Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الخامس - رق الحبيب

 

 

رق الحـبيب

 

      ظلت العلاقة طيبة بيني وبين رحيل ورغم هذا كان يراودني من حين لآخر هاجس الخوف بأن تعود لمزاولة الضغط عليّ ، مضي علي حادثة محاولة رحيل تغليب عاطفة الشهوة على علاقة الأخوة عدة أسابيع كنت خلالها فى حالة من السكون ؛ حيث كنت أقوم بأداء عملي خير قيام سواء بإحضار المؤن من المستودع الرئيسي أو بالقيام بصرف تلك المؤن للعائلات البدوية الفقيرة التي تأتي إلى نقطة التوزيع التي تشرف عليها رحيل ، أيضا كنت أشعر بسعادة طوال نهار اليوم بما أشاهده من تفاهم غريب ومدهش بين كل من هارون وبعرور والكلب ليفي ، لا أعرف أو أعلم لغة التخاطب بينهم حيث كانوا يقتفون أثر بعض بل أنه حين يحين موعد رضاعة بعرور كانت أمه ترسل أصواتها تطالبه بالعودة إليها كي يتناول طعامه بعدها يتركها ليلهو مع أصدقائه.

 

     خلال رضاعة بعرور كان كل من هارون وليفي ينتظرانه قريبا من مكان وقوف أمه التى كانت تزمجر غاضبة حين تركه للرضاعة والنظر لأصدقائه بما يعني أنا ح أخلص الرضاعة وأجي بسرعة كي نلعب وربنا يفرجها وأكبر وأعتمد على نفسي في الأكل زيكم ، حين ينتهي بعرور من وجبته يترك أمه ويقفز لأعلي بينما هارون وليفي يهرولان خلفه ، وخلال ذلك تقوم أم بعرور ووالده أمشير بمتابعته بشغف ولهفة ، كانت تلك العلاقة تجذبني للمشاهدة مما دفعني لمتابعتهم وتجاهلت عن غير عمد نداء بعض البدو الراغبين فى صرف المستحقات التموينية التى جاء موعد صرفها مما دفع برحيل إلى رفع عقيرتها طالبة منى فتح البوابة والقيام بواجباتي وترك الصغار فى لهوهم.

 

   نهضت متثاقلا بضيق لمن كدر صفو متعتي لمتابعة تلك العلاقة بين مختلف المخلوقات اللذين يجمعهم حب اللعب واللهو ، تحركت تجاه البوابة الخارجية فشاهدت من خلال الأعمدة الحديدية من لم أكن أتخيل لقاؤها ، لقد أقبلت تراجي وشاهدتها باسمة الطلعة رقيقة البسمة مخضبة البشرة وقد ظهر ثغرها عن إبتسامة طيبة مرددة:

 

ـ كيفك صابر؟

 

ـ الحمد لله ، أزاي أحوالكم وأحوال عم إسماعيل

 

ـ كلتنا بخير ، كلتهم باعتين لك سلامات كتير أكبر من جبل لبني

 

ـ شكرا تراجي ، فتحت البوابة وسارت تتهادي بخيلاء بنات حواء وسرت خلفها حتى جلست قريبا من خيمة رحيل التى كانت تتابع المشهد منذ بدايته فضحكت معلقة:

 

ـ يخرب عقلك يا صابر .. دا أنت حكايتك حكاية .. كده يا تراجي تلخبطي حال أخويا؟

 

ـ نظرت إليّ تراجي راغبة أن تستوعب الكلمة ، أخويا!!

 

   عادت رحيل لشأنها بينما كنت أقوم على تجهيز الصرفية الخاصة بأسرة تراجي التى لحقت بى عند المخزن راغبة بمعرفة ما سمعته منذ قليل.

 

ـ صابر .. إيه حكاية أخويا؟ أنا عارفه إنها يهودية ، هو أنت زيها يهودي؟

 

ـ لأ مش كده .. الفكرة أننا أخوات فى الوطن ، أصلها مصرية زيّ وزيك لكن الظروف دفعتها تروح إسرائيل.

 

ـ وتخدم فى جيش الدفاع بتاعهم؟

 

ـ زي حالي ، مش أنتِ زعلتي من الحكاية دية ؛ إقتربت مني باسمه.

 

ـ صابر .. أنا أحبك!!

 

ـ يخرب بيت عقلك يا تراجي ، دا أنت بقيتي جريئة ، مش خايفه لحد يسمعك؟

 

ـ صابر .. الإنسان البطل اللي يعمل لصالح بلده لازم كل الناس تحبه وخصوصا اللي جلبها بيميل ناحيته

 

ـ قصدك إيه؟

 

ـ أم سينا جت ليا أولة إمبارح وحكت ليا على كل اللي عملته من أجل بلدنا

 

ـ أم سينا؟ مين أم سينا؟

 

ـ الولية العجوزة اللي بتجابلك كل كام يوم!!

 

ـ ياه .. اسمها أم سينا؟

 

ـ كل الجبايل بتجول عليها كده ، محدش يعرف هيا من جبيلة مين ، محدش يعرف دارها فين ، ناس كتيره بتجول إنها طول الليل والنهار بتلف من مكان للتاني وشايله معاها على ضهر الجمل شيكارة فاضيه فيها هدمتين وغطا للنوم وكام صحن ، بتنام فين ما نعرف؟ والنبي لما تجابلك إبجي ناولها شوية طحين وشوية سكر وشاي ، أصلها غلبانه خالص من يوم ما ضناها جتلوه اليهود وهيا بتلف سينا زي النحله ، صابر .. أم سينا هيا اللى جالت ليا علي إللي عملته واللي ودا اليهود في داهية فى جبل كاترين ، بس وصتني ماعرفش حد حتي أبويا لأن ده خطر عليك.

 

ـ ياه يا تراجي .. الست دية محتاجه للعون؟ عمرها ما طلبت مني ولا كسرة خبز

 

ـ ماتعرف أن فيه ناس عنديهم عفة نفس وجناعه؟ هيا منهم ، عمرها ما طلبت حاجه من حد ، بس لما تجابلك إبجي إعزم عليها تاكل وجدم لها شوية الطحين والسكر وربنا يكافئك.

 

     ظل حوار تراجي يطن بأذني ليس بسبب ما قالته عن شخصي من البطولة وخلافه ولوصفها لحال تلك المرأة العجوز أم سينا التى تقوم بقطع سيناء شرقا وغربا ليل نهار حر وبرد وتتعرض لكمائن اليهود وكل غرضها خدمة وطنها والإنتقام ممن حرمها نعمة الابن ونعمة الإستقرار ومن أجل هذا قررت أن تذيقهم مرارة البؤس وعدم الإستقرار كي يتجرعوا من كأس الحزن والبكاء وفقد العزيز.

 

      أثناء الليل تسلطنت كما يقول العامة وقمت بتقليد أم كلثوم وهي تتغني بأغنية "رق الحبيب" إحتفالا بعودة الحبيب تراجي إلى أحضان قلبي الذي أفتقدها عدة شهور وما قامت به من الهجر والبعد عني بسبب إستنتاجها بأنني خائن لوطني ولكن حين علمت الحقيقة أقبلت سعيدة فرحة حتى لاحظت أنها كانت في حالة من التردد وأنها راغبة بأن تمنحني مكافأة البطولة بحضن ناعم دافئ القلب مثلها ، يا لكي من عزيزة رقيقة يا تراجي ، وشكرا لأم سيناء وأم المصريين وأمي ، طفرت بعض دموع من عيني حين تذكرت الأم فعدت بذاكرتي لما كانت تقوم به أمي بعد وفاة أبي كي تقوم على رعايتنا وإطعامنا ، أردد .. آه .. الجنة تحت أقدام الأمهات .. لك الفخر والعظمة يا مصر بأمهات أنجبتهم منذ قديم الأزل وأذكر منهن " آسيا زوجة فرعون التى حنت على نبي الله موسي وأم موسي لما تحملته من آلآم فقد الرضيع بإلقائه في النيل ثم هاجر أم إسماعيل نبي الله والتى ظلت وحيده فى صحراء الجزيرة العربية بوليدها ، أيضا زوجة سيدنا محمد السيدة ماريه القبطية وشجرة الدر التى سارت بالحكم أثناء تهديد الأعداء لمصر وأخفت على الجميع نبأ وفاة زوجها الملك الصالح أيوب حاكم مصر في تلك الحقبة ثم مرورا بالعصر الحديث من سيدات نفخر بهن فى مجالات العلم والأدب والفن وخلافه ، إن تراجي حفيدة تلكم النسوة وأيضا رحيل لكن السياسة أفسدت الكثير من النفوس وأذلت الكثير من المبادئ والقيم.

 

     مضي على هذا اللقاء الدافئ بتراجي أكثر من شهر ، أثناء جلوسي ليلا وحيدا أعد النجوم فى ظلمة الليل الطويل شعرت بمن يقترب من موضع جلوسي بالمنطقة القريبة من أصدقائي وأحبائي من الحيوانات ، شاهدتها فى ظلمة الليل وكأن مصباحا يتحرك ، كان الضياء ينير هذا الوجه الطيب الذي لاقي العذاب والهوان على الكبر ، نهضت أقبل يدها :

 

ـ أهلا أم سيناء

 

ـ شكرا يا صابر

 

ـ إيه رأيك ناكل سوا؟ أنا م أكلتش لحد دلوقتي

 

ـ بقالك أد إيه مكلتش؟

 

ـ خمس ساعات

 

ـ اللي جدامك محطتشي كسرة خبز فى معدتها من تلات تيام!!

 

ـ حالا ح أروح أجيب الأكل وناكل مع بعض ، خدي راحتك لحد ما أجيب الأكل .. إدخلي ريحي جسمك جوه في المخزن وأنت عارفه المكان.

 

   أسرعت لخيمة رحيل ودخلت المطبخ بهدوء فشعرت بى وتساءلت عما أريده؟ أخبرتها بأنني أعد أكله بسيطة ، عرضت مساعدتها فشكرتها وطلبت منها أن تظل بجوار هارون ، أخذت الكثير من الطعام وتوجهت لأم سيناء ودخلت عليها فشاهدتها تغط فى نوم عميق ، حاولت إيقاظها لكن السيدة كان باديا عليها الإرهاق ، تركتها وظللت أراقبها أثناء نومها فغفوت أيضا ولم أنتبه إلا على صوتها راغبة بالبحث عن الماء كي تقوم بالوضوء لتؤدي صلاة الفجر والصبح قبل شروق الشمس ، رافقتها حتى توضأت من بئر المياه وشاهدتها تجفف يديها بالأسمال  البالية التى تستر جسدها الواهن الضعيف ، قامت أم سيناء بتحديد جهة القبلة بدقة تعجبت لها وأدت الصلاة ثم أنهتها فقدمت لها الطعام ، تناولته على مهل وروت فمها بقليل من الماء البارد من البئر ثم نظرت إليّ وركزت نظراتها إليّ فأصابني التوتر والخوف ثم تحدثت قائلة:

 

ـ صابر .. عايزاك ترسم صورة للمعسكر اللي أنت بتجوم بنجل المؤن منه كمان تكتب أسماء بعض الضباط به وأي إضافة أنت شايفها ، بعد كده أنت عارف فين صندوج البوستة بتاعي ، نهضت راغبة فى الرحيل فطلبت منها أن تأخذ بعض الأطعمة ؛ حيث كانت رافضة لكني أقنعتها وبالأخص حينما ناديتها بلقب أم سيناء ، ثم ناولتها عبوة صغيرة تشمل الدقيق والشاي والسكر فقدمت شكرها بدعاء لله بأن أنال بغيتي وأتزوج من تراجي هذا الأسبوع مما أدخل البهجة والضحك إلى قلبي ، كعادتي رافقتها حتى مكان وقوف الجمل وما أن شاهدها حتى أسرع لها وبرك أرضا وقفزت فوق ظهره بلياقة بدنية تحسد عليها ونهض الجمل فورا وأسرع الخطي قفزا ولم أعد أميز سوي نقطة بنية اللون عن بعد. 

 

    سارت الأمور علي ما يرام ولم يجد جديد على أحوالي كما أن رحيل إلتزمت الحيطة والحذر فى التعامل معي وأعتقد أنه أصابها نوعا من خيبة الأمل أو شعور بالإحباط بأن أنفر منها وقد أثر هذا على كبريائها وهي السيدة الجميلة التى يخطب ودها الكثير من الرجال ، كما سارت أموري العادية في عملي بالتوازي مع كف بأسها عني وقد شغلتني مشاهدة ومتابعة الأصدقاء الثلاثة الذين يلهون بجواري وكأن سعادة الدنيا بين يدي ، كما أنني قمت بزيارة أصدقائي من رجال الحدود وأسعدني اللقاء بهم وثناؤهم على ما أقوم به من إمدادهم بما يحتاجون من مواد غذائية ، حينما علم إدريس بما دار بيني وبين العجوز أسعده هذا حيث أخبرني بأنه لم يستطع إختراق الدوريات الإسرائيلية الكثيفة على شاطيء القناة كي يقوم بتوصيل المعلومة السابقة بقاعدة الصواريخ ، كما أكد علي صحة حديث العجوز لي وشجعني على مواصلة الإمداد بالمعلومات وبالأخص التي طلبتها العجوز أم سيناء مؤكدا بأنها تعمل مع رجال منظمة تحرير سيناء.

 

    تم اللقاء التالي مع تراجي أثناء قيامي بزيارة موقع القبيلة ومدي الترحيب الذي إستقبلت به وقد راودني الإضطراب والخوف بأن تكون تراجي قد زل لسانها بالسر التى أخبرتها به أم سيناء ولكنها نفت هذا موضحة بأن  ما جد هو أنها أخبرت أسرتها بأن ما يقوم به صابر هو من صميم الأعمال الوطنية التي تصب في صالح أبناء مصر بسيناء حتى لا يقطع العدو المعونة الغذائية عن أبناء سيناء ولهذا فإن صابر يتحمل المجهود الكبير وتعنت القادة العسكريين لجيش الدفاع وقادة منظمات الناحال الإسرائيلية والذين يتميزون بالتخلف والجهل والعصبية ، كل هذا من أجل أبناء سيناء.

 

     حكيت لتراجي عما دار بيني وبين أم سيناء بخصوصها وأن هذا الأسبوع لن يمر دون أن نحقق خطوة للأمام فى طريق الزواج والإرتباط مما دفعها للضحك معلقة بأنه قد مضي أكثر من أسبوع بل شهر أو يزيد على تلك النبؤة ولم يحدث أي شيء ، نهضت وغابت وعادت بعد قليل وجاء فى إثرها عم إسماعيل الذي فاتحني بأنه يوافق على ما قلته لإبنته تراجي بأنك راغب بالتقدم إليها وقراءة الفاتحة وهذا نسب يشرفني ويشرف أبناء القبيلة ، شاهدت الرجل يمد يده اليمني فى مواجهتي فدفعت بيدي وتصافحنا وقرأ كل منا الفاتحة وهكذا أصبحت فاتحة خطبة تراجي قد تم قرأتها علي صابر ويعتبر هذا أول خيط للترابط الإجتماعي مع تراجي.

 

جلست جلسة طيبة وأنا أنظر إلى تراجي نظرات فاحصة كي أتبين الخبث والدهاء التى تتمتع به بعد أن وضعتني فى موقف حرج مع والدها رغم أن ما تم كان أمل حياتي وحلم صباي ، وحينما علمت تراجي بما أفكر فيه إندفعت ضاحكة مقررة بأن لها السبق فيما أرادت مقررة أن بنات مصر لا تنقصهم الشجاعة أو الذكاء ولن يجلسن بالدار ينتظرن العريس الذهبي المخلص لهن من عبودية الأب أو الأم.   

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech