Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

ذكرياتي لحظه العبور

من روايه - الناس والحرب  -

بقلم العقيد اسامه الصادق-حلقه العبــــور

معركة العبــــــور


 

       الساعة السادسة الاربعا من صباح السادس من اكتوبر ووصلت الينا فتوى شيخ الازهر بحتمية افطار الجميع ومن يخالف تلك التعليمات يكون آثما .. طفت على الجنود لاقناعهم بالافطار وكأن جميع الجنود قد اصابتهم قوة الايمان رافضين هذا الامر اذا كان لهم هذا الحق .. شربت الماء امامهم موضحا ان الانتصار اهم من الصوم .. لان الانتصار سيكون انتصارا لجميع المسلمين على اعداء الله والاسلام كما انه يمكننا ان نستعوض هذه الايام بعد النصر باذن الله .. اتابع افطار جنودى وانا هكذا واستمع الى الراديو منذ الصباح واغنية ام كلثوم الجميلة “يا صباح الخير يالى معانا” وانا مازلت اطوف عليهم جميعا وعلى باقى الوحدات الملحقة على قواتى .. وصل عددنا الى ثلاثمائة وعشرة جندى وصف ووصل عدد الضباط الى خمسة عشرة ضابطا .. تعلن ساعة جامعة القاهرة تمام الثامنة من صباح هذا اليوم السادس من اكتوبر العاشر من رمضان .. ضبطت  ساعتى وكانت متأخرة ثلاث دقائق .. مررت على الجميع ليضبطوا ساعاتهم وبعد ان تيقنت من ذلك وصلتنى رسالة مكتوبة من قيادة الفرقة بانه فى تمام العاشرة نبدأ بنفخ قواربنا .. قارب بعد الاخر وعلى الجنود الاخرين التظاهر بالضحك والتحدث لعمل شوشرة على اصوات منافخ القوارب .. فعلنا هذا قاربا بعد آخر حتى اتممنا الاثنين وعشرين قارباً.

    الساعة الثانية عشرة والنصف يصلنى سائق قائد الكتيبة”العريف مجند ابو الخير” ليخبرنى بان القائد يطلبنى فى مركز الملاحظة  ارافقه ونعبر القناة الخلفية “التفريعة الاخرى للقناة ويطلق عليها اسم تفريعة البلاح “وبالسيارة قطعنا اكثر من كيلو لاجد المقدم فريد مندور واقفا فى مركز الملاحظة مبتسما ومرتفع الروح المعنوية واسعدنى هذا وقد يكون هذا الاحساس قد الى ايضا لأجد قائدى منشرح الصدر غير هياب للموقف صافحنى سعيداً ويقول لى هذا يومك يابطل انت ورجالك الشجعان ويناولنى مظروفاً صغيراً طالبا منى قرأته بعد ان اصل الى موقعى واقراءه فى حضور الضباط وضباط الصف وابلغهم بمحتواه .. احتضننى مودعاً وكذا كل ضباط القيادة من رئيس العمليات الى ضابط الاشارة والامن ثم طلب منى ابلاغ تحيته الى الجميع وذكر اسم النقيب حسن التى كانت العلاقة بينهما مقطوعة تماماً منذ ان عُدت من فرقتى التدريبية فى نهاية العام الماضى .. عاد بى السائق وانتظر معى حتى حضر القارب ليعيدنى الى الجزيرة وهنا عانقنى السائق داعيا الله ان يوفقنى.

     اقف فى وسط جنودى وضباطى بعد عودتى من لقاء القائد وهم يترقبون منى  شيئا جديدا والبعض بدأت تخور قواه فقد اصبحت الاحلام حقيقة واصبح من يفتعل البطولات يجدها قريبة منه قرابة انفاسنا المتلاهثة وهذا هو المحك الرئيسى قادما وليس لك بديل اما النصر او الشهادة .. قرأت كلمات قائدى والتى لاتخرج عن سطرين باننا جاهزون ومستعدون لمعركتنا القادمة وموعد عبورنا الساعة (1405 )  وهذا هو التوقيت العسكرى .. اى الثانية وخمسة دقائق بعد الظهر وهذا التوقيت سيكون لحظة عبور القاذفات المصرية من سلاحنا الجوى.

 

     استأذن القارىء بان اتطرق الى معركة العبور رغم اننى فى مقدمة الكتاب نوهت اننى لا اكتب عن المعارك التى لا يتقبلها الجميع ولكن هذا اليوم وتلك المعركة هى شىء غير طبيعى سواء للعسكرية المصرية او للنفس البشرية ولهذا فسوف أتحدث عنها فى فصل كامل نظراً للمهمة الخاصة والتى تعتبر فى بنود فن القتال من اصعب المهام بكل المقاييس كما انها تتحدث عن بطولات للعشرات من الشهداء والمصابين فى فترة زمنية قصيرة وما تلا ذلك من نتائج باهرة للعمل العسكرى فى مواجهة الفرقة 18 مشاه والتى تحتل جزءاً كبيراً من جبهة القتال كما كان بقطاعها مدينة القنطرة شرق والتى بعد ان سقطت اسعدت الامة العربية وما جاورها من نقاط حصينة بلغت سبع نقاط من جملة نقاط العدو على جبهة القتال والتى بلغت ثمانية وعشرين نقطة قوية من نقاط خط بارليف.

      تعدت الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر هذا اليوم الرائع فى تاريخ الشعب المصرى ولقد كان شيئا غريبا وملفتا للنظر ما يجرى فى جبهة القتال وخاصة فى الخط الامامى .. هذا الخط الامامى والذى لا يفصلك فيه عن العدو سوى قناة السويس بمسافة مائتى متر على اقصى تقدير.. اتطرق لهذا الحدث ومن منى احسن نفراً بان يكتب عن هذا .. يكتب عن ملحمة جنوده الشهداء والجرحى والابطال بدلا من الدمى التى يحضرها التلفزيون لتتحدث عن هذا العمل البطولى الرائع وكل يتغنى به .. انا لا اتحدث عن بطولة شخصية فلم ادمر دبابة بيدى ولكن كان لى دورى القيادى والذى لا يقل اهمية عن ما قام به ابطالى من الرجال .. لقد قرأتم مشاهداتى اثناء انسحابى فى معركة عام 67 ولم اتولى بطولة ولم نبدأ معركة ولكنها كانت مفروضة علينا باستثناء معركة الشهيد وليم ومعركة تدمير فنطاس الوقود لليهود فى آخر يوم انسحاب لنا .. لكن هنا فالوضع يختلف .. فنحن المهاجمون .. نحن العابرون .. “نحن مفرزة نطاق امن الفرقة “والتى يعرفها من المتخصصين يعلمون انها المدفوعة للاشتباك مع العدو وبالتالى تكون قوة العدو فى اشدها ويستطيع بامكانياته وخوفه على قواته الواقعة تحت القتال والتدمير ان تفعل كل ما تقدر عليه لان تسحقهم وهذا معروف لدى كل القيادات الكبرى فى اى جيش من جيوش العالم .. انهم الفدائيين وراس السهم المندفع امام القوات .. هم التى تسير باقى القوات الرئيسية فى اثرهم ونصرهم هو مما لاشك فيه نصر لهم ولاقدر لو فشلوا فى مهمتهم فهذا معناه تكبيد قواتهم الرئيسية خسائر كبيرة او فشل خطة الهجوم .. ولهذا سوف اتحدث عن هذا العمل

    جبهة القتال فى الايام السابقة للحرب كانها سوق كبيرة به الحركة والنشاط .. لو اعطيت مثلا انها كانت شبيهة بيوم من ايام رمضان فى الساعات التى تسبق موعد الافطار.. فكل شىء يتحرك ويجرى هنا وهناك وهذا يعود لمنزله وذاك يستعد حاملا معه الطعام او الفاكهة او الكنافة كل مشغول حسب تخصصه او رغبته .. ثم فجأة قبل المدفع بعدة دقائق تسير فى الطرقات فلا تجد اثراً لحياة .. اين البشر اين الالاف والملايين التى كانت تملأ الشوارع والمواصلات حركة ونشاطا وتسابقا من اجل موعد هام؟ .. انه موعد الافطار او موعد اطلاق مدفع رمضان .. أو قل مدافع الكبرياء التى ستنطلق على هؤلاء .. سكون تام فلا حركة وكل خلف سلاحه واذا كان اى انسان يريد معرفة ما يحدث لهؤلاء الرابضون فعيون يقظة وعقول تائهة وقلوب تنبض بقوة كانها اصوات مدفعية ميدان .. الكل صامت ولاتعرف عن افكار هؤلاء شيئا ولكن المؤكد انهم يفكرون مثلى ومثل الاخرين فقد وصلنا الى نقطة اللا عودة اى ان العد التنازلى قد بدأ ولن نخطأ خطأ عام سبعة وستون ثم فجأة نعود صامتين والغاء ماتم دفعه وهنا تكون القوات فى وضع خطر للغاية حيث ان الجميع بالمسرح وتطلب منهم قفل وغلاق معداتهم بينما يكون العدو مازال مستعدا فيضرب ويدمر للقوات المحتشدة فى مساحة ضيقة فتكون الخسارة الكبيرة ولاتستطيع القيادة ان تطلب منهم العودة ثانية لوضع الاستعداد للحرب فهى تحتاج وقت طويل انها مثل الفرن الذى يحتاج الى فترة اعداد حتى تصل درجة حرارته الى الدرجة المناسبة لاعداد الخبز ولكن اذا قذفته بجردل ماء انطفىء فى الحال واذا اردت اعادة اشعاله فتحتاج الى فترة اكبر من الاولى حتى تزيل اثار المياه التى اتلفت الارض والوقود الذى ابتل .. هذا ما حدث فى يوم السادس من اكتوبر .. فقد سبق السيف العزل.

     قريبا منى المعاونون لى فى مركز القيادة وهو مركز قيادة متقدم بكل الاحوال بالمسافة التى لاتقل عن ستة كيلومترات وبدون قوات صديقة على الاجناب اوفى الخلف فهو وضع شائك للقادة الذين دفعوا بى لهذا المكان ولتلك المهمة وهى بكل المقاييس مهمة خطيرة جداً لتنفيذ مثل تلك العمليات وهى ليست من انواع المهام المظهرية والعنترية فهى فى صلب الدراسة فى العمليات الهجومية .. معى فى مركز ملاحظتى عدد ثلاثة عمال اجهزة لاسلكى متوسط المدى لايقل مداه عن خمسون كيلومتراً واثنان جهاز لاسلكى قصير المدى حوالى خمسة كيلومترات من نفس نوع المتواجد مع ضباط السرية والوحدات التى تعمل معى ثم عدد ثلاثة جهاز تليفون ميدانى للاتصال بقادة الوحدات الكبرى .. كانت الاجهزة والتليفونات المتواجدة معى تتصل بكل من قائد الفرقة وعمليات الفرقة وقائد اللواء .. لقد كنت خارج سيطرة قائد الكتيبة ولكنى استمع لإتصالاته بقائد اللواء لاننا جميعا على شبكة واحده .. مع تواجد عنصر طبى معى “رقيب طبى” وحامل للقاذف الصاروخى المضاد للطيران المنخفض .. بلغ عدد المتواجد معى عشرة من الجنود المثقفين المتعلمين كما يدير المقذوفات المضادة للدروع والمضادة للطائرات عدد من الضباط المهندسين ايضا .. تعدت الساعة الواحدة والنصف وانا منتبهه وكل جنودى صامتين والحركة على جبهة القتال وخاصة منطقتى تدفع على الرعب .. انه الانتظار القاتل ولايريد عقرب الدقائق ان يتحرك .. كل فترة اشاهد ساعتى واقول كل هذا فى ثلاث دقائق .. كان وقتا طويلاً علينا انه الانتظار وما خلف الانتظار من احداث وكل ينظر الى الاخر ولسان حاله يسأل هل سيشاهد هذا الزميل مرة اخرى سواء نال هو الشهادة او زميله .. كنا قد وصلنا الى حالة من الروحانية العالية وقد ادى هذا الى ان سرح البعض منا مع عائلته او احبائه وقد كنت منهم فلقد طار بى الفكر والخيال بعيدا ولم افكر فيه راغبا ..

انظر الى مياه القناة الرائعة والتى تخبرنا بانه بعد دقائق سينقلب الحال والمياه كأنها تطلب منا ان نذهب لها لنستحم ونتمتع بها لا ان نعكرها بالقصف والدماء..طار خيالى وانقلب لون الماء الفيروزى على الشاطىء والذى هو اخضر فاتح .. سكنت عن التفكير وكل ما انا فيه نظرات حالمة لمياه القناة وسعادة بالغة بذكرى الاحباء فى القاهرة والزقازيق وهتف هاتف بداخلى ..  لاتغضب ان الحرب قادمة وستعالج كل شىء وستبتعد عنهم ان آجلا او .. افزعنى صوت الطائرات الهادر المفاجىء لنا جميعا وهتفت هذا هو “عاجلا”

     وقفت مضطربا فقد كانت لحظة سكون وحلم وخيال لانتبه على هذا الصوت الجبار وانفجارت الصواريخ والقنابل تتساقط امامى فى الشرق .. لقد عبرت الطائرات القناة من فوقنا مباشرة وهذه هى المرة الاولى التى نشاهد فيها قواتنا الجوية تعبر من فوقنا وتقصف العدو فدائما ما نشاهد طائرات العدو هى التى تقصف وتدمر وتقتل وطائراتنا عاجزة ان تفعل مثلها .. جاء اليوم ولنفعل بهم مثل ما فعلوا بنا طويلا ولا اعتقد ان ارتفاعها يزيد عن عشرين متراً كان واضحا الارقام المكتوبة على بطن الطائرات انها الميج 21 .. هاجمت الطائرات اعماق سيناء ونحن نشاهد الانفجارات تتوالى واعمدة الدخان تتصاعد دليلاً على اصابة الاهداف بدقة

      وقفت صارخاً .. احملوا القوارب .. كان ترتيب عبورنا هو عبور فصيلة مشاه بقيادة النقيب حسن وبعد وصولها للشاطىء الشرقى للقناة تعبر باقى القوة حتى نكون مؤمنيين من تدخل القوات المعادية وتقضى على هذا العدد الضخم فى القناة .. اعيد الامر .. ارفعوا القوارب .. حملوا القوارب بوهن او ُقل ان اعصابهم وقواهم قد خارت .. لقد عذرتهم فما حدث فى الثوانى السابقة اربكنا جميعا وليس هذا خوفا او جُبنا فمنذ ثلاث سنوات وبدون قتال او اشتبكات .. حملت الفصيلة المحددة قواربها وانا صارخا بهم .. تحركوا الى الثغرات لعبور القناة .. شاهدتهم متحجرين مثل ما يشاهد الانسان حماراً يستعصى على السير لعبورجدول مياه صغير حيث لايعرف عمقه ولهذا يتردد .. اطلقت عدة دفعات من سلاحى قريبا منهم وقد افاقهم هذا الصوت وتناثرت شظايا الرمال حولهم فاندفعوا وشعرت لحظتها بانهم قد يعرقلون العبور وحسن متواجد معهم وانا اعلم مقدار تهوره اثناء ذلك .. بصوت مرتفع .. نقيب حسن ساعبر انا معهم وانت تحضر مع باقى القوة .. اى بعد وصولنا الى الشرق واحتلالنا الساتر الترابى واخذت منه علم الجمهورية والذى زودتنا به قيادة الجيش لهذا الغرض .. الان القوارب الثلاث فى المياه ويدفع كل قارب جندى ثم يقفذ بداخله وانا اقف فى وسط احد تلك القوارب ملوحا بعلم مصر امام الجميع هادرا بصوت مرتفع .. والله زمان ياسلاحى .. واشير الى جنودى هاتفين خلفى الله اكبر..الله اكبر وابتعد عن الضفة الغربية لقناة السويس وانا الذى شاهدتها منذ اكثر من ست سنوات فى آخر مرة… وشتان مابين التاريخين واشاهد قواتنا الاخرى والتى ستعبر مع باقى القوات الساعة 1420ومركز ملاحظة قائد الكتيبة وهم يلوحون مصفقين هاتفين الله اكبر وتبتعد الصورة اكثر فاكثر كلما اقتربت قواربنا من الضفة الشرقية للقناة .. القناة على الاجناب فارغة ليس بها قوارب سوانا ونحن الذين سنحصل على حموة الموسى وقبل ان ابلغ الضفة الشرقية اشاهد باقى القوارب والقوة الرئيسية ومعهم حسن يحركون مجاديفهم سابحين خلفنا غير منفذين التعليمات كما اصدرتها لنا قيادة الفرقة واصبحنا اكثر من ثلاثمائة ضابط وجندى بداخل المياه ولا توجد قوات خلفنا وعلى عن يمينا سوى موقع نمرة ستة والذى يبعد عشرة كيلومترات جنوبا فنحن بدون حماية .. دعوت الله فى سرى الا تكون وحدة من العدو متربصة بنا وتطلق نيرانها علينا فيقتل من يقتل ويغرق الباقى فى مياه القناة رغم اننا جميعا نرتدى جواكت النجاة .. اقولها الحمد لله وصلنا الى الضفة الشرقية لقناة السويس وهاهو الساتر الترابى اقف اسفله وانا اشاهده مرتفعا بصورة لم اكن اتوقعها واتذكر خطأ قرارى بان طلبت من جنودى عدم حمل السلالم معهم من ضخامتها وارباكها فى القوارب .. وقفت على السياج الحجرى المبطن للقناة افكر هل من المعقول ان ننتظر عالقين هكذا ونرسل فى احضار السلالم .. ستكون كارثة وسوف نتأخر وما العمل والمطلوب منا ان نتجه بسرعة لاحتلال مواقعنا وتجهيزها قبل ان تصل قوات العدو وتقابلنا ونحن سائرون وتقضى علينا برشاشاتها .. اذن فلا مجال ولاجدال الا ان نصعد هذا المرتفع .. بسرعة تسلقته بين تكبيرات الجنود والذين يجدون خلفى .. انا اقف اعلا الساتر ملوحا لقواتى بداخل الماء بعلم مصر الذى الهب مشاعرهم ودفع بقواهم لاعلا درجاتها وهم فى منتصف القناة وهاهم يشاهدون الرائد اسامة قائدهم يقف فى الجهة الاخرى غير هياب ولاخائف ولم يحدث له مكروه فيزيدهم هذا اشتعالا وحماسا لكنى كنت لا احمل اثقال كما تحملها القوة الرئيسية القادمة وقفت لانظر ماذا هم فاعلون طالبا من الله العون والنجدة فى تلك المحنة التى خاننى فيها تقديرى لارتفاع الساتر الترابى مؤنبا نفسى بانه كان يجب على تنفيذ التعليمات فهم اعلم منى بهذا الارتفاع ولماذا احضروا السلالم اذن .. كل قارب به سلم .. اثنان وعشرون قاربا باثنان وعشرون سلما تركتهم الجهة الاخرى .. انه تصرف احمق وخطأ فى حق قواتى وحق بلدى .. لم يمهلنى جنودى وانا اشاهدهم يتسلقون الساتر بمدافع الهاون .. كتلة واحدة اى والله المدفع الذى يحمل على ثلاثة اجزاء بثلاثة افراد .. لكل فرد جزء يحمله فرد واحد صاعدا به ارتفاع اكثر من عشرين مترا بزاوية صعود 60 درجة.

       توالى صعود رجالى وهاهو المدافع ب 10 ثم تليها المدافع الاثقل ب11 وانا انظر الجهة الاخرى بعيدا عنهم حتى لا اشاهد الجندى وزميله يحملون المدفع ويسقط بهم فى القناة يصل احدهم بجوارى ولم اصدق ان المدفع الذى تجره سيارة لورى قد وصل بجوارى ولم املك سوى تقبيلهم لهذا المجهود وهم غير عابئين وكأن صحتهم حديد ولا نهجان ولا رهقان “قوة من عند الله” اكتمل عددنا فوق الساتر الترابى .. استعدوا كما سبق فى التدريب السابق وتوزعوا فصائل ووحدات .. وهاهم اول من سيعمل .. المهندسون العسكريون الذين يقومون بتلغيم مرابض دبابات الجيش الاسرائيلى خلف الساتر الترابى الذى تسلقناه منذ دقائق حتى اذا وصلت اى دبابة لهم تنفجر ولا تستطيع الاختباء وتكون هدفا سهلا لقواتنا .

       اشاهد الرقيب مؤهلات عليا/محمد فتحى منصور رقيب الفصيلة الثامنة بالسرية والذى كان يعانى من مغص كلوى منذ الامس وتوجه لطبيب الوحدة ولكنه عاد فى الصباح عندما بلغه خبر وصول القوارب .. اشاهده ممسكا بحفنة من رمال سيناء وبضحكته البريئة يحدث الرمال قائلآ ” يخرب عقلك .. هوستينا .. نفسنا فيك مووت .. لكن متزعليش احنا جينا لكِ .. اصرخ به : لا وقت للغرام مع الرمال!! .. ينظر لى ونحن مازلنا سائرين ونفس الابتسامة ثم يرفع يده لأعلى مخاطبا رب العزة قائلا: خلاص يارب انا مش عايز من الدنيا حاجه لو مت دلوقتى حأكون مبسوط انى شفت ولمست اجمل حاجه فى حياتى .. اعيد ثانية .. جرى ايه ياشاويش .. شوف شغلك .. يقبل على مسرعاً وقليل من الرمل بيده ويضع اصبعه فى فمه ويتذوق الرمل قائلاً : سكر والله يا فندم .. تركته حاله لا تابع عملى.

    نسير فى اتجاهنا الى التبة الموعودة تبة الكــنتور واشاهدها وهى تقترب منا او نحن نقترب منها فهى هدفنا .. نسير وبدا يحدث رد فعل من العدو بقصفات مدفعية على الساتر الذى كنا فوقه من دقائق لم نبالى وكأن شجاعة الدنيا بين ايدينا وانقلب حال التوتر الذى صاحب هجوم الطائرات الى شجاعة وبسالة خاصة ما شاهده الاخرون من شجاعة واقدام فى حمل الاسلحة والذخائر والصواريخ اثناء صعود الساتر .. مازلنا نتقدم بدون اى مجهود .. فكرت فى تلك السيمفونية الجميلة وكل يعزف واجبه .. لم يحدث صراخ ولا سباب للمخطئين موقنا بان التدريب الجيد الذى تدربوا عليه منذ فترة ومايمتازون به من هدؤ الاعصاب ويمتلكون نواصى الامور بيدهم تاركين للقيادات خلفهم ادارة ما قرروه بانفسهم وليس كرها وتوزيع جزاء عليهم بتعذيبهم سيرا على الاقدام كما اراد قائدنا الحالى .. ان التدريب والتنظيم والقيادة الناجحة عنصر هام من عناصر النجاح فى الحروب .. لابد ان يفهم كل انسان ماهو واجبه وواجب زميله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معركة الحديد واللحــم

 

      الحمد لله وصلنا التبة المحددة “الكـنتور” وقد بدأ كل فرد فى اعداد حفرة يختبىء فيها عن النيران المباشرة وخاصة الرشاش النصف بوصة الموجود ببرج الدبابة فهو خطير وهالك للافراد واعُدت الحفر والكل اتخذ موقعه كما تدرب سابقا كما عبرت القوة الرئيسية اى باقى القوات المسلحة وعبرت الساتر واختبأت خلفه حتى ننتهى من معركة الدبابات القادمة .. كانت تعليماتى لقواتى بعدم فتح النيران على قوات العدو الابعد ان يشاهد المراقبون فى كل فصيلة تدمير الدبابة التى فى اول القول لانهم لايستطيعون التوجه الى شاطىء القناة الا بقول لان يمين التشكيل ملاحات لاتستطيع الدبابات او ناقلات الجند المدرعة للمشاة السير بها فسوف تنغرس الجنازير بها اما على جانبهم الايسر فنحن محتلون اماكننا ولهذا لم يعد امامهم سبيل لنجدة نقاطهم الحصينة الا بهذا الوضع السير قول او رتل مركبة خلف الاخرى ولايستطيعون فتح تشكيلهم كما هو معروف فى تلك الاحوال .. كما ان فتح النيران مجرد اقترابهم سيحرم باقى الاسلحة المضادة للدبابات من استخدامها وخاصة المدفع “ال ر ب ج” ومدافع ال ب 10 وال ب 11 .. كنت قد رتبت قواتى على هذا الاساس كما وضعت فى الجانب الايسر لقواتى القريبة من القناة لوحة توجيه الصواريخ وبها اربع صواريخ وبجانبها القواذف الصغيرة ولنبدأ بالصغيرة لان المسافة لاتتعدى ثلاثمائة متر .. ابلغنى قائد الفرقة بان الاحتياطى المدرع الاسرائيلى تحرك فى اتجاهنا مؤكدا على حديثى السابق معه  “اسامة لا اقل من تدمير نصفهم على الاقل حتى تأمن قواتنا شرهم اثناء العبور” اجيبه : حاضر يافندم .. نحن نقترب من المعركة التى قال عنها الوزير امامى .. فؤاد هكذا تضع لحم امام الحديد .. باقصى سرعة تقترب الوحدات المدرعة الاسرائيلية “الحــديد” غير عابئة بقواتى “اللــحم” إما انها لاترانا او انها تستهين بالمشاه وكل ما فعلته ان اطلقت رشاشتها للتفتيش والازعاج حتى تصل الى النقاط القوية التى تحاول قواتنا احتلالها وانا استمع الى ندآت القادة وهم يبلغون قيادة الفرقة بالمعارك الطاحنة التى تدور فوق واسفل النقاط القوية والبعض وصل الى داخل النقاط القوية ومازالت مدفعيتنا تزمجر قاصفة اهدافا هنا واهدافا هناك .. الطائرات الاسرائيلية هى الاخرى اشاهد بعضها يهوى فوق مياه القناة او على احد الاجناب واصبحت السماء تكسوها الدخان والانفجارات تصم الاذان كما تقوم قواتنا الجوية بمعارك وعمليات هجوم على قوات العدو تاركة السماء لقوات الدفاع الجوى .. عبرت الدبابات من امامى وعامل اللاسلكى يبلغ القيادات المختلفة على كل صغيرة وكبيرة ويأتى الى صوت قائد الفرقة صارخا لماذا لم تشتبك حتى الان .. سيفلتون منك ولحظتها تنفجر اول دبابة للعدو وتقف الدبابات خلفها فلقد اقفل عليهم الطريق .. الدبابة التالية تحاول فتح الطريق بازاحة الدبابة المشتعلة والتى دمرتها النيران سواء من القاذف او من الانفجارات الداخلية لانفجار ذخيرتها ونشاهد الدبابة الاخيرة تنفجر .. وهكذا حجزت الدبابات والعربات المدرعة بداخل تلك المصيدة لقواتى ونجحت خطتى لجنودى والتى نفذوها ببراعة وانهالت القذائف عليهم يحاولون الافلات منها باى طريقة مما دفع  بدبابة الى السير جانبا فغرزت فى الملاحات وتحاول الخروج وكل مرة تزداد انغراسها فتركها جنودها يهربون للحاق باى دبابة اخرى او عربة مدرعة وكانت رشاشاتنا وبنادق المشاة لهم فاردتهم قتلى فى الحال .. اعتقد ان كل جندى منهم حصل على اكبر كمية من الرصاصات القاتلة .. بمدفع احدى الدبابات فتحوا ثغرة بقصف دباباتهم الاخيرة ولكن تلك الدبابة اصابها صاروخ آخر ودمرت فى الحال والانفجارات متتالية ومازالت تنفجر وعربة مدرعة يطالها القذف فتنفجر وتندفع منها الاجساد مشتعلة والبعض لم يمكنه الخروج والذى خرج وجد الاسلحة الصغيرة فى انتظاره  فيقتل فورا ولم نُعد مكانا للجرحى او الاسرى .. مهمتنا هى القتل فقط .. القتل ليس امامنا وقت لجرحى او اسرى ليست هذه مهمتنا اننا فى مهمة خاصة وهى التدمير لاكبر عدد من الدبابات .. للآن تم تدمير ثلاث دبابات وعربتان مدرعتان .. لا اتدخل فى سير المعركة فكل المقاتلين يعلمون واجباتهم وليسوا بانتظار تعليمات جديدة فكل شىء يسير حسب التعليمات والتدريب وحسب الموقف امامهم .. اصبحت المعركة مفتوحة وكل من يجد ان الهدف فى مرمى سلاحه يقذفه فورا .. الوحدات المدرعة تعود للخلف بعد ان دمرت عربتان مدرعتان اخريان وفى نهاية انسحابهم دمرت دبابة فاصبح العدد رباعيا اربع دبابات واربع عربات مدرعة ودبابة خارج العمل فى الملاحات .. اقتربت من تحقيق الهدف .. ال50% التى وعدت قائد الفرقة بها .. الساعة اقتربت من الرابعة مساء واغارات علينا بعض الطائرات المنخفضة ولكن احد صواريخ الكتف ” سام 7 ” للدفاع الجوى اصابت احداها سقطت قريبة منا وقد لفحت الانفجارات والشظايا وجوهنا .. ابتعد الاسرائيليون وهكذا مضى من الوقت الساعتين وابطال تدمير النقاط القوية يحاولون بكل جهد جهيد تدمير اكبر عدد منهم وتلتقط قواتنا مكالماتهم اللاسليكة ويذيعها قائد الفرقة فى ارسال شبكته وهم صارخين يستغيثون والرجل يعلق .. همتك معانا يا اسامه يابطل انت ورجالتك الجدعان واسمع نداء قائد اللواء برافوا عليك يابطل الله اكبر.. ويردد البعض من حوله النداء عدة مرات الله اكبر..

      قصف شديد من مدفعية العدو على قواتى وبدأت الصرخات تسمع فى موقعى وآهات وآلام من المصابين والشهداء وقادة الوحدات يبلغونى بعدد من الشهداء وتوالى سقوط الضحايا وانا مازلت فى موقعى لا استطيع التحرك فنيران المدفعية شديدة وتركز بضربنا بغلالات ثابته وبطريقة الارض المحروقة اى قتل كل شىء فى المنطقة ومالها من كثافة نيرانية واسمع قائد اللواء يستغيث بقائد الفرقة بفتح نيران المدفعية والرجل يطلب منه التمهل لان المدفعية تقصف الان بطائرات العدو وانا اشاهد من موقعى  استمرار تساقط  طائراتهم .. اربعون دقيقة كنت الاحظ دانات المدفعية تنفجر تباعا حتى وصلت المسافات بين كل دانة واخرى خمسة امتار تقريبا وهذا يؤدى الى الهلاك .. فالدانة التى تنفجر تحدث شظايا على خمسة عشر مترا على الاقل فى جميع الجهات كما ان بعض الدانات تسقط على الجندى مباشرة فتقذفه من حفرته صارخا وقد تقطع جسده الى اشلاء عمت الموقع رائحة الموت ورائحة شواء الاجساد المحترقة والمتفحمة ومازال قائد اللواء يحاور قائد الفرقة ولكن كان هناك شىء ما قلل من تأثير مدفعيتنا على مدفعية العدو وزادت وحدات الدفاع الجوى من صواريخها وقد ادى هذا الى انفراج للمدفعية فقزفت مدفعية العدو والتى هدأت من قذفها علينا كما قذفت طوابير دباباتهم خاصة بعد ان وصلت بعض المعلومات بسقوط نقطتى من نقاط العدو فى ايدى قواتنا فحدث لهم هلع من جراء ذلك لان النقاط متخمة بالجنود والاسلحة وسقوط نقطة يؤدى الى انفراط عقد دفاعهم على القناة ويسهل سقوط الباقى وهذا ادى الى ازدياد مشاعر الجنود للبسالة .. قائد الفرقة ورئيس عملياته يبلغوننى بان الاحتياطى المدرع عائد مرة اخرى استعد له وقد تدعم بدبابات اخرى عوضا عما خسره

     فى الهجوم التالى لم يتخذوا طريق المحور الشمالى المرصوف ولكنهم اتبعوا تكتيكا آخر وهو الدخول الينا من بين الرمال التى نحتل فوقها اى من الحد الايمن الذى يفصل الفرقة 18 والفرقة الثانية وهذا الفاصل يبلغ اتساعه عشرة كيلومترات ولا توجد به قوات .. اصبحت فريسة سهلة لهم فلاعون ولا جوار قريباً منى يساعدنى فى تلك الهجمات المتتالية ..  غيرنا وابدلنا اتجاه اسلحتنا فى اتجاههم وكان هجومهم على هيئة قوس مع نيران كثيفة تسبقهم وحدث ما حذر منه الوزير معركة اللحم مع الحديد خاصة لقرب نفاذ الذخيرة والصواريخ فجنود الاحتياط المكلفين بحمل الذخيرة لنا واثناء سيرهم للمرة الاولى مجرد ان شاهدوا الدبابات قادمة القوا بما فى ايديهم واسرعوا بالفرار عابرين القناة الى الجهة الغربية فأردتهم قوات الشرطة العسكرية قتلا برشاشاتهم وهكذا حُرمنا من امداد الذخيرة واصبح الحصار خانقاً علينا وخاصة بدون الذخيرة وزيادة قوات العدو وما اصابنا من خسائر من قصف المدفعية المركز.

         تدمرت دبابتان واسرعت بعض الدبابات فى اتجاه القناة مع ترك فصيلة مشاه ميكانيكة وشاهدتهم قادمين فى اتجاهى من جهة القناة اى الجهة العكسية وترجل عشرة منهم ومع احدهم ميكرفون صغير متحدثاً “قائد مصرى سلم نفسك فورا” .. جنود الاتصالات يبلغون قيادة اللواء وقيادة الفرقة بالموقف واسمع قائد الفرقة صارخاً بى اذا امكنك سحب قواتك فافعل .. احدثه والجنود اليهود قادمين فى اتجاهى لأسرى لايمكن هذا بمجرد ترك الجنود لحفرهم سيهلك اكثر من نصفهم كما لن استطيع السيطرة عليهم ونعود لكارثة 67 يعيد قولة أمن الجنود البعض ينسحب والبعض الاخر يحميهم ..

   اصدر امرالى اقرب فصيلة لى بأخذ وثبة للخلف ولكنهم اليهود المتصنتين على الشبكة وتندفع الرشاشات النصف بوصة تحصد فيهم فينكفؤا جميعا ارضاً بعضهم هربا من النيران والاخرين لاستشهادهم .. الغيت فكرة قائد الفرقة الذى لازال صارخا بى لعدم تنفيذ الامر وانا احدثه انه من الصعوبة وسيؤدى الى هلاك الجميع واخبره باستشهاد سبعة جنود من اثنى وعشرين كانوا يستعدون لذلك .. يطلب منى التمسك بموقعى ويخبر هيئة قيادته باننى ادرى منهم بالموقف .. يعيد قائد اللواء صراخهواستغاثته بقائد الفرقة .. يافندم “المفرزة “هالكة ارجو انقاذهم ..

      هذه هى الاجابة من قائد الفرقة وانا اسمعها على جهازه اللاسلكى .. يا أحمد ياعبده “قائد اللواء” .. لقد نفذ الرجال ما اردته منهم بالضبط لقد تدمر نصف قوة العدو ومكثوا اكثر من ثلاث ساعات .. يسأله ماذا يعنى هذا؟ فيخبره سنحاول انقاذهم .. خلينا نشوف الاهداف المتبقية والهامة ونشوف النقطة  51 اللى خلف اسامه لسه بتقاوم وانا خايف يفضلوا كده وخصوصا ان اسامه مش حنكلفه بحاجه .. خلاص زى ما قلتلك حنحاول المساعدة  .. انتهى .. وقفل الاتصال مع قائد اللواء والرجل يشد من ازرى بان اقلل الخسائر بقدر الامكان وانه سيدفع بسرية الخدمة لمساعدتى .. آه سرية الخدمة ستدفع لمساعدتى هؤلاء الجنود التعساء والذين يعملون فى الخدمة بقيادة اللواء وكمراسلة سيحضرون هنا لتزداد الخسائر البشرية .. لم اشاهد من اطلق قذيفة”ال ر ب ج” على احدى العربات المدرعة التى جاءت لاسرى فانفجرت والصراخ يتعالى منها والدخان يغطيها ولم يخرج منها سوى فرد واحد تشتعل النيران به فحصل على حقة من نيران الاسلحة الصغيرة لحظتها انكفأ الجنود المترجلون ارضا واحتموا بالارض والمسافة بينى وبينهم لاتتعدى ثلاثمائة متراً .. اراهم ويروننى بوضوح فالمسافة بيننا لا تتعدى مائة متر ولكنهم كانوا يجدوا فى اسرى .. اطلقت عليهم نيران سلاحى الشخصى وطلبت من الجنود الاشارة فعل ذلك فتركوا اجهزة الاتصالات وندفع بنيران اسلحتنا ضدهم .. شاهدت طاقم مدفع ماكينه يجره طاقمه المكون من ثلاثة افراد قادما فى اتجاهى مسرعا ونيران العربة المدرعة الاخرى توجه لهم مدفعها الرشاش بدفعات فيتساقطون تباعا ولكن يتبقى احدهم وانا صارخا فيه .. اترمى على الارض بلاش جرى ولكنه كان يرى ويشاهد نفسه فى الجنة .. لم ولن ارى منظرا مثل هذا فى حياتى .. الشاب احمد .. يجرى بمفرده ومعه المدفع خلفه وينفض عن جسده الطلقات التى تخترقه وهى من النوع الكاشف لاننى كنت اشاهد ضؤها الفوسفورى المشتعل بجسده وافروله ثم انكفأ خلف مدفعه وموجها جهة الجنود الذين نهضوا متقدمين فى اتجاهى كانوا مصممين على اسرى باى وسيلة وضغط على عتلة الضرب ليفرغ مائة طلقة بهم فيقضى على ثمانية منهم وهم يصرخون بهستيرية وتتكالب قوات العدو على الموقع وانا متأكد انها دقائق او ثوانى ونصبح هالكين فقد اصبحت المعركة كسر عظام بيننا وبينهم خاصة انهم فشلوا فى الوصول الى النقاط القوية والتى سقط اكثرها والاصابات بينهم كثيرة ومفجعة غير الاسرى والجرحى وكل حقدهم مركز علينا .. هؤلاء هم السبب وهم يريدون هذا القائد لاسره وازلاله.

       النقيب عصام سلطان قائد السرية الثانية مشاه ميكانيكى ومن نفس كتيبتى ومكلف مع جنوده بالاستيلاء على النقطة القوية رقم (51) وهذا الرقم هو ترقيم النقاط من بورسعيد حتى السويس وهى النقطة التى عبرت بجوارها .. استمر فى محاولاته وهم يردون وحدته ثانية كلما اقترب من تحقيق هدفه .. اخيرا يندفع بعض الجنود للقفز داخل مزاغل النيران بتلك النقاط وتتهتك اجسادهم من نيران الرشاشات الاسرائيلية ولكن المزاغل تقفل باجسادهم واليهود بداخلها يريدون فتح تلك المزاغل دون جدوى فالجثث ملأت الفتحات وحرمت الرشاشات من ان تعرقل هجوم عصام وجنوده .. عصام يحاول الدخول لصحن النقطة الخلفى ولكن حقول الالغام ذات الطبقات المكررة تعرقلهم فيندفع الجنود للنوم ارضا فوق الالغام فتنفجر فيهم ويكمل آخر المسافة التى بعد ان تم استشهاد زميله بها وهكذا سبعة من الشهداء فتحوا الثغرة باجسادهم وهنا يندفع عصام بقواته الى الداخل لتدمير النقطة من الخلف والمزودة ببوابات حديد سميكة عرضها عشرة سنتيمتر مثل الموجودة بالبنوك لحمايتها من السرقة .. يندفع الملازم “حمد” فوق النقطة دون مبالاه حاملا علم مصر هاتفا الله اكبر .. يكبر الجنود خلفه ويضعون الالغام المضادة للدبابات على الابواب الصلب الفولازية التى يحتمى الاسرائيليون خلفها وتنفجر الالغام فاتحة ابواب النقاط وتقذف بالداخل القنابل اليدوية ثم يعقبها قواذف اللهب وهى تحمل مواد مثل “النابالم” وتحرق من تحرق وقتل من اثر هذا الانفجار الشديد الكثير من الاسرائيايين والقنابل اليدوية ايضا قتلت البعض .. تسقط النقطة ويدخلها عصام ورجاله يطهرونها من الجنود اليهود كما احضروا بعض الاسرى .. هذه النقطة الرابع الى سقطت بفضل بسالة المفرزة المتقدمة التى كنت اقودها لانه لولا هذا لكانت الدبابات قد حصدتهم وهم يحاولون التوجه الى النقطة .. ليست هذه بل النقاط السبع والتى سقطت بالتوالى وفى اليوم التالى كانت معركة القنطرة شرق قد كتب فيها السطر الاخير بالنصر لنا لانه لم يتمكن العدو من دخول اى قوة مدرعة سواء من وحدتى او بعد هذا اقامة الكبارى ووصول دباباتنا وقيامها بالمعارك التصادمية مع دبابات العدو .. معركة حديد فى حديد .. تدمر فيها العديد من الدبابات من الطرفين.

     قوات المدفعية مازالت تصب نيرانها المدمرة على قوات العدو ووحداته وتزيد من خسائرهم .. اما قواتنا الجوية فتقوم بغارات على العمق القريب نظرا لقلة مدى الطائرات الروسية ولكنهم يقومون بعمل على اعلا مستوى من البطولة والبراعة .. اما رجال الدفاع الجوى الابطال الصناديد الذين الهبوا السماء بصواريخهم واسقطوا العديد من الطائرات التى تهاوت ولولا هذا لكانت الطائرات افشلت الهجمات البرية لقواتنا .. مازالت باقى الوحدات تقوم بواجبها ومنهم الحرب الكيماوية التى تقوم قاذفات اللهب بدفع نيرانها لتطهير النقاط القوية من العناصر الموجودة بها .. عناصر الاستطلاع هى الاخرى دخلت الى عمق سيناء ترسل بكل جديد عن العدو الى قيادتها والتى تعلم بها هيئة عمليات القوات المسلحة لتعدد الخطط الجديد لظروف المعركة المتغيرة .. انهم الابطال الحقيقيين .. سلاح المهندسين الذى لغم مرابض الدبابات وادى هذا الى خسائر جسيمة بينهم ثم قادوا عملية التصويب بالصواريخ المضادة للدبابات والتى كانت تساعدنى بعض وحداتهم .. انه العلم الحديث فى مجال الصواريخ .. مازالت القوات البحرية تقصف المحور الشمالى من بدايته عند العريش بينما انا اغلقته فى نهايته عند قناة السويس .. الوحدات الادارية تقوم بعملها بمد الوحدات بالوقود والمؤن من طعام وخلافه .. وحدات الخدمات الطبية بالخلف تقوم بعملها باستقبال الجرحى والمصابين.

      طلبت من الجنود الذين معى بمركز الملاحظة الحفر اكثر ونحن هكذا فقد ظهرت شراسة العدو بان تلك الوحدة تسببت فى ضياع النقاط الحصينة لهم وكبدتهم خسائر فادحة ولذا ارادوا الانتقام .. كان هذا واضحا من تكالب الاسلحة ضدنا سواء المدفعية او الطيران او المدرعات بل وظهر جليا لمحاولة اسرى .. وما يمثله هذا من نصر معنوى بأسر رتبة كبيرة مثلى فى الخطوط الامامية وحصولهم على معلومات .. هذا اعتقادهم .. فشلت عملية الاسر بسبب احد شجعان سريتى وهو الشهيد احمد همام .. انه الجندى حديث الالتحاق بالجيش فلم يمر على وجوده معنا سوى عدة شهور وهو الذى لم يبلغ عامه العشرين بعد.

   بحق هذا الشهر الفضيل ” رمضان” سمعت كبسولة خروج مقذوف من دبابة وقلت لهم بسرعة ارقدوا انها لنا .. لم اكمل بعد .. انفجار شديد وانا اسمع طقطقة فى خوزتى ودماء غزيرة مندفعة من راسى .. ايقنت اننى اصبت واننى الان سوف اصبح شهيداً وانا اسمع انات حولى وآهات وصراخ وتذكرت اشياء ثلاثة وهى:

     تلاوة الشهادة وتلوتها فى سرى ولم اسمع صوتى .. والثانية ماذا سيحدث لابى وامى عندما يبلغهم نبأ استشهادى .. والثالثة انه يوم ميلادى 6/10/1944 لقد اتممت تسعة وعشرون عاما .. بدأت الاصوات تخفت من حولى ولكننى سمعت وشعرت بان احداً يدفعنى ويهزنى بقوة ويقول قوم يافندم الدبابة جايه علينا حيفعصو …… آه وسمعت طرقعة وطقطقة مثل اصوات بطيخ يسقط على البلاط ويحدث صوتا ويتهشم .. وشىء ثقيل على جسدى وكل ما حدث اننى سمعت نفسى وانا أتألم قائلا: آه ..

      قبل حدوث هذا كانت الساعة قد جاوزت السادسة .. واعتقد ان الاصابة كانت مابين السادسة والنصف والسابعة مساء .. اسمع اصوات جنازير الدبابات فى موقعى ومازالت اصوات الصواريخ والاسلحة المضادة للدبابات اسمعها ولكنها اختفت ولم يكن شىء يعمل فى جسدى بعد التنفس سوى اذنى وسمعى.

     فقدت الوعى ولم اشعر بشىء حتى السمع انتهى ولا اعلم المدة التى قضيتها هكذا وانا على هذا الحال ولا اعلم هل انا راقد على احدى جانبى او مدفون بوجهى فى الرمال ولكننى شاهدت حلما اوقل رؤيا لان البعض يقول ان الحلم من عمل الشيطان .. اى المسميات لايهم ولكن ساروى ما شاهدته بعد ان اعاد الله الى الحياة  وحرمنى من ان اكون بجواره مع من سبقونى فى تلك اللحظات الايمانية والانسانية الرائعة .. اقف فى موقعى هذا وانا انظر الى اعلا جهة السماء واشاهد كائنات تلوح باجنحة شفافة وليس جنحاين ولكن اكثر من عدة اجنحة وجوههم غير واضحة كما ان اجسادهم غير محددة ويدورون فى منطقة موقعى الذى نحن مازلنا به نحارب العدو ولا اسمع اصوات انفجارات او دخان القذائف ولكنى اشاهد شيئا دائريا مثل الاسطوانة الشفافة وعلى هيئة فقاعة الصابون اللامعة الخفيفة الشفافة واشاهد وجه .. اتسائل : من هذا؟ انه احمد سباق عامل الاشارة وانده عليه الى اين احمد .. ُعد ..ثم فقاعة تليها وهذا هو العريف محسن عامل الخطوط الذى معى ايضا فى مركز الملاحظة .. محسن واشير اليه الى اين انت يا امباشى الى اين تتجه وتتركنى .. ُعد .. ولا يعود ثم حامل الرشاش المتوسط والذى الهبته نيران الرشاش النصف بوصة .. احمد همام ُعد .. الى اين؟  .. عد لماذا تتركونى بمفردى؟ .. توالت تلك الوجوه الهلامية الشفافة يحيط بها هذا الشكل الدائرى وعلى جانبى تلك الاسطوانة شىء مثل الجناحين اكبر من الاذن قليلا مرفرفة وكلها وجوه بيضاء ناصعة فرحة وانا مازلت واقفا فى مكانى وكل دقيقة او اقل ترتفع مثل تلك الوجوه اعرفها جميعا فهم كانوا معى فى مركز الملاحظة وانا مندهش لهؤلاء الجنود الذين يتركونى وانا على هذا الحال وتلف الدائرة حولى بتلك الاشباه التى لها اجنحة كثيرة شفافة وبداخل تلك الدائرة تلك الوجوه حتى اكتمل عددهم العشرة وهنا وقفت صامتا ثم صارخا والله حرام تتركونى بمفردى بين هؤلاء الشياطين؟ .. لااريد ان ابقى خذونى معكم .. واذا بشخص خلفى يمسك كتفى برفق قائلا : لاتحزن ان الله معك ولم يحن موعدك .. اهدىء يابنى وانا معك وهؤلاء وانظر الى الخلف لاشاهد كوكبة من البشر وماهم ببشر ولكن هيئتهم تدل على ذلك اناس او اشباه الناس كثيرة العدد بملابس بيضاء واغطية بيضاء على رؤسهم .. آه انتم معى ؟ يبتسم لى هذا الشكل ويجيبنى آه نحن معك لا بل نحن معكم جميعا .. ان الله لاينسى عباده المؤمنيين واشعر بفرحة فلقد عوضنى الله عن هؤلاء الشـهداء ثم مازالت الدائرة تلف حولنا وينضم اليها آخرين .. آه انه مصطفى ابو عيده احسن رامى “ر ب ج” فى اللواء والذى دمر بمفردة دبابتين وعربة مدرعة بمن فيها .. وهذا هو الرقيب محمد فتحى رقيب الفصيلة الثانية وذاك انه مصطفى ابوجبل رقيب الفصيلة الثالثة .. وآخر من هو انه الرقيب عبد الحى رقيب الفصيلة الاولى .. لقد استشهد الثلاث رقباء فصائل عندى بالسرية .. واشاهد آخر من هو انه النقيب حسن ابراهيم قائد ثان السرية .. الى اين ياحسن تتركنى هنا .. ُعد ياحسن سوف يسأل عنك قائد الكتيبة .. ويعود لى الشخص الذى حدثنى قبل ذلك قائلا لا تقل لهم عودوا هم لن يعودوا لقد سبقوك ونالوا ما يتمناه اى انسان منكم يريد هذا الشرف الرفيع .. انهم شهداء ولكن كما تراهم احياء عند ربهم يرزقون!! نظرت اليه قائلا: شهداء اندهش وهنا اسمع نوعا من الزغاريد مثل الزغاريد الشامية او السورية اضفت على شعورى البهجة والراحة ثم داروا ثلاث دورات سريعة ومعهم العديد من الذين عبروا معى وطاروا الى اعلا وانا اقف انظر اليهم اتابع طيرانهم الى ان غابوا عنى .. وسقطت على الارض وانا اسقط هكذا اذ اشاهد هؤلاء القوم وهم يقاتلون .. لا استطيع ان اجزم ولكن هذا ماشاهدته اثناء سقطتى ارضا واسمع انات اليهود وصراخهم وما هو معروف عنهم لحظة الخطر او الموت ورحت فى ظلام دامس .. فجأة شعرت بان شيئا شديداً يؤلمنى افقت فجأة فاذا بنيران شديدة اشد قسوة من نيران لحام الاكسجين واشد قوة واكبر مساحة واندفاعا وانا فى تلك اللحظة الفجائية وضعت يدى على وجهى وشعرت بشىء قاسى شديد لا استطيع وصفه ولكننى اشتممت رائحة شواء لحم .. لحم يكاد ان يحترق على النيران وانقلبت راسا على عقب من فوق التبة والنيران مشتعلة فى ظهرى ويداى مثل قطعة بلاستيك وتدحرجت حتى استقر جسدى بعد ان اندفعت من فوق تلك التبة حوالى خمسين مترا وانا الان نائم على جانبى الايسر اشاهد ما حولى واسمع اصوات الانفجارات ورائحة شواء اللحم التى تزكم الانوف كما كان المكان معبئا برائحة الدماء التى ُيشمها اى انسان وهو فى سلخانة او عند الجزار بعد ان احضروا له عدة دبائح من المجزر.. رائحة تملىء المكان .. الشمس غابت فى السماء عن هذا اليوم الدامى الذى فقد فيه الالاف من ابناء وشباب مصر حياتهم او اعضاء بجسدهم وانا على هذا الحال ولا اعرف اين انا وما حدث وبدافع من الحياة جلست اتحسس جسدى واطمئن على اعضائى .. ايوه هذه قدم وتلك ذراعى وهاهى انفى واذنى ولكن الرؤيا بسيطة .. يحدث انفجار آه لقد رايت انه الليل والظلام ولا ارى الا وميض وانفجارات ومازال الضؤ الذى يتبع غروب الشمس واستطيع ان اتميز منه موقعى واشاهد ما يجرى حولى .. اشاهد دبابة قادمة فى اتجاهى وانا عاجز هكذا وليس حولى احد وقد اقتربت وكأنها ترغب فى دهسى ولهذا لم تفتح نيرانها على وكشافها القوى يضرب الضؤ فى وجههى .. لكنها ارادة الله حيث تقصفها دبابة مصرية كانت قريبة وجاءت مع بعض الدبابات لانقاذنا مما لحق بنا .. تنفجر الدبابة ويطير برجها فى الهواء النيران مشتعلة بها وقد توقفت عن السير ثم توالى الانفجارات بداخلها وتقذف الانفجارت باحدهم ليسقط امامى مشتعلة به النيران صارخا طالبا النجدة احاول مساعدته وانا جالس هكذا بان اقذف عليه ببعض الرمال ولكن النيران كانت اشد قسوة واسرع لهيبا وتأثيرا وانا اشاهده يصرخ صرخة قوية لافظا انفاسه ومازال يحترق امامى بعد ان فقد حياته .. انظر اليه على ضؤ اللهب المتصاعد منه ومن الدبابة .. انه ميجور .. اى رائد بالجيش الاسرائيلى .. لقد تقابل القائدان المصرى والاسرائيلى وجها لوجه فى نهاية المعركة وانا اصابتنى الحروق وهو فارق الحياة وانظر اليه واصرخ فيه .. ليه عملتم فينا كده .. ليه دبحتونا فى سينا ودهستم رجلتنا ومش رحمتوهم وهما راجعين بعد هزيمتنا .. ليه .. حرام والله حرام .. ناس قاعده فى المكاتب وتبعتكم وتبعتنا نموت بعضنا .. حرام .. حرام .. اسرع لى شخص لم اتبين من هو ويقول مين اللى بيصرخ .. ثم اتجه الى وجهى صارخا ..  آه .. مين سيادة الرائد .. مش قادر اشوفك .. ياه .. ايه ده .. خد حط الرباط الميدانى على الجرح .. ياه انت يافندم الدم نازل من راسك زى الحنفية .. تسائلت : مين الواد مسُعد؟ .. اجابنى ايوه يافندم ايه اللى حصل ده .. سألته فين مركز الملاحظه ودينى مركز الملاحظه .. يصرخ فى قائلا مركز ملاحظة ايه روح اتهبب عليك وعلى مركزالملاحظة انت حتموت قبل ما توصل مركز الملاحظة .. ثم يتراجع بعد اندافعه فى الحديث معى قائلا: افندم سيبنى انا عايز اروح اشوف الناس اللى بتتألم .. امد يدى خلف ظهرى فامسك بحذاء فاجذبه فيقول لى بتعمل ايه ؟ ولكننى لم اجبه فكنت فى حالة ضيق منه وقد انذرته مكتب .. ويصرخ مكتب .. طيب اجيلك فين ان نشاء الله؟ اصمت .. هزلت فرقيب طبى السرية يتهكم على شخصى .. اجذب هذا الحذاء لاشاهد ساق ونصف فخذ تركته خائفا وجلا وسألته من هذا. فيخبرنى بانه للضابط المهندس المسئول عن قواذف الدبابات .. انه للشهيد محمود .. آه محمود هذا الشاب المبتسم للحياة والذى كان آخر من شاهدته من الضباط قبل هجوم الاسرائيليون .. اطلب من مُسعد المعاونة للتوجه لمركز ملاحظتى ولكنه يتركنى فازحف قليلا واسير خطوات وانا ممسك بيدى اليسرى المحترقة برباط الميدان واضعه على راسى مكان اندفاع الدماء وبيدى اليمنى احاول الوقوف واليدين التصقت بهما الرمال من اثر الحريق بهما فقد تهتك الجلد والطبقة اللحمية اسفله .. وصلت الى مركز الملاحظة وانا اتبين اشخاصا لايتحركون .. اقلب فيهم وانا لا استطيع فحصهم مما الم بيدى وظهرى .. واكتشف الواحد تلو الاخر.. انهم جنودى الذين رافقونى فى العبور وكانوا يتحدثون فى اجهزة الاتصالات سواء الخطية او اللاسلكية بعضهم تعرفت عليه وآخرين لم اتعرف عليهم ولكنها هواية الاسرائيليين لدهس الاحياء والاموات بدباباتهم لم تنتهى .. لقد تهتك بعضهم حسب حظه ونصيبه من جنزير الدبابة فمن داست الدبابة فوق ظهره او مؤخرته استطعت ان اتبين وجهه اما من داست على راسه فلم اتعرف عليه لانها كانت اجزاء محطمة مابين الشعر والجلد والعظم.

    اشاهد ماسورة سوداء .. آه انها ماسورة قاذف الطائرات انها مازالت ساخنة وكيف تحترق هكذا انها لاتحترق هكذا الا اذا احترق الصاروخ بداخلها وهذا ما اخبرنى به مسعد بعد ان عاد وشاهدنى على اضواء الانفجارات .. ايوه يافندم الصاروخ انفجر فى مركز الملاحظة بعد ان قتل اليهود كل الموجودين فيه .. تعرف يا افندم لو مش الصاروخ ده انفجر كان زمانك والعياز بالله زى دوول ويشير الى زملائه .. اطلب منه الكف عن حديثه السىء واطلب منه العون لاخلائى للخلف وهو مضطرب قائلا : طيب خليها لبكره الصبح .. اصل  الدبابات كلها ماليه المنطقة بعد ما اتقفل المحور والطريق اللى بيمر من ورا النقط من تدميرنا لدباباتهم بعتوا جابوا دبابات تانيه ووحدات تانيه علشان المنطقة خطره .. سالته مين عرفك بكده؟ .. يخبرنى ماهو يافندم الجهاز اللاسلكى شغال واللى كانوا شايلينه استشهدوا .. الحديد فضل وكنت باسمعهم وانا مستخبى تحت النقاله وسامع اليهود وشفت اللى عملوه فى مركز الملاحظه والله اجرام.     

      لقد اصبحت عديم الفائدة لا استطيع ان اقود اى شىء فلا مخ سليم ولا صحة تقاوم كما ان اجهزة الاتصال الصغرى دمرت تحت جنازير الدبابات ولا استطيع السير فى هذا الظلام والذى لايبدده سوى انفجارات المدفعية وصواريخ الدفاع الجوى .. المهم الآن ان اخلى نفسى ولكن اين انا وكيف اسير؟ .. اهتديت على اضواء انفجارات المدفعية حيث كانت الجهة الغربية من القناة مشتعلة وميضا من اطلاق قذائف المدفعية على العدو ومازالت بقايا سريتى تقاوم مقاومة اليائس فالذخيرة المضادة للدبابات على وشك الانتهاء كذلك باقى اسلحة الرشاشات وقاربنا على الانتهاء والتصفية ولا اعد يعلم بحالنا فقد فقدوا الامل فينا .. سرت المسافة التى تصل لاكثر من ستة كيلومترات واتعرقل فى شهداء او مصابين والذى يستطيع السير معى كان يرافقنى واقتربت الساعة من التاسعة تقريبا حيث استطاع احد فاقدى زراعة الايمن ان ينظر الى ساعته وهو يعلمنا بالوقت .. انه الجندى رجب الذى يعمل على المدفع الماكينه فقد بترت ذراعه اليمنى من انفجار دانة دبابة قريبا منه يطلب معاونتى فقد انهكته الاصابة .. احتضنه جانبا واسير به ويسقط منى متألما صارخا فانحنى اعاونه على النهوض وتندفع الدماء من راسى .. سرنا حتى وصلنا الى الساتر الترابى على القناة ومازالت تصفية النقطة بين جنود النقيب عصام وبقايا الاسرائيليون على اشدها واسمع صرخات الاسرائيليين المميته مثل رجال (يصوتون) على متوفى انها صرخات لعينة مثلهم حزنا وكمداً على قتلاهم .. جلسنا نلتقط انفاسنا بعد هذا المجهود .. يخبرنى بانه بعد ان اصيب اتجه الى قائد فصيلته الملازم اول / سيد ابراهيم الحاج صارخا ممسكا بيدى الييسرى زراعى الايمن المبتور طالبا منه اعادة زراعى لى والضابط ينظر لى بدهشة سواء مما حاق بى او من سؤالى له .. تزداد ضربات المدفعية فانبطح قريبا منه وبرفقته الرقيب محمد فتحى منصور رقيب الفصيلة اشاهدهم فانا قريب منهما واذ بقذيفة مدفعية تنفجر قريبا منا واثنائها كان الرقيب محمد فتحى يتحدث للجنود موجها لتنفيذ تعليمات قائد الفصيلة .. يتوقف قليلاً ثم يكمل شاهدت رأس الرقيب تنفصل من جسده وتندفع دماءه من رقبته وتدحرج الرأس قريبا منى وفمه مازال يقول بعض كلمات حتى سكت وصمت .. اشاهد قائد الفصيله يقفز من حفرته حاملا رأس محمد فتحى ليضعها على جسده طالبا منه ان ينتبه ويجيبه ولكن الرأس تسقط ثانية وقد تلونت يد قائد الفصيلة بالدماء .. وقف قائد الفصيلة تاركاً الحفرة سائراً يهلوث قائلاً “هات الازازة ياوله وتعالى لاعبنى” اصرخ به ان ينبطح من نيران المدفعية ولكن اصابته لوثة عقلية .. اسرع جنديان من الفصيلة وارغموه على الانبطاح وهو مازال يهذى ” هات الازازه ياوله وتعالى لاعبنى “ 

     نقف الان على الضفة الشرقية لقناة السويس والنقطة (51) التى سقطت بيد قواتنا تلهبها مدفعية العدو بالنيران الشديدة وتتوالى فوقها الانفجارات .. احد المصابين معى يرفع صوته زاعقا طالبا من رقيب اول السرية ارسال القارب ويخبره باصابتى .. احضر الرجل قاربا ليعيدنى الى الجهة الاخرى من القناة .. اى بداخل جزيرة البلاح القارب الذى احضره نصف غرفه الهوائية تالفه واخبرنى بان هذا هو احسن قارب حيث حضرت الدبابات واطلقت رشاشتها على القوارب نجلس فى القارب الذى اصبح مثل حصيرة وبعض المياه بداخله .. وصلنا بعد جهد من شدة امواج الليل وها نحن وقوفاً على ضفة القناة الغربية وقد غم على رقيب اول السرية ان يحدد مكان الثغرة من الجهة الشرقية  والتى عبر منها فهى معلمه ومميزة من الجهة الاخرى اثناء الهجوم ولكن من تلك الجهة لم تميز ولم يميزها قبل حضوره الينا .. يندفع الجندى ابوسريع ” المصاب” وها انا ذا اتذكر اسمه بعد حوالى ثلاثة وثلاثون عاما .. يندفع قائلاً ك الثغرة هنا .. تسمح يافندم ودون انتظار اجابة منى يحملنى على يديه كما يحمل الاب ابنه الطفل .. اى والله وانا اعتذر له قائلا : انا استطيع السير ولكنه يرفض قائلاً : انا احميك حتى لو وقعنا لاقدر الله فى حقل الالغام افديك ولكن هذا الانسان طيب القلب لايعرف انه لو وقع فى حقل الالغام ستكون نهايتنا نحن الاثنين معا وتذكرت لحظتها حقل الالغام الذى سقطت فيه فى بداية عام 70 ولكن الله انقذنى منه انظر الى السماء وابوسريع يحملنى على يديه وهاهو يدخل الى حقل الالغام .. هاهو قطع جزءا منه وانا على هذا الحال واعتقد انه فى لحظة ما سينفجر لغم واشاهد نفسى طائرا فى الهواء واعود للارض جثة هامدة .. يقولها ابوسريع .. الحمد لله ربنا انقذنا من حقل الالغام ويعيدنى الى الارض بهدؤ .. يتعاون بعض جنود المؤخرة على غسل وجههى ومضممة فمى ويعرضون على الراحة ولكنى اطلب سرعة الاخلاء خوفا من تدهور حالتى لكثرة النزيف خاصة شعورى بالدوخة وعدم المقدرة على الحركة فلقد اصابنى ضعف وهزال كما كانت يداى تؤلمانى كثيرا من شدة الحروق وانغراس الرمال بها .. قائد سرية دبابات الذى كان يعمل من الجزيرة لحمايتى اثناء الاشتباك مع الاسرائيليين حملنى فى لورى تابع لوحدته وكانت تلك الوحدة قادمة من القاهرة لتحتل موقعنا بعد العجوم .. اوصلنى الرجل الى المعبر وهناك تلقفنى آخرون فى الجهة التالية لتفريعة البلاح.  

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech