Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الرابع - حب وحرب

 

ُحب و حـــرب

 

    فى تلك الليلة هاجمني شعور جميل وتذكرت بعض أغان لمطربين مصريين من أمثال :عبد الحليم وليلى مراد وشادية ، أثناء تقليدي لأصوات المطربين شعرت بحركة خارج مخزن الدقيق ، خشيت تسلل أحد الضواري ولكني تشجعت وخرجت فشاهدت أمشير ينظر إلىّ بعيون متسائلة ، تحيرت منه وأصابني الخوف ثم تشجعت وأخبرته بأنه من الممكن أن يقوم بغناء تلك المقاطع للسيدة ناقة أم ابنه بعرور ، شعرت بأنه لم يهتم بحديثي وغادر المكان بينما عدت للخيمة للحصول علي الدفء ، تذكرت كل ما حدث بيني وبين تراجي ، شعرت بدفء الحب يغمر قلبي.

     فى الصباح أخبرت رحيل بالخطأ الذي وقعت به بتحميل أجولة دقيق ذات وزن كبير بدلاً من زنة الـ 50 كيلو ، نظرت إلىّ راغبة بمعرفة ما بداخلي ثم سألتني: الغلط كان لمصلحة تراجى إسماعيل اللى قرأت اسمها فى الدفتر؟ أيدت إستنتاجها ، ضحكت على خيبتي مرددة بأن البنات ضحكوا عليك ، طلبت منها خصم الفرق من راتبي ؛ كما طلبت حصة لزملائي مثل سابقتها وبالثمن ، لم تعارض وقامت رحيل بخصم كل تلك الأغراض وكان الخصم كبيراً وشعرت بأن راتبي لم يتبق منه إلا القليل.

        مساء اليوم التالي أقبل بعض ضباط القيادة الجنوبية وأعدت لهم رحيل طعاما فاخراً ؛ كنت أشم رائحته ، بعد هذا تناولوا المسكرات وبناء على رغبة رحيل ظللت بجوار الخيمة مستتراً كي أسمع كل أحاديث تخرج من أفواه الضيوف بعد أن تطيح الخمر بالرؤوس ، كانت المفاجأة أن القادة أخبروا رحيل بأن بعض المخربين المصريين توصلوا لبئر بترول أبو زنيمة

وإستطاعوا تدميره بالكامل وسرقة كل المعدات وردم البئر وأصبح كأنه لم يكن حيث كانت الحكومة بتل أبيب تمني نفسها بالحصول على البترول من هذا البئر وتنقله لإحدى المصافي كي يتم تكريره ثم تزود به مركبات جيش الدفاع.

      اليوم التالي أخبرت رحيل بما قامت به قوات الكوماندز الإسرائيلية المحمولة جوا وقطعهم الطريق أثناء عودتي من قبيلة تراجى أبو إسماعيل ، أصابتها الدهشة وأيقنت أن حال الجنود فى توتر ثم تساءلت عما قاله القادة فأخبرتها بما قالوه وتأكد لها أن هذا ما سمعته منهم بالضبط ، طلبت منى الحذر نظراً لأنهم يتصفون بالغدر وقسوة القلب فى تعاملهم مع أعدائهم وبالأخص المصريين ، تردد: صابر... لقد كنت أسمع ما يقولونه عن مصر والمصريين بعد هجرتي مباشرة لإسرائيل ؛ حيث كان ينتابني الضيق والتوتر ، فما زلت مصرية وهذا هو وطني الذي ينعتونه بكل سيء ، الحمد لله أن تنبهت ولكن بعد فوات الأوان وضياع زوجي مني.

      منتصف الشهر العربي حملت كلٌ من أمشير والبركة بما يحتاجه رجال الحدود الأفذاذ الذين نفذوا عملية تدمير آبار بترول أبو زنيمة ، وصلت إلى الكهف المحدد بجبل الحلال والذي شهد المعركة القوية بينهم وبين الكوماندز الإسرائيليين ، هناك تركت الدقيق والسكر والشاي والبن واللبن الجاف والزيت والسمن بداخل الكهف وأنا أعلم أن الرجال سوف يأتون تلك الليلة لإستلام إحتياجاتهم.

    مضى على وداع تراجي عشرة أيام ولهذا شعرت بالشوق إلى لقائها ، أخبرت رحيل فنظرت إلىّ فى حالة من التشكك والخوف من أن يصيبني أي مكروه ، بعد قليل غادرها هذا الهاجـس وودعتـني وطلبت مـنى أن ألتزم

 

الحرص أثناء الطريق ، رافقتني حتى الباب الخارجي فطلبت منها العودة نظراً للطقس البارد ولكنها أخبرتني بأنها لم تزر قبر زوجها منذ مقتل جاستون ، حين توجهت بصحبتها إلى القبر شعرنا بالخوف والقشعريرة ثم تلا هذا بكاء رحيل فقدمت لها يد المساعدة للعودة إلى الخيمة كما ألغيت زيارة تراجي فى هذا اليوم حيث شعرت بأن السيدة فى أشد الحاجة إلى أنيس ورفيق ولن تجد غيري ، بداخل الخيمة كان الدفء هو عنصر السعادة لمغادرة حالة الضيق التى أصابتنا حين مشاهدة القبر.

 غادرت المكان ُمسرعا وأغلقت الباب الحديدي خلفي متوجها إلى قبيلة تراجي ، وصلت قبيل الغروب وإستقبلني كل من عرفني بالبهجة والسرور ، كانت تراجي أول من شعرت بإستقبالها والذي إهتممت به وأشعرني بالسعادة وشعرت بأن شيئا بقلبي يتحرك ، إنعكس كل هذا على وجهي حيث قالت لي أن اليوم يوم عيد لقد أضاء وجهك وأصبح مثل القمر ليلة أربعة عشر ، شكرتها على الكلمات الرقيقة والبسمة الساحرة لهذا الوجه الملائكي الجميل والذى لم أستطع أن أبعد عيناي عنه ، سارت أمامي فأسرعت لأكون بجانبها كي ألتقط بعض نظرات أدخرها بذاكرتي تعينني على البعد والفراق ، ضحكت بسعادة فقد علمت ما أبغيه.

     أقبلت أمها مرحبة ثم شاهدت أباها الذي أطلق الإسرائيليون سراحه بالأمس ، كان الرجل منهكا متعباً ، أخبرته زوجته بأن هذا هو صابر الذى ساعدنا كي نصبر على إبتلاء العدو ، صافحني الرجل شبه صامت ورفع إصبع السبابة لأعلى مردداً "ربنا ما يحوجك لحد ويبعد عنك ولاد الحرام" صافحني عائداً للداخل حيث يرغب فى الحصول على الراحة من إرهاق المعتقل.

     

    أقبلت تراجي وقدمت لي مشروباً مصحوباً بعيون لامعة سعيدة تغوي الشيخ ليصبح شابا يافعا كما خرج من بين شفتيها حديث مسكر طيب السمع والمعني ، أمسكت بيديها فجلست أمامي وإقترب وجهها من وجهي مرددة: وشك حلو زي البدر! ضحكت وتساءلت : لما أنا بدر تبقي إنتي إيه؟ أزاحت طرحة الرأس للخلف فظهر ضياء شعرها الكستنائى الطويل الناعم اللامع ثم قالت: أنا الشمس ، تسمع عن شمس الأصيل بتاعة أم كلثوم؟ أجيبها: طبعا وحافضها ، يعني كده أنا تابع لكي ، ضحكت ونهضت مسرعة وسارت بخيلاء بنات حواء ، سكنت ووضعت همي ومشاعري فى كوب الشاي الساخن.

     هكذا شعرت وعلمت وفهمت بأن تراجي تبغي حبي وصداقتي وما يتبعها من مصاهرة ، كان واضحا أن هذا حال الأب والأم الذين صمما على أن أبيت تلك الليلة فى ضيافتهم نلهو ونضحك ونشعر بالدفء بإشعال بعض العشب الجبلي المنتشر بالمنطقة ، أمضيت ليلة لا تداينها ليلة أخري كما لا أستطيع وصف مشاعري خلالها ، شعرت بطعم السعادة والأماني الطيبة الحلوة ؛ في تلك الليلة شعرت أن الدنيا بها أيام جميلة وأناس يدخلون البهجة على الإنسان حتى لو فى أصعب الظروف.

***

    أشاهد الشاويش إدريس جالسا يحيط به الرجال الذين إنتهي دورهم بالخدمة أما من عليه الدور فيقف مشدودا يراقب المنطقة التى حوله وسلاحه بيده ومن الواجب عليه أن يشاهد زميله بالخدمة بالجانب الآخر حتى لا يهاجمه أي معتد بحيث لا يظل فرد الحراسة بمفردة ، سمعت إدريس ينادي علىّ ؛ رباح: نعم إدريس : أقبل يا فتى ، أرجـو أن تعيد ما شـاهدته أثناء

 

مراقبتك وقت أن كان رجال البترول وزملاؤك فى المـهمة المكلفين بها  قص علىّ ثانية ماذا حدث.

      كان يوما رائعاً ، لقد تسلل المهندس عزيز ميخائيل وصاحبيه إلى داخل حقل البترول الذي كان الظلام يحيط به من كل جانب ، كنت أشاهدهم يتشاورن ثم توجه الثلاثة إلى مبني مغلق وإستطاعوا كسر أحد أبوابه وحملوا أشياء معهم ثم تبين لنا أنها حبال وأسلاك طويلة من الصلب ، أشاروا إلينا فأسرعنا إليهم بالجمال ، لقد شدوا وثاق ما يسمي بالبريمة وهي عبارة عن ماسورة حديد طوليه وبها حواف شبه حلزونية من الحديد وأخبرنا المهندس بأن حلزونية البريمة حينما تدفع فى باطن الأرض تلف وتخرج الرمال حتى تصل إلى العمق الذي يظهر منه البترول.

     إنتهى الرجال من شد وثاق البريمة ودفعنا بالجمال ناحية شاطئ الخليج، تبين أن البريمة ثقيلة الوزن خاصة إنها كانت تجرف الرمال من حولها فأصبحت الحركة صعبة على الجمال ومن أجل هذا تجمع الرجال وساندوا الجمال الأربعة حتى وصلنا إلى منطقة صخرية فأصبحت الحركة أسهل رغم إرتفاع صوت البريمة المحتك بالصخور ، على حافة الخليج ومن إرتفاع عال والمياه بالأسفل عميقة فككنا البريمة ودفعنا بها حتى سقطت من أعلى الهضبة الصخرية.

     شاهدت الفرحة على وجوه رجال البترول الثلاثة ثم أشاروا إلينا بالعودة إلى فتحة البئر وقمنا بدفع الرمال بداخل الفتحة حتى إمتلأت وأصبحت مشابهه للأرض المحيطة بها ، عاد الرجال إلى الحجرة التى فتحوا بابها عنوة وأحضروا  بعض المعدات وحملناها على ظهور الجمال وتبين أنها ثقيلة الوزن على ظهور الجمال ، الحمد لله لقد أنجزنا تلك المهمة تحت قيادة المهندس عزيز.

      بعد إنتهاء زيارتي لعائلة تراجي أبو إسماعيل لم أتخذ الطريق المعتاد الذي يصل بى إلى مركز المساعدات عائدا لعملي وبيتي بين أجولة الدقيق ، بل توجهت إلى السرداب الذي أخبئ به السلاح "البندقية القناصة" للإطمئنان عليها وإجراء النظافة المعتادة حتى يظل السلاح مستعداً للعمل ، قضيت ساعتين مع سلاحي منهمكاً فى نظافته والتمتع بمشاهدته ، لقد ساهمت تلك القطعة بإدخال البهجة والسعادة إلى قلبي وأشعرتني بأنني رجل ؛ بل  ورجل مقاتل ، أنني لم أقتل جاستون من أجل عيون رحيل ولكنى قتلته لأنه عدو قتل العديد من أبناء وطني.

    أستعد لوضع السلاح فى الجراب المعد له والذي يحميه ، لا أعرف لماذا قمت بتجربة أخيرة بالنظر بداخل التلسكوب ، تلك النظرة لن أنساها أبداً ، من حين لآخر كنت فى حيرة وأتساءل: هل أراد الله أن أقوم بتلك النظرة الخاطفة كي أشاهد ما لم أتوقع مشاهدته ، لقد شاهدت أربعة من رجال الحدود يركبون الجمال ودورية إسرائيلية تستوقفهم متشككة فى شخصياتهم ولكن المفاجأة الهامة هي مشاهدتي لشهاب الذي كان بصحبتهم هذا الحصان الرائع الجميل ، لقد تشكك الرجال فى هذا الحصان وربطوا بينه وبين مقتل جاستون نهاية العام الماضي ؛ لقد عثروا على آثار حوافره قريبا من مكان الجثمان.

     لقد طوقت الدورية الإسرائيلية رجال الحدود الأربعة ومن سوء الحظ أنهم لم يكونوا مسلحين ، لم أنتظر أو أفكر في كيفية علاج الموقف ؛ بل تصرفت مثل تصرفي السابق حينما أطلقت النار على فرد دبابة وآخر بعربة مدرعة ، ضغطت ضغطة عصر فخرج المقذوف لهدفه فسقط أحد جنود الأعداء صريعاً ، لم أترك لهم المجـال للتفكير رغم أنني شــاهدت رجال

 

الحدود يرقدون أرضاً على بطونهم تجنبا للنيران كما حاول جنود العدو الحماية بالأرض وإطلاق النار في أي إتجاه ، لم أترك لهم الفرصة ، فلقد لحقت الطلقة الثانية والثالثة بالجنود ثم تلتهم الرابعة على التوالي ؛ حيث كانوا أهدافا ثابتة لي وأجسادهم واضحة ، بل كنت أستطيع التفريق بينهم وبين رجال الحدود الذين يرقدون بجوارهم ، لقد تم قتل أفراد الدورية وشاهدت الفرحة عن ُبعد على وجوه رجال الحدود.

     نظفت السلاح وحملته معي مسرعاً فى إتجاههم وهم بالتالي إلتقوا بى بمنتصف المسافة ، بعد تبادل عبارات التهنئة والتقدير منهم لما قمت به كان القرار لأقدمنا بالخدمة بأن نعود إلى موقع الفصيلة ، فى تلك اللحظة شاهدت شهاب يصهل ويرفع قدميه الأماميتين لأعلي ويضربهما ببعض راغباً بإعلان سعادته بأن إلتقي بى ، أثناء الطريق أخبرني الرجال بأن سبب حضورهم لهذا المكان أنهم كانوا فى طريقهم لمركز المساعدات الغذائية نظراً لأن شهاب متذمر ولم يصمت عن الصهيل والتوتر ممتنعا عن الطعام مما دفع بالشاويش إدريس إلى أن يقرر أن نرسل به إليك ، وكما لاحظت فقد هدأ بعد أن إلتقي بك وبثك بعضاً من حبه وإشتياقه.

     كم تمنيت بأن أحتفظ بقطعة من السكر كي أقدمها إليه مقابل تلك الصداقة وهذا الحب المتبادل بيننا ، قد لا يشعر شهاب بأنني أكن له كل حب وتقدير ؛ بل لا يعلم أن السبب الرئيسي لتركه مع فصيلة الحدود كان خارجاً عن إرادتي خشية الإعتداء علينا سوياً ، سلمت أحد الزملاء البندقية القناصة وركبت على صهوة شهاب الذي أسعده هذا بل ظل يقفز ويدور حول نفسه بين سعادة ودهشة الرجال.

     أسـرع الظلام بالهبوط وكان من الواجب أن نحصــل على مأوى ،

 

إستطاع الرجال بخبرتهم الطويلة أن نسلك مكاناً يتعذر على جنود العدو التوجه إليه ؛ هناك وبأحد السراديب دخلنا بالدواب وتوجه أحدهم لإحضار بعض العشب الأخضر لهم بينما توجه آخر لإحضار عشب جاف ، بدأ السامر من خلال تسخين الطعام والخبز الذي يحملونه معهم ثم تلا هذا تناول الشاي الذي غزت رائحته أثناء طهوه على النار نفوسنا فأنعشتنا وأدخلت البهجة والسعادة على نفوسنا وأجسادنا.

     رويت للرجال حادث تعرض الجنود الإسرائيليين لي حين عودتي من زيارة قبيلة أبو إسماعيل والإصابات التى لحقت بى وما قام به أمشير من تصرف بأن بال على جسدي وأنا مصاب ، ضحك الرجال وقال أحدهم أن أمشير يحبك مثل شهاب وما فعله أمشير أنه قام بعلاجك كأحسن ما يكون العلاج ، فلولا بول أمشير لكانت الإصابات تزايد تأثيرها ومن المحتمل أن يتلوث الجرح الذي أصابك ؛ لكن عناية الله كانت معك ولهذا قام هذا الجمل المشاكس بما قام به حبا فيك ودفعا من الله لعونك.

      أردد بداخلي : الآن علمت ما قمت به يا أمشير وسأقدم إعتذاري إليك وأسامحك فقد إعتقدت أنك تسخر منى وتعطرني ببولك وتجعل منى أضحوكة أمام الناس لما حدث ، لقد أصبحت صديقي ورفيقي مثل شهاب ، ظللت تلك الليلة أتمعن فى قدرة الله فى الكون والبشر والحيوانات والطيور وعلمت بأن الحياة على الأرض ليست متوقفة على بني البشر بل هناك مخلوقات تفهم وتعلم ما لا يعلمه الإنسان لأن الذي قام بهذا هو الله.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech