Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه عابد المصري - الحلقه الرابعه عشر

حصريا لاول مره علي الانترنت

بتصريح خاص من الكاتب للمجموعه 73 مؤرخين

لا يجوز اعاده النشر بدون الاشاره للكاتب والموقع كمصدر

عـــابد المصـرى .. رواية

كتبها/أسـامة على الصـادق

.....

الطبعة الأولى .. يوليو 2010

الناشر: الكاتب

.....

تصميم الغلاف:

ريهام سهيل

....

حقوق الطبع محفوظة للكاتب

موبايل: 0127970032

 

 وقف إطلاق النار علي القناة

وماذا كان يحدث بداخل سيناء؟

 

      بداية شهر نوفمبر من عام 1971 تم زواجي من رقية وبعدها بعدة أيام أقبل علي زيارتي شخص لم أشاهده من قبل ولكنني سمعت عنه ، لقد كان الشيخ زلطة وهذا اسم رمزي وليس حقيقيًا الذى أبلغني سلام وتحية "سَـليم" وزوجته كاملة وأن ابنتي رقية بخير ثم قدم لي مبلغا من المال وحين اعترضت علي ذلك أفادني بأنه  ُمرسل لي من القيادة حتي أعيش من دخل لي ولا أظل عالة علي أسرة زوجتي موضحا ًلي بأن هذا أيضا ما حدث معك حين زواجك من سلمي ولكن المبلغ حينها ُسلم إلي صديقك وعديلك "سَـليم" لإخفاء الموضوع ، شد الرجل علي يدي مشيدا ًبما أقوم به حتي الآن ثم ودعني مغادرا الدار ، غادرني الشيخ زلطة وأنا أستعيد الأعوام السابقة فلقد تبين لي أن كل ما قام به َسليم معي سواء من تلقاء نفسه أو من تكليف سلمي وكاملة بإمدادي بالطعام كان بتكليف من القيادة والتي تقوم بدفع ثمن كل هذا حيث يقوم الشيخ زلطة بتسليم كل نفقاتي إلي سَـليم مما أشاع بنفسي الراحة وبأنني بالفعل لم أكن عالة علي أحد حيث ُكنت في مهمة رسمية وتقوم حكومتي بدفع كل نفقاتي.

     لقد أصبح لي زوجة وحجرة بأعلي الدار ولي دخل ثابت سوف يأتي إلي كل عدة أشهر وعليّ أن أواصل  العمل بناء علي ما يصل إلي سمعي من تعليمات صادرة من هذا البرنامج الذي أصبح حلقة الوصل بيني وبين القيادة ، شعرت بالنعيم الإنساني بعد زواجي من ُرقية والتي لم تكن تختلف عن الراحلة سلمي في

 

شئ سوي أنها هادئة الطباع وخجولة لأقصي درجة ويمكن أن تجلس ساكنة تتأمل ما حولها لفترات طويلة كما ظلت علاقتها بالغناء مستمرة ولم تنقطع.

     مازالت اواصل إرسال رسائلي إلي القيادة عن التحركات العسكرية وقوافل اللواري التي تحمل التجهيزات الهندسية ، لا توجد رسائل وتكليفات من القيادة لي بما يعني بأن ما أقوم به يفي بالغرض والمطلوب ، إنتهي عام 1971 وبدأ العام التالي وظللت أقوم بما سبق وأن قمت به وبنفس طريقة إرسال المعلومات ، في منتصف هذا العام تطورت الأحداث حيث شاهدت اللواري تنقل معدات صاروخية والعديد من قطع الدبابات الحديثة والتي ُكنت أجهلها حيث إنها مخالفة لما حصلت عليه من معلومات نظرا لأن تلك الدبابات حديثة الإنتاج فكان الواجب عليّ أن أدقق في تلك المعلومات والاستعاضة بالرسم بديلا ًعن الصورة.

     نفذت ما كنت أقوم به بجنوب سيناء بقاعدة الصواريخ حين قمت بتوضيح ما شاهدته برسم توضيحي وأعدت القيام به للمرة الثانية برسم صورة مطابقة لأشكال الدبابات والعلامات الفوسفورية عليها وأرقام اللوحات علي كل دبابة وارتفاع البرج وحجم الماسورة وعيارها ، لم أترك صغيرة ولا كبيرة إلا وقمت بها حتي أعطي صورة واضحه لما أشاهده وأراه لأنني أعلم بأن القيادة لها مصادر أخري غيري وما أرسل به من معلومات قد يؤيد أو ينفي بعض المعلومات التي وصلت أو سوف تصل إلي القيادة ، تذكرت الكلمتين الأخيرتين والذي قالهما لي زلطة قبل أن يغادر الدار حين قام علي زيارتي منذ أكثر من عام:

ـ كل ما ترغب به من رسائل أو أي شئ من احتياجتك سواء مني أو من القيادة عليك يا رجل بأن تكتبه لي وتضعه بكيس بلاستيك حفاظا علي الورج من مياه السيول وتضعه بجوار الدبابة المدمرة بجوار الساحل وبحفره أسفلها وتضع فوجها حجرين في حجم "البرتقالة" وأنا كل أسبوع بأبعت زلمه يدور علي الرسايل اللي بأجمعها وأبعت بيها للقيادة ، فاهم كل أسبوع يا زلمه.

     أصبح هذا هو البوسطجي الخاص بي ومن أجل هذا أسرعت وتوجهت إلي موقع الدبابة المدمرة منذ عام 1956 وهي قريبة من دار أبى السعادات وقد غلفها الصدأ ونفذت تعليمات زلطة ؛ في موعد إذاعة البرنامج سمعت حوارا بين كل من بلية والمعلم فوزي حيث أقبل الصبي وسمع المعلم فوزي الذي قال له:

ـ برافو عليك يا واد يا بليه ، طلعت أشطر من زمايلك وسريع ، أنت واد عترة وجدع وخد النص فرنك وبقشش بيه علي نفسك!!

     أيقنت من تلك الرسالة بأن المعلومات التي أرسلت بها قد وصلت ولم تصلهم معلومات شبيهة من المصادر الأخري حيث كانوا راغبين بتأكيدها أو بالإضافة عليها.

  مضت الأيام علي تلك الوتيرة ولم تنقطع رسائلي التي لم تكن منتظمة ؛ لأن كل رسالة لابد أن يكون بها الجديد من المعلومات أو تأكيدا لمعلومة سابقة ، عشت أياما جميلة برفقة رقية وقد ظهرت عليها أعراض الحمل وأسعدني هذا خاصة أننا أنشأنا حجرتين بأعلي الدار كما أضفنا بعض الأثاث لنشعر بالمزيد من الراحة وقد أفاض هذا علي الأسرة جوا من التفاؤل والسعادة والبهجة.

      كلما اقترب موعد وضع رقية كنت أخشي عاقبة ما حدث لزوجتي سلمي من آثار ُحمي النفاس التي أودت بحياتها خاصة  ُندرة الأطباء أو بمعني أصح الطبيبات ثم تراجعت عن مخاوفي بأن الله رفيق بالأمهات وسنتقبل كل ما يخبئه لنا القدر فليس لنا يد بما يحدث وما علينا سوي العمل والأخذ بالأسباب ونلقي بعبء المستقبل علي الله وحده.

     الحمد لله أنجبت رقية طفلا جميلا بشهادة والديها وخالاته رغم أنني لم أتبين ملامحه حيث إن الأطفال حديثي الولادة لا تستطيع أن تميز شكلهم أو تستطيع وصفا لهم ولكن الآخرين أسعدهم الحدث مما أضاف علي زينب الصغري سعادة واضحة حيث شعرت بأن هذا الطفل سوف يصبح مسئوليتها  فليس لها أشقاء أصغر منها كي تلاعبهم.

       حين سألتني رقية عن اسم المولود أشرت لها باسم فتحي ، لم تعترض أو تتساءل عن السبب حيث مازالت سيرة الشهيد الشاويش فتحي وما قام به مع زملائه تطن بأذني ، كما أن اسم فتحي يذكرني بزميلي فتحي الذي طلب مني كتابة تظلم لرئيس الجمهورية علي فصلي من الخدمة من الجيش وقام بتوصيلها إلي الرئيس وعدت بقرار جمهوري شملني وشمل العديد من الضباط المظلومين والذين ُزجت بأسمائهم في غمرة تصفية أتباع المشير بينما كانت الحقيقة هي تصفية حسابات وعمليات انتقام وتملق للرئيس وخطب وده بالتخلص من أتباع الراحل المشير.

   واظبت علي رسم ما أشاهده من أشكال وأنواع الأسلحة والمعدات وكنت أضعها بالمكان الذي أشار به زلطة ، كانت إشارات البرنامج الإذاعي توضح لي بما يعني بأن تلك الرسائل قد وصلت بكلمات وتعبيرات عادية مثل الواد بليه رسمه طلع هايل وخد درجات متفوقه وهايل يا بليه ودايما كده مما كان يسبغ عليّ السعادة والبهجة ، في إحدي المرات كتبت رسالة إلي زلطة برغبتي بإحضار ابنتي رقية إلي أسرتي وأنني راغب بها وأرجو أن تخبر "سَـليم" بتلك الرغبة ، كنت أنتظر منه ردا ولكن للأسف لم يأتني أي رد وفي إحدي المرات حين توجهت لأضع رسالة جديدة عثرت علي ورقة اعتقدت أنها رسالة كتبتها ولم يأت أحد من أعوان زلطة ويتسلمها ولكنها كانت رسالة من عائلة زوجتي المتوفاة كتبتها كاملة ترسل لي فيها بكل تحية وتخبرني بأن رقية في أحسن الأحوال وأن والدها الشيخ رمضان يرجوني بأن أترك معهم الطفلة عدة أعوام حيث إنها  ُتشبع رغبته وحنانه وتذكره بابنته الراحلة.

    كانت الرسالة مؤثرة علي مشاعري وقررت أن أكتب رسالة أقرهم فيها علي رغبتهم تلك ، وفي إحدي المرات أرسلت برسالة بنفس الطريقة إلي الشيخ رمضان أشكره وأحييه علي دماثة خلقه وأنني أوافقه الرأي بأن أترك معه رقية عدة أعوام إلي حين نموها وسوف أحاول زيارتهم حين تسمح ظروفي بذلك كما أرسلت بكل تحية لأم سلمي ولشقيقتها كاملة وباقي أشقائها وصديقي َسـليم.

   مضت الأحداث هادئة طيبة وفجأة تنامت الأخبار إلينا من الإذاعة بحدوث بعض الاشتباكات بين الجيشين المصري والإسرائيلي علي خط القناة ، أدرت مؤشر الراديو وأذهلني ما أسمع سواء من مصر أو الإذاعات الأجنبية عن القتال الدائر بين الجيشين وسرعان ما وضحت الصورة بالعبور العظيم ووصول آلاف الجنود المصريين إلي الجهة الشرقية لقناة السويس ثم سماعي لانهيار النقاط القوية وسرعان ما ذاب خط بارليف تحت نيران شباب مصر القوي.

   رغم شعوري بالسعادة والفخر إلا إنني ُكنت حزينا لعدم مشاركتي في تلك المعارك مباشرة حيث ُكنت راغبا بقتل بعض الإسرائيليين ، عادت إليّ ذاكرتي بما حدث منذ خمسة أعوام أو يزيد بمهاجمة دورية إسرائيلية بصحبة بعض شباب سيناء العظيم ثم ما تلا ذلك من إرسال معلومات قيمة للقيادة أفضت بأن قام رجال الصاعقة المصرية بنسف وتدمير تلك القاعدة ، إذا فأنا لي ضلع بما تقوم به قواتنا ولولا هذا السيل من المعلومات لما كان لدي القيادة معلومات صحيحة عن العدو الذي أقوم أنا وزملاء لي بإرسال المعلومات إليهم رغم عدم معرفتي بهؤلاء فنحن نعمل كجزر منعزلة عن بعضنا البعض حتي إذا سقط مصدر لا يسقط الباقي بالتتابع.

   أثارت المعارك من حميتي فزدت من نشاطي بإرسال المزيد من المعلومات وتوجهت كعادتي إلي مسافة عدة كيلومترات برفقة روز وقمت بإرسال رسالة وأثناء ذلك هاجمنا ذئبان فتركت الجهاز يعمل وانشغلت مع روز في الدفاع عن أنفسنا وبعد أن فرت الذئاب وبعد أن نال روز الكثير من الجروح ، جلست فشاهدت بأن الجهاز مازال يعمل وقد تعدى زمن عمله أكثر من عشر دقائق وهذا  ُيعني بأن الإسرائيليين قد حددوا مكاني ، أشرت إلي روز بأن تسرع بإخفاء الجهاز بعد أن قمت بإغلاقه ، بعد أن أسرعت تعدو به شاهدت سيارتين جيب عسكرية إسرائيلية بها العديد من الجنود المدججين بالسلاح وهبط منها ضابط أعتقد أنه برتبة كولونيل "مقدم" حيث كان الظلام شديدا ً.

    أمسك بي الجنود بعد أن اعتدوا عليّ بالضرب المبرح وسرعان ما شاهدت روز تقفز علي أحدهم وحدث هرج وأطلقت الأعيرة النارية في كل اتجاه فاصيب البعض بجروح كما أصيبت روز برصاصة  في قدمها اليسرى الخلفية ، استطاعوا السيطرة علينا وحملتنا السيارة إلي داخل الحدود الإسرائيلية حيث أودعت معتقل "عتليت" الرهيب بينما اختفت روز عن نظري وتأكد لي أنها لاقت حتفها وحزنت لهذا كثيرا.

    بعد علاج استمر أسبوعين للإصابات التي حدثت لي جراء تعدى الجنود الإسرائيليين عليّ  توجهوا بي إلي مكتب التحقيق العسكري ومجرد دخولي أشار إليّ قائد المكتب والذي كان برتبة ميجــور "رائــد" بأن أجلس ، بعد أن جلست رحب بي الضابط قائلا ً: أهلا بالرائد عابد أحد فرسان المخابرات الحربية المصرية ، سقط في يدي ؛ فقد علم الرجل عني كل شيء ثم استمر يتحدث وهو يقرأ من ملف أمامه ويعيد حديثه بأننا فشلنا في الوصول إليك حيث  ُكنت حريصا لدرجة كبيرة وتتنقل من مكان لآخر وقد آثارنا هذا التصرف وكنا نتمني أن نلقي القبض عليك ونذيقك بعضا مما أذقتنا إياه.

    ظل الرجل يلقي عليّ بالأسئلة والتي كنت أجيب عليها في الغالب مؤكدا ما يقول حيث علم وعرف كل الأخبار التي أرسلت بها وقد استطاعوا تسجيلها وصنفت علي أنها بصوت شخص واحد وكتب بالملف رقم سري لهذا العميل الذي يبحثون عنه ليل نهار ، كانت كل الرسائل أمامه وعلمت منهم بأنني تسببت لهم في الكثير من المتاعب وقد حاول الضغط عليّ لمعرفة الأشخاص الذين قدموا لي يد العون ولكني أخبرته بأنه لا يوجد معاون لي ولو أن أحدا قدم يد العون لي لسقطت بأيديكم منذ فترة ، نظر إلي كأنه يخبرني بأن هذا صحيح.

     أهم سؤال وجهه إليّ : لماذا قمت بهذا العمل وهو التجسس علي جيشنا وأنت تعلم أن عقوبة هذا الإعدام؟

أجبته بأنني أعلم بهذا وأنا قمت بهذا العمل مثل ما كنت ستقوم به؟ سألني هل أنت نادم علي ما قمت به؟ رفضت كلمة الندم وأن ما قمت به هو من صلب عملي مثل ما يقوم زملاء لي بالحرب الآن والبعض ُيقتل والبعض يصاب تلك هي الحرب.

    استمر الحديث والنقاش بيننا طويلا ثم عاد وعرض عليّ الأسئلة والإجابات عليها والتي تم تسجيلها حيث ُكنت صريحا فيما ُيخص المعلومات التي قال إنني أرسلت بها إلي القيادة بمصر ، في نهاية التحقيق سألني عن جهاز الإرسال فأخبرته بأنني طلبت من كلبي بأن يلقي به بالبحر حين شعرت بخطأ ما ارتكبته من إطالة زمن الرسالة فعلمت بأنني قد كشف أمري ، حاول العمل علي غسل أفكاري من جهة إسرائيل وأنهم شعب ُمحب للعرب ومصر بالذات وأنا بدوري أخبرته بأن كل ما تقوله كلام غير صحيح وأنا الذي عاصرت حرب عام 1967 وشاهت وتألمت لما حدث للمصريين وأنا واحد منهم.

    أنهي الرجل التحقيق بالتوصية بإحالتي لمحكمة عسكرية عليا للبت في أمري ونظر إليّ قائلا المحكمة العسكرية العليا بتنطق بأحد الأحكام يا إعدام أو سجن مدي الحياة ، ابتسمت له طالبا بأن يكون الحكم عليّ بالإعدام فقد أنهيت عملي بكفاءة حسب اعتقادي فأشار بتحريك رأسه مؤيدا ما قلت ، زج بي بالسجن داخل حجرة صغيرة مع أسير آخر وظللت علي هذا الحال ثلاثة أشهر نلت فيها من ألوان التعذيب الكثير.

     في أحد الأيام أقبل قائد إسرائيلي كبير لم أشاهده من قبل ولكنني سمعت أوامره الصارمة بعدم تعذيبي ؛ مضيفاً بأن المصريين علموا بما يحدث لي ولبعض الأسري فقاموا بتعذيب أسرانا لديهم وأن العين بالعين وأنهم طلبوا أن يقوم الصليب الأحمر الدولي بزيارتي بالغد للتأكد بأنني لم أعذب وأعامل معاملة طيبة حيث كان الرجل في دهشة من تسرب هذه المعلومات من المعتقل ووصولها للمصريين.

     أمام الصليب الأحمر أوضحت لهم ما لاقيته علي يد هؤلاء القساة وأظهرت لهم ما ببدني من آثار التعذيب والكي بالنار وقد آثار هذا حفيظة رئيس اللجنة الذي أمر بفتح تحقيق مع مدير المعتقل ُيعرض بعدها علي الأمم المتحدة ، غادرت اللجنة المعتقل ، بعد هذا بقليل أقبل رئيس المعتقل ليخبرني بأنهم لا يعبأون بالأمم المتحدة ثم انهال عليّ ضربا بخشبة غليظة سقطت علي إثرها أرضا فاقدا ًللوعي.

    تم نقلي إلي المستشفي ولاحظت تحسنـًا في المعاملة ، بعد عدة أيام وأثناء حديث متبادل مع أحد الأطباء الأجانب وهو من ضمن الذين قدموا لمساعدة إسرائيل أثناء الحرب عن السبب في تحسن المعاملة الآن ؛ ابتسم لي ثم اقترب مني وهمس بأذني بأن الإسرائيليين علموا بأن المخابرات الحربية المصرية تقوم بتعذيب رجال المخابرات الحربية الإسرائيلية والذين ألقي القبض عليهم داخل النقاط القوية أخذا بثأر عابد المصري وغيره مما أذهل الإسرائيليين بأنه يوجد شخص ما يرسل بكل ما يحدث للمصريين وحرصا علي سلامة رجالهم حسنوا من تعاملهم معك ومع الآخرين.

    أما عن الأسير الذي أقمت معه بحجرة واحدة فكان ُمصابا من قبل وقد بترت قدمه اليمني من المفصل بين القدم والساق ، سرد عليّ الرجل حكايته فالوقت طويل والزمن بطئ وقد أصابه العجز والوهن وأصبح غير راغب بالحركة لهذا فالكلام بيننا هو العلاج لكسر سكون الزمن وصمته ، عرفني بنفسه ولأترك حديثه لي كما تذكرته بعدها بعدة أعوام حيث قال:

ـ لا بأس عليك يا فندم ، ح تعدي ، كل غمة وبتعدى لكن اللي بيفضل منور وله جيمه هوه الصابع اللي اتحط في عينهم ، أنا عرفت انك غلبتهم ووريتهم النجوم في عز الضهر ، باين عليك تعبان ومش سامع حديتي ، خلاص مش ح أتحددت.

ـ اتكلم ، افضل اتكلم ، عايز أنسي الألم اللي في كل حته بجسمي

ـ أعرفك بنفسي  ، ُجندي مجند بديع حنفي وكان حضرات الظباط بيطلجوا عليا بديع الزمان الهمذانى والله يا فندم ما أعرف واحد بالاسم ده جلت في بالي يمكن بيتمجلتوا علي حالي ، أنا يا فندم من ضمن وحدة عسكرية كانت بتنسحب تاني يوم حرب 67 وأنا كنت مجند علي ورشة لواء مدرع عامل خراطة وبرادة يعني أفضل أبرد في الحديدة من دوول خمس أو ست ساعات لحد ما يوافج مجاسها المطلوب اللي جال عليه سيادة الرائد قائد الورشة ، انسحابنا كان بالليل ، وإحنا متحركين سمعت فرجعة وضرب من كل ناحية ونار في كل جهة وسمعت زملا بيتألموا من الإصابة والموت لكني شعرت بأن حاجه حاميه أكتر من موس الحلاجه ضربت رجلي وشعرت بنافورة دم طالعه منها ، عدلت نفسي لأني كنت نايم منبطح وجلست لا جيت الجزمة اليمين متعاصه دم ومن داخلها رجلي المجطوعة والدم نازل منها زي الحنفية ، جلت في بالي ح تموت يا بديع لكن بعد شوية ملجيتش حد ريحي غير الشهدا حتي المتعورين جدروا يتحركوا لكن أنا والشهدا بس ، جلعت سترة الأفرول وربطت بيها رجلي لأن النزيف كان نازل زي الميه اللي نازلة من الحنفية اللي من غير جلدة ، فضلت كده لحد الصبح ، كنت بأشعر أن روحي بتروح وتيجي ، جلت عليك العوض يا بديع حتموت ومرتك فتحية حتورثك وتجوز الواد حبيب اللى كان غاوويها جبل ما تجوزك وهو واد كسيب لأن أبوه تاجر حبوب وُكسب بتاع البهايم ، الصبح شفت جماعه حراميه جم يجلبوا فينا ويخدوا اللي في جيب كل عسكري ِميت لحد ما وصولوا ليا وشافوني بين الحياة والموت ، واحد منهم جال نضربه علي نفوخه بحجر ونخلص منه والتاني جال حرام يا عالم شوف الراجل بيطلع في الروح ، رج جلبهم علي حالي وخدوني معاهم وهناك في المتوي بتاعهم داخل الجبل جالولي ح نعالجك يا زلمه واتحمل الألم لأن من غير اللي ح نعمله حتموت ، سلمت نفسي ويدي لله ، لكن والله يا فندي أنا عمري ما شعرت بألم زي اللي ُحصل ليه لأنهم جابوا زيت مغلي وحطوا فيه جصبة رجلي المقطوعة ، بقيت أصوت كيف الحرمه اللي جوزها طردها نص الليل ، والله كنت خجلان من دي العمايل لكن الألم ما لوش نهاية ، كنت شايف الرجاله واجفين وكل واحد حاطط صابعه في ودنه من صوتي ، فضلت أصوت وأتنطط لحد ما رحت في دنيا غير الدنيا.

ـ ياه يا بديع ، دا أنت اتحملت حمل كبير

ـ لكن عمر الشجي بجي يا فندم ، اسمع المهم وهو اللي جاي والا مش هواك

ـ هوايا جدا جدا دا أنا شاعر إني خفيت من ألمي ، قول يا بديع أنا سامعك

ـ مش ح أطول عليك ، بعد ما الجرح نشف وخف والألم جل معنتش باعرف أمشي ساعدوني وعملت ُعكاز كنت أحطه تحت باطي اليمين ، كنت باشعر بتعب في الأول لكن بعد كده أصبح عادة لكن إيدي اليمين كانت متعطلة لأنها ماسكة العكاز ، افتكرت إني شفت واحد حدانا في البلد

ـ أنت بلدك إيه يا بديع؟

ـ أنا من الأصل من بلد ريح أسوان لكن جيت مع بوي من زمن وعشنا في الإسماعيلية لأن أبوي كان عامل في ترسانة الجناة ، وأبوي بنا دار في بلد اسمها أبوعطوة وأنا لما كبرت أبوي ساعدنا إني أشتغل في الترسانة جام المشرف شغلني في حكاية البرادة لأنه لجي جسمي كبير وجوي ، أكمل يا أفندم الحكاية ، كان ريحنا في البلد بأبو عطوة راجل زين لكنه بجي زي حالاتي وعرفت بأنه إنصاب في حرب 56 لكنه مكنش عامل عكاز لكنه عمل وصلة خشب تعوض الطول إللي إنجطع وده كان بيسمح له أنه يشتغل بيده التنيين ، فضلت أدور لحد ما جيبت حته خشب وبمساعدة الناس اللي أنا عايش إمعاهم وفروا ليا كل حاجه وعملت حزام أربط بيه الوصله اللي مكملة طول رجلي وزي ما حضرتك شايف بجيت زي السليم بس كل الحكاية بأزك وأعرج حبتين.

ـ والله أنت راجل جدع ، لكن من يوم الانسحاب وأنت لسه عايش هنا؟

ـ أيوه ، ح أروح فين بحالتي دية لكن المهم أن الرجاله اللي كانوا معايا بدءوا يجاوموا العدو لأن الإسرائيليين ملهمش دين ولا زمة ، كنت بأساعدهم بأي حاجه وأنا عايش معاهم وفي يوم طلبوا مني أساعدهم وأعمل لهم سيوف أو خناجر بدلا من استخدام البندجية لأنها كانت بتكشفهم والعدو ُيضرب ناحيتهم النار علي طول ، طلبت منهم أن يجمعوا بنادج وسناكي اللي سابها الجيش أو مدفونه ريح الشهدا كمان عايز مبارد حديد ودية موجودة بورشة الوحدة اللي إنصبت فيها ، في ليلة رحت معاهم لحد مكان الورشة المدمرة وفضلت أفرز في العدد لا جيت حاجات يامه ومهمه جبتها إمعاي ومن بينها طبعا المبارد الحديد وكان عددها كبير ، فضلت أبرد في السونكي لحد ما بجي زي الخنجر وأحسن وجاموا وضربوا بيه العسكر اليهود وكانوا مبسوطين بالحكاية دية ، في ليلة فكرت إني أعمل حاجه وأستخدم البندجية من غير رصاص ، الفكرة إني كنت بأبرد السونكي لحد ما يجل عرضه من تنين سنتيمتر لحد ما يبجي أربع مللي وكنت أجربه علي ماسورة البندجية ، والله يا فندم كنت أفضل أبرد بالأسبوع لحد ما أخلي السونكي كيف سيخ الحديد بتاع الراجل اللي بيشوي الكبدة ، الفكرة إني أحط السيخ ده من فم الماسورة ويفضل يسجط لحد ما يجف ويبجي قدام إبرة ضرب النار ، أول ما أضغط علي التتك يجوم كتلة الترباس تندفع بسرعة شديدة تحت ضغط الياي وتدفع السيخ للخارج بسرعة شديدة وبنظرية التنشين نستطيع ننشن علي العدو لكن عيب الحكاية دية كانت حاجتين في نظري وهي أن المسافة لا تزيد عن مية متر الحاجة التانية كل سيخ حيموت يهودي ح أفضل ابرد في سونكي تاني لمدة أسبوع.

ـ صحيح عملية صعبة إلا إذا كان فيه حد يساعدك

ـ فعلا تنين من الشباب بيسعدوني وأنا أجفل المجاسات في النهاية وبكده كان السيخ يا خد يومين لكن كمية السناكي ح تجل أما عن مسافة المية متر كان الشباب مبسوط منها لأن الشباب كانوا بيهاجموا العسكري الإسرائيلي من مسافة الميت متر بدل من الطعن المباشر.

ـ أيوه بس العدو مكنش بيضرب علي الرامي اللي ضرب عليهم؟

ـ كان ُبيضرب في أي اتجاه لأنه ليل ومش شايف السيخ ده جاله منين لأن ما فيش نار خارجه من فم ماسورة البندجية كمان كانت بتصيبهم المفاجأة لما يسمعوا صراخ زميلهم والدم نازل منه لأن الضرب كان بالرجبة أو بالصدر.

       تعرف يا فندم الشباب دوول فين؟ مشتركين في منظمة تحرير سينا وأنا عضو بيه لكن كل عملي هو تجهيز الأسياخ دية اللي مات منها كتير من العدو وفي مرة هاجم بعض الجنود المنطجة ولاجوني وحدي وجبضوا عليّ وأنا هنا مستنظر الحكم عليّ وفيه ناس بتجول أنهم ح يروحوني لمصر.

     قضيت عدة أيام مع هذا الرجل الذي ظل بعيدا عن وطنه لأكثر من سبعة أعوام وقام بهذا العمل الخطير والمبدع ، ُكنت أنظر إليه وهو نائم وأشاهد قدمه اليمني المبتورة وأنا في دهشة من أبناء مصر الذين إذا أخلصوا قاموا بأعمال رائعة.

    صباح اليوم التالي شاهدت من شباك الزنزانة أحد ضباط معسكر الاعتقال قادما وبعد أن فتح الباب قال لي باسما: "جاءتك زيارة" ُدهشت لهذا حيث كنت وجلا ومتخوفـًأ علي أبى السعادات بأن يكشف نفسه بعلاقتي به ولكن قطع تفكيري سماع نباح كلب وظهور روز التي قفزت عليّ وأنا مازلت جالسًا وتبادلنا العناق ولعقت وجهي كما لم يحدث من قبل وتحسست قدمها الخلفية التي أصيبت فنظر إليّ الضابط وأخبرني أنه تم علاجها وأن إدارة المعسكر رغبت بالاستيلاء عليها لكن بعد العلاج تبين لهم بأن هذا الكلب عنيف ولهذا قررنا إطلاق سراحه فرغبت بإحضاره إليك من أجل الوداع.

    نظرت إليّ روز نظرات ساهمة وحدثتها ، روحي لسحاب وعيالك ، فاهمة ، بلغي سّـلامي لكل من " ُقطبي وزهرة والمشتري وعطارد" مما أضحك بديع والضابط الإسرائيلي ، احتجت روز بنباحها فأشرت إليها وحدثتها بطريقتي القديمة " إبه إبه .. أأ .. آه .. أأأ .. أه ..  أبا أباه" مما دفعها إلي النباح ثم عادت تنام علي صدري تلعق وجهي كأنها تخبرني بأنني أعلم بأنك في وضع صعب حينما سمعت النداء القديم والذي كان ُيعني لها أنني بائس وحالتي سيئة ، تحركت بعد أن جذبها الحارس من الحبل وأنا مازلت أخاطبها : علي البيت علي طول وبلاش لكاعة مما دفع بالضابط إلي الضحك معتقدًا بأنني أمزح معها ولكنني كنت راغبـًا بأن تعود إلي دار أبى السعادات.

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech