Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء السابع

 

كتبها على لسان أبطالها

أســامة على الصــــادق

.....

الطبعة الأولى .. مارس 2012

الناشر: الكاتب

.....

تصميم الغلاف: ريهام سـهيل

.......

حقوق الطبع محفوظة للكاتب

موبايل: 01227970032

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

إعتقال غير مبرر

 

    اليوم التالي توجهت لمعسكر المواد الغذائية وقمت علي صرف  الحصة المقررة وأسرعت بالعودة بالسيارة المحملة بالمؤن وتذكرت ماذا سوف أفعل، كنت راغبا بلقاء رجال الحدود الشجعان لأخبرهم عن حالي ونظرا لأن الوقت لن يتسع لهذا فقد أكملت الطريق ُقدما بالسيارة حتى موقع رجال الحدود بالقرب من عيون موسي ، هناك إستقبلني الرجال بالحفاوة والتهليل لأن هذه هي المرة الأولي التى أصل إليهم بلوري إسرائيلي محمل بالمؤن ، في بداية الأمر كاد الرجال يطلقون عليّ النار لولا صياحي وتحذيري لهم بأنني صابر ولا تطلقوا النار ، جلست معهم بعض الوقت ورويت للشاويش إدريس الأحداث التى وقعت منذ إستشهاد أم سيناء وحنق رحيل عليّ وإبلاغها عني ورغبتها المتأججة نحوي من حين لآخر ، كما أخبرته بنبأ زواجي من تراجي منذ أسبوع مما دفعه للضحك مقررا بأن صابرا يفعل كل شيء يرغب به ، طلب مني إدريس أن أعطيها العذر ، فالسيدة دون رجل وقد قتل زوجها أمامها وتحيا بصحراء موحشة بطفلها لتقوم بتنفيذ تعليمات جيش الدفاع.

 

     قبل أن أغادر المكان أعطيتهم مؤنة شهرين وطلبت منهم قبل نهاية الشهرين أن يأتي إثنان بجملين للمستودع لصرف الحصة إذا لم أحضر إليهم وكنت حينئذ بالسجن أو قام الأعداء بقتلي ، أخبرتهم بأنني سوف أخبر رحيل بأسماء إثنين من أصدقائي ورشحهما إدريس وهما أحمد الطيب والعريف  أبو بكر ، ودعني الرجال بكل حفاوة طالبين مني التماسك وعدم الخوف من عنف المحققين الإسرائيليين ، غادرت المكان وأنا أشعر بالدموع تحاول مغادرة عينى ولهذا جاهدت النفس لأظل متماسكا مع عدم إنفراط عقد الرجولة الذي يجب أن يتحلي به رجال الجيش.

 

     ُعدت منتصف الليل للمستودع وشاهدت رحيل فى إنتظاري وتساءلت عن سبب تأخري حيث خالجها شعور بأنهم قد ألقوا القبض عليّ ، أخبرتها بأنني قمت بزيارة أصدقائي كي أسلم لهم المؤن ، شكرتني وطيبت من خاطري وأخبرتني بأنه لو جد جديد فسوف توفر لهم كل ما يطلبونه وسوف تتحمل أثمان تلك المؤن ، ودعتها وذهبت لحجرتي كي أحصل على قسط من الراحة ، لم أستطع النوم خلال تلك الليلة فقد تحرك فيلم تسجيلي عن حياتي منذ وعيت وأدركت الحياة ؛ فقد كانت هناك نقاط هامة توقف عندها التسجيل الأمين للأحداث بداية من علاقتي مع ريهام بعد إنقطاع إستمر لعدة سنوات ثم علاقتي بالباشا وعلاء بك ثم أمي وشقيقاتي وصولا إلى التجنيد ولقاء رجال الحدود الصامتين الأفذاذ وأخيرا وقوعي بين براثن رحيل والنقطة المضيئة الأخيرة بزواجي من تراجي.

 

      شعرت بأن حياتي كلها ضربات قدرية ومن يدري ماذا سوف يحدث لي؟ أجبت على هذا السؤال بما هو واقع ، هل كانت أم سيناء تسأل مثل هذا السؤال؟ وهل باقي الشهداء الذين لقوا مصرعهم على يد الأعداء فكروا ولو للحظة فيما حدث؟ أعتقد أنه لا يوجد أحد قد فكر فى مثل هذا السؤال ، سوف أعقلها وأتوكل كما قال رسولنا الكريم ، نهضت صباحا وإرتديت ملابسي وتوجهت لأصدقائي أبثهم حديث الفراق ، كأنهم يشعرون بما يشغل بالي أو إعتقادي كان كذلك ، ودعت كل حيوان علي حده ثم أشرت لهم بالوداع ولحقني كل من ليفي وبعرور للقاء صديقهم هارون ؛ إستقبلتني رحيل كأحسن ما يكون الإستقبال وكأنها تعاقب نفسها بما إقترفته من تهور سوف أدفع ثمنه من حريتي وقد يصل الثمن إلى أن أدفع حياتي ، جلست بجواري تطعمني كأنني طفل ، أنهيت لقيمات صغيرة وتناولت بعدها كوبا من الشاي وقبل ركوب السيارة عانقتني وضربت على ظهري ضربات قوية تدل على الفراق الذي لن يعقبه لقاء ، كنت أسمع بكاؤها على كتفي  تماسكت وقفزت مغادرا باب الخيمة فلحق بى هارون وتعلق بى باكيا فإنحنيت عليه وحملته وقبلته عدة قبلات ومازال الطفل باكيا ؛ كما نبح ليفي وقفز بعرور بما يعني أنهما لا يعلمان السبب وراء كل هذا الوداع والبكاء والأحضان والقبلات المتناثرة بيننا وكأن لسان حالهما يردد .. بطلوا دوشه وخلينا نلعب شوية. 

 

    كنت أقود السيارة وكأنني متجه لموعد غرامي وليس لتحقيق وتعذيب وإعتقال وإحتمال القتل ، فكلما إقتربت المسافة للمعسكر الذي به مكتب التحقيق كنت أشعر بالشجاعة ويغادرني الخوف والرهبة ، أسعدني هذا الشعور مما دفعني للثقة بالنفس وأن الله معي دائما ولن يتركني لهؤلاء القتلة، على باب مكتب التحقيق شاهدت اسمي مسجلا محددا فيه موعدي لديهم هذا اليوم مما دفع جندي الحراسة للسماح لي بالدخول ؛ دخلت ومازلت أقود لوري المستودع وأرتدي زى قوات الناحال.

 

     إصطحبني أحد الجنود وبداخل المكتب المختص إستقبلني أحد الضباط ويدعي " إبراهام سمعان " الذي جاء منذ يومين بغرض التحقيق معي ، إستقبلني بوجه باش وطلب منى الجلوس أمامه وظل يدقق النظر في شخصي ولم يحدث لي أي إرتباك بل ظللت على حالي متماسكا ، سألني إن كنت راغبا بتناول مشروب ما فطلبت كوبا من الشاي فضحك قليلا معلقا:

 

ـ كنت فاكرك ح تطلب كوب عصير ليمون كي يهدأ من حالتك

 

شرحت له بهدوء بأنني هادئ وأنا لم أرتكب أي خطأ وأنا هنا فى إنتظار أي قرار تتخذونه ، إبتسم معيدا بعض كلماتي ؛ هل سوف تتقبل أي قرار نتخذه؟ أجبته بأنني أوافق على أي قرار تتخذونه إلا طلب واحد ، أسرع يتساءل ما هو؟ أجبته خيانة وطني .. أردد .. خيانة وطني.

 

     صمت الرجل وغادر المكتب ثم عاد ونظر إليّ باسما مرددا:

 

ـ حظك كويس ، فيه توصيه بعدم تعذيبك أو سجنك لكن القرار البديل هو الخدمة الشاقة لمدة ستة أشهر بسلاح الهندسة الإسرائيلي ، صاح فيّ ، إنهض وبخارج المكتب سوف تجد من يصطحبك لتنفيذ هذا القرار.

 

     غادرت المكتب غير مصدق ما حدث أو ما سمعته ، تساءلت: من يا تري سوف يقوم بالتوصية عليّ؟ إبتسمت ضاحكا : أكيد الشاويش إدريس!! أو أمشير أو تراجي .. صمت قليلاً وأعدت ترديد كلمة تراجي وتنبهت للكلمة الصحيحة .. رحيل .. لن يفوت هذا رحيل ولها من أساليب الإقناع الكثير .. أردد .. الحمد لله .. الحمد لله ، أقبل ضابط صف وصافحني وأخبرني بأنه قادم لإصطحابي لعملي الجديد ، لم أصدق تلك الكلمة فهو يقصد السجن الجديد ، على أي الأحوال ليس هناك فرق.

 

    تحركت معه ثم ركبت سيارة لوري بها بعض الرجال ولا أعرف أحدا منهم ومن اللحظة الأولي تبين لي أنهم فى حالة نفسية سيئة فالعبوس والوجوم كان السمة السائدة على وجوههم جميعا ، وصلنا إلى معسكر يقع بداخل الأرض المحتلة بإسرائيل ، تسلمنا ملابس برتقالية اللون مكتوب على ظهرها جملة باللغة العبرية ، علمت فيما بعد  أنها تعني إدارة سلاح الهندسة بجيش الدفاع ، ظللنا بهذا المعسكر عشرة أيام كرست كلها للتدريب الذي يرتكز على معدات التشييد والبناء سواء من معدات أو مواد مثل الأسمنت والحديد وأعمال الخرسانة ثم السباكة والكهرباء.

 

     لقد إكتشفت أن جميع هؤلاء الرجال جنود مصريون إحتفظت بهم إسرائيل ولم تبلغ عنهم الصليب الأحمر وبالتالي هم فى عداد المفقودين ، وتقوم إسرائيل بتسخيرهم فى الأعمال الشاقة داخل الأرض المحتلة "فلسطين" أو بالأراضي التي إحتلت بعد عام 1967 ، لقد كان الرجال فى حالة من الإنهيار التام ، فلو قتلهم الإسرائيليون لن يحاسبهم أحد لأنهم فعلا تم إضافتهم إلى كشف المفقودين بالجيش المصري.

 

     دفعنا جميعا إلى الخطوط الأمامية ، المكان الذي وصلت إليه يقع شرق قناة السويس ، مدينة مهجورة ومدمرة بفعل أعمال القتال بين الجانب المصري والجانب الإسرائيلي ، علمت فيما بعد أن تلك المدينة يطلق عليها اسم القنطرة شرق ولم أكن قد شاهدتها قبل ذلك ، تسلمنا ضباط من سلاح المهندسين يجيدون اللغة العربية ، تم توزيعنا كمجموعات عمل ، كنت ضمن مجموعة العمل الخاصة بتوصيلات المياه والصرف الصحي ولهذا كنت أعمل يوميا في منطقة واحدة.

 

     بدأ العمل بغرض إعداد دفاعات قوية لجيش الدفاع  أي دفاعات محصنة ضد قصف المدفعية والطيران المصري ، شاهدت وإختبرت البدء في إنشاء تلك الدفاعات التي أطلق عليها نقاط خط بارليف ، كان العمل يبدأ بالنقطة المحصنة بالحفر بمنسوب منخفض بحيث لا ينخفض عن منسوب  مياه القناة ، ثم توضع فرشة من الأسمنت المقاوم لتسرب المياه ثم تفرد ستائر من حديد التسليح المجلفن المانع للصدأ ؛ ثم توضع فرشة أخري من الأسمنت ، يتم هذا فى يوم واحد ويتخلل هذا وضع مواسير مياه ومواسير صرف صحي من البلاستيك الأبيض المقاوم للأحمال أيضا عمال الكهرباء يضعون مواسير التوصيلات.

 

     حينما ننتهي من مستوي يقبل عمال الخرسانة لعمل حوائط خراسانيه عريضة ومعدة سلفا وبها أماكن الأبواب والمزاغل الخاصة بالأسلحة وفتحات التهوية وخلافه ، ظللنا نقوم بالأعمال وحين ننتهي من مستوي نرتفع للمستوي الأعلى أي الدور التالي وما قمنا به فى السابق نقوم به فى هذا المستوي ، بعد أن إنتهت أعمال الخرسانة والسباكة تجمع جميع الجنود وسلمت إلينا مفاتيح مخصصه لفصل القضبان الخاصة بالسكة الحديد "شريط القطار" عن الفلنكات الخشبية ، بعد هذا كنا نكلف بحمل قضبان القطار والذي يصل وزن القضيب الواحد إلى أكثر من طن ، كنا ندفع بهذا القضيب ليوضع بطريقة معينة فوق النقطة الحصينة.

 

     إستمر العمل بتلك النقاط عدة أشهر والآن إنتهت مدة العقوبة الموقعة عليّ وسوف أغادر المكان عائدا إلى مكتب التحقيقات لأحصل على شهادة الإفراج ، نهار ذلك اليوم لن أنساه حيث كان اليوم الأخير من عام 1971 ، ليلا والإذاعة التى يبثها جيش الدفاع تعدنا بإذاعة حفل ساهر لأم كلثوم وقد تم نقل الحفل مباشرة من إذاعة القاهرة بطريق السطو والسرقة ، سمعت مذيع الحفل يقدم الحفل ويعلق قائلا " نحن على أعتاب سنة جديدة .. عام 1972 " لم أعد أستمع لباقي حديثه حيث تذكرت حديث أم سيناء لي ، صابر .. إستعد .. أمامك ثلاث عتبات وفى الثالثة تنشب حرب التحرير وعليك الإستعداد بالطعام والشراب للمقاتلين ".

 

    أردد .. الله أكبر .. إفتح علي بنعمتك وأظهر لي معني ما قالته أم سيناء .. لا تبخل عليّ يا رب ، مازالت كلمة أعتاب عام جديد ترن فى أذني وظللت طوال الليل أستعيد صوت المذيع وأرغب بأن إستكمل الكمال بمعرفة الثلاث عتبات ، شعرت بهلوسة وحيره أخرجتني مما كنت أفكر فيه وإستبدلته بالنوم العميق ، إستيقظت صباح اليوم التالي وبعد تناول طعام الإفطار طلبني كبير المهندسين بالموقع وسلمني صك الإنتهاء من العمل وأمرني بأن أستقل الأتوبيس الخاص بنقل الجنود الذي حل موعد إجازتهم والمحطة الأولي هي العريش وسوف يستقبلك رجال التحقيقات العسكرية هناك.

 

      مساء ذلك اليوم كنت فى معسكر التحقيقات وحدد لي سرير رقدت عليه حتي الصباح ، في صباح اليوم التالي إستقبلني الضابط المسئول وراجع الكشوف الموجودة أمامه وتسلم مني إخطار المهندسين العسكريين ، بعدها سلمني صك الإفراج وأشار إلى أحد الجنود بأن ينقل هذا المفرج عنه ويعود لموقع عمله برفقة دورية الظهيرة ، صافحني مرددا ، مش عايز أشوفك هنا غير فى شغل ، لو غلطت المرة التانية ح تكون فيها نهايتك.

 

    ركبت مع رجال الدورية والذين كانوا يدخنون سجائر محشوة بمخدر الحشيش حتى كاد أن يهاجمني الإغماء مما دفعهم للضحك على حالي ووضعوني أعلي السيارة المدرعة ورغم البرودة الشديدة لشهر يناير من عام 1972 إلا أنني شعرت براحة وإستطعت إستنشاق الهواء النقي ، وصلنا إلى باب المستودع وقد قارب ضوء النهار علي الإفلات ، قام السائق بإطلاق نفير السيارة وبعد قليل ظهرت رحيل بصحبة كلبها ، قفزت من أعلي العربة المدرعة مودعا الجنود بينما توقفت رحيل غير قادرة على إستيعاب ما تشاهده حيث كانت المفاجأة أكبر من طاقة إحتمالها ، صرخت ثم وقعت مغشيا عليها ، حملتها ودخلت بها إلى حجرتها وجلست بجوارها ، بعد قليل أقبل هارون ينادى أمه وخلفه ليفي ، حين شاهدني صفق الطفل وأسرع نحوي يعطرني بقبلاته الرقيقة الجميلة وبادلته قبلات أكثر من التى منحها إياي ، تنبهت رحيل وتلفتت يمنا ويسري وركزت نظرها نحوي وشاهدتني وأنا أقبل وحيدها ، مدت ذراعيها نحوي فأنزلت هارون جانبا حيث لحق بليفي وسمعت صوت بعرور بالخارج ، نهضت وظلت جالسة بالسرير ووضعت رأسها على كتفي باكيه ضاحكة وتقبض على ظهري كأنها تخشي أن أفارقها مرة ثانية.

 

   غادرت السرير ونظرت إليّ تتفحصني وتبين لها أنني إزددت سمرة وأيضا صلابة وقوة وبدا عليها الضعف والهزال ورغم أنني لم أوجه إليها أي سؤال عن حالتها الصحية الواهنة إلا أنها أخبرتني بأنه لولا وجود هارون وخشيتها عليه لفقدت حياتها مما ألم بها من ألم نفسي بسبب إندفاعها وحماقتها وأيضا بسبب الوحدة التى ألمت بها.

 

     قضينا أمسية رائعة بدأت بإعداد حمام منعش وطعام شهي وتبادلنا علاقة الحب الأخوي الذي كان يشعرني بكل حنان أفتقدته منذ مغادرة قرية أنشاص ، ظللت مستيقظا إلى ساعة متأخرة من الليل ، أثناء حديثنا وسمرنا كنا نستمع لأغنية أم كلثوم "أغدا ألقاك" ، شعر كل فرد منا بأنه لا يستطيع مقاومة الرغبة فى النوم ، إفترقنا بعد أن قبلت هارون الذي كان يسبح فى أحلامه مع ليفي وبعرور.

 

    صباح اليوم التالي جلسنا نتحدث وتبادلنا الكلمات الطيبة وكل واحد منا شعر بأنه لا يستطيع أن يفارق الآخر ، أقبلت بعض الأسر البدوية فنهضت لصرف مستحقاتهم ، أخبرتني رحيل بأنها قامت على صرف ما يحتاج إليه زملائي العاملين بالتعدين أيضا إلتقت بتراجي عدة مرات حيث كانت تأتي لصرف مستحقات أسرتها وتقضي معها بعض الوقت ويدور الحديث عن صابر وأحواله ، سألتها: هل قمت بعمل توصية لي حتي لا أحصل على حكم بالسجن ، إبتسمت معلقة:

 

ـ تفتكر الأخت اللي تحب أخوها واللي أنقذ ابنها من الموت تعمل إيه غير اللي عملته ، دي أقل حاجه عشان خاطر حبيبي صابر ، ربنا يخليك ليا .. أقوم أشوف حالي وأعمل عزومه حلوه النهاردة زي ما بنقول فى مصر .. غادرت المكان وأسرعت إلى لقاء أصدقائي ، كنت أسمع أصواتهم بداخل الدهليز وحين دخلته شاهدت العيون اللامعة تنظر إليّ .. قام أمشير بأحداث أصوات الفرحة والرغوة التي سقطت من فمه على الأرض وأيضا الجمل "البركة" أيضا الجمل ِمسك الليل الذي ورثته عن الراحلة أم سينا ، أما شهاب فقد قفز لأعلي ملوحا بقدميه الأماميتين وأقبل سريعا ووقف أمامي محركا رأسه لأعلي وأسفل ، كانت التحية واضحة أما ناقة هانم فقد حركت أقدامها الخلفية بحيث تخلت عن رضاعة بعرور وأقبلت نحوي تشم رائحتي مما دفع بأمشير لأن يحذو حذوها حيث شاهد ترحيب زوجته وصديقه شهاب أكثر دفئا منه ، قبلت بعرور ولاحظت أن جسده نما وأزداد طولا وحجما وحدثته قائلا: مش كفاية لعب؟ أنت كبرت وبقيت طويل على لعب العيال وكأن تلك الكلمات أسعدته فأخذ يقفز لأعلي وأسفل وسمع نباح ليفي فأسرع فى أعقابه حيث كان هارون قادما يحمل قطعة من الشيكولاته إقتسمها مع صديقيه وحين أخبرت رحيل بما شاهدت أخبرتني بأنه منذ تركك لنا وأنا أحاول إدخال السعادة إليهم حيث عمت علينا حالة من الحزن والضيق ووجدت أن الأصدقاء الثلاثة الصغار قادرون على إدخال السعادة علينا جميعا لو أسعدناهم ؛ حيث كانت قطع الشيكولاته هي الأساس. 

 

 



 

رسومات هندسية لمواقع خط بارليف

 

     اليوم التالي لعودتي من المعتقل ودعت رحيل وأسرعت إلى زيارة ديار قبيلة تراجي ، كان برفقتي شهاب ويرجع السبب في إستخدامه إختصار وقت الوصول وأيضا وقت العودة حتي أستطيع قضاء فترة أطول مع تراجي؛ فقد حرمت من حديث ومشاهدة تلك السيدة الجميلة المشاغبة ؛ كانت الفرحة غامرة حين إلتقيت بالأسرة وأخبرتني تراجي بأنها كانت علي علم بما حدث لي من الأخبار التى أمدتها بها رحيل ، كما أخبرتني بأنها شعرت بمقدار ما تكنه لي رحيل من حب أخوي كنت أتشكك فيه قبل هذا ولكن حينما جمعنا حب مشترك لشخص واحد تباينت المواقف ؛ فهناك حب الأخت الكبيرة والتى شعرت به رحيل تلك السنوات الطويلة وما أسبغته عليها وعلي طفلها من رعاية ودفء أسري كبير وبين حب الزوجة لزوجها والنوعان يصبان فى إطار واحد وهو إطار العلاقات الإنسانية التى تساعد الإنسان على الحياة بسعادة وأمل لمستقبل مشرق ، أيقنت من تلك الكلمات بأن تراجي أخبرت رحيل بنبأ زواجنا منذ عدة أشهر قبل الحكم عليّ بالعمل ستة أشهر بسلاح المهندسين الإسرائيلي ، أيضا كان واضحا علي تراجي حالة الحمل ؛ حيث شاهدت بطنها مرتفعا وشعرت بسرور داخلي وكنت راغبا ًبحضور أمشير معي حتي لا يتعالي "يتأنزح علي شخصي ويعمل فيها سبع البرمبة ومافيش حد أحسن من حد" ، كما ملأني الزهو بأنني سوف أصبح أبا خلال شهرين علي أكثر تقدير ، "ياه .. الواحد كبر وبقي مجوز وح يبقي عنده عيال" كما شعرت بأن هارون وأصدقاءه سوف يسعدهم إنضمام صديق جديد في قائمة الفريق الذي تكون بين الصخور والجبال خلال فترة الحرب والقتال.

 

     أمسكت تراجي بيدي وكان باديا عليها السعادة والإبتسام ثم توقفت بعد أن سرنا عدة خطوات بعيدا عن خيمة عائلتها حيث قالت لي سوف تشاهد شيئا جميلا سوف يسعدك ، إعتقدت بأنها أنجبت وسوف تريني المولود ولكن كيف أنجبت بتلك السرعة؟ شاهدتها تنظر من حولها وتساءلت أين شهاب ، أفادها طفل صغير حينما سمعها تتساءل: أين الحصان الأبيض الذي حضر به صابر فأخبرها بأنه شاهده يسرع فى إتجاه خيمة الشيخ عيد ، هللت مرددة ، هايل ، والله أنت فرس هايل يا شهاب ، مازلت أسير برفقتها والدهشة هي حالي وشعرت أن تراجي إستبدلت حب وعشق الجمال بحب وعشق الخيول ،  سمعتها تنادي .. الخالة أم علي .. يا خاله .. بعد قليل أقبلت الخالة أم علي زوجة الشيخ عيد والذي لم يكن متواجدا حيث رحبت بي السيدة مهنئة على مغادرتي السجن!! تساءلت أم علي:

 

ـ عايزين تشوفوا شهاب؟

 

ـ أيوه يا خاله

 

أفسحت السيدة الطريق وشاهدت عددا ًمن جذوع النخيل المترابطة والمتراصة ومغطاة ببعض الأقمشة البالية ، سارت بنا ودخلنا إلى ممر يمر أسفل جذوع النخيل وشاهدت شهاب ولكن الشيء المدهش أنني شاهدت حصانا آخر أحمر اللون وبجواره مهر صغير يحمل اللونين الأبيض والأحمر ، على الرأس والرقبة ومنطقة الجزع الخلفي اللون الأبيض وباقي الجسم اللون الأحمر ، كان منظر المهر الصغير غاية فى الجمال ، نظرت إليّ تراجي وشعرت بأنها تحمل خبرا وأنها ترغب أن تخبرني به حيث قالت:

 

ـ المهر الصغير ده ابن شهاب!!

 

ـ ابن شهاب !! إزاي؟

 

قصت عليّ تراجي قصة غريبة حيث أخبرتني بأنه منذ أكثر من عام شاهدنا شهاب وأمشير قادمين يهرولان وقد بدا عليهما الإعياء ، كنت أعلم أنهما ملك لك ؛ حيث كنت متواجدة يوم أن أهدتك إياه السيدة العجوز أم سيناء وأيضا أمشير قدم معك يوم أن حضرت إلينا أول مرة تحمل الحصة التموينية لنا ولخالتي ، حينما حضر كل من أمشير وشهاب وضعنا لهما الطعام وحجزهما الشيخ عيد بداخل تلك الزريبة حتى الصباح ، فى تلك الليلة قام شهاب بواجبه نحو "زمردة" فرسه الشيخ عيد التى كانت فى أشد الحاجه كي تعشر "تحمل" وأثناء وجودك بالحبس ظهر هذا المولود الجميل ، كما تشاهد مهرا ذكرا يمرح حول أمه وكما تشاهد أيضا مدي سعادة شهاب بابنه مثل أي إنسان يشاهد ميلاد ابن له.

 

    كانت المفاجأة سارة لأقصي حد وعلمت بأن أمشير وشهاب كانا يجريان على حل شعرهما وأنا أنتظرهما  فى قلق بالغ خشية أن يقتلهما العدو الإسرائيلي وتبين لي أن هناك قصة حب تربط بين شهاب وزمردة أثمرت عن ميلاد "ياقوت" ، لقد سار شهاب على الدرب الذي سرت عليه ، فكما أقمت يا صابر علاقة حب مع تراجي جارة زمردة وتزوجتها وسوف تنجب لك ياقوت صغير قمت أنا بعلاقة نسب مع زمردة وسبقتك وتزوجت وأنجبت ومحدش أحسن من حد .. ياه .. قلتها بدهشة  الدنيا دواره والله يلهم الحيوان كي تستمر الحياة وتبين لي أن أمشير أصبح يعمل خاطبة وقد سبق وأن قام بتزويج نفسه من ناقة هانم أم ابنه بعرور بل وعلمت أنها تنتظر حادثا ًسعيدا ًآخر وأعتقد لو إستمر هذا الحال فسوف تمتلئ المنطقة بالبعارير " جمع بعرور " وبدلا من أن نوزع دقيق وسكر نقوم بتوزيع جمال صغيرة، أضحكني هذا التعبير وحمدت الله بأن الحكومة المصرية ليس لها سلطة علي سيناء وإلا كانت أوكلت حالة العجز في ميزان المدفوعات لكثرة أبناء أمشير كعادتها مع بني البشر ، قضيت ليلتي تلك مع زوجتي الجميلة أبثها حبي وأشواقي عن بعد نظرا لحالة الحمل التي أثرت عليها ، وفي الصباح غادرت القبيلة متجها لعملي.

 

    سارت الحياة بنا سيرا طيبا وخلال تلك الفترة قمت على زيارة أحبائي رجال الحدود وبعد جلسة طيبة أخبرني إدريس بأنه فقد ثلاثة رجال آخرين فى إشتباك عنيف ومسلح حول بئر أبو زنيمة للبترول حينما علم بأن الإسرائيليون نجحوا فى دق بريمة جديدة وأنهم على وشك إستخراج البترول الخام ومن أجل هذا قامت الفصيلة بكامل قوتها وبرفقة رجال البترول بمهاجمة موقع أبو زنيمة وحدث قتال ليلي تدخلت خلاله الطائرات الهليكوبتر ورغم الخسائر التى لحقت بالبئر وببعض رجال البترول الإسرائيليين إلا أننا فقدنا ثلاثة رجال وهم .........,.

 

     اليوم التالي بعد أن ظللت مساء تلك الليلة حزينا على فقد هؤلاء الرجال والتى تربطني بهم صداقة طيبة أخبرت الشاويش إدريس بما قمت به من العمل بتحصين مواقع للعدو على ضفة القناة وأخبرته بأنني سأرسل برسالة مع الشيخ عيد كي يعلم أولي الأمر بما حدث وكنت أتمني بأن أقوم علي رسم ما شاهدته ، أشعر هذا إدريس بالسعادة والراحة وأخبرني بأنه من الواجب عليّ القيام برسم هذا التصميم ، أخبرته بأنني لا أستطيع فلا أمتلك تلك الموهبة ، صمت قليلا مرددا .. الحكاية دية عايزه مهندز .. رباح .. فينك رباح .. إبعت ليا الباشمهندز .. بعد قليل حضر المهندس عزيز وأخبره إدريس بما أحطته به علما ، إبتسم الرجل قائلا تلك مهنتي ومهمتي أيها الرجل الشجاع ، فلنأخذ مكانا ونستعد للقيام بهذا الرسم وما عليك سوي الوصف ومحاولة تذكر الأبعاد والخلطة فى كل المواد والأماكن وأترك لي الباقي.

 

   أحضر الشاويش إدريس دفتر الأوامر الخاص بالفصيلة والذي يدون فيه الأعمال التى تقوم به الفصيلة وهو دفتر رسمي ولم يعد مستغل ويتمتع بورق أبيض نظيف وكبير المساحة حيث تصل أبعاده 30سم × 40سم .. جلست بجوار المهندس عزيز وطالب إدريس الجميع بتركنا كي لا تشغلنا أحاديثهم ، ظللت بجوار المهندس عزيز أكثر من ساعتين والرجل يقوم بالرسم حتى إنتهي وتساءل ، هل هذا الرسم مقارب لما شاهدته وقمت بالعمل به؟ أجبته كأنه هو ، تركنا حوالي الساعة ثم عاد بعد أن أضاف وأزال بعض الخطوط من على الرسم فهتفت .. الله أكبر .. كأنك كنت معنا .. الحمد لله .. كما قام بكتابة كل البيانات التى زودته بها على الرسم حتى اسم الموقع  المحصن وموعد إقامته ، قمت بفصل الورقة التي بها الرسم عن باقي الدفتر ؛ توجهت للشاويش إدريس كي أسأله عن معني اللغز التي أخبرتني به أم سيناء وظل الرجل يفكر وطلب عون زملائه ولم يستطع أحدا منهم أن يقوم بتفسير ما نصحت به أم سيناء ؛ قفلت عائدا كي ألتقي بالشيخ عيد فى أقرب وقت كي أسلمه هذا الكنز من المعلومات كما أخبرني المهندس عزيز ميخائيل مهندس البترول الهمام الذي حذرني من إكتشاف العدو لتلك الرسوم.

 

     وصلت إلى مركز المساعدات ولم أجد رحيل في إنتظاري فدخلت مسرعا إلى حظيرة الأصدقاء وحررت شهاب من السرج ودلكت له جسده بالفرشاة وأثناء ذلك كان يعب من المياه ثم تلي هذا تناول بعض الشعير الموجود ، كانت السعادة والغبطة واضحة على ملامح شهاب فقد رافقني عدة أيام شاهد خلالها ابنه ياقوت وزوجته زمردة وبث لهما بعض الأشواق ورغبته بأن يجتمع الشمل حتي نحيا ونعيش كأسرة مترابطة مثل صديقي أمشير.

 

     أخفيت الرسم الذي قام بتخطيط خطوطه وأجزائه المهندس عزيز ميخائيل بعد أن وضعته بداخل كيس بلاستيك من الأكياس التي تغلف عبوات الشاي الكبيرة ’ أسرعت ووضعت الكيس بجوار قبر أم سيناء والتي دائما ما كنت أتذكرها أثناء فترة الإعتقال ،  أثناء الحفر بجوار قبرها شاهدت بعض سيقان لنباتات قريبة من القبر وقد نبتت بطريقة غير منتظمة ، فكرت بإقتلاعها ولكني تراجعت وتركتها كي تنمو ثم أقدمها لبعرور أثناء لهوه مع صديقيه والذين أقبلوا وكنت أشاهدهم يجرون خلف مكان جلوسي وكل واحد منهم يخرج صوتا ًيختلف عن أصوات الآخرين لكن التفاهم سمة واضحة وقد مضي أكثر من عام ونصف على تلك العلاقة ومازالت الصداقة قوية وقد بدا واضحا بأنها قد أفادتهم جميعا وبالأخص هارون الذي إنخرط فى الحياة وأصبح كثير الإعتماد على نفسه وأصبح قادرا على تكوين جمل كلامية واضحة كاملة بعد حالة اللجلجة التي كانت مسيطرة عليه مع ظاهرة الإنطواء المستمرة ومتابعة رحيل فى كل خطواتها.

 

   قرأت الفاتحة على روح المناضلة المرحومة أم سيناء ، لقد تأكد لي بأن المنطقة القريبة من القبر كانت رائحتها طيبة للغاية وقريبة من الرائحة التي سبق وأن شممت عبقها ليلة وفاتها ، كان الفارق واضحا بين قبر موشيه وبين قبر تلك الأم الطاهرة.

 

     صباح اليوم التالي قمت بعمل فتحة صغيرة بشكارة السكر عبوة زنة عشرة كيلوجرامات ووضعت بداخلها الكيس البلاستيك الذي يحتوى على الرسم ، أخبرت رحيل بقضاء هذا اليوم مع عائلة تراجي ، ظهر على وجهها الغضب والضيق مما إضطرني إلى إلغاء تلك الرحلة حتي لا تغضب مني وتقلب عليّ الأمور رأسا على عقب كما حدث ، بعد قليل أقبلت بعد أن زال العبوس من وجهها وطلبت مني أن أقوم على زيارة تراجي وأنها ترغب بأن أظل بجوارها فهي وحيدة ولا أقارب بجوارها وكأن الله أرسلك لي ولابني ، طبعت قبلة سريعة على خدها مما دفع بدموع السعادة لأن تظهر فى عيونها الجميلة وربتت على كتفي ثم أشارت لي ملوحة بما يعني مع السلامة.

 

     قطعت الطريق الواصل بين المستودع وبين ديار قبيلة تراجي دفعة واحدة وكنت أشعر بشهاب أثناء عدوه برغبته بالوصول مبكرا حيث كان فى شوق لكل من زمردة وياقوت وكأنه يتغني بأغنية عبد الحليم حافظ " إسبقني يا قلبي إسبقني على الجنة الحلوة إسبقني" تعجبت لهذا الحصان الذي سيطغي حبه على حب قيس وليلي العامرية وسوف تكتب رواية عن حب كل من "شهاب وزمردة" ، سمعت صهيل شهاب ولم يتبق سوي عدة كيلومترات لكن سبب الصهيل ظهور دورية إسرائيلية قطعت علينا الطريق وأشار إليّ قائدها بأن أهبط من على صهوة الحصان وأتجه إليه بينما قام آخر بفحص سرج الحصان كأنه يبحث عن شيء ما أثناء هذا كان الضابط يطلب مني هويتي وبعد أن شاهدها أشار إلي الجندي بالتوقف عن التفتيش قائلا له بالعبرية بأنه زميل وصديق ؛ عند هذا رفع الجندي يده عن شكارة السكر حيث كان ينوي فتحها بمطواة بيده ، تركتنا الدورية ولساني يردد الحمد لله .. الحمد لله ، ليس خوفا وخشية منهم ولكن لفقد القيادة بمصر لهذا الرسم الذي أكد لي المهندس عزيز والشاويش إدريس أهميته القصوى.

 

    أمام دار تراجي طلبت من شهاب التوقف كي أهبط من فوق ظهره ولكنه لم يهتم بي وأسرع ودخل إلى الحظيرة مباشرة مما تسبب في إرتطام رأسي بأحد أفرع أشجار النخيل المقام عليها السقف وكانت الإصابة طفيفة لأنني أسرعت بخفض رأسي ، توجه شهاب إلي ياقوت يبثه حبه وشوقه وكأن المهر الصغير يشعر بأن هذا الحصان هو أبوه فظل يقفز ويصهل بصوته الرفيع مما إنعكس على زمردة بالسعادة وكأنها تداعب شهابا بقولها حمد الله بالسلامة يا سبعي.

 

      تركت الأسرة بعد جمع شملها وحملت شكارة السكر فشاهدت الشيخ عيد واقفا مرحبا بي ، أمسك بيدي ودخل بي إلي داخل الخيمة حيث طلب من أم علي زوجته إعداد أقداح القهوة بينما الرجل يربت على ساقي مرحبا ، ناولته شكارة السكر فأسعده هذا وأسررت له بما تحتويه ، إنتفض الرجل ودخل إلي الخيمة وعاد يحمل سكينا ووعاء من البلاستيك وشق الشكارة وأفرغ محتواها فظهر الكيس البلاستيك ، فضه مسرعا ولم يتفهم الرسم لكنه كرجل مخابرات فطن تأكد له أن تلك الوثيقة لا تقل أهمية عن المعلومات التي سبق ونقلتها له عن طريق أم سيناء عن قاعدة الصواريخ بجنوب سيناء منذ ثلاثة أعوام ، ضرب الرجل على ساقي بقوة مكررا .. الله أكبر عليك .. الله أكبر .. والله معلومة واحدة من بتوعك كفيلة إنها تجعلك من الأبطال .. ربنا يحميك ثم تركني وقام مسرعا ثم عاد بعد قليل بعد أن أخفي الوثيقة مقررا بأن ما بها سوف يصل القيادة قبل فجر الغد بمشيئة الله.

 

    قمت على زيارة أسرة تراجي وتناولت معهم طعام الغداء وإنضم إلينا كل من الشيخ عيد وأم علي وبعد أن جلسنا جلسة طيبة قررت بعدها الرحيل فقد تعدي الوقت آذان العصر ، حينما طلبت من شهاب الحضور شاهدته مقبلا وخلفه كل من ياقوت وزمردة ، فى البداية إعتقدت أنهما يودعانه ولكن تبين لي ومن حديث الشيخ عيد بأنهما يرغبان فى مرافقته أو يظل شهاب معنا ، ما رأيك ، أجبته بأنني لا أستغني عن شهاب ، حينئذ قال الشيخ عيد فترحل الأسرة كلها معك ولهذا طلب عون الشيخ إسماعيل والد تراجي حيث قام الرجلان وبمساعدة مني بحمل ياقوت ووضعته على ظهر شهاب حيث لا يقوي على السير تلك المسافة فما زالت أقدامه ضعيفة ، نظرت زمردة لشهاب وصهلت كأنها تداعب صغيرها وسعيدة به وكأنها تطالب شهاب بالإهتمام بياقوت حتي لا يسقط من فوق ظهره ، بعد هذا صعدت صهوة شهاب وتمكنت من السيطرة علي الصغير ياقوت.

 

    ودعت الأسرتين عائدا إلى المستودع ؛ حيث كنت فى غاية السعادة وأنا أراقب حنان وعطف وحب شهاب وزمردة على صغيرهما ، دون حديث واضح مني ، كأنهما زوج وزوجة خرجا للتنزه بصحبة طفلهما وهما يرعيانه بكل حرص وسعادة ؛ حيث كنت أسمع صهيل زمردة فيتوقف شهاب فتسرع إليه تلعق جسد ياقوت وتعضعض بلطف أذنه فيحاول القفز متجها إليها ولكني أضغط عليه طالبا منه الهدوء حتي نصل إلي المستودع.

 

    الحمد لله وصلنا بالسلامة إلي المستودع وقد بدا على الصغير الإرهاق من طول المسافة وعدم الحركة ، توقفنا عن المسير وهبطت من فوق ظهر شهاب وقمت بإنزال ياقوت من فوق ظهره فسقط أرضا لا يستطيع الوقوف فأقبل والداه يساعدانه بلحس سيقانه الضعيفة من أسفل لأعلي حتي إشتد عوده ووقف بأرجل مرتعشة ؛ فجأة أقبل هارون وصديقاه ولم أشاهد ياقوت الذي قفز إليهم وأسرع الأربعة بالجري وشاهدت رحيل بعد أن وضعت يدها على فمها وجحظت عيناها وهي تردد .. آه يا ربي .. ربي .. ما هذا الجمال والروعة وأقبلت وشاهدت زمردة تقف بلونها البني ورشاقة جسدها ، نظرت إليّ متسائلة من أين أتيت بتلك العائلة فأشرت لها بعد أن إنتهي من تقديم واجب الضيافة للسيدة زمردة وواجب الصداقة للسيد شهاب ، إصطحبتهما لداخل الحظيرة وحررت ظهر شهاب من السرج وتبادل الأصدقاء الأربعة النظرات "أمشير وناقة هانم وشهاب وزمردة" تركتهم يتفاهمون وعدت لرحيل كي أبثها كل حب الأخوة وأطيب من خاطرها وأجلس برفقتها فقد أصبحنا جميعا مجموعات بإستثناء رحيل.

 

 


 

 

 

العـــتبة الثالثــة

 

   شعرت بالراحة بعد أن قمت بإرسال الرسم التوضيحي لنقاط خط بارليف الحصينة وشعرت بأنني قد قمت بعمل ذى فائدة كبيرة لجيش مصر رغم ما أنا فيه من شد وجذب من جراء أفعال وتصرفات رحيل التى سببت لي الكثير من المشاكل والضيق ورغم هذا فإنها سيدة قوية جميلة ساهمت بقدر كبير في إعاشة رجال الحدود ولولا هذا لكانت حياتهم بائسة والله أعلم ما الذي كان سوف يحدث لهم بدون تلك المساعدات ، كان من الممكن أن يصبحوا تحت رحمة حمدان مهرب المخدرات ولكني أعلم معدن هؤلاء الشجعان أبناء النوبة.  

 

    تذكرت نبات الشعير الذي قمت بزراعته منذ أكثر من عام والسبب في هذا أن رحيل أبلغتني بأن الجمال والخيول تحتاج إلى عليقه وبالأخص الشعير وقد إزدادت الأعداد ونحن في إنتظار ضيف قادم أي بعرور جديد سوف يولد بعد ثلاثة أشهر ، فكرت من أين آتي بالشعير فتذكرت الشعير الذي قمت على زراعته ولم أتمكن من حصاده بسبب إعتقالي لأكثر من ستة أشهر منتصف العام الماضي ولم يخبرني رجال الحدود بأنهم قاموا علي حصاد الشعير ، وفى تلك الأيام لم يكن الشعير قد نضج بعد فنحن نهاية شهر ديسمبر من عام 1972 ، تذكرت كلمات الرئيس السادات التي كنت أستمع إليها وأنا فى المعتقل بأن هذا العام هو عام الحسم حيث كان الإسرائيليون يضحكون ويتندرون على هذا الكلام حيث علق أحدهم قائلا بأنه من المحتمل أن مصر قررت الإنتحار فى حالة رغبتها فى التفكير فى شن حرب على إسرائيل ، ونصيحة لهم بأن يستعدوا من الأن بتوفير الطوب ومواد البناء حيث سيدمر جيش الدفاع كل مدن مصر ولن نترك حائطا مقاما.

 

      اليوم التالي توجهت لمنطقة وادى القبقاب محاولا أن اعرف ما الذى جرى لنبات الشعير منذ العام الماضي ، وصلت وكانت المفاجأة الكبرى بأن مساحة كبيرة من الأرض تلونت باللون الأخضر وقد زرعت بالشعير الذي كبر حجمه ونما وإرتفع عن الأرض بمقدار قدم "30سم" ؛ كانت المساحة ضعفي المساحة التى قمت على زراعتها وبتفقد المساحة تبين أن حبيبات الشعير العام الماضي نضجت وفرطت من شدة الحرارة ولم يقم أحد بحصاد المحصول وإنتشرت حبات الشعير بفعل الرياح وغطت الرمال المثارة البذور وجاءت أمطار هذا الشتاء فقامت بري البذور التى نبتت ، كنت في حالة مزاجية عالية من السعادة بسبب زيادة الرقعة المنزرعة والتى تنبئ بأن محصول الشعير وفير وسوف تغطي إحتياجات مجموعة الجمال والخيول التي بحوزتي هذا العام وجزء من العام القادم 1974.

 

   ظلت العلاقة بيني وبين رحيل هادئة إلي أن جاء يوم طلبت مني أن أقوم علي زيارتها فى المساء ، كان هذا الحديث بعد أن تناولنا الطعام فأنا مازلت أعيش معها في نفس الخيمة ، وافقتها الرأي وتوجهت لأصحابي من الحيوانات كي أقدم لهم الخدمة المطلوبة والرعاية وأيضا أشاهد هذا المهر الصغير "ياقوت" ، أيضا شاهدت بعرور وقررت أن أطلق عليه اسما ، فسوف يأتي اخوه بعرور موديل 1973 بعد أشهر قليلة ولهذا فمن الواجب أن أطلق عليه اسما ولم أجد أفضل من اسم البطل "هادي الصغير" ؛ هذا الجمل الذى نال الشهادة أمامي دفاعا عنى وحماية لى من بطش الجنود الإسرائيليين.

 

      طلبت من هارون أن يأتي للعب مع أصدقائه بالمنطقة الخلفية والتي بها قبر الراحلة أم سيناء ، شعر بالفرحة والسعادة بعد أن سبقت وصوله هناك ، بعد قليل شاهدته قادما مع أصدقاءه ومن بينهم "ياقوت" المهر الصغير الذي مازال يسقط أثناء لعبه لضعفه بسبب صغر سنه ، أشرت إليه بأن يأخذه لأمه وأنا فى إنتظاره ، تمنع المهر عن مغادرة المكان فإستعان هارون بليفي الذي نبح فى وجه "ياقوت" فأسرع إلي أمه خوفا من ليفي ، وقفت أمام بعرور كي أخبره بإسمه ، اسمك هادي .. سامع .. هادي ، أشير إلى هارون فيكرر خلفي ، طلبت من هارون أن يقف بعيدا وينادي عليه باسمه الجديد ، هادي ، لم يتحرك وشعرت بأن بعرور يتمتع بكمية من الغباء ، كرر الطفل اسم هادي حينئذ نبح ليفي في وجهه فأسرع بعرور خوفا منه ، نادي هارون .. هادي .. دون جدوى ..  طلبت من هارون أن ينادي عليه بهذا الاسم بإستمرار أثناء اللعب وقد أسعده هذا.

 

   جلست أمام قبر أم سينا وعدت أتفحص النباتات التي شاهدتها منذ فترة وتبين لي أنها نبات أشجار الزيتون ، عادت بي الذاكرة يوم وفاتها بأنني شاهدتها تمسك الخنجر وبنفس اليد كيس صغير وحين سألتها أخبرتني بأنها بذور أشجار الزيتون ، حينما قمت على دفنها ألقيت بالكيس بجوار الرمال وأثناء إهالتى الرمال على جثمانها بقبرها تناثرت البذور وبسقوط الأمطار نبتت البذور ، شعرت بالسعادة فقد نبتت أشجار الزيتون ومازالت الرائحة ندية وأصبحت أمامي آيتان ، واحده بالجانب الشرقي أمام باب المستودع الحديدي لجثمان "موشيه " والرائحة الكريهة والآية الأخرى جثمان الراحلة أم سيناء وعبقها الطيب الذي اشمه منذ وفاتها حتى الآن ونبتت بجوارها أشجار الزيتون المباركة.

 

     هبط الظلام فتوجهت للخيمة وهناك وجدت رحيلاً في إنتظارى رحبت بي ولاحظت أن هيئتها مغايرة وخشيت إندفاعها وتهورها لكن الشكل المغاير لم يكن مموحيا بمثل هذا السلوك رغم أنه كان مخالفا لما إعتدت ملاحظته فلم تكن هناك ألوان وأصباغ على وجهها ، بل كانت ترتدي الملابس الطويلة ذات الأكمام وفسرت هذا بأننا فى وقت الشتاء والبرودة تحيط بنا ومن حولنا.

 

ـ أهلا صابر .. وشك منور وباين عليك الإنبساط .. يا تري إيه السبب؟

 

ـ أبدا .. لما بأشوف هارون وأصحابه باكون طاير من الفرح

 

ـ مش معقول على حلاوة الحصان الصغير .. تعرف بأفضل لوقت كتير أبص له .. جميل جدا

 

ـ فعلا جميل جدا والأجمل من كل ده هارون وأم هارون

 

ـ أيوه ، جينا للجد .. أم هارون .. صابر إسمع اللي ح أقولك عليه وما تقاطعنيش .. صابر أنا قررت الدخول فى الإسلام .. ولا كلمة .. ما تقاطعنيش .. قررت الدخول فى الإسلام مش عشان خاطر كلامك الخايب اللي قلت لي عليه من خمس سنين ، لو عايزة تتجوزينى أعلني إسلامك .. لأ وألف لأ .. أنا قررت الإسلام عشان مقتنعه بأنه دين رائع .. لكن الفضل بعد كلام ربنا يرجع للي قرأ كلام ربنا .. لتلاوتك يا صابر .. تعرف مدة وجودك في الإعتقال وأنا بأسمع لإذاعة لقيتها صدفة ، اسمها إذاعة القرآن الكريم وطالعة من مصر .. عرفت حاجات كتير وأقدر أعلمك إيه إللي عرفته ، سمعت أصوات شيوخ كتير .. كنت سعيدة .. تصور يا صابر إن بعد عشرة شهور ح أصوم رمضان اللي جاي عرفت كده من إذاعة القرآن الكريم.

 

ـ خلاص .. سكتي .. طيب آدي بوسة ..

 

ـ لأ .. لأ إبعد 

 

ـ ليه يا بنت الناس .. مش إحنا إخوات؟

 

ـ إخوات إنسانيا ومعنويا لكن مش إخوات فى الحقيقة ومن الليلة تاخد فرشتك وتروح تنام في الخيمة .. أنت راجل غريب عليا .. الإسلام بيقول كده.

 

ـ الله أكبر .. ربنا يفتح عليكي يا رحيل يا بنت سمعان

 

غادرت الخيمة وجلست بالخارج وشعرت بأن جسدي مخدر مما سمعته وشعرت به .. لم أصدق عينى وأيضا كذبت اذنى .. سبحان الله وهو الذي يهدي ولولا أن هدانا الله لما إهتدينا .. الله أكبر الذي يهدي كل عاص  جلست مخدرا طائرا محلقا فى سماء العلا وسمعت أذناي تلاوة وقمت بترديد ما سمعت من تلك التلاوة:

 

لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) صدق الله العظيم

 

    دخلت للحجرة وحملت بعض أغراض أعدتها رحيل وتحركت متثاقلا لمخزن المساعدات وأعددت نومتى وأنا شبه سكران وما بين الكذب والحقيقة خط رفيع لا يقوم بالفصل بين الإثنين إلا بالإيمان المطهر لقلوب المؤمنين.

 

   نهضت فجر اليوم التالي وأنا مازلت غير مصدق للذى سمعت وما شاهدت ، توجهت لعين المياه وغرفت منها كمية قمت بالوضوء وعدت أجفف يداي من برودة المياه شبه المجمدة ، وقفت أمام الخالق أعبده مخلصا متضرعا وأنا شبه باك ودفعتنى رغبة فى أن أسأله ؛ هل ما سمعته من رحيل حقيقة يا رب؟ أنهيت صلاتي وجلست متدثرا بملابسي وبدأت فى التلاوة ، لم أتخير سورة أو آية محددة ، بل كنت أسمع قرآنا يتلي بداخل عقلي أو قرآنا يتلي بداخل أذني ، يتلي بصوت شجي وكانت القراءة بصوت سيدة ، صوت ساحر عابد لم أستمع لصوت قبله ، تحركت الدموع فى عينى وهبطت لتغسل بعض غبار شر وصل لقلبي كي أصبح طاهرا.

 

     سمعت من يهمس بأذني ، قم أيها الشاب وترحم على أم سيناء فهي تشاهدك من أعلي من الجنة المباركة ، نهضت وتحملت البرودة التي تجمد الأطراف فشعرت بالدفء يسري فى أوصالي وسرت مرفوع الهامة حتي وصلت لقبرها جلست أرضا وتلوت فاتحة الكتاب وترحمت عليها ، شعرت بتخدير بأوصالي وترنح وكدت أسقط أثناء جلوسي هذا ، حاولت اليقظة لكن النوم كان أقوي وأسرع فخلدت إلى نوم هانئ لا أستطيع تحديد مدته  شاهدتها ، شاهدت أم سيناء تجلس على كرسي جميل لا أستطيع وصفه لأننى لم اشاهد مثله في كل الكراسي التي شاهدتها ، أشارت إليّ أن أقبل يا صابر ، تقدمت إليها راغبا فى تقبيل يدها فرفضت وشكرتني ، صابر كل كلام رحيل إلي عرفتك بيه صحيح ، صدقها فى تلك المرة ، نعمة ربنا نزلت عليها لأنها ساعدتك إنت وزمايلك عساكر الحدود الغلابا وربنا كتبها لها فى الكتاب المحفوظ وقرر أنه يرضي عنها فدفعها للإسلام ، صابر عرفتك وأنا أغادر الدنيا لدار الآخرة إن قدامك تلات عتبات ، فاكر؟ عدت عتبتين وباقي عتبة ، جهز نفسك وماتعرفشي حد حكاية العتبة وخليها سر  العتبة قربت ، يعني السنه الجايه زي الوقت ده يكون ربنا رفع راية الإسلام  صابر متنساش تبقي تزور قبري ، ربنا ح يحميك وينجيك ، لا إله إلا الله  أسرعت مرددا محمد رسول الله ، أستودعك الله الأن يا صابر.

 

نهضت من نومي منشرح الصدر وقد ظهر ضياء يوم جديد فالوقت شروق والشمس تحاول الظهور من خلف الجبال والهضاب ، أسرعت بالعودة إلي المخزن فشاهدت أصدقائي من الحيوانات وألقيت عليهم التحية ورتب على جسد كل واحد منهم وأسعدهم هذا ، دخلت إلي المخزن وألقيت بجسدي ورحت فى نومي لم أنتبه إلا على صوت هارون يحاول إيقاظي كي نتناول طعام الإفطار وخلال ذلك كان في إنتظاره خارج المخزن  الأصدقاء الثلاثة خرجت متجها لخيمة رحيل ونظرت لأصدقاء هارون وأنا أردد ، الله أكبر وسبحان الله.

 

   إلتقيت رحيل وشاهدتها تلتف بطرحة تغطي شعر رأسها ، كدت أن أضحك وتنبهت بأن الموضوع جد ولا يجب العبث بمشاعر السيدة وعقيدتها الجديدة ورجوعها لله ليس مدعاة للضحك ، تناولنا طعامنا بحضور هارون ، كنت أختلس النظرات إليها أثناء قدومها أو غدوها أو أثناء الحديث مرددا ، سبحان الله ، لقد تبدل الحال وأضاءت أنوار الهداية هذا الوجه الجميل ليصبح رائقا صافيا تشاهد منه الصفاء الإلهي وليس الإغراء الشيطاني ، أعقب تناول الطعام شرب الشاي وغادرت الخيمة كي أقوم على أداء عملي فودعتني طالبة من الله أن يوفقني بكل خطوة لصالح الإسلام والمسلمين ، ركنت ظهري بالخارج خشية السقوط فالجرعة الإيمانية كانت كبيرة ولم أكن مستعدا لأن أمسح شريط ذكرياتها الماضي سيء الأخلاق بتلك السهولة.

 

***

 

    قيادة المخابرات الحربية وفي مكتب رئيس قسم الإستطلاع الذي أقبل كي يلقي بكلمة هامة فى مجموعة من الضباط من سلاح المهندسين العسكريين وبعض الخبراء بكليات الهندسة ، أوضح لهم القائد المسئول تكوين النقاط الحصينة من الداخل ومكوناتها والمواد التي دخلت فى الإنشاءات والوسائل المستخدمة في التصميم لتفادي القصف المباشر من أسلحة المدفعية وقنابل الطائرات زنة الخمسمائة رطل ، طلب من الحاضرين دقة الدراسة وأن تكون الرسوم بداخل القيادة مع السرية التامة مقررا بأن هذا الرسم أحضره أحد الشباب المصري الذي أعتقل وعمل فى تلك النقاط ولحساسية الموضوع أرسلنا لنتحقق وجاءت المعلومات التالية مؤكدة رغم أن معلومات الشاب كانت أدق وأشمل لأن من إعتمدنا عليهم من رجالنا لم يستطيعوا إختراق خطوط الحصون والحصول على تلك الرسومات الدقيقة.

 

***

 

    صباح يوم جميل ورائع حيث كنت أشعر بأن الطهارة وبركة الحي القيوم تطغي علي المكان ، شاهدت بثينة شقيقة تراجي الصغرى قادمة مسرعة بالجمل ، وقفت وتساءلت: ماذا حدث يا بثينة؟ بعد أن توقف الجمل وبرك أرضا وحصلت الفتاة علي أنفاسها ، نظرت إليّ بعيون لامعة باسمة مرددة: مبروك .. تراجي خلفت إمبارح وجابت بنت حلوه زي الجمر .. وقفت صامتا وقد إعتقدت الفتاة بأنني حزين لهذا حيث كنت أرغب فى صبي  أقبلت رحيل وشاهدتني وأنا صامت صمت أبي الهول وتساءلت ماذا حدث؟ أخبرتها بثينة بالخبر ، وقفت السيدة ووضعت يدها علي صدرها مرددة .. الله .. الله .. ألف مبروك يا صابر .. صحيح معرفتش معاد الولادة لكن ألف مبروك ، خلفة البنات رزقها واسع .. تنبهت وقمت بتقبيل بثينة ورحيل مرددا .. الحمد لله .. نظرت إلي رحيل أخبرها بأنني راحل إلي زوجتي ، ظهرت بسمة الصفاء والحب مرددة ألف مبروك .. بلغها سلامي .. هكذا أخذت صهوة شهاب عائدا إلي ديار تراجي وخلفي بثينة على ظهر الجمل  وصلنا إلي هناك عصر ذلك اليوم رغم شدة البرودة ، دخلت عليها فشاهدتها ترضع الصغيرة .. كدت أن أصرخ مهللا ، لقد كان المنظر رائعا ًلأقصي درجة ، إنحنيت وجلست أرضا وباركت لها الإنجاب وقبلت يدها فشعرت بسعادة وأمها وشقيقتها يقفان ينظران إلينا بسعادة ، أظهرت المولودة فلم أتبين معالم واضحة لكنني قبلت اللفة القماش التي كانت الرضيعة بداخلها.

 

    اليوم التالي غادرت ديار تراجي عائدا للمستودع حيث كنت أحلم وأتغني بأغان شبابية سعيدة وأسمع صهيل شهاب من حين لآخر فأجيبه بقينا زي بعض يا شهاب ، خلاص ، كل واحد فينا إتجوز وخلف ، كونّا عيلة .. الحمد لله.

 

   وصلت المستودع وتنبهت بأن رحيل موجودة ؛ حيث  كنت أشعر بشيء روحاني يقيم بنفس المنطقة التى أعيش فيها ، رغم خوفي السابق من أي حديث أو تحرك لرحيل أصبحت الأن أتمني مشاهدتها وسماع صوتها ، كنت أستمع لها ولا أعلق ، لقد غشيني شعور طيب رطب نحو تلك السيدة ولم أكن أفكر بأن من المحتمل أن تقوم تلك السيدة بإحترام ديانتي وعقيدتي فقط ثم يصل الأمر فجأة إلي إعتناق عقيدتي ، وكما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " ربح البيع يا رحيل ".

 

     توجهت إلي حظيرة الأصدقاء ونظرت نظرة فاحصة إلي جمل أم سيناء "مسك الليل" ، أنادي عليه ، نظر إليّ دون أي إهتمام ، توجهت إليه ووقفت بجوار رأسه وهو مشغول بطحن ما في فمه من طعام ، أحادثه: ِمسك الليل، أترفض ندائي وأنا صديق أم سيناء! زمجر ورفع رأسه لأعلي ، خشيت علي نفسي فتراجعت إلى الخلف ووقفت علي أول مدخل الحظيرة ، بعد قليل ترك الطعام وشاهدته متجها لي وقد خفض رأسه لأدني مستوي وهذا يدل في عرف تصرفات الجمال بالضيق أو الحزن أو تقديم الإعتذار ، قبلت كل هذا ، وقف أمامي فأشرت إليه فبرك وقفزت علي ظهره ونهض وأسرع بي لخارج المستودع ، قمت بعمل دورتين في المنطقة التي أمام المستودع ولم أكتشف أنه سريع الخطوة مثلما كنت أشاهده حين كانت الراحلة أم سيناء تمتطيه ، إكتشفت أن تلك الميزة كانت خاصة بأم سيناء وليست بالجمل.

 

     جلست أستمع لحفل أقيم بدار سينما ريفولي يقوم فيه بالغناء بعض المطربين بمناسبة العام الجديد ، قدم المذيع الحفل وأخذ يكيل ويمدح فى نجوم حفل تلك الليلة وضمن ما قال ، أنه حفل خاص بمناسبة وصلونا لأعتاب عام جديد ، عام 1973 ونرجو هذا العام أن تتحقق فيه كل الأماني للشعب المصري والعربي كما نرسل بكل تحية وتقدير إلى رجال مصر المكلفين بحماية الحدود رجال القوات المسلحة و................. 

 

      تنبهت ، العتبة الثالثة ، ياه ، هل يحدث ما سبق وأخبرتني به تلك السيدة الطاهرة ، لقد قالت لي هذا أثناء مغادرة الدنيا فى طريقها للحياة الباقية بالآخرة ثم أعادت هذا الحديث أثناء الرؤيا التي شاهدتها منذ عدة أيام وأعتقد أن رؤيا الأموات تكون صادقة فى الغالب ، إذا سوف تحدث الحرب هذا العام وسوف ننتصر لكن متى حتي أستعد لهذا بالماء والطعام كما قالت، قررت ترك الأمر لله فلم أعد قادر على التفكير والإستنتاج.

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech