Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الخامس

 

 

كتبها على لسان أبطالها

أســامة على الصــــادق

.....

الطبعة الأولى .. مارس 2012

الناشر: الكاتب

.....

تصميم الغلاف: ريهام سـهيل

.......

حقوق الطبع محفوظة للكاتب

موبايل: 01227970032

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

عزبة رضوان:

 

      أحد الأيام أقبل أحد العاملين بالعزبة وأخبرني أن رضوان باشا يريد لقاءك في الحال يا عم صديق ؛ قمت بالتوجه إلي قصر الباشا وهناك قام أحد الخدم بإصطحابي لأحدي غرف القصر المخصصة لإستقبال الضيوف ، بعد قليل أقبل الباشا تدفعه إحدي الخادمات علي كرسي متحرك فنهضت لإستقباله وصافحته وقبلت يده ، أشار إليّ بالجلوس وبعد الترحيب سألني عن السيدة أم صابر وبناتها وأحوالهم ، قمت بطمأنته عليهن وأخبرته بأنه بعد وفاة الهانم زوجته لم يعد هناك أحد يرعي الأسرة أو يهتم بهن ، غضب الرجل وطلب مني أن أقوم بتلبية طلبات الأسرة وأنه أعطي تعليماته لناظر العزبة بمنح تلك العائلة المرتب الذي كان يتقاضاه صابر قبل تجنيده ولو إحتاجت الأسرة أكثر من هذا المبلغ فعليك يا صديق أن تبلغني ؛ شكرته وطلبت منه بخجل أن يفك أسر شقيقتي صابر اللائي يعملن لدي حرم عصام ابنه وشقيقتها كخادمات ، نظرا لحالة أمهما وضيقها من هذا الأمر ، غضب الباشا وأسرع بطلب ابنه عصام وودعني مرددا:

 

ـ كل حاجه تعود لأصلها ، خلاص الرق والعبودية إنتهي زمانهم.

 

 

 

الفــهد في مواجهة جيش الدفاع

 

   مضت الأيام سريعة جميلة ممتعة بظهور هذا الكائن الصغير إلى الوجود، وكأنما عثر هارون على صديق يلاعبه حيث إستهوى الاثنان اللعب رغم إختلاف الحجم لكن العقلية كانت واحدة ، كان من الطبيعي أن يشعر هارون بمن يهمس بالخارج بصوت مبحوح ضعيف فينهض مسرعا رغم تحذير أمه ويخرج فيشاهد بعرور فى إنتظاره ، علي الفور تظهر الإبتسامة على وجه الطفل فيشعر بها بعرور الذى كان يقفز لأعلي ويتحرك يمينا ويسارا رغم كبر حجمه بالنسبة لهارون.

 

    عثر هارون علي من يلاعبه الكرة التي تركت دون إستخدام لفترة طويلة بداخل مخزن بالخيمة  ، خرج بها فتلقفها بعرور يدفع بها هنا أو هناك ويقوم هارون بدفعها أمامه فيسعد هذا بعرور وإنضم إليهما الكلب ليفي ؛ كل هذا أضفي إلى المكان الحركة والسعادة وأصبحت هناك لغة واحدة يتفاهم بها بعرور وهارون وليفي ، أصبح اللعب بينهم هو السمة البارزة وهذا أسعد رحيل التى كانت تخشي على هارون تدهور حالته النفسية لعدم عودة والده موشيه.

 

      بعد أن تناولت الطعام مع رحيل ؛ جلسنا نشرب أقداح الشاي مع التسلية بمشاهدة الأصدقاء الثلاثة وهم يلهون ببراءة ؛ فاتحتني رحيل فى موضوع محبب إلى نفسي وربطته بموضوع آخر كان مفاجأ لي ، الموضوع الأول هو زواجي وطلبت مني أن أعد نفسي للحياة بسيناء تحت حماية الإحتلال الإسرائيلي ، ومن أجل هذا يجب عليّ أن أتزوج وأقترن بمن أحب ويهواها قلبي ، في سياق الحديث قالت دون حرج : إن كنت أرغب بالزواج منها؟ أدهشني هذا الطرح ؛ فقد تعاهدنا منذ أكثر من عام على الإخوة الصادقة.

 

      لم أجبها بينما علقت هي بأن زواجها من غير يهودي مخالف لديانتها ولكن حبها لي ولبلدها مصر دفعها لهذا ثم أشادت ببعض التعبيرات والصفات التي تمس خلقي وما أتمتع به من خصال جعلتها دون وعي بأن تفكر بى رغم ما سبق من العهد الذي تم بيننا ؛ أيضا الفارق العمري والذي يصل إلي خمسة أعوام.

 

   نهض كل منا ليقوم بأداء العمل المكلف به ، رحيل ستقوم برعاية منزلها بينما توجهت للباب الخارجي حيث أقبلت منذ دقائق بعض الأسر البدوية إنتظارا لصرف الإعانة التموينية ، ظهر هذا اليوم أنهيت ما نويت القيام به ولم يعد أحد من البدو ينتظر بالخارج ليحصل على نصيبه من المساعدات ، خلال تلك الفترة إصطحبت رحيل هارون ابنها للداخل حيث تناول طعامه وخلد لنوم مريح بعد عناء اللعب مع صديقيه.

 

     توجهت لخيمة المساعدات بعد أن توضأت لأداء صلاة الظهر قبل أن يقترب العصر ، شاهدت بعض أطباق بها طعام ، فقد أحضرت رحيل طعام الغداء ووضعته بجوار أجولة الدقيق حتى لا أتجه للخيمة وأتناول الطعام معها ، رغم ضيقي من هذا التصرف لكنني إعتدت علي تصرفات رحيل والتي تقوم بها من حين لآخر ، حيث إعتادت على القيام ببعض التصرفات الغير سوية ولا تسير على نهج واحد ، وبالتالي لم أعد قادرا على تحديد الأسلوب الأمثل للتعامل معها.

 

    فأنا أعلم أنها سيدة فاتنة ورائعة لكنها يهودية وقبل هذا وذاك شاهدتها فى أحضان رجل قتل زوجها ، كان هناك عاملان هامان يمنعاني من إقامة أي علاقة مع رحيل ، رغم حبي لها ولقد زينها لي الشيطان مرات عديدة ، لكن العاملين الهامين وهما ، تذكر الله وهذا هام في مثل تلك الأحوال ، والثاني مشهد علاقتها بجاستون حينما شاهدتها غارقة في أحضانه في أول لقاء ، لقد أصابني هذا المشهد بالضيق والقرف ، كيف تواتيني القناعة بأن أقترن بتلك السيدة ، كما علمت أن الطفل الذي سوف تنجبه سوف يصبح يهوديا وبالتالي إسرائيليا ، أردد .. تبقي مصيبة ؛ ابني يهودي إسرائيلي ، "ما فيش بيت فيكي يا مصر ما إنضرش من إسرائيل "، عدد الشهداء بالآلآف من المصريين بسبب الإسرائيليين غير مئات الآلآف من الجرحى ، مش ممكن ، وبعدين: "تبقي إيه رحيل قدام تراجي الجميلة الرقيقة الصغيرة ، مش ممكن يا رحيل ، خليني كده على البر" ، ظللت أسلك هذا النهج حين يشتد بي الشوق إليها أو حين تهم ناحيتي مسلطة كل أسلحتها القوية والتي تجيد إستخدامها ببراعة.

 

    ليلا وقبل الدخول فى النوم هاجمتني ذكري رحيل وما كنت أشاهده من مفاتن بحكم القرب بيننا أو بحكم الخادم لسيدته ، هاجمني الشيطان وشعرت بأنني صابر آخر غير صابر قبل هذا اليوم الحزين والتى ألهبت حواسي الشيطانية بما قالت ، إستغفرت الله وشعرت بأن جسدي يكاد يحترق من الإنفعال والعرق ، بدأت فى تلاوة القرآن ، في بداية التلاوة وفي الآية الأولي تخيلت بأنني أشاهد رحيل ؛ تنبهت وفزعت فقد زينها لي الشيطان ؛ بل شعرت بأن ما أشاهده ليس سوى الشيطان نفسه وليس رحيلا ، لا أعرف كيف أصف الحالة التى كانت عليها رحيل حينما أقبلت للحديث معي بالخيمة " مخزن المساعدات" التي أنام بها بجوار أجولة الدقيق؛ ثم تحدثت قائلة:

 

    صابر .. إسمعني .. أنا في إحتياج لراجل خاص بيا ، عمري خمسة وعشرين سنه ، لسه قدامي سنين طويلة ومش معقول ح أعيد تجربة جواز تانيه من واحد معفن زي جاستون وقبله موشيه ، بتبص ليا كده ليه ، أيوه موشيه كان معفن وماعندوش شرف ، عايز فلوس ومركز ووظيفة مضمونة وللأسف ده حال كل رجال إسرائيل ، أيوه .. المنظمات الصهيونية تستخدم الرجاله اليهود بدول الشرق الأوسط لتنفيذ خططها للحصول على المال من دول العالم الكاره للعرب والمسلمين وعشان كده رجال الدين اليهودي حللوا الحرام عشان يحصلوا على الفلوس ، لكن مين اللي ح يتباع فى سوق الجواري؟ إحنا .. نساء اليهود اللي من الشرق وبالذات بنات مصر لجمالهن ورقتهن ، كل ده تحت مسوح الدين وإقامة وطن قومي .. وطن قومي ، مصر مش كانت وطن قومي؟ تعرف يا صابر أننا كنا عايشين فى مصر أحسن من إسرائيل ، كانت الناس بترفعنا لفوق ويقولوا علينا خواجات ، كانوا بيعملونا أحسن ما يعاملوا بعضهم لأننا خواجات.

 

     إيه يا صابر!!  بتبعد عني ليه؟ كده برده ، طيب أنا معنتش ح أكلمك ؛ نهضت رحيل مغادرة المكان وقبل أن تترك الخيمة عادت وإرتدت روبا سميكا كي تحمي جسدها من البرودة الشديدة حيث تخلصت منه في بداية الزيارة ؛ وكانت ترتدى أسفل منه ملابس شفافة بدرجة كبيرة.

 

     ظللت خلال ذلك اليوم لا أعرف كيف أقوم بتأدية الصلاة ، لقد غمرني الشيطان بتلك الملذات التى تسللت للخيال والتي زينها لي الشيطان وكيف أننى سوف أغرف من هذا الطبق .. طبق رحيل وجسدها الجميل الذي شاهدته ، شعرت بأنه من الواجب عليّ أن أغادر المكان متجها لأصدقائي رجال الحدود كي أحتمي بهم وأبتعد عن هذا الشيطان الجميل ، بعد أن تأكدت بأن رحيل أوت إلي خيمتها تسللت وجهزت شهاب لرحلة طويلة ومعتادة متجها لزيارة رجال الحدود ، تسللت برفقته خارجا وأغلقت الباب الخارجي بهدوء وقفزت على ظهره بعد أن وجهته جهة الجنوب فعلم الجهة التى نحن متجهين إليها.

 

    توقفت لأستمع لبعض الأصوات المرتفعة ، كانت لطابور من الدبابات التى تتحرك على المحور ، انتحيت جانبا بشهاب حتى تمر تلك الدبابات ، إستغرق هذا وقتا طويلا حتى شارف ضوء الصباح علي الظهور ، شعرت بخور فى بدنى ورغبة بالنوم ، ترنحت وغبت عن الوعي ، سمعت صهيل شهاب ، لم أهتم بهذا ، مازال شهاب يصهل ثم ضرب بأقدامه أرضا ففزعت فشاهدتها أمامي ، السيدة العجوز ، خشيتها ثم عاد إلىّ الشعور بالإطمئنان ، هبطت من فوق الجمل متسائلة: مالك يا صابر؟ فيه إيه مضايقك؟ لا أعلم كيف إنزلق لساني لأخبرها بكل ما دار بيني وبين رحيل فى الأيام الأخيرة وبالأخص تلك الليلة حيث أقبلت لتلحقني بزمرة العاصين.

 

     ربتت على كتفي طالبه مني العودة لرحيل وأخبرها بالموافقة إذا هي تركت الديانة اليهودية ودخلت فى ديانتك ، تساءلت : وماذا أفعل لو وافقت؟ ضحكت من حديثي ولم ترد على إستفساري ، تنبهت لرغبتي السابقة بالكشف عن غموض تلك العجوز ، أسألها من أنتِ؟ تجيب علي سؤالي: صابر أنا سيدة مصرية قتل ابنها الوحيد العام الماضي أثناء رعيه للجمال والأغنام ، ومن أجل هذا قررت إستغلال كل طاقتي ومعرفتي بكل جزء بسيناء للقصاص من هؤلاء القتلة ، ألم تسمع بأن هناك تنظيما بسيناء يقتل العديد من الإسرائيليين؟ أجيب على سؤالها:  لا أعلم ؛ ولكن كيف تظهرين فجأة وتختفين بنفس السرعة؟ صابر ؛ تلك قدرة الله التى كنت أدعوه فجر كل يوم لمساعدتي بسرعة الإختفاء عن الأعين حتى لا أقع فى قبضة الأعداء ؛ ضحكت وهي تستودعني وتخبرني بأنها سوف تلقاني كثيرا.

 

     جلست أستوعب هذا الدرس وقررت العودة ، فقد حصلت على النصيحة وما عليّ سوى أن أخوض التجربة ، عدت فشاهدت السعادة على وجه رحيل ، دخلت الخيمة فوقفت أمامي تنتظر رد فعلي على تصرف الأمس ، إقتربت منها محاولا إحتواء جسدها بين ذراعيّ ، دفعتني قليلا للخلف متسائلة: هل وافقت على عرضي ، حركت رأسي دليلا على الإيجاب، ضحكت مرددة: محدش يقدر يقف قدام أنوثة وجمال رحيل ، أقاطع كلامها راغبا بالحديث ؛ تشير بالموافقة لي فأخبرها بما قالت المرأة العجوز ، لم تدعني أكمل كلامي وطردتني خارج الخيمة بعبارات سيئة كلها سباب يحمل بين طياته كل كره وتحقير لكل مصري ولكل مسلم.

 

    مازالت ثائرة حانقة تلقي عليّ بكل ما هو بذيء من عبارات وكلمات : أنت فاكر نفسك بني آدم؟ أنت عبد ذليل ليا ولكل واحد يهودي ، إنت متعرفشى أنه يحق لكل يهودي إنه يستخدم الرجاله الغير يهود كعبيد ونسوانهم يتسلي بيها الرجال ، إنتم مالكمشى حق تتملكوا أي حاجه ، إنت نسيت إن جدك الأكبر فرعون الكلب حاول قتل أجدادي لكن الرب أنقذهم وغرقه هوه واللي جابوه ، إخرج بره يا عبد يا بن العبد ، روح نام مع الجمال والحصان ولو عديت بره المركز ح أبلغ فيك المخابرات العسكرية يدوروا عليك ويضربوك بالنار لأنك قتلت جاستون القائد بتاعهم ، وعلى فكره محدش ح يصدق لو قلت لهم إنى اللى وزيتك عليه ، أخرج بره ... بره يا كلب.

 

      لم أشعر إلا وأنا أسير مطأطأ الرأس متجها إلى سرداب الحيوانات وألقيت بجسدي أرضا ونمت معهم حتى صباح اليوم التالي ، أسمع صوتها تنادي على اسمي واسـم ليفي ، أغادر السرداب فأشاهدها تنظر إليّ وإلي كلبها ليفي ثم وضعت وعاء به الطعام وهي تردد ، دا أكلكم .. أنت وهو مستوي واحد ولو فيه خنزير كنت ضميته لكم لأنك من طبقة الخنازير ، لم أعد أستطع التمييز أو التفكير فلقد أغلقت رحيل كل نافذة أمل أمامي ولم تترك لي الخيار وأصبحت مهددا ًبالإعتقال والقتل جراء قتل جاستون.

 

    مضي على هذا الحال أسبوع كنت خلاله أشعر بتعاطف الجمال وشهاب، بعد ُمضي أسبوع أصابني الضيق والقرف والجزع من تناول الطعام مع الكلب ليفي رغم أنه أرق حالا من رحيل ، هذا اليوم أقبل عليّ أمشير يبغبغ بحركات من فمه وبعض رغاوي ، لم أمتثل لما يبديه من دعابة ، مما دفعه لأن يدفعني فنهضت واقفا فدفعني أمامه فى إتجاه الناقة ؛ أصابتني الدهشة حين أشار بفمه إلى ضرع الناقة ، وقفت صامتا فأعاد تصرفه السابق ، كنت راغبا بتناول أى طعام بعيدا عن طعام رحيل ، تشجعت ووضعت فمي بضرع الناقة التى كانت تقف ساكنة ، شعرت بأول نقطة تذوقتها وتأكد لي أن هذا اللبن ذو طعم طبيعي وأستطيع أن أستسيغ مذاقه بدرجة كبيرة ؛ تشجعت بمواصلة مص اللبن حتي شعرت بأن معدتي قد إمتلأت ، بعد أن إرتويت وإنتهيت قبلت رأس الناقة فحركت رأسها ناحيتي بما يعني ولا يهمك وتعال كل يوم ؛ لم أنس رجل البيت سي السيد فقبلت رأسه أيضا فأخرج بعض الرغوة من فمه ثم قبلت باقي أفراد الأسرة أي الرضيع بعرور ولم أجد بدا من مداعبة وتقبيل رأس شهاب ؛ ثم أسرعت وأحضرت له بعض قطع من السكر.

 

     مضي  علي الفورة وسوء خلق رحيل أسبوعان ؛ خلال تلك الفترة لم ألتق بها حيث كانت تصدر تعليماتها لي من خارج السرداب وأنا أقوم على تنفيذها ؛ خلال تلك الفترة أدهشني عدم حضور تراجي ؛ حيث كنت فى أشد الإحتياج إليها ؛ شعرت رحيل بأنني لم أعد أتناول الطعام مع ليفي ؛ حيث كانت تراقبنا أثناء التنافس بيني وبينه على الطعام ، أصابتها الدهشة ومن أجل هذا طلبت مشاهدتي ولقائي ؛ نهاية الأسبوع الرابع للقطعية كان هذا اللقاء الأول حيث توقعت بأنني قد أضربت عن الطعام ، خرجت عليها فصدرت منها شهقة بما يعني مش معقول حيث كانت وجبات ألبان الإبل قد أثرت على حالي بدرجة كبيرة ودفعت بى للعافية مع تحسن حالتي النفسية بالعيش مع تلك المخلوقات الهادئة وتلاوة القرآن وما حققته من إنتصار على شيطان رحيل.

 

     بكلمات قليلة واضحة قالت رحيل : بكره ح تيجى عربية من إدارة المساعدات وح تروح معهم لمدة أسبوع  تتعرف على أسلوب الشغل وموقع المستودع الرئيسي ، كمان ح يحاولوا يعلموك سواقة اللوري عشان تقوم أنت بالعملية دية ، فاهم مش عايزه تخاذل وأي تصرف غبي منك ح تكون نهايتك علي يد رجال جاستون ، اليوم التالي أقبلت العربة اللوري حيث كنت مستعدا لتنفيذ تعليمات وأوامر السيدة ومن أجل هذا قمت بوداع أصدقائي من الحيوانات وأيضا هارون ؛ قفزت وجلست بجوار السائق الذي تبين لي أنه يهودي لبناني وظل يحدثني عن جمال لبنان والمطربة الشهيرة فيروز ، بداخل المعسكر كانت الأمور سلسة حيث أخبروني بأنهم قيدوا اسمي للخدمة بقوات النحال وهي القوات التى تخدم على الحدود والأماكن الإدارية ويكثر بها العنصر النسائي وأن قائدي المباشر الكابتن رحيل ، ظللت فى ضيافتهم شهرا كاملا حتى أجدت قيادة اللوري وعلمت كيفية التدوين بالدفاتر وأسلوب تخزين المواد التموينية.

 

      عدت أقود اللوري الذي أصبح في عهدتي وأنا المسئول عنه حيث كان محملا ًبالمساعدات ؛ شاهدتني رحيل فأسعدها ما قامت به معي ، أمرتني بتفريغ حمولة اللوري بالداخل ، ظللت أربع ساعات أقوم على تفريغ الحمولة حتى أصابني الإنهاك والتعب ؛ نمت ليلتي تلك بالزى العسكري المسلم لي من قيادتي بمنطقة بئر سبع ، نهضت صباح اليوم التالي أحسن حالا فتوجهت لأصدقائي من الحيوانات الذين أسعدتهم رؤيتي وكل واحد منهم إستقبلني بما يليق بى وشعرت أن بعرور قد نما عوده خلال تلك الفترة كما شاهدت هارون مقبلا نحوى سعيدا وبرفقته ليفي وإنضم إليهم بعرور ، أقبلت رحيل تداعبني وأعادت وصلة الإخوة ثانية مقدمة إعتذارها عن أي شيء قد أثارني أو ضايقني ، لم أهتم بما تقول لكن تأكد لي أنها سيدة لا أمان لها.

 

     أخبرتها برغبتي بزيارة تراجي فصرحت لي وأخبرتني بأن تراجي جاءت تسأل عنك وقت أن كنت تقوم بالتدريب بالقرب من معسكر "مسكوني" القريب من مدينة بئر سبع ، ركبت فوق ظهر الجمل البركة وتركت أمشير مع أسرته متجها إلى قبيلة تراجي حيث فوجئ بى القوم فإنشرح صدرهم وإستقبلوني أحسن إستقبال ؛ حصلت خلال تلك الزيارة على كل حب وتقدير وشعرت أن مشاعر وأحاسيس تراجي ناحيتي قد نمت وكبرت مثلما كبر بعرور ولم أخبرها بما حدث بيني وبين رحيل سواء من محاولة الإغراء التي قامت بها أو من سوء الحديث التى وجهته لي ؛ حيث أن علاقة الإخوة مازالت هي الأساس رغم أن تراجي  قبل ذلك حاولت التسلل إلى ما يمكن أن يحدث بين سيدة وشاب يعيشان سويا فى مكان واحد لأكثر من عام ؛ تبتسم وهي تردد: حكاية الإخوة دية مش نازلالى من زور!

 

     ُعدت إلى مركز المساعدات فى المساء ، اليوم التالي طلبتني رحيل كي تشعرني بعودة الحياة إلى مجاريها ثانية ؛ تقمصت شخصية الأخت الكبرى كما وضعتني فى خانة الأخ الأصغر ، لم أعاتبها على ما قالت أو تصرفت لكن كل هذا أسررته بنفسي ، قمت بأداء عملي بهمة ونشاط وأصبحت أجلس مع أسرتي من الحيوانات وما زلت أهمل طعام رحيل مما أدهشها وحينما علمت منى بتناول لبن الناقة أصابها نوع من الجزع والغثيان.

 

    مضي شهر على عودتي من بئر سبع ، هذا اليوم أخبرت رحيل برغبتي لزيارة أصدقائي وحمل بعض المؤن الغذائية لهم ، وافقت ومن أجل هذا أخذت معي فى تلك الرحلة كلا من أمشير والبركة لحمل المؤن التى كانت كبيرة حيث ضاعفت الكميات نظرا لبرودة الشتاء كما إنني إستطعت توفير بعض المعونة الزائدة والتى لم تضف إلى الحصة التى تسلم إلى مستودع رحيل؛ فقد ساعدني الجندي اللبناني الذي تعرفت عليه حينما علم بعشقي لأغاني فيروز بمدي ببعض الزيادات من المواد ؛ خلال الرحلة لأصدقائي أخذت صهوة شهاب وتحركنا عيانا بيانا ًخلال النهار ، لم أكن أخشي الأعداء حيث كنت أحمل معي تحقيق شخصية يثبت أنني أعمل بجهاز المساعدات الإنسانية بالأرض المحتلة ، وكأنما القدر راغبا بألا أتعرض لمواقف صعبة حينما يكون معي الإثبات القانوني الذي يتيح لي الحركة فلم ألتق بالأعداء.        

 

     أثناء سيري توجهت إلى السرداب بجبل الحلال والذي يعتبر مخزن المعلومات المتبادلة بيني وبين زملائي بالحدود وأيضا يعتبر مخزن الأغذية التى أحضرها وأتركها لهم بهذا المكان ، شاهدت ورقة أسفل مجموعة الأحجار أسفل بعض العشب الجبلي ، إذا هناك رسالة فى إنتظاري ، أمسكت بها وقرأت السطور القليلة والتى تخبرني فيه بأن الفصيلة غادرت موقعها وتحركت لموقع متقدم غربا فى إتجاه الخليج بجوار منطقة عيون موسي والتى سبق وأن توجهت إليها فى بداية عملي للبحث عن ورقة مريم كي أضيفها لطعام أمشير كي تمنع توتره وهياجه الجنسي.

 

      وصلت لموقع رجال الحدود الجديد والذي يبعد حوالي خمسين كيلو عن الموقع الأول ، شاهدت الرجال الأشداء وشاهدت أثر الجوع الذي تعرضوا له خلال فترة غيابي ، وحينما ظهرت لهم هلل الرجال لأنني مازالت على قيد الحياة بل وأتمتع بصحة جيدة ، علمت وشاهدت ما يقوم به المهندس عزيز ميخائيل وزميليه من مجهود لنقل خطوط نقل البترول الخام خلال الشهور الفائتة ، لقد ظلوا لفترة ثلاثة أسابيع يقومون مع رجال الفصيلة ليلا بنقل مواسير البترول الخام المعدة كي تستخدم كخط للمياه وذلك بأن نقلوها للموقع الجديد حتى إستطاعوا نقل ثلاثمائة ماسورة حديد كل واحدة ذات طول عشرة أمتار ولا يقل وزنها عن مائة وخمسين كيلو جرام وبهذا إستطاعوا بإمكانيات ضئيلة إنشاء خط للمياه سعة عشرة بوصة يقوم بسحب المياه من عيون موسي ودفعها للأمام لتصب في المنطقة الرملية المسطحة بعيداً عن المناطق الصخرية إستعدادا لقيام الرجال بزراعة بعض النباتات التي يحتاجون إليها للإعاشة حيث يقومون بسحب المياه من العيون القريبة ثم دفعها فى هذا الخط مستخدمين فى هذا بعض ماكينات  الشفط التى كانت بداخل مخازن بئر البترول كما إستخدموا البترول الخام الذي إستطاع المهندس عزيز إبتكار طريقة يدوية لتكرير نسبي له كي يمكنه من تشغيل الماكينات التي تقوم بشفط المياه من العيون ودفعها بالخط ، كان الرجال يستعدون لإقامة زراعة متنوعة تكفي حاجاتهم.

 

     أخذت بيد الشاويش إدريس لأحد الأجناب وأخبرته بكل ما دار بيني وبين رحيل سواء برغبتها بالزواج بى ثم لقاء السيدة العجوز وما أخبرتني به ورد فعل رحيل العنيف ثم إرسالي إلى معسكر مسكوني ببئر سبع ، صمت إدريس قليلا ثم قال: لو إستطعنا استخدام كل ما تم بطريقة سليمة فسوف نستفيد إستفادة كبرى تعود على الوطن بالنفع ، سر على بركة الله ولا تخشي أن توشي بك تلك السيدة ، فأنت آخر خط أمان لها ولابنها وهى تعلم أن الإسرائيليين لو أرسلوا شخصا آخر بديلا عنك فسوف يصيبها هذا بالضيق خصوصا أنهم سوف يرسلون بيهودي من اليمن وما لهم من طباع شرسة بل سـوف يسـتخدم هذا الرجل رحيل لمتعته الذاتية بالإضـافة إلي

 

ما يحمله من عادات سيئة نحن نعلم عنها الكثير ، ثم نظر إلىّ قائلاً: ألم يخبرك الرجال بالعملية التى قام بها العدو ضدنا خلال الفترة السابقة ، نفيت هذا فأسهب الرجل وتبين لي أنهم قاموا بالعديد من عمليات قطع الطرق وقتلوا العديد من جنود العدو وقد بلغ عدد من قاموا بقتلهم ستة جنود وأحد الضباط كما تم جرح العديد منهم وفي المقابل إستطاع الإسرائيليون معرفة موقعهم وهاجمتهم قوات محمولة جوا وتبادلوا إطلاق النيران الكثيف وقد إستمرت المعركة عدة ساعات كانت نتيجتها إستشهاد كلٌ من توكل       وعبد الحق اللذين كانا مثالاً للشهامة والطيبة والتدين والورع ، بالإضافة إلى مصرع خمسة جمال ، صمت إدريس قليلا بينما الدموع هاجمت عينى ونهضت مسرعا مستترا بأحد الجمال أبثها لوعتي وحزني على هذين الرجلين وعلى الجمال الصابرة التى كنت أرعاها وأقدم لها الطعام ، بعد قليل أقبل إدريس وتحدث معي ووجدت نفسي أخبره بالحالة التى أصبحت عليها والتي تهاجمني من حين لآخر ورغبتي فى النساء وهذا الشأن لم أكن أفكر فيه قبل ذلك سواء قبل لقاء رحيل أو بعد هذا بعدة شهور ، تساءل الرجل : هل قمت بشرب لبن الناقة التى أنجبت منذ عدة أشهر؟ أجبته بالإيجاب ، ضحك من إعترافي وطلب منى التقليل من شرب هذا اللبن لأنه يساعد على النشاط وبالأخص الناحية الجنسية ، ضحك معلقا : فاكر لما كنا بنبعد أمشير عن تناول حشائش أبو ُخسبا ، حالك من حاله حيث كانت تلك الحشائش تزيد من نشاطه الجنسي ، ضحك مرددا لقد أصبحت مثل أمشير. 

 

     غادرت موقع الرجال عائدا أحمل بين طيات نفسي كل الكلمات الطيبة لما أقوم به كما أشعرني الشاويش إدريس بأن خطوة الإنضمام لقوات النحال

 

بجيش الدفاع الإسرائيلي سوف تفتح الباب أمامي للحصول على المعلومات محذرا إياي بألا ألهث خلف المعلومة لكن من الواجب عليّ تركها تأتي إليّ طواعية ، أيضا عليّ ألا أهتم بها لأن الأعداء سوف يضعوني تحت المراقبة لفترة وقد يكون الغرض من ضمك لتلك القوات بغرض الكشف عن أسرار التنظيم الذي تنضم إليه ومن أجل هذا عليك اليقظة والإنتباه ، أيضا عليك عدم العودة إلينا مرة أخري وعليك إحضار المؤن إذا إستطعت ولتضعها بالسرداب الموجود بجبل الحلال والذى تحتفظ فيه ببندقيتك وذخيرتك وإذا رغبنا فى لقاءك فسوف ينتظرك البعض هناك كي يلتقوا بك حتى لا يتبعك العدو ويقتحمون موقعنا ويقضون علينا.

 

    أثناء العودة إلتقيت بالسيدة العجوز ووقفت أتحدث معها وأخبرتها بما حدث وما قاله لي الشاويش إدريس ، أيدت نصائحه وأضافت لي معلومة أخري حيث قالت: إذا وصلتك معلومة هامة فأكتبها وضعها في عبوة لا تنفذ منها المياه وعليك بوضعها أسفل ماسورة المدفع المدمر والتى علاها الصدأ والمجاورة للموقع الذي دمرتم فيه عربتين مدرعتين للعدو قريبا من جبل الحلال ، الآن أستودعك الله وإختفت بسرعة كعادتها.

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech