Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الثالث

 

 

كتبها على لسان أبطالها

أســامة على الصــــادق

.....

الطبعة الأولى .. مارس 2012

الناشر: الكاتب

.....

تصميم الغلاف: ريهام سـهيل

.......

حقوق الطبع محفوظة للكاتب

موبايل: 01227970032

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

معالم روحانية تظهر على أمشـير

 

         إقتفيت أثر خطي أمشـير وإقتربت من رحيل ؛ طبعت قبلة على خديها ومثلها على خد طفلها الجميل ، ركبت فوق الأجولة وأثناء سير "أمشـير" كنت أشاهد رحيل تحمل طفلها وهما ملوحان لي بوداع باسم مع التمنيات برحلة موفقة ، إزدادت المسافة بيننا ولهذا لم أعد أشاهد سوي ظلها ثم تلاشي الظل وإرتعشت الرؤية وإهتممت بحالي وبالمهمة الوحيدة التى سوف أقوم بها من تلقاء نفسي بعيداً عن تعليمات وأوامر إدريس والمساعدة التي يقدمها لي باقي جنود الفصيلة.

 

      أقبل الليل وشعرت أننا قطعنا نصف المسافة ؛ فقد تعدت المسافة التى قطعتها خمسون كيلومترا ولم يتبق سوى خمسة وخمسون كيلومترا بالتقريب، كنت أخشي أن أضل الطريق ولكن أمشير كان أذكي من أن يضل طريقه وهو الذي علم طريق حبيبته وأم ابنه القادم "بعرور" ؛ منتصف الليل توقف "أمشـير" عن السير وبرك أرضا فشاهدت نبعا من الماء بجواره بعض الحشائش وكلأ الصحراء ، هكذا سوف نصيب جزء من الليل كراحة بعد أن قطعنا مسافة كبيرة تعدت من الزمن العشر ساعات.

 

    إقتربت من "أمشـير" وجلست مستنداً بظهري على جانبه الأيسر كي أتفادي الرياح الباردة وبعض لسعات من رمال تتطاير بفعل الهواء السريع ، فتحت كيسا من القماش أعطته لي رحيل ؛ أخرجت منه بعض الأطعمة والتى تشبه الفطائر وهذا النوع محشو بالجبن ومعد إعدادا جيداً ؛ بعد أن إلتهمت الطعام الذى هدأ من شدة الجوع والبرودة الزاحفة التى تظهر أنيابها بعد منتصف الليل ، بعد هذا عببت من ماء العين المثلج ذى الطعم المستساغ تلحفت بالشال والعباءة التي معي ونمت بجوار "أمشـير" أستفيد من حمايته لي كى يصد الرياح عنى أثناء النوم.

 

   ضرب ضوء الصباح بشعاع هادئ ينبئ عن بزوغ يوم جديد فى حياتي بعيداً عن عائلتي وأنا أحيا وأعيش فى سيناء بل وأخدم بجيشها دون سند قانوني ، أثار هذا ضيقي وتبرمي ثم تنبهت وعادت بى الذاكرة ؛ حيث كنت أستمع لمدرس حصة الدين أثناء الدراسة بالمدرسة الإبتدائي ؛ حيث كان يردد أن القتال والدفاع عن الوطن فرض عين وليس فرض كفاية وظل يوضح هذا المعنى ولم أفهم هذا المعنى إلا بعد مضي عدة أعوام ، أي أن القتال فرض على كل المسلمين ولا ينوب فيه أحد عن آخر فى القتال طالما كان قادر على هذا ؛ الحمد لله فأنا قادر على هذا وأقوم بالدفاع عن الوطن وليس هذا مرتبطاً بالتجنيد والخدمة الإلزامية بالجيش ، بعد فترة زمنية سكن فؤادي وهدأت نفسي المترددة الثائرة.

 

    نهض " أمشـير " وإستكملنا سيرنا حتى إقترب غروب اليوم التالي ؛ شاهدت أحد جنود الفصيلة راكبا جمله مقبلاً ناحيتي حتى إذا شاهدني وتعرف علىّ صاح مردداً: الله أكبر ولله الحمد ، صابرا لسه عايش ، صابرا حي يا رجال ، شاهدت بعض الرجال على الجمال وآخرين دون جمالهم مسرعين للقاء بى محتضنين جسدي وكلمات رقيقة طيبة صادرة من القلوب البيضاء الطاهرة.

 

    جلست بين زملائي فى حضرة الشاويش إدريس الذى قرر أن يحتفل بتلك المناسبة بأن يدخن سيجارة على غير عادته ، شكرني الرجال على المعونة الهامة التى وصلت فى موعدها فقد أضر بهم الجوع منذ ثلاثة أيام؛ حيث كانوا يقتسمون الشعير مع الجمال ، هكذا علق أحد الرجال بأن نيران إعداد الطعام سوف تظل مشتعلة طوال الليل ، قام بعض الرجال بإعداد الطعام بينما ظللت أقص علي الباقين رحلة "أمشـير" ولقاء عروسه مما أضحكهم جميعا ، بعد أن قطعت شوطا من الزمن بالتحدث مع زملائي شاهدت رجالا ثلاثا لم أشاهدهم من قبل ، أقبلوا ناحيتي مرحبين قدومى وما سمعوه من الزملاء عن فقدي ، تعرفت عليهم وكان المهندس عزيز ميخائيل أول من تحدث معي مرحبا مهنئا سلامة الوصول وتبعه الإثنان الآخران.

 

    صباح اليوم التالي شعرت بأننى فى منتهي السعادة ؛ فقد إكتملت منظومة الحياة والصحبة ، سردت على إدريس ما شاهدته وسمعته أثناء إقامتي مع السيدة رحيل ؛ طلبت منه النصيحة ، أيد إدريس إستمرار وجودي مع السيدة ؛ لسببين هامين: الأول .. طلبها الحماية وهذا كان شائعا فى صدر الإسلام بأن أهل الملل الأخرى يطلبون الحماية والعون فيهب المسلمون لنجدتهم ، ثم الشيء الثاني .. قيامك بتزويد الفصيلة بإحتياجاتها من المؤن التى وفرها العدو للتوزيع وبتلك الطريقة سوف نحصل على بعض ما سلبه منا هؤلاء اللصوص.

 

    جلست عدة ساعات مع رجال الفصيلة الذين أسهبوا فى وصف وسرد ما حدث من هجمات بسيطة متفرقة قاموا بها على دوريات العدو ، كانت الهجمات ناجحة وأثرت فى تلك القوات تأثيراً واضحاً لدرجة زيادة أعداد الدوريات وهذا حمل القوات المعادية مجهودا إضافيا وجعلهم فى حالة من التوتر والتأهب والإستعداد وبالتالي أدى هذا إلى فقد العدو الكثير من قدراته ؛ أيضاً تقلصت أماكن إنتشار دورياته حتى لا تتعرض لهجمات رجالنا وهذا ساعد رجال الفصيلة على الحركة والتغلغل بداخل الصحراء فى إتجاه المحور الأوسط والمحور الشمالي التى تزداد حركة ونشاط العدو عليه.

 

     سمعت عن تلك العمليات الجريئة بتأثر شديد وفرحة غامرة ؛ كما شعرت بالفخر لإنتمائي لتلك القوة الرافضة الإنسحاب ؛ والتي لم تكتف بهذا حيث تقوم بمهاجمة قوات العدو ، لقد تبين لي من حصر ضحايا العدو المؤثرة بأن عددهم لا يقل عن ثلاثة عشر فردا خلال الشهور الثلاثة المنصرمة.

 

    ودعت الرجال عائداً إلى مستودع المعونة الشهرية لبدو سيناء الفقراء برفقة أمشير ، مضى على مغادرة موقع الفصيلة ؛ أربع وعشرين ساعة ؛ هكذا حلت علىّ الليلة الثانية منذ وداع رجال الفصيلة الذين قاموا بوداعي وداعا مؤثرا تتخلله كلمات الإشادة بما قمت به وأن هذا العمل لا يقل عما يقومون به من مهاجمة قوات العدو.

 

     برك الجمل فى بداية الليل قريباً من منطقة عشبية وكعادتي إلتحفت بالشال والعباءة كي تقوم على حمايتي من البرودة القاتلة ، كان للمجهود المبذول وإنخفاض درجة الحرارة وما أصابني من حبيبات الرمل المتطايرة المرافقة للهواء البارد أثر سلبي على وجهي ويداي ، غفلت لبعض الوقت وكان النوم عميقا لم أتنبه إلا على صوت "أمشـير" بعد أن زام وظهر صوت غضبته التى أعلمها ، جلست أتبين ما حولي فشاهدت ثلاثة ذئاب تقف على بعد أمتار قليلة من مكان جلوسي ، نهضت فزعا وبالتالي نهض "أمشـير" ثم أنزل رقبته حتى كادت تلامس الأرض ؛ فقفزت عليها متسلقا ظهره وخلال تلك الثواني قامت الذئاب الثلاثة بمهاجمته فدفعه هذا لإظهار غضبة بصوته المرتفع المثير وشاهدت "القلة" التى خرجت من فمه والتى تدل على أنه غاضب وفى أشد حالات هياجه ، مضت عدة لحظات وشاهدت أحد الذئاب بعد أن طار فى الهواء من دفعة قوية بقدم أمشير الأمامية فصدر منه عواء الذئب المخيف ثم سقط أرضاً بعد عدة أمتار يتلوي بينما الذئب الآخر سمعت صوت تحطم جسده أسفل خف الجمل ، نجح الذئب الثالث فى التعلق بذيل الجمل وظل يقضم فى فخذه بأسنانه والجمل يلتف حول نفسه ومن شدة دورانه السريع سقطت أرضا وشعرت بأن عظامي تحطمت.

 

      شاهدت "أمشـير" على بعد عشرين خطوة ومازال الذئب ينهش فى فخذه لكن الجمل برك فوق الذئب فخرج عواءه يضرب صداه من خلال الجبال والأودية ، نهضت ُمسرعاً فى إتجاه "أمشـير" فشاهدت الحزن على وجهه ، هدهدت على رقبته وقبلت رأسه وقد أصابني الجزع أن شاهدت بركة من الدماء كانت خلفه سواء من دمائه أو دماء الذئب الذى شاهدت جزءاً من جسده والرأس وأحد الأرجل وقد فارق الحياة حيث تدفقت الدماء من فمه الواسع.

 

   طلبت من "أمشير" النهوض ، أخرج بعض الأصوات التى تدل على أنه متعب ونظر إلىّ نظرة عتاب بما يعنى ألا تفهم أيها الجندي بأنني إشتبكت مع ثلاثة ذئاب جائعة وأحدهم إقتطع جزءا من أعلى الفخذ الأيمن ، بعد ُمضي عدة دقائق نهض أمشير وسرت بجانبه أحدثه من حين لآخر ، إستمر سيرنا حوالي ساعتين قطعنا خلالها ثمانية كيلومترات تقريبا وتلك المسافة تعادل نصف المسافة التى يقطعها الجمل فى الأحوال العادية.

 

     شعرت برغبة أمشير فى الراحة ولهذا ساعدته على أن يبرك أرضا ، أحضرت له بعض العشب من حولي فلم ينظر إلىّ ، شعرت بحزن أليم وأن فقدي لهذا الصديق سوف يكون كارثة لا تقل عن الكارثة التى لحقت بالسيدة رحيل حين فقدت زوجها ، كنت فى أشد الحاجة لمن يشد أزري ولهذا لم أجد أنفع وأشفع من تلاوة بعض آيات من الذكر الحكيم.

 

     بدأت التلاوة وكما توقعت فقد خارت قوى أمشير حيث إستسلم للراحة وغادرته مشاعر الألم رويدا والتى كانت واضحة على وجهه ، ظللت أتنقل فى التلاوة من سورة إلى أخري من قصار السور حتى وصلت إلى السورة الأخيرة والتى قررت التيمم بعد تلاوتها لأداء صلاة الفجر والصبح ؛ فقد بدأت تظهر أضواء اليوم الرابع منذ مغادرة منزل السيدة رحيل:

 

(بسم الله الرحمن الرحيم)

 

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15). صدق الله العظيم

 

 

 

      أسرعت جهة أمشير حيث شاهدته قد مد قدميه الخلفيتين للخلف ولم أشعر به أو أسمع صوته ، شعرت أن الجمل قد فارق الحياة ، جلست مجاورا له أنعيه بكلمات بائسة غير مفهومة لي أو لمن يستمع إليها ، قدمت إعتذاري له واننى سوف أنهض لأداء الصلاة قبل أن يتعدى موعدها ثم أعود إليه.

 

      نهضت متثاقلاً وتيممت ووجهت وجهي جهة القبلة بالتقريب وقمت بأداء صلاة الفجر بصوت عال رغم إنني الوحيد الذي يصلي وليس معي أحد ، قبل نهاية الصلاة شعرت بشيء يتحرك على مؤخرة رأسي "القفا" ، خشيت ترك الصلاة وإعتقدت أنه ثعبان جاء يخرجني من الصلاة وأكيد أن هذا الثعبان من سلالة إبليس كي يقوم على هذا ، تماسكت وتشجعت ولكن الحركة تحولت إلى صوت وبدا الصوت يرتفع ، فى تلك اللحظة إنتهيت من الصلاة ونظرت سريعا للخلف لأشاهد من أتى لمهاجمتي ، ألا يكفى ما حدث لصديقي "أمشـير".

 

     كانت المفاجأة المذهلة المفرحة ، لقد كان أمشير الذي تنبه وأقبل يستمع لما أقوله أثناء الصلاة ، قبلت شفتيه الكبيرتين وبالتالي بادلني القبلات التى كادت تصبح نهايتها قطع جزء من مقدمة الوجه ، حدثته طالبا منه الهدوء حتى أنتهي من صلاة الصبح ، غير من وضعه ليقف مواجها لي وظل هكذا؛ لكن المدهش أنه كان يحرك رأسه ورقبته ، فى الركعة الثانية كدت أخرج من الصلاة حين شاهدته يبرك أرضا كأنه يركع بل حين برك وضع رأسه بالرمل وحين شاهدني أسلم بعد الصلاة شاهدته يحرك رأسه ذات اليمين وذات اليسار وأخرج بعض أصوات من فمه وهي أصوات لينة هادئة كأنه يقول "السلام عليكم ورحمة الله".

 

 

 

    أسرعت بالوقوف وتركت قدماي للريح أعدو بأقصى سرعة ، لقد تبين لي بأن هذا الجمل مسحور أو أن به لطف ونحن بصحراء سيناء التى كنت أسمع عنها الكثير من القصص والحكايات وما كان يحدث للأنبياء بها من معجزات الله ، كانت الجرعة كبيرة على شاب فى عمري وبمفرده ليلاً بالصحراء مع هذا الجمل الغير عادي ، مما أربكني وزاد من خوفي وإضطرابي مشاهدة أمشير يعدو خلفي راغبا فى اللحاق بى ، لقد لحق بى الجمل وأمسكني بأسنانه القوية من تلابيب جلبابي ورفعني لأعلي وإعتقدت بأنه سوف يتصرف معي مثلما قام بهذا العمل الجمل هادي مع الجندي الإسرائيلي ولكن المفاجأة أنه وضعني على ظهره بهدوء وخلال هذا سمعت حشرجة وأربعة عيون تلمع فى الظلام ، لقد أقبلت ضباع سيناء القاتلة وإشتم أمشير رائحتها ولهذا وضعني بتلك الطريقة السريعة ثم ترك أقدامه الأربعة للهواء لدرجة إنني إسترجعت سرعته يوم الأمطار حتى كدت أفقد إتزاني.

 

       خلال هذا كنت أتشبث بكمية الأصواف الموجودة على ظهره وأنا أعلم من رجال الحدود أن جذب الجمل من تلك الشعيرات أو شعيرات المحيطة بفمه تثير ضيقه وحنقه ورغم هذا لم يظهر الجمل غضبه حيث كنت أنظر من حين لآخر خلفي فأشاهد الضباع مازالت تطارد الجمل ولكنها لم تلحق به نظراً لسرعته الكبيرة ، أقبل ضياء اليوم الرابع ومازال الجمل يسرع فى عدوه حتى لم أشعر بأننا إقتربنا من مستودع الغذاء وفجأة شاهدت الباب الحديد الذي إقتحمه أمشير مثل المرة السابقة ولكن تلك المرة سقطت من على ظهره أرضا أتلوى فشاهدت رحيل التى أقبلت مسرعة لدى سماعها للصوت والجلبة التى أحدثها أمشير وصياحي وصراخي من ألم السقوط.

 

     شاهدتني فأسرعت تمسك بى تساعدني على الوقوف لكـن الدماء كانت

 

 

 

تغطي وجهي وجزءاً من جسدى ، ساعدتني رحيل كي تضعني بالفراش بنفس الحجرة التى سبق وأن رقدت بها ثلاثة أيام سابقة وقامت على تمريضي ، فى تلك المرة كنت منتبها ولم يكن يعكر صفو حياتي سوي شعوري بتأثير الإصابات المتنوعة.

 

    اليوم التالي سمعت صوت أمشير على باب الخيمة كأنه زائر يرغب فى الإستفسار عن حالي فأسرعت إلىّ رحيل وطلبت منى الخروج ولقاء أمشير حتى لا يحطم الخيمة ولحظتها لن أتركه يقوم بهذا العمل فسوف أطلق عليه النار فوراً ، خشيت عليه حيث كنت أعتقد بأن هذا الجمل قريب من الله وصاحب بركات وحظوة مما شاهدته وسمعته وما أراه حين تلاوة القرآن بل حين أداء الصلاة ، لقد ظللت عدة أيام بعد هذا الحادث أتخوف من لقاء أمشير وبالأخص ليلاًً ، بل إمتنعت عن قراءة القرآن بصوت مسموع.

 

    اليوم الرابع شعرت بالتعافي فخرجت أتنزه بداخل المنطقة وإلتقيت بأمشير والسيدة زوجته "ناقة" هانم التى تنتظر حادثاً سعيداً  بعد ثمانية أشهر فقد مضي من شهور الحمل أربعة أشهر ، أقبل علىّ أمشير ومد رقبته ورأسه ناحيتي كأنه يحادثني وشاهدت آثار الجروح التى سببها له الذئب الثالث الذي تعلق بفخذه لمسافة طويلة وقد تماثلت للشفاء وتأكد لي صدق رواية رحيل حينما أخبرتنى بأنها ضمدت جراح أمشير فى نفس ليلة وصوله بما تحمله معها من أدوية وعقاقير ، مازال أمشير راغباً فى محادثتي  لكن هذا لم يؤثر فيّ بل الذي أثر فيّ وجعلني أكاد أرتكب معصية لن تمحيها الأيام والسنين بأن أطلق عليه النيران هو ما فعله وجعلني فى وجل منه ، لقد مد رأسه ناحيتي ثم أخرج بعضاً من أصواته المختلفة والمتتالية ؛ أثناء هذا هز رأسه هزة خفيفة لليمين واليسار بالتتابع ، لقد حاول أمشير أن يقلد أدائي للقرآن وكأنه يطالبني بالتلاوة.

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech