Click to listen highlighted text!Powered By GSpeech
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي
**** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث
**** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر
ساد الصمت بالمكان ، كما ودعت رحيل الضحكات والإبتسامات الرقيقة التى كانت تخرج من بين شفاهها الجميلة ، تركت المرح وبعض أغاني شادية وليلى مراد وحاكت نساء الصعيد حين الحزن وذلك بوضع رابطة سوداء حول رأسها ، كانت تجلس ساهمة لفترات طويلة وأهملت طفلها والحياة ، بل لم تهتم بالبدو حين القدوم للحصول على المؤن الشهرية؛ حيث كانت تشير إليّ لأراجع المقررات وأقوم على صرفها.
لم أستطع التفاهم معها أو الإقتراب منها ، فما شاهدته من آثار التعذيب على جسد الزوج أثناء دفنه أثار مخاوفي ؛ بل وجزعت نفسي عن الطعام التى تعده وأصبحت كارها المكان ، أيضا النيران التى كانت تتصاعد من قبره كل يوم أخافتني ؛ كل تلك المظاهر أثبتت أن الرجل كفر بربه وهو غير راض عنه وأن تلك السيدة مثل زوجها وأنها لا تعاملني كأخ كما قالت ؛ حيث أسمعتني كلمات سيئة بالأمس ؛ شعرت رحيل بأنني بعيد عنها ولهذا حاولت قدر طاقتها الإقتراب منى ، جلست بجواري ليلاً جلسة طويلة وخلالها أخبرتني بالمزيد من المعلومات التى كنت أجهلها تماما.
صابر ؛ أول حاجه ماتزعلشى من الكلمتين اللى قلتهم لك أمبارح ، أعذرني لما أشوف الحالة اللى مات عليها موشيه وبعدها اللي حصل له بالقبر ، كمان جاستون المجرم رغب بى أكثر من مرة حيث كنت أرفض رغباته ؛ صرحت بهذا لموشيه فطلب منى أن أضع ليمونة فى فمي وأتقبله! نظرت إليها بدهشة فلم تهتم وإستطردت فى حديثها: صابر أنا أقوم على خدمة بلدي وعقيدتي ، ألا تعلم أن الشباب اليهودي يموت منهم الكثير بنيران المجرمين القتلة سواء المصريين والسوريين أو الإرهابيين الفلسطينيين ، هل الحياة أهم أو العفة والشرف؟ الرجال يقومون بالتضحية ؛ أيضا النساء يقمن بالتضحية سواء بالعمل بجيش الدفاع أو بتقديم بعض المتع الجنسية لمن يقدم بيانات ومعلومات تفيد الوطن أو للجنود الذين يحاربون ، ومن أجل هذا فأنا أقوم على تسلية بعض القادة بالجبهة الجنوبية المصرية وإمتاعهم بالرقص الخليع الذي يخلب عقول الرجال ، جاستون أحدهم ولم أرغب به ليس للعفة كما سبق وأخبرتك لكن لسبب آخر ؛ رائحته سيئة ولا يداوم على النظافة وتلك بعض العيوب المنتشرة بالشعب اليهودي.
ألا تعلم إنني وموشيه حينما تزوجنا أرسلوا بنا إلي معسكر قريب من الحدود المصرية ؛ حيث شاهدت المعسكر قد إمتلأ باليهود المصريين والمصريات اللذين كنت أعرفهم أو اللذين لم أشاهدهم قبل هذا ، كان المعسكر مقسما إلي أقسام مختلفة ، كل قسم مخصص لعمل معين ، كان من نصيبي ونصيب موشيه أن ننضم للمعسكر الذي سوف يقوم بمد أبناء سيناء بالمعونة وإستقطابهم فى حالة نشوب حرب بين مصر وإسرائيل وإحتلال سيناء!!
أتساءل: هل كان الإسرائيليون يعلمون بأنه سوف تحدث حرب بين البلدين وتنتصر خلالها إسرائيل وتحتلون سيناء؟
نعم صابر .. هذا مخطط لدي القيادة .. المخطط يتم بغرض تحقيقه وليس بغرض الإعتماد علي الحظ .. بالضبط مثلما تنوي الذهاب للسوق لشراء بعض الفواكه ، فتقوم بارتداء ملابسك والتوجه للسوق وتتخير البائع ونوع الفاكهة للتأكد من جودتها ثم تقوم بشرائها والعودة بها .. هذا ما يتم هنا .. كل شيء مرتب وتم حسابه والقيادة تعلم علم اليقين بحتمية تحقيقه .. فالشعوب الحرة بأمريكا وأوربا تقدم يد المساعدة لإسرائيل دون حدود حتي لو أدي الأمر لدخول الحرب مباشرة بجانب إسرائيل .. أي أن النصر قائم لا محال ، أيضا سوف تلاحظ أن العدد الأكبر من ضباط وجنود جيش الدفاع بسيناء يتحدثون العربية بطلاقة والسبب في هذا أنهم من يهود مصر والمغرب وتونس واليمن ولبنان وسوريا ، ومن أجل هذا وضعتهم القيادة بالوحدات العسكرية التي سوف تقاتل المصريين ، سوف تلاحظ هذا بنفسك.
بداخل المعسكر تم الزواج ، كان هذا نهاية عام 1963 ولم نكمل ثلاث سنوات منذ هجرتنا من مصر ، كان المسئولون يقومون بتدريبنا علي الرماية وأنواع الأسلحة التي تملكها مصر وأسلوب التعامل مع المصريين بالتهديد و"الشخط" والضرب والقتل والتعالي عليهم ، أيضا علمنا كل شيء عن الصحراء والبدو وأسلوب حياتهم والجمال وما يخصها سواء بالحياة ونوعية الأعلاف والحشائش التي تتناولها أو أسلوب الحياة من حمل وولادة وإنجاب ورعاية الصغار ، بداخل المعسكر لم يتركوا لنا سؤالا يخطر علي بالنا بالمستقبل إلا وكانوا مستعدين له بالمعلومات والصور ، بل كان هناك تحذير من تعامل الرجال اليهود مع نساء البدو لسببين هامين: الأول هو مخالفة تعاليم الدين اليهودي بأن تنجب امرأة كافرة من أحد رجال اليهود المؤمنين الذين فضلهم الله علي باقي شعوب العالم والشيء الآخر كثرة الأمراض المنتشرة بينهن ، ومن أجل هذا قررت القيادة إمداد معسكرات الرجال ببعض نساء اليهود المؤمنات للترفيه عنهم وإشباعهم جنسيا!!!
صمتت رحيل لفترة ثم نهضت وتوجهت للمطبخ لإعداد عشاء ممتع كما قالت ، أعقبتها بضحكة تدل على عدم الإهتمام بما حدث لزوجها ، شاهدت الحيرة والريبة فى وجهي ، أسرعت نحوى وإقتربت منى وقبلت قمة رأسي وهى تردد:
ـ صابر ، ح تشوف رحيل ح تعمل إيه ، لأجل الإخوة اللى بينا ماتسيبنيش أو تهاجمني بكلام شديد ، سيبنى على راحتي أعمل اللى أنا عايزاه، لكن النهاية هيا المهمة ، مش ح سيب تارى ، مش فى مصر بيقولوا كده ، أنا زيهم ، أنا مصرية وعندي التار ، يا أنا يا جاستون الكلب ؛ سمعنا صوت نفير سيارة وإضاءة واضحة من خلال الباب الحديد ، طلبت منى الذهاب لمشاهدة من القادم ، تركتها وإتجهت للباب ؛ من خلال الأعواد الحديدية سمعت صوتا حاداً يطلب منى فتح الباب ، كان أحد ضباط جيش الدفاع الاسرائيلى وبناء على تعليمات رحيل السابقة يجب علىّ تنفيذ تعليماتهم بسرعة وإلا سوف يطلقون علىّ النار.
تهادت السيارة إلى الداخل وهبط منها الضابط الذى نظر إلىّ متسائلاً:
ـ فين ستك يا ولد؟
ـ الله يرحمها ، دى ماتت وشبعت مووت
ـ أنت ح هتزر معايا ، تذكرت حادث مطروح وابن الباشا فخشيت الأذية ، تساءلت:
ـ تجصد مين يا ساعة البيه؟
ـ فكرتني بمصر وأيام مصر الحلوة ، كان كل الهلافيت والعبيد اللى زيك يقولوا ليا كده ، روح إنده علي ستك رحيل.
ـ حاضر يا بيه ، دجايج وتيجي تجابل حضرتك
ـ أسرع الرجل بالدخول لحجرة الإستقبال ، غادرت المكان ُمسرعاً ودلفت من الباب الخلفي أخبر السيدة رحيل .
حينما وقعت عيناي عليها شاهدتها فاتنة رائعة الجمال فى ثوب حرير كاشف للجسد أكثر مما يخفي ، نظرت إلىّ باسمة ثم أمسكت بشفتاي وضغطهما على بعض ، وبكلمات قليلة قالت: دقيقة وأكون عنده يا صابر ، تحركت من أمامي تتهادي وهي تتغني بأغنية .. "نعم يا حبيبي نعم ، أنا بين شفايفك نغم"
أسرعت إلى مخزن الدقيق ؛ جلست بالظلام لا أعي ما يحدث بجواري، تنامي إلى سمعي أصوات ضحكات عالية مرتفعة تلهب المشاعر والأحاسيس ، إقتربت من مكان جلوسهما أتلصص بتأثير الشباب وحب المعرفة ، شاهدت أشياء ومناظر لم أشاهدها بحياتي قبل هذا ، وكانت النتيجة أن الإثنين تخلصا من ملابسهما وإلتصقا معا وخفضا من ضوء الفانوس ، لحظتها عذرت "أمشـير" ولهفته على الناقة المجاورة لي ، رغبت بإطلاق اسم رحيل عليها ولكنى شعرت بأن هذا يعتبر ظلما لتلك الناقة التى تتبع منهج الحياة التى خلقت عليه ، ساورني هاجس بترك هذا المكان النجس والتوجه لرجال الفصيلة ، إسترجعت أفكاري ؛ فأنا لن أستبدل أخلاق الناس أو عقيدتهم ، فلتكن رحيل غانية وأظل أنا عابد لله أتلو القرآن ، نهضت لقراءة القرآن فتنبهت على صوت وداع ساخن أعقبه سماع موتور السيارة التي غادرت المكان وأغلقت رحيل البوابة ، سمعت صوتها ينادي عليّ فلم أجب ، صمتت ثم أغلقت الأنوار وخلدت فى نومها.
لم أستطع النوم بعمق تلك الليلة ، لقد تحطمت معاني ومبادئ كثيرة كنت أعتقد أن رحيل تتمتع بها ، لكن تبين لي أن كل شيء قابل للبيع والعطاء وبالأخص الشرف والعفة ، فموشيه لم يمض على وفاته أيام بينما رحيل تلقي بنفسها بين أحضان رجل آخر ، ومن هذا الرجل؟ بئس الأخلاق.
لم أغادر المخزن كعادتي كي أقوم على إطعام "أمشـير" والسيدة حرمه كالمعتاد أو التأكد بأن المكان لم يتسلل إليه أى من حيوانات الصحراء المفترسة أو البحث عن أي مشكلة ما كي أقوم على علاجها ، أو أقوم على حمل الماء إلي الخزان الموجود قريبا من خيمة رحيل كي تستحم وتغتسل ، ظللت جالساً ساهماً وشعرت بأن رأسي لم يعد بها أي أفكار ذات فائدة ؛ فقد تداخل كل شيء ولم تعد هناك مبادئ أو قيم ، شعرت بأن آذان الفجر قد حان ، تركت الوخم والدفء وتوجهت للبئر وبالعبوة التى معي حملت الماء وتوضأت وشعرت بأن عظامي سوف تتكسر من شدة البرودة ، عدت وقمت بأداء صلاة الفجر ثم الصبح وجلست قليلاً وشعرت بالراحة بعد أن تسلل الدفء إلى جسدي ، بعد قليل سمعت من يحاول فتح باب المخزن ؛ ثم ظهرت رحيل بإبتسامتها الرقيقة التى إعتدت عليها منذ أول لقاء تم بيننا ؛ ألقت علىّ بتحية الصباح ثم تقدمت ناحيتي وجلست مواجهة لي ، كانت تتحدث بأحاديث لا رابط بينها ، تفتح حديثا وتغلق آخر وكان من الواضح أن عيونها تهرب من نظراتي لها.
فجأة تشجعت وقالت: أنا قلت لك إنى مش ح سيب تارى من جاستون ، إمبارح كان أول خيط للخطة ، إقتربت منه وأنت شفت وسمعت .. بس .. أدي كل الحكاية ، تفتكر إني سلمته نفسي بجد؟ مش ممكن يحصل أبدا وح تقول رحيل قالت ونفذت ، توقفت قليلاً ؛ رغبت بالحديث فأشرت لها بأن تصمت ؛ فعلت ثم ألقيت عليها بسؤال: هل الرجل الذى حضر بالأمس وإلتقيت به هو جاستون؟ أشارت لي بما يعني نعم وتلك كانت الكارثة.
نهضت راغبا فى مغادرة المكان ، أسرعت تحول بيني وبين أن أتركها بمفردها ، ظلت تحاول إقناعي حتى شعرت بالذل يسيطر على صوتها وعواطفها ، ألحت باكية بأن ما تقوم به سوف يعرضها للخوف وتضطر للعودة ثانية للمستعمرات الإسرائيلية التى كرهت الحياة بها ، فما بالك الآن بعد أن فقدت زوجي ، لقد كان زوجي بجواري وأنا أريد أن أظل بجوار مقبرته حتى يعلم كيف أخذت بثأره ممن قتلوه وإنتقمت منهم.
بصوت جاد وحازم: صابر ، الآن سوف نعمل معا ، هل تجيد إستخدام البندقية؟ أجبتها بكلمة لا ، إذاً إتبعني وسر خلفي لأقوم على تدريبك على كيفية إستخدام السلاح حتى تصبح رامياً ماهراً وتقدم لي يد المساعدة للأخذ بثأر زوجي.
هكذا تحولت عربدة الأمس إلى تدريب جاد على أجزاء البندقية من فك أجزائها ونظافتها واسم كل جزء والتصويب الجاف دون ذخيرة ؛ ظللت ثلاثة أيام على هذا الوضع حتى جاء اليوم الرابع والذى كان رماية بالذخيرة الحية ، فى هذا اليوم إستهلكت كمية كبيرة من الذخيرة ، مازالت رحيل تقوم على تدريبي ومراقبتي أثناء الرماية ؛ مضي هذا اليوم وجاء اليوم التالي ثم الأسبوع التالي وظللت لمدة ثلاثة أسابيع أقوم بالرماية يوميا وفى بعض الأيام كانت تقوم علي تدريبي على الرماية الليلية وفى أوقات أخرى على الرماية لأهداف متحركة.
مضي أكثر من شهر أخبرتنى بعدها بأننى أصبحت رام ماهر وتساءلت: ماذا تريد منى أيها الرامي الماهر؟ إقتربت منها وعرضت رغبتي بشراء جوالين دقيق وعبوتان من السكر وصندوق شاي وصندوق دخان لأصحابي العمال الذين يعيشون على هامش الحياة بجوار بعض القبائل العربية.
وافقت على طلبي وتحملت ثمن نصف تلك الطلبات ، أخبرتها بأننى سوف أتغيب عنها أربعة أيام فطمأنتني على نفسها وأن تلك الأيام سوف تشهد زيارات يومية لبعض ضباط المنطقة الجنوبية ولهذا سوف تصبح فى أمان لحين عودتي ، هكذا حمل أمشير كل ما رغبت شراءه طالبا منه مرافقتي إلى فصيلة الشاويش إدريس ، فى بادئ الأمر تلكأ ، بعد هذا بدقائق غافلني وتحدث مع الناقة وحدثت همهمة وبعض إشارات وشعرت من تصرفات قام بها بأنه قبلها عدة قبلات وودعها وداعا ساخناً لا يقل عن لقاء رحيل وجاستون الشهر الماضي.