Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه فهد الليل- الجزء الثامن - ابو بكر

 

أبوبكر:

   مساء اليوم الأول من شهر نوفمبر سمعنا أصواتا لبعض الرجال يتحدثون مع جنود الحراسة القائمين على حراسة موقع الفصيلة ، نهضت من نومي متجها إليهم وتساءلت: ماذا حدث يا أحمد؟ أمباشى أبو بكر .. هاذان الرجلان قادمان برسالة من زعيمهم حمدان أبو رمح إلي الشاويش إدريس ويقولان بأنها هامة وخطيرة .. سمعت صوت الشاويش إدريس ينادي عليّ : أقبل بهما يا أبو بكر ولنر ماذا يريد حمدان بعد أن تركناه لأكثر من ست سنوات يمرح ويقوم بالتهريب ويعمل كل ما هو مخالف للقانون .. السلام عليكم شاويش إدريس .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. أين الرسالة؟ تفضل .. رباح .. أعد الشاي للرجال ترحيبا بهم وقم على خدمتهم حتي أنتهي من قراءة تلك الرسالة.

     ماذا يريد حمدان برسالته تلك؟ هل فقد عقله ويعرض علينا أن ننضم لعصابته؟ سوف يكون هذا العرض أكبر نكتة في العالم وفي سلاح الحدود المصري ، لقد أصاب الوهن عقل الرجل ولم تنفع معه أية أنواع من المخدرات التي يجلبها للمصريين ثم إستبدل بهم جيش إسرائيل .. ولماذا أستعجل النتائج؟ سأقوم على فتح الرسالة وقراءة ما بها ثم أقرر ما يجب عليّ القيام به في وجود الرجال كما إعتدنا منذ أكثر من ست سنوات ..   

   السلام عليكم شاويش إدريس .. أنا حمدان أبو رمح .. وصلت إليّ معلومات مؤكدة من شيخ القبيلة يعرفني فيها أن السيد رئيس الجمهورية الزعيم أنور السادات طلب معونة الرجال بسيناء لإمداد قوات الجيش التالت بالأكل والشرب وهم محصورون بين جيشين لإسرائيل ومش عارفين نقدم لهم المساعدة ، المكان اللي حدده لنا سيادة المقدم حمزة اللي حمل رسالة الرئيس بتقول أنه محصور بين خليج السويس بجوار موقع بور توفيق حتي جنوب البحيرات أو قريبا من منطقة سرا بيوم .. رغبت بأن أعرفك كي نقدم يد المساعدة لجنودنا الأبطال نظراً لأن المجرمين الإسرائيليين راغبين فى قتلهم جوعاً وعطشاً .. أخوك .. حمدان أبو رمح.

    أشاهد الشاويش إدريس صامتا بعد أن كان يقرأ الخطاب بصوت مرتفع وسمعت كل ما جاء بخطاب حمدان .. نظر إلي قائلاً: رباح .. أيقظ الرجال، قمت وأفراد الحراسة بإيقاظ الرجال الذين أقبلوا مسرعين وكل فرد يحمل سلاحه منتظرين أمر القتال ، أشار إليهم إدريس بأن إجلسوا .. جلسوا وفي نفس الوقت أقبل رجال البترول أيضا وتحدث إدريس وأعاد قراءة الخطاب للمرة الثانية .. طلب من الرجال الإختصار وعرض الأفكار ..  لم تكن هناك أفكار سوي تقديم الماء إليهم وعلي الفور ، بينما تحدث المهندس عزيز ميخائيل بأهمية الحصول علي براميل خام فارغة سعة 200 لتر وهذه كفيلة بإنجاز عملية المساعدة ونقلها بحيث يحمل كل جمل بإثنين من البراميل، فلو كان مجموع الجمال عشرة فهذا يمكننا من نقل عشرين برميل بما يوازي 4000 لتر ماء تكفي نصف القوة المحاصرة.

     ضرب إدريس بعصاه أرضا راغبا بإنتهاز فرصة الليل ومهاجمة بئر بترول أبو زنيمة للحصول علي البراميل المطلوبة وقرر إصطحاب خمسة عشر جملا بحيث يحمل كل جمل بثلاثة براميل فارغة تمكننا من تقديم المساعدة للقوة بأكملها كما أمرنا بإعداد السلاح لأننا سوف نشتبك مع قوات العدو التي إشتبكنا معها منذ ثلاثة أسابيع كي ننتقم لزميلينا اللذين لاقي الشهادة.

     تحركنا بسرعة مع اليقظة حيث تقدمنا رباح وأحمد الطيب للإستطلاع ، وصلنا إلي المنطقة منتصف الليل وتلصص البعض وتأكد لهم بأن المكان هادئ ولا توجد به سوي بعض الحراسات الخفيفة ، سبقنا المهندس عزيز وزميليه وقاما بفتح مخزن العبوات الممتلئ براميل صاج سعة 200 لتر وذلك بإستخدام قصافة السلك الصلب التي كان قد أحضرها مع بعض العدد في أعقاب معركة 1967 ، دخل الرجال وقاموا بتحميل البراميل علي الجمال ؛ لكن أحد الجمال توتر وأخرج أصواته العنيفة وكان هذا من سوء تصرف الجندي المسئول عنه الذي تهاون في تكميم فم الجمل مثل الباقين ، تنبه الحرس وشغلوا الإضاءة وأطلقت صفارة الإنذار ، لم يمهلهم الرجال إذ فتحوا عليهم النيران وظل تبادل أطلاق النيران قائما بين الطرفين قرابة النصف ساعة حتي صمت الحرس الإسرائيلي ما بين قتيل أو جريح بينما لفظ المهندس عزيز ميخائيل أنفاسه من إصابة مباشرة في الصدر ، حمله الرجال وأسرعوا عائدين فهم يعلمون بأن القوات المحمولة جوا سوف تحضر بأقصى سرعة ، ظللنا نتحرك بسرعة خلف الجمال التي تحمل البراميل الفارغة ؛ إستطعنا الوصول إلي الحواف الشمالية للجبال المحيطة بمنطقة عيون موسي وخلال هذا ظهرت أضواء الصباح وسمعنا وشاهدنا عشر طائرات هليكوبتر تجوب المنطقة.

   لم يتم إكتشاف مكاننا وظللنا في حالة من الإختباء حتي أقبل الليل فخرجنا نسعى لموقعنا ، بالموقع شاهدنا أحد الرجال الغرباء الذي كان يقف مع أحد رجال حمدان وفرد الحراسة المتبقي من رجال الفصيلة ، تقدم منا الرجل وعرفني بنفسه ، النقيب فريد من رجال المخابرات الحربية وأتبع المقدم حمزة الذي سبق وأن كتب حمدان اسمه فى الخطاب الذي تخلصنا منه بالحرق كما أخبرنا رسول حمدان قبل أن يغادرا المكان ، جلس الرجل معنا وشرحنا له ما سوف نقوم به وأسعده هذا ، خلال الحديث كان الرجال قد أداروا موتور سحب المياه ودفعه بالبراميل ، خلال ساعتين كانت هناك أكثر من 25 برميل ممتلئة بالمياه الصالحة للشرب ، أخبرنا النقيب فريد بأنه سوف يرافقنا كي يحدد لنا إلي أين نتجه.

    تحركنا حوالي الواحدة صباحا ، برفقة النقيب فريد ، وصلنا الخط الأول للقوات قبل السادسة صباحا ، لقد شاهدت ما لم أكن أتوقعه حيث كان الجنود شبه سكارى والرؤوس تترنح ولا يستطيعون السير أو الحديث ، نظروا إلينا كأننا أشباح ، كان الواحد منهم يرفع يده إلينا ولا يستطيع الصمود برفعها فتسقط منه بسرعة لحالة الضعف والهزال ، أمرنا النقيب فريد بأن نترك بكل موقع جملا ًببرميلين وبعد التفريغ يتم التجميع للعودة لموقعنا السابق بعد آخر ضوء أي بعد ذوبان شمس هذا النهار.

   وقفت مع إحدي الوحدات وأقبل الرجال فرادي سكارى عجزة حيث عاونني أحدهم وقمنا بوضع البرميل علي ظهر دبابة متخندقة وفتحت الطبه الصغري فسالت المياه كخيط رفيع من الفضة يتلألأ وبكل عبوة بلاستيك سعة 20 لتر كنا نفرغ البراميل ، كان المندوب يأخذ العبوة ويمر على الرجال ويقدم لكل واحد منهم شربة ماء لا تزيد عن كوب ماء بعدها يصمت الجندي ويترنح وبعد دقائق ينتبه وينهض ويعدو خلف مندوب المياه راغبا فى كمية أخرى ، هكذا تنبه الرجال وخلال ثلاث ساعات وبكل المواقع عادت الحياة للرجال.

     طفرت الدموع من عيني وأنا أشاهد هذا المنظر ، أتساءل :من قال أن القتال والحرب تستخدم فيه عملية التعطيش والتجويع ولكنهم اليهود وأربابهم الأمريكان ، بئس الأخلاق والقيم والمبادئ ، بعد الساعة السادسة مساء تحركنا بصحبة النقيب فريد ؛ وصلنا إلى موقعنا بعد العاشرة ، إستبدلنا الجمال بأخرى وقام الرجال بعملية ملئ المياه ولهذا قسمت الرجال ، جزءاً يقوم بتعبئة المياه وجزءا يقوم بتوصيلها حتي نظل نعمل يومياعلي أن يسير جندي خلف كل جملين بدلا من جمل ، سرنا على هذا الحال.

    أخبرت النقيب فريد بأنه يوجد لدينا دقيق وسكر .. شكرنا الرجل حيث أخبرنا بأن القوات كبيرة وتحتاج إلي عبوات وقد يصل حجم الدقيق المطلوب يوميا إلي أكثر من نصف طن ، إبتسمت له وأخبرته بأن هذا متوفر ، لم يصدقني حتي نهضت وإصطحبته معي وشاهد كميات الدقيق والسكر واللبن الجاف المخزنة ، صفق الرجل وقام بتقبيلي وتساءل هل يمكن الجمل أن يحمل جوال دقيق فوق حمله البرميلين؟ أخبرته بان الجمل لا يستطيع هذا ولكن يوجد لدينا خمسة جمال فى الراحة فيمكننا أن نقوم بتحميل كل جمل بأربعة أجولة دقيق وهي تقل عن وزن البرميلين مياه.

   أعطيت تعليماتي للرجال وأسرعوا بالتنفيذ وقبل منتصف الليل تحرك الركب يحمل الدقيق والماء ، قررت مرافقة الركب رغم نداء البعض لي بأن أحصل على راحة لأنني أعمل يوميا ولم أحصل على راحة لكني رفضت وطلبت من أحد الرجال بأن يتوجه إلي لقاء صابر وإخباره بكل ما تم وأن يعمل على مدنا بما يستطيع ، ثم يعرج علي مقر عصابة حمدان طالبا منهم العون بتزويدنا ببعض الجمال حتي يمكننا نقل المؤن من مستودع رحيل إلي موقع الفصيلة.

      ما شاهدته بالأمس إختلف عن اليوم حيث كان الجنود في إنتظارنا ولهذا لم نستغرق وقتا طويلا في التفريغ وكانت حمولة الدقيق كأنها هدية من السماء فقد أيقن الرجال بأنهم سوف يقتاتون خبزا جافا وهذا لا يهم ، لكن المهم أن تجد المعدة ما تعمل على تشغيلها ، أيضا عبوات السكر المرافقة التي أسعدت الرجال أن شاهدوا عبوات الشاي وعلق أحدهم قائلاً: لو كوب شاي وكوب ماء كل يوم سوف أظل لمدة عام تحت الحصار وأحارب كالأسد.

     وصلت قبل العشرة صباحا إلي مستودع رحيل وشعرت أنه أصبح خرابا وينعق البوم بداخله ، بعد قليل شاهدت الجمل يتحرك ويحدث أصواتاً وأنا أعدو خلفه لكنه إستمر في العدو وأنا أخشي أن أفقده وكيف أعود للفصيلة لكن المفاجأة إنني شاهدت جملين آخرين سرعان ما تعرفت عليهما وهما أمشير المشاكس والبركة .. لم أجد بجوارهما أحد ، منتصف النهار سمعت حركة ثم شاهدت صابرا الذى أقبل نحوى سعيدا وجلسنا معا نتحدث وأخبرته برسالة الشاويش إدريس ، أجابني بأنه سوف ينفذ كل تعليماته من باكر وسوف يتوجه لبعض معارفه لطلب المدد.

    تساءلت: إنني لم أشاهد رحيل حتي الأن .. أين ذهبت؟ نظر إليّ صابر صامتا ثم أشار إلي أحد الأجناب جهة الأرض مرددا ، بداخل الأرض التي سوف نعود إليها جميعا وكل واحد له موعد حدده الله ، أخبرني بقليل من الكلام بما حدث لها فقرأت الفاتحة علي روحها الطاهرة وغادرت المكان متوجها إلي قبيلة حمدان أبو رمح ، بينما أخبرني صابر بأنه سوف يتوجه إلى الجانب الأخر في إتجاه جبل المغارة للقاء قبيلة أبو إسماعيل والشيخ عيد طلبا للعون. 

***

     وصلت بعد أن خيم الظلام على الأرض مبددا ضوء النهار .. إستقبلتني القبيلة بترحاب ، صافحت هارون وقبلته وكانت سعادته عاليه حيث شاهد العديد من الحيوانات كي يلهو معها فقد أضيف إلي قائمة الأصدقاء بعض الماعز والخراف والدواجن ، همست في أذن الرجال بما أخبرني به زميلي فى الحدود ، تنبه الرجال وأسرعوا بركوب جمالهم والقدوم معي ، وصلنا قبيل الفجر ، إعتكفنا تفاديا لمراقبة الطائرات أو الدوريات ، قبيل الغروب بساعتين حملت الجمال الدقيق والسكر بعد أن حصلت علي ما تحتاج إليه من طعام وشراب ، بعد أن هبط الظلام أسرعنا بالعدو بالجمال وأخذنا الطريق دفعة واحدة رغم أننا نسير على أقدمنا ولم يقم أحد بركوب الجمل حيث تركناه لمهمة سامية وهي حمل أجولة الدقيق للرجال المقاتلين ، تنبهت لكلمة الرجال المقاتلين .. كدت أصرخ وأخذت في ترديد اسم أم سيناء .. الله يرحمك .. لقد أنار الله لها الطريق إلي الجنة وأيضا أنار الله لنا الطريق كي نقف أمام إجرام اليهود ومن ورائهم.

      وصلنا قبل الضحى وبركت الجمال وحرر الرجال ظهورها من الأثقال، هناك شاهدنا أعدادا غفيرة من الجمال فتبين لنا أنها إمدادات من حمدان ورجاله الذين تولوا الإمداد ومعهم القبائل للجانب الأيمن القريب من البحيرات نظرا لخطورة تلك المنطقة ولهم بها سراديب وممرات يعلمونها جيدا ولا يعلم عنها اليهود شيئا ، رافقت الرجال المتجهين للجيش ، كنت سعيدا بمشاهدة رجال الجيش حيث إستقبلوننا بالترحاب وشاهدتهم وهم في  حالة طيبة وكل واحد منهم يقف بجوار سلاحه على أهبة الإستعداد ، نظر إليّ إدريس وسمعته يردد سبحان الله ، لو كنت يا صابرا شفت الرجالة دولت من أربعة أيام كنت تجول مش يفضلوا عايشين للصبح ، كانوا مثل حباية العنب إللي بجت زى الزبيبة ونشفت ، خلاص يا بني ، تعرف أن فيه عساكر منهم ماتت من العطش والجوع بس محدش جاب سيره عشان ميحصلشي ردة فعل عليهم.

   إجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي الذي وجه سؤالا ًإلي وزير الدفاع موشيه ديان يتساءل فيه، لقد مضي أكثر من شهر ولم يمت الجيش المصري ولم يرسل السادات برسائل أو وسطاء لعودته للحدود التي كانت قبيل إندلاع الحرب ؛ ماذا حدث لهم؟ أيها السادة أنه لشيء محير أن صور الأقمار الصناعية الأمريكية أظهرت أن الجيش المحاصر بحالة صحية طيبة وأن الجنود في أوقات الفراغ يلهون بالجري ولعب الكرة ؛ بل الصور توضح بأن هناك نيرانا ًمشتعلة لإعداد طعام وأن عبوات المطبخ الكبيرة يقف عليها جنود يطهون أشياء لا نعلمها ولكن البخار يتصاعد منها وبعض الصور حددت أن بعض الجنود يتناولون اللحوم وإستطاع رجال الإستطلاع الإلكتروني أن يلتقطوا أصوات بعض الجنود وهم يشكرون الطهاة على حسن طهي اللحوم وإعداد "الحساء" الشوربة.

    رئيسة الوزراء ، أيها السادة ؛ نحن نضحك على أنفسنا والأمريكان لن يظلوا واقفين في إنتظار نتائج غير محسومة ، سوف أبلغ هنري كيسنجر بتحديد مواعيد فصل القوات ولنجعلها قادمة من دولة إسرائيل بدلا من أن يضحك علينا العالم مرة ثانية خلال شهرين ، إنتهي الإجتماع.

***

    عسكري صابرا ، تفتكر كم من الطحين مازال متبقي طرفك بالمخزن  شاويش إدريس لم يعد هناك سوى أجولة الشعير التي قام رجالك بحصدها معي منتصف هذا العام ، الحمد لله علي كل حال عسكري صابرا ، والله أنت ولد زين وجدع والولية أم سينا بتفهم أنها طلبت منك توفر طحين  الحمد لله ، يا شاويش إدريس ما أنت راجل جدع وحكاية توزيع جمل على كل وحدة عسكرية كبيرة في مستوي لواء مشاه أو مدرعات عمل شغل والعساكر شربت الشوربة وأكلت اللحمة وعلي رأي أحد العساكر لو كان فيه رز كنا عملنا فتة ؛ بس يا عسكري صابرا .. إنت شايف الرجل الزين الحلو اللي واجف هناك ريح الجنود اللي بيوزعوا عليهم اللحمة

ـ أيو ه شايفه .. يبجي مين الراجل ده؟

ـ يا وله يا عبيط  .. ده قائد الديش .. أيوه .. اسمه أحمد بدوي لكن إيه .. راجل .. صح وزين .. ورايا ح نروح نجابله ونتحدد وياه:

ـ السلام عليكم يا فندم

ـ أهلا .. أنتم تبع مين؟

ـ إحنا رجالة الحدود واللي معسكرين في عيون موسي من جبل حرب 67 ما تبدأ

ـ مش معقول ، إنتم مانفذتوش أمر الإنسحاب؟

ـ والله يا فندم ما عرفنا إلا بعده بأكتر من شهر وطبعا ماكناش نعرف نعود والجمال معانا .. وزي ما تجول كده يا فندم الجمل بتاعي هوه الطيارة والدبابة بتاعتنا

ـ برافوا عليكم .. إنتم قدمتم للجيش التالت خدمة كبيرة

ـ أيوه يا فندم .. البركة في شيوخ قبائل جنوب سينا .. وحمدان مهرب المخدرات

ـ خليكم بجوار رجالنا لحد ما تنتهي المشكلة علي خير وعلي كل حال قربت تنتهي ، الأخبار وصلتني بتقول أنها كام يوم وتعدي المحنة ، ح نفضل علي الحال ده ، كل شويه الأمريكان يساعدوا إسرائيل علي الظلم ، على كل حال ربنا معانا

ـ ونعم بالله ،  تمام يا فندم

ـ شكرا أيها الرجال الشجعان

***

إستراحة القناطر والرئيس السادات مع معاونيه ؛ حيث تحدث قائلاً: خلاص يا أحمد "الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية" ، كيسنجر بلغني أنه من بكره كل المعابر مع رجال الجيش التالث حيستلمها الصليب الأحمر وهما بدورهم ح يسلموها لنا ، ربنا لطف بينا وكان معانا ، مش عايزك تنسي تشكر الولاد بتوع سينا ، رجاله بصحيح ، كمان عرف ممدوح سالم أنه يبحبح على العيال بتوع المزاج شويه ، يعني نبسطهم ونبسط الناس ، كله ينبسط رغم مخالفة القانون.

    صابرا .. نعم شاويش إدريس .. النجيب فريد كتب اسامينا عشان يعطونا مكافأة .. مش فلوس .. يعني كده زي ما تجول ورجه تجول إن الولد صابرا رجل زين وكان همام وعمل حاجه زينه للبلد وللناس ، فال طيب يا صبرا؟ والله إنت ما فهمان واللي دخلك الديش ظلمك .. ياه .. نسيت إنك مش تبع الديش ، ح أدور على النجيب فريد وأعرفه أن الولد صابرا مش تبع الديش ولا مش مهم؟ ، هوه في حد فهمان حاجه .. كله زين وكله بيزيط دلوجتي والحرب إنتهت وحنرجع لإدارة السلاح زي ما عرفني النجيب فريد بس لما يبعتوا لينا ، دلوجتي ح نجمع في السويس ، كلتنا حتى الجمال ، يا لله يا صبرا هات الجملين العهدة اللي عندك وكمان الجمال الصغيرة كمان.

ـ إزاي يا شاويش إدريس؟ .. الجمال دية مش تبعهم

ـ ليه يا ولد ؟.. مش أبوهم أمشير؟ .. وأمشير ده من جوة الفصيلة ؟.. والجمل الصغير يتبع أبوه في الاسم والديانة؟ .. يبجي ينضموا للحدود ، ليخصموهم علينا يا صابرا .. دوول يا بني بيعرفوا كل حاجه وبيجروا "يقرئوا" اللي في رأس النفر منا .. كفايه مناهده .. يا لله يا صبرا روح وهات الجملين الصغار ، أنا عارف إن أمهم ح تكون زعلانه لكن اللي ح يطيب خاطرها أنهم راجعين مع أبوهم أمشير.

      مضي يومان خلال ذلك أعلنت إسرائيل ومصر برعاية أمريكية عن إنتهاء محادثات الكيلو 101 والتى كان يتولى رئاسة الوفد العسكري المصري اللواء أركان حرب محمد عبدالغني الجمصي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ، نبأ الإتفاق للفصل بين القوات وإنسحاب إسرائيل تباعا ، خلال إنسحاب القوات الإسرائيلية كنا ومازلنا نقوم بإمداد قوات الجيش الثالث بما يمكن تقديمه من دعم إداري وبالأخص المياه رغم برودة الشتاء فمازال الرجال في إحتياج للعون ، كما إستطاع حمدان ورجاله السطو على مخازن الجيش الإسرائيلي بمدينة العريش وسرقة محتوياته الإدارية وقد أدي هذا إلى حالة من الهستيريا للقيادة الإسرائيلية الجنوبية بسيناء.

    لم تمض أيام قلائل وإذا بهجوم إسرائيلي مباغت على قوافل المساعدات، كان إدريس كعادته سريع البديهة ، مجرد أن شاهد طائرة هليكوبتر تحلق قريبا من القافلة حتي أسرع بتنبيه الرجال بإخفاء الجمال والحرص وأخذ مواقع إطلاق نار ، لم تمض نصف ساعة إلا وظهرت عدة طائرات هليكوبتر قامت بإطلاق النيران علي أي شيء متحرك وفي نفس الوقت كانت هناك قوات أرضية أنزلتها تلك الطائرات على الممر الذي كنا نسلكه ، حدث إشتباك مسلح بيننا وبين الجنود الإسرائيليين كنت خلاله مستترا خلف بعض الصخور وبالبندقية القناصة إستطعت قتل ثلاثة من الأعداء بالتوالي وشاهدت إصابة طائرة هليكوبتر وشاهد الرجال النيران تشتعل بها وحاولت الهبوط الإضطراري لكن الوقت لم يسعفها فإنفجرت قبل أن تصل إلي الأرض ولو وصلت لكنا قد أسرنا طاقمها.

    إستطاع العدو تحديد مكاني وهذا ناتج من كمية النيران التي كانت تطلق على موقعي الذي كان مغايرا لإتجاه موقع رجال فصيلة الحدود ، شظية قنبلة أصابت ساقي الأيسر ووقعت أرضا وشعرت بأن الألم والدماء قد غطت علي كل أعضاء جسدى ، مازالت المعركة مستمرة ، كنت أسمع اصوت طلقات رصاصات رجال الحدود وإنفجارات قنابل الأعداء ، قبل الغروب إنتهت المعركة وتركت الطائرات ساحة القتال بعد أن تدخلت بعض وحدات المشاة من رجال الجيش الثالث مما أدي إلي إصابات كثيرة لحقت بالمعتدين وبرجال الجيش الثالث وخشت إسرائيل أن تكون نتيجة المعركة الفشل في تطبيق الإتفاق خاصة بعد أن قاموا بسحب الجزء الأكبر من قواتهم من غرب القناة.

     سمعت من ينادى عليّ ، هذا هو الصوت الذي أستطيع  أن أميزه بين أصوات كثيرة ، صوت الشاويش إدريس ، نهضت قليلا من وضع الرقود لأجيب على ندائه ، شاهدته يحاول الوصول إليّ وكان باديا عليه الإصابات التي لحقت به من الدماء التي تغطي جزءا كبيرا من الجلباب وعدم مقدرته على السير بكفاءة ، جاهدت حتي أستطيع الوقوف محاولا الوصول إليه لكنني سقطت في منتصف المسافة ولم يكن بيننا فاصل كبير ؛ بل عدة خطوات ، فرد ذراعيه راغبا بأن يمسك بذراعي قبل أن يلقي ربه ، ولم نستطع نحن الإثنان أن يلتقي الذراعان وفي هذا التوقيت أقبل بعض رجال الجيش الثالث بنقالات نقل الجرحى وحملونا إلي مواقعهم وهناك شاهدنا شبه طبيب من الحالة البدنية التي كان عليها من أثر الحصار ، قدم الرجل لنا العون بكل براعة ولملم جراحنا وهدأ من توترنا حيث كنا نرغب فى معرفة أخبار باقي رجال الفصيلة والتي تبين فيما بعد بأنهم جميعا نالوا الشهادة في تلك الموقعة ولم يتبق منهم سواى وإدريس ، أيضا علمنا بأن الشيخ حمدان وجزءاً من عصابته وأعوانه نالوا الشهادة بعد المعركة التي نشبت بينهم وبين جنود الأعداء ، كما أبلغنا رجال الجيش الثالث بأن العدو لحقت به خسائر كبيرة مما دفع بالحكومة الإسرائيلية لتقديم إحتجاج إلي لجنة متابعة الإنسحاب والمكلفة بهذا بناء على الإتفاق المبرم.

     كنت مستلقيا ًبداخل حفرة بالرمال بموقع الجيش الثالث وقريباً مني إدريس الذي بادرني ضاحكنا : إسمع صابرا ، شوف كل رجالتنا ربنا راضي عليهم إزاي ، كلتهم نالوا الشهادة ، مش فاضل غيرى وغيرك  تعرف صابرا ، إحنا أجل منهم ، يوم الجيامة ح يكونوا جاعدين في الجنة ونعيمها في درجة أولي وأنا وأنت برضه بالجنة لكن ريح السور ، يعني زي ما تجول بره ، والأكل اللي يفيض منهم ح يبعتوه لنا ، مش هما أحسن منا ، حنعمل إيه؟ ما أنا وأنت حاربنا لكن لسه فيه أجل ، علي كل حال كل واحد بيحصل نصيبه ، الله يرحمهم.

     مضي على وجودنا أكثر من أسبوع خلالها تحسنت حالتي الصحية وأيضا الشاويش إدريس ، طلبت منهم أن أعود إلي عشيرتي وبعد أن فحصني الطبيب وافق علي هذا ولكن المشكلة أن الإسرائيليين لم يكن قد تم إنسحابهم من المنطقة التي سوف أقوم بالمرور بها وبالتالي قد يحدث بيني وبينهم إحتكاك خاصة أننا علمنا بأن الهزيمة أحدثت توترا ًعاما ًبينهم وأيضا الخسائر البشرية كانت كبيرة لم يتوقعها أحد من قادتهم بالإضافة إلي الأعداد الكبيرة من الأسري.

     اليوم الأخير من شهر ديسمبر حضر لزيارتنا النقيب فريد وإصطحبنا إلي مدينة السويس ، شاهدنا فرحة النصر وأيضا شاهدنا الأهل والأحباب بعد فراق دام سبع سنوات ، توجهنا برفقة النقيب فريد إلي مكتب قيادة  مخابرات السويس وإلتقينا بالمقدم حمزة الذي رحب بنا ، بعد تقديم الشكر والثناء وكالعادة قام بعض المحققين بأخذ أقوال الرجال الذين كانوا تحت الأسر أو منعتهم الحرب من العودة ، بعد تحقيق دام عدة أيام التقي بى إدريس متجهم الوجه والضيق يلفه وبصوت عال علي غير عادته تساءل : هما كانوا عايزني أعمل إيه؟ أمر الإنسحاب وصل لنا مع حمدان تاجر المخدرات ، مافيش إتصال ولا طريجة نعرف بيها اللي ُحصل ، شوف يا صابرا ، المحجج "المحقق" عرفني أني ح إتجدم لمحاكمة عسكرية بجناية مخالفة الأوامر وعدم تنفيذ أوامر القيادة الأعلي وجت الحرب ، مش عارف أجول للناس إيه؟

    هاجمني الضيق ، فهذا الرجل العملاق قد تحطم بعد أن عاد يحيا بين قواته وجيشه وأهله وبعد أن  ذاق المر والألم والبعد عن أهله سبع سنوات لم يهمد خلالها وحارب وحاول نقل المعلومات وحافظ علي رجاله وجماله ثم قدم مساعدة لقوات الجيش الثالث المحاصرة لا يستطيع أي جاحد أن ينكرها، ونحن الذين شاهدنا أشباه رجال في أول يوم قمنا فيه بنقل المياه لهم ، ألا يدرك البعض بأن هناك ظروفا قهرية تمنع الإنسان من تنفيذ التعليمات والأوامر ، فإما أن تقتل بيد العدو أو تحول لمحاكمة عسكرية ، اليوم التالي جاء أحد الجنود طالبا مني لقاء نائب أحكام محطة السويس العسكرية ، هناك قابلني الرجل بكل أسلوب فظ وسيء حيث كان يلقبني بالولد .. أنت ياولد كنت بتعمل إيه فى وسط الجيش وأنت مدني؟ حاولت إيضاح الأمر وأنني كنت مجند ولم تفلح كل محاولاتي حيث أن اسمي لم يعثر عليه ضمن قوات حرس الحدود بسيناء.

   نطق بما كنت أتوقعه ، يحول المجرم صابر إبراهيم أبو ركبة لمحاكمة عسكرية ميدانية لتواجده بين أفراد القوات المسلحة أثناء المعارك الحربية ، ومن المحتمل أن هذا المجرم كان يعمل علي نقل معلومات لقوات العدو ؛ أشار إلي أحد جنود الشرطة العسكرية : عسكري .... خد المجرم ده وإرميه في غرفة الحبس ، هكذا وجدت نفسي في يوم وليلة بداخل سجن عبارة عن حجرة صغيرة وشباك حديد وعادت بي الذاكرة للخلف عدة أعوام ، نفس المعاملة ونفس الحجرة التي أودعني بها جيش الإحتلال ، لم أستطع كبت إنفعالي وخرجت من عيوني الدموع مدرارا ، حيث كنت أصرخ بصوت مرتفع : ده حرام ، أنا مصري وطني وإسألوا العساكر والضباط اللي قابلتهم أثناء عملنا بالسخرة في إعداد مواقع عسكرية للعدو علي شط القناة وإيه اللي كنا نقدر نعمله ، معقول يا ناس تحولوا الرجولة إلي إجرام ؟ ، أرسل نائب الأحكام بإثنين من عتاة السجن لتهذيبي وإصلاحي حيث نلت من بطشهم الكثير حتي أصبحت غير قادر على الحركة أو الحديث.   

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech