Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الرابع - معركه من طرف واحد

 

معركة من طرف واحـــد

 

     طلب منى العريف أبو بكر أن أتلو عليهم بعض ما تيسر من القرآن الكريم إحتفالا وفرحا وبهجة بما قمنا به مساء اليوم من قتل أربعة من الأعداء ، صفق الباقون لهذا بينما إعتدلت فى جلستي ونزعت نعلي وبدأت فى تلاوة سورة الأعلى:

(بسم الله الرحمن الرحيم)

سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) إلي آخر السورة.       أثناء التلاوة توقفت الجمال وشهاب عن مضغ الطعام ثم إقتربت الحيوانات من مكان جلوسنا ، غمر الرجال شعور بالخوف والخشية من قدرة الله الذي جعل تلك الدواب تفهم وتعي ما يقرأ من قرآن ومن معان سامية ، إقترب منى أمشير ومسح بطرف فمه بظهري كأنه يدعوني لأن أكمل باقي التلاوة وألا أتوقف ، نفذت رغبته ورغبة باقي زملائه وزملائي فأتبعتها بسورة العصر إن الإنسان لفي خسر ..... حتى نهاية السورة ؛ مازالت الدواب فى حالة من النشوة التى كنت أشعر بها قبل هذا مع أمشير ثم سار على نهجه شهاب وفى بعض الحالات السيدة ناقة ، غمر الرجال الراحة والسرور وبدأت التعليقات الفكهة تخرج من الأفواه الطيبة ، خلدنا فى نوم هادئ بعد أن شملت السرداب البركة بذكر الله وحمده من البشر والحيوانات التى ذكرت بالقرآن "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ... " ثم ناقة صالح والتى عقرها الكافرون.

      صباح اليوم التالي تركت أمشير فى ضيافة أبناء الحدود العائدين إلى مكان تجمعهم حيث طالبهم أبو بكر بأن يسلك كل واحد منهم طريقا لأنه من

المؤكد أن العدو سوف يبحث عن قاتل جنوده حيث كنا نسمع أصوات الطائرات الهليكوبتر تبحث أثناء الليل عمن قام بهذا العمل ، كما طالبني أبو بكر بتوخي الحذر والحيطة؛ بل طلب منى ترك شهاب معهم خشية تعرف الأعداء عليّ وحينما سألت شهاب بأن يظل برفقة زملائي أعلن إحتجاجه بعدة ضربات بمقدمة قدمه اليمنى الأمامية ولف رقبته بعيداً كأنه راغب بألا يراني.

    قبلت رأسه وطلبت بعض السكر من رباح فأعطيتها له فأسعده هذا فحرك رأسه يمينا ويسار بجوار رأسي كأنه يقدم شكره وتحيته وأنه مازال مصمما على مرافقتي ، لم أجد غضاضة من تنفيذ رغبته وأنا أعلم مقدار سعادتي بوجوده معي ، كنت أشعر معه بأنني فارس حقيقي ، بل كنت أشعر بمعني كلمة فهد الليل التى أطلقها الشاويش إدريس على شخصي بعد أن كانت اسما يطلق على فصيلة الحدود فقرر الرجال بأن من يستحق هذا اللقب وهذا الاسم الجندي صابر أو الجندي سابقا صابر.

      ودعت الرجال وسلكت طريق العودة لمركز المساعدات الغذائية ، بعد أن قطعت مسافة تقدر بنصف المسافة المتبقية إلى مكان المركز فجأة شاهدة عدة طائرات هليكوبتر تظهر من خلف إحدى هضاب الجبال الجرانيت قريبا من ممر السير ، ظهر أحد الرجال من باب الطائرة طالبا منى التوقف وعدم الحركة وإلا سوف يطلقون النار عليّ فى الحال ، كنت أعلم إجرامهم فى تلك الأمور كما أننى كنت أخشي على شهاب، توقفت وهبطت من فوق ظهر شهاب وأثرت فى إذنه " إرجع لزملائي وأشرت له بأصابعي العشرة " نظر إلىّ نظرة عتاب وكأنه يتساءل : أيعقل أن أتركك بمفردك فى هذا الموقف؟

   أشرت له بما يعني قطع رقبة ، أعيد عليه الحركة بيدي على حافة الرقبة،

 

قطع رقبة ، هبطت الطائرات من حولنا وفى تلك الأثناء كانت العواصف الرملية تغطي المكان فضربت مؤخرة شهاب بيدي صائحا " بسرعة على زملائي" ، لم أشاهد أثرا لشهاب وسمعت أصوات حوافره ، سمعت طلقت الرصاص تدوي فألقيت بجسدي أرضا حتى توقف إطلاق النار ، بعد أن إنقشع الغبار وقفت رافعا يدي لأعلى مما أسعد الجنود بأنهم أوقعوا بى ، إقترب منى أحدهم وسألني عن اسمي وعملي وأين أسكن ، أجبته بوضوح مما دفعهم لعدم الإعتداء عليّ وربطوا يدي بحبل مصنوع من البلاستيك وأخذوني بصحبتهم على إحدى الطائرات.

     بمركز المخابرات العسكرية بمدينة العريش تعرضت لإستجواب وراء إستجواب دون تأثير على شخصي تحت التهديد الذى إنتقل إلى الفعل ، لقد تلقيت كل صنوف التعذيب سواء من النوم أرضا فوق بلاط أسمنتي فى برد شهر يناير والأجساد تتجمد بها الدماء أيضا من إنخفاض درجة الحرارة ، لا أعلم كيف أفادتني قصص وروايات الأقدمين خاصة الصحابة ومن هم في صدر الإسلام ، تذكرت سيدنا بلال بن رباح وما كان يتعرض له ، كانت تلك الروايات تشد من عزمي لدرجة أن البرودة الشديد تخلت عني وصاحبها دفء عام بالجسد ، بل أتى جنود المعتقل صباح اليوم وهم متأكدون من أننى قد لاقيت ربي متجمداً من البرودة فشاهدوني على أحسن ما يكون ، إستكملوا تعذيبهم لي كي أعترف على من ساعدني لقتل جاستون أو الجنود الأربعة الذين ماتوا الأسبوع السابق.

     ظللت أتنقل من يد لآخري ومن عذاب لآخر وأنا مازالت صامداً ، لن أستعرض بطولة قمت بها خلال ذلك ورغم فظاعة العذاب لكن كما قلت كانت ذكري قصص الأجداد العظام فى صدر الإسـلام ذات أثر قوي عليّ

 

مما جعلني لا أخضع لأي نوع من الإبتزاز بأنهم سوف يفعلون بى كذا وكذا  لقد أصبحت لا أشعر بأي عذاب بل شعرت بأن جسدي تبلد ونحس كما يقول العامة ولم أصرخ أو أشعر بألم حينما يقبلون بالمسامير الكبيرة المنصهرة ويدفعون بها فى جسدي فى أماكن مختلفة رغم أننى كنت أشم رائحة شياط الجلد من حرق البشرة الخارجية والشحم أسفلها ثم رائحة شواء اللحم.

     لا أعلم عدد ما قضيته من أيام ولكن ذات يوم وكنت جالسا أنظر حولي وأنظر لجسدي والآثار الظاهرة الواضحة من أنواع العذاب المختلفة وبالأخص ثقوب المسامير التي تقيح بعضها والبعض الآخر مازالت الدماء تنزف منه قطرات واللكمات التى على وجهي والضربات التى نزلت على مؤخرة ظهري بأعمدة خشبية غليظة وأعتقد أن البعض منه مزود بمسامير كانت تلهب بدني وحين ترفع عيدان الأخشاب الغليظة تلك من فوق ظهري فى كل مرة كنت أشاهد قطرات الدم تتساقط منها ، تلك الآلة هى التى كانت تشعرني بكثير من الألم ولم تنفع معها ذكري أبطال صدر الإسلام من بلال وعمار بن ياسر وغيرهم ، لقد كانت مؤلمة بدرجة شديدة.

   

    فى ذلك اليوم كنت أنظر إلى نتائج التعذيب شممت رائحة لا أستطيع أن أنساها ، ولا أنسي صاحبها ، ثم سمعت صوت صاحبها ، فى كل مرة كنت أشعر بأن قلبي يتحرك فرحاً وسعادة كأن طفلا فقد فى بلدة غريبة وجاءت أمه كي تأخذه لحضنها وتعطيه من حنانها وعطفها وعنايتها ، لقد أقبلت رحيل ، شممت رائحتها وشعر قلبي بقربها وسمعت صوتها العذب ثم شاهدتها عيوني التي شاهدت وقاست العذاب طوال تلك الفترة والتى علمت أنها تعدت الستة أسابيع ، لقد ظللت فى هذا المعتقل شهرا ونصف شهر.

 

     ُفتح الباب ومجرد أن شاهدتني مكورا بأحد أجناب غرفة الحبس رديئة التهوية ورائحتها تزكم الأنوف لم تتعرف عليّ وسألت السجان : هل هذا صابر خادمي الذي يعاون جيش الدفاع؟ ، الذي أنظر إليه الآن لا ينبئ عن صابر ، أكد لها الحرس بأن هذا هو صابر الذى كنا نعتقد بأنه أحد عناصر الإرهاب بسيناء ولكن تبين لنا كذب هذا الإعتقاد لأنه يعمل عندك وهو عبدك المخلص كما تقولين.

     تجيب علي حديثه: لولا شعوري وقلبي الذي يدفع بى بأنه صابر لما تعرفت عليه ، إنحنت علىّ تساعدني على النهوض وقبلتني كما كانت تفعل  شعرت لحظتها بحنان الأم والشقيقة والحبيبة ، مهما كان الإنسان يخالفك فى العقيدة لكن الله خلقنا على شاكلة واحدة من العطف والحب والحنان وبالأخص النساء ، بكيت على كتفها وهي تحتضن هيكلي العظمي سيئ الرائحة والشكل والملمس ، كانت تهدهد على كتفي والبكاء يلازمها وأثناء هذا أقبل مدير المعتقل متسائلاً بدهشة : كيف يا سيدتي تبكي على حال هذا الهمجي الكافر الإرهابي ، نظرت إليه ومازالت رأسي على كتفها وجسـدي يرتعد من الضعف والهزال ؛ أجابت على سؤاله: كابتن موردخاي .. لو قرأت بعض تعاليم التوراة التى جاءت على لسان نبي الله موسي لما قلت هذا  لو تفهمت روح الديانة اليهودية التى أنزلها الله من السماء لما قلت هذا: كابتن موردخاي .. أعد سيارة تقلني أنا وهذا الحبيب الذي أعتبره أخي الأصغر وونيسي وونيس ابني هارون ، السيارة تنقلنا إلى مركز المساعدات الغذائية وأنا لي شأن آخر عما قمتم به من تعذيب يخالف القوانين الدولية.

     ظـهر الغضب والضيق على وجه الرجل وأســرع بإصدار تعليماته بإعداد سـيارة إسـعاف من سـيارات جيش الدفـاع كي تنقلنا إلى مركـز

 

المساعدات ؛ أثناء إعداد السيارة أقبل طبيب المعتقل وقام بعلاج أولي لكل الإصابات التى لحقت بى وسلم رحيل بعض الأدوية طالبا منها مداومة العلاج وتطهير الجروح حتى لا أصاب بالغرغرينا القاتلة ، قدمت رحيل الشكر له ؛ تحركت بنا السيارة وأنا مازلت نائما على السرير بداخلها ورحيل تجلس أرضا تمسك بيدي تشد عليها ومن حين لآخر تقبل يدى باكية مرددة بأنها السبب فيما حدث لي.

      وصلت بنا السيارة إلى موقع مركز المساعدات ، وإستندت على كتف رحيل بينما غادر السائق المكان عائداً لوحدته دون تقديم الواجب الإنساني بالمساعدة مما دفع رحيل إلى توجيه السباب له ولجيش الدفاع ، توجهت بى إلى الحجرة المخصصة لإستقبال الضيوف والتى سبق وأن إستقبلتني قبل هذا لمدة ثلاثة أيام فى أول لقاء مع رحيل ، بهدوء ساعدتني على راحة جسدي وإختفت قليلاً وأحضرت لي ملابس زوجها المتوفى موشيه والتى كنت مشمئزا من إرتدائها بعد ما شاهدت منه يوم الوفاة ، عاونتني رحيل على إستبدال ملابس المعتقل بتلك الملابس ، صرخت لأكثر من مرة حينما كشفت عن جسدي أمامها وشاهدت آثار التعذيب البدني والذي لم يخلُ أى جزء منه من آثار التعذيب.

      أحضرت الطعام والشراب ثم أقبل هارون ولدهشتي شاهدت تراجي تقف معه ثم علمت منها أنه حينما تأخرت على زيارتهم حضرت كي تطمئن على حالي وكان بصحبتها شقيقتها بثينة الأصغر منها فأخبرتها رحيل بأنه نمي إلى سمعها نبأ أسري من قبل الأعداء ورجتها أن تظل مع طفلها طيلة نهار الــيوم حتى تعمل كل ما تسـتطيع للإفراج عنى ، وافقتها الفتاة بينما عادت شقيقتها بثينة بالجمل لتخبر أسـرتها كي تطمئنهم على حالها.

 

   كانت سعادتي مزدوجة ، لما يمثله لي هارون من حب ملائكي وطفولة بريئة لا أستطيع وصفها وبالأخص حين كان يجلس على ساقي يمسك بتلابيبي معانقا مقبلاً خدي بشفتيه الصغيرتين الرقيقتين ، أقبل الطفل مسرعا وقفز على ساقي دون الإنتباه لتحذير أمه ، مسح بيده الرقيقة الناعمة على وجهي ثم أخفي وجهه ناحية كتفي باكيا بصوت مرتفع مما أثر علينا نحن الثلاثة ، لقد شعر الطفل بحالي ومأساتي ولم يجد أمامه سوي وسيلة الإحتجاج التى وضعها الله فيه وهي البكاء والصراخ.

     نجحت رحيل وتراجي فى إبعاد أي ضيق أو حزن عن هارون بالحديث معه ببعض الكلمات الطيبة وبعض قطع من الحلوى مما ساعد علي أن يفارقه العبوس والضيق وظل جالساً بجواري أنظر إليه لأكتشف أن الله خلق الأطفال كي تسعد البشرية ، إستلقيت بجسدي غير قادر على الحركة ، بعد قليل أقبلت تراجي حاملة طعام خفيف كي أتناوله ، بنظراتها الرقيقة وبسمتها البهية التى طالعتني بها تناولت طعامي دون أن أنبس بكلمة ، بعد قليل عادت تخبرني بأنها سوف تغادر المكان عائدة لأسرتها وسـوف تواليني من حين لآخر ، أشرت إليها بأخذ "البركة" الجمل الحليم فشكرتني على هذا وعلمت فيما بعد أن رحيل حملتها بعض الهدايا من المؤن لأسرتها والتى أسعدت تراجي بالتأكيد.

***

        أثناء جلوس إدريس شاهد الفرس شهاب ُمسرعا فى إتجاهه وصهيله القوي يسبق خطواته ، بدي على الفرس الإنزعاج وتساءل إدريس أين باقي الرجال؟ لم يجب شـهاب ولكنه رفع أقدامه لأعلي ثم قفز ناحية الطــحين وصهل بشدة ، توتر الرجال راغبين فى حـل هذا اللغز دون جدوى ومازال

 

شهاب ثائراً حانقاً ، لم يبال بالطعام أو قطع السكر التى أهديت له ، بعد ساعة زمن من وصول شهاب أقبل الرجال الذين أرسل بهم إدريس إلى صابر كي يسلموه شهاب نظراً لرغبته بالعودة إليه ، أسرعت إليهم موضحا الأمر ، دهش الرجال وتساءل أحدهم: كيف حدث هذا يا بلال؟ شرحت له ما حدث من شهاب منذ قدومه حتى الآن ، أوضح الرجال للشاويش إدريس ما تم وما قام به صابر من قتل أربعة من رجال العدو ، صمت إدريس قليلاً ثم ردد بأن صابرا إما قتل أو تم أسره ، ثم رفع يده لأعلى بدعاء لله " اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه " أشار إلينا إدريس بأن نقوم بالصلاة من أجل صابر بأن يتقبله الله شهيداً لو لقى مصرعه أو أن يخفف عنه عذاب الأسر.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech