Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الثامن - مسك الختام

 

مســك الختــام

   أخبرت زملائي بالحدود برغبتي بالعودة حيث كنت أشعر بجزع وخوف على رحيل ، وافقوا ورغب إدريس بتكليف إثنين من الجنود بمرافقتي ولكني أخبرته بأنني سوف أعود ليلا حتي لا أفاجأ بدورية نهارية أو طائرة هليكوبتر تقتنصني ، أثناء العودة كنت أسرع الخطي إلى المستودع ، كان قلبي يحدثني بحدوث شيء غامض منذ نصف ساعة تقريبا ، تساءلت: ماذا سوف يحدث هناك ؟ يجب عليّ أن أظل هادئ الجنان ، أيضا كنت أشعر بأن شهاب يكاد يقفز لأعلي حتي يصل إلي السحاب راغبا بالوصول لعائلته مبكرا ، لا أعلم ماذا أصابنا نحن الإثنين بما دفعنا للرغبة فى العودة مبكرا وبتلك السرعة وقد حدث كل هذا قبل نصف ساعة مضت قبل طلبي هذا من الشاويش إدريس حيث كنت راغبا بأن أظل ثلاثة أيام أخري لكن حدث هذا التوتر فجأة.

     وصلت قبيل الفجر إلي المنطقة الخلفية ، شاهدت بجوار تشوينات الأغذية شيئا يتحرك ، خشيت أن يكون الإسرائيليون في إنتظاري ، لكن ما هدأ من توتري سماع نباح ليفي ثم أعقبه صوت هارون وتلاه أصوات صديقيه ياقوت والجمل الصغير هادي وأدهشني هذا بأن تترك رحيل مجموعة الصغار يلهون بهذا المكان حتي قرب الفجر ألا تخشي عليهم من ذئب أو ضبع والذي سوف يفترسهم فى الحال دون مقاومة ، حملت هارون الذي كان يبكي فهدأت من خاطرة وقبلته وسار أصدقاؤه خلفي ، دخلت إلي الدهليز المؤدي إلي الحظيرة ومنها إلي المستودع فسمعت صوت بكاء.

     أدهشني هذا وتوقفت عن السير وشعرت بأن كارثة قد حدثت أو على وشك الحدوث ، تساءلت: من هناك؟ لم تصلني إجابة وأزداد البكاء إرتفاعا ثم تلي هذا إستفسار من الباكية : صابر؟ أيوه مين ؟ رحيل؟ لأ .. أنا بثينة!! يا للدهشة .. بثينة فى المستودع وفي هذا الوقت المتأخر ، أسرعت إليها فأمسكت بملابسي وجسدها يرتعد ويكاد قلبها الصغير يقفز من بين ضلوعها.

   ـ فيه إيه يا بثينة؟

ـ المجرمين اليهود .. جم جبل العصر وكانوا عايزين ينسفوا المستودع عشان خايفين أن الجيش المصري يوصل لحد هنا ، رفضت رحيل لكنهم صمموا ووضعوا المتفجرات ، رفعت عليهم السلاح ، قام أحدهم بإطلاق النار عليها فأطلقت عليهم عدة رصاصات وقبل أن تلقي مصرعها ، صاح أحدهم برحيل : إنتي ورا كل المصايب اللي حصلت لجيش الدفاع بالمحور الأوسط.

ـ يعني إيه؟ رحيل ماتت .. بصوت باك

ـ أيوه .. أيوه يا صابر

ـ يارب .. ليه .. بعد ما قربت منك تموت .. ده جزاء المؤمن الصالح .. حرام .. حرام .. طلبت مني بثينة ألا أتصرف هكذا ويجب عليّ أن أقوم علي دفن رحيل حيث تركها اليهود بالعراء بينما حملوا الثلاثة الذين قتلتهم وبعض جرحاهم .. لقد غادروا المكان بعد هذا بنصف ساعة وبعد أن قاموا بنسف مخزن المساعدات .. الحمد لله أنهم لم يفطنوا لهذا المخزون الكبير ، أتساءل: لماذا يا بثينة تركتِ هارون بالخلف ،  أبدا يا صابر لم أتركه لكن رحيل طلبت مني أن أقوم على حماية هارون بالخلف خشية أن يصيبه أي مكروه أثناء عملية نسف المخزن وحينما سرت به وبباقي الحيوانات عدت لأقف بجوار رحيل لكن الأوغاد تشاجروا معها وسبوها وأنها كافرة وليست على ديانتهم حيث أنهم وضعوا ميكرفون لنقل كل ما تقول وتتحدث به وعلموا منه بأنها أصبحت كافرة حيث تتبع دين محمد.

   أهذا كل ما حدث يا بثينة ، نعم ثم بدأ القتال الذي دار بينهم ، نعم صابر، لقد كانت رحيل سيدة شجاعة وأخبرتهم بأنها مسلمة ومصرية وتكره إسرائيل وكل من يعيشون بداخلها وأنها بعد الحرب سوف تعود أدراجها للعيش بمصر لهذا جن جنونهم ورفعوا عليها السلاح فكانت أسرع منهم وقتلت بعضهم مما دفعهم لقتلها بإطلاق دفعات رصاص كثيرة حيث كنت أخشي على نفسي وعلي هارون الذي كان يبكي أمه.

    لكن كيف ظللت هنا بجوار رحيل ولم تعودي إلى دارك؟ الحقيقية منذ يومين حينما أتيت بصحبة أبي لصرف المستحقات التموينية لعائلتي وعائلة خالتي طلبت منا رحيل أن أظل معها نظرا لأنك سافرت لمهمة ، كان أبي فرحا بما علمه من رحيل بدخولها الإسلام وبإنتصارات الجيش المصري على الأعداء فوافق أن أظل بجوارها حتي عودتك وقد شاء القدر بأن أكون هنا كشاهد عيان على ما حدث.

     هبطت السرداب تاركا بثينة وهارون وأصدقاءه الصغار التي كانت أمهاتهم تنظر إليهم طالبة منهم العودة لأحضانها دون إهتمام منهم سوي بالصديق الذي فقد الحنان والحب والرعاية بفقده أمه ، أسرعت حذرا أمام البوابة الخارجية أتلصص فلم أجد أثرا لأي من جنود الأعداء عدت ثانية وشاهدت رحيل ملقاة على ظهرها والرشاش بيدها والدماء تغلف جسدها ، إنحنيت عليها وقبلت رأسها مرددا : أختي الكبرى ، هنيئا لك ما وصلت إليه، فقد لقيت ربك وأنتِ صائمة شهر رمضان وشهيدة وسوف تدخلين الفردوس الأعلى وتجلسين مع الأنبياء والصديقين وأم سيناء.

     حملتها وعدت بها للمنطقة الخلفية وطلبت من بثينة أن تحمل هارون بعيدا حتي أنتهي من دفن الشهيدة رحيل .. أردد .. ياه .. البطلة والشهيدة رحيل .. هل هناك من كان يصدق أن تلك السيدة التى شاهدتها في بداية قدومي إلي هنا تصبح هذه خاتمتها؟

    أنهيت الحفرة وإجراءات الدفن وحملتها كما حملت أم سيناء وبعد أن حملتها عدت ووضعتها أرضا غير مصدق ما يصل إلى حاسة الشم عندى وأشعر به ، رائحة العطر الطيب تفوح منها ، هل هي صدفة أو أن هذا نصيب الشهداء البررة الأطهار ، عدت وحملتها وشعرت بأن جسدها خفيف مثل جسد أم سيناء لكني عولت السبب في خفة جسد أم سيناء لأنها نحيفة بعكس رحيل ذات الجسد والقوام المتناسق ، بهدوء وضعتها بحفرتها أو بمقبرتها وتلوت عليها بعض من قصار السور ثم أهلت عليها الرمال ووضعت بعض الأحجار ثم باقي الرمال وحددت محيط المقبرة وجلست أمام قبرها أتأمل ولكن البكاء هاجمني ، لا أعلم لماذا حدث هذا فأنا صلب متماسك وقد أعتدت مشاهدة الموتى منذ كان عمري عشرة أعوام حينما كنت أعمل صبي حانوتي حينما يحتاج عم عايش الحانوتي للعون وهذا في مقابل ثياب المتوفى الرثة وليست القيمة أو الصالحة.

     جلست والدموع تملأ عينى وأعود بذاكرتي للماضي حين أقبل بي أمشير إلي هنا والحالة المرضية التي كنت عليها وعنايتها بى ؛ ثم حين تعارفنا وكم شاهدت ما أنعم الله عليها من جمال وفتنة ورقة ثم سبابها لي وعنفها ضدي ثم حنانها نحو رجال الحدود والعطاء الكريم بلا مقابل للمواد الغذائية التى كانوا فى حاجة إليها ، ثم تقاربها مني وتنافرها أيضا وحبها لي كأخ صغير حيث كنت أشعر بحنان الأم والأخت الكبيرة ، رحمك الله ، رحمك الله فقد نلت الشهادة وأنتي تدافعين عن الحق ؛ لقد أسلمت وجهك لله ولاقيت الله وأنت صائمة شهر رمضان وقد عقدت النية أن تقومي بحج البيت الحرام فى العام القادم بعد إنتصار مصر وعودتك إليها .. رحم الله الأمهات الصالحات.

    حوالي الساعة العاشرة صباحا سمعنا نداء بعض البدو الراغبين بصرف مستحقاتهم ، كنت قد قررت البقاء بالمنطقة الخلفية لإقناع العدو بأن المستودع أصبح فارغا ولم يعد له وجود ومن أجل هذا طلبت من بثينة أن يظل الجميع بالخلف ولا يظهر منا أحد بالمنطقة الأمامية ، تفقدت المستودع وتبين لي أن الجنود الذين أقدموا علي عملية نسف المستودع لم يكن بينهم محترف حيث وضعت العبوات سطحية وحين التفجير حدث الإنفجار سطحي  والذي أثار بعض الشظايا من الصخور التي غطت وأخفت فتحة خيمة المؤن وبالتالي لم تعد ظاهرة ، كما حاولوا تخريب خيمة رحيل وكان التركيز على قاعة الجلوس والإستقبال أما ما عدا هذا فمازالت هناك أوعية للطهي وأغطية وبعض المفروشات والملابس الخاصة بهارون وبالراحلة حيث طلبت من بثينة تجميع كل ملابسها وحفظها في بعض الصناديق الكرتون المتخلفة من عبوات الشاي والكاكاو.

    شعرت بأن ورائي أعباء كثيرة أود الإنتهاء منها ، كان العبئ الأول والمهم الملقي علي عاتقي هو عودة بثينة لأسرتها ، فالفتاة فى حالة نفسية سيئة ولا يجب أن تظل هكذا فترة أطول من ذلك في هذا المكان الذي يحمل كل شواهد وصور الحزن الناتج عن الإجرام فى التعامل مع البشر ، أخبرتها بذلك فإزداد بكاؤها وأشارت إلي هارون ورغبتها فى الحفاظ عليه ، تحيرت ماذا أفعل ، فقد أصبح هارون مسئوليتي الأولي ، فبعد وفاة رحيل لابد من أن أحافظ وأحمي هذا الطفل يتيم الأبوين والذى لم يبلغ العاشرة من عمره وهذا عمره الزمني أما عمره الفكري فلا يتجاوز السبعة أعوام نظرا لحالة الإنطواء التي تلازمه والسبب في هذا هو حرمانه المبكر من والده ومن اللعب مع الأطفال الذين في مثل عمره ، أيضا ما شاهده من مظاهر الخلاعة علي رحيل أثناء الحفلات الماجنة التي كانت تقيمها لضباط جيش الدفاع الإسرائيلي ومن المحتمل أنه شاهدها مع جاستون فأثر كل هذا على حالته النفسية.

    أخبرت تراجي بأنني أوافق على أن يرافقها هارون وأن تحافظ عليه حتي تنتهي تلك الغمة وأسعدها هذا كثيرا ، بعد غروب شمس ذاك اليوم إصطحبت كل أصدقائي من الحيوانات وأيضا بثينة وهارون في طريقنا إلي قبيلة تراجي ، كنت أدعو الله بألا يشاهدنا أحد من الأعداء ، الحمد لله قبيل فجر اليوم التالي وصلنا إلي ديار تراجي ونهض القوم لإستقبالنا والترحيب بنا وتساءلت أم تراجي عن رحيل فصمتت بثينة بينما إندفع هارون في البكاء، حاولت النساء تهدئة هارون ولكنهن لم يتمكن من ذلك.

     أخذت بيده ودخلت به حظيرة الحيوانات فشاهد أصدقاءه سواء هادي أو بعرور والحصان الصغير ياقوت وليفي كلبه الوفي ، شعر بالسعادة والفرحة ونسي أحزانه وجلس بأحد الأجناب فوق الأعشاب الجافة يلاعبهم ، إلتف أصدقاءه حوله وكأنهم يشدون من أزره ورفض الصغار نداء الأمهات للحصول على الوجبة من الألبان حتي يظلوا بجوار هارون ، كنت أنظر إلى تلك المخلوقات وأردد سبحان الله وخرجت بنتيجة واحدة ، تلك النتيجة تقول لو ظل الإنسان بعيدا عن الماديات والسيطرة وحب المناصب لأصبح يتفهم تلك الحيوانات وأصبحت الحيوانات صديقة له لكن الفارق بيننا وبينهم إننا لا نشبع لكن الحيوانات إذا شبعت سكنت ولم تنظر لطعام أو جنس فقد حصلت على حقها الذي قرره لها الخالق عز وجل ووضعه فى غريزتها الطبيعية.

     جلست قريبا منهم وحاولت تراجي أن تدعوني للجلوس بالداخل ولكني فضلت تلك الحياة وهذه الصحبة التي شعرت خلالها بأنني إنسان نبيل وبعيد عن كل مساوئ البشر التي أعلمها والتي لا أعلمها ، أشاهد هارون يملس علي رقبة الحصان المهر الصغير ويحدثه: عايز تلعب دلوقتي وإلا تروح لمامتك؟ يهز ياقوت رقبته ويدق بأحد أرجله رغم أنه ينام أرضا بجوار العشب الذي يجلس فوقه هارون ، يجيب هارون : خلاص خليك هنا وأنا أروح أجيب لك أكل من ماما رحيل عشان أنت جعان ، يتذكر الصبي بأن أمه لاقت حتفها ولم يعد يراها أو يسمع صوتها ، فيندفع في البكاء فيقبل عليه أصدقاءه ، الكلب ينبح معربا عن سخطه وضيقه لمن قام بهذا العمل وحرم هارون من أمه بينما يسرع الجمل "هادي" إلى أمه يخبرها بأن صديقه يتألم فأشاهد السيدة ناقة مقبلة وتبرك أمام هارون وتضع رأسها أرضا بين أقدامه فيمسك بأذنيها يلعب بهما وتخرج بعض الأصوات التي تدفع ابنها للسعادة فيقفز لأعلي ويسعد هذا هارون وليفي والحصان الصغير ياقوت.

  أتساءل: ماذا قالت الأم كي يتفهمه هارون أو الحصان أو المهر الصغير ، من الممكن أن ابنها يتفهم إشارات أمه لكن الباقين كيف فهموا الإشارات وما معني قفزات الجمل الصغير ، تعجبت بعد أن صفقت مرددا .. لا إله إلا الله .. أنهم أبرياء أتقياء ليست بدمائهم السموم التي ترسبت في بني الإنسان كي يصبح خائنا ًوقاتلا ًوكاذبا ًومنافقا ًوهاتكا ًللأعراض .. الحمد لله على هذا .. إنحنيت وقبلت هارون وتركته مع محبيه الذين سوف يسعدونه وغادرت المكان بصحبة تراجي ، جلست معها قليلا فشاهدتها تحمل إناء به لبن من أجل هارون ، أسعدني هذا الحنان وطيبة قلبها، فبالرغم أن عفاف طفلتها في أشد الإحتياج إليها إلا أنها تحاول أن تسري عن هارون ، شاهدتها عائدة ولازال الإناء بيدها ومازال ممتلئا ، أشرت إليها بماذا حدث؟ هل رفض هارون اللبن أو أنه نائم أو مشغول باللعب؟

     إبتسمت تراجي وذهبت لأمها وأعادت إليها الإناء ثم أشارت إليّ فوقفت وتبعتها لحظيرة الحيوانات وبأصبع السبابة أشارت إلي هارون وهي باسمة ، كدت أقفز لأعلي وأصيح الله أكبر فوق كل شيء ، لقد كان هارون واقفا أسفل الناقة وبجواره بعرور ابنها والإثنان يتبادلان الرضاعة من حلمات الناقة والتي كانت تقف صامته كي تشعرهما بالراحة والإطمئنان وتدفعهما للحصول على أكبر كمية من اللبن.

    صباح اليوم التالي غادرت ديار تراجي متجها إلى مستودع الأغذية وحين إقتربت منه شاهدت بعض البدو عائدين والذين يعرفونني ؛ تساءلوا لماذا دمر المستودع ولم يعد به مؤن و لم نشاهد رحيل؟ أجبتهم بأن تلك أوامر الجيش الإسرائيلي ، غادروا المكان صامتين واجمين ، دخلت المنطقة الخلفية بصحبة أمشير والبركة الذين إتجها إلي الحظيرة بينما ظللت بالخارج وتأكد لي أن كل شئ مازال في مكانه ، جلست أمام القبر أقرأ الفاتحة على روحين طاهرتين من أرواح نساء مصر الكنانة.

   تبدلت وتغيرت الأخبار الخاصة بالقتال ، فبعد تقدم وتفوق الجيش المصري سمعنا عن بعض إنكسارات وهزائم محدودة ثم زاد الطين بله عبور بعض من قوات الجيش الإسرائيلي إلي الجهة الأخرى من شاطئ القناة ، فلم يعد الشاطئ الشرقي محتلا منذ عام 1967 بل تعداه إلى جزء من الشاطئ الغربي وسمعنا عن معارك قاسية بين الإسرائيليين والمصرين جيشا وشعبا ، بل بعد عدة أيام أخبرني بعض البدو بأنهم شاهدوا أرتالا ًمن اللوارى الإسرائيلية متجهة شرقا إلى داخل إسرائيل وهي تحمل المئات من الفلاحين المصريين بزيهم المعروف وأيضا المئات بل الآلآف من الحيوانات مثل الأبقار والجاموس التي إستولي عليها جيش إسرائيل بعد عبوره وأرسل بها لداخل إسرائيل كي يسعد شعبه بأننا هزمنا جيش مصر وهذه هي العلامات والنتائج.                   

غرفة عمليات القوات المسلحة والقادة يحيطون بالرئيس السادات لعلاج المعضلة العسكرية وما عرف عنها إعلاميا باسم الثغرة ، كان قرار رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي تصفية الثغرة عسكريا ، فهذا عمله ولا يجب على القائد العسكري أن يدلي بإقتراح تتحمله أي جهة أخري غير الجهة العسكرية فهذا دأب القادة العظام بجميع دول العالم المتقدم ، لأن الأعمال العسكرية تجابه بأعمال عسكرية مضادة ، كان القرار صعبا لكن من المؤكد أنه سوف ينجح لأسباب كثيرة يعلمها العدو قبل القيادات العسكرية المصرية، أعد رئيس الأركان عدته لتنفيذ مهمته ولكن الولايات المتحدة دخلت على الخط مباشرة بتحذير واضح لمصر مرده إذا أقدمتم على تصفية الثغرة عسكريا فسوف نتدخل مباشرة لصالح إسرائيل وسوف ندمر الجيشين الثاني والثالث والسد العالي وبعض المنشآت الهامة بمصر.

   حمل التحذير مستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر إلي الرئيس السادات الذي راوغه مما جعله في ضيق شديد فهو يعلم مقدار ذكاء ودهاء أنور السادات وحينما واجهه بقرار رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون بخصوص هذا الأمر ، أخبره الرئيس السادات بأنه ليس أمامه من مفر سوي التصفية العسكرية لكن كيسنجر ردد أمامه سوف أضع حلا آخر: سوف أجبر إسرائيل على سحب قواتها من الثغرة ، تساءل السادات وما هو المقابل؟ ردد كيسنجر بخبث ودهاء ، مقابل أن تبعد رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي عن هذا المنصب نظرا لأن الإسرائيليين لا يأمنوا لهذا الرجل الذي أذل قيادتهم وذبح الكثير من جنودهم وهم يحاولون تسليم أنفسهم للجيش المصري ، فقد رفض أسر القوات وقرر القتل ردا على ما حدث لجنود مصر بسيناء عام 1967.

     وافق الرئيس السادات علي إقتراح كيسنجر وظل متكتما الخبر حتي تأكد من أن القوات الإسرائيلية بدأت فى الإنسحاب فقرر التضحية بأعظم بطل مصري عسكري فى العصر الحديث وأشاع عنه الرئيس السادات وقتها بعض الإشاعات المغرضة المخالفة للواقع بغرض تأكيد أسباب الإقالة وإبتلع الطعم كيسنجر وإسرائيل ، لكن كانت هناك مشكلة أخري لأن الإنسحاب أو الفصل بين القوات المتحاربة سوف يستلزم وقتا لا يقل عن الشهرين والجيش الثالث بالشرق محاصر ولا تصل إليه المياه أو الأدوية أو الأطعمة ، بعد مفاوضات شاقة طويلة وبحضور الصليب الأحمر الدولي وافقت إسرائيل على مرور الأطعمة والمياه والأدوية للجيش المحاصر حتي تمام الإنسحاب الكامل.

   كانت القيادة الإسرائيلية تعمل على إطالة أمد الحصار حتي يموت الجيش الثالث عطشا أو يتنازل الرئيس السادات عن بعض إنتصارات حققها ، بل أن قيادة الجيش الإسرائيلي أمرت جنودها بأن يضيفوا إلي فناطيس مياه الشرب المحمولة على اللوارى بعض الكيروسين حتي لا يستطع المصريون شربها وفعلوا وشرب منها الجيش الثالث فقرروا أن يقوم الجنود بالتبول في فتحات الفناطيس حتي لا يقوم المصريون بشرب تلك المياه وبالفعل رفضوا شرب هذا الماء الملوث وفضلوا العطش.

    قرر الرئيس السادات بخبرته الطويلة قبل الثورة والتي حصل عليها أثناء فصله من الخدمة بالجيش الملكي حيث عاش سائقا يتجول بكل أنحاء مصر أن يطلب عون أصدقاءه وأحبابه مشايخ سيناء ، أرسل بأحد ضباط المخابرات الحربية الأكفاء الذي تسلل من خلال القوات المحاصرة للجيش الثالث وإلتقي برجال القبائل حاملا رسالة الرئيس المحددة بكلمات قليلة:  رجال سيناء الأبطال .. جيشكم الثالث محاصر ويحتاج إلى الماء والطعام.

***

الصــراع بين الشيطان والإنســان

   وزارة الحرب الإسرائيلية التي شكلت فى أعقاب إندلاع حرب يوم عيد الغفران للطائفة اليهودية ، تساءلت رئيسة الوزراء الإسرائيلي مسز جولدا مائير عن أوضاع قوات الجانبين الإسرائيلي والمصري المعادي ، عرض وزير الدفاع الجنرال موشي ديان تقريره الذي تلخص في النقاط التالية:

أولا جيش الدفاع الإسرائيلي .. الوضع المعنوي تحسن عن الأيام الأولي لبداية الحرب وهذا راجع للمعونة الفعالة التي قامت بها كل من وزارة الدفاع الأمريكية وحلف شمال الأطلنطي والدعم العسكري والتقني غير المحدود وغير المسبوق ؛ أيضا مستوي الإعاشة طيب للغاية وبالطبع منذ توقف إطلاق النار بين الجانبين والخسائر البشرية تضاءلت بوجه عام ، لكن الشيء المؤلم والذي لا يخلو من الضيق والتوتر سببه الرئيسي العمليات العدوانية الغير مبررة التي تقوم بها القوات المصرية وبالذات قوات الكوماندوز مما أسقط بعض القتلى من قواتنا.

ثانيا الجيش المصري .. الجيش الثاني فى وضع عادي نظرا لإرتباطه بخطوط الدعم الخلفية للقيادة .. أما بالنسبة لوضع الجيش الثالث فأنا أؤكد هنا أنها أيام قلائل ويلفظ رجال الجيش أنفاسهم من شدة الحصار الذي قمنا بتطبيقه بصرامة وجدية بالغة وكان أخر تقرير وصل إلينا من الأقمار الأمريكية يبين حالة الهذيان والجفاف التي وصل إليها الجنود المصريون لدرجة أنهم يحاولون تكرير المياه المالحة كي تستخدم في الشرب والمحاولات ضئيلة لا تفي بحاجة الرجال الذي يصل تعدادهم لأكثر من 50ألف رجل .. نحن في إنتظار الرئيس السادات يتقدم بطلب عودة القوات المتحاربة إلي الخطوط التي سبقت قيام حرب يوم الغفران ولو تمسك بقراره سوف يهلك الجيش الثالث بالكامل ولن نأخذنا بهم شفقة ولا رحمة " تصفيق حاد ومتواصل وهتاف بحياة دولة إسرائيل القوية"

***

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech