Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه وحش الجزيره - بقلم احمد زايد - الجزء السادس

الفصل الســـــــــــــــادس

الغــــــــــــــــــــــزو

 

مضت ايام الربيع علي الرجال في قتال شبه مستمر ، وتساقط الرجال حول خيري ما بين جرحي او شهداء ، وأصبح الامر بالنسبه له عاديا جدا ،وبدأ حوار الرجال ليلا عن رفاقهم يتحول الي فعل الماضي ، واصبح القاسم المشترك كلمه الشهيد والتي تسبق اسم اي زميل لهم ، لدرجه ان خيري عقب  مرة بأن  (( اللي الله يرحمهم كتروا اوي ))

ومع حلول صيف 69 بدأ قيظ الصيف يعلن عن نفسه بقسوة ، وفي شهر يوليو تم استعواض مدفعين من الذين دمروا في الفترة السابقه ، وعادت قوة الجزيرة الي قوتها الكامله مرة اخري .

وجاء يوم 19 يوليو 1969 ليعلن للرجال ان حدثا مهما قد قارب علي الحدوث ، فقد جاء قائد التشكيل لزيارة الجزيرة صباحا ومعه الدمنهوري وبصحبتهم كما من الهدايا .

وقف قائد التشكيل اعلي صخرة يخطب في الرجال في حماس وقوة ، ويشد من ازرهم بعبارات الاشاده والمسانده ، واخبرهم بأن قياده الجيش في القاهرة تتابع نتائج اعمال الموقع في اعجاب ، وان القياده تعتبر الموقع من اكثر المواقع ازعاجا للاسرائيليين ، ونظر قائد التشكيل الي خيري قائلا بمداعبه (( عايزين طيارات كتير يا خيري )) وضحك الجميع وتبسم خيري ورد (( ان شاء الله يا فندم وياريت يكون دلوقت )) ضحك قائد التشكيل بصوت عال ، فقد حصل علي ما يريده من خيري .

أستمر القائد في حوارة مع الجنود قليلا ثم انصرف تاركا الدمنهوري ليمض بقيه اليوم مع الرجال في حوار خفيف باسم ملئ بالنكت والقفشات التي دأب الدمنهوري علي اطلاقها .

ومع حلول الظلام حضر لنش الريس غريب بصوته المميز حاملا صناديق عديده من الدخائر وعدد من قطع الغيار وعلما جديدا لمصر لكي يوضع محل العلم الذي تمزق وملئته ثقوب الشطايا المتناثرة فوق برج الملاحظه .

غادر لنش الريس غريب حاملا الدمنهوري معه ، وظل خيري واقفا يتابع اللنش حتي اختفي وسط الظلام وهو ممسك بهديه الدمنهوري التي سلمها له ، لم يكن خيري محتاجا ان يعرف ما بداخل العلبه ، فبداخلها بطاريات الراديو وايصال استلام المرتب ، فوضعها خيري في دولابه وخرج الي جوار المدفع وجلس ينظر الي الماء

 

مر الوقت عليه وهو جالس علي صخرة هائما مفكرا ، أغلق الراديو عندما وجد اغاني عاطفيه واخبار خفيفيه متنوعه لا تتناسب مع ما يحس به ، ومن خلفه تحت المدفع مدد رفاقه اجسامهم حول المدفع في كسل وخمول .

مر الوقت علي الرجال في صمت او حوار خافت ،وببطء اختفت الاصوات وعم الهدوء اركان الجزيرة ، بعد فترة استيقظ بولس من نومه لاستلام خدمته من وحيد  ، ففوجئ بخيري مستيقظ ويجلس علي صخرة قرب المدفع

فتساءل بولس وهو ينظر لساعته (( بتعمل ايه يا عم خيري ، مش كنت تنام لك شويه ، ده الفجر قرب يطلع ))

فرد خيري بهدوء (( هاصلي الفجر وانام لي شويه ))

فأتجه بولس تجاه وحيد لاستلام الخدمه فقال وحيد مازحا (( تلاقي خيري مستني عروس البحر تطلع له ))

فنظر بولس معاتبا وحيد (( يا اخي انت مش تبطل كلامك الدبش ده ، ما انت عارف خيري من زمان هو ده جديد عليه؟؟ ))

وبعد حوالي عشرون دقيقه من الحوار ، القي خيري بعدد من الحصي في يده علي صفحه المياة وتابع تموجات الماء ، وبدأ يفكر فيما حدث له وفي صورة محمد المتشحه بالسواد في غرفه الضيوف بمنزل عمه ، وتذكر وصف حسن لواقعه استشهاد محمد ، وبينما الافكار تتلاطم في عقله ، لاحظ ان المياه امامه تتلاطم امواجها بقوة اكثر مما كانت عليه وهو يلقي الحصي ، فتنبهت حواسه فجأه فلم يكن هناك ريحا والبحر ساكن كالسجاده منذ الصباح فتوقف عن القاء الحصي ، لكن الامواج استمرت في قوة بل وزادت حدتها ، فهب واقفا خلف الصخرة واخرج المصباح في يده ليري من حوله ، فشاهد عدد من اللنشات تشق طريقها الي الجزيرة في صمت ومن فوق تلك الزوارق عددا من الاجسام السوداء .

صرخ خيري بأعلي صوت له (( حرس سلاح )) لكي يوقظ الموقع وينبهه الجميع ، في تلك اللحظه التي خرج الصوت من حنجرته قاطعا صوت الصمت ، أنطلقت تجاهه عدد من طلقات مدفع الي .

أخذ بولس وضع التصويب سريعا وبدأ في الرد علي النيران ، في الوقت الذي ركض فيه خيري متجاهلا شلال الطلقات حوله تجاه المدفع ، عشرة امتار ركضها في ثانيه واحده وبقفزة سريعه منه كان علي المدفع المضاد للطائرات ، فماذا يفعل علي المدفع والطلقات تتراقص من حوله ، ثانيه اخري مرت ووجد عبد الحميد ووحيد وشديد في اماكنهم القتاليه ، فصاح بصوت عال وبنبرة لا تدع اي مجال للتفكير او التراجع (( عَمَرَ المدفع)) وعلي الفور بدأ شديد ووحيد يتجاوبان مع خيري بينما استمر بولس في اطلاق نيران المدفع الرشاش علي الاشباح السوداء التي تطلق نيرانها من مسافه .

ثلاثون ثانيه مرت منذ ان صاح خيري حرس سلاح ، كانت ثلاثون ثانيه كافيه جدا لكي يأخذ رجال المشاه والمدفعيه مواقعهم ويبدأ رجال المشاه في الضرب علي الاهداف المقتربه بصورة اليا برشاشتهم الثقيله والمتوسطه  فهذا ما تدربوا عليه واتقنوه ، في نفس الوقت وصل الرائد منعم الي موقعه مستفسرا عما حدث ،

فرد النقيب مصطفي (( محاوله انزال يا فندم ، اليهود شكلهم عايزين ينزلوا ))

فرد القائد بصرامه (( علي جثتي )) وبدأ يعطي الاوامر للنقيب مصطفي ، وفجأه يظهر صوت مدفع خيري ليتداخل مع صوت الرشاشات الاليه ، وبدأت طلقاته المشتعله تضيئ صفحه المياه ، ترك بولس موقعه وعاد الي مدفع خيري ليؤدي واجبه الاساسي ، وتجاوبت عده مدافع مضاده للطائرات مع خيري وبدأت تطلق نيرانها في شراسه .

وبدون اي مقدمات ظهر صوت طائرات مقاتله وجاء صوت الانذار الجوي بوجود طائرات معاديه في السماء ، فهاهي المعركه قد بدأت ، قرر خيري بسرعه وصاح مبلغا شديد

(( بلغ القائد اني هتعامل مع الطيارات لوحدي ، خلي بقيه المدافع تضرب علي البحر )) وبدون تردد وافق القائد علي ما قاله خيري رغم ان ذلك ليس احد افضل الخيارات لكنه اصبح يثق في حكم خيري وفي قدرته علي التعامل مع طائرتين .

دارت الطائرات حول الموقع علي ارتفاع منخفض ، فرفع خيري ماسورة المدفع وبدأ في الضرب السريع علي تلك الطائرات مستغلا خبرته في متابعه مسارها عبر صوتها .

مازالت اللنشات تقترب من شاطئ الجزيرة من عده اتجاهات وهي تطلق نيرانها الخفيفه بينما بدأ عدد من القذائف في التساقط علي الجزيرة ، فلابد ان عدد اخر من اللنشات يقوف بقصف قنابل هاون من مسافه لتمهيد الطريق امام قوة الانزال ، هكذا فسر القائد ما يحدث ، وبدأ في اعطاء اوامرة الي الجنود عبر الهاتف بينما تكفل النقيب مصطفي بتصحيح نيران قواته .

كان سباقا بين خيري وبين تلك الطائرات ، فخيري لا يريد اصابتها فقط بل يريد ان يبعدها عن بقيه المدافع الاخري لكي تستطيع التعامل مع اللنشات المهاجمه  بسهوله ، زاد معدل الضرب لدرجه ان رفاقه كانوا يجاهدون بكل الطرق للتجاوب مع معدل الضرب العالي الذي يقوم به ، ففي بضع دقائق من الاشتباك  كان خيري قد اطلق خمسه الاف طلقه وهو رقم كبير جدا ادي الي احمرار ماسورة المدفع ، واوشكت علي الانصهار تماما مما سيؤدي الي تعطل المدفع تماما ، فأبطيء خيري من معدل الضرب قليلا ولاحظ الرائد منعم ذلك فتوقع ان يكون أحد طاقم المدفع قد اصيب من احد الشظايا او الطلقات فاسرع نحوهم للمساعده ، في تلك اللحظه بدأت طائرات العدو في الدوران بعيدا عن الجزيرة تفاديا لطلقات خيري والتي فأجئت الطيارين بدقه تصويبها .

أستغل خيري ابتعاد الطائرات قليلا فأوقف الضرب وقفز لتغيير الماسورة الملتهبه والتي قاربت علي الانصهار ، وعلي الفور بدأ يفك الماسورة بيده العاريه ، فأصابت الحروق يده سريعا ، لكنه لم يحس بتلك الحروق فحروق نفسه وقلبه اشد ضراوه واكثر قسوة من اي الم اخر يمكن ان يحس به ، وهرع بولس حاملا الماسورة الجديده من جوار المدفع ، ووصل الرائد منعم متفسرا عما يحدث ، وعندما وجد ان الماسورة الجديده قد تم تركيبها فشجع الرجال وركض عائدا وسط شلال من الشظايا المتطايرة في كل اتجاه ويقفز داخل خندق لجنود المشاه مجاور لمدفع خيري وبدأ في اطلاق النيران من رشاشه الشخصي.

عاد مدفع خيري الي الضرب بمعدل عال مرة اخري تجاه تلك الطائرات التي عادت تطلق نيرانها تجاه الموقع ، وبعد لحظات اختفي صوت الطائرات ، وتوقف خيري عن الضرب لثوان لكي يلتقظ رفاقه انفاسهم المتقطعه ، واثناء توقف خيري

أقترب لنشين معاديين من شاطئ الجزيرة مستغلين انشغال قوات المشاه في الضرب علي احد اللنشات الاخري .

قدر الرائد منعم الموقف فورا ، وأيقن ان المعركه ستأخذ مسارا اخرا لو لمست قدم جندي اسرائيلي شاطئ الجزيرة ، فصاح في الجنود المجاورين له (( هجوم )) واندفع منطلقا تجاه الزورقين ومن خلفه حوالي عشرين جنديا بأسلحتهم .

لمح خيري قائده يركض وخلفه الجنود فأدار ماسورة المدفع تجاه احد اللنشات والذي يطلق نيرانه من بعيد محاولا حمايه قوة الهجوم ، وذلك لكي يستر قائده في هجومه علي اللنشات المعاديه ويشتت طلاقاتهم  

اندفع الرائد منعم في بساله تجاه اللنشات واعتلي احدها بينما انقسم الرجال خلفه ووزعوا انفسهم سريعا علي اللنشين

ودارت معركه حاميه الوطيس علي سطح اللنشات وفي جوفها ، أستخدم بعض رجال المشاه السلاح الابيض والقنابل اليدويه في قتالهم ، وبعد لحظات عاد الرجال يحملون ثلاث من رفاقهم المصابين بينما بقيتهم تطلق نيرانها لستر الارتداد تجاه الخنادق وتكبيرات الرجال تمتزج مع اصوات المدفعيه والرشاشات ، وتعالت النيران من احد اللنشات سريعا وبعدها انفجر بقوة مضيئا شاطئ الجزيرة وكاشفا عدد من اللنشات خلفه بمسافه كبيرة .

اتاح انفجار اللنش الي خيري ورفاقه ان يقوموا بتعديل نيرانهم والتصويب بشكل اكثر فاعليه ،وببطء انسحب اللنش الاخر من شاطئ الجزيرة عائدا الي مسافه كبيرة للخلف وقد ُمِزق بدنه بالعشرات من الطلقات .

 

عاد الرائد منعم الي مركز قيادته، ووجد ان النقيب مصطفي انتقل الي داخل احد الخنادق الجنوبيه  المتقدمه يقود معركه علي الطرف الجنوبي للجزيرة بنفسه، وعلي الفور بدأ الشاويش عباس يشرح الموقف عن الدقائق التي ترك فيها القائد مركزة

(( بيحاولوا يتقدموا من كذا اتجاه ، تقديري انهم اكتر من 20 لنش منهم حوالي 4 او 5 شغالين ضرب هاون من بعيد،

انا شفت سيادتك عملت ايه ، والله العظيم انت بطل يا فندم )) لم يكترث القائد بملاحظه الشاويش عباس الاخيرة وسأل عن الاتصالات مع القياده ، فرد الشاويش (( الخط الصغير اتقطع بس عماد بتاع الجماعه الفنيه بيصلحه دلوقت )) واثناء الحديث اضاءت احد الطلقات المضيئه سماء الجزيرة فبهت الشاويش عباس قائلا (( ايه ده ؟!!!!!!!! يا فندم انت مصاب في كتفك )) فنظر القائد الي الدم المنساب من كتفه ولم يكترث بتلك الشظيه التي اصابته في كتفه والتي لم  يحس بها في غمرة انفعاله ، ثم لمح الجندي عماد منبطح علي الارض وهو يحاول اصلاح السلك التليفوني ، فمن المهم جدا ان يتم الاتصال بالقياده ، كانت الشظايا الملتهبه تتطاير حول الجندي المسكين والذي يعمل بكل جد لاصلاح العطل لكي يؤمن الاتصال بالقياده ، فأشفق القائد عليه جدا ودعا له الله في سرة بالسلامه والتوفيق .

كانت المعركه حاميه الوطيس حول الجزيرة بكل معاني الكلمه فالعدو يحاول بكل الطرق انتزاع موطئ قدم علي شاطئ الجزيرة لكي يعزز هجومه ويحتل الجزيرة ، وكانت اللنشات تقترب من كل اتجاه محاوله النزول ، لكن طلقات قوات المشاه والمدفعيه التي تعاونها اصابت عدد من اللنشات المقتربه وجعلت اقترابها من الشاطئ شبه مستحيل .

توقف تبادل اطلاق النيران لمده دقائق اتاحت للجنود التقاط انفاسهم ، وبدأت جماعات الاسعاف في اسعاف الجرحي والذي كان معظمهم من قوات المشاه ، وعاد النقيب مصطفي الي مركز القياده وهو يلتقط انفاسه بصعوبه قائلا

(( ولاد الكلب شكلهم ناويين ينزلوا علي الجزيرة باي شكل )) فرد القائد (( ده ُبعُدهم ))

وبعد دقائق بدأ ضوء الفجر في البزوغ وبدأت لنشات العدو في الظهور علي مسافات متفاوته وكان عددهم كبيرا بالفعل وايقن القائد ان ما قاله مصطفي صحيحا ، فرغبتهم في احتلال الجزيرة كبيرة جدا ، ولم ينسحبوا رغم تكبدهم خسائر كبيرة

وبعد فترة  تم رصد اقتراب لنشات معاديه من الاتجاهات المختلفه بينا تكلف اربعه زوراق ببدء قصف الجزيرة مره اخري بقذائف الهاون تمهيدا لاحتلال الجزيرة .

قدر القائد الموقف جيدا وادرك ان احتمالات نجاح العدو في تزايد خاصه مع بدء نفاذ الذخيرة خاصه لدي قوات المشاه نتيجه الاستهلاك العالي للضرب منذ فترة قربت من الساعتين ، وعلي الفور التقط سماعه التليفون وطلب قياده التشكيل

في السويس ، وبعبارات قاطعه (( اضرب الجزيرة بالمدفعيه بعيده المدي- فورا ، احتمالات نزول العدو علي الجزيرة كبيرة والذخيرة قربت تخلص- عايزين دعم فوري – انتهي  )) تلقي القائد تأكيد بوصول أشارته وبأن الدعم المدفعي سيصله بعد قليل ، كان قرارة خطيرا ذلك الذي اتخذه القائد لكنه مدروس ومخطط مع قيادته ، فالطبيعه الصخريه للجزيرة تسمح للجنود بالاحتماء من شظايا المدفعيه في حين ان جنود العدو سيكونون في العراء واكثر تعرضا للضرب المدفعي فضلا علي التنسيق مع قوة المدفعيه في السابق في ضرب محيط الجزيرة مع وجود توجيه للمدفعيه بواسطه قياده الموقع .

بدأ خيري يبطئ من معدل نيرانه فاللنشات المعاديه اقتربت مسافه اقرب مما يمكن ان يوجه لها ماسورة مدفعه وهي مسافه ميته بالنسبه له ، فصاح ان يتم ابلاغ القياده بأن العدو سيهبط علي الجزيرة رغم النيران ،

 ولم يرد شديد بتأكيد الاشارة كالعاده ، فأستدار خيري معيدا الاشارة من جديد ، لكن لسانه عجز عن النطق عندما فوجئ بشديد ملقي علي الارض ووجه غارق في الدماء من تأثير شظيه اصابت رأسه ليسلم بعدها الروح فورا ، فأستدار خيري وبدأ يطلق نيرانه في غضب وحنق وقد طفت الدموع في عينيه .

 

ومن مكانه ببرج القياده لمح الرائد منعم الجندي عماد الذي يحاول اصلاح خط التليفون مع قياده التشكيل يتألم وظهرة مغطي بالدماء ، فأراد ان ينقذه مما هو فيه ويحميه من سيل المدفعيه المصريه المتوقع في اي لحظه ، وبنظرة سريعه وجد القائد ان كل ضباطه وجنوده مشتبكين مع العدو بشكل او بأخر مع العدو ، فركض بنفسه تجاه الجندي المصاب في نفس الوقت الذي بدأ فيه قصف المدفعيه المصريه وتحول محيط الجزيرة الي نيران رهيبه ودخان اسود وأتخذ الجميع طبقا للتعليمات سواتر للحمايه ، وتوقفت نيران القوات المصريه تاركه لقذائف المدفعيه المركزة تقوم بعملها بينما تكفل الشاويش عباس بتصحيح نيران المدفعيه عبر الهاتف

 

شاهد خيري من مكانه خلف شكائر الرمال قائده يعدو تجاه الجندي عماد والذي اختفي جزء من جسده تحت عدد من الصخور والرمال نتيجه انفجار قذيفه مدفعيه .

أقترب القائد سريعا من الجندي عماد ونزح الصخور والرمال المختلظه بالدماء من علي ظهرة ، وادار وجه الجندي  ليفاجأ بان الجندي البطل قد أسلم الروح بعد ان  أصلح عددا من الاسلاك وربطها جيدا وما تبقي منها وصله سريعا وأمسك بهم بأسنانه بقوة .

توقف الزمن بالقائد وهو يري الجندي الشهيد بملامحه المبتسمه بينما الاسلاك تمر عبر اسنانه لتؤمن اتصال الموقع بقياده التشكيل في فدائيه وتضحيه ، فترقرقت دمعه وهو يغمض عينيه ويقرأ له الشهاده و يعيده مكانه مرة اخري بهدوء كأنه طفل نائم ويخاف ان يوقظه  ، كان مشهدا مؤثرا لكل من يتابعه وخاصه خيري وهم يرون قائدهم وهو يغمض عيني زميلهم الجندي في حنان ابوي ، وبعد ثوان مرت كالدهر علي الجميع وسط تساقط قنابل المدفعيه وتطاير الشظايا ، انتصب الرائد منعم ليتجه الي مركز قيادته ليستمر في ادارة المعركه الشرسه ، وفور انتصابه انفجرت احد قنابل العدو بالقرب منه فيرتج جسده بعنف ، ويسقط القائد علي ركبتيه وعلي ملامحه نظرة الم سرعان ما تتحول لابتسامه باهته يتبعها تساقط خيط رفيع من الدم من تحت الخوذه  في هدوء ثم يسقط بقيه الجسد علي جثمان الجندي عماد ، ليقف الزمن بجميع من في الموقع وهو يشاهدون قائدهم المحبوب يستشهد وهو يحاول انقاذ جندي من جنوده، وامتزجت دماء القائد والجندي واستشهدا وهم يدافعون عن موقعهم ببساله وفدائيه وبطوله  لا فرق فيها بين قائد وجندي .

عادت الاصوات لتعود الي اذن خيري من جديد بعد ان اختفت لحظه استشهاد قائده ، وترقرقت الدموع وهو يمسح المنطقه حوله بسرعه ، فجثث زملائه وقائده تملئ ارجاء الموقع ، ومشهد استشهاد الرائد منعم امامه كان مشهدا مؤثرا ، فتعالي الغضب اكثر في عروقه وبدأ يطلق النيران علي اللنشات المقتربه من مدفعه الالي في هيستريه .

كان تركيز نيران المدفعيه المصريه شديدا وغير متوقع من الاسرائيلين الذين اصيب لهم لنشين واشتعلت النيران فيهم سريعا ولاذت بقيه اللنشات بالفرار ، وفور انسحاب اللنشات هرع الشاويش عباس طالبا من القياده وقف الضرب فورا

و توقف الضرب وانسحبت القوات الغازيه بعد فترة و دق جرس الامان معلنا انتهاء اسوأ غارة تتعرض لها الجزيرة الخضراء ، وجلس الجميع محاولين التقاط انفاسهم، واعينهم حائرة خائفه غاضبه حاقده لاعنه .  

وساد صمت غريب انحاء الموقع فور تناقل خبر استشهاد الرائد منعم وسط اوساط الرجال في كافه انحاء الموقع ، وبدأ عددا من الجنود  في تضميد جراح الجرحي وفي جمع القتلي في الساحه الجنوبيه والتي اصبحت مليئه بالحفر والشظايا نتيجه القصف طوال الساعات الماضيه.

ارتكن خيري علي سلاحه محدقا في جثه شديد والتي لا تبعد عنه سوي امتار قليله ومن بعدها بمسافه جثه قائده وهي تكاد تحتضن جثه الجندي عماد.

ومع تصاعد الشمس في كبد السماء ، بدأ النقيب مصطفي في اعطاء اوامرة بتمام استعداد اطقم المدفعيه تحسبا لهجوم جوي أخر

 

، واعطي اوامر اخري بتنظيف الموقع من مخلفات عمليات القصف تمهيدا لعوده الموقع لكفاءته مرة اخري

وكان يرمي من وراء هذه الاوامر هو الهاء الجنود عن الحزن الذي يعتصر كل منهم ولكي يعود التركيز مرة اخري الي العقول والي استعاده كفاءه القتال بسرعه ، ورغم الامه الشخصيه من فقدان قائده وصديقه الا ان النقيب مصطفي يعرف حجم المسئوليه الملقاه علي عاتقه الان كقائد الموقع والذي يعاني من خسائر عاليه في وقت اصبح فيه الاسرائيليين قاب قوسين او ادني من احتلال الجزيرة بالكامل وربما يستثمر نجاحه في انهاك دفاعات الموقع ويحاول مرة اخري احتلال الموقع .

مر الوقت علي الرجال في هذا الصباح بطئ وثقيل ، وما بين متابعه عمل جماعه الاصلاح والانقاذ وعمل فريق الاسعاف وبين متابعه سماء الموقع تحسبا لغارات جويه جديده .

صعد احد جنود المشاه برج الملاحظه ونزع علم مصر ، ورغم اعتراض عدد من الجنود الا ان الجندي اصر علي تغطيه القائد بعلم الموقع فأذعن الجميع واثنوا علي الفكرة، وبعيون دامعه شاهد الجنود قائدهم لاخر مرة قبل ان يغطيه علم مصر .

 

اما طاقم المدفع رقم سبعه فكان مثل بقيه الجنود ، صامتا مفكرا حزينا فقد خسروا زميلهم شديد وانعكس ذلك علي ملامح الجميع ، وكان وحيد اول من تحدث بعد فترة قائلا في نبرة حزينه

(( لله الدوام ، من شويه كان معانا ودلوقت مع اللي خلقه ))

فرد عبد الحميد (( تعرفوا ان الشهيد يتشفع لسبعين من اهله ولا يحاسب يوم القيامه ؟))

خيري وعينيه تمسح السماء (( يا بخته ، ياريت احصله ))

فقطع بولس الحوار الحزين بنبرة لائمه (( مالكم يارجاله ، هو شديد او القائد او اي شهيد تاني مات النهارده هيكونوا اول ناس او اخر ناس يموتوا ؟؟ هو مش احنا في حرب برضه ؟؟ يعني احنا ممكن نموت في اي لحظه زينا زي اي حد من الميت الف اللي علي خط النار زينا كده ، مش مهم هنموت أمتي او ازاي طالما كلنا مؤمنين اننا هنموت يبقي نقابل الرب واحنا عاملين واجبنا تالت ومتلت ))

لم يرد احد علي جمله بولس لكن العقول عملت بكد لكي تحاول ان تستوعب وتعي الحقيقه .

 

ومع ارتفاع الشمس الي كبد السماء وصل قائد الجيش الثالث يرافقه قائد التشكيل والدمنهوري وعددا من الصحفيين الي الجزيرة بحرا ، وكانت وجوههم مستبشرة خيرا ومعهم الكثير من الهدايا الرمزيه ، مر قائد الجيش علي كل الجنود وحياهم علي بطولاتهم وكفاحهم واثني علي ادائهم ، وبعد فترة من تفقده الموقع وانزوي بالنقيب مصطفي للحظات تاركا الصحفيين يلتقطون صور الموقع وخاصه لنشات العدو المحترقه قرب الشاطئ  ويجرون حوارات مع الجنود في وجود الدمنهوري ، ثم جمع قائد الجيش الجنود المتبقين جميعا حوله عند مقر القياده المتقدم اسفل برج الملاحظه ، فتجمع الجنود علي عجل حوله ، ووضح تأثر الدمنهوري الشديد من أستشهاد الرائد منعم ، الا انه حاول بصعوبه ان يظهر سعيدا مبتسما امام الجنود ، الا ان خيري نفذ الي عينيه ولاحظ الحزن يغلفهما بوضوح .

بدأ قائد الجيش الثالث حديثه الي الجنود مهنئأ ومادحا صمودهم امام غزو العدو ونجاحهم في التصدي لهم ، واثني علي بطوله الرائد منعم وكل من في الموقع ، واعلن لهم ان النقيب مصطفي سيكون قائدا للموقع من هذه اللحظه  ، ثم طلب منهم ان يقصوا عليه ما حدث منذ اكتشاف قوة الغزو ، وتباري الرجال في شرح ما حدث ، كل يحكي ما شاهده في ترتيب ، ونسب الجميع الفضل لخيري في اكتشاف الهجوم وتعامله بمفرده مع الطائرتين ليلا ، وتبسم الرجل ابتسامه رضا عندما اعاد حديث القتال الحماس الي الرجال ،واخرجهم من الصمت المطبق

ثم اضاف (( عندي لكم خبر هيفرحكم جدا )) فظهرت نظرات التساؤل من اعين الجنود ، فما الذي يمكن ان يفرحهم وجثث زملائهم التسع عشر ترقد علي مقربه منهم .

اخرج الرجل ورقه صغيرة من جيبه وبدأ يقرأ بصوت عال ما فيها

 

 

(( ده خبر من جرنال هارأتس الاسرائيلي النهارده الصبح ، الخبر بيقول -  قامت القوات الخاصه لجيش الدفاع بغارة ناجحه علي جزيرة يطلق عليها المصريون الجزيرة الخضراء شمال خليج السويس ، وقد بدأت الغارة قرب منتصف الليل عندما بدأت عناصر القوات الخاصه بمعاونه القوات البحريه والطائرات القاذفه ، بمهاجمه الجزيرة وسط تراشق كثيف للنيران ، وقد استطاعت القوات الجويه والبحريه تمهيد الطريق للقوات الخاصه والمدربه تدريبا عاليا ، والتي استطاعت النزول علي شاطئ الجزيرة من عده مناطق ، وسط دفاع عشوائي من قوة الدفاع الجوي المصري المرابطه في الموقع ، وفور اقتحام الموقع ، أستسلم عدد من الجنود المصريين فورا لقواتنا ، بينما قاتل اخرين حتي لقوا حتفهم ، وقد استطاعت قواتنا أسر 27 جندي وقتل حوالي 118 أخرين ، في حين أصيب فقط  19 جندي لقواتنا الخاصه وجاري علاجهم.

صمت الرجل وطوي الصفحه واضعا اياها في جيبه مرة اخري منتظرا رد فعل من الجنود والضباط الذين لم  يستوعبوا ما قاله قائدهم ، وظهرت علامات عدم الفهم علي الجميع فأستطرد القائد كلامه

(( من الواضح انهم جهزوا الخبر قبل بدء العمليات وكانوا واثقين جدا من النصر واحتلال الموقع وكمان عايزينه يكون خبر صفحه اولي النهارده وملحقوش الطبع ، وطبعا الجرايد سافرت كل حته قبل ما المعركه تخلص، والخبر ده يوريكم قد ايه اليهود عايزين يحتلوا الجزيرة وقد ايه هيه مهمه لهم ، وبعد العلقه السودا اللي اخذوها منكم امبارح اكيد هيحاول الانتقام منكم ، وتوقعوا هجمات غبيه منهم  في الايام اللي جايه))

 ثم اشار الي جثث الشهداء المسجاه بجوارهم

((الشهداء بتوعنا مامتوش هدر ، لا دول ماتوا وهم بيحاربوا بشرف ورجوله ونجحوا في منع العدو من النزول علي الجزيرة ، ودول احياء عند ربهم يرزقون ، مش عايزكم تزعلوا انهم ماتوا عايزكم تاخدوا بتارهم لما اليهود يهاجموكم تاني ، المصورين والصحفيين هينقلوا بكرة لكل جرايد الدنيا ان الاسرائيليين كدابين وان الجزيرة الخضراء مصريه وهتفضل مصريه )) وصمت لثانيه ثم هتف باعلي صوته (( تحيا مصر )) ورد خلفه كل الجنود في حماس وغضب (( تحيا مصر )) ومعهم هتفت صخور الجزيرة ومياه الخليج لتتحول الجزيرة مرة اخري الي موقع قتال مستعد ومنتظر عدوة في تحفز.

 

بعد قليل دعي الدمنهوري كل الجنود الي الصلاه علي الشهداء قبل نقلهم خارج الجزيرة ، ووقف الجنود والضباط أمام جثث الشهداء يصلون في خشوع وصمت ، وبنظرات دامعه ودع الجنود والضباط رفاقهم وهم ينقلونهم الي لنش الريس غريب .

 

وبعدها غادر القاده الموقع بعد ان وعدوا الجنود بسرعه امدادهم بذخائر ومدافع جديده بدلا من المدمر منها لكي لا يستثمر العدو ضعف الموقع مؤقتا ، ولم ينس الدمنهوري ان يقوم بتوزيع علب الهدايا علي الجنود والضباط واهدي النقيب مصطفي علما جديدا لمصر ليرفعه اعلي برج الملاحظه في اعلي مكان علي الموقع .

 

ومع حلول الظلام سمع خيري صوتا لمحرك زورق ثقيل ، وتنبه الي اشارات التعارف المتعارف عليها ، ورسي علي الشاطئ احد زوارق هيئه قناه السويس سابقا والذي يستخدم الان في المجهود الحربي ، وبواسطه رافعه الزورق الكبيرة ، تم انزال 3 مدافع جديده ، وعددا من الجنود الجدد وكما لا بأس به من الذخائر والتعينات .

وبعد انصراف الزورق جلس خيري وسط رفاقه بجوار المدفع يرتشفون الشاي في صمت ، وكل منهم في فلكه الخاص هائما مفكرا .

قال  بولس (( بأذن الله ننتصر ، احنا كويسين والله، وعاملين شغل كويس اوي ، شفتوا كلام قائد الجيش النهارده ؟))

صاح عبد الحميد بعد فترة منفسا عما في داخله (( ما هو صحيح يا رجاله ، مقدمناش الا النصر او الشهاده ، يعني يا نكسب يانموت ملهاش تالت ))

رد وحيد متهكما (( النصر او الشهاده ........................... ده شعار المدرعات انا عارفه كويس ))

تدخل خيري (( مدرعات مدفعيه طيران جن ازرق كله أسمه مصر ولما ننتصر كلنا هنرفع رأسنا تاني ، تخيلوا بقيه المواقع علي الجبهه لما تسمع عن اللي عملناه امبارح ، اكيد هيحسوا بأحساسنا لما بنسمع عن اللي بيعملوة او لما الرفاعي بيضرب ضربه من ضرباته ، يا ناس مصر كلها بتحارب ، واكيد هييجي وقت الناس هتعرف فيه الرائد منعم وشديد وقناوي وكل الشهداء عملوا ايه عشان يعيشوا هما في امان وراسهم مرفوعه  ))

فرد وحيد ظهرة علي الارض واخذ نفسا عميقا من سيجارته وتسأل (( هو الطيران بتاعنا ماجاش ليه ليله امبارح يساعدنا؟))

رد عبد الحميد بصوت ملئ بالمرارة وهو ينظف سلاحه الالي (( للاسف يا اخ وحيد ، الطيران بتاعنا ميقدرش يطير بالليل، الطيارات اللي عندنا لازم تكون في المطارات قبل اخر ضوء ومتقدرش تعاونا بأي شكل بليل ))

فتساءل بولس (( أشمعنا اليهود ولاد الجزمه بيضربونا بليل؟ ))

رد عبد الحميد بينما ظل خيري مستمعا (( ياعم اليهود عندهم طيارات جامده مش الخرده اللي عندنا ))

وظل الرجال في حوارهم فترة حتي قطعها وحيد متسائلا (( تفتكروا اليهود هيضربونا تاني ؟ ))

 

 

جاء الرد علي سؤال وحيد في اليوم التالي ، فمنذ الصباح الباكر تعددت غارات العدو علي الموقع بصورة عصبيه جدا ، فتوالت موجات الهجوم الواحده تلو الاخري تلقي بقنابلها بلا تصويب او تركيز ، ورغم الدفاعات المحكمه الا ان كثافه الغارات ادت الي وقوع بعض الخسائر خاصه في اطقم المدافع الجديده والذين لم يكتسبوا بعد خبرة في التعامل مع غارات العدو القويه .

ولاحظ خيري اثناء تلك الغارات ان طائرات العدو تلقي اكبر قدر من القنابل حتي ولو كانت في وضع غير جيد للتصويب مما يعني ان هناك روحا من الانتقام تتملك الطيارين الاسرائيلين للانتقام لقتلاهم من القوات الخاصه عند غزو الجزيرة مما يعني انه بمساعده رفاقه قد تمكنوا من التاثير علي معنويات العدو وايلامه بشده .

في تلك الغارةاستطاع خيري اصابه طائرة ، وازعاج عدد كبير من طائرات العدو وعدم تمكينها من قصف الموقع .

 اثناء الغارات شاهد الجميع  النقيب مصطفي يجري من مدفع لاخر حاثا الرجال علي الاجاده وباعثا فيهم التحدي خاصه عندما تكرر تذكيرة لهم بأستشهاد قائدهم ورفاقهم أمس مما دفعهم للقتال بصورة اعنف .

كان خيري وما تبقي من زملائه القدامي يعرفون تمام المعرفه ان تلك الغارات المتواليه علي موقعهم وبتلك الشده شيئا جديدا في التكتيك الاسرائيلي ضد مواقعهم حيث استخدموا كما كبيرا من القنابل لقصف الموقع وهو اسلوب غير معهود من اليهود ، لكن غاراتهم الهيستريه قابلها صمود كبير من الجنود.

 

وبعد انتهاء الغارة ليلا بدأ الرجال في حصر الخسائر البشريه والتي كانت عبارة عن شهيد وعده جرحي وتقييم الاضرار الماديه والتي لم تكن كبيرة ، وكان نجاح الموقع في الصمود امام هذه الغارة القويه جدا دافعا لرفع الروح المعنويه للجنود

شئ اخر ساعد علي رفع الروح المعنويه للرجال الي عنان السماء ، ففي اليوم التالي نشرت معظم الجرائد في اخبارها الرئيسيه تفاصيل المعركه وصمود الموقع ونجاحه في صد غزو بحري معادي بقوة كبيرة ،وبرز اسم المقاتل خيري في عده مقاطع من الخبر .

حضر الدمنهوري ذاك الصباح حاملا عددا كبيرا من الجرائد والتي تحمل عناوين تتعلق كلها بالجزيرة الخضراء وبها العديد من الصور للموقع وخاصه لنشات العدو المحترقه وصورة لعناوين الجرائد الاسرائيليه التي تبرز نجاحها في احتلال الجزيرة ، وشرع في توزيعها علي الجنود رافعا روحهم المعنويه الي عنان السماء ، فما قاموا به يعرفه الان العالم اجمع فما اجملها من لحظه ، وامضي الجنود وقتا يطالعون الجرائد ويعيدون قراءه المقالات أكثر من مرة ، وأمضي الرجال يوما سعيدا رغم غارات العدو المتقطعه والتي اصبحت بالنسبه لهم شيئا معتادا تعودوا عليه تماما

 

مرت الايام علي الرجال في الموقع يقاتلون يوميا طائرات العدو وتزايدت الاصابات في طائرات العدو الا انه كان يعود اكثر تصميما علي القضاء علي هذا الموقع ، وتردد صيت الجزيرة في انحاء مصر من شرقها لغربها  وتابع الشعب اخبار المعارك يوما بيوم،  وتحول الموقع الي بؤرة اعلاميه للصحافه في مصر مثلها مثل رأس العش وإغراق ايلات وعمليات الرفاعي السريه

 

وأما الجزيرة والتي تعادل مساحتها مساحه  مربع سكني في حي صغير بوسط القاهرة ، فقد مثلت رمز الصمود في هذه الفترة  وظهرت بطولات الرجال كبقعه ناصعه البياض علي ثوب مصر الاسود في تلك الايام، وتوافدت الرسائل علي قياده الجيش الثالث تطلب عمل مقابلات اذاعيه مع الجنود وخاصه خيري زكي والذي اطلقت عليه احد المذيعات لقب صائد الطائرات ، لكن القياده رأت ان الجنود يقومون بعملهم وواجبهم علي اكمل وجه ، وتسليط الاعلام علي عملهم لن يخدم الموقع بقدر ما سيجعل العدو اكثر تحفزا علي تدميرة .

كانت الجزيرة هي رمز مصر في الصمود في تلك الفترة واقترن اسم خيري دائما بالجزيرة وبالرمز ، حيث اصبح خيري والجزيرة الخضراء أسمين لا يفترقان ، فطالما ذكرت الجزيرة الخضراء ذُكر خيري ،والذي ذاع صيته في اروقه الجيش الثالث أيضا .

وبعد عده أيام حضر الملازم اول احمد ليتولي قياده قوة المشاه تحت قياده النقيب مصطفي قائد الموقع ، وظهر من اول لحظه ان احمد يمتلك مقومات عسكريه كبيرة وثقافه عاليه ، وهو ما ظهر من دسته الكتب التي حملها احد الجنود الي غرفته ، ووضح ايضا مع تلك التدريبات البدنيه المبتكرة التي نفذها مع رجاله ببراعه تامه ، فلاحظ الجميع ان احمد لديه النشاط والحماس اللازمين لقياده قوة المشاه .

في تلك الاثناء كثرت زيارات الدمنهوري والذي ظهر تركيزة علي معنويات الجنود في هذا الموقع المتقدم والذي يعاني من تركيز العدو الجوي عليه بصورة كبيرة ، واثناء حوارات الدمنهوري عرف الجنود بأن دشم الدفاع الجوي بدأت في التقدم تجاه الجبهه رغم القصف الجوي المستميت عليها ، وذكر لهم عده قصص عن تفاني العمال المدنيين في عملهم وعدم تركهم امكانهم في حاله وجود انذار بغارة جويه معاديه ضاربين المثل والقدوة في التفاني والوطنيه ، فقد أدركوا مثلهم مثل بقيه اطياف الشعب مدي ضراوة تلك المعركه التي تدور رحاها ، ومدي اهميه عناصر الدفاع الجوي فوق القوات لكي تتحرك بحريه لتحرر الارض ، فتواصل العمل ليل نهار لكي يتم الانتهاء من تلك الدشم في اسرع وقت ، وذكر لهم ان النسق الثاني قد اكتمل منذ ايام في حمايه النسق الاول شرق القاهرة وفي ظل ضغط جوي كبير ورغم المئات من الشهداء والمصابين فقد دخلت الصواريخ تلك الدشم في امان، وزاد حديث الدمنهوري من صمود الرجال ومن اصراراهم علي تحقيق شئ ملموس يخدم مجهود المعركه ويقلل العبء عن بقيه القوات .

وتطرق الدمنهوري ان دخول تلك الصواريخ الي الجبهه سيقلل ان لم يكن سيمنع غارات العدو الجويه علي موقعهم تماما

مما جعل خيري يشعر بالحنق ، وبدأ التفكير فعليا في طلب النقل الي موقع اخر متقدم ، فما فائدته في موقع لا يتعرض لغارات العدو ولا يقاتل فيه ، فقد وضع لنفسه هدفا وهذا الهدف لن يتحقق الا بالقتال المتواصل العنيف ، لكن ملحوظه الدمنهوري التي قالها وسط حديثه ان تلك الصواريخ لن تصل للجبهه قبل عام علي الاقل بعد ان يكون النسق الرابع قد انتهي ، تلك الملحوظه اراحت خيري قليلا وجعلته يرجئ تفكيرة في النقل مفضلا التركيز علي القتال بكل كفاءة .

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech