والتي كانت تحاول بأستماته ان تخترق حاجز النيران علي ارتفاع منخفض ، بينما حاولت احد الطائرات قصف الموقع من ارتفاع عال جدا بعيد عن مدي دفاعات الموقع ، لكن صغر حجم الجزيرة جعل التصويب الدقيق شبه مستحيل ، فوقعت قنبلتين وانفجرتا في المياه حول الجزيرة .

أستمرت محاولات طائرات العدو لقترة ثم ما لبثت ان انسحبت تجر اذيال الخيبه .

هدأت طلقات المدفعيه مع خروج طائرات العدو من مدي الضرب وتوقف خيري عن الضرب وهو يحاول ان يلتقط انفاسه بصعوبه ، فمال علي مقود التصويب ليسند رأسه قليلا ، وبينما انفاسه تعود لطبيعتها ببطء ، طاف بعينيه الي حيث المدافع الاخري والتي مازال الدخان يتصاعد من فوهات مدافعها ، ومثل مدفعه فقد تناثرت من حولها فوارغ الطلقات المستخدمه ، بينما كل الجنود والضباط يلتقطون انفاسهم ويعيدون الاطمئنان علي اسلحتهم .

كان وحيد اول من تحدث متعجبا (( غارتين في يوم واحد ، والله زمان يا رجاله ))

فرد عليه شديد (( ولاد الكلب ناويين يدكونا ولا ايه ؟؟))

 فتدخل عبد الحميد (( بس مش قبل ما نموت منهم اللي نقدر عليه ، يا احنا يا هما ))

فتدخل خيري بصوت حاد (( أحنا طبعا ........ احنا معندناش حل تاني غير اننا ناخذ بتار الشهداء بتوعنا  ))

وقطع الحوار صوت الشاويش عباس يطلب اعطاء تمام المدافع ، وبدأ الجميع في اعاده التأكد من كفاءة المدافع لاعطاء تمام التجهيز .

مضي النهار منذ تلك الغارة ولم تظهر اي طائرات معاديه في السماء ، وقرب حلول الليل بدأت جماعه الاصلاح في الخروج مرة اخري ، لكن هذه المرة خرجت تجاه بقايا الطائرة الاسرائيليه المحطمه علي شاطي الجزيرة ، تعجب خيري مما تقوم به جماعه الاصلاح في حطام الطائرة ، وتجمع الرجال حول الجماعه يتابعون عملهم .

قامت جماعه الاصلاح بقلب بقايا كابينه الطيار والتي تناثرت اجزاء كبيرة منها علي الشاطئ ، واستخرجت جثه الطيار ولفتها في احد البطاطين وسط دهشه بالغه من الجميع.

تساءل خيري غاضبا مما يحدث ولماذا يحدث ، فرد عليه الشاويش عباس والذي تصادف وقوفه بجوارهم ، بأن هناك اتفاق مع الصليب الاحمر باعاده جثث القتلي وفق الاعراف والمواثيق الدوليه في حالات الحروب ، فتعاظم غضب خيري مما يسمعه وانفعل صائحا بأن عدونا لا يعرف اي اعراف او مواثيق ، فهو يقتل اسرانا ويستخدم افظع الاساليب في قتالنا فلماذا نعامله بالحسني ؟؟ وتعالت اصوات التأييد لخيري من باقي الجنود .

جاء صوت النقيب مصطفي من خلف خيري في هدوء وثقه ، موضحا وشارحا للجنود ان الاسلام يامرنا بحسن معامله اسري وقتلي العدو واننا لا يجب ان نعمل مثلهم ، بالاضافه الي ان جثه هذا الطيار لن يتم تسليمها للعدو مجانا ، بل ان ثمنها غال جدا عند العدو ، ففي مقابل هذه الجثه سيتم تسليمنا اعدادا من الاسري المختلفين عندهم ، اي اننا الرابحين من كل النواحي ، فالطيار الاسرائيلي الميت ثمنه لا يقل عن خمسون او مائه  أسير حي .

كانت كلمات النقيب مصطفي شارحه ووافيه ومهدئه للجميع ، فعلي الاقل هناك خمسون روحا مصريه يمكن ان تعاد للحياة من السجون الاسرائيليه مقابل تلك الجثه العفنه ، الا ان خيري كان مازال غاضبا فسأله بولس بعد فترة عن سبب استمرار غضبه رغم ان النقيب مصطفي شرح الفوائد التي ستعود علينا من مبادله جثه لذلك الطيار ، فرد خيري ان بداخله نار تزداد أشتعالا كلما حاول اطفائها، وان فكرة عوده جثه هذا الطيار الي اهله بينما الالاف من جثث الجنود المصريين مازالت تملئ صحراء سيناء بدون ان تدفن لتنهشها الضباع  ، قد زادت نيرانه خاصه مع استشهاد سته من رفاقه في الصباح ،

ولمده من الزمن تناقش الرفاق في احداث اليوم وصدق توقعات القاده بعوده كثافه الغارات مرة اخري علي الموقع .

 

انفصل خيري عن دائره الحوار مع رفاقه وبدأ يتجول في انحاء الموقع ، واخرج الراديو مستمعا للاغاني الوطنيه التي تبث بلا توقف علي عدد من الموجات الاذاعيه ، فأستمع الي صوت عبد الحليم يصدح بأغنيه (أحلف بسماها )

وهي الاغنيه التي أقسم ان يشدو بها كلما غني في حفل حتي تعود الارض المحتله  ، ووسط صمت الرجال وشرودهم وقلقهم من الغد وما يحمله لهم تعالي صوت المذيع من الراديو معلنا عن اغنيه جديده لعبد الحليم ، وتعالي صوت العندليب يشدو بكل قوة

(( أبنك يقولك يا بطل ، هات لي نهار ........ أبنك يقول لك يا بطل هات لي انتصار )) ووسط جو الاغنيه الحماسي  وانغامهم القويه ، ردت صخور الجزيرة كلماتها علي اذان الرجال كلما مر خيري بجوارهم ،

وبداخل كل منهم أشتعلت الحماسه مرة اخري ، فلا فرار من الموت الا بالانتصار ، ولا وجود للانتصار الا بالقتال المستمر الشرس ضد العدو ، والانتصار لا يأتي الا بالتدريب الشاق والايمان القوي بالنصر من عند الله

مر خيري بجوار الرائد منعم القابع في مركز قيادته المتقدم يرتشف كوبا من القهوة الثقيله، وأستمع الي صوت عبد الحليم من راديو خيري ، وهام في التفكير في تلك الحرب الدائرة ، وفي أسرته وطفلته التي لم يراها منذ سته اشهر تقريبا ، فكيف يأخذ اجازة ويترك الموقع ؟؟ لقد رفض تفكيرة منذ فترة كبيرة فكرة ان يترك الجزيرة ، واخرج صورة طفلته وشرد مع الصورة ، فهل قدر الله له ان يراها مرة اخري ؟ هل سيعيش ليراها مهندسه كما تمني ؟ هل ؟ هل ؟ هل ؟

عشرات الاسئله التي لا اجابه لها ، فهي كلها في علم الغيب ولا يعلم اجابتها الا الله ، لكنه القلق الصعب من المستقبل المجهول ، فربما شظيه طائشه من احد القنابل او احد الطلقات تجد طريقها الي رأسه او قلبه ويكون مصيرة كمصير العشرات او المئات او الاف الذين سبقوة والذين سيلحقون به ، ان احساسه بالقلق قبل القتال يكون قاتلا له ، فهو مسئول مسئوليه كامله عن كل فرد في الموقع ، مسئول عن اعاشته وتدريبه وقتاله واصابته وموته بشكل مباشر ، فربما يختار جنديا للنزول في اجازة ، ويكون بذلك قد وضع جنديا اخر في مكانه ومن الممكن ان يستشهد في مكانه ، فياله من قلق يجتاح كل جوانبه ، فموقعه المتقدم جعله هدفا مثاليا لاطماع العدو التي لا تتوقف ، وفكر في هاجس غريب طاف برأسه ، ففي القتال يكون شخصيه مختلفه تماما عما هو عليه قبل جرس الانذار ، ففي القتال لا وقت للتفكير والقلق القاتل ، فهو لا يفكر في اسرته وفي طفلته اثناء القتال ، وضحك عندما توصل الي ان القتال اصبح هو المهرب الوحيد له من التفكير القاتل.

 

أستمر خيري سائرا هائما سارحا في ذكرياته مع محمد ، وطافت به احلامه مع محبوبته وشكل المستقبل بينهم ، الا انه طرد هذا الهاجس من تفكيرة تماما ، فكيف يقاتل ويستعد للموت في كل لحظه وهو يفكر في المستقبل ،تفكيرة هذا لا بد وان يعيقه عن تنفيذ مهمته الوحيده والتي كرس لها نفسه وهي الانتقام من الاسرائيليين في كل لحظه، حتي التحرير او الموت .

وبعد فترة من الشرود اتجه داخل الملجأ واخرج مرتبه النوم وضعها بجوار المدفع ، فقد قرر ان يكون مكانه بجوار مدفعه في كل وقت فالثانيه اصبح لها حساب ، ومن المحتمل ان يقوم العدو بغارات ليليه مفاجئه ويجب ان يكون جاهزا للتصدي لهم .

في الصباح التالي تم اخلاء جثث الشهداء السته ومع الجثامين تم جمع حاجياتهم الشخصيه بواسطه لنش الريس غريب ، وودع الرجال رفاقهم الشهداء  في صمت واجلال ، وعاد الرجال الي سلاحهم مرة اخري فالحرب لم تنتهي بموت رفاقهم السته ولابد من الانتقام لهم .

كان الانتقام هو القاسم المشترك بين احاديث الرجال واحساسهم ، حتي دق جرس الانذار في الثامنه صباحا من اليوم التالي

غارة اسرائيليه جديده بطائرات الميراج فرنسيه الصنع ، واستمرت تلك الطائرات تغير علي الموقع طوال اليوم، مستخدمه الصواريخ غير موجهه للضرب علي الموقع من بعد ، ورغم ان تلك الصواريخ لم تكن مؤثرة بالقدر الكافي الا ان عددا من الجرحي سقطوا وتم اخلائهم لخندق العياده لعلاجهم ، وكان ذلك تكتيكا جديدا من الطيران الاسرائيلي ووضح جليا ان فكرة قصف الموقع بالقنابل قد ادت الي خسائر لدي الاسرائيلين فحاولوا تعديل اسلوب هجومهم ، ونظرا لطبيعه الصخريه للجزيرة ، فقد كانت الصواريخ تصطدم بالصخور وتنفجر بدون ان توقع اصابات مؤثرة بالجنود المشاه في الخنادق او بالمدافع المحميه بشكائر الرمل .

هذا الاسلوب الجبان من الطيران الاسرائيلي جعل خيري يستشيط غضبا وحنقا ، فالطائرات تطلق من مسافه بعيده عن مدي مدفعه ، وليس من السهل عليه ان يري طائرات العدو تغير علي موقعه وهو لا يستطيع ان يصيب منها واحده علي الاقل .

 

في تلك الليله جلس بولس مع شديد يلعبان عشرة طاوله كعادتهم ، وبينما خيري جالس بجوارهم صامتا مفكرا كعادته ،

 الا انه  صاح غاضبا ومفاجئا من حوله من الرجال قائلا (( أصله مش معقول اني ابقي شايف ولاد الكلب بيضربونا  وانا مش قادر اعلم عليهم بطلقه ولا اتنين ))

فرد شديد وهو يهز نرد الطاوله في يده (( متقلقش يا وحش ، لما يلاقوا ان صواريخهم مش عامله حاجه هيرجعوا تاني للضرب بالقنابل ))

فتدخل عبد الحميد في الحوار بعد ان اشار الي وحيد لاستلام الحراسه قائلا (( ولاد الهرمه دول مش هيعدموا حيله الا وهيعملوها عشان ياخذوا الجزيرة ، انا سمعت الشاويش عباس بيقول انهم ممكن يحاولوا ينزلوا علي الجزيرة بعساكر من عندهم ))

فضحك وحيد وهو يغادر الخندق قائلا (( ساعتها هنهرب نروح منهم فين ؟؟ ))

فرد خيري غاضبا (( نهرب ليه، ايه الكلام ده  ؟؟؟ ساعتها مش هيكفيني اني ادبحهم واحد واحد بأيدي دي))

فضحك شديد وهو يقول (( عاجبك كده يا سي وحيد ، أديك نرفزت لنا خيري ، مين عارف هيرجع يضحك تاني أمتي )) فضج الملجأ بالضحك ولم يجد خيري بدا من التبسم علي قفشه شديد المحكمه .

ونام خيري تلك الليله وهو يتخيل مواجهه بينه وبين جنود اسرائيليين وجها لوجه ، وبدأ يشرد مع تخيله لاحداث تلك المواجهه الداميه .

في الصباح التالي أسرع خيري الي احد الرقباء في سريه المشاه ودار بينهم حوار سريع قبل ان يعود سريعا الي مدفعه ، وبعد عده ايام كان الرقيب يسلم خيري خنجرا كبيرا ذو طرف متعرج وطرف اخر مذبذب الاطراف ، فنظر خيري الي هذا الخنجر الكبير بأعجاب شديد وشكر الرقيب علي تلك الخدمه .

وليلا تناقش الجنود في أمر هذا الخنجر في حيرة ،وعندما عاد خيري من مركز القائد لجوار المدفع حيث جلسه السمر الليلي لهم ، افصح لهم عن سر هذا الخنجر ، واوضح لهم ان الرقيب طعيمه لديه صديق في احد مجموعات الصاعقه ، وقد طلب منه ان يأتي له بخنجرا من الذي يستخدمه رجال القوات الخاصه وخاصه من النوع الذي يكون قاتلا .

وعندما تسائل عبد الحميد عن سبب حاجه خيري الي هذا الخنجر ، كان رده مقتضبا وحادا

(( انت فاكر لو اليهود نزلوا علي الجزيرة ، هأستعمل الالي معاهم ؟؟ لا طبعا دول لازم يموتوا بايدي ومش هيكيفيني اني ادبح كل واحد منهم )) فنظر الجنود لبعضهم البعض في صمت وتعجب ، فحتي الان ورغم مرور قرابه العام علي معرفه خيري ، فأنهم لا يعرفون من اين يأتي بكل هذا القدر من الحقد والكراهيه الشديده والرغبه في القتل .

 

استمرت غارات الطيران الاسرائيلي علي الموقع لمده اسبوعين متواصلين والرجال يقاتلون بكل ثبات ، وخلال هذين الاسبوعين تمكن خيري من اصابه طائرتين اخرتين للعدو ، وتمكنت طائرات العدو من تحقيق عدد من الاصابات المؤثرة علي الموقع ، قتم تدمير ميس الطعام بقذيفه مباشرة وأستشهد عدد من جنود المشاه ، ودمر احد المدافع الثقيله وزاد عدد الجرحي الذين يتم اخلائهم ليلا كل يوم واستبدالهم بأخرين .

كان الجنود يمضون النهار في القتال المستمر ، ويقضون الليل في اصلاح الاعطال وازاله بقايا قنابل العدو ومخلفات الهجمات ، في تلك الاونه كان الرجال يتناولون وجبه طعام وحيده فقط حين يكون الوقت يسمح بتناول تلك الوجبه المعلبه ، لم يكن الطعام والشرب بالنسبه لخيري سوي مجرد ملئ للمعده الخاويه لكي يستطيع ان يكمل قتاله ، حتي النوم أصبح نادرا فالخطر أصبح قائما ليل نهار ، ويجب الاستعداد الدائم لمواجهه هذا الخطر .

وفي احد ايام شتاء عام 1968 هاجمت طائرات العدو الموقع ، وكان هجوما عنيفا بكل معاني الكلمه ، فالطائرات تغير بتواصل طمعا في اسكات دفاعات الموقع ، وسقط الشهداء الواحد تلو الاخر ، وأصبح الموت قريبا جدا من الرجال ، لكن احدا لم يتحرك من موقعه او يحاول الهرب والاختباء ، فرغم الاعطال والاصابات الا ان المدفعيه كانت تعمل بكل قوة وتركيز في حمايه سماء الجزيرة ، وتمكن خيري من اصابه طائرة اخري وأستكمل مدفع اخر تدميرها ، وقتل الطيار الذي بها فورا

وكانت قياده التشكيل تلقي بكل دعم ممكن الي الموقع سواء دعم معنوي او مادي ، وتحول الموقع الي ماده اساسيه في البيانات العسكريه الصادرة كل يوم في الاذاعه المصريه ، والشئ الذي تعجب من الرجال ، هو اصرار العدو علي تحطيم دفاعات الموقع وكان تفسير الدمنهوري للرجال في احد الزيارات ان موقعهم هو اكثر المواقع مشاغبه وازعاج لطيران العدو وان الطيران الاسرائيلي مجروح الكرامه من موقعهم واصبح تدمير الموقع مسأله كرامه وشرف بالنسبه لهم

وهو ما استدعي هذا التركيز الجوي ضدهم ، فلا يوجد موقع اخر علي الجبهه يزعج طائرات العدو في مسارها او في قصفها كما يقوم موقع الجزيرة الخضراء .

كانت تلك الكلمات رغم قسوتها ترفع معنويات الرجال الي عنان السماء ، فجرح كرامه العدو المتغطرس نجاحا لهم رغم ان ذلك يعني ان الموت سيظل هائما حولهم لفترة اخري قادمه .

وفي احد اليالي حضر لنش الريس غريب حاملا معه الامدادات اليوميه للموقع وكانت ذخائر فقط ، ورغم النقص الشديد في تعيينات الطعام ، الا ان الرجال كانوا في حاجه الي ذخائر اكثر من حاجاتهم للطعام .

وتعود خيري علي وجوه الجنود الجديده التي تحل محل من جرح او استشهد ، وتعود علي ان الوجوه تتغير بأستمرار مع توالي القصف المعادي وتوالي الخسائر ، كان كل ما ركز فيه هو طائرات العدو وجاهزيه مدفعه الدائمه للتعامل معها .

 

ومع توالي الايام والقصف الجوي المستمر من العدو ، توالت زيارات الدمنهوري علي الموقع وكذلك زيارات التفتيش من قاده التشكيل وضباط الجيش الثالث ، وأصبح خيري علما من اعلام الجزيرة ، ففي كل زيارة تفتيش او زيارة دعم معنوي لابد وان يسأل الرجال عن خيري بالاسم ، ويشيدوا بدورة في اصابات طائرات العدو ، وعندما يسالونه عما يحتاجه لا يطلب شيئا بالمرة ..

وتوالت المكافات الماديه علي الجنود بعد كل اصابه محققه لطائرات العدو ، وكان لخيري نصيب الاسد في هذه المكافات والتي تصل اليه عن طريق الدمنهوري في صورة ايصالات استلام من اهله ،وكان الدمنهوري دائم امداد خيري ببطاريات الراديو ، وتوارت حيره شخصيه الدمنهوري من عقل خيري ، فلم يعد مهما من يكون الدمنهوري او رتبته ، لكن اصبح مهما جدا لخيري ان يري الدمنهوري اسبوعيا ، وفي بعض الاوقات كان الدمنهوري يزور الموقع اكثر من مرة في الاسبوع واصبحت تلك الزيارات علامه بارزة جدا في حياه الجنود ، الذين استطاعوا الربط بين زياراته وبين تزايد هجمات العدو الجويه ، وكان طبيعيا ان يكون الدمنهوري متواجدا بعد اصابه اي من طائرة العدو ليشد من ازر الرجال ، وفي احد الايام القاسيه تمكن خيري من تدمير طائرة ميراج اسرائيلي بدفعه مركزة من طلقاته ، وفي المساء حضر الدمنهوري واهدي خيري راديو جديد بخواص جيده ، وتبسم وهو يسلمه لخيري قائلا (( ده صوته احسن من اللي معاك )) وشكره خيري

وبالفعل كان خيري فرحا بهديه الدمنهوري ، وجلس ليلا بجوار مدفعه وادار الراديو ليسمع الي صوت عبد الحليم يشدو

(( يا بلدنا لا تنامي )) وتفاعل الجنود مع كلمات الشاعر عبد الرحمن الابنودي القويه  ، وتلاها عدد اخر من الاغاني الوطنيه القويه التي رفعت حماس الرجال الي عنان السماء .

 

حل عام 1969 علي الرجال وهم في قتال مستمر منذ ما يقرب من اربعه اشهر مع العدو ، ومع كل صباح يأتي العدو مصمما علي تدمير مواقع الجزيرة ، ويقابلهم رجال أشد اصرارا علي الدفاع عن مواقعهم بكل قوة .

كانت ملاحظه شديده الذكاء تلك التي لاحظها خيري وناقشها مع الرائد منعم ، فطائرات العدو المهاجمه تكون عاده من الانواع الغير متقدمه رغم ان لديه طائرات اكثر تقدما ، فعاده يقوم بالهجوم بطائرات المستير والارجون الاقدم عمرا وتسليحا من الميراج ، وان درجه كفاءة الطيارين المهاجمين تكون عاديه ، ففي اوقات كثيرة يقوم الطيار المهاجم بأخطاء ساذجه لا يقوم بها طيار متمرس ، وخلص خيري في ملاحظاته بأن العدو يستخدم الموقع كميدان تدريب لطيارينه الصغار للرمايه بالذخيرة الحيه وهذا ما يفسر توالي الهجمات بشكل يومي وفي توقيتات متقاربه .

كانت تلك ملاحظه ذكيه تلك التي ذكرها خيري ، استدعت بقائده ان يرسل بها تقرير الي قياده التشكيل بالسويس، ولم ينس القائد ان يذكر ان تلك الملاحظه قد ذكرها العريف خيري زكي ، والذي اصبح اسمه معروفا جدا في اروقه قياده التشكيل .

 

مع حلول عام 69 كان قد مر علي خيري عاما كاملا بالموقع لم ينل خلاله الي اجازة واحده ، ورفض باقي الاجازات بحده ، ولم تشفع توسلات والدته ومحبوبته له عبر خطابات البريد في ان يلين ويسمح لنفسه بأجازة اخري ، فكيف يغادر موقعه وينام في سريرة بالمنزل وهو يعلم ان رفاقه في الجبهه تحت القصف الجوي المعادي ؟ كانت تلك هي فلسفته الشخصيه

ومع حلول ابريل 69 لاحظ خيري نشاط مكثف لقوات المدفعيه حول السويس في قصف قوات العدو شرق القناه ، وتعالت الانفجارات في خطوط العدو ،

ولاحظ الجميع ولاول مرة طائرات الميج 17 المقاتله القاذفه تدخل سيناء وتعود بعد ان تهاجم مواقع العدو ، وبدأت حده الهجمات تقل علي الجزيرة مع النشاط الملحوظ لقواتنا الجويه ، فطائراتنا بدأت تعود للظهور في السماء مرة اخري بعد فترة اختفاء .

هذه المرة كانت البلاغات تأتي للموقع قبل اي هجوم جوي مصري في قطاع الموقع ، لكي تنسق القوات الجويه مع مدفعيه الموقع لعدم فتح نيرانها علي طائرتنا التي يكون مسارها فوق الموقع ، وأصبح احد هوايات الجنود الجديده هي احصاء عدد الطائرات المهاجمه واحصاءها وهي عائده مره اخري ، ومن بين الهجوم والعوده كانت دعوات الرجال علي الارض مستمرة لهؤلاء النسور ولا تتوقف .

في احد الايام مر تشكيل ميج 17 فوق الموقع متجها الي سيناء ، وبعد 3 دقائق عاد التشكيل بسرعه كبيرة ومن خلفه تشكيل من أربع طائرات ميراج معاديه ، وعلي الفور اصدر القائد منعم اوامرة بفتح النيران لحمايه طائراتنا ، الا ان الامر كان متأخرا ، فقد مرت طائرات العدو بسرعه خلف طائراتنا القاذفه العائده وخرجت من مدي المدفعيه ، ولم ينل الاحباط من خيري ، ففي لحظه محدده ظهرت طائرتنا المقاتله من خلف جبل عتاقه لتشتبك مع طائرات العدو ، فمن الواضح ان طائرتنا اقلعت لنجده تشكيل القاذفات العائده وكانت بالمرصاد لطائرات العدو والتي دارت علي الفور وبدأت الاشتباك مع طائرتنا المقاتله ، أستمرت المعركه الجويه حوالي نصف دقيقه وتابعها الرجال الي ان اختفت الطائرات عن الانظار بعيدا خلف جبل عتاقه ، وتحمس الرجال لمعرفه نتيجه هذا الاشتباك الجوي ، وبعد دقيقه اخري تعالت التكبيرات من حناجر الرجال ، فقد مرت طائرة ميراج أسرائيلي عائده وهي مخلفه ورائها ذيلا من الدخان الاسود ، فقد اصابها احد نسورنا في الاشتباك

وبعد ثوان عادت طائرتنين اخرتين ، وظل الرجال في ترقب يدعون الله الا تعود الرابعه ، وبعد مرور خمس دقائق ايقن الرجال بخبرتهم ان الرابعه قد سقطت فأرتفعت الروح المعنويه للرجال الي عنان السماء بشكل لا يصدق .

 

في تلك الايام المشبعه بالطلقات والدماء حضر الدمنهوري للرجال ، وبدأ يشرح لهم ما تقوم به القوات المسلحه بطول الجبهه والبطولات المتعدده ، ولم ينس ان يجيب علي سؤال خيري المعتاد (( الرفاعي عمل ايه ؟؟)) فقص عليهم اخر عمليات الرفاعي والمجموعه 39 البطوليه ، وبدأ يسرد لهم عمليات اعاده بناء قوات الدفاع الجوي مرة اخري لكنه أخبرهم بأن الرجال قد تعلموا من الدرس الذي تلقوة منذ اشهر ، فبدأوا يعملون بنظام الزحف البطئ في انشاء تحصينات الدفاع الجوي واخبرهم انه اصبح من المهم جدا دخول تلك الصواريخ الي الجبهه باي ثمن كان

وعاد السباق مرة اخري بين الطيران الاسرائيلي وبين رجال البناء المصريين ، فالطيران الاسرائيلي اصبح مجنونا في مهاجمه تلك المنشأت بكثافه كبيرة كما قال الدمنهوري ، وخاصه بعد ان زودته امريكا بطائرات الفانتوم القاذفه والتي تتفوق علي احدث طائرة عندنا بسبع مرات علي الاقل من حيث الحموله او التكنولوجيا او حتي مدي العمليات ، وتبسم الدمنهوري وهو يعلق علي ما يقوله للرجال (( كلها كام يوم وتقابلوا الفانتوم )) وأردف بأن ضباطا من الدفاع الجوي سيزورون الموقع قريبا لعمل دورة نظريه سريعه في التعامل مع الفانتوم والسكاي هوك وخصائص وعيوب كل منهم .

واستوعب الجميع ما قاله الدمنهوري ، فقله الهجمات الجويه عليهم لابد وانها تعني ان العدو يركز مجهوده الجوي في قطاع اخر ، فهي وسيلته الوحيده للرد علي ما تقوم به افرع القوات المسلحه المختلفه من هجمات استنزاف للعدو .

 

وبعد ايام من زيارة الدمنهوري بدأ الرجال يلاحظون نمطا جديدا من غارات العدو علي الجبهه عامه ، ومن خلال الراديو عرف خيري ان الفانتوم قد ظهرت في القتال بصورة مكثفه وانها تصول وتجول في سماء الجبهه وان هجمات العدو بدأت تأخذ طابع التوحش ، واصبح واضحا ان اسرائيل تريد تركيع مصر من خلال ضرب دموي لاهداف متعدده ومؤثرة .

واستمر السباق مع رجال البناء المسلحين بالايمان والاصرار فقط ، ورغم انف الذراع الطويله الاسرائيليه فقد نجح رجال البناء المصريين من اقامه النسق الاول للدفاع الجوي حول القاهرة ودخلت الصواريخ الي دشمها الحصينه لاول مرة ، تلك الصواريخ التي رشح خيري للانضمام اليها منذ اكثر من عام ورفض .

ولم تكن الجزيرة الخضراء بمنأي عن هجمات العدو المتكررة ، فهي كانت وما تزال شوكه في حلقه ، ونقطه ازعاج رئيسيه لاي طائرات تحاول الاغارة علي السويس ، لذلك حاول العدو مرارا وتكرارا دحر دفاعتها من الجو وفشل بفضل ثبات الرجال ودفاعهم المستميت عنها .

في تلك الفترة العصيبه من القتال ، توطدت العلاقه جدا بين خيري وبين الرائد منعم ، ورغم تركيبه خيري الغريبه علي قائده ومعرفته بمدي الكبت والرغبه في الانتقام لديه ، فان خيري كان يعتبر القائد منعم بمثابه القائد والاخ والقدوة ، فقد كان بالفعل القائد هو القدوة الحسنه في كل شئ لدي جنود الموقع ، قدوة في الانضباط والايمان والطاعه وفي القتال ، فهو لا يترك الصلاه ومحبوبا من كل الجنود ، لكن عند القتال فهو شخصيه شرسه حازمه واعيه .

وكان الشاويش عباس عندما يتحدث الي الجنود يقص عليهم الحال قبل النكسه قائلا ان القائد وقتها كان معروفا عنه أمر واحد فقط وهو (تقدم ) اي يدفع جنوده للتقدم وهو خلفهم ، لكن الحال تغير بصورة كامله بعد النكسه فالقائد يتقدم وجنوده يتبعونه ، ولعل الرائد منعم هو المثال الواضح امامهم جليا ، ففي كل غارة تجده في مركزه المتقدم وسط الموقع يقود رجاله في القتال ويعدل ادائهم وهو يقف وسطهم معرضا حياته للموت مثلهم

كانت هذه هي الروح الجديده التي ظهرت بعد النكسه والتي وضعت القائد المناسب والمدرب والكفء في المكان المناسب عكس الحال قبلها ، حيث ان الولاء يسبق الكفاءة والمحبه تتفوق علي الدراسه ، قتجد دائما ان القائد الغير مناسب يكون في القياده والقاده الاكفاء ملقون في الصحراء في تجاهل تام

اما الان فالكل يعمل ويتدرب لرد الاعتبار وللانتقام ، ومن لا يتدرب فأنه يقاتل العدو بكل ما لديه من علم وخبرة

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech