Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الرابع

 

كتبها على لسان أبطالها

أســامة على الصــــادق

.....

الطبعة الأولى .. مارس 2012

الناشر: الكاتب

.....

تصميم الغلاف: ريهام سـهيل

.......

حقوق الطبع محفوظة للكاتب

موبايل: 01227970032

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

رجال داخل الحصار

   

      بعد أن غادر صابر موقع الفصيلة سمعت صوت إدريس ينادي علىّ: رباح ؛ أسرعت إليه فشاهدته جالسا محملقاً بنظارة الميدان التى وصلت إلينا قبيل إندلاع الحرب ، بصوت واضح مرتفع قال:

ـ رباح ؛ إجمع كل الرجالة اللي خاليين من الخدمة وكمان ضيوفنا بتوع البترول ، أسرعت لتنفيذ تعليمات إدريس ، لم تمض عشرة دقائق إلا وكان الرجال قد أقبلوا وجلسوا مواجهين لإدريس الذي طلب من زميلنا جعفر إعداد بكرج "براد" الشاي.

     إيه يا رجالة ، بجالنا خمس تشهر بعيد عن أهالينا من يوم ما جامت الحرب لا حس ولا خبر ، لا هم عرفوا حاجه عنا ولا إحنا نعرف أيتها حاجه عنهم وكمان مانعرفش الحكومة بتسلمهم الراتب الشهري ولا لأ؟ بعد هذا صمت إدريس قليلاً ، تحدث العريف أبو بكر:

ـ إدريسا : إعتبرنا فى عداد الأموات أو الشهداء اللى بنسمع عنهم فى الراديو ، يعنى دول ح يجوموا يستفسروا عن أحوال ناسهم ، إتركها لله .. الجميع: الحمد لله

ـ كلامك زين يا أبو بكر ، دلوجتى يا رجاله عايزين نفكر نعمل حاجه تنفع البلد وتضر العدو ومش تحطنا فى موجف صعب زى اللى وجع فيه الجندي صابرا وإلا بلاش الجندي ما هو مش تبع الجيش ، الولد صابرا جام وعمل عملية واعره ومهمة وفيها جتل المجرم "جاستون" بتاع المخابرات الإسرائيلي وزى ما إنتوا شاعرين العدو عمال يدور على اللى جتله والولد صـابرا عمل زين إنه جاب الفرس حدانا لحد من العدو يعرفه ويخلصـوا

عليه، فكروا شويه فى حاجه نعملها عشان ننتجم من المجرمين الإسرائيليين.

ـ أبو بكر: عرفنا الولد صابرا إن الطحين حدانا جرب يشطب ، والله الولد ده جدع وجايم على مصلحتنا وبيحارب لوحده ، ربنا إمعاه ، وعشان كده خبرنا بأنه ح يسيب تموين الشهرين بالمنطجة اللى اليهود حبسونا فيها عند جبل الحلال من كام شهر والكلام ده ح يكون فى نص الشهر العربي عشان الجمر وهو خايف يجيب الحاجه لوحده تجوم الديابة ولا الضباع تجابله وتخلص عليه وعلى الجمال لكن إحنا عزوه وعندنا خبره فى الموضوعات اللى زى كده.

ـ إدريس: ربنا يوفجه ، عرفته ح يجيب جد إيه؟

ـ أبو بكر: هوه جال إنه ح يبعت شوالين طحين كبار وشيكارتين سكر وصندوجين شاي وصندوج بن وعبوتين سمن وتلات عبوات زيت وعبوتين لبن جاف.

ـ المهندس عزيز ميخائيل: سبق إنى كلمتك قبل كده يا شاويش إدريس بأن البريمة الموجودة بموقع البترول لو طلعناها من الحفرة وردمنا المكان ح تكون العملية دية مؤثرة لو الإسرائيليين حبوا يشغلوا البريمة عشان يطلعوا البترول ، طبعا فيه بير إسترشادي جنب البريمة لكن بتروله ضعيف وغير إقتصادي وطبعا مش ح يقربوا منه لأنه مش ينفع.

ـ إدريس: طيب البير الإسترشادي اللى بتجول عليه فيه بترول ، يعنى ممكن نجيب منه جاز ولا سولار؟

ـ عزيز: ده فيه بترول خام ، يعنى لا ينفع جاز ولا بنزين ولا سولار لكنه ممكن يشتعل ولونه أسمر وتقيل لأن عليه القطران لسه ومش تكرر.

ـ إدريس: إيه خطتك اللى أنت جلت عليها من كام يوم؟

 

ـ عزيز: نرفع البريمه من موقع البير ونردمه بالرمل وناخد البريمة ونرميها بالبحر والمسافة قريبة حوالي مائة متر ، وممكن الجمال تساعدنا بقوتها سواء لرفع البريمة أو لسحبها ورميها بالبحر ، كمان فيه معدات مهمة بالموقع وربنا يعمي اليهود عنها، وعايز نجيب أكبر كمية من المعدات عشان كده فكرت لو تبعت كام واحد معايا ونروح هناك ونستكشف المنطقة ونشوف أحوالها إيه.

ـ إدريس: موافج ، الطيب وجعفر وآدم ح يروحوا معاك وطبعا رجالتك معاك؟

ـ عزيز: أيوه ، بس ح نروح قبل الغروب عشان محدش يشوفنا

ـ إدريس: كلامك زين وطيب ، أنا موافج والرجاله اللى سمعوا اساميهم ح ينضموا للباش مهندس عزيز وتاخدوا جمال جويه ومرتاحه وسلاحكم معاكم، خلاص كل واحد يروح يرتب نفسه.

***

    بعزبة رضوان باشا بأنشاص أصبحت أسرة صابر تجتر أحزانها على هذا الشاب الذي فقد حياته دون معرفة مثواه الأخير كما لم تمنح الحكومة المصرية أسرته أي تعويض أو معاش وأصبحت الأسرة مكبلة بالعمل وبدأ البعض يتناسى تلك الأسرة وعكفت البنات مع أمهن على العمل بداخل العزبة خاصة بعد مرض زوجة الباشا التى كانت رحيمة بتلك الأسرة ؛ فلم تستطع أثناء مرضها متابعة أحوالهم كما قامت زوجة ابنها الأكبر بإختيار أحدى شقيقات صابر للعمل كخادمة لديها وتلي هذا إختيار الشقيقة التالية وأرسلت بها كخادمة لدي شقيقتها بالقاهرة ولم يتبق سوى الصـغيرة وأمها

التى حزنت على فقد ابنتيها ولم تعد تشاهدهما أو تسمع أي أخبار عنهما ولم

 

تعد قادرة على بث شكواها للسيدة الكبيرة التى لازمت الفراش حتى قابلت ربها فى بداية عام 1968 ثم تبعها رضوان باشا فمرض هو الآخر وسكن الفيلا يحيا تحت إشراف الطبيب بينما إنشغل علاء ابنه فى الإشراف على مكتب المحاماة الذي يمتلكه رضوان باشا الذي أقعده المرض عن متابعة نشاطه.

     حاولت ريهام أثناء زيارة العزبة تقديم يد العون للأسرة ولكن مجهودها كان قليلاً فى مواجهة شراسة زوجة شقيق علاء الأكبر ، والمساعدة التى قدمتها لا تخرج عن الكلمات الطيبة والمواساة ، غادرت منزل أسرة صابر حزينة لما آل إليه حالها ؛ فقد بات واضحا الحزن والفاقة التى تحيا بها الأسرة بعد فقد عائلها صابر ؛ أما عن عم صديق فقد أصبح فى حالة من الإنزواء لفظاظة عصام بك ابن الباشا الأكبر فى تعامله معه ومع باقي العاملين بالعزبة وطغي على الجميع حالة من الضيق والحزن والبعض هجر العمل بحثا عن عمل آخر بعيداً عن عزبة رضوان باشا من سوء المعاملة.

***

    ظل الإسرائيليون طوال شهر ديسمبر من عام 1967 يبحثون عن من قتل جاستون وألقوا القبض على العديد من أبناء سيناء كمشتبه بهم ثم أفرجوا عنهم بعد عدة أيام ، أثناء متابعتي لحالة الجمال أقبل إثنان من مكتب المخابرات العسكرية الإسرائيلية لسؤال رحيل عن الشخص التى تتشك فيه وقد يكون أقدم على هذا العمل ؛ وأثناء الحديث شاهدت أحدهما يشير ناحيتي، أهملت تلك النظرات وظللت مشغولاً بإطـعام الجمال وتســاءل

 

أحدهما: من المحتمل أن يكون هذا البدوي قد قدم يد المسـاعدة لأحـد المخربين.

   نفت رحيل ذلك مؤكدة بأن هذا الشاب يحترم جاستون لما كان يقدمه له من منحه ببعض العملات النقدية كمساعدة له نظرا لأنه فقير مما دفع بالإثنين للضحك لما يعلمانه من بخل جاستون ، فى اليوم التالي أقبل ثلاثة رجال آخرون وتحدثوا مع رحيل ثم أقبلوا ناحيتي وطلبوا منى إصطحابهما إلى ملجأ "زريبة" الجمال ؛ هناك تفحصوا روث الجمال وأعتقد بأن طبيبا بيطريا كان بصحبتهم ، بعدها أشار إلى الآخرين بأنه لا يوجد شئ غير عادي.

    هكذا إبتعد عنا الإسرائيليون ولكن رحيل التى تعلم طباعهم وعاداتهم حذرتني بأنه من الجائز أن يعودوا لمفاجأتنا بالتفتيش ومن أجل هذا يجب أن يظل شهاب بعيداً تلك الفترة لمدة لا تقل عن ستة أشهر ، أحزنني هذا الحديث ؛ حيث كنت فى شوق إلى شهاب ؛ لقد فهم وإستوعب الكثير مما أقوله رغم أننى كنت أجزل له العطاء بقطع من السكر والتى كانت تسعده.

     بداية العام الجديد 1968 ، كنت جالساً أمام الباب الخارجي للمستودع كي أكتسب بعضاً من أشعة الشمس التى أدخلت الدفء إلى جسدي الهزيل حيث أن مخزن الدقيق تشع البرودة من داخله لعدم دقة إحكامه حيث أن التصميم يسمح بفتحات تهوية تغطيها أسلاك دقيقة مانعة لتسلل الفئران أو الثعابين والسحالي ، شعرت بتخدير فى أوصالي وخبأت رأسي بداخل العباءة ورحت فى سبات ، تنبهت على صوت أنثوي يحادثني:

ـ صباحك خير ؛ أريد أخد حصة تموين هذا الشهر

ـ أهلا وسهلا ، معاكي بطاجة الصرف

 

ـ أيوه إمعاي بطاجتين ، واحدة لنا والتانية تبع أمي رشيدة "الخالة" لأنها بعافيه وعدمانه "مريضة".

    برك الجمل بالفتاة ، الفتاة لم تتعدي الثامنة عشرة ، يميزها جمال طبيعي أخاذ وبالأخص خدودها الحمراء من شدة البرد ، طلبت منها الجلوس بأحد ثنايا المدخل القريبة من الباب الحديدي تجنبا لشدة الرياح الباردة ، إقتربت منى وجلست ولاحظت أنها تخرج زفيرا من فمها بداخل كفيها المتشابكتين كي تشعر بالدفء.

   أسرعت إلى الداخل وأعددت كوبان من الشاى وخرجت وجلست قريبا منها وناولتها كوبا أمسكت به بكلتا يديها راغبة فى الدفء ونظرت إلىّ نظرة هادئة وشكرتني بكلمات رقيقة ، بعد أن شاهدت البطاقتين أخبرتها بأن تموين كل أسرة يحتاج إلى جمل ، جمل واحد لا يكفي ، أجابت بأن والدها ألقي القبض عليه منذ عشرة أيام من قبل سلطات الإحتلال ؛ كما أن خالتها لديها أطفال صغار وأكبرهم فى العاشرة من العمر ولهذا وقع علىّ الإختيار ؛ تحدثني:

ـ ربنا يخليك ، تصرف مستحقاتنا حتى أستطيع الوصول إلى الدار قبيل نزول ظلام الليل وما يفاجئنا من حيوانات وضواري وقطاع طرق.

    أخبرتها بأن كل أسرة سوف تصرف جوالين دقيق بالإضافة إلى شكارتين من السكر وصندوقين للشاي وآخر بن وأربعة علب مسلي وأربعة زجاجات زيت طعام وثلاث عبوات لبن جاف وعبوتين خام كاكاو وهذه حمولة جمل وبعد تلك الحمولة لا يستطيع أحد إعتلاء ظهره لأنها حمولة كبيرة ؛ لو أضفنا مستحقات الأسرة التالية بنفس الكميات فأين نضع تلك الحصص التى سوف تقومين بصرفها.

   هدأت وصمتت وأنا أيضا لم أتحدث محاولاً التفكير ولم يستطع تفكير كل

 

منا أن يصل إلى حل معقول لعلاج تلك الحالة الإنسانية ، فجأة سمعت أصوات تهف قريبا وشاهدت السيدة العجوز مقبلة فوق الجمل ؛ وقفت أمامي ونظرت إلىّ صامتة لفترة حتى أن الفتاة صاحبة المشكلة توقفت عن تناول الشاي راغبة فى معرفة ما ترغبه تلك العجوز التى تكلمت بكلمات قليلة واضحة معبرة مؤثرة.

ـ الحظ جه لحد عندك ، جوم وساعدها يا صابر ، وخلى شهاب فى مكانه مع أصحابك لأن اليهود لو شافوه ح يجتلوه ويجتلوك ، فاهم ، ساعد تراجي، إنتفضت الفتاة وتساءلت:

ـ إنتي تعرفي اسمي؟

ـ تراجي أبو إسماعيل ، عرفاكي لكن إنتى ماتعرفينيش ، لسه جاعد يا صابر؟ ، إدخل إصرف كل حاجه لها ومعاك جملين جوه وروح معاها وتعالي بكره بعد ما تكون جدمت خدمة للعيلتين الغلابا.

     تركتنا السيدة وأسرعت بالجمل تسابق الريح وإرتسمت الدهشة على وجه الفتاة وأنا أيضا ، أسرعت بالدخول إلى داخل المستودع وقمت بصرف مستحقات كل أسرة ، مستحقات أسرة الفتاة وضعتها فوق ظهر الجمل "أمشير" أما مستحقات خالة الفتاة فوضعتها فوق الجمل "البركة" ، شاهدتني الفتاة أغادر البوابة الحديدية بالجملين محملين بالحصص التموينية ، شاهدت فرحة وسعادة لم أشاهد مثلها من قبل ، أحضرت الدفتر ووقعت أمام أرقام البطاقتين كما أشرت بداخل البطاقة بأن الأسرتين صرفتا حصة الشهرين المتبع تنفيذها.

    أسرعت للداخل وحفظت الدفتر وأخبرت رحيل بأنني متوجه لخدمة إنسانية مع فتاة وحيدة بالجملين أمشير والبركة وسوف أعود قبيل الغروب أو

 

بالغد صباحا ، طلبت منى غلق البوابة الخارجية ، أسرعت بمغادرة المستودع وأغلقت بابه الحديدي الخارجي وطلبت من الفتاة أن تركب جملها التى حضرت به ، فى البداية تمنعت ولكني طلبت منها ركوبه حتى نغادر المكان ونصل لأسرتها فى الموعد ، كنت أسير على قدمي خلف الجمال المحملة بينما الفتاة تمتطي ظهر الجمل حيث كنت ألاحظ السعادة والفرحة على وجهها ، حينما سألتها عن المسافة أخبرتني بأنها تتعدي العشرين كيلومتر ولهذا واصلنا السير فوصلنا المنطقة التى تقيم بها أسرتها بعد صلاة العصر كما عرفت هذا من أفراد القبيلة.               

    كان إستقبال أسـرة الفتاة طيباً للغاية ؛ أسرعت الفتاة بالترحيب بى والثناء على ما قمت به وتجشمي عناء السير تلك المسافة مع هبوب العواصف الرملية الباردة ، قدموا لي الطعام والشراب ، رغبت بمغادرة الموقع ولكنهم طلبوا مني الإنتظار حتى الصباح تجنباً لحدوث أمطار مفاجئة قد تضر بى وبالجمال ، سهرت تلك الليلة مع الأسرتين المتجاورتين وتبين لي بأنه لا يوجد رجال أو شباب ؛ فالجميع إما فى المعتقل أو مكلفين بتقديم يد العون لجيش الإحتلال فى صورة أبنية وإنشاءات تقام ، كانت الفتاة التى أقبلت لصرف مستحقات الأسرتين والتى أخبرتني السيدة العجوز بأنها تدعي تراجى هي كبري شقيقاتها ولها خمسة من الأشقاء ما بين ذكور وإناث ، وهذا حال أسرة خالتها.

    سهرت مع الأسرتين حتى منتصف الليل وكانت السعادة واضحة من كمية الطحين المضاعفة التى قمت بصرفها حيث أنني قمت بصرف أجولة دقيق زنة 100 كيلو جرام بدلاً من أجولة زنة خمسين وهذا سوف يساعد الأسرتين أن تحييا دون خوف ، لقد وقعت فى هذا الخطأ دون إرادتي وأعتقد أنه نابع  من حالة الإستعجال التى لبستني.   

  

   نهضت صباح اليوم التالي وأنا فى حالة نفسية طيبة لما كنت أشعر به من تقديم يد المساعدة لهاتين العائلتين ، أيضا تذكرت السيدة العجوز التى أصبحت كقدري ومازلت أشحذ فكري عمن تكون وما هي حكايتها ومن أين تلك المعلومات التى تعرفها ومن أين تحصل عليها؟ تناولت طعام الإفطار مع الجميع وتبادلنا أطراف الحديث وعلموا إنني من أبناء مطروح والتى لم تكن لهم معرفة بها.

     تفرق الجميع ، الكبار لشئون الدار والأطفال للعب واللهو بينما ظلت تراجي تجالسني مرحبة بى، لا أعلم كيف هاجمني شعور طيب جميل، لقد لبست ثوبا رقيقا من السعادة يقطر عطراً جميلاً شجيا ، ذاب الوقت بيننا ولم أع إلا وتنامي إلى سمعي صوت آذان الظهر من راديو صغير لديهم ، نهضت مغادراً ، أرادت تراجي أن تستبقيني بعض الوقت ولكنى أقنعتها بأنني مكلف بعمل ، إبتسمت مرددة بأنه من الواجب عليّ ألا أكرر الخطأ الذي وقعت به أثناء عملي مثل ما قمت به معها ، أعقب هذا ضحكة هادئة ونظرت إلى الأرض خجلاً ، إقتربت منها وأسررت بأذنها بأن الإنسان يولد مرة واحدة ، شعرت بأنها فى غاية السعادة والنشوة رغم صمتها وخجلها الذي بات واضحا حتى أن أمها شاهدتنا فأقبلت باسمة مستفسرة منا ماذا يدور بينكما يجعل الضحكات والبسمات تشاهد بالعين ولا تسمع بالأذن؟ لم تحصل على أي إجابة ، قفزت فوق ظهر أمشير مودعاً ، أسرعت تراجي خلفي مرددة ، ما تعوج ، ما تعوج إحنا من غير رجاله!

    إكتشفت الآن بأن ورائي مهمة سامية وهى زيارة الأسرتين من حين لآخر ورعاية مصالحهما وتقديم يد المساعدة لهما ، كنت أركب الجمل ولسعات البرد وحبيبات الرمل تهاجمني ولكن السعادة هي حالي ، لقد تيبست

 

الأطراف لكن القلب كان دافئا يطرب من صوت الهـواء وصفيره ولسعات البرد المؤلمة ، سرحت فيما سمعت ورأيت من تراجي وشعرت بأن هناك حباً ولد بديلا لحب ريهام الذي ذبل أو قضي عليه بعد الحرب ، لقد فتح الله لي نافذة طيبة من حب البشر المتمثل فى تلك الفتاة الجميلة.

      تنبهت على صوت طائرة هليكوبتر تقترب مني ثم هبطت على مسافة مائتي متر تقريبا ، غادرها خمسة جنود مدججين بالسلاح ، أسرعوا مبتعدين عن الطائرة يحنون أجسادهم للأمام لما تقذف به من هواء يثير الرمال من حولهم ، أشاهدهم مقبلين نحوى ، آثار هذا حفيظتي وأصابني التوتر ، توقفت عن المسير ، الجنود أمامي مباشرة الآن أحدهم رفع السلاح ناحيتي والماسورة مصوبة نحو وجهي ؛ شعرت أننى ملاق الله فى الحال ولن ينقذني من قسوتهم سوي معجزة إلاهية.

    بلغة عربية ركيكة أمرني الجندي بالهبوط من فوق ظهر الجمل ، برك الجمل وقفزت من فوقه أرضا ورفعت يداي لأعلي ، إقترب مني أحدهم يفتش ملابسي وحين لم يعثر على أي شيء غير عادي سألني عن وجهتي فأخبرته بأنني متوجه لمركز المساعدات الغذائية ، أحدهم إرتاب فيما أقول وأقبل ناحيتي وضربني على جانب رأسي بدبشك البندقية فسقطت أرضاً ، سمعت صوت أمشير فأسرعت بالنهوض والدماء تغلف رأسي وأمسكت بالحبل خشية أن يهاجم الجنود ويقتلوه كما حذا حذوه الجمل الآخر البركة ، كان أمشير هائجاً رغم إصابتي كنت أربت على رقبته وهو مازال هائجا وكاد أن يرفعني لأعلي ويقفز بى أرضاً ، حين شاهد الجنود هذا المنظر أسرعوا بالفرار وإستقلوا الطائرة عائدين إلى المعسكر.

      ركبت فوق ظهر أمشير وكنت أهدهد عليه من حين لآخر ، شـعرت

 

بأنني سـوف أصاب بالإغماء ، هدهدت علـى رقبته وطلبت منه أن يبرك

" نخ" الجمل وأثناء ذلك سقطت أرضا من فوق ظهره ومازالت الدماء تندفع من رأسي ، شاهدت أمشير واقفاً يحيط بى بأرجله بحيث أصبحت أنام أسفل ظله وتحرك بحيث كنت أشاهد زيله بأعلى ولكن الغريب فى الأمر وأنا على هذا الحال إذ بأمشير يبال "يتبول" عليّ ، كانت مياه كثيرة ساخنة لكن الأخطر أنها كانت مثل الشطة الحامية حيث كنت أصرخ متألما ، بعد قليل هدأ تأثير البول وشعرت بترطيب من أثر الهواء البارد.

     تركني الجمل وبرك بجواري وأيضا الجمل الآخر بحيث حجب الجملان الهواء البارد برماله القاسية عن جسدي ووجهي ، غلبني النعاس لفترة أعتقد أنها لا تزيد عن الساعة ؛ بعدها شعرت بأنني أحسن حالاً ، نهضت وتحسست رأسي فلم أشاهد أي أثر لدماء ، حاولت مرة أخرى البحث عن دماء وتبين لي أنه لا توجد دماء ، ضحكت فى نفسي بأن أمشير بال علىّ كأنه يغسل الدماء نظراً لعدم وجود مياه ، نظرت إليه ورغم إصابتي حدثته: ـ إنت جمل نتن ، حتى وإنت بتقدم المساعدة ، تعمل فيا كده يا مقرف؟

     ترك مضغ العشب وزمجر وظهرت القلة من فمه ، ضحكت متعجبا ومتسائلاً: يا إما أنت بتفهم لغتي أو أنا بأتكلم جملي زيك ، أعقب هذا بعض ضحكات وأسرعت بالجملين عائداً إلى مركز المساعدات الإنسانية ، قطعت المسافة دون مشاكل لكن السماء كانت تنذر بأمطار نظراً للغيوم التى حجبت الرؤية وحجبت ضوء الشمس ، وصلت إلى المستودع وهبطت من على ظهر أمشير وطرقت على القطعة الحديدية التى تنبه من بالداخل بوجود أحد بالخارج راغب بأهل المكان ، شاهدت وجه رحيل الجميل من بين ثنايا الخيمة ، إختفت ثم عادت بعد أن تدثرت ببعض الملابس الثقيلة وأقبلت علىّ

 

باسمة ضاحكة مرددة "حمد لله بالسلامة" شكرتها وحين دخلت وأغلقت الباب الحديدي وسرت خلف الجملين نظرت إلىّ بقرف متسائلة عن مصدر تلك الرائحة الغير مقبولة ، ضحكت من سؤالها وأخبرتها بما قام به أمشير معي، نظرت إلىّ فى بلاهة كأنها غير مصدقة حديثي ثم عادت باسمة مرددة :

ـ كل شيء جايز ، أنت كنت بتكلم شهاب وبتضحك معاه كل شيء جايز.

      للمرة الأولى سمحت لي رحيل بإستخدام حمامها المزود بمياه ساخنة ، لا أعرف كيف ولكن فيما بعد علمت بأن لديها سخان يعمل بالغاز وتحضر لها إدارة المساعدات عبوة بها وقود يسمي غاز مثل التى كنت أشاهدها فى فيلا رضوان باشا ، تمتعت بالمياه الدافئة والصابون ذو الرائحة الطيبة وأزلت بقايا ما قام به أمشير وغادرت الحمام سعيداً منتشيا فشاهدت رحيل وقد أعدت طعاما ساخناً والدخان يتصاعد منه ، خلال إعداد مائدة الطعام كنت أضاحك وألاعب هارون الذى شعرت بحب ناحيته وبادلني نفس الحب حيث كان يقبل مسرعاً فى إتجاهي ويجلس على ركبتي أو يجلس بجواري حين تناول الطعام.

     كانت رحيل تنظر إلي طفلها بسعادة لما يقوم به ، بعدها تغادر المكان مسرعة والدموع تغطي عيونها الجميلة ، فى إحدى المرات سألتها عما يبكيها فأجابت بضيق قائلة:

ـ أنا أحقد وأكره هذا المجرم الذي حرم ابني من حنان وحب الأب ؛ هذا الكره لا يوازيه أي كره فى العالم ، أسألها:

ـ الآن جربتي فقد الزوج كما أن هارون جرب فقد الأب ، ألا تعلمين أن الكثير من المصريين فقدوا الأب والزوج والابن بسبب تعدي إسرائيل على بلدي ، نظرت إلىّ صامتة وغادرت المكان دون كلمة.

 


 

ُحب و حـــرب

 

    فى تلك الليلة هاجمني شعور جميل وتذكرت بعض أغان لمطربين مصريين من أمثال :عبد الحليم وليلى مراد وشادية ، أثناء تقليدي لأصوات المطربين شعرت بحركة خارج مخزن الدقيق ، خشيت تسلل أحد الضواري ولكني تشجعت وخرجت فشاهدت أمشير ينظر إلىّ بعيون متسائلة ، تحيرت منه وأصابني الخوف ثم تشجعت وأخبرته بأنه من الممكن أن يقوم بغناء تلك المقاطع للسيدة ناقة أم ابنه بعرور ، شعرت بأنه لم يهتم بحديثي وغادر المكان بينما عدت للخيمة للحصول علي الدفء ، تذكرت كل ما حدث بيني وبين تراجي ، شعرت بدفء الحب يغمر قلبي.

     فى الصباح أخبرت رحيل بالخطأ الذي وقعت به بتحميل أجولة دقيق ذات وزن كبير بدلاً من زنة الـ 50 كيلو ، نظرت إلىّ راغبة بمعرفة ما بداخلي ثم سألتني: الغلط كان لمصلحة تراجى إسماعيل اللى قرأت اسمها فى الدفتر؟ أيدت إستنتاجها ، ضحكت على خيبتي مرددة بأن البنات ضحكوا عليك ، طلبت منها خصم الفرق من راتبي ؛ كما طلبت حصة لزملائي مثل سابقتها وبالثمن ، لم تعارض وقامت رحيل بخصم كل تلك الأغراض وكان الخصم كبيراً وشعرت بأن راتبي لم يتبق منه إلا القليل.

        مساء اليوم التالي أقبل بعض ضباط القيادة الجنوبية وأعدت لهم رحيل طعاما فاخراً ؛ كنت أشم رائحته ، بعد هذا تناولوا المسكرات وبناء على رغبة رحيل ظللت بجوار الخيمة مستتراً كي أسمع كل أحاديث تخرج من أفواه الضيوف بعد أن تطيح الخمر بالرؤوس ، كانت المفاجأة أن القادة أخبروا رحيل بأن بعض المخربين المصريين توصلوا لبئر بترول أبو زنيمة

وإستطاعوا تدميره بالكامل وسرقة كل المعدات وردم البئر وأصبح كأنه لم يكن حيث كانت الحكومة بتل أبيب تمني نفسها بالحصول على البترول من هذا البئر وتنقله لإحدى المصافي كي يتم تكريره ثم تزود به مركبات جيش الدفاع.

      اليوم التالي أخبرت رحيل بما قامت به قوات الكوماندز الإسرائيلية المحمولة جوا وقطعهم الطريق أثناء عودتي من قبيلة تراجى أبو إسماعيل ، أصابتها الدهشة وأيقنت أن حال الجنود فى توتر ثم تساءلت عما قاله القادة فأخبرتها بما قالوه وتأكد لها أن هذا ما سمعته منهم بالضبط ، طلبت منى الحذر نظراً لأنهم يتصفون بالغدر وقسوة القلب فى تعاملهم مع أعدائهم وبالأخص المصريين ، تردد: صابر... لقد كنت أسمع ما يقولونه عن مصر والمصريين بعد هجرتي مباشرة لإسرائيل ؛ حيث كان ينتابني الضيق والتوتر ، فما زلت مصرية وهذا هو وطني الذي ينعتونه بكل سيء ، الحمد لله أن تنبهت ولكن بعد فوات الأوان وضياع زوجي مني.

      منتصف الشهر العربي حملت كلٌ من أمشير والبركة بما يحتاجه رجال الحدود الأفذاذ الذين نفذوا عملية تدمير آبار بترول أبو زنيمة ، وصلت إلى الكهف المحدد بجبل الحلال والذي شهد المعركة القوية بينهم وبين الكوماندز الإسرائيليين ، هناك تركت الدقيق والسكر والشاي والبن واللبن الجاف والزيت والسمن بداخل الكهف وأنا أعلم أن الرجال سوف يأتون تلك الليلة لإستلام إحتياجاتهم.

    مضى على وداع تراجي عشرة أيام ولهذا شعرت بالشوق إلى لقائها ، أخبرت رحيل فنظرت إلىّ فى حالة من التشكك والخوف من أن يصيبني أي مكروه ، بعد قليل غادرها هذا الهاجـس وودعتـني وطلبت مـنى أن ألتزم

 

الحرص أثناء الطريق ، رافقتني حتى الباب الخارجي فطلبت منها العودة نظراً للطقس البارد ولكنها أخبرتني بأنها لم تزر قبر زوجها منذ مقتل جاستون ، حين توجهت بصحبتها إلى القبر شعرنا بالخوف والقشعريرة ثم تلا هذا بكاء رحيل فقدمت لها يد المساعدة للعودة إلى الخيمة كما ألغيت زيارة تراجي فى هذا اليوم حيث شعرت بأن السيدة فى أشد الحاجة إلى أنيس ورفيق ولن تجد غيري ، بداخل الخيمة كان الدفء هو عنصر السعادة لمغادرة حالة الضيق التى أصابتنا حين مشاهدة القبر.

 غادرت المكان ُمسرعا وأغلقت الباب الحديدي خلفي متوجها إلى قبيلة تراجي ، وصلت قبيل الغروب وإستقبلني كل من عرفني بالبهجة والسرور ، كانت تراجي أول من شعرت بإستقبالها والذي إهتممت به وأشعرني بالسعادة وشعرت بأن شيئا بقلبي يتحرك ، إنعكس كل هذا على وجهي حيث قالت لي أن اليوم يوم عيد لقد أضاء وجهك وأصبح مثل القمر ليلة أربعة عشر ، شكرتها على الكلمات الرقيقة والبسمة الساحرة لهذا الوجه الملائكي الجميل والذى لم أستطع أن أبعد عيناي عنه ، سارت أمامي فأسرعت لأكون بجانبها كي ألتقط بعض نظرات أدخرها بذاكرتي تعينني على البعد والفراق ، ضحكت بسعادة فقد علمت ما أبغيه.

     أقبلت أمها مرحبة ثم شاهدت أباها الذي أطلق الإسرائيليون سراحه بالأمس ، كان الرجل منهكا متعباً ، أخبرته زوجته بأن هذا هو صابر الذى ساعدنا كي نصبر على إبتلاء العدو ، صافحني الرجل شبه صامت ورفع إصبع السبابة لأعلى مردداً "ربنا ما يحوجك لحد ويبعد عنك ولاد الحرام" صافحني عائداً للداخل حيث يرغب فى الحصول على الراحة من إرهاق المعتقل.

     

    أقبلت تراجي وقدمت لي مشروباً مصحوباً بعيون لامعة سعيدة تغوي الشيخ ليصبح شابا يافعا كما خرج من بين شفتيها حديث مسكر طيب السمع والمعني ، أمسكت بيديها فجلست أمامي وإقترب وجهها من وجهي مرددة: وشك حلو زي البدر! ضحكت وتساءلت : لما أنا بدر تبقي إنتي إيه؟ أزاحت طرحة الرأس للخلف فظهر ضياء شعرها الكستنائى الطويل الناعم اللامع ثم قالت: أنا الشمس ، تسمع عن شمس الأصيل بتاعة أم كلثوم؟ أجيبها: طبعا وحافضها ، يعني كده أنا تابع لكي ، ضحكت ونهضت مسرعة وسارت بخيلاء بنات حواء ، سكنت ووضعت همي ومشاعري فى كوب الشاي الساخن.

     هكذا شعرت وعلمت وفهمت بأن تراجي تبغي حبي وصداقتي وما يتبعها من مصاهرة ، كان واضحا أن هذا حال الأب والأم الذين صمما على أن أبيت تلك الليلة فى ضيافتهم نلهو ونضحك ونشعر بالدفء بإشعال بعض العشب الجبلي المنتشر بالمنطقة ، أمضيت ليلة لا تداينها ليلة أخري كما لا أستطيع وصف مشاعري خلالها ، شعرت بطعم السعادة والأماني الطيبة الحلوة ؛ في تلك الليلة شعرت أن الدنيا بها أيام جميلة وأناس يدخلون البهجة على الإنسان حتى لو فى أصعب الظروف.

***

    أشاهد الشاويش إدريس جالسا يحيط به الرجال الذين إنتهي دورهم بالخدمة أما من عليه الدور فيقف مشدودا يراقب المنطقة التى حوله وسلاحه بيده ومن الواجب عليه أن يشاهد زميله بالخدمة بالجانب الآخر حتى لا يهاجمه أي معتد بحيث لا يظل فرد الحراسة بمفردة ، سمعت إدريس ينادي علىّ ؛ رباح: نعم إدريس : أقبل يا فتى ، أرجـو أن تعيد ما شـاهدته أثناء

 

مراقبتك وقت أن كان رجال البترول وزملاؤك فى المـهمة المكلفين بها  قص علىّ ثانية ماذا حدث.

      كان يوما رائعاً ، لقد تسلل المهندس عزيز ميخائيل وصاحبيه إلى داخل حقل البترول الذي كان الظلام يحيط به من كل جانب ، كنت أشاهدهم يتشاورن ثم توجه الثلاثة إلى مبني مغلق وإستطاعوا كسر أحد أبوابه وحملوا أشياء معهم ثم تبين لنا أنها حبال وأسلاك طويلة من الصلب ، أشاروا إلينا فأسرعنا إليهم بالجمال ، لقد شدوا وثاق ما يسمي بالبريمة وهي عبارة عن ماسورة حديد طوليه وبها حواف شبه حلزونية من الحديد وأخبرنا المهندس بأن حلزونية البريمة حينما تدفع فى باطن الأرض تلف وتخرج الرمال حتى تصل إلى العمق الذي يظهر منه البترول.

     إنتهى الرجال من شد وثاق البريمة ودفعنا بالجمال ناحية شاطئ الخليج، تبين أن البريمة ثقيلة الوزن خاصة إنها كانت تجرف الرمال من حولها فأصبحت الحركة صعبة على الجمال ومن أجل هذا تجمع الرجال وساندوا الجمال الأربعة حتى وصلنا إلى منطقة صخرية فأصبحت الحركة أسهل رغم إرتفاع صوت البريمة المحتك بالصخور ، على حافة الخليج ومن إرتفاع عال والمياه بالأسفل عميقة فككنا البريمة ودفعنا بها حتى سقطت من أعلى الهضبة الصخرية.

     شاهدت الفرحة على وجوه رجال البترول الثلاثة ثم أشاروا إلينا بالعودة إلى فتحة البئر وقمنا بدفع الرمال بداخل الفتحة حتى إمتلأت وأصبحت مشابهه للأرض المحيطة بها ، عاد الرجال إلى الحجرة التى فتحوا بابها عنوة وأحضروا  بعض المعدات وحملناها على ظهور الجمال وتبين أنها ثقيلة الوزن على ظهور الجمال ، الحمد لله لقد أنجزنا تلك المهمة تحت قيادة المهندس عزيز.

      بعد إنتهاء زيارتي لعائلة تراجي أبو إسماعيل لم أتخذ الطريق المعتاد الذي يصل بى إلى مركز المساعدات عائدا لعملي وبيتي بين أجولة الدقيق ، بل توجهت إلى السرداب الذي أخبئ به السلاح "البندقية القناصة" للإطمئنان عليها وإجراء النظافة المعتادة حتى يظل السلاح مستعداً للعمل ، قضيت ساعتين مع سلاحي منهمكاً فى نظافته والتمتع بمشاهدته ، لقد ساهمت تلك القطعة بإدخال البهجة والسعادة إلى قلبي وأشعرتني بأنني رجل ؛ بل  ورجل مقاتل ، أنني لم أقتل جاستون من أجل عيون رحيل ولكنى قتلته لأنه عدو قتل العديد من أبناء وطني.

    أستعد لوضع السلاح فى الجراب المعد له والذي يحميه ، لا أعرف لماذا قمت بتجربة أخيرة بالنظر بداخل التلسكوب ، تلك النظرة لن أنساها أبداً ، من حين لآخر كنت فى حيرة وأتساءل: هل أراد الله أن أقوم بتلك النظرة الخاطفة كي أشاهد ما لم أتوقع مشاهدته ، لقد شاهدت أربعة من رجال الحدود يركبون الجمال ودورية إسرائيلية تستوقفهم متشككة فى شخصياتهم ولكن المفاجأة الهامة هي مشاهدتي لشهاب الذي كان بصحبتهم هذا الحصان الرائع الجميل ، لقد تشكك الرجال فى هذا الحصان وربطوا بينه وبين مقتل جاستون نهاية العام الماضي ؛ لقد عثروا على آثار حوافره قريبا من مكان الجثمان.

     لقد طوقت الدورية الإسرائيلية رجال الحدود الأربعة ومن سوء الحظ أنهم لم يكونوا مسلحين ، لم أنتظر أو أفكر في كيفية علاج الموقف ؛ بل تصرفت مثل تصرفي السابق حينما أطلقت النار على فرد دبابة وآخر بعربة مدرعة ، ضغطت ضغطة عصر فخرج المقذوف لهدفه فسقط أحد جنود الأعداء صريعاً ، لم أترك لهم المجـال للتفكير رغم أنني شــاهدت رجال

 

الحدود يرقدون أرضاً على بطونهم تجنبا للنيران كما حاول جنود العدو الحماية بالأرض وإطلاق النار في أي إتجاه ، لم أترك لهم الفرصة ، فلقد لحقت الطلقة الثانية والثالثة بالجنود ثم تلتهم الرابعة على التوالي ؛ حيث كانوا أهدافا ثابتة لي وأجسادهم واضحة ، بل كنت أستطيع التفريق بينهم وبين رجال الحدود الذين يرقدون بجوارهم ، لقد تم قتل أفراد الدورية وشاهدت الفرحة عن ُبعد على وجوه رجال الحدود.

     نظفت السلاح وحملته معي مسرعاً فى إتجاههم وهم بالتالي إلتقوا بى بمنتصف المسافة ، بعد تبادل عبارات التهنئة والتقدير منهم لما قمت به كان القرار لأقدمنا بالخدمة بأن نعود إلى موقع الفصيلة ، فى تلك اللحظة شاهدت شهاب يصهل ويرفع قدميه الأماميتين لأعلي ويضربهما ببعض راغباً بإعلان سعادته بأن إلتقي بى ، أثناء الطريق أخبرني الرجال بأن سبب حضورهم لهذا المكان أنهم كانوا فى طريقهم لمركز المساعدات الغذائية نظراً لأن شهاب متذمر ولم يصمت عن الصهيل والتوتر ممتنعا عن الطعام مما دفع بالشاويش إدريس إلى أن يقرر أن نرسل به إليك ، وكما لاحظت فقد هدأ بعد أن إلتقي بك وبثك بعضاً من حبه وإشتياقه.

     كم تمنيت بأن أحتفظ بقطعة من السكر كي أقدمها إليه مقابل تلك الصداقة وهذا الحب المتبادل بيننا ، قد لا يشعر شهاب بأنني أكن له كل حب وتقدير ؛ بل لا يعلم أن السبب الرئيسي لتركه مع فصيلة الحدود كان خارجاً عن إرادتي خشية الإعتداء علينا سوياً ، سلمت أحد الزملاء البندقية القناصة وركبت على صهوة شهاب الذي أسعده هذا بل ظل يقفز ويدور حول نفسه بين سعادة ودهشة الرجال.

     أسـرع الظلام بالهبوط وكان من الواجب أن نحصــل على مأوى ،

 

إستطاع الرجال بخبرتهم الطويلة أن نسلك مكاناً يتعذر على جنود العدو التوجه إليه ؛ هناك وبأحد السراديب دخلنا بالدواب وتوجه أحدهم لإحضار بعض العشب الأخضر لهم بينما توجه آخر لإحضار عشب جاف ، بدأ السامر من خلال تسخين الطعام والخبز الذي يحملونه معهم ثم تلا هذا تناول الشاي الذي غزت رائحته أثناء طهوه على النار نفوسنا فأنعشتنا وأدخلت البهجة والسعادة على نفوسنا وأجسادنا.

     رويت للرجال حادث تعرض الجنود الإسرائيليين لي حين عودتي من زيارة قبيلة أبو إسماعيل والإصابات التى لحقت بى وما قام به أمشير من تصرف بأن بال على جسدي وأنا مصاب ، ضحك الرجال وقال أحدهم أن أمشير يحبك مثل شهاب وما فعله أمشير أنه قام بعلاجك كأحسن ما يكون العلاج ، فلولا بول أمشير لكانت الإصابات تزايد تأثيرها ومن المحتمل أن يتلوث الجرح الذي أصابك ؛ لكن عناية الله كانت معك ولهذا قام هذا الجمل المشاكس بما قام به حبا فيك ودفعا من الله لعونك.

      أردد بداخلي : الآن علمت ما قمت به يا أمشير وسأقدم إعتذاري إليك وأسامحك فقد إعتقدت أنك تسخر منى وتعطرني ببولك وتجعل منى أضحوكة أمام الناس لما حدث ، لقد أصبحت صديقي ورفيقي مثل شهاب ، ظللت تلك الليلة أتمعن فى قدرة الله فى الكون والبشر والحيوانات والطيور وعلمت بأن الحياة على الأرض ليست متوقفة على بني البشر بل هناك مخلوقات تفهم وتعلم ما لا يعلمه الإنسان لأن الذي قام بهذا هو الله.

 


 

معركة من طرف واحـــد

 

     طلب منى العريف أبو بكر أن أتلو عليهم بعض ما تيسر من القرآن الكريم إحتفالا وفرحا وبهجة بما قمنا به مساء اليوم من قتل أربعة من الأعداء ، صفق الباقون لهذا بينما إعتدلت فى جلستي ونزعت نعلي وبدأت فى تلاوة سورة الأعلى:

(بسم الله الرحمن الرحيم)

سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) إلي آخر السورة.       أثناء التلاوة توقفت الجمال وشهاب عن مضغ الطعام ثم إقتربت الحيوانات من مكان جلوسنا ، غمر الرجال شعور بالخوف والخشية من قدرة الله الذي جعل تلك الدواب تفهم وتعي ما يقرأ من قرآن ومن معان سامية ، إقترب منى أمشير ومسح بطرف فمه بظهري كأنه يدعوني لأن أكمل باقي التلاوة وألا أتوقف ، نفذت رغبته ورغبة باقي زملائه وزملائي فأتبعتها بسورة العصر إن الإنسان لفي خسر ..... حتى نهاية السورة ؛ مازالت الدواب فى حالة من النشوة التى كنت أشعر بها قبل هذا مع أمشير ثم سار على نهجه شهاب وفى بعض الحالات السيدة ناقة ، غمر الرجال الراحة والسرور وبدأت التعليقات الفكهة تخرج من الأفواه الطيبة ، خلدنا فى نوم هادئ بعد أن شملت السرداب البركة بذكر الله وحمده من البشر والحيوانات التى ذكرت بالقرآن "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ... " ثم ناقة صالح والتى عقرها الكافرون.

      صباح اليوم التالي تركت أمشير فى ضيافة أبناء الحدود العائدين إلى مكان تجمعهم حيث طالبهم أبو بكر بأن يسلك كل واحد منهم طريقا لأنه من

المؤكد أن العدو سوف يبحث عن قاتل جنوده حيث كنا نسمع أصوات الطائرات الهليكوبتر تبحث أثناء الليل عمن قام بهذا العمل ، كما طالبني أبو بكر بتوخي الحذر والحيطة؛ بل طلب منى ترك شهاب معهم خشية تعرف الأعداء عليّ وحينما سألت شهاب بأن يظل برفقة زملائي أعلن إحتجاجه بعدة ضربات بمقدمة قدمه اليمنى الأمامية ولف رقبته بعيداً كأنه راغب بألا يراني.

    قبلت رأسه وطلبت بعض السكر من رباح فأعطيتها له فأسعده هذا فحرك رأسه يمينا ويسار بجوار رأسي كأنه يقدم شكره وتحيته وأنه مازال مصمما على مرافقتي ، لم أجد غضاضة من تنفيذ رغبته وأنا أعلم مقدار سعادتي بوجوده معي ، كنت أشعر معه بأنني فارس حقيقي ، بل كنت أشعر بمعني كلمة فهد الليل التى أطلقها الشاويش إدريس على شخصي بعد أن كانت اسما يطلق على فصيلة الحدود فقرر الرجال بأن من يستحق هذا اللقب وهذا الاسم الجندي صابر أو الجندي سابقا صابر.

      ودعت الرجال وسلكت طريق العودة لمركز المساعدات الغذائية ، بعد أن قطعت مسافة تقدر بنصف المسافة المتبقية إلى مكان المركز فجأة شاهدة عدة طائرات هليكوبتر تظهر من خلف إحدى هضاب الجبال الجرانيت قريبا من ممر السير ، ظهر أحد الرجال من باب الطائرة طالبا منى التوقف وعدم الحركة وإلا سوف يطلقون النار عليّ فى الحال ، كنت أعلم إجرامهم فى تلك الأمور كما أننى كنت أخشي على شهاب، توقفت وهبطت من فوق ظهر شهاب وأثرت فى إذنه " إرجع لزملائي وأشرت له بأصابعي العشرة " نظر إلىّ نظرة عتاب وكأنه يتساءل : أيعقل أن أتركك بمفردك فى هذا الموقف؟

   أشرت له بما يعني قطع رقبة ، أعيد عليه الحركة بيدي على حافة الرقبة،

 

قطع رقبة ، هبطت الطائرات من حولنا وفى تلك الأثناء كانت العواصف الرملية تغطي المكان فضربت مؤخرة شهاب بيدي صائحا " بسرعة على زملائي" ، لم أشاهد أثرا لشهاب وسمعت أصوات حوافره ، سمعت طلقت الرصاص تدوي فألقيت بجسدي أرضا حتى توقف إطلاق النار ، بعد أن إنقشع الغبار وقفت رافعا يدي لأعلى مما أسعد الجنود بأنهم أوقعوا بى ، إقترب منى أحدهم وسألني عن اسمي وعملي وأين أسكن ، أجبته بوضوح مما دفعهم لعدم الإعتداء عليّ وربطوا يدي بحبل مصنوع من البلاستيك وأخذوني بصحبتهم على إحدى الطائرات.

     بمركز المخابرات العسكرية بمدينة العريش تعرضت لإستجواب وراء إستجواب دون تأثير على شخصي تحت التهديد الذى إنتقل إلى الفعل ، لقد تلقيت كل صنوف التعذيب سواء من النوم أرضا فوق بلاط أسمنتي فى برد شهر يناير والأجساد تتجمد بها الدماء أيضا من إنخفاض درجة الحرارة ، لا أعلم كيف أفادتني قصص وروايات الأقدمين خاصة الصحابة ومن هم في صدر الإسلام ، تذكرت سيدنا بلال بن رباح وما كان يتعرض له ، كانت تلك الروايات تشد من عزمي لدرجة أن البرودة الشديد تخلت عني وصاحبها دفء عام بالجسد ، بل أتى جنود المعتقل صباح اليوم وهم متأكدون من أننى قد لاقيت ربي متجمداً من البرودة فشاهدوني على أحسن ما يكون ، إستكملوا تعذيبهم لي كي أعترف على من ساعدني لقتل جاستون أو الجنود الأربعة الذين ماتوا الأسبوع السابق.

     ظللت أتنقل من يد لآخري ومن عذاب لآخر وأنا مازالت صامداً ، لن أستعرض بطولة قمت بها خلال ذلك ورغم فظاعة العذاب لكن كما قلت كانت ذكري قصص الأجداد العظام فى صدر الإسـلام ذات أثر قوي عليّ

 

مما جعلني لا أخضع لأي نوع من الإبتزاز بأنهم سوف يفعلون بى كذا وكذا  لقد أصبحت لا أشعر بأي عذاب بل شعرت بأن جسدي تبلد ونحس كما يقول العامة ولم أصرخ أو أشعر بألم حينما يقبلون بالمسامير الكبيرة المنصهرة ويدفعون بها فى جسدي فى أماكن مختلفة رغم أننى كنت أشم رائحة شياط الجلد من حرق البشرة الخارجية والشحم أسفلها ثم رائحة شواء اللحم.

     لا أعلم عدد ما قضيته من أيام ولكن ذات يوم وكنت جالسا أنظر حولي وأنظر لجسدي والآثار الظاهرة الواضحة من أنواع العذاب المختلفة وبالأخص ثقوب المسامير التي تقيح بعضها والبعض الآخر مازالت الدماء تنزف منه قطرات واللكمات التى على وجهي والضربات التى نزلت على مؤخرة ظهري بأعمدة خشبية غليظة وأعتقد أن البعض منه مزود بمسامير كانت تلهب بدني وحين ترفع عيدان الأخشاب الغليظة تلك من فوق ظهري فى كل مرة كنت أشاهد قطرات الدم تتساقط منها ، تلك الآلة هى التى كانت تشعرني بكثير من الألم ولم تنفع معها ذكري أبطال صدر الإسلام من بلال وعمار بن ياسر وغيرهم ، لقد كانت مؤلمة بدرجة شديدة.

   

    فى ذلك اليوم كنت أنظر إلى نتائج التعذيب شممت رائحة لا أستطيع أن أنساها ، ولا أنسي صاحبها ، ثم سمعت صوت صاحبها ، فى كل مرة كنت أشعر بأن قلبي يتحرك فرحاً وسعادة كأن طفلا فقد فى بلدة غريبة وجاءت أمه كي تأخذه لحضنها وتعطيه من حنانها وعطفها وعنايتها ، لقد أقبلت رحيل ، شممت رائحتها وشعر قلبي بقربها وسمعت صوتها العذب ثم شاهدتها عيوني التي شاهدت وقاست العذاب طوال تلك الفترة والتى علمت أنها تعدت الستة أسابيع ، لقد ظللت فى هذا المعتقل شهرا ونصف شهر.

 

     ُفتح الباب ومجرد أن شاهدتني مكورا بأحد أجناب غرفة الحبس رديئة التهوية ورائحتها تزكم الأنوف لم تتعرف عليّ وسألت السجان : هل هذا صابر خادمي الذي يعاون جيش الدفاع؟ ، الذي أنظر إليه الآن لا ينبئ عن صابر ، أكد لها الحرس بأن هذا هو صابر الذى كنا نعتقد بأنه أحد عناصر الإرهاب بسيناء ولكن تبين لنا كذب هذا الإعتقاد لأنه يعمل عندك وهو عبدك المخلص كما تقولين.

     تجيب علي حديثه: لولا شعوري وقلبي الذي يدفع بى بأنه صابر لما تعرفت عليه ، إنحنت علىّ تساعدني على النهوض وقبلتني كما كانت تفعل  شعرت لحظتها بحنان الأم والشقيقة والحبيبة ، مهما كان الإنسان يخالفك فى العقيدة لكن الله خلقنا على شاكلة واحدة من العطف والحب والحنان وبالأخص النساء ، بكيت على كتفها وهي تحتضن هيكلي العظمي سيئ الرائحة والشكل والملمس ، كانت تهدهد على كتفي والبكاء يلازمها وأثناء هذا أقبل مدير المعتقل متسائلاً بدهشة : كيف يا سيدتي تبكي على حال هذا الهمجي الكافر الإرهابي ، نظرت إليه ومازالت رأسي على كتفها وجسـدي يرتعد من الضعف والهزال ؛ أجابت على سؤاله: كابتن موردخاي .. لو قرأت بعض تعاليم التوراة التى جاءت على لسان نبي الله موسي لما قلت هذا  لو تفهمت روح الديانة اليهودية التى أنزلها الله من السماء لما قلت هذا: كابتن موردخاي .. أعد سيارة تقلني أنا وهذا الحبيب الذي أعتبره أخي الأصغر وونيسي وونيس ابني هارون ، السيارة تنقلنا إلى مركز المساعدات الغذائية وأنا لي شأن آخر عما قمتم به من تعذيب يخالف القوانين الدولية.

     ظـهر الغضب والضيق على وجه الرجل وأســرع بإصدار تعليماته بإعداد سـيارة إسـعاف من سـيارات جيش الدفـاع كي تنقلنا إلى مركـز

 

المساعدات ؛ أثناء إعداد السيارة أقبل طبيب المعتقل وقام بعلاج أولي لكل الإصابات التى لحقت بى وسلم رحيل بعض الأدوية طالبا منها مداومة العلاج وتطهير الجروح حتى لا أصاب بالغرغرينا القاتلة ، قدمت رحيل الشكر له ؛ تحركت بنا السيارة وأنا مازلت نائما على السرير بداخلها ورحيل تجلس أرضا تمسك بيدي تشد عليها ومن حين لآخر تقبل يدى باكية مرددة بأنها السبب فيما حدث لي.

      وصلت بنا السيارة إلى موقع مركز المساعدات ، وإستندت على كتف رحيل بينما غادر السائق المكان عائداً لوحدته دون تقديم الواجب الإنساني بالمساعدة مما دفع رحيل إلى توجيه السباب له ولجيش الدفاع ، توجهت بى إلى الحجرة المخصصة لإستقبال الضيوف والتى سبق وأن إستقبلتني قبل هذا لمدة ثلاثة أيام فى أول لقاء مع رحيل ، بهدوء ساعدتني على راحة جسدي وإختفت قليلاً وأحضرت لي ملابس زوجها المتوفى موشيه والتى كنت مشمئزا من إرتدائها بعد ما شاهدت منه يوم الوفاة ، عاونتني رحيل على إستبدال ملابس المعتقل بتلك الملابس ، صرخت لأكثر من مرة حينما كشفت عن جسدي أمامها وشاهدت آثار التعذيب البدني والذي لم يخلُ أى جزء منه من آثار التعذيب.

      أحضرت الطعام والشراب ثم أقبل هارون ولدهشتي شاهدت تراجي تقف معه ثم علمت منها أنه حينما تأخرت على زيارتهم حضرت كي تطمئن على حالي وكان بصحبتها شقيقتها بثينة الأصغر منها فأخبرتها رحيل بأنه نمي إلى سمعها نبأ أسري من قبل الأعداء ورجتها أن تظل مع طفلها طيلة نهار الــيوم حتى تعمل كل ما تسـتطيع للإفراج عنى ، وافقتها الفتاة بينما عادت شقيقتها بثينة بالجمل لتخبر أسـرتها كي تطمئنهم على حالها.

 

   كانت سعادتي مزدوجة ، لما يمثله لي هارون من حب ملائكي وطفولة بريئة لا أستطيع وصفها وبالأخص حين كان يجلس على ساقي يمسك بتلابيبي معانقا مقبلاً خدي بشفتيه الصغيرتين الرقيقتين ، أقبل الطفل مسرعا وقفز على ساقي دون الإنتباه لتحذير أمه ، مسح بيده الرقيقة الناعمة على وجهي ثم أخفي وجهه ناحية كتفي باكيا بصوت مرتفع مما أثر علينا نحن الثلاثة ، لقد شعر الطفل بحالي ومأساتي ولم يجد أمامه سوي وسيلة الإحتجاج التى وضعها الله فيه وهي البكاء والصراخ.

     نجحت رحيل وتراجي فى إبعاد أي ضيق أو حزن عن هارون بالحديث معه ببعض الكلمات الطيبة وبعض قطع من الحلوى مما ساعد علي أن يفارقه العبوس والضيق وظل جالساً بجواري أنظر إليه لأكتشف أن الله خلق الأطفال كي تسعد البشرية ، إستلقيت بجسدي غير قادر على الحركة ، بعد قليل أقبلت تراجي حاملة طعام خفيف كي أتناوله ، بنظراتها الرقيقة وبسمتها البهية التى طالعتني بها تناولت طعامي دون أن أنبس بكلمة ، بعد قليل عادت تخبرني بأنها سوف تغادر المكان عائدة لأسرتها وسـوف تواليني من حين لآخر ، أشرت إليها بأخذ "البركة" الجمل الحليم فشكرتني على هذا وعلمت فيما بعد أن رحيل حملتها بعض الهدايا من المؤن لأسرتها والتى أسعدت تراجي بالتأكيد.

***

        أثناء جلوس إدريس شاهد الفرس شهاب ُمسرعا فى إتجاهه وصهيله القوي يسبق خطواته ، بدي على الفرس الإنزعاج وتساءل إدريس أين باقي الرجال؟ لم يجب شـهاب ولكنه رفع أقدامه لأعلي ثم قفز ناحية الطــحين وصهل بشدة ، توتر الرجال راغبين فى حـل هذا اللغز دون جدوى ومازال

 

شهاب ثائراً حانقاً ، لم يبال بالطعام أو قطع السكر التى أهديت له ، بعد ساعة زمن من وصول شهاب أقبل الرجال الذين أرسل بهم إدريس إلى صابر كي يسلموه شهاب نظراً لرغبته بالعودة إليه ، أسرعت إليهم موضحا الأمر ، دهش الرجال وتساءل أحدهم: كيف حدث هذا يا بلال؟ شرحت له ما حدث من شهاب منذ قدومه حتى الآن ، أوضح الرجال للشاويش إدريس ما تم وما قام به صابر من قتل أربعة من رجال العدو ، صمت إدريس قليلاً ثم ردد بأن صابرا إما قتل أو تم أسره ، ثم رفع يده لأعلى بدعاء لله " اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه " أشار إلينا إدريس بأن نقوم بالصلاة من أجل صابر بأن يتقبله الله شهيداً لو لقى مصرعه أو أن يخفف عنه عذاب الأسر.

 


 

الحيـــاة الراكـــدة

 

        لقد مضي علي هزيمة جيشنا عام كامل ، خلال هذا العام إستطعت أن أقوم بواجب وطني لم أخطط له بل كانت الأقدار تضع تلك الأهداف أمامي ووفقني الله فيما قمت به ، نسيت الأهل والوطن وأصبح كل همي ما أصبحت عليه ، لقد أصبحت عاجزاً عن القيام إلا ببعض الأعمال الصغيرة من صرف مستحقات الأسر الفقيرة ووضع الطعام أمام الإبل ، كنت ألاحظ الحزن على وجه الناقة وقد إزداد حجمها وما هي إلا شهور قليلة وتلد ، كما أن الجمل البركة بطبيعته هادئ الطباع ولم يشكل لنا أي مشكلة لكنني كنت فى شوق إلى كل من أمشير وشهاب ، كانت تراجي تأتي لزيارتي كل عدة أيام حسب الظروف المحيطة وأحوال الطقس ، شعرت بأن الفتاة تزداد قربا منى ولكنى كنت أشعر بالبعد عنها ، لقد أصبحت عاجزاً وشعرت بأنني لن أستطيع الزواج فإصابتي جعلتني أسير منثني الركبتين وبالتالي أصبحت قصير القامة وأتحرك ببطء.

     كانت رحيل تشد من أزري وتدفعني لزيادة التقارب مع تراجي ولكني شعرت بأن الحياة ليست وردية ولم يكن بها أي شيء وردي سوى كلمات هارون البسيطة ضعيفة النطق والفهم أما النظرة إليه فكانت تدخل السعادة إلى قلبي ، أحد الأيام جلست تراجي أمامي بينما جلس هارون على ساقيها تلاعب خصلات شعره الناعم بأصابعها الرقيقة والطفل يشعر بسعادة ، تتساءل: لماذا تبتعد عني؟ أشعر بأنك غير راغب فى أن أراك؟ صمت ولم أعلق ؛ بعد قليل فاضت دموعها مما دفعها للنهوض مسرعة للداخل فأقبلت رحيل تنظر إلىّ عاتبة ولسان حالها يتساءل لماذا أغضبت تلك الفتاة الرقيقة المحبة لك؟

      شاهدت تراجي تسرع بالخروج من الخيمة فأشرت إليها بصعوبة بأن تحضر ؛ أنادي عليها فلم تستجب ، أسرعت أعدو خلفها بعد أن قفزت فوق الجمل بخفة ورشاقة ولكن ساقاي لم تطاوعني فسقطت أرضا فوق الصخور أتألم بصوت مرتفع.

    لم أشعر سوى أننى نائم على السرير وبجواري تراجي ورحيل بينما هارون يلاعب أصابع يدى ويحركها ، نظرت إليهما متسائلاً ماذا حدث؟ لم أتلق إجابة من أى منهما وكل ما شاهدته إبتسامة وأنوثة فرحة بنجاتي مما ألم بى ، حاولت الجلوس فساعدتني الإثنتان وجلست فى مواجهتهما ووجهت حديثي لتراجي موضحا لها أنني أكن لها كل حب وتقدير وأنتِ تشاهدين حالي وأشعر بأنني لن أكون الزوج المناسب لكِ.

     تشير إلىّ رحيل بألا أقول هذا بينما تنحني تراجي راغبة بتقبيل يدي فأجذبها مقبلاً يدها فتضحك باكية وتنحني على وجهي تعطرني بقبلة ندية على خدي مما دفع برحيل إلى التصفيق والتهليل ، هكذا عاد الحب والوئام بيننا بفضل إخلاص تراجي وعون ومحبة رحيل ، أصبحت تراجي تأتي كل أسبوع لزيارتي وقد إقترب عام  1968 من نهايته وخلال هذا العام نما إلي أسماعنا أخبار عن المعارك بين الجيشين المصري والإسرائيلي على ضفاف قناة السويس ، كانت تلك الأخبار تدخل السعادة والحياة المتجددة إلى قلوبنا وحياتنا حتي رحيل التى كنت أشعر بأنها فى حالة من السعادة حينما يذيع راديو القاهرة ما يلقاه الجيش الإسرائيلي على القناة من ضربات موجعة وخسائر كبيرة لم يعتد عليها وأيضا حين غرقت المدمرة الإسرائيلية إيلات العام الماضي.

  

 مضى على حالتى الصـحية السيئة أكثر من أسبوعين ، أحد أيام أثناء زيارة تراجي قالت لي أنها أخبرت والدها بما تعرضت له وما عليه حالي ، ثم قالت أنه سوف يذهب لإحضار الشيخ عيد أبو ِمسـعد حيث علم عنه أنه يجيد علاج تلك الحالات مردداً: ربنا سوف يعافيه من إصابته ، أسعدني سماع هذا؛  فهذا يدل على إهتمام تراجي وأسرتها بحالتي ، والمريض دائما ما يسعده مثل هذا الإهتمام رغم تأكدي بأن ما سوف يقوم به الشيخ عيد أبو ِمـسعد لن يقدم أو يؤخر فى شيء.

    مازالت رحيل ترعي حالتى وتقدم لي كل خدماتها لإعتقادها بأنها المتسببة فيما أصابني من الأعداء ، لم تمض أيام قلائل إلا وأقبلت تراجي يرافقها كلٌ من والدها الشيخ إسماعيل وشخص آخر علمت فيما بعد أنه الشيخ عيد الذى سبق وأن حدثتني عنه ، إستقبلتهم رحيل بترحاب بعد أن همست تراجي فى أذنها بحديث قصير تصاحبه بسمة مضيئة طيبة إنعكست على حالتي ، شاهد الشيخ عيد الإصابة وأوضح بعد قليل بأن هذا من أعمال المجرمين اليهود ، نظرت إليه رحيل بضيق وغادرت المكان فأخبرت الرجل بأن تلك السيدة يهودية ولا داعي لأن تسب اليهود فتلك ديانة أما الأعداء فهم من دولة تسمي إسرائيل ، إضطرب الرجل وهاجمه الضيق لوجود سيدة يهودية بجوارنا مما دفع تراجي لأن تخبره بأن ما قامت به تلك لسيدة فاق عون أي إنسان حتى الآن.

      أكد الشيخ عيد أنه سبق وأن قام بعلاج لمثل تلك الحالات وسوف يستمر العلاج لمدة ثلاثة أسابيع يوما بعد يوم يقوم بزيارة كي يقدم علاجه ، كانت أمامنا مشكلة بأن تتقبل رحيل تلك الزيارات ، طلبت من تراجي أن تخبر رحيل بأنني سوف ألحق بكم بناء على رغبة والدك ، بعـد قليل أقبلت

 

رحـيل وتراجي؛ نظرت إليّ رحـيل ساهمة مرددة ، مش موافقة ... إنت فاهم؟ هما مش عارفين إنت تبقي ليا إيه ؟ ده أخويا .. إنتوا فاهمين .. أخويا .. وده ابني هارون .. الإتنين دوول ماقدرش أعيش من غيرهم .. تعالى كل يوم يا شيخ عيد وعالج صابر وكمان أنا مش هزعل لما تشتم اليهود!! 

   فى تلك اللحظة قدم الشيخ عيد والشيخ إسماعيل كل إعتذار موضحا بأنه يقصد الأعداء لكن اليهودية ديانة ونحن كمسلمين نؤمن بها ونقول على نبيكم سيدنا موسي عليه السلام ، أعتذر سيدتي.

   أضاء النور وجه رحيل وقدمت لنا جميعا مشروبا وحدث تبادل طيب للأحاديث بيننا ثم سألت الشيخ عيد عن تكلفة العلاج فإنبرى الرجل رافضا أن يحصل على أتعاب لكنها صممت ووضعت شرط حصوله على أتعاب فى مقابل أن يبدأ عمله وإلا سوف تعتذر عن إستقباله وسوف ترفض علاجه ، حاول الرجل والشيخ إسماعيل والد تراجي لكنها أوضحت لهم بأن صابر لديه نقود نظير عمله معها لمدة تقارب العام ، نحن الآن فى نهاية شهر ديسمبر ولقد عمل معي منذ شهر نوفمبر من العام الماضي ، صابر سوف يعالج على نفقته ، صمت الرجال وأنا بالأحرى أسعدني وجود مال يخصني وسوف يتم العلاج على نفقتي ويكفي الآخرين العون الأدبي والمعنوي.

   بدأ الشيخ علاجه بأن أعد مخلوطا مكونا من دهن إليه الخروف ُمضافا إليه نبات فيسأ الكلاب بالإضافة إلى نبات لبن الحمار ، كنت أضحك بداخلي لأسماء تلك النباتات ، كان الرجل يوزع أجزاء صغيرة من هذا المخلوط والذي أصبح على شكل عجينة لينة يغلب عليها اللون الأخضر ثم يقوم بفردها على الأجزاء المصابة وما أكثرها ثم يقوم بالدعك الطولي ثم العرضي ثم الدائري حتي يصبح جـسدي رطب الملمس ؛ حيث كنت أشعر من خلال هذا العمل بأن تلك المنطقة تسري بها الراحة كما تسرى أيضا فى باقي أوصال جسدي ، بعد هذا ينتقل الشيخ عيد إلى منطقة تالية ويقوم بتوزيع نفس العجينة على الأجزاء المصابة والتى كانت تشبه المصاب بمرض الحصبة من كثرة الثقوب المنتشرة بها ولكن هذه الثقوب ناتجة من أثر غرس المسامير التى تغير لونها إلى اللون الأحمر لإنصهارها بوضعها بداخل النار لفترة طويلة ، إنتهي يوم عمل الشيخ عيد بعد حوالي ثلاث ساعات من المجهود المتواصل ، ظل هذا الرجل يقوم بتلك العملية ثلاثة أيام كل أسبوع وقد بدا يصل إلىّ إحساس وشعور بالراحة البدنية بعد أن غادر جسدي الكثير من الآلآم التى لحقت بى من أثر التعذيب الذي تعرضت له.

    الحمد لله .. مضي علىّ أكثر من شهرين ونصف وقد إلتأمت جروحي من أثر التعذيب الذي أثخن الكثير من الجراح والآلآم التى شعرت بها وأصبحت حالتي الصحية كالمعتاد وُعدت إلى حالتي التي كنت عليها قبيل الإعتقال ، كما طلب الشيخ عيد من رحيل بأن تقوم كل يوم بتدليك جسدي بمستحلب بيض الجمل المضاف إليه بعض اللبن من الناقة حتى يصبح جسدي ناعما وتغادره الخشونة التى صاحبت عملية العلاج التى قام بها ، أحضرت رحيل مبلغا من المال كي تسلمه للرجل ولكن الرجل رفض تسلمه، حاولت أن تقنعه بأن يتسلمه وأخبرته بأن هذا كان إتفاقا بيننا قبل البدء فى العلاج  ؛ شكرها الرجل ورفض الحصول على أي أتعاب ؛ تلك اللحظة نظرت إليّ رحيل بما يعني تحدث أيها الشاب ؛ فهذا شأنك ، مجرد أن حاولت إقناعه بتقبل المبلغ كأتعاب، فإذا بالسيدة العجوز تظهر وتهبط من على ظهر الجمل قبل أن يبرك أرضا؛ والمعروف أن تلك عملية شـاقة، ثم قالت لى: أتعابك دفعت يا صابر ، عد لدارك يا شيخ عيد  شاهدت الرجل فى حالة من الإرتباك والخوف والإحترام ثم أسرع بركوب ناقته مغادرا المكان بأقصى سرعة ، أشارت العجوز للجمل بأن إهبط دون حديث ؛ أسرع الجمل وبرك أرضا وقبل أن يستقر على الأرض تعلقت العجوز بصنم  الجمل الذي نهض لأعلي دون أمر ودون إذن وفر من أمامنا فتبادلت نظرات الدهشة مع رحيل.

***

الحب لغة التفاهم مع الحيوان

    أشاهد الشاويش إدريس يجلس بين الرجال والقلق باديا على وجهه ، يرجع السبب فى ذلك إلى عاملين هامين ، الأول نقص المواد التموينية التى كان يأتى بها صابر والثاني حالة الهياج المستمر من أمشير وشهاب ، لقد مضي على غياب صابر ثلاثة أشهر سواء لمقتله أو لأسره من قبل الأعداء؛ ومنذ ذلك الحين والجمل والحصان لا يكفان عن إحداث الإضطراب والأصوات المزعجة ومحاولة الهرب واليوم حدث تطور جديد فقد حاول أمشير عض زميلنا أحمد الطيب وعندما تدخل زملاؤنا لإنقاذه هاجمهم الحصان محاولا رفس الرجال والحمد لله أن الرجال نجوا جميعا.

    نظر إلىّ الشاويش إدريس محدثا: لماذا تقف هكذا تراقبنا يا رباح؟ أقبل وشارك معنا فى الحديث والمناقشة لعلك تفيدنا برأيك والذي دائما ما يكون صائبا فقد ألهمك الله القرار الحكيم.

ـ سيدي القائد ، أري أن نفك أسر الجمل والفرس ، فأنا أعلم علم اليقين حبهم لصابر وأعتقد بأنهما سوف يسرعان بالعودة إلى مركز المساعدات إعتقادا بأن صابر موجود هناك ، وإذا لم يكن موجودا سوف يعودان أدراجهما لطيب العيش بيننا وبين باقى الجمال ، ولهذا فإذا قررت إطلاق سراحهما فأري أن نحدد ثلاثة رجال لمتابعتهم حتى نعلم ماذا حدث لهما وفى نهاية المأمورية يحضران لنا العون الغذائي من مركز المساعدات سواء كان صابر هناك أو لم يكن ، فالسيدة رحيل تعلم أننا أصدقاءه وكما أخبرني صابر بأنها تعلم بأننا من رجال التعدين التابعين لإحدى الشركات ولم نستطع العودة إلى الديار لظروف الحرب.

    أشاهد إدريس يتحاور مع بعض الزملاء على ما أفضيت به من إقتراح ، صمت إدريس قليلا وظهرت بسمة الضياء التى دائما ما ترتسم على وجهه الطيب وأعلن موافقته على الإقتراح وحدد الرجال الثلاثة وكنت أنا من ضمن هؤلاء ، تقرر أن يبدأ التحرك فى الصباح ومن أجل هذا وضع الطعام والماء أمام شهاب وأمشير.

      بكل شجاعة الرجال قمنا بفك قيود الجمل والحصان بعد الإستعانة بباقي الجمال التى أصبحت تعمل كحائط صد من محاولة هجوم الجمل والحصان علينا ، لم نشاهد طيفهما؛ حيث أسرع الإثنان بالعدو خلف بعضهما ، بل من المدهش أن الحصان توقف قليلا كي يقترب منه الجمل لإختلاف سرعة الإثنان ، كنا نسرع خلفهما ولكن الإثنين أصبحا مثل الريح العاصفة سرعة وإختفاء ولا يميز حركتهما سوي الغبار الناتج من العدو.

    منتصف النهار شاهدنا أمشير وشهاب مقبلين نحونا أى أنهما عادا من حيث توجها وقد صهل شهاب بينما زمجر أمشير وظهرت القلة من فمه والتى تعني الضيق ، بعد قليل شاهدنا من علي  ُبعد ثلاثة من سيارات العدو تطارد الإثنان ، لقد كان هذا الوادي محصورا بين جبلين ولهذا لم يستطع الإثنان المراوغة أثناء المطاردة سوي العودة ولكن الطائرات الهليكوبتر المعادية أقبلت من الجهة المضادة أي التى هرب إليها كلٌ من أمشير وشهاب، لقد ُحوصر الإثنان ومازالت العربات المدرعة قادمة فى إتجاهنا ؛ حيث كنا نشاهدها من على مسافة لا تقل عن ثمانمائة متر يميزها الغبار المتخلف عن المطاردة وأعتقد أنهم لم يرونا حيث كنا نقف بجوار بعض الصخور المنعزلة بجوار أحد الجبال بالمنطقة.

     تبادلنا النظرات وماذا نحن فاعلين فليس معنا سلاح ولو كان معنا لما إستطعنا استخدامه لأن قوة العدو أكبر من قوتنا وسوف تحصدنا بالمدافع المسلح بها السيارات المدرعة ، تفتق ذهن أحمد الطيب بأن نشتت الهجوم المدرع ضد أمشير وشهاب ؛ من أجل هذا هبطنا من فوق الجمال وكل واحد منا طلب من جمله أن يقوم بالعدو فى أحد الإتجاهات غير الإتجاه الذي توجه إليه كلٌ من أمشير وشهاب.

     قمنا بهذا وما توقعه أحمد الطيب حدث حيث إنقسمت قوة المطاردة ؛ كل سيارة تطارد جملا معتبرة بأن هذا الجمل سوف يصلها للحصان نظرا للمعلومة التى لديهم بأن الحصان أكثر سرعة من الجمل ، ظل هذا الوضع حتى أقبل الظلام ولم تستطع قوة المطاردة أن تنجح فى مهمتها لأننا لم نسمع صوت إطلاق رصاص ومن غير المعقول أن يجازف أحد الجنود بأسر أحد من تلك الحيوانات وفى تلك الأحوال تزداد شراسة الحيوان لحالة الخوف والتوتر التى أصابته.

     منتصف الليل شاهدنا الجمال الثلاثة مقبلة وقام الطيب بإصدار صفيره المميز فأقبلت الجمال ُمسرعة وحصل كل جمل على هدية معنوية من صاحبه ببعض اللمسات على الرقبة وكل واحد منا إستقل جمله وكانت جهة السير مركز المساعدات الغذائية.

***

    صباح اليوم التالي وصلنا إلى مركز المساعدات ؛ كانت البوابة الحديدية مفتوحة على مصراعيها ، تحركنا بحذر جهة الباب ونحن نخشى السيدة رحيل التى نعلم كل صغيرة وكبيرة عنها ، إستقبلتنا فتاة شابة من بنات سيناء ، فى البداية رحبت بنا ، طلبنا منها لقاء المسئول عن توزيع الإعانة ، تساءلت: تقصدون السيدة رحيل أم صابر؟ تبادلنا النظرات بيننا ، تشجعت قائلاً : هل يمكن لقاء صابر؟ أشرق وجهها وأخبرتنا بالجلوس للراحة بجوار الباب الخارجي وسوف تخبره برغبتكم فى لقائه، بعد قليل شاهدنا صابرا يقف أمامنا، لم نستطع كبح عواطفنا فنهضنا للقائه بين الفرحة المختلطة بدموع البكاء، لم يكن صابرا أقل منا فرحة وسعادة ، وسمعته يردد اسمي : رباح .. رباح أهلا بكم ثم توالي ذكر باقي أسماء زملائنا.

     إصطحبنا للداخل ؛ بداخل المخزن علمنا منه أن هذا بيته المختار ، أعددنا أكواب الشاي وتبادلنا الأحاديث الطويلة وأخبرناه بما تبادر إلينا  وخشيتنا بأنه قد لقي حتفه ، شرح لنا كيف وقع فى الأسر وبعض ما لاقاه من أذى وعنت المحتل ، كان جسده خير دليل وبرهان على عذاب الشاب ، أخبرناه بواقعة هروب أمشير وشهاب ، ضحك الفتى وأخبرنا بأنه يتوقع وصولهما الليلة حين تهدأ أعمال الدوريات الإسرائيلية ، ظهر الفتاة البدوية علي باب الخيمة والتى لوحت لنا بتحية الإسلام وأخبرت صابرا بأنها سوف تعود لمقر قبيلتها.

     توجه صابر إلى رحيل التى وافقت على إمدادنا بكل ما نحتاج إليه من مواد غذائية وملحقاتها ، تساءلنا كيف ستقوم بسداد كل ما حصلنا عليه ؛ أجاب : لقد نسيتم أنني أعمل لدي السيدة ولي راتب وسوف أتولي دفع تكلفة ما طلبتموه ، لقد مضي عليّ عام حتى الآن ولم أمسك بيدي مليما واحدا ، تضاحكنا على هذا وما لليهود من أسلوب للحياة يخالف جميع شعوب العالم ، طلب منا صابر أن نظل فى ضيافته تلك الليلة وأن نتحرك صباحا إلى مواقعنا حتى نحصل على الراحة المطلوبة من عناء طريق القدوم لنا ، كانت الجمال تتناول طعامها بداخل الدهليز الذى تقيم به الناقة وقبلها أمشير والذى يقيهم حرارة شمس الصيف وبرودة فصل الشتاء. 

    أمضينا ليلة طيبة مع صابر تمتعنا خلالها بالطعام الوفير وشرب الشاي والضحكات المتبادلة وتجاذب أطراف الحديث مع الحرص من إكتشاف هويتنا أو عملنا الحقيقي قبل نشوب الحرب كما حصلنا علي قسط وافر من النوم المريح ؛ بعد أن تناولنا طعام الإفطار أعددنا الجمال بالحمولة إستعدادا للعودة إلى مقر الفصيلة ، أثناء وقوفنا أمام الباب الحديدي الخارجي للمصافحة والوداع شاهدنا عن ُبعد قدوم كلٌ من أمشير وشهاب ، كانت فرحتنا طاغية خاصة أن صابرا هلل صائحا ملوحا لهما رغم أن المسافة بيننا وبينهم لا تقل عن خمسمائة متر ، نظرت إليه باسما متسائلا : أشعر أن سعادتك لا توصف ، نظر إليّ ولسان حاله يخبرني بمدي فرحته حيث قال: والله يا رباح كأن شقيقاتي قد أقبلن من مصر ، رتبنا وقوف الجمال أمام البوابة الخارجية بحيث تحول دون إندفاع أمشير وشهاب بقوة نحو الداخل كما وقف صابر خلفهما منعا لإصابته حين يستبد بالإثنين الشوق للقائه.

     توقف الإثنان بصعوبة أمام السد الذى قامت به الجمال خشية الإصابة ، صهل شهاب ومد أمشير رقبته من أسفل رقاب الجمال وخرج صوته وتناثرت الرغوة من فمه والتي تدل على الحب والسعادة التى تأخذ بتلابيب  الإنسان حين يستبد به الشوق والحب فتخرج دموع الفرح من خلال عينيه ، كان هذا حال أمشير بينما شهاب ظل يصهل ويرفع قدميه الأماميتين للأمام ويحركها فى الهواء كأنه يلوح لصابر ، لم يستطع صابر مقاومة مشاعره وحبه لصديقيه حيث أقبل ُمسرعا من خلال الجمال وتعلق فى رقبة أمشير الذي كان يعلم مقدار أي تصرف منه عنيف قد يؤدي بحياة صاحبه ومن أجل هذا برك الجمل بحيث أصبح صابر فى نفس مستوي رأسه ، تبادل الإثنان العناق والقبلات حيث كنا نسمع أصوات لمسات شفاه أمشير على وجه صابر.

      إلتفت صابر للخلف ليشاهد شهاب يتحرك بحركة راقصة يمينا ويسارا كأنما هو حسناء تختال بجمالها وأناقتها أمام المحبوب ، قام صابر بتقبيله بل وتعلق برقبته ولم يستطع شهاب السيطرة على مشاعره وكأنه راغب بإختطاف صابر بعيداً عن الجميع كي يعاتبه على بعده عنه تلك الفترة الطويلة ، إندفع شهاب مسرعا وصابر مازال متعلقا برقبته ويدفعه بيده صائحا "يخرب عقلك ، ح أقع علي الأرض" لكن الحب كان أقوي وبالفعل سقط صابر أرضا مما دفع بشهاب للعودة وإنثنت قدماه الأماميتان وإقترب برأسه من جسد صابر المنبطح أرضا ضاحكا فأمسك برأس شهاب ونهض معه يتبادلان العناق والقبلات بين ضحكاتنا.

     أشرنا إلى الأصدقاء الثلاثة بالوداع وتركنا لهم حرية إظهار العواطف الجياشة بينهم وكان السبب فى تركنا المكان هو ظهور السيدة رحيل وطفلها وكلبها الشرس ؛ كما ظهرت السعادة عليهم مما دفع بهارون للعدو نحو صابر وصديقيه ولحقت به رحيل ونبح الكلب نباح التهليل ؛ حيث كان ينبح ويحرك رأسه فى كل إتجاه وكل حركة بنباح كأنه يخبر أهل المنطقة بخبر سار ، إستمر سيرنا بطريق العودة ولم ينشغل بالنا سوي بحب صابر للجمل والحصان هذا الحب الذي إستطاع هذا الشاب الصغير أن يعود عليه بفائدة عظيمة ؛ فقد عوضه هذا عن بعده عن زملائه بل وعن أهله بمصر. 

***

   الحمد لله ، فقد منّ الله عليّ بالشفاء وعوضني عن كل ما كان ينقصني كي أعود لقوتي وأصبح صلب القوام كسابق عهدي والسير لمسافات ليست طويلة وإجراء بعض الحركات الرياضية التى أشار عليّ بها الشيخ عيد أو ما نطلق عليه بمصر "العلاج الطبيعي" ؛ خلال كل أسبوع كنت أتبادل الزيارات مع تراجي إلا فى ظروف الطوارئ والتى يحظر فيها الجيش الإسرائيلي التحركات على الناس بسيناء لفترة عدة أيام أو فى بعض الأماكن حيث ترامي إلى مسامعي من العرب ثم تأكد هذا على لسان رحيل بأنه توجد منظمة مقاومة للأعداء وأحدثت بهم خسائر كبيرة.

       إنتهي عام 1968 والشتاء القارص يضرب بنا وأصبح الإعتكاف هو عملي الوحيد ؛ حيث أقوم على العبادة وتلاوة القرآن ترتيلا وأصبح لي مريدون يستمعون لي ولم أعد أخشي من حبهم وتأثرهم بسماع القرآن ؛ بل كنت أنتظرهم حتى الإنتهاء من الطعام حتى أشعر بالتشجيع مثل ما يفعل المقرئون والمنشدون حيث يصبح هذا دافع لهم للإجادة ، فليس لي جمهور أو معجبين سواهم.

      في بداية عام 1969 والصقيع يضرب كل مكان فى سيناء ، وفى تلك الليلة قمت بكل ما إعتدت القيام به سواء صرف المواد الغذائية أو متابعة أحوال جيراني الأعزاء وقد بدا على السيدة ناقة أن الحمل قد قارب على النضج ولهذا دفعت دفعا إلى تخزين بعض العشب الجبلي وأيضا بعض سيقان النخيل الجافة وإستطعت أن أحضره إلى الدهليز بعد أن من الله عليّ بتمام الصحة ، قمت بتخزين هذا العشب بداخل الدهليز تجنبا لأمطار الشتاء وذلك لإستخدامها فى الدفء حين الحاجه رغم أن رحيل أمرتني بألا أقوم بإشعال النار بداخل المخزن حتى لا تتأثر المواد التموينية بدخان الحريق ولهذا حين الحاجة للدفء كنت أشعل كمية محددة من العشب للتدفئة بالدهليز الذي يقيم به الجيران دون إعتراض منها.

   أتذكر أنه منذ أسبوعين شاهدت غطاء ضخما من المشمع الثقيل سقط من فوق شاحنة نقل إسرائيلية كبيرة الحجم وإستطعت بمعونة شهاب سحبه حتى المخزن وبذلت من الجهد والعرق الكثير حتى إستطعت أن أثبته على فتحة الدهليز حتى لا يصيب البرد أصدقائي الأعزاء ، بل كنت أتوقع أن تلد السيدة ناقة ويأتي بعرور ابنها فيشعر بالبرد وقد يدفع هذا والده العصبي السيد أمشير إلى التصرف الأحمق معي بأن يأكل ذراعي أو يقوم بالهجوم على مخزن المساعدات وتدميره وبالتالي أفقد وظيفتي.

     تلك الليلة سمعت بعض الأصوات وكانت تخص السيدة ناقة ؛ إعتقدت لحظتها أن السبب في هذا هو أمشير ؛ فمن المحتمل أنه قد شعر بأنها معجبة بشهاب الذي يرسل لها بإشارات تدل على الحب والإعجاب فضايقه هذا وبسبب الغيرة قام بضرب زوجته ناقة هانم علقه ساخنه مما دفعها لأن تطلق الأصوات مستغيثة بالجيران ، تحيرت بعد أن وصلت الإستغاثة إليّ ؛ وما الذى عليّ أن أقوم به ، أنا لا أؤيد  التدخل بين الأزواج ؛ كل زوج يقوم بقيادة بيته كيفما شاء ، مازالت الأصوات تصل إلي سمعي ولهذا عملت ودن من طين والأخرى من عجين كما يقول المثل الشائع.

     بعد قليل سمعت صوت أمشير بالخارج وكأنه يطلب وساطتي لحل النزاع مع زوجته ، لم أتحرك ، إزداد صوته وشعرت بأنه بعد قليل سوف يخرج القلة من فمه وقد يحطم الخيمة على رأس اللي خلفوني ؛ قلت في بالي ألم الموضوع ؛ نهضت مدثرا بالعباءة متجها لباب المخزن وفتحته فشاهدت أمشير فى حالة من الحزن رغم الظلام ، شعرت بالسعادة وإعتقدت بأن السيدة ناقة رنته علقه سخنه ومن المحتمل أن السيد شهاب قد عاونها في ذلك والذي كنت أسمع صهيله ، شعرت بأنني سوف أصبح مصلحا بين الأحبة والأزواج ، أسرع أمشير أمامي وأنا أهرول خلفه حتى دخلت الدهليز فسمعت أنات السيدة ناقة ، ُعدت مسرعا وأحضرت علبة الكبريت وأشعلت العشب فأضاء المكان ووقفت مذهولا مما شاهدت.

    السيدة ناقة تنظر إلى أمشير بينما تدلي من فتحتها التناسلية ابنها بعرور، كان بعرور نصفه للخارج ونصفه للداخل ، وقفت بجوارها أشد من أزرها مثلما كانت تفعل السيدة حلاوتهم الداية بقريتنا بمرسي مطروح ، وقفت أشد من أزرها بينما أمشير يهمهم ببعض الأشياء لا أعرف ما يريد ويقترب من الناقة هانم ومازالت عيونها تتسع وتلمع والعشب أعطي لهم الراحة والدفء.

     ظل الحال على هذا الوضع لمدة تزيد عن العشرة دقائق وبعرور يحاول بأقدامه الأمامية الفلفصة للهبوط من بطن أمه لكن السيدة ناقة توقف طلقها كما يقول العامة ، تشجعت وأمسكت بكتف بعرور وجذبته قليلا للخلف فشاهدته يتحرك ناحيتي فواصلت الجذب ؛ خلال هذا كنت أشاهد أمشير ينظر إلىّ مشجعا حتي ظهر ثلثي بعرور وفجأة إندفع مرة واحدة وسقط أرضا ؛ حاول بعرور الوقوف دون جدوى ، كما لاحظت الراحة على وجه أمه كما أقبل أمشير يلعق جسد بعرور ثم تبعته الأم بينما وقف شهاب ينظر إلينا كأنه ُيمني نفسه بتكوين أسرة مثل أسرة أمشير.

     حاول بعرور الوقوف لكنه سقط ثم حاول بمساعدة الأب والأم ، كرر المحاولة عدة مرات حتى إستطاع الوقوف بأرجل مرتعشة ، لا أعرف كيف علم بعرور بأنه يوجد بأسفل جسد أمه من الخلف مخزن طعامه وشرابه حيث أسرع بالقفز خلف أمه ومد رقبته الطويلة نسبيا بين رجليها وأمسك حلمات أمه وهات يا مص ، أقبل علىّ أمشير يسير الخيلاء وكأنه يخبرني بأن هذا ابنه وأنه أصبح منذ اليوم أب وقبل هذا بعام كامل وعدة أيام كان زوجا ، قبلته وقبلت السيدة ناقة موضحا لأمشير ما فيش غيره وخلينا حبايب وكأنه فهم ما كنت أبغيه ، أسرعت إلى المخزن وأحضرت علبة السجائر وقمت بإشعال سيجارة وكل نفس أقوم على سحبه أقترب من السيدة ناقة وأنفث الدخان بوجهها فتسحبه على الفور سعيدة ثم أشاهد الدخان يخرج من بين فتحات أنفها الكبيرة ، نهاية السيجارة كانت ناقة فى حالة طيبة مما جعلها تضع أنفها أرضا قريبا من أقدامى تحكها كى تشعرنى بأنها تقدم شكرها وثنائها لى.

     بعد أن تأكدت أن كل شىء على ما يرام جلست جانبا أمام النيران المشتعلة والدفء يسرى بأوصالى وأيضا الأضواء الناتجة من إشتعال العشب أدخل السكينة والسعادة إلى نفسي فغرقت فى نعاس عميق ، تنبهت من نومي بالدهليز على من يرفع المشمع السميك الذي كنت قد فردته كي يحمي الأم وطفلها من البرودة ، على ضوء النهار شاهدت الشمس تنعكس بضيائها على بشرة وشعر رحيل فأدخل هذا الطمأنينة إلى قلبي ، تحركت فشاهدت بعرور فأطلقت صيحة طيبة متأملة هذا المخلوق الجميل وأقبلت ناحيته وقبلت رأسه بين سعادة أمه وأبيه ، نهضت متثاقلا ووقفت أتحدث معها وسألتني أسئلة كثيرة عن كيف تم هذا ولماذا لم أوقظها لتحضر تلك اللحظة الجميلة ، غادرنا المكان بعد أن أزحنا الستارة فدخلت أشعة الشمس ونشطت الحيوانات وشاهدت بعرور يحاول القفز جريا حول أمه.

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech