Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

السرب 77 قتال - الفصل الاخير

 

 

مر الوقت علي الرجال في مطار طنطا في تدريب مستمر وان كانت اثار معركه 15 فبراير ما زالت في الاذهان ، الا انه ومع مرور الوقت فقد تبلدت المشاعر بقرب الحرب ، تم سحب طائرات السوخوي واليوشن 28 من المطار ليصبح المطار ملكا خالصا للسرب 77 فقط ، وتواترت انباء عن قرب وصول طائرات جديده للمطار ، فالدشم يعاد صيانتها ووصلت عده معدات وعربات للسرب الجديد والذي لم يعرف عنه احد شيئا

في احد ليالي صيف 1973 وصلت أشارة من غرفه عمليات القوات الجويه ، بأستعداد الطيارين صباح اليوم التالي للسفر الي ليبيا ، فتساءل الطيارين عن السبب فيما بينهم مندهشين ؟

وفي اليوم التالي استقل الطيارين طائرة نقل عسكريه هبطت بهم بعد ساعتين في قاعده عقبه بن نافع الليبيه ، وفور خروجهم من الطائرة ظهرت نظرات الدهشه وعدم التصديق علي الوجوة ، فأمامهم قبعت علي الارض عدد من الطائرات الميراج ، ومازاد دهشتهم انها بالالوان المصريه الصحراويه ، ويزين الذيل العلم المصري بالالوانه الثلاث.

 

اول طائرة ميراج فرنسيه الصنع في القوات الجويه المصريه

 

نظر الطيارين لبعضهم البعض في دهشه ، فهم لم يعرفوا ان مصر لديها تلك الطائرات المماثله لما لدي اسرائيل ، التي يشكل دخولها في المعركه القادمه تدعيما كبيرا للقوة الضاربه المصريه .

فتجمع الطيارين مع زملائهم المصريين والذين تواجدوا هناك للتدريب علي تلك الطائرة الجديده

وطوال اليوم تحاور طياري السرب مع نظرائهم المصريين والليبين حول تلك الطائرة وخصائصها ومميزاتها وعيوبها ، وأستمتع الطيارون ببضعه دقائق داخل كابينه الطائرة والتي وضح انها اكثر راحه للطيار من كافه النواحي عن نظيرتها السوفيتيه ، وأتضح ان الطيارين المصريين سافروا لفرنسا بجوازات سفر ليبيه للتدريب علي تلك الطائرة ، وأستكمل  طيارين باكساتنين تدريب الطيارين المصريين والليبيين في ليبيا  .

وكان عددا من الطيارين المتميزين في المقاتلات القاذفه ميج 17 من عده اسراب قد تم انتقائهم ليتدربوا ليكونوا نواه سرب الميراج في مصر

وبعد غذاء دسم تحاور افراد السرب مع رفاقهم المصريين من طياري الميراج ، واضطلع المقدم محمد عكاشه في شرح خصائص الميراج ومميزاتها ونقاط ضعفها في حوار تعليمي ممتاز فالرجل كان مدرسا في الكليه الجويه ومعظم طياري السرب 77 تدربوا علي يده ، وتدخل قائد السرب العقيد علي زين في اضافه معلومات لرصيد مقاتلي السرب 77 والذين استوعبوا كل كلمه تقال لهم في تركيز كامل

وفي المساء عاد الرجال الي مطارهم ، وقد أثرت تلك الزياره علي معنوياتهم بإيجاب شديد ، وزادت من معرفتهم بخصائص الميراج ونقاط ضعفها .

وفي الاسبوع التالي وصل تشكيل الميراج الي المطار تحت اسم السرب 69 قتال ، حيث تم تخصيص عدد من الدشم لطائراته ، مما اخرج رجال السرب 77 من حاله الملل من خلال نقاشاتهم مع مقاتلي الميراج ، واتفق احمد مع قائد سرب الميراج علي عمل طلعات تدريب مع طائرات الميراج

وبعد دقائق من تلاقي الطيارين في الميس ، سمع الجميع خبرا عاجلا من اذاعه الجيش الاسرائيلي وكانت رساله اكثر منها خبرا (( مرحبا بسرب الميراج في طنطا )) فتعالت نظرات الدهشه من الجميع .

 

أضفي وجود المقاتلات القاذفه من نوع الميراج بطيارينها الممتازين جوا من الحماس والخروج عن الملل

فتوالت الطلعات بين السربين في تدريبات عنيفه جدا

 

المقدم محمد عكاشه يتوسط اثنان من طياريه في مطار طنطا قبل طلعه تدريب

 

مر وقت علي الطيارين في مطار طنطا واندمج طياروا السربين 77 و69 في بوتقه واحده ، وتوالي نزول طياري السرب 77 في اجازات قصيرة وكان كالعاده احمد هو اخر من ينزل اجازة ولفتره قصيرة جدا .

عاد أحمد من اجازته الي المطار قبل أذان المغرب بلحظات قليله ، ليفطر مع طياريه في ثاني أيام شهر رمضان المعظم عام 1973 ، ووسط الجو الرمضاني الرباني أفطر الرجال وجلسوا يدخنون السجائر ويلعبون الطاوله في استرخاء، وتحدث احمد قليلا عن المشروع التدريبي تحرير 23 والذي سيبدأ بعد أيام ، وقتها تناقش الجميع عن تلك المشروعات التدريبيه والعائد منها

فقال محمد غاضبا كعادته (( بقالنا ست سنين والجيش بيتدرب ، بس مش باين اننا هنحارب ))

فتابع طارق (( هنحارب ازاي ؟؟ - الجيش مسترخي وسرحوا جزء من الاحتياطي كمان ))

وأستكمل طارق بعصبيه (( وفتحوا باب عمرة رمضان للضباط كمان ))

فتدخل عمر مؤكدا (( ما انا قدمت عشان اطلع العمرة السنه دي مع مراتي ))

وليد ((الواحد يطلع بطيارته ويروح ضارب له صاروخين علي خط بارليف،عشان الناس هنا تصحا ،

والحرب تقوم )) فضحك الجميع من فكرة وليد

وتابع محمد (( تصحا مين يا وليد – السادات شكله مش بتاع حرب ، حجته ايه دلوقت ؟؟ القاذفات الثقيله وصلت ، واحنا بقالنا مده جاهزين ، هتبقي حجته ايه ؟؟))

فتهكم عمر (( ما هو سنه الحسم عدت من سنتين ، والسنه اللي فاتت قال ان الضباب هو اللي منع الحرب ومره تانيه قال ان الحرب الهنديه الباكستانيه هي التي عطلت الحرب ، انا مش فاهم الراجل ده عايز ايه ؟؟ طب طالما مش هنحارب يبقي يقولنا عشان نستريح ))

كان احمد يستمع بصمت وبدون أن يعلق ، فبداخله ثورة تكاد تقتله قتلا من جراء الكبت ، فالتدريبات أصبحت تبعث علي الملل ومكرره والسيطرة علي اعصاب طياريه أصبح امرا صعبا جدا

وفي الخامس من رمضان والذي وافق الاول من اكتوبر لعام 1973 بدأت التحضيرات للمشروع التدريبي والذي ستقوم به القوات المسلحه باكملها مثلما قامت به العام الماضي في توقيت مماثل، وتم وضع خرائط المشروع والتعليمات الخاصه به علي طاوله العمليات ، وتم رفع درجه الاستعداد في المطار .

وطوال اليومين التاليين نفذت طائرات الميراج بالمطار عده طلعات تدريبيه لخدمه اغراض المشروع ، ونفذ السرب 77 عده طلعات تدريبيه علي ارتفاع منخفض جدا كما تم تدريبه في الاعوام السابقه

 

وفي ليله الاربعاء  الثالث من أكتوبر ،تم أستدعاء احمد الي القياده ، حيث أستلم مظروفين مختومين بالشمع الاحمر وتم التأكيد عليه بفتح المظروف الذي يحمل الكلمه الكوديه عند تبليغه بها ، وسأل احمد عن الهدف من ذلك فقيل له بأن ذلك تدريب علي تنفيذ المشروع تحرير23 الجاري العمل به الان ولضمان السريه .

وفي اليوم التالي وصلت رساله شفريه في الصباح وعندما فك رموزها ايهاب ، وجد بها أستدعاء أخر لاحمد لمقابله اللواء نبيه المسيري رئيس اركان حرب القوات الجويه صباح اليوم التالي

وفي صبيحه الجمعه الخامس من أكتوبر كان احمد يدخل مكتب اللواء المسيري ، وبعد دقائق خرج احمد من المكتب وبداخله فيضان عارم من المشاعر والاحاسيس الفياضه التي يجب عليه كتمانها مهما كان الثمن ،فأستند علي الحائط لكي يلتقط انفاسه المتلاحقه  وامسك بركبته فوجدها تنتفض من الحماس ، وطوال الطريق الي مطارة كانت عينيه تشعان نورا غريبا لم يلاحظه احمد بالطبع لكن لاحظه طياريه فور دخوله عليهم ، وبدون ان يترك لهم فرصه للسؤال ، قال بلهجه امرة لا تحتمل نقاش

(( وليد – عمر – طارق – محمد – خالد  جهزوا نفسكم السرب كله هينزل اجازة 48 ساعه دلوقت ))

ووسط دهشه الرجال من الامر الغريب وطريقته وكذلك وجهه احمد المستنير بشكل عجيب ، وسط كل تلك الدهشه أكمل احمد اوامرة (( كل واحد لما يجهز يعدي علي مكتبي قبل ما يمشي )) فنفذ الطيارين الامر

وفي ممرات مبني غرفه العمليات توقفوا (( ايه ده ؟؟ حد فاهم حاجه )) تساءل وليد

ورد خالد (( القومندان  عارف حاجه ومش عايز يقولنا عليها ، هو مش برضه احنا في تدريب حرب ولا انا غلطان ؟؟؟))

محمد متسائلا (( حاجه زي ايه ؟؟))

طارق (( انتوا مش شايفين وشه فرحان ازاي ؟؟ اكنه عارف حاجه ))

عمر سعيدا (( يبقي هنحارب ))

محمد (( نحارب ايه بس ، ده بيقولك ننزل اجازة ، تقول انت هنحارب ))

خالد (( والعمل ؟))  طارق مستسلما  (( يا خبر النهارده بفلوس بكرة يبقي ببلاش ))

وبعد دقائق دخل الطيارين علي احمد وقد جهزوا انفسهم للاجازة ، فأخرج أحمد عده مظروفات يحمل كل منهم أسم طيار من الطيارين وتحت الاسم موعد محدد ، فبادر احمد وملامح وجهه تشع نوراً

(( الظرف ده فيه مهمه خاصه جدا لكل واحد فيكم ، وده أمر مباشر مني ، محدش يفتح الظرف قبل الميعاد المكتوب عليه بالثانيه ))

وتغيرت ملامحه للجديه(( من المهم محدش يفتح الظرف قبل الموعد المحدد فاهمين ؟)) فأوما الرجال أيجابا ، ثم امرهم احمد بالانصراف، الا ان أيا منهم لم يتحرك وتساءل عمر في فضول

 (( هوا فيه ايه يا قومندان ؟؟؟)) فلم يجيب احمد بما يرضي فضول الرجال  

فواصل طارق (( بصراحه يا فندم واضح علي وشك انك تعرف حاجه ومش عايز تقولنا عليها ؟؟))

كان الخناق يديق علي احمد من طياريه وأصدقاءة ، ففكر سريعا وقال (( المظروف اللي معاكم فيه تعليمات بمهمه سريه جدا جدا ، والتوقيت مهم جدا بشكل رهيب عشان كده انا مقدرش اقولكم عليها )) وعبثا حاول الرجال معرفه ما يدور الا ان احمد امرهم بالانصراف

وفور انصرافهم أتصل احمد برئيس الفنيين مبلغا اياه بانه سيقوم بتفتيش علي الطائرات بعد ساعه

وفي السيارة تحدث الطيارين (( انا مش عارف هاصبر ازاي لغايه الساعه 9 الصبح عشان افتح الظرف؟)) قال خالد ، فرد طارق (( لازم تصبر دي اوامر ولا انت مش عارف معني الامر يا حضرة الضابط؟ )) فأسقط في يد الجميع وتداولوا عن تلك المهمه الخاصه والهامه جدا ، الا ان الفشل كان النتيجه الحتميه لاي أستنتاجات.

وليلا قام احمد بالتفتيش الدقيق علي جاهزيه الطائرات ووجد بعض الملاحظات الغير حيويه لكنه وجدها فرصه لابلاغ الفنيين بأنه سيقوم بتفتيش اخر في الثانيه عشر ظهر الغد علي جميع الطائرات ، علي ان تكون الطائرات محمله بالوقود والذخائر لتنفيذ طلعه تدريبيه بالذخيرة الحيه .

وفجأة وصل قائد القوات الجويه بسيارة جيب بمفرده وبدون مرافقين ، كانت زيارة سريعه من القائد لتفقد الاستعدادات،واختلي بأحمد علي جانب بعيدا عن الفنيين والمهندسين وتساءل هل علم احد بالموضوع ؟ فرد أحمد بالنفي ، فتبسم القائد وغادر بعد اتمامه التفتيش السريع متمنيا لاحمد التوفيق .

 

بعد فترة  دلف احمد لغرفته وقلبه يكاد يطير فرحا ، وسرعان ما طاردته ذكريات ست اعوام مضت فور استرخاءة علي السرير ،ولدهشته الشديده  لم يحس احمد بنفس الشعور البغيض الذي كان يملئه كل مرة تذكر مدحت المليجي صديقه وزميله الذي استشهد في اول ساعات القتال ، كذلك مذبحه الاسري التي ملئت قلبه كرها وحقدا في الاسرائيليين ، لكنه أحس بالسعاده لقرب لحظه الثأر لهم .

فقام من سريره واخرج خوذه المليجي من دولابه الخاص ، تلك الخوذه التي استشهد المليجي وهو يلبسها ، وقال احمد بصوت خافت خوفا من ان يسمعه احد (( هانت يا برنس ، يا اجيلك الجنه يا اريحك واخذ بتارك))

 

وعلي مسافه عشرات الكيلومترات من المطار، تمدد عمر في سريرة ناظرا الي بدله الطيران ، والذي يقبع بداخلها ذلك المظروف ، اهو أمر نقل الي سرب اخر ؟ ام ترقيه أو علاوة او امر بمهمه سريه فعلا ام ماذا بالضبط ؟، تاه في التفكير لدرجه انه لم يحس بدخول ناديه الي جوارة بالسرير ، الا ان شعورا داخليا غريبا جعله يحتضنها بشوق .

 

اما طارق فقد وضع المظروف امامه في غرفه نومه وظل يحدق به ويديه تكاد تتحرك لتفتح المظروف

ووسط الموسيقي الكلاسيكيه الهادئه ودخان السجائر المشتعله تردد أمر احمد له في عقله

((محدش يفتح الظرف قبل الموعد !!)) فانتفض واقفا في غضب واغلق اضاءه الغرفه ، ودلف تحت الغطاء تاركا الموسيقي تصدح في انحاء الغرفه

 

اما محمد فكان ذلك الظرف لا يشكل له عبئا كما شكل لزملائه الاخرين ، فقد تعود علي تنفيذ الاوامر مهما كانت ، فلم يعر هذا الموضوع اي اهتمام يذكر ، إنما امضي ليلته في تنظيف ملابسه ، وأعطي اهتماما خاصا بلباس الطيران وقفازه .

 

السادس من أكتوبر 1973

 

أستيقظ محمد من نومه في الخامسه صباحا كما تعود طوال الفترة السابقه ، وتوضأ وصلي الصبح وقرب الساعه التاسعه صباحا ، لبس ملابسه العسكريه وفتح الظرف ليجد جمله واحده فقط تتوسط الصفحه

((عد الي قاعدتك فورا))

فتلألأت عينيه لوهله وايقن ان شيئا ما سيحدث ، فأسرع الي الشارع حيث أستقل تاكسي ليوصله مباشرة الي المطار .

أما عمر فقد تسارعت دقات قلبه بصورة غريبه وهو يقرأ تلك الكلمات، وبسرعه أرتدي ملابسه وسط دهشه زوجته وبدون اي يقول لها شيئا عما بداخل الظرف احتضنها بشده وربت علي بطنها مداعبا اياه

(( خذي بالك من ولي العهد ، تاكلي كويس وبلاش سهر)) كان يتحدث اليها وعقله في طنطا حيث طائرته ورفاقه ، فسالته ناديه (( فيه ايه يا عمر ؟؟؟ )) فقبلها علي رأسها باسما قائلا (( هكلمك بليل ))

و انطلق الي المطار .

أما طارق فقد ارتدي بقيه ملابسه وهو في سيارته يسارع الريح متجهها نحو المطار، وسط دهشه والدته والخدم من هرولته ، فقد فتح الظرف في غرفته ولم يراه الجميع الا وهو يركض بنصف ملابسه جاريا من الدورالعلوي ، وقبل والدته بسرعه متجنبا النظر في عينيها التي تمتلئ تساؤلات .

كانت عقارب الساعه تشير الي الحاديه عشر والنصف عندما بدأ توافد الطيارين علي المطار ،فحضر كل منهم بأسرع وسيله ممكنه والاسئله تطل من الوجوه ، كانت وجوه الرجال  تمتلئ فضول وترقب وقلق وتساؤل ، فوجدوا أحمد في مكتبه يقوم ببعض الاعمال المكتبيه العاديه ، وتبعا لاوامره فقد قام كل الطيارين بتغيير ملابسهم ولبس ملابس الطيران .

وفور انتهاء وصول جميع الطيارين ، كانت الساعه قد قاربت علي الثانيه عشر ظهرا ، فأجتمع احمد بهم وملامحه تملأها الجديه الكامله ، وقام بفرد خريطه سيناء علي الحائط ،بدلا من خريطه المشروع التدريبي  وأستدار قائلا (( بسم الله ....... يا رجاله الاوامر اخيرا صدرت لنا بالحرب وأ.......))

 لم يكمل احمد جملته فقد قطعتها ثورة من جميع الطيارين الذين هبوا واقفين مكبرين فرحين محتضنيين بعضهم البعض ، شعور لا يمكن وصفه أحس به كل طيار ، حتي محمد الذي كانت ابتساماته وضحكاته نادرة الحدوث خلال الست سنوات الماضيه .

هرع وليد محتضنا أحمد في خضم شلالات من السعاده والفرحه والتكبير والتهليل لمصر ، ولم يستطع احمد التحكم في مشاعره او مشاعر طياريه الذين انهمرت دموع الفرع منهم بلا استثناء ، فأحتضنوا بعضهم البعض في فرحه وسعاده شديدين ،

فلا يمكن بأي حال من الاحوال وصف مشاعر هؤلاء الرجال في تلك اللحظه ، فبعد ويلات ست سنوات وبعد ان تجرعوا مرارة الهزيمه طوال هذه السنوات حانت اللحظه التي يخرجون فيها ما بداخلهم من غضب وثأر وغضب وكراهيه ،فقال محمد بصوت يملئه الدموع

 (( اخيرا.. أخيرا يا فندم بعد ست سنين الاوامر وصلت ؟اخيرا هندي ولاد الكلب علقه ؟))

عمر منفسا عما بصدرة (( يااااه ... ده  كأنه زمن تاني، انا مش قلت لكم اننا هنحارب ))

طارق بحماسه ووسط دموعه (( مش مهم كام سنه عدت ، المهم اللي جاي ، أنا مش مصدق نفسي إني عشت وشفت اليوم اللي هنرد بيه ، وبأذن الله هننتصر ))

أحمد بحماس (( بأذن الله ، هما نايمين في العسل لحد دلوقت وهنديهم علقه موت ))

أمسك عمر بأيه الكرسي المدلاه في عنقه وقبلها ، فكل شئ يهون الان في سبيل الوطن، لا يهم ان يولد ابنه او ابنته ليجدا اباهم استشهد ، فلا قيمه لذلك في سبيل ان تمحو مصر كلها عار حرب لطخت شرفنا في الوحل

 

وبعد ثوان  أمر احمد طياريه بالنظام والتركيز الشديد لانه سيقوم بالتلقين الابتدائي قائلا بحماسه شديده 

(( مستعينا بالله وبرجال السرب 77 قتال ، أبدأ تلقين الضربه الجويه )) ثم اخرج مظروفا بني اللون من الخزينه الخاصه به وأستكمل قارئا الاوامر بالحرف

(( مهمه السرب 77 في ساعه الصفر هي تدمير مقر قياده العدو المتقدم في منطقه أم مرجم وتعطيله ، مما يؤدي الي شلل مؤقت في الاتصالات للعدو ، مما يُمَكن باقي القوات الجويه من العمل بحريه في ضرب اهدافها المحدده لها ))

ثم صمت احمد لثوان ناظرا لرجاله الممتلئين حماسه وفخر وأستطرد

((مهمتنا حيويه جدا والاختيار اننا نضرب مقر القياده المتقدم كان لكفاءتنا وسمعتنا في التدريب ، ومن المهم جدا جدا اننا نضرب مركز القياده ده ونشل الاتصالات فيه حتي يمكن لباقي الطيارات المهاجمه انها تدمر اهدافها بنجاح )) 

وليد متسائلا (( وايه الاهداف التانيه وعدد الطيارات ؟))

أحمد (( تقريبا مائتين طيارة هتعبر القناه في وقت واحد بس احنا هنكون في المقدمه بمسافه ومحمد هيكون اول واحد يعدي ويضرب عشان يفتح لنا الطريق لضرب مركز القياده المتقدم زي ما اتدربنا ، ولو لقدر الله مقدرناش نضرب مركز القياده ، فباقي الطيارات ممكن تقابل صعوبه كبيرة لان مركز القياده هيكون أنذر المطارات الاسرائيليه في العمق وانذر وحدات الدفاع الجوي كمان ،عشان كده الثانيه لها حساب ، أما عن الاهداف العامه فقاذفتنا هتهاجم مراكز الشوشرة والاعاقه ومركزين قياده تانيين وتجمعات صواريخ هوك وتجمعات الدبابات ومناطق شئون اداريه والاتصالات، وعدد من المطارات المتقدمه))

ثم تساءل أحمد مستفزا (( تفتكروا هتقدروا تكونوا عن حسن ظن مصر بيكم ؟؟)) هتف الجميع بالايجاب وقد علت الحماسه مرة أخري ، فبدأ أحمد بسعاده في شرح بعض الامور الفنيه كممرات الطيران الامنه وطرق الاقتراب من الهدف فقاطعه عمر (( يا قومندان ، احنا خلاص حفظنا الطريق من كتر ما اتدربنا علي الهدف ))

فتابع احمد وأكد ان ثقه مصر في رجال السرب لا حدود لها لذلك فهم سيكونون اول من يعبر القناه بهدف فتح الطريق لبقيه الطائرات ، فرد عليه طارق (( والله لو الامور تعقدت لاكون داخل بطيارتي في مركز القياده مدمرة )) 

أحمد مقاطعا بحسم (( احنا تدربنا علي ضرب الهدف اكتر من خمسين مرة ومفيش بأذن الله اي تعقيدات وإن شاء الله زي ما طلعنا مع بعض هنرجع كلنا ، لان ثقتي وثقه القياده فيكم ملهاش حدود، انا مش عايز طيار يطير ويموت ، انا عايز طيار يطلع يضرب هدفه ويرجع حي ))

الهبت كلمات احمد مشاعر الرجال المشتعله فزادتها حماسه وإصرار ،

فأكمل احمد شرحه (( وقبل اخر ضوء هتحصل ضربه تانيه لنفس الاهداف ، لكن دورنا هيكون من لحظه رجعونا من الضربه الاولي هو الدفاع الجوي والقتال الجوي فقط ضمن اللواء 104 ، فبعد اول طلعه هنرجع بأذن الله ونحمل صواريخ عشان الرد الجوي الاسرائيلي هيكون عنيف جدا، وهنكون في طيارتنا جاهزين ومستعدين له  ))

وتساءل خالد عن توقيت الهجوم ، فرد أحمد (( بأذن الله هنكون فوق نقطه التجمع الساعه اتنين واربع دقايق بالضبط ودي تعليمات القياده ، عشان نتجمع مع بقيه الاسراب في نقطه واحده ونقودهم الي داخل سينا ، وهتعدي طياراتنا خط الجبهه من عده ممرات علي الجبهه وتحت أي ظرف لازم نلتزم بالممرات دي والا الدفاع الجوي المصري هيضرب علينا)) ثم توقف عن حديثه وسأل عن اي استفسارات او اسئله لكن الجميع كانوا في حاله نشوي وتركيز شديدين فأستكمل منهيا الحوار (( تعليمات القياده ان الكل يفطر ، وانا أمرت بتجهيز غذاء لنا بعد شويه))

فتعالت نظرات الاستغراب من اعين طياريه ، فاخرج احمد سيجارة واشعلها معلنا لرجاله بانه قد افطر ، وهو يعلم ان قرار القياده صحيح حيث يحتاج الطيار الي سعرات حراريه كثيرة جدا لكي يكون في قمه لياقته الذهنيه والجسمانيه اثناء الطيران

لاحظ احمد بوادر اعتراض من الطيارين فأنهي الحوار (( الغذاء بعد نص ساعه ، ده أمر غير قابل للنقاش))

ثم أمر الطيارين بالانصراف والاطمئنان علي طائراتهم ، فخرج الطيارين في الساعه الثانيه عشر واربعين دقيقه يجرون فرحا نحو طائراتهم ، قابلهم فرح مماثل من طياري السرب 69 والذين عرفوا الخبر منذ لحظات أيضا ، فأحتضن الطيارين بعضهم البعض في سعاده فرحين ، وهم يهتفون بأسم مصر عاليا ،ثم انصرفوا الي دشم طائراتهم في سعاده يزفون الخبر الي الفنيين الذين قابلوا الخبر بسعاده لا توصف ، وعلي الفور شرع كل طيار وطاقمه الفني في تأكيد جاهزيه طائرته واستعدادها التام .

وفي وسط تلك الاستعدادات بدأ عدد من الفنيين في كتابه ايات قرأنيه علي القنابل والصواريخ ، فتلك هي الوسيله الوحيده لهم لكي يشاركوا الطيارين قتالهم مع العدو.

وعاد الطيارين الي غرفهم في مبني المبيت تحت الارض بجوار دشم الطائرات ، وبعد ثوان عاد كل منهم وقد ارتدي ملابس الطيران كامله وجهز سلاحه لاي طارئ.

واجتمع الرجال بقائدهم علي مائده الغذاء حيث تاكد احمد من ان كل منهم قد افطر وتناول ما يكفيه لكي يطير بكفاءه .

وفي الساعه الواحده وعشرين دقيقه جمع احمد طياريه مره اخري ملقنا أياهم التلقين الاخير ، ولم يكن يختلف عن سابقه في شئ ، فقد كانت الاشارات من مركز العمليات تدل علي ان كل شئ طبيعي ،كما أستمع الرجال الي البيان العسكري الاول وهو بيان وهمي الذي أشار الي قيام القوات الجويه الاسرائيليه بقصف مواقع مصريه علي خليج السويس ، وكان هذا البيان اشارة تأكيد علي ان عجله الحرب قد دارت بالفعل

وبنظرة ثاقبه مليئه بالثقه  صافح احمد طياريه بقوة ، وأحتضن كل منهم مبلغا أياهم بفخرة بالعمل مع رجال لهم هذا المعدن الصلب والتفاني والتضحيه ، ثم طلب احمد منهم سرعه التوجه للطائرات مرة اخري حيث سيمر علي كل طيار للتأكد من جاهزيته .

بدأ كل طيار في الدخول لكبائن الطائرات في صمت نابع من تركيز عالي جدا ، فقد اتت لحظه الثأر ولابد لكل منهم ان يكون في قمه تركيزة ، ولم يسمع اي منهم حوارات الفنيين حولهم وعبارات التشجيع التي تطايرت من كل مهندس وفني وجندي لهؤلاء النسور المتجهين لاخذ ثأر مصر

تابع احمد تحركات طياريه وتمام استعداد الطائرات الواحده تلو الاخري ، ومر بذهنه هاتف غريب ، فأي من هؤلاء النسور الشجعان لن يعود للمطار ، ام لن يعود هو ؟؟ فكر في اهميه ما يفكر به ، فوجد ان تنفيذ المهمه بشكل كامل اهم لديه من عودته للمطار ، لكنه بأي حال من الاحوال لن يسقط اسيرا في قبضه العدو ، فالموت اهون واشرف له من ان يأسروة .

وبعد لحظات دلف احمد الي كابينه طائرته وتأكد من جاهزيتها التامه وهو يتلو ايه الكرسي ، ثم تلاها بأيه وجدها مناسبه جدا لهذا الظرف (( وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا ، فاغشيناهم فهم لا يبصرون))

 

وفي الواحده وخمس وخمسون دقيقه بدأت الطائرات في الخروج من الدشم الواحده تلو الاخري ، حيث سيلقع السرب 77 فقط ، فقد تم الغاء مهمه سرب الميراج في ضرب مطار العريش بأمر من القياده في اخر لحظه ، ووسط نشاط الطائرات علي الممرات  كانت عيني أحمد تتابع من داخل كابينه الطائرة ، طائرات سربه تتحرك في تناغم حتي اصطفت الطائرات الست علي اول الممر منتظرة الاذن بالاقلاع .

تحدث احمد في اللاسلكي (( دي يارجاله اللحظه التي انتظرناها ست سنين ، أفتكروا كل شهيد ضحي بنفسه في سبيل مصر ، أفتكروا زملائنا جمال شفيق وشريف المصري اللي واجهوا العدو بكل قوة ومخافوش من الموت – يا رجاله دي اللحظه التي هنحرر فيها سينا – قلوب وعيون ملايين المصريين والعرب منتظرة اللحظه دي ، منتظراكم تحققوا نتائج حاسمه عشان نمسح عار 67، أفتكروا أطفال بحر البقر وعمال مصنع ابو زعبل ، والاهم افتكروا اهالي كفر نور اللي وعدانهم اننا هناخذ بتارهم، افتكروا كل دول وانتوا بتضربوا مواقع العدو، اخيرا جت اللحظه اللي كنا منتظرنها  ))

وبداخل كابينه كل طائرة دار عقل الطيار بحماس مع ذكريات ست سنوات مضت من الهزيمه والعار والقتال والموت المحيط بكل منهم ،وأعداد الضحايا الذين ضحوا في سبيل هذا اليوم المشهود .

وكم مني كل منهم نفسه بتلك اللحظه التي يعبرون فيها القناه لقصف العدو فاتحين الباب اما جيشين مصريين كاملين لعبور القناه واستعاده مجد وشرف أمه ٌهزٍمت في غفله من الزمن ، وها هم يبدأون في الاخذ بثأر شعب وأمه كامله ، وبينما العقول تعمل كمحركات طائراتهم ، أنطلقت الخرطوشه الخضراء معلنه الاذن بالاقلاع ، وتعالي صوت احمد في اللاسلكي

(( علي بركه الله ، توكلنا علي الله – الله أكبر)) وتعالي وراءة صوت تكبير الطيارين.

 

أنطلقت الطائرات تشق عنان السماء متخذه المسار الذي حٌدد بدقه وكفاءة وعلي ارتفاع منخفض والتحم التشكيل بقياده احمد وعلي يمينه محمد وعلي يسارة وليد ومن خلفهم عمر وطارق وخالد ، ومع مرور الثوان بدأت السماء تمتلئ بالطائرات المصريه بأختلاف انواعها تتجمع من مطاراتها المختلفه ، فتابع الجميع تشكيلات السوخوي وتشكيلات الميج 17 المحمله بشتي انواع القنابل والصواريخ وتشكيلات الميج 21  للحمايه وتشكيلات اخري من طراز الهوكر هنتر العراقيه الشقيقه تلتحم مع شقيقاتها المصريه في روعه وتناغم كبير ، كان منظرا رائعا لهذا العدد الكبير من الطائرات وهي تلتحم في تشكيل واحد ، فملئ الفخر والثقه كل خليه من خلايا الطيارين الشجعان ،وكما خُطط تماما ففي الدقيقه الرابعه من الساعه الثانيه ظهرا  وصلت الطائرات الي نقطه التجمع الرئيسيه غرب القناه ليلتحم معها تشكيل أخر قادم من مطار أخر بعيد ، عشرات الطائرات تلتحم في تشكيلات رباعيه وسداسيه  وهي تتجه غربا وبداخل كل طائرة نسر جارح قاتل،وحش كاسر يريد الفتك بعدوة بلا رحمه

في تلك اللحظه يسمع أحمد نداء شفريا (( الاشباح تقود الطريق )) فيرد أحمد بالعلم ، ويأمر طياريه بفتح الحارق اللاحق لزياده سرعه الطائرات للقصوي، وبينما بوصله الطائرات تشير الي الشرق والي سيناء بالتحديد او كما تعودوا ان يقولوا داخل السرب – الي اتجاه 090 ، ويبتعد السرب عن بقيه التشكيلات الاخري رويدا رويدا ، وكما تدرب الطيارون فقد طاروا علي ارتفاع منخفض ، ومن الكابينه كان يمكن رؤيه الوحدات البريه المصريه وطوابير الدبابات وقطع المدفعيه ،تستعد للحظه العبور في مشهد لا يمكن لاحد ان يتصورة في سيمفونيه من مليون جندي مصممين علي الثأر

 

الصمت بين الطيارين يغلف الاجواء لكن العقول تعمل في صخب فها هي القناه تقترب ، ذلك الخط الازرق وسط صفرة الصحراء هو ما يقف بيننا وبين النيل من ذلك المحتل الغاصب لارضنا ، هذه المياه التي سيمر عليها بعد قليل خير اجناد الارض كافه ليردوا كرامتهم امام العالم .

وعلي الارض بينما الجنود في جديه يملئون قواربهم بالهواء تمهيدا للعبور ، يسمع احد الجنود صوت طائرات تقترب ، فيسأل قائده  في قلق وخوف (( ننزل الملجأ  يا فندم ؟؟ شكلها طيارات يهودي ))

فيصمت القائد الشاب وينظر الي تلك الطائرات المقبله من الغرب قائلا وهو يبتسم((دول نسورنا يا عسكري ))

ووسط صمت مطبق علي ضفه القناه يعبر سرب الاشباح فوق رؤوس الجنود مطيحا بست سنوات من الانتظار والترقب وواضعا أمل وحماسه لا حدود لها في قلب كل جندي ، وعلي الارض يشاهد الجنود نسور مصر يعبرون القناه في شجاعه وثقه متجهين نحو اهدافهم ، فتتعالي الجبهه في وقت واحد وبصوت رجل واحد (( الله أكبر )) ،ويبتسم القائد الشاب وهو ينظر لجنوده في حماس ويساعدهم في ملئ القوارب بالهواء

بحماس اكبر وثقه اكبر ، فالحرب قد بدأت فعلا .

وفي الثانيه والدقيقه الخامسه بالضبط يدوي صوت احمد عبر مكبرات الصوت في غرفه عمليات القوات الجويه                                     (( الاشباح عبرت القناه ))

قالها احمد في ثقه وهدوء تام وهو ينظر الي طياريه الذين يطيرون بجوارة في ثقه ومهاره تامه ، فالاعين متسمرة علي الافق البعيد ، والايدي ممسكه بعصا التحكم في قوة ، والقلب يخفق بسرعه ، والانفاس تتزايد كلما مر كيلومتر ، فالامل معقود عليهم لكي يعطلوا شبكه انذار واتصالات العدو ، وبعد ثوان تنخفض الطائرات اكثر واكثر بأشاره من يد احمد ، فالطريق امامهم اصبح خال من العوائق كما تدربوا وخططوا لتلك اللحظه و بأشاره اخري من احمد ينفرد محمد بالمقدمه كما خُطِط تماما ويلقي بخزان الوقود الاضافي لزياده سرعته وتتزايد المسافه بينه وبين زملائه بسرعه ودعاء زملائه له بالتوفيق والسداد

جميع الطائرات تلقي خزانات الوقود الفارغه من طائراتها ، ويخف وزن الطائرات ويصبح التحكم اسهل .

 

كانت عيني احمد تنظر من ان لاخر الي طياريه في طائراتهم مطمئنا عليهم ، ثم باشارة اخري من يدة بدأ السرب في ابطاء سرعته تاركين لمحمد فرصه لقصف رادار موقع الهوك الٌمدافع عن مركز القياده

ويظهر صوت محمد قاطعا صمتا لاسلكيا مفروض علي جميع الطيارين عدا قاده التشكيلات

(( النسر الاصلع – الهدف علي مرمي البصر )) فقد رصد مركز قياده العدو كما تدرب عليه ، فالنموذج الذي تدرب عليه يطابق ما يراه الان ، اذن لابد وان بطاريه الهوك علي اليمين بعشر درجات ، ويبدأ في الانحراف للدخول علي بطاريه الهوك ، يلمح بسرعه خاطفه عداد السرعه ، فالسرعه الان الف وخمسين كيلو متر في الساعه ، كلها ثوان قليله ويصبح فوق الهدف ، لا بد وان رادار الهدف قد رصده الان ، فرغم ارتفاعه المنخفض الا انه مدرك ان جنديا اسرائيليا يقبع الان امام شاشه الرادار يراه يقترب منه بسرعه ، لكن الصاروخ لن يستطيع ان يصيبني علي ارتفاع اقل من ثلاثين مترا ، كلها ثوان ويكون داخل المنطقه الميته لبطاريه الهوك والتي لا يمكن لتلك البطاريه التعامل معه ، وقتها ووقتها فقط سيرتفع بسرعته العاليه وكما تدرب مئات المرات سيعود وينطلق تجاه الارض تاركا الزمام للقنابل لكي تسوي مركز قياده البطاريه ورادارها بالارض ليدخل بعدها نسور السرب علي راحتهم ويقصفوا مركز القياده الاسرائيلي .

 وجاء صوت احمد في اللاسلكي مخاطبا محمد (( ربنا معاك ))

يخبو صوت محرك طائرة محمد ، وتظهر اضاءه حمراء في الكابينه  

وبعد ثانيه واحده يصل صوت محمد حاملا كارثه لاحمد وللجميع (( المكنه وقفت !!!! ))

صوت محمد يقطع الفضاء الي حيث مئات الطيارين في السماء التي تتجهه الي اهدافها بسرعه ، وعشرات القاده في غرف القياده المختلفه تسمع هذا البلاع الكارثي

ثم اعقب ذلك لحظه صمت يعقبها صوت احمد قلقا (( أفد يا نسر عن اصابتك ))

محمد بهدوء(( المكنه وقفت ومش راضيه تدور تاني – انا محتفظ بسرعتي لسه ))

عم الارتباك عقول الجميع في السماء وفي غرفه العمليات بقياده القوات الجويه وصوت محمد يصدح في مكبرات الصوت بتوقف محركه

وبعد ثانيتين يصل صوت محمد مرة اخري اكثر تصميما (( النسر الاصلع هيعمل واجبه حتي الموت – الطريق هيفتح بأي شكل – أشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله - الله اكبر وتحيا مصر ))

ثم لحظه صمت يعقبها انفجار علي الافق يراه احمد من طائرته بوضوح ويوقن ان طائرة محمد قد انفجرت  فيأمر رجاله بالاستعداد وبكل حزم يقول (( هنضرب الهدف باي تمن، استعدوا لتفادي صواريخ هوك  ))

ويرد الطيارين متجاوبين بحماسه بعد ان اعدوا اسلحتهم للضرب

فيستكمل احمد (( طارق خش بمدفعك علي الهوك وحاول تحقق اي اصابات تعطله ))

ويظهر مقر القياده الاسرائيلي علي الافق وقد غلف الدخان الاسود سماءة ، ويبدأ طارق في الانحراف تجاه بطاريه صواريخ الهوك  وبنظرة خاطفه يلمح رادار بطاريه الهوك ذو الطبقين يحترق وقد دمر تماما وسوي بالارض ،

فيردد بحماس بالغ (( الطريق مفتوح يا قومندان – بكرر الطريق مفتوح علي الاخر  محمد دخل بطيارته في الرادار – اشتغلوا براحتكم ))

فيغمر احساس بالراحه ارجاء السماء والارض ببلاغ طارق المطمئن

ويأمر احمد طياريه يتنفيذ الخطه ، فتنطلق الطائرات بزاويه حاده تجاه السماء بسرعه عاليه جدا ثم تدور في تناغم حول محورها وتعود المقدمه تجاه الارض مرة اخري ويتحول التشكيل الي طابور خلف احمد ، والجميع في قمه التركيز  

 

ومع قمه تركيزة  يضع احمد الهدف في دائرة الضرب وهو يردد(( بسم الله الله اكبر–دي عشانك يا برنس )) ثم يسقط قنابله ، ومن خلفه عمر ثم خالد ووليد في تناغم وتركيز شديد ، وتسقط ثمان قنابل في توالي فوق الموقع وتتعالي اصوات الانفجارات مدويه في الموقع الذي بدأ كل شبر فيه يحترق من جراء الاصابات الدقيقه ، ومن ارتفاع اعلي يؤكد طارق الاصابات بصوت فرح ((فري نايس يا وحوش الهدف مولع ))، ويأمر أحمد بعمل دورة قصف أخري مستخدمين الصواريخ الغير موجهه ، وترتفع الطائرات وتقوم بعمل دورة رأسيه اخري  وتتخذ زاويه ضرب مناسبه مطلقه صواريخها لتصيب اهدافها ،ثم تتجه غربا تاركه من خلفها اعمده الدخان الاسود تشق عنان السماء ،بينما مر طارق فوق الهدف متأخرا عن تشكيله لتأكيد الاصابه وبصوت فرح (( يا قومندان الهدف في سوي الرصيف دلوقت )) ويرد احمد بالعلم وسريعا التحمت الطائرات في السماء عائده والسعاده تغلف كل منهم حتي أقتربت القناه مرة اخري وظهرت قوارب المشاه تهم بالنزول للعبور.

بلاغات الاسراب الاخري مبهجه ومبشرة جدا ،صوت الطيارين يحمل الدهشه ايضا من مباغته العدو بدون مقاومه منه ،  فالمفاجأه مؤكده والعدو اُخذ علي حين غرة تماما مثلما فعل معنا في 67 ، الحوارات والتعليمات لا تتوقف بين الطيارين في مختلف الاسراب ونبرة الفرحه تطل من اللاسلكي ، فلا خسائر في معظم الاسراب حتي الان .

ومرت الطائرات فوق القناه ، لتجد تشكيلات ميج 21 مقاتله تحلق علي ارتفاع عال لحمايه اسرابنا خلال العوده ، قائد التشكيل في الجو يرحب بعوده السرب 77 ويثنون علي ادائه (( تسلم ايدكم يا اشباح – هو ده الشغل ولابلاش ))  

وبينما طائرات السرب تتجه لمطارها ومن خلفها مقاتلات وقاذفات القوات الجويه المصريه تعود هي الاخري ، أحس احمد بانه اصبح حرا طليقا ، خفيفا كالريشه بعد أن أرضي ضميرة وبدأ يأخذ فعليا بالثأر لاخوانه وزملائه وسكان كفر نور ، لحظتها فقط ملئت الراحه جوانبه وعاد البريق لعينيه بعد ان غاب ست سنوات كامله  

 

وفي غرفه عمليات القوات الجويه  يأتي صوت أحمد  عاليا مسموعا  لكل من بها مبلغا تقريرة النهائي قبل ان يهبط .

 

(( سرب الاشباح نفذ مهمته بنجاح – تم تدمير الهدف – خسرنا طائرة واحده - النسر الاصلع أستشهد – تحـــيا مــصـــــــــر ))

 

القاهرة 12/9/2006 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech