Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

السرب 77 قتال - الفصل التاسع

 

نهايه حرب وبدايه حرب

 

وصلت الامور لمستوي خطير جدا في حرب الاستنزاف ، فقد تحمل الجانبين خسائر فادحه وكانت مكاسب المصريين قليله لكن مهمه ، ومكاسب الاسرائيلين قليله وغير مهمه ، فقد أكتسب الطيارين خبرة لا يعادلها سنوات وسنوات أخري من التدريب وهي خبره الاشتباك المتواصل مع العدو، وهو ما أطلق عليه التطعيم بالدم ،ورغم تساقط الشهداء الا ان ذلك لم يمنع الطيارين من فرض سيطرتهم علي القناه ، وأصبحت كل طائرة إسرائيليه تعبر القناه تواجه عددا من الطائرات يعترضها ، ورغم أستغلال العدو للثغرات في نطاقات الرادارات المصريه ونفاذه منها وقصفه للاهداف، الا ان ذلك لم يمنع الطيارين من مواصله الاشتباك في ظل الامكانيات المتاحه ، وكانت الروح المعنويه للطيارين تعلو مع كل أشتباك ، فالطيارين الاسرائيليين ليسوا بمثل هذه المهارة ، نعم هم علي مستوي عال جدا ، لكن من الممكن إسقاطهم ، فهم في النهايه بشر ، وليسوا وحوش لا تقهر كما تصورهم الجنود والضباط بعد النكسه

 

ومع بدايه عام 1970 كان قد مر عامين ونصف العام من القتال المتواصل مع العدو ، ووقف الجيش المصري علي قدميه مرة اخري وخرج من عثرته ، وأصبح الجميع في شوق وانتظار للحظه العبور وكان كل مقاتل يعمل ويتدرب وذهنه في لحظه التحرير .

اما السرب 77 فقد أشترك في عده تدريبات للعبور خلال عامي 69/70 فتدرب علي حمايه القوات وهي تعبر علي احد فروع نهر النيل ،وكانت الاحاديث الجانبيه بين الطيارين لا تكف لحظه عن ذكر العبور واستعاده سيناء .

ومع بدء يناير 1970 ضرب الاسرائيلين مصنع أبو زعبل للصناعات وأستشهد 70 عامل في تلك الغارة التي قامت بها الفانتوم مخترقه كافه الدفاعات بدون ان يحس بها أحد ، وكانت ثورة الطيارين عاليه من عدم كشف الطائرات الفانتوم وطالب عدد اخر بالرد بالمثل بقصف هدف مدني ،الا ان القاده وبصعوبه بالغه أستطاعوا كبح جماح الطيارين الصغار .

وفي فبراير أستطاع السرب اعتراض تشكيل فانتوم وميراج فوق بحيرة المنزله ،فالقت الفانتوم قنابلها فوق مياه البحيرة وأنسحبت هاربه، واستطاع محمد تدمير طائرة ميراج بينما أصيبت طائرة أحمد وأضطر للقفز منها مرة اخري .

وبعد يومين عاد الدمنهوري للظهور مرة اخري بعد فترة غياب ،عاد محملا بكميات من الهدايا للطيارين ، ومبلغا أياهم تحيات الرئيس عبد الناصر والتي كانت بالنسبه لهم اكبر من اي هديه اخري.

في تلك الزياره تسأل أحمد عن بقيه المطارات السريه التي قيل انها تعمل ،فرد الدمنهوري بأن اجراءات الامن تحتم عليه الا يخبرهم بمواقعها والا يعلم بمواقعها الا عدد محدود جدا لتظل سريه ، واضاف الدمنهوري بان هذه المطارات حققت المطلوب منها تماما ، فقد شتتت مجهود العدو الذي اصبح يتوقع وجود مطار في كل حقل وفي كل طريق ممر  

وساعد علي ذلك وطنيه الاهالي ،وقص عليهم الدمنهوري قصه جاسوس تم القبض عليه يحوم حول احد المطارات ويسأل الاهالي الذين انكروا معرفتهم بأي مطارات او طائرات ، وفي نفس الوقت قاموا بالابلاغ عنه في وطنيه وصدق وتفهم لوضع البلد، وتم القبض عليه 

وتساءل محمد (( طب وهنحارب امتي ؟؟ قصدي هنعبر القنال امته ؟؟ احنا علي نار ))

تبسم الدمنهوري وهو يدخن سيجارته ولم يرد ، ففهم الجميع من معرفتهم بالدمنهوري انه ليس مخول بالكلام في هذا الموضوع

فتدخل طارق متسائلا (( بمناسبه الجواسيس ، احنا من فترة شاكين ان في حد مراقب طلعاتنا كل مرة نطلع في دوريه ، نلاقي اليهود مطلعين طيارتين تلاته علي طول ))

تبسم الدمنهوري مقاطعا (( فيه جواسيس مش عارفين نعمل لهم حاجه ، الاول فوق جبل او خشيب وده مركز مراقبه وتصنت الكتروني متقدم جدا ، وده راصد الدلتا كلها عندنا لغايه القاهرة ، ومهما ضربناه بالطيارت ، يرجع يشتغل تاني بعد فترة )) وصمت قليلا ليلتقط انفاسه ، فتساءل احمد (( والتاني؟؟؟))

فرد الدمنهوري (( الجاسوس التاني ، دي طيارة ستراتوكروز للاستطلاع الالكتروني ، ودي طياره فيها اجهزة بترصد نبضات الرادار والاتصالات وتقدر تحدد للطيران الاسرائيلي مواقع الصواريخ عندنا بدقه عشان يضربوها وبترصد الاتصالات اللاسلكيه وبتتصنت عليها ، ودي مش عارفين نوصل لها بالصواريخ ، ولانها بتطير علي مسافه داخل سيناء وبالليل معظم الوقت فمش عارفين نصطادها ))

عمر (( احنا فعلا متابعين طيرانها وعاملين جدول لتحركاتها ))

خالد ((وايه خطورتها دي ؟؟))

  الدمنهوري منفثا دخان سيجارته (( المعلومات اللي عندنا انها بتتصنت علي المكالمات التليفونيه للخطوط العسكريه وبتسجلها ، ودي لوحدها مصيبه ، وكمان زي ما قلت لكم بترصد نبضات الرادار ، فبسهوله تقدر تعرف مواقع الصواريخ عندنا وتفرقها عن الهيكلي ))

أحمد (( وهتعملوا ايه معاها دي ، ومع مركز جبل ام خشيب ؟؟؟))

الدمنهوري (( الموضع متصعد لاعلي مستويات في القياده لاتخاذ القرار ))

 

طائرة ستراتوكروز إسرائيليه

 

بعد هذا اللقاء بعده  أيام عاد عمر للتدريب استعدادا للطيران مرة اخري بعد ان أكد الطبيب جاهزيته للطيران والتئام العظام مرة أخري ، فبدأ في عمل الاختبارات اللازمه لكي يعود ،وبالفعل عاد للطيران مع سربه في منتصف مارس ، في نفس الليله  حضر الدمنهوري مرة اخري  وكان الطيارين منهكين من تعدد الاشتباكات والطلعات المستمرة ، وجلس الرجل وحوله الطيارين والفنيين كالعاده يرتشفون الشاي بين الطائرات ، بدء الرجل حديثه ليخبر الرجال ببدء وصول وحدات سوفيتيه للدفاع عن العمق المصري

فأنتفض الجميع مستغريبين من هذا الامر ، فهل تورطت مصر في استعمار أخر ؟؟

لكن الرجل بكل هدوء امتص غضبهم المتصاعد واخبرهم بأن ذلك بناء علي طلب الرئيس عبد الناصر

فتزايدت دهشه الجميع وخاصه عمر غير مصدق دعوة الرئيس لاستعمار جديد

فضحك الدمنهوري قائلا (( لا متخفوش خالص – القوات دي لها قواعد مش هتتحرك خارجها ، لها دور محدد وصريح الا وهو الدفاع عن العمق عشان انتوا تعرفوا تركزوا علي الجبهه بس ))

محمد غاضبا (( واحنا مكناش عارفين ندافع عن بلدنا ؟؟؟؟!!))

الدمنهوري (( لازم تعرفوا ان عددكم كطيارين قليل جدا مقارنه بمساحه العمليات المطلوبه ، وكان لازم احنا نعمل تصرف يمنع الاختراق الاسرائيلي المستمر للعمق من نجح حمادي لابو زعبل وطبعا انتوا عارفين ان الطيار اللي بيستشهد بنعوضه بعدها  بعد كام سنه مش أقل من تلات سنين ،يبقي هنعرف نتفرغ للتدريب علي العبور إزاي ))

أحمد بصوت قلق  (( وحجم القوات دي أيه ؟؟))

الدمنهوري (( الاتفاق علي 95 طيارة ميج 21 معدله بطياريها وكتائب سام 3 المطورة لحمايه السد والعمق ، وكمان عدد من الطيارات الميج 25 المتطورة جدا ودي للاستطلاع ، اما الحاجه اللي هيجيبوها معاهم وانتوا محتاجينها  هي معدات حرب الكترونيه تحمي الرادارات من شوشرة الطيارات وبكده نحقق لكم رصد وتوجيه ممتاز لاهدافكم )) صمت الرجال قليلا يفكرون فيما قاله الرجل ،

فتساءل طارق (( اماكن تمركز الطيارات فين ؟؟)) الدمنهوري (( هيكونوا في القواعد الخلفيه للعمق زي كوم اوشيم بالفيوم وجناكليس قرب اسكندريه وقاعده بني سويف ، والتعليمات انهم يشتغلوا للحمايه والدفاع الجوي فقط ، وقريبا جدا هتروحوا زيارة لسرب سوفيتي لتبادل الخبرات ))

وبالفعل بعد عده أيام كانت طائرة هليكوبتر تهبط في قاعد بني سويف ليلا حامله  طياري السرب 77 وعدد من الفنيين ، وتمت مشاهده عدد من الطائرات الميج 21 يتم دهانها بالالوان المصريه ، وتحاور الفنيين مع نظرائهم السوفيت في امور الصيانه ، وعقد الطيارين اجتماع مع الطيارين  وعدد من المستشارين السوفيت في حضور العقيد فريد وكعاده تلك الاجتماعات ، فقد كان حوارا عصبيا من الجانبين ، فقد أصر السوفيت علي ان الطيارين المصريين دون مستوي القتال المطلوب حتي بعد تطوير الميج والسوخوي بناء علي طلبهم ، وان الطيارين المصريين ينقصهم الجرأه في الاشتباكات ، وان الروح الانهزاميه تملئهم ويجب ان يكونوا اقوي واصلب لكي يكسبوا الحرب المقبله .

وبينما المترجم يترجم كلمات المستشارين والطيارين السوفيت ، أحتقن وجه جميع الطيارين وتعالي الغضب داخل النفوس ، وأحس احمد بأن هذ الاجتماع من الممكن ان ينتهي بكارثه ، فمال علي العقيد فريد وتمتم ببضع كلمات ثم أشار لطياريه ، وغادر طياري السرب غرفه الاجتماعات في هدوء تاركين العقيد فريد يشرح للمستشار السوفيتي ان ما قاله يتعدي حدود الواقع ويشيع الاحباط في الرجال وانصرف غاضبا هو الاخر ، تاركا الدهشه تعلو وجوه الفريق السوفيتي .

وفي طريق العوده انطلق الغضب المكتوم من الطيارين علي اسلوب السوفيت المتعجرف المغرور وكانت التعليقات من الجميع غاضبه عدا أحمد الذي جلس مبتسما  وعندما تسائل محمد عن سبب تبسمه رد احمد

(( بحمد ربنا ان السوفيت ميعرفوش حاجه عننا ولا عن مطارنا ، والا كان زماني مموتهم كلهم )) فتغير مسار الحوار بالتندر علي رد فعل كل منهم لو كان السوفيت يقبعون في مطارهم ، كما يقبعون في كافه المطارات الاخري وأستكمل أحمد سائلا عمر (( الموجهه اللي استلم مكانك مستواه كويس ؟؟))

عمر (( دربنا عدد من الضباط المؤهلات ودول كويسين جدا ، وفي عدد من الطيارن المصابين برضه ماسكين التوجيه ، لا تقلق نهائيا من الموضوع ده )) فأعتدل أحمد في مقعده وأغمض عينيه فترة ، تبعه عمر حتي غاص الاثنان في نوم عميق ، فمال طارق ناحيه وليد (( مش قلت لك إن عمر ممكن ينام في أي مكان )) وضحك الاثنان

مرت عده أيام علي تلك الواقعه ، وبدأت بشاير المعدات الالكترونيه السوفيتبه الجديده في الظهور ، فبدأت البلاغات باقتراب طائرات معاديه تتم مبكرا ، مما أعطي وقتا كافيا لاعتراض الطائرات المعاديه قبل دخولها لاهدافها ، ثم صدرت الاوامر في الرابع من ابريل بعمل مظله لحمايه تشكيل ميج 17 عائد من قصف مركز أم خشيب الحيوي ، فأقلع احمد وعمر ومحمد وظل الباقي في وضع الاستعداد بالمطار

هاجمت القاذفات هدفها وبدأت في خط العوده ، وأفاد الموجهه بوجود طائرات مطارده للقاذفات ، اعطي احمد اوامرة لمحمد وعمر بالانخفاض لعمل كمين للطائرات المطارده ، وبدء تنفيذ خطه تم وضعها مسبقا ، فطار احمد منفردا ، ثم انحرف بعد مرور القاذفات ، فتتبعته مقاتلتين ميراج ،

فأنخفض بطائرته مناورا مبتعدا عن الميراج ، بينما انحرف عمر ومحمد بهدوء خلف الطائرات المطارده التي لن ترصد وجودهم بعد ، وبدؤا في اتخاذ وضع الضرب

 

أنتبهت احدي الطائرات الميراج للكمين فانفصلت عن المطارده فتابعها محمد بينما عمر يقترب من الاخري التي تناور خلف احمد بكل مهاره ، وفي لحظه أطلق عمر دفاعات مكثفه من مدفعه ليصيب الطائرة في محركها وتشتعل فيها النيران ، ويكبر عمر فرحا بتدميرة لطائرة العدو ، بينما أحمد يتنفس الصعداء من تخلصه من مطارده والذي كان علي مستوي جيد جدا في المطاردة ، يتساءل احمد من محمد علي وضعه ، فيرد الاخير بانه يركب ذيل الميراج الاخري ، لكن طيارها علي درجه كبيرة من الكفاءة ، ولا يستطيع ان يدخله في دائرة الضرب بسهوله ، يصل عمر ومن بعده احمد لسماء المعركه فوق القنطرة غرب ، ويساعدان محمد في تطويق الميراج ، افاد موجهه ابو صوير باقتراب طائرات معاديه ، وجاء الامر من القياده بالتخلص من الاشتباك سريعا ، فيتعجل محمد في اطلاق صاروخين يضلان الطريق ، بينما أحمد وعمر يساعدانه والطيار الاسرائيلي يقوم بمناورات حاده للتخلص من الاشتباك بمهارة ، ثم يأتي امر اخر من القياده بالتخلص من الاشتباك حالا  فينفذ الجميع ذلك ، وفور اتجاههم غربا يرصد احمد صاروخين أنطلقا من خلف قواتنا غرب القناه ، ليطاردا الميراج الاسرائيليه ، لكنها تتمكن ايضا من الافلات منهم .

وبعد العوده للمطار ، يقف محمد يدخن سيجارته مع عمر واحمد ويقول (( انا نفسي اقابل الطيار الاسرائيلي ده تاني )) فيتساءل عمر عن السبب ويجيب محمد

(( ده طيار ممتاز ، وعندي احساس اني لو شفته علي الارض هاسلم عليه )) فنظر أحمد مستغربا من مشاعر محمد (( غريبه ...صح ؟؟؟ بس ده الاحساس اللي جوايا ناحيته ، حاولت معاه كل المناورات الممكنه واللي اتعلمتها ، وفي كل مرة بيخرج قبل ما أقدر أضرب عليه طلقه واحده، عشان كده انا مش زعلان اني مقدرتش اوقعه  )) أجاب محمد

كانت مشاعر الطيارين غريبه جدا بعد كل اشتباك ، فهم في معركه إما يقتلوا فيها او يقتلوا العدو ، لكن الاحساس بالاعجاب من كفاءه طيار معادي او عدم كفاءته فقد كانت موجوده لكنها نادره الحدوث في وسط كم الموت والدمار المشتعل في السماء .

بعد عده أيام وبينما الرجال قابعين في طائراتهم منتظرين الامر بالاقلاع لاي مهمه ، مرت فوقهم طائرات فانتوم علي ارتفاع منخفض جدا هز الارض من تحتهم وهي تتجه غربا ، وبدون انتظار اي أوامر بدأت الطائرات في الاقلاع سريعا وبينما أحمد يبلغ بالاختراق المعادي أقلع وأتخذ أتجاه الغرب ، لكنه لم يعد يري تلك الطائرات ، فطلب من مطار ابو صوير توجيهه ، لكن الموجهه افاد بان الرادار لا يري اي شئ .

فأغتاظ احمد جدا وطلب من خالد ووليد ان يمسحوا السماء بحثا عن أهداف ، لكنهم لم يروا اي اهداف معاديه ، وظل الاتصال مفتوحا مع القياده بحثا عن تلك الطائرات التي اختفت ، وبعد قليل تم رصدهم فوق القنطرة عائدتين الي الشرق بسرعه كبيرة ، وضاعت فرصه اعتراضهم ، فعاد احمد وطياريه يجرون اذيل الخيبه ، وهم لا يعلمون ماذا قصفت تلك الطائرات اللعينه وما الحقته من دمار ، وفي المساء جاء الخبر من الراديو ببيان للقوات المسلحه ،وعم الوجوم ارجاء المطار وهم يستمعون لصوت المذيع يختنق وهو يزف الي الامه أستشهاد 31 تلميذ من مدرسه بحر البقر الابتدائيه في محافظه الشرقيه جراء قصف طائرات الفانتوم لها ، فتعالي الغضب الي السماء من احمد ومحمد ، بينما وضع عمر رأسه بين يديه في ذهول غير مصدق الخبر ، أما طارق فظل يردد في غضب كلمه واحده ( حرام – حرام )..........اما وليد وخالد فقد تساقطت الدموع من اعينهم علي أستحياء في صمت ، وقد هبط الخبر عليهم كالصاعقه ، أفاق محمد من غضبه وبدأ يتكلم عاليا (( طب دول عيال ، ذنبهم ايه بس ، عيال في مدرستهم ينضربوا ليه؟ عملتهلم ايه اخلاق الحرب وكانوا هما اصلا عملوا ايه في دنيتهم ؟؟))

تمالك احمد اعصابه بسرعه بعد ان وجد ان الجميع قد فقد اعصابه ، فوقف بينهم والدموع تملئ مقلتيه

قائلا (( يا رجاله – دي الحرب ودي ضريبه الحرب، ومش متوقع من عدو كافر زي ده اقل من كده ، المهم نمسك اعصابنا ونحط الولاد دول في دماغنا في كل اشتباك جاي ، لازم ناخذ بتارهم برضه زي ما بنحاول ناخذ بتار زملائنا واهلنا في كل حته في مصر ))

فيرد وليد (( بس دول عيال يا فندم )) 

أحمد (( عيال مش عيال – احنا في حرب والناس كلها لازم تستحمل ، والجدع اللي يصمد للنهايه ، ولازم نخليهم يدفعوا التمن ...........لازم ))

 

 

مرت الليله كئيبه علي الرجال بكل ما تحمله من معاني ، وأمر احمد رجاله بفحص طائراتهم في محاوله منه لاشغالهم بعيدا عن التفكير في ذلك الحدث المؤلم .

في اليوم التالي جاءت تعليمات بتخصيص طائرتين فقط كحاله اولي مع الثبات علي الاستعداد العالي ، وعندما سأل احمد في مقابله بالقياده ، كان الرد بأن الدفاع الجوي سيتكفل بدور الاعتراض الجوي تدريجيا ، ولحين اكتمال انساق الدفاع الجوي سيظل السرب جاهزا .

مر يومين بدون قتال ، وتم السماح بفتح الاجازات بمعدل طيار واحد للسرب ، فنزل خالد وتلاه وليد ثم عمر وتلاه طارق ،أما احمد و محمد فكانا لا يرون ضروره للاجازة لان كل منهم مشتاق لقتال جديد مثلهم مثل باقي الطيارين

ومر شهر أبريل وقبل ان ينتهي شهر مايو حضر الدمنهوري سعيدا ، وعلموا منه بأنه منذ قليل تم التخلص من احد الجواسيس المزعجين لقواتنا ، وأستكمل قبل ان يسأله احد (( وقعنا الستراتوكروز))

فتهلل الجميع فرحا ، فقد كان اسعد خبر سمعه الرجال منذ أيام كثيرة ، وتساءل احمد (( ازاي ؟؟))

ورد الدمنهوري (( عملنا لها كمين – قائد الدفاع الجوي كان مركز جدا مع الطيارة دي ، الرجاله قدروا يرصدوا حركتها خصوصا برة مدي الصواريخ بتاعتنا ، فتم التنسيق مع رئيس الاركان ، انه يتعمل لها كمين محكم ، وفعلا من ساعه بس جت اشارة ان الكمين نجح والطيارة ولعت السما بمن فيها ))

تساءل عمر فرحا (( ووقعناها ازاي؟))  فرد الدمنهوري (( بطاريه صواريخ سام 3 أتحركت مع اخر ضوء لقرب شاطئ القناه في سكون تام وفي مكان مش متوقع ، ولما جت الطيارة طايرة بأمان لانها راصده مواقع صواريخنا وعارفه انها خارج المدي مسبقا ، ضربنا عليها صاروخين ، والاتنين ضربوها ))

 

 

حطام طائرة الاستطلاع استراتوكروز، وحولها الجنود الاسرائيليين

 

فتهلل الجميع طربا وأمضوا ليله سعيده ، أبعدت عنهم احزان ليالي ماضيه

في اليوم التالي صدرت الاوامر للسرب ، بحمايه تشكيل قاذفات ميج 17 متجهه لقصف مركز ام خشيب ، فتندر الجميع بأن الجاسوس الثاني في طريقه للسقوط ،فأقلع احمد وطارق وخالد وطارا في موازاه القناه انتظار لعوده تشكيل القاذفات او للتدخل لحمايتهم ، وكان ذلك الذي حدث بالفعل ، فقد تم الابلاغ عن اقلاع اربع طائرات معاديه ، فتوجه احمد للاشتباك معهم ، واقلع عمر ومحمد ووليد للتعزيز ، كانت الطائرات المطارده تقترب بسرعه كبيرة فأبلغ الموجهه انها أحتمال كبير تكون فانتوم ، فرد أحمد بالعلم وذكر طياريه بمذبحه بحر البقر ، وان وقت الرد قد حان .

عاد تشكيل القاذفات للغرب  بعد ان خسر طائرتين وعبر ما تبقي من التشكيل قناه السويس في الوقت الذي كان تشكيل عمر يطير شرقا علي ارتفاع منخفض ، وفور تأمين القاذفات  بدأ احمد ينسحب غربا هو الاخر عائدا وساحبا الطائرات المطارده له الي مدي وحده صواريخ قريبه، لكن الفانتوم ادركت الطعم جيدا ، وغيرت من خط سيرها لتصطدم بتشكيل عمر المقابل لها ، في نفس الوقت عدل احمد اتجاه تشكيله والتحم في المعركه  ، أطلقت الفانتوم عده صواريخ تجاه طائرات تشكيل عمر ، فأصيبت طائرة وليد لكنه قفز منها  قبل ان ترتطم بمياه القناه ، أما عمر فقد أشتبك مع الفانتوم ، ولدهشته البالغه فلم يقوم طيارها بمناورات قويه مستغلا امكانيات طائرته ليقع في دائرة نيران عمر الذي اطلق صاروخا ،أنفجر داخل محرك الفانتوم مشعلا أياها ، وفوق الساتر الترابي شرق القناه هبطت مظلتين تحملان الطيار والملاح ،

وبذعر بالغ انسحبت الطائرة الاخري بسرعه كبيرة تاركه سماء المعركه لطائرات السرب التي عادت للمطار وقبع  الجميع منظرين اخبار عن وليد .

وصل وليد للمطار قرب الفجر في سيارة عسكريه ، وكان واضحا عليه الانهاك الكبير ، فتهافت عليه الطيارون بعد ان أستيقظوا للاطمئنان عليه ، وبعد جرعه مياه سريعه  جلس وليد يقص علي زملائه ما حدث قائلا (( نزلت فوق كتيبه مشاه مصري ، وعلي حظي الاسود  الكتيبه دي كانت مشتبكه مع العدو ، فأخدني نقيب بسرعه وشدني داخل حفرة وقايه )) ثم اردف ضاحكا (( تعرفوا انهم في الجبهه بيسموا الدشم وملاجئ الوقايه بأسم – قفص القرود )) فضحك من حوله الا ان محمد رد بجديه (( فعلا في المشاه والصاعقه بيسموا الخندق قفص القرود – لان العسكري محشور جواة ومش شايف حاجه من الضرب اللي نازل علي نافوخه من اليهود ، بس قاعد مقرفص جواة زي القرد منتظر الفرج  ))،

 فعلق احمد (( ده شعور فظيع للعسكري من دول ))

 عاد خالد لصلب الموضوع متسائلا في فضول (( وبعدين ايه اللي حصل))

 فآستكمل وليد ((لما الضرب وقف بعد ربع ساعه ، قدرت اطلع من القفص ده ، وبصيت علي الناحيه التانيه من القناه ، لقيت اليهود بيسحبوا طيارينهم اللي وقعوا علي الساتر بتاعهم ، وكان واضح جدا ان فيه منهم واحد مصاب جامد ، لدرجه ان هيلكوبتر جت بعد ربع ساعه من توقف الضرب وسحبت الطيارين بسرعه ))

ثم أضاف مندهشا (( بس ايه الساتر ده ، دي حيطه علي القنال منشوفش من وراها حاجه خالص !))

فأضاف عمر (( ولا يقاتلونكم الا من خلف جدر – صدق الله العظيم )) فصدق الجميع أيجابا .

 

في عصر اليوم التالي هبط وليد بطائرة جديده، ليعود للسرب قوته الكامله مرة أخري ، وفي تلك الليله ووسط السكون والظلام المحيط ، خرج أحمد كعادته يتجول بين الطائرات والفنيين والجنود ، يطمئن عليهم ويحل اي مشكلات تحتاج لتدخله ، فوجد محمد يقبع في كابينه طائرته مفكرا وسارحا في همومه ‘ فأثر احمد الا يقاطع تفكيرة ومضي هو في سيرة الي ان جلس علي جذع شجرة وهام بتفكيرة في احداث عامين من القتال والموت ، وتذكر حواراته مع السمري والمليجي فتبسم ، وتذكر قائده السابق العميد تحسين ذكي والذي انقطعت اخبارة بعد ايام من النكسه  وتساءل عما حل به الان ، وتجول بتفكيرة في أيام النكسه العصيبه وتذكر مشهد قتل الاسري قرب القناه ، ومدي حزنه من عدم تمكنه انقاذهم فبعد عامين مازال غير متأكد من صواب ما قام به ومازال الشعور بالذنب يلح عليه علي فترات ،وتبسم عندما تذكر تدريبات مطار القطاميه مع المقدم محمد السيد وكذلك هجمات منتصف يوليو التي اعادت له الثقه مرة اخري، وبينما هو يشعل سيجارة اخري طاف علي مخيلته طابور طويل من صور الشهداء الذين سقطوا حوله ، وتساءل عما يحس به كل منهم وهو يقابل الموت بصدر رحب ، هل يحس الجندي بالرضا عما اداه او يحس بالحزن لعدم تأديته واجبه كما يفترض؟؟ هاجس غريب  لم يفارقه يوما منذ يوم 5 يونيو ، الا وهو ذلك الموت ، فمتي موعده ومتي سيحين دورة لكي يموت ، وهل سيكون قد أدي دورة كما ينبغي ؟

من المؤكد ان كل جندي وطيار بالمطار يتوقع الموت في اي لحظه ويحسب له الف حساب ، لكن من منهم يفكر في حساب النفس ؟ فهل اديت دوري كما ينبغي ام لا ؟ هل ارضيت نفسي من الثأر ام لا ؟ 

هاجس غريب لكنه واقعي في تلك الفترة العصيبه من عمر الفرد ، فالفرق بين الموت والحياه أصبح أرفع من الشعرة ، وفي اوقات كثيرة كان الموت اقرب اليه من اي شئ اخر في الدنيا ، فكم من مرة اصيبت طائرته وهوت وهو بداخلها ويده تمسك رافعه ستقذف به الي خارج الطائرة ، وكم من مرة سمع ان تلك الرافعه تتعطل ويقتل الطيار بسبب تلك الرافعه اللعينه ، ناهيك عن الشعور القاسي بالتخلي عن طائرة أعتبرها في وقت ما جزء لا يتجزأ منه وحارب بها ، يا الله من تلك الهواجس والافكار التي تعصف بالمقاتل علي الجبهه ،

في وقت ما تدفعه تلك الهواجس الي حب الحياه والتمسك بها والاندفاع الي امتصاص كل ما بها من ملذات ، وتاره اخري تجده زاهد في تلك الحياه مقبل علي الموت بكل سرعه كما هو الحال مع زميله محمد والذي سلم نفسه روحا وجسدا للموت ، فعندما يراقبه احمد اثناء الاشتباكات يجده  كطياري الكاميكازي الانتحاريين اليابانيين في الحرب العالميه الثانيه ، فطيرانه اقرب ما يكون من الانتحاري  وهي نقطه تميز واضحه له ، ففي مرات كثيرة يقوم محمد بمناورة تخالف المنطق والعقل لا لشئ الا لضرب العدو معرضا حياته لخطر كبير، هذه المناورات المجنونه تجعل العدو مرتبك وتضع محمد في وضع مناسب جدا للضرب ، أما عمر فهو يؤدي عمله باتقان وتفان مثله مثل باقي الطيارين ومن مميزاته انه ينسي حياته وزوجته بمجرد دخوله المطار ، فقلما يتحدث عن المستقبل أو سعاده الحياه الزوجيه فكل تركيزة منصب علي القتال ، أما طارق فهمه الاساسي والذي يؤرقه منذ النكسه هو إيجاد حل للخروج من تلك الحرب منتصرا ، وكم من مرة دار النقاش بينهم عن حل لهذه الازمه وللتفوق الاسرائيلي في الطائرات كما وكيفا ، وكان رد احمد دائما ان التدريب الجاد الشاق هو الحل الوحيد للنصر في المعركه المنتظرة ، اما وليد وخالد فقد صقلتهم الاشتباكات الجويه الكثيرة التي خاضوها واكتسبوا خبرات أكبر بكثير من كثيري ممن هم في سنهم علي مستوي العالم وليس مصر فقط ، فرغم تخرجهم من ثلاث اعوام تقريبا ، الا ان خبرتهم القتاليه تزيد عن خبرة قاده الويه واسراب جويه في دول عديده ، وأنعكس ذلك علي تصرفاتهم خاصه بعد استشهاد رفاقهم جمال وشريف ، أنعكس ذلك بحاله من النضج والهدوء والجديه قلما تجدها في شباب لم يتعدوا منتصف العشرينات من عمرهم، طافت كل هذه الافكار في عقل احمد ، وبينما هو ينظر لتلك الطائرات الواقفه بين الاشجار تغسل تعبها بندي الليل، طاف بذهنه في اليوم الذي ستعبر فيه تلك الطائرات لقناه السويس متجهه نحو قلب العدو ومسدده ضرباتها لقواته ، حاميه جيش مصر وهو يعبر محررا نفسه ومصر والعرب من عار هزيمه نكراء لا يد له فيها ، معيدا للامه كلها كرامه سلبت منه علي حين غرة .

ففي ذلك اليوم بالضبط منذ ثلاثه اعوام مضت كان اليأس والاحباط والذل يملئ جوانب احمد وكل رفاقه بعد ان تجرعوا هزيمه قاسيه بكل معاني الكلمه من قسوة ومرارة ، وحتي الان لا ينكر احمد انه لم يكن يري نورا في نهايه النفق المظلم ولم يكن لديه امل بالمرة ، لكنه صمد كما صمد كل جندي وضابط اخر في الجيش ، وقاتل كما قاتلوا جميعا ، وتقبل التضحيات وذاق طعم هزيمه العدو في معارك لكنه لم يذق بعد حلاوة النصر في حرب .

في تلك الايام يصل الدمنهوري حاملا اخبارا جديده ، فهنالك حائط منيع من الصواريخ يبني الان بطول الجبهه ، ورغم القصف المعادي المستمر الا ان العمل يتقدم ، وهو ما يعني وجود غطاء صاروخي كامل لقواتنا وقواعدنا الجويه ، وأستمر الرجل شارحا الموقف العسكري ، واردف ان الاخترقات الاسرائيليه للعمق قد توقفت عندما تم رصد الطيارين السوفيت عندما اعترضوا الفانتوم قرب منطقه السخنه جنوب السويس ، وعلي الفور زمجر محمد معترضا مبديا امله في ان يشتبك السوفيت مرة مع الاسرائيليين

الا ان الدمنهوري شدد علي ان الوجود السوفيتي لمصر لحمايه العمق وليس استعمار واحتلال ، وتابع الرجل تحليله للموقف العام ، بان قواتنا البريه أصبحت علي درجه جيده من الكفاءه يمكنها من تنفيذ اي عمليات هجوميه ٌتطلب منها .

ثم أردف الرجل بأن الوقت قد أقترب لكي ينالوا قسطا من الراحه، بعد ان يتولي الدفاع الجوي مهمه التصدي للطائرات المغيرة ، وبالفعل وبعد عده أيام يعقد مؤتمر بقاعده ابو صوير يجمع الطيارين والموجهيين الارضيين وعدد من قاده سلاح الدفاع الجوي ، وكان غرض المؤتمر تنظيم التعاون بين القوتين وتنظيم الممرات الامنه التي يمكن لطائراتنا استخدامها بأمان وحتي لا تتعرض لخطر صواريخ الدفاع الجوي .

وبعد عده ساعات من المحاورات والتعليمات عاد الرجال الي مطارهم يدرسون التعليمات الجديده

وفي الايام التالي وبدون اي اثارة لشكوك الاسرائيليين ، قام السرب بعده دوريات مستخدمين طرق الاقتراب والتقدم الامنه وسط منظومه الرادار المصريه

وفي اخر أيام شهر يوينو عام 1970 أعلن الدفاع الجوي المصري عن وجود في الساحه ، ففي ظل تأهب كامل من السرب تابع طياروة أقتراب طائرات العدو كالعاده ، وانتظروا الامر بالاقلاع لكن الامر لم يصدر ، انما توالت بلاغات الدفاع الجوي بإسقاط طائرات العدو وقتل وأسر طياريها حتي وصل العدد بنهايه اليوم الي ثمان طائرات ما بين سكاي هوك وفانتوم، بينما لم يصدر الامر للطائرات بالاعتراض  

 

ووسط تهليل وتكبير الطيارين والفنيين من أسقاط هذا العدد من الطائرات مرة واحده ، وسط تلك الفرحه أعلن الدفاع الجوي عن مولده الفعلي كقوة مستقله يٌعتمد عليها ، وفي اليوم التالي لاحظ الجميع شيئا غريبا جدا ، فلم تقترب طائرة إسرائيليه واحده من خط القناه ، وكان هذا يعني للرجال شئ واحد الا وهو ان إسرائيل تعد العده لشئ ما ، فتوقعوا ان يكون اليوم التالي حافلا .

في اليوم التالي تم أستمرار النجاح فتم إسقاط طائرتين سكاي هوك وطائرتين فانتوم في اليوم الذي يليه

وحتي العشرين من يوليو كان الرجال قد أحصوا إسقاط 13 طائرة إسرائيليه وأسر عدد كبير من طياري تلك الطائرات  وجاءت صرخات جولدا مائير من اسرائيل لامريكا قائله في الصحف

(( انهم (اي المصريين) يسقطون طائرات بملايين الدولارات بصواريخ بالاف الجنيهات ))

في نفس الليله حضر الدمنهوري حاملا عدد من الافلام السينمائيه واله عرض علي غير العاده ، وعلي الفور تم تجهيز غرفه الطيارين لعرض ما بجعبه الدمنهوري الذي قال (( ده اول استجواب لطيار فانتوم اسرائيلي ولازم تشوفوه بتركيز كبير ))

وعلي الفور اتخذ الرجال اماكنهم في حماسه وشوق   

بدأ الفيلم في غرفه رماديه الحوائط يتوسط ارضيتها  ثلاث كراسي فقط حول طاوله، بينما خلت الحوائط من اي نافذه ودخل ضابط مصري برتبه عقيد ويليه ضابط اخر برتبه نقيب وتلاهم طيار الاسرائيلي بملابس الطيران مقيد الايدي و معصوب العينين يقوده جندي من الشرطه العسكريه ،

لا يتعدي عمر الطيار الاسرائيلي اثنان وعشرون عاما بأي حال ، وعند نزع الغطاء عن عينيه علت عينيه نظرات رعب ،فأجلسه الجندي علي الكرسي المقابل للعقيد الذي بدأ في طرح الاسئله بينما يترجم النقيب الحديث الي العبريه وبالعكس

العقيد – هل عاملك المصريون جيدا حتي الان  ؟      الطيار – نعم

العقيد – هل تحتاج شيئا ؟                                الطيار – سجائر فقط

فأمر العقيد شخصا يقف بعيدا عن الكاميرا بأحضار سجائر وعلي الفور كان احد الجنود يشعل سيجارة للطيار ، بينما تهكم محمد بصوت عال قائلا (( ناقص كمان نقول له تحب تروح بيتكم أمته ؟؟)) فنظر اليه احمد بحده مشيرا اليه بعدم الحديث ،وأستكمل الطيارون متابعه الفيلم في تركيز وقد علا الرؤوس سحابه من دخان السجائر  ، ووضح علي الطيار الاسرائيلي الهدوء بعد تلبيه طلبه  .

 

العقيد – أسمك ورتبتك ؟            الطيار – ملازم أول رامي هاربيز

العقيد – سربك ؟                     الطيار – سرب بايت شيم من قاعده رافديم

العقيد – ماذا كانت مهمتك ؟        الطيار – لا اريد الاجابه عن هذا السؤال

العقيد – لماذا ؟                      الطيار – طبقا لاتفاقيه جنيف لا يحق لك سؤالي عن ذلك

العقيد – اذن ماذا يحق لي ؟        الطيار – ان تسالني عن اسمي ورتبتي ورقمي فقط وقد اجبتك بالفعل

 

تعالي التوتر بين الطيارين وهم يتابعون عجرفه الطيار الاسرائيلي في الرد بينما كان غضب محمد مكبوتا من المعامله الحسنه لاسير حرب وتذكر ما حدث معه في الاسر فعلت المرارة في حلقه

 

العقيد بهدوء – انت متهم بأرتكاب جرائم حرب وقتل مدنيين وهذا ضد اتفاقيه جنيف مما يعني انه يحق

                    لنا أن نحاكمك ونعدمك طبقا للاعراف الدوليه

الطيار برعب وقد سقطت السيجارة من فمه – .أ.أ..أنا لم ارتكب اي جرائم حرب

العقيد منفعلا – اذن ماذا تسمي ضرب مصنع مدني وقتل 70 عامل ثم ضرب مدرسه اطفال وقتل 31

                  طفل في مدرستهم، ما الذي صنعه هؤلاء الاطفال لكم لكي تقتلوهم

الطيار وقد علا الرعب وجهه – سيدي انا لم اشترك في مثل هذه الغارات

العقيد مواصلا انفعاله – لدينا معلومات مؤكده برقم طائرتك ، لن تفلت من الاعدام ولن تعود حيا

الطيار متوسلا – ارجوك سيدي صدقني ، انا لم أشترك في تلك الغارة إنما زملاء لي

العقيد ضاحكا – كيف أصدقك فزميلك النقيب عاموس زامير والذي  يقبع في زنزانه مجاورة قد اعترف عليك

                   من  فترة 

الطيار برعب – عاموس يكذب ارجوك سيدي صدقني

العقيد مبتسما – حسنا سنحاكمك علي أي حال من الاحوال ،لكن بعد ان تتعرف علي أساليبنا في نزع

                  اعترافاتك ،فلدينا أساليب تفوق ما لدي الاتحاد السوفيتي من تعذيب

 

خر الطيار علي الارض باكيا محاولا التماس عطف العقيد بالا يعرضه لتعذيب ،قائلا بانه سمع عن اساليب التعذيب السوفيتيه القاسيه ، وانه علي أستعداد للاجابه علي اي سؤال يسأله العقيد ،ثم توقف الفيلم لعطل في اله العرض.وبينما احد الجنود يصلحها ، تساءل احمد (( بسهوله كده عنده أستعداد يعترف ؟؟))

الدمنهوري (( اللي اكتشفناه إن الاسرائيلي بدون سلاح بيكون جبان جدا وبأقل وسيله ضغط بيعترف، دول ناس ميعرفوش معني الانتماء و الدين ، ولعلمكم الطيار الاسير التاني اعترف فعلا علي كل زملائه ))

عادت اله العرض للعمل وبدأت علي مشهد حيث جفف الطيار الاسرائيلي دموعه وتم فك قيوده فأمسك بسيجارة وعاد العقيد يسأل

العقيد –مرة اخري ما هي مهمتك؟            الطيار – مهمتي كانت ضرب مواقع صواريخ سام

العقيد – وكيف أصيبت طائرتك ؟           

 الطيار – كانت معلوماتنا ان المصريين لا يعرفون تشغيل معظم انظمه الصواريخ ، وان اجهزتنا بالطائرة ستحذرنا من اي صاروخ قادم نحونا بل انها تحذرنا من لحظه بدء رصد الرادار لطائرتنا ، لكني فوجئت بصاروخ يندفع نحوي بدون انذار ، فقمت بمناورة للابتعاد لكنه اصاب الطائرة فأندفعت قافزا من الطائرة بسرعه ، بينما لم يستطع الملاح القفز معي ، وهبطت فوق وحده مدفعيه مصريه وهم من أسرني والباقي أكيد سيادتك تعرفه .

العقيد – أخبرني بالمزيد عن اجهزة الانذار بطائرتك

الطيار بعد لحظه تردد – لدينا في الفانتوم جهاز نطلق عليه أغنيه سام (( SamSong)) وهو يطلق انذار فور بدء رصد راداراتكم لنا، ثم يختلف الصوت فور أطلاق صاروخ ، وعند بدء رصد كمبيوتر الطائرة للصاروخ يقوم تلقائيا بأطلاق مشاعل خداعيه والمناورة للابتعاد عن الصاروخ .

وقف محمد مندهشا (( عشان كده مكناش قادرين نوقعها بالصواريخ ، انا مش قلت لكم ))

 

اوقف الدمنهوري الفيلم نظرا لبدأ حوار فني بين الطيارين حول تلك المعلومات التي ادلي بها ذلك الاسير

فالجميع بدأ يربط بين كلامه وبين ما حدث في اشتباكات جويه مع الفانتوم وكان اكثرهم حماسا محمد والذي فشل لعده مرات في اسقاط الفانتوم، كان الحوار بين الرجال يتأرجح بين مشاعر الاندهاش من التقدم التكنولوجي في الفانتوم وبين الثقه في انهم بالفعل اسقطوها حتي ان عمر قال متفاخرا

(( ادي أي طيار مصري الفانتوم وشوف هيعمل ايه ))

وأستكمل خالد (( ده الكمبيوتر بتاعهم بيعمل كل حاجه للطيار ، امال ناقص ايه تاني؟؟))

ووافق طارق (( مؤكد انهم كده حاسين بأمان تام في الطيارة ))

عمر (( المهم ان مفيش ولا كتاب من اللي قرأتهم جاب سيرة جهاز اغنيه سام ده ؟؟))

فتدخل الدمنهوري (( من المهم انكم تركزوا مع كل كلمه قالها الاسير ده ، عشان تستفيدوا منها ))

ثم عاد الفيلم للعرض مرة اخري

العقيد – هل أشتركت في معارك جويه ؟            الطيار – نعم عده مرات فوق القناه والجولان

العقيد – ما تقدير زملائك للطيارين المصريين ؟   الطيار – لقد تكلمنا مع قادتنا عده مرات عن تقدم مستوي الطيارين المصريين بإطراد واضح وانهم أصبحوا قادرين فعليا علي تهديدنا

العقيد – وماذا قال لكم القاده ؟                      الطيار – لقد قللوا من شأن الطيارين المصريين جدا وكذلك قللوا من شأن منصات الصواريخ سام لاننا لدينا وسائل الخداع لها

العقيد – وما رأيك وانت أسير الان ؟               الطيار – انا مندهش ، فأجهزة طائرتي لم تنذرني برصد الرادارات لي او بأقتراب صاروخ سام ، و مازلت حتي الان مندهشا ،فقد كان لدي شعور تام بالامان داخل طائرتي

العقيد – ماذا حدث يوم 20 نوفمبر الماضي ؟   الطيار – لا افهم سؤالك

العقيد – ماذاحدث للمقدم دان في ذلك اليوم؟     الطيار – اه ، انها ذكري سيئه

العقيد –لا عليلك فقط اخبرني                      الطيار – لقد كان المقدم دان في مهمه فوق بورسعيد ، واعترضه هؤلاء الاشباح واستطاع احدهم اصابه المقدم دان في جناح طائرته لكنه تمكن من العوده وطائرته مصابه ،وكانت اصابه طائرته بالغه بحق لدرجه اننا تجمعنا قرب الممر نراقب هبوطه علي الممر ، لكن قرب اقترابه من الممر ، تمزق جزء من الجناح فجأه وهوت الطائرة فوق الممر محترقه لقد كانت تجربه سيئه جدا فالمقدم دان من طيارينا المتمرسين .

ضجت  غرفه الطيارين بالتصفيق بينما نظر الدمنهوري لاحمد مفتخرا (( انت اللي وقعت دان يا أحمد))

فرد احمد بكل تواضع (( الحمد لله )) وعاد متابعا الفيلم وقد لمعت عينيه سعاده

العقيد – من تقصد بالاشباح ؟                   الطيار – نحن نطلق لفظ الاشباح علي عدد من الطائرات في القطاع الشمالي والذين يقلعون من احد الحقول تقريبا ،فنحن لا نعلم من اين يقلعون ،وكلما أقتربنا من القناه يظهر لنا هؤلاء الاشباح علي الرادار فورا، وقد قمنا بقصف حقل يعتقد انهم يقلعون منه لكن من الواضح ان معلومات الاستطلاع عندنا غير جيده  فقد ظلوا يظهرون بأستمرار ، وللحق فكل طيارينا يكنون كل احترام لهؤلاء الطيارين ، فهم ممتازين ويختلفون عن بقيه الطيارين علي الجبهه في مهاراتهم وشجاعتهم .

يتدخل طارق معلقا (( ييجي المستشار السوفيتي يسمع اللي بيتقال )) وتضج الغرفه بالضحك

 

العقيد – كيف يختلفون عن باقي الطيارين ؟           الطيار – من الواضح ان لديهم خبرة جيده وشجاعه تفوق الوصف ، وقد سمعت عده طيارين يتحدثون عن هؤلاء الاشباح

العقيد – حسنا هل لديك اي مطالب حتي الاستجواب التالي؟  الطيار - أريد ان أعود لبلدي وأسرتي

وانتهي الفيلم الذي يصور الاستجواب والذي دام اكثر من ساعتين ، ومع انتهاء الفيلم وقف جميع الطيارين في نشوة وسعاده ينظرون لبعضهم البعض في فخر وسعاده ، فقد حصلوا من متابعه هذا الاستجواب علي معلومات قيمه جدا .

وتساءل عمر (( ليه اجهزة الانذار في الفانتوم لم ترصد الصاروخ ؟؟))

الدمنهوري (( يا جماعه احنا دلوقت في وسط اول حرب الكترونيه في العالم ، امريكا بتدي اسرائيل اجهزة شوشرة علي رادارتنا وعلي الصواريخ وأحنا بدورنا إما بنحصل علي السلاح المضاد للسلاح ده من الاتحاد السوفيتي او بنطور سلاحنا بنفسنا ، فيه رجاله قاعده في شغلها تطور لكم اجهزة هدفها الشوشرة علي جهاز الشوشرة الاسرائيلي ))

طارق ممازحا ((تقوم امريكا تعمل جهاز شوشرة علي جهاز الشوشرة بتاعنا المضاد لجهازالشوشرة بتاعهم)) 

الدمنهوري بجديه (( ده بيحصل فعلا ، ودي دائرة مستمرة لا نهايه لها لاننا لو توقفنا عن التطوير والدراسه فده معناه انهم هيضربونا من غير ما نأخذ بالنا لانهم مشوشرين علينا ))

أحمد (( انا عقلي تعبني من مجرد التفكير في السباق ده ))

 ثم تم عرض الفيلم مرة اخري بناء علي طلب احمد وطياريه حيث دونوا ملاحظات اكثر واكثر .

 

وليلا وبعد ان عم الهدوء جنبات المطار مرة اخري عكف احمد في دراسه كل ملاحظاته التي دونها ، بينما عكف باقي الطيارين في غرفهم كلا منهم في عالمه الخاص .

كانت شهاده الطيار الاسرائيلي اكبر شهاده علي المجهود الذي قام به السرب طوال عامين من القتال والدم والعرق في قتال عدو متفوق تقنيا بفارق كبير جدا ، فقد كان شرح الطيار لمعدات طائرته مفزعا لاحمد ، بينما هو وطياريه يعملون علي البوصله حتي الان وليس بالطائرة اي اجهزة انذار او امان

فقد زاده ذلك احساسا بكف البصر مقارنه بما لدي الفانتوم من اجهزة رؤيه

وكانت تعليمات القياده المستمرة (( اعمل بما لديك ولا تنتظر اي طائرات جديده )) ردا علي تساؤلات الطيارين بانواع جديده من المقاتلات اكثر حداثه ومدي وتسليح . 

 

كان صباح اليوم التالي مختلفا بين الطيارين جميعهم ، فنظرات الاعين قد اختلفت ، فقد ظهر بريق جديد بالثقه والكرامه ، فشهاده ذلك الاسير قد اعطت الطيارين احساس كبير بالثقه أقلق أحمد كثيرا ، الفارق بين الثقه والغرور يكاد لا يري ، والغرور هو عدو الطيار الاول في عالم الطيران ، فالطيار المغرور لابد له من أن يغفل تأمين نفسه وسربه في الجو ولابد له من أن يصاب او يموت نتيجه أستهانته بعدوة .

فبدأ احمد في شحذ همم الرجال علي فترات مذكرهم بمذابح العدو وشهدائنا ، وكان يقوم بالقاء تلك العبارات وسط احاديث عاديه ليذكر الرجال بمهمتهم التي لم تبدأ بعد الا وهي تحرير الارض

وفي 25 يوليو ووسط قيظ الصيف، صدرت الاوامر بأعتراض تشكيل من اربع طائرات يقترب من بورسعيد من ناحيه البحر ، فأقلع السرب كاملا وأتخذ ارتفاع منخفض فوق قمم الاشجار مستعينا بتوجيه الموجهه الارضي لاعتراض الهدف فوق البحر المتوسط  ، وقرب القنطرة  أمر احمد – طارق ووليد وخالد بالارتفاع والقيام بدور الطعم لتشكيل العدو ، طار السرب في طرق الطيران الامن طبقا لخطط الطيران الجديده ، وعند وصولهم فوق بورسعيد كانت بطاريه الصواريخ في بورسعيد قد أطلقت صاروخين ضلا هدفيهما ، وتٌرٍك المجال للسرب 77 في الاشتباك ، لكن ضرب الصواريخ المضادة أربك حسابات تشكيل العدو ، فالقي قنابله فوق البحر واتجه غربا هاربا ،فأمر احمد بالقاء خزانات الوقود الاضافيه وفتح الحارق اللاحق لزياده السرعه للقصوي ومطارده طائرات العدو قبل ان تهرب .

طوال هذا الوقت دار احمد من تجاه البحر بينما اتجه طارق مباشرة تجاه طائرات العدو مطلقا صاروخا بدون ان يصيب اي طائرة لكنه ادي لارتباك تشكيل العدو مرة اخري ودورانه للاشتباك ،

 كان دوران طائرات العدو في ذلك التوقيت مفيدا جدا ، فقد ظلت قرب القناه وقريبا من قواتنا وبعيدا عن قواعدها ، وايضا مكنت احمد من الانقضاض عليها من تجاه البحر في موقف مثالي .

ودارت دائرة القتال قبل ان يصل احمد ، وسرعان ما أصيبت طائرة خالد ببعض الشظايا من صاروخ ضال ، لكن تدخل محمد في التوقيت المناسب مطلقا صاروخا علي الطائرة التي تطارد خالد ، انقذ الاخير نظرا لتباطئ سرعه طائرته نتيجه اصابه محرك طائرته ، وعلي الفور أنسحب خالد عائدا لمطارة ، بينما محمد يمسك بذيل طائرة سكاي هوك ولحق به عمر لمساعدته ، في الوقت الذي تابع البقيه دائرة القتال

، ووصلت اشارة بأنطلاق طائرات تعزيز من الصالحيه وابوصوير ، فأستبشر احمد خيرا ، فطائراتنا تقلع للتعزيز قبل طائرات العدو

وكالعاده رصد الاسرائيلين طائرتنا تقترب فأمرت طياريها بالانسحاب ونجحت طائراتهم في ذلك وسط خيبه امل من احمد ، بينما محمد مازال مطبقا علي الطائرة الاخري لا يترك لها فرصه للهرب ويعاونه عمر بتعليماته ومناوراته ، ويطلق محمد صاروخا بدقه لتصاب الطائرة المعاديه في محركها ويتصاعد الدخان الاسود وتتباطأ سرعتها  ، وبلا رحمه يطلق صاروخين متتالين  ينفجران أيضا بها محولين الطائرة الي قطع صغيره من الحديد والنار ، ويهلل محمد مبلغا أحمد علي موجه مفتوحه متعمدا رصد الاسرائييلين لها

(( النسر الاصلع دمر طائرة معاديه سكاي هوك – الطائرة انفجرت بالطيار وتحولت الي قطع صغيرة))

ففهم أحمد ما يقوم به محمد ، أنه يبعث برساله ارهاب للاسرائيلين لكي يسمعوها ، وتجاوب احمد معه

(( من قائد الاشباح  الي النسر الاصلع، مبروك – أنضم للتشكيل فورا ))

وبداخل كل طائرة كانت النشوة سيده الموقف هنا ، فالثقه دفعت الدم دفعا الي كل خلايا الجسد في قوة غريبه .

ثم عاد احمد علي تردد أمن سائلا عن مصير خالد الذي مازال في طريقه للهبوط ،فأبلغه الاخير بأنه في طريقه للهبوط الاضطراري،

تابع الفنيين في المطار أقتراب طائرة خالد والدخان يتصاعد منها ، وهم علي اتم استعداد للاخلاء الطيار فورا والسيطره علي النيران .

ومن شرفه منزله وقف عمده كفر نور يتابع في خوف ، هبوط طائرة خالد وذيل الدخان الاسود خلفها ، وقلبه ينبض بالدعاء مع كل نبضه داعيا له بالسلامه ، ويتابع الفنيين ملامسه الطائرة لارض الطريق وسرعان ما تتوقف ليهرعوا لاطفاء النيران المشتعله من مؤخرتها ، بينما هرع خالد مبتعدا عن الطائرة.

وبعد وقت قليل تم السيطرة علي الحريق سريعا واثناء ذلك هبطت طائرات السرب الواحده تلو الاخري علي الممر الاخر .

وليلا عكف خالد مع فنيي طائرته في اصلاح الطائرة ، بينما بقيه الطيارين في غرفه الطيارين يتناقشون في إشتباك والدروس المستفاده منه (( دي حرب نفسيه اللي هما بستعملوها معانا ، فقلت أرد لهم نفس النوع )) قال محمد مبررا الاشارة المفتوحه التي بثها بعد الاشتباك مباشرة ،

ودار الحوار بعدها عن الاخبار التي تتوارد بطول الجبهه عما يقوم به الاسرائيلين من بثه بمكبرات الصوت من أغاني ونداءات بالاستسلام لكي يسمعها الجنود علي الطرف الاخر من القناه بهدف كسر روحنا المعنويه ، وأن ما قام به محمد من المحتمل ان يخفض في روح العدو المعنويه ، وهو أسلوب محمود طالما ظل في نطاق السيطرة

ثم تطرق احمد الي مساعي وزير الخارجيه الامريكيه لوقف إطلاق النار قريبا والانتقال بالحرب الي اروقه السياسيه فهتف عمر (( الريس مش ممكن يقبل وقف إطلاق النار ابدا ))

وتابع طارق (( بس وقف إطلاق النار ده معناه اننا خرجنا اقوي من الاول ))

فتهكم محمد (( فاكرين تصريحات ديان بعد النكسه لما قال انه منتظر مكالمه عبد الناصر له واللي هيستسلم فيها عبد الناصر ؟؟)) فطاف بمخيله الرجال في وقت واحد تلك الاوقات السوداء من تاريخ مصر ، حيث تعالت صور الاذلال لمصر بكل صورها في مختلف انحاء العالم ، وظهر الوجه الحقيقي للاصدقاء ، وقتها وقفت مصر عاريه تتحمل سياط الذل والشماته من كل من هب ودب نكايه في مواقف عبد الناصر التحرريه والتي دفعت معظم الشعوب والافريقيه للتحرر من نير الاستعمار .

وقتها لم يكن ليجرؤ مصري بأن يجاهر بمصريته في اي مكان بالعالم ، وزاد من ذلك تصريحات موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي ومن حوله بأنه ينتظر من عبد الناصر مكالمه أستسلام ،ولولا انه الشعب المصري ، ولولا ان حضارة الالاف السنين تملئ خلايا جسده وما فيها من صمود وكبرياء وشمم

ولولا عودته للتمسك بالدين والعقيده مرة اخري ، فلولا كل ذلك ما نجحت مصر ان تقف علي قدميها مرة اخري متحمله سياط وسهام الاعداء التي أسالت من دم الشهداء انهار روت رمال الجبهه

  وعاد الحديث مرة اخري لمبادرة السلام الامريكيه ورغم عدم علم الجميع بمحتواها ، الا أن الجميع أجمعوا علي رفض اي وقف لاطلاق النار بصورة قاطعه .

في اليوم التالي والذي يوافق 30 يوليو 1970 وبينما الرجال في طائراتهم منتظرين اي تعليمات ، أبلغ ايهاب الرجال بتغيير التردد اللاسلكي ومتابعه أشتباك بين طيارين سوفيت واسرائيلين قرب خليج السويس ، فأنتقل الرجال بسرعه للتردد الاخر وتابعوا احاديث باللغه الروسيه غير مفهومه،

وفي شغف بالغ أستمع الرجال لوقائع اول اشتباك سوفيتي اسرائيلي

لكن احمد لاحظ ان نبرة الطيارين السوفيت بها رعب كبير وصياح علي غير عادتهم ، و تلاشت الاصوات الواحد تلو الاخر حتي تلاشت جميع الاصوات ، فطلب احمد من ايهاب تقصي ما حدث مع بقيه المطارات

وليلا جاء الخبر (( الاسرائيلين وقعوا 5 طيارات ميج 21 بطيارين سوفيت وكل الطيارين ماتوا ))

تبسم محمد قائلا (( في ستين داهيه ، عشان دلوقت يعرفوا إن العيب مش فينا ))

أحمد متسائلا (( نفسي دلوقت اشوف وش المستشار السوفيتي في قاعده بني سويف ))

عمر (( هاتقوله ايه يا فندم ؟)) 

أحمد (( ولا كلمه – انا بس عايز اعرف هيعلق علي اللي حصل هيقول ايه ؟؟))

 إيهاب (( التعليمات اللي صدرت بتقول ان المعركه دي لم تحدث واننا لا نعرف عنها اي شئ ))

وليد (( انت عايز تقول ان اسرائيل مش هتعلن عنها ؟)) إيهاب (( والله دي التعليمات ))

وبالفعل مر يوم ثم أسبوع بدون ان يعلن اي طرف عن تلك المعركه ،لكن الاحاديث الجانبيه بين الطيارين وقادتهم في كل القواعد الجويه كانت لا تكف عن التعليق والتشفي في السوفيت ، فرغم مساعدتهم لنا التي لا تقدر ، فأن غرورهم واشاعتهم روح الاحباط بين صفوف قواتنا ، جعل الجنود والضباط يكرهونهم كرها شديدا

 

وفي السابع من أغسطس ،أعلنت مصر ان قبلت وقف اطلاق النار لمده تسعين يوما ، لمحاوله حل القضيه دبلوماسيا ، وأشعل ذلك شرارة الغضب داخل النفوس بينما تعالي صياح عمر منتقدا ورافضا

((أزاي الريس يقبل وقف إطلاق النار ؟؟ ازاي ؟؟ بعد كل اللي وصلنا له ))وبناء علي وقف اطلاق النار فأنه سيتوقف وقف أطلاق النار من منتصف الليل تماما.

ومع حلول الليل سمع الرجال هدير عربات مختلفه تتحرك علي الطرق بجوارهم ، فخرج الجميع يشاهدون ما يجري ، فوقعت أعينهم علي العشرات من عربات سلاح الدفاع الجوي تتحرك تجاه الشرق ، عشرات منصات الصواريخ المحمله بصواريخها وعشرات العربات الحامله لصواريخ سام 3 تتحرك في سرعه ، بينما وقف ضابط برتبه كبيرة بجوار عربته امام مدخل كفر نور ينظم المرور لرجاله ويبث الحماس فيهم ، بينما وقف أهالي الكفر يحيون المقاتلين، فتقدم الطيارين من الضابط علي استحياء مدفوعين بفضول لمعرفه ما يجري ،

وقام احمد بتعريف نفسه للرجل مظهرا تعريف الشخصيه الخاص به ،فتساءل الرجل عما تفعل القوات الجويه في هذا المكان البعيد عن اي مطار حربي يعرفه ، فصمت الجميع مرتبكين  الا ان احمد رد بثقه ومخبرا الرجل بأنه سر ولا يجب ان يعرفه الكثيرين ، فرد الرجل بانه يتفهم ، فأستكمل أحمد مخبرا الرجل بالسر الخطير ،وهو أن اماكن مبيت الطيارين في مطاري ابوصوير والصالحيه قد أستهدفت ، فرأت القياده ان ينام الطيارين ليلا بعيدا عن اي خطر قد يتعرضون له ، ويبدو ان ملامح احمد الجاده قد أقنعت الرجل ، بينما وليد يكاد لا يستطيع ان يكتم ضحكه لكن الرجل لم يلاحظ تعبيرات وجه وليد بسبب الظلام ، وتساءل احمد محولا الموضوع ومتسائلا عن وجهه تلك الصواريخ ، فرد الرجل بأن قرار وقف اطلاق النار سيسري بعد ساعات ،وان الاوامر قد صدرت بدفع النسق الاول من الصواريخ لحافه الجبهه قبل منتصف الليل ، فتمتم محمد متسائلا عن سبب السرعه ؟

فأجاب الرجل بأن شروط وقف اطلاق النار هي عدم تحريك او وحدات للامام ، وهذا يسري أيضا علي أسرائيل ، مما يعني اننا لو لم ننجح في تحقيق هذا التحرك قبل الساعات المتبقيه من الموعد ، فأننا سنواجه مشاكل سياسيه كبيرة، وكانت تعليمات القياده صريحه بسرعه التحرك والانتهاء قبل منتصف الليل، فتفهم احمد سبب السرعه .،وأثناء حديث الرجل والذي تطوع بشرحه المثير من المعلومات لاطمئنانه لاحمد ورفاقه ، واثناء الحوار الجاد  سمع الرجال صوت ارتطام قوي ،

فقد سقطت احد عربات الرادار في الترعه التي تغذي كفر نور بمياه الري ، ومالت العربه داخل المياه ، فهرع الرجال والاهالي نحو العربه ، قفز بعض رجال الكفر في المياه لاخراج من بالعربيه من جنود ، وبالفعل اخرجوا اثنين من الجنود مصابين ، بينما أستشهد السائق

وفي وسط ذلك خرج صوت الضابط  صائحا في رجاله بسرعه التحرك لانهم (( في عرض دقيقه)) وان المسأله لا تحتمل أغلاق الطريق الضيق لوقت كبير ، فأحس الجميع بحساسيه الموقف وتعقيده فعرض عمده الكفر المساعده التي رحب بها الضابط ، وعلي الفور تحولت القريه الي خليه نحل تتحرك بسرعه نظر أحمد الي  رتل العربات المتوقفه والتي تحمل صواريخ ورادارات وهوائيات ومولدات كهرباء ، فوجد انها هدف ثمين وسهل للطيران الاسرائيلي والذي ينشط ليلا علي فترات ،  فأمر الفنيين بالمساعده في اخفاء تلك العربات وسط الاشجار بواسطه شباك التمويه،

فالتف الضابط مندهشا ومتسائلا(( شباك تمويه بتعمل ايه في مبيت الطيارين ؟!)) لكن احمد لم يلتفت اليه ، انما هرع مع بقيه الطيارين والضباط ينظمون إخفاء رتل السيارات ، بينما وصل عدد كبير من الاهالي مصطحبين الدواب والماشيه حيث قاموا بحماس شديد ، بربط السيارةالمنكوبه بحبال وجرها ببطء من داخل الترعه ، وبعد عده محاولات فاشله تكاتف فيها الجميع من ضباط وجنود والاهالي، تم إخراج السيارة من المياه  وإخلاء الطريق امام باقي السيارات التي اندفعت بسرعه كبيرة نحو مواقعها وسط تكبير الاهالي وفرحتهم .

وفي الصباح التالي كان الهدوء الحذر قد عم أنحاء الجبهه ، لكن دوريات الطيران لم تتوقف ،وبعد عدم أيام جاءت الاوامر بخفض درجه استعداد السرب للحاله العاديه ، وبعد يومين أخرين حضر الدمنهوري ليلا وطلب من الرجال الاستعداد في الليله التاليه لحضور مقابله مهمه جدا.

وبالفعل  أستعد الطيارون الست لهذه المقابله الغامضه والتي رفض الدمنهوري الافصاح عن تفاصيلها

وأختلفت التنبؤات بين الطيارين عن أهميه المقابله والشخص الذي سيقابلهم ، وكان ذلك حدثا اخرج الرجال من حاله الملل التي مروا فيها في اليومين الماضيين ، وزاد من فضول الجميع هو تأكيد الدمنهوري لهم بألاناقه الكامله .

وفي المساء حضرت سيارتين مدنيتين من قياده القوات الجويه أقلت الرجال ، الذين أضفت عليهم البدل الرسميه وسامه كبيرة افتقدوها كثيرا من قله الاهتمام بالمظهر في ظل عامين من القتال الضاري ،

وصلت السيارات الي ضاحيه مصر الجديده حيث تقبع قياده الطيران ، فأيقن الطيارين ان اللقاء سيكون مع رئيس الاركان (اللواء مبارك) او الفريق البغدادي قائد الطيران ، لكن السيارات مرت بجوار البوابه وأستمرت في السير نحو منشيه البكري ، تعالت ضربات قلب عمر كثيرا ، فهو يعرف تلك المنطقه جيدا ،

 ثم توقفت السيارات عند عده نقاط تفتيش للحرس الجمهوري وسط دهشه الرجال ، الا ان عمر كان قد تأكد ، فتسارعت دقات قلبه وتسارع تنفسه وعجز عن الكلام .

دخلت السيارتين لساحه فيلا متوسطه المستوي وذات طابق واحد ونزل الطيارون من السيارات التي غادرت المدخل ،وطلب منهم احد ضباط الحرس الجمهوري الانتظار دقائق ، ريثما يسمح لهم بالدخول.

 فتساءل وليد بصوت عال وبدهشه  (( بيت مين ده؟؟)) فلم يرد احد ، غير ان صوت متحشرج صدر من عمر قال كلمات لم يميزها احد ، فسأل طارق (( بتقول ايه ))، فحاول عمر الكلام مرة اخري لكنه تحشرج وكان وجهه محتقن جدا وانفاسه متسارعه ، فأعاد طارق السؤال ورد عمر بصوت متحشرج لكنه اكثر وضوحا

(( بيت الريس )) ، فتهكم أحمد (( ريس مين يا عمر ؟؟)) فاجاب عمر (( جمال عبد الناصر )) فصدم الجميع وتعالت نظرات الذهول وعدم التصديق ، فتساءل محمد بدهشه ورجاء (( عمر ، انت بتتكلم بجد ؟؟))،

 الا ان ضابط الحرس الجمهوري خرج مرة اخري ودعاهم للدخول  قبل ان يجيب عمر

(( الريس نازل حالا – اتفضلوا )) سمع الجميع كلمه (الريس ) من الضابط فتأكدوا ان كلام عمر صحيح ، فعم الذهول والصدمه خلايا جسدهم .

وبعد ثوان من دخولهم صالون منزل الرئيس ، ظل الرجال واقفين ينظرون حولهم الي الاثاث العادي الذي لا ينم علي اي فخامه او عظمه ، وانفاسهم تتسارع من هول مفاجأه مقابله الزعيم

وبعد دقائق دخل الرئيس بقامته الطويله وكتفيه العريضين وأبتسامته المحبوبه، وبلا استثناء فغر الجميع افواههم من الدهشه ، فهم امام أسطوريه حيه ورمز للامه والشعوب واكبر أماني الملايين من البشر هي مشاهده الرئيس عن بعد  فما بالك بهؤلاء الطيارين وهم يقفون وجها لوجه معه ، لاحظ احمد دهشه الرئيس من حاله التسمر التي أضحي عليها الطيارين ،

 فنادي علي طياريه (( انتباه )) وقتها صدق الجميع ما يحدث وانهم امام القائد الاعلي للقوات المسلحه وجهها لوجه ، فوقف الجميع انتباه مؤديين التحيه العسكريه بكل انضباط .

رد الرئيس التحيه ومد يده مصافحا أحمد الذي عرف نفسه وأستكمل معرفا طياريه ، وعندما توقف أمام عمر ، سأله عن ساقه وهل عادت لطبيعتها  فدهش عمر من السؤال ، واجاب بعسكريه صرفه بأنها أصبحت كما كانت وشكر الرئيس علي سؤاله ، أما محمد فقد شمله الرئيس بدعابه  قائلا (( انت بقي النسر الاصلع ؟))  فرد محمد بالايجاب بكل جديه ، بينما أستكمل الرئيس مصافحه طارق ووليد وخالد مداعبهم بكلمات مشجعه ، ثم جلس الرئيس بينما نظرات الاعجاب وعدم التصديق مما يحدث تفضح الطيارين .

فبدأ الرئيس حديثه  بعد ان أشعل سيجارة (( انا حبيت اقابل الاشباح اللي مجنيين اليهود )) فتبسم الطيارين علي استحياء من مجامله الرئيس الذي استكمل

(( المفروض اني كنت اقابلكم في ديسمبر الجاي ،لكن من اسبوع  كنت بتفرج علي التحقيق مع الطيارين الاسري اللي اتكلموا عنكم بكل احترام ))

ثم سكت فجأه وقال (( انتوا مش بتدخنوا ليه ؟؟؟ دا انتوا حريقه سجاير زي ما سمعت ))

 فنظر الطيارين لبعضهم البعض ، وسرعان ما أشعل احمد سيجارة وتبعه الاخرون ، بينما أستكمل الرئيس حديثه ((لما شفت فيلم الاسري قلت لازم أشوفكم في اقرب فرصه عشان احييكم علي دوركم الكبير)) وبينما الطيارين صامتين يتابعون في شغف وإعجاب كل كلمه من كلامات الرئيس ،

واصل الرجل حديثه بهدوء (( الايام دي الفريق بغدادي حاطط جدول عشان اقابل قاده الاسراب والطيارين وزي ما قلت كان دوركم زي ما أتقال لي في ديسمبر لكن انا أستعجلت اللقاء ده ، وبصراحه يا ولاد – مصر فخورة بكم وبكل ما تقدمونه للبلد ))

فرد احمد (( ده واجبنا يا فندم ، واحنا مستعدين نموت واحنا بنقوم بواجبنا ))

فتبسم الرئيس قائلا (( هيه دي الروح اللي لازم تكون موجوده في كل واحد في الجيش ))

ثم غير الرئيس مسار الحوار متسائلا (( اخبار الميج 21 بعد التعديل ايه ؟؟))

فرد أحمد (( كويسه يا فندم – كله كويس ))

فظهر نظرات عتاب علي وجه الرئيس (( الكلام ده يا احمد كان زمان قبل النكسه – مش دلوقت ...... انا عارف انكم شاركتم بالافكار في تطوير الميج ، فعايز اعرف رأيكم الصريح فيها بعد التعديلات دي ، وارجوكم ... مش عايز كلام مدح وخلاص ..... عايز كلام ناس فاهمه ومجربه واشتبكت مع العدو كتير ))

فطلب احمد من طارق ومحمد الاجابه عن هذا التساؤل ، وطال النقاش بين الطيارين والرئيس حول امور فنيه بحته تدخل فيها الرئيس، فظهر للرجال ان لدي الرئيس خلفيه كبيرة وكامله  عن كل خطوه من خطوات التطوير،وفي لحظه صمت لالتقاط  الانفاس

 قال الرئيس(( يعني من كلامكم كده اننا ممكن نخش الحرب بالميج ونحقق نتائج كويسه ؟))

فرد الجميع ايجابا ، ثم عرض الرئيس الاجابه عن اي تساؤلات خاصه بالطيارين ، وبعد ان وضع احد الخدم اكواب العصير امام الطيارين وانصرف ،

تساءل محمد بصوت قلق ((أحنا هنحارب بجد يا ريس ؟؟ يعني هنعبر القناه ونحرر سينا ؟؟؟))

الرئيس مبتسما (( طبعا بأذن الله )) فتساءل عمر محرجا  (( طب ليه يا ريس قبلت وقف اطلاق النار؟)) فتبسم الرئيس (( الموضوع ده أخذ مني وقت كبير جدا في الدراسه وعمل حسابات مختلفه ، فلما سألت القاده ،هل أستمرار حرب الاستنزاف هيحقق اهدافنا أختلفت ارائهم ، ومحدش اداني رأي محدد – فعلشان نخش مرحله التحرير لازم اولا نقدر ندخل الصواريخ للجبهه عشان تحمي القوات اللي هتعبر ،انا مقبلتش وقف اطلاق النار الا عشان نستعد لمرحله التحرير والفريق فوزي جهز الخطط ، فاضل اختيار التوقيت وده مش هيكون بعد فترة كبيرة )) فتحمس الطيارين من كلام الرئيس

وتساءل عمر مرة اخري (( يعني وقف اطلاق النار كان عشان ناخذ نفسنا بس ؟))

الرئيس (( لا يا عمر مش كده بس ، عشان اقدر ادخل الصواريخ للجبهه عشان الجيش يقدر يعبر في حمايتها كمان وده مهم جدا لنجاح التحرير )) ثم تطرق الرئيس بعد ذلك لامور اجتماعيه وانسانيه تخص الطيارين مبتعدا في حديثه عن الحرب وويلاتها ، وفي نهايه الحوار أخبرهم الرئيس بأنه قرر منح السرب نوط الواجب العسكري تقديرا من مصر لاداء طياري السرب 77 قتال

وقبل منتصف الليل بقليل انصرف الرجال في نشوة كبيرة تاركين الرئيس ليقرأ عده تقارير وردت اليه .

وعند ركوبهم السيارات أعطي السائق لاحمد مظروفا وجد بداخله أمرا باجازة اسبوع ساريه المفعول من نفس الليله لكل طياري السرب .

كانت اول اجازة فعليه يستمتع بها الرجال منذ 14 مايو 1967 ، فبالنسبه لاحمد فقد أحس بالراحه والحاجه للنوم ، نظرا لوقف اطلاق النار والهدوء علي الجبهه مما ساعد عقله علي الاسترخاء التام وليتواصل مره اخري مع عائلته التي غابت عن تفكيرة طوال فترة حرب الاستنزاف ، حتي الاجازات الخاطفه التي قام بها ، فكان ذهنه مشغولا بالسرب ورفاقه والحرب الدائرة

اما عمر وطارق فقد انطلق كل منهم الي الاسكندريه، فعمر أصطحب زوجته ناديه سريعا الي الاسكندريه للاستجمام والراحه ، اما طارق فقد لحق بعائلته في المعموره ، ليعود لنفس الشاطئ ، ويلتقي بأصدقائه القدامي مرة اخري وينسي لفترة ما الحرب والقتلي والاشتباكات والموت الذي يحيط به في كل لحظه .

كذلك عاد وليد وخالد لعائلاتهم لا يطمعون في شئ أكثر من الخلود للراحه النفسيه والجسمانيه

بعد ان اعطي لقاء الرئيس لمعنوياتهم دفعه كبيرة جدا ، فقد خرجوا من تلك المعارك اشخاص مختلفين تماما ، فقد أصبحوا ذوي خبرة كبيرة في القتال الجوي ، وأصبح الموت لهم لايعني شئ نظرا لتواجده معه دائما سواء علي الارض او في السماء ، فقد أصبح صديقا لهم لا يخافونه بقدر ما يخافون من تأخر الحرب ، فقد كان النصر أهم لهم من أي شئ أخر علي وجه الارض ، ومحو عار الهزيمه وعوده الكرامه للشعب وجيشه وقواتهم الجويه، وكان ذلك يضغط عليهم جدا ، فرغم مرور سنوات الا ان احدا لم ينسي الهزيمه واثاراها الشخصيه والعامه ، فقد أختلف الشعب بعد الهزيمه عن قبلها ، وكان كل طيار يري ذلك في ساعات الاجازة القليله بوضوح تام ، فكان للهزيمه أثار عجيب جدا علي افراد الشعب بكل طبقاته،  فبينما رفض أغلب الشعب الهزيمه واعلن الصمود ، الا ان هنالك الكثيرين ممن رفضوا الهزيمه عادوا واعلنوا الاستسلام والهرب خارج البلد الي اوروبا للعمل او التسول هروبا من واقع مر في مصر ، وهناك وقعوا فريسه سهله جدا جدا في يد المخابرات الاسرائيليه وعصابات التهريب المنظم ، وعاد منهم  عددا لمصر كأعداء هدفهم قلب مصر وظهر الجيش المصري يحفرون تحت اقدامه لاخلال توازنه ، ومنهم من لم يعد ولم يعرف مصيرة ، كان هذا ما حل بالذين اختاروا الهروب من الواقع المرير في مصر الي اوروبا طمعا في مستقبل أفضل ، أما الفئه التي أستسلمت للهزيمه وظلت في مصر ، فقد أتخذت كل الطرق الغير مشروعه للهروب من الواقع من مخدرات وفساد اخلاقي  ، مما جعلها هي الاخري تحفر تحت اقدام الجيش لتخل بتوازنه بعدما تعالت اصوات تلك الفئه مطالبه بعدم الحرب لعدم جدواها وبالتسليم بأن اسرائيل قوة لا تقهر ، ويجب التنازل عن سيناء مقابل ان نعيش في أمان .

من أستسلموا للهزيمه لم يروا اي جانب مشرق في المستقبل ولم يروا الرجال يعملون ليل نهار لدرء العدوان والدفاع عن مصر ، بل لم تري تلك الفئه النجاحات العسكريه طوال ثلاث اعوام من القتال المستمر ، لم تسمع عن تضحيات الرجال بطول القناه وداخل سيناء وفي كل شبر بمصر لكي يثبتوا للعالم ولانفسهم انهم يحق لهم الحياه في كرامه وشمم .

 تلك الفئه المهزومه من المجتمع شاهدها عمر وناديه علي شواطئ العجمي بالاسكندريه وشاهدها طارق بالمعمورة في وسط موسم المصيف ، وكان حوار طارق معهم غير ذي جدوي ، فالانهزاميه والاستسلام يغلف كل كلمه من كلمتاهم ، واليأس والاحباط يملئ نبرات اصواتهم ، مما دفعهم لنسيان ذلك الواقع بكل المحرمات الممكنه ، فقد فتحت الهزيمه بابا كبيرا للفساد الاخلاقي لكي يدخل منه الي كل فئات المجتمع وينهش لحم الصغار والكبار بدعوي نسيان الهزيمه ، غير واعيين لان نسيان الهزيمه يكون علي خط النار علي ضفه القناه وليس في حفلات المخدرات ، أما (( النسر الاصلع )) فقد عاد لبورسعيد مدينه الصمود ، ليجد الشعب المقاوم البطل ، يعيش بين اطلال ماتبقي من المباني ، يعيش سعيدا مجاهدا ، وعلي جدران المباني تجد شعارات الحرب والمقاومه تصرخ بكل عزة بأن النصر قادم لا محاله ، لا يحزنهم كساد تجاراتهم او تهدم منازلهم ، فهم شعب ولد ليعيش حرا ومنتصرا ولا تهزة الانكسارات بقدر ما تقويه .

 

فانتوم اسرائيلـــي في دائرة قتل مقاتله مصريه قبل ثوان من تدميرها

 

 

 

احمد عاطف اول من يسقط الفانتوم علي الجبهه المصريه

واطلق عليه من وقتها 

First Phantom Killer

FFK

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech