Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

لقاء مع اسطوره خلف خطوط العدو

 

صيف 2014

بوابة احد المستشفيات العسكرية بصعيد مصر

-         ممنوع يا حاج .....وقت الزيارة انتهى

نطق جندى الحراسة الجملة بطريقة غير قابلة للمناقشة تبعا للتعليمات لديه ..... لم يجادل ذاك الرجل الوقور صاحب البضع و ستين عاما ...الذى تحمل عينيه تفائل و بشاشة و طيبة يحملها صوته و هيئته ......و رسمت سنوات عمره الحافله بالهوائل على وجهه من تجاعيد ما زاده وقارا وقارا .....

و قبل ان يفكر الرجل فى حل لمحاولة الدخول او يهم بالانصراف هو و من معه - متغاضيا عن لهفته للاطمئنان على ابنه الذى ستجرى له عملية جراحية مساء اليوم - واذا باحد الجنود ياتى مسرعا من داخل المستشفى تجاه البوابة سائلا الحراسة عن الرجل نفسه ........... عم "عبدالرؤف جمعة" ....و يفتح له البوابات على مصراعيها كأمر استثنائى مباشر من قائد ثان المستشفى !!

-         البطل وصـــــــل ؟؟؟!

القى ذاك الطبيب المدنى سؤاله بلهفة على احد الجنود بقسمه ما ان انفتحت له بوابتها .....اجابه ذاك الجندى بتعجب : ......الحاج اللى جه من شوية ..... فوق يا فندم !!
اسرع بسيارته - على غير عادته - مجتازا فناء المستشفى ......و صعد الدرجات مسرعا و متلهفا للقاء عم "عبدالرؤف " ........... البطل ....... بل الاسطورة !!!

-         يااااااااااااه يا عم الحاج عبدالرؤف !!!!

خرجت الكلمات بلهفة بين شفتى الطبيب الذى يبلغ عمره تقريبا نصف عمر الرجل المبتسم فى استقباله ..... قالها و هو يؤدى التحية العسكرية بــــقــــوة لذاك الشيخ الوقور .....ثم يعانقه بمحبة و احترام بالغ و يقبل رأسه امام دهشة و تعجب من حولهما...سواءا الجنود مرافقى الاول أو الرجال اقارب الثانى .

ابتسم الشيخ مرحبا بالطبيب بكلمات ودودة .....و سرعان ما التفت الطبيب المدنى الى جنود قسمه بفخر واضح و اعتزاز , قائلا :

عـــمـــكم الحاج عبدالرؤف…… البطل ....من وحوش الصاعقة .......... 200 يوم خلف خطوط العدو , مع اصابة بدفعة رشاش متعدد نص بوصة !!!
و كان ما قاله بمثابة امر عسكرى تلقائى لحواس الجنود كلها لتتلهف ان تسمع حكاية ......ذاك البطل ........ بل روايات بطولية اغرب من الاساطير و اقوى من مبالغات السينما الهوليودية او البوليودية !!!!
و هنا دار شريط الذكريات فى ذاكرة البطل ليروى قليلا من كثير ......... الكثير من البطولات ........ الخارقة للعادة
……., وجلس الجميع يستمعون الى البطل فى هدوء و كأن على رؤسهم الطير ......هدوء و سكون لا يتناسب قط مع ما يرويه البطل من براكين البطولة و جحيم القتــــال .....حتى النصر !!!!

           *             *             *           *

اواخر ابريل 1974

مقر القيادة العامة للقوات المسلحة - مكتب وزير الحربية

ابتسم المشير احمد اسماعيل - وزير الحربية ان ذاك و القائد العام للقوات المسلحة المصرية المنتصرة فى حرب اكتوبر المجيدة – فى فخر برجاله و هو يربت على كتف ذاك الشاب الاسمر الواقف الى جواره مبتسما متفائلا.....و قد ارتسمت قسوة شمس سيناء بقوة على ملامح وجهه , و زادت من سمرة بشرته الصعيدية المنشأ .

-         عبدالرؤف ده يا فندم المفروض نكون دفناه من شهور لولا ارادة الله !!!

نطق "النقيب عبدالحميد خليفة" –ابن بلدته- جملته باسما , مما شد انتباه القائد العام اكثر تجاه ذاك الجندى .....بين بـــضــــع افراد فقط – اخر العائدين من خلف الخطوط - .....فقط هم اخر من عادوا احياءا من قوة الكتيبة 83 صاعقة التى عبر الجزء الاكبر من قواتها القناة فى ابرار جوى بعدة طائرات هيليوكوبتر بتلقين ذهاب فقط ....... دون عـــــــودة ....... تتقدمهم الطائرة الانتحارية كما سمونها ....مقلة احد اولائك الابطال العائدين .....النقيب مجدى شحاته ......!!!!!

و اخذ الرجال يروون لقائدهم تفاصيل ما وجهوه من جحيم طوال 200 يوم خلف خطوط العدو ....... منذ عبرو القناة قبيل بداية حرب اكتوبر المجيدة بساعات ......الى ان عادوا باعجوبة بعد تلك الفترة القياسية !!!!

*                     *                   *                 *

صباح الخامس من اكتوبر 1973

اتخذ المقاتل "عبدالرؤف جمعة " بين زملاءه موقعه فى طائرة الابرار ........ انطلقت الطائرات السبع حاملة الرجال .....بل اسود الكتيبة 83 صاعقة..... اللذين انطلقوا مقبلين غير مدبرين ....تجاه احد مطارات العدو بجنوب سيناء ..... متلقيين تعليمات ذهاب فقط ....و لا توجد تعليمات للعودة ....و رغم ذلك لم يفت ذلك لحظة فى عضد الرجـــال !!!

القي "عبدالرؤف " ذكرياته جانبا ..... كان يظن ان هذه الذكريات هى مقدمات الوداع بالنسبة له و هو متوجها الى مهمتهم الانتحارية, طافت بمخيلته للحظات ...... حرب اليمن ....حرب الاستنزاف ..... عمليات رأس العش ...... عمليات قطع الامداد .....التمركز المنهك فى حفر اسفل احد طرق قوات حفظ السلام لمدة خمسين يوما دون حتى تغيير ملابسهم... .. العودة باسير اسرائيلى...... تسع سنوات من الكفاح و القتال تحمل العديد من الذكريات البطولية الرهيبة و لمتناقضة بين قوة العدو الغاشمة , و حماسة و صمود الرجال العجيب ....الى ان جاءت اللحظة الحاسمة....... اتكون نهايتها اليوم و نهاية حياته ايضا !!!؟

نفض ذكرياته سر يعا جانبا ليزيد تركيزه فى مهمته فقط ......... مهمتهم الاخيرة !!!!

دارت رحى حرب اكتوبر المجيدة طاحنة لقوات العدو ....و قودها دماء الرجال الاشداء الابرار ,,,,, و فى احد مراكز القيادة

-         قوات ك 83 صاعقة نفذت المهام و دمرت اهدافها بشكل تام يا فندم ....... بس يبدو ان محدش منهم على قيد الحياة !!!!
القى ذاك الضابط الشاب جملته بمزيج عجيب من الفرح و الحزن ......و هو يكمل سرده لتفاصيل الاعمال البطولية التى قام بها اسود الكتيبة ....... كان صادقا فى حزنه بشأن ابادة اولائك الابطال هناك ........ الا انه لم يكن يعلم ان ذلك لم يكن للكل .....بل لا يزال هناك من يقاتل من اجل حياته .....بعدما اتم مهامه من اجل بلاده !!!!

-         بضع رجال فقط هم من بقوا على قيد الحياة .....من اصل قوة الكتيبة !!!

اخذ ذهن الجندى "عبدالرؤف " يردد هذه الحقيقة من حين لاخر .....تذكر وقتها زملاءه اللذين كانوا يستشهدون جواره داخل الحفر التى كانو يتمركزون فيها فى عمليات حرب الاستنزاف لوقت طويل , و لا يستطيعون اخراجهم و دفنهم الا بعد زمن من انتهاء القصف الرهيب ردا على عملياتهم الناجحة فى عمق العدو .

و ها هم زملاءه يستشهدون امام عينيه مرات و مرات بعد اداء مهامهم بنجاح و بسالة منقطعة النظير ...... اخذ الضابط الشاب "عبدالحميد خليفة " قائد فصيلته بلدياته , يقود رجاله المتبقيين باقتدار ليقاتل معهم محاولا النجاة بهم فى قلب جبال سيناء الوعرة القاسية .
و من كهف الى كهف ...و من مغارة الى مغارة ......كان انتقالهم سيرا على الاقدام لايام متواصلة بل لشهور ..... و معهم من المياه ما لا يروى ظمأ طفلا صغيرا ..... غطاء تلك "الزمزمية " كان كوب شرابهم حتى لا ينفذ الماء .....و لقيمات قليلة
قد يجدونها او لا لمدة عدة ايام هى طعامهم , حتى لو كانت لا تصلح كطعام ادمى .....!!

كانت رحلة انتقالهم من مكان الى مكان اخر لتضليل قوات العدو ثم بحثهم عن الماء فى اماكن تمركزهم المتغيرة هى دربا من دروب العذاب....... كانت رحلة ملء المياة و العودة للمغارة قد تستغرق سبع ساعات سيرا متواصلا على الاقدام حتى يحصلون على بضع لترات من المياه هى سعة ما لديهم من اوعية و زادهم لمدة ايام !!!!.

فى احد تجولات المجموعة ليلا و بعدما ساروا منذ اخر ضوء الى قرب بزوغ الفجر , - و قد اصبح عددهم 9 افراد فقط يقودهم النقيب"عبدالحميد" - فوجئوا بكمين اسرائيلى , و ما ان شعروا به الا و انفتحت ابواب جحيم النيران الاسرائيلية من المدافع متعددة الطلقات
- اجـــــــــــرى يا عبدالرؤف ............ ارجع !!!

صرخ الجندى "سيد على " بزميله الى جواره ليحذره من ذاك الفخ ...... و لكن الاوان قد فات !!!!

*             *               *                 *

              - فيه خمسة من زمايلنا اتأسروا يا فندم !!!!

لهث المقاتل "محمد عبدالرحمن"  و هو ينظر الى قائده , و الجنديين الاثنيين الواقفين الى جواره " سيد و عبدالرؤف " يتلقطون انفاسهم بصعوبة بعدما جروا فى بضع ساعات راجعين ما ساروه طوال ليلتهم فى قلب ظلام صحراء سيناء و صخورها الرهيبة !!!!

-         دول مسكوهم بايديهم و اتكاتروا عليهم ولاد الكلب عشان مش معاهم ذخيرة !!!

نطق عبدالرؤف جملته بحنق و سخط شديد ...... الا انه تعجب من شىء ما و سأل نفسه ........اهو تأييد الله ... كيف لم يمت منا احد رغم كثافة النيران.....!!؟؟؟.....
و فجاة شعر بذاك السائل الدافىء الذى يسرى على ساقيه و يمتد حتى يبلل قدميه داخل حذاءه ....... انه دمه ....... دمه مختلط ببوله !!!!

و هنا اعلنت جراحة النافذة انه قد حان الاوان ان يشعر بفداحتها بعدما نجح فى الهروب من الكمين الاسرائيلى !!!!

-         اشهد ان لا اله الا الله ...و ان محمد رسول الله

نطق عبدالرؤف الشهادتين فى الم شديد ...... بينما زملاءه يبللون شفتيه بقليل من الماء .... فمع فداجة اصابته .....حيث احترقت رصاصات المدافع الرشاشة - المتمركزه فوق الدبابة الاسرائيلية   - ظهره و خرجت من بطنه و فخذه مخترقة مثانته!!

...... مرت الساعات ....و لم يمت عبدالرؤف .....ثم مرت الايام .....و هو لا يجد ما يسد به جراحه سوى رمال سيناء...... و كان الرمال قد تعاطفت معه و مع من روها بدماءهم من رجال اشداء صدقوا ما عاهدوا الله عليه .....فأووت من قضى نحبه .....و ساندت من ينتظر  !!!

كان زملاءه يتركونه فى المغارات التى ينتقلون بينها بمساعدة رجال سيناء المخلصين ... .....و يتحركون هم لاحضار ما يسد رمقهم من ماء او طعام .

عاش الرجال عدة اسابيع على ماء نبع هادىءا من قلب صخرة متشققة بشكل عجيب ....كلما اخذوا منه لا ينقص و لا يزيد و لا يظهر له منبعا من الارض و لا مصدرا من السماء من امطار طوال الفترة الماضية ......و هنا تأكدوا حقا ان الله يساندهم بعنايته ويريد ان يجعل منهم اية فى الصبر و التصميم ....

-         عبدالحميـــــــــد ............. يا عبدالحميد !!!

فوجىء الجميع بمن يعرف اسم قائدهم و يناديه باسمه فى قلب هذه المنطقة الجبلية الوعرة .... انه بلا شك احد جنود العدو و قد انكشف امرهم ...لكن مهلا .......انه احد زملاءه .....يا لعناية الله

.شعروا بعنايته عندما جمعهم مع النقيب مجدى شحاته .....احد ضباط سرية خرى ابيد معظمها و أسر القليل في معارك قتالية رائعة ارعبت العدو و ادهشته .....قاتلوا جميعا....و تبقى هو .... وحيدا طوال اسابيع , تطارده قوات العدو نهارا و تواجهه قسوة المكان و اخطاره ليلا ....سار اسابيع بلا مؤن او ذخيره الا ما يجمعه بصعوبة ...... تحمل ما لا يطيقه بشر , تظله و تدله عناية الله ... ....لينضم لتلك المجموعة و يكمل مسيرته معهم ...و المصادفة انه دفعة و صديق النقيب عبدالحميد .. جمعتهم بطولتهم خلف خطوط العدو ....تظلهم عناية رب رحــــيم !!!!

و مرت ايام على تلك الشاكلة الصعبة   ...رغم انهم من شهور لم يغسل احدهم وجهه او يديه من ندرة الماء الا انه لم يصيبهم ضرر قط ...و لا حتى مجرد التهاب بسيط فى عيونهم ...عيون الصقور ..... بعناية الله , ثم عزيمة صلده تشق الحديد ....تعافى عبدالرؤف .....و اكمل مسيرته مع زملاءه الابطال ...و بمساعدة اهل سيناء ....خاصة "على" احد رجال القبائل الوطنيين .. ...و ما بين تنكرهم فى زى البدو تارة ....و سيرهم لشهور فى اليالى المظلمة تارة اخرى حاملين سلاحهم غير مفرطين فيه قط ....حتى يذوقوا الموت ....و اصرارا على ان لا ينالهم العدو الا شهداء يذيقونه قبلها وبال شجاعتهم و تحديهم ,,,,,, عاد اخر ابطال الصاعقة من خلف خطوط العدو بعد 200 يوم من الكفاح الرهيب ..رغم ان رحلة عودتهم من قلب جنوب سيناء كانت معجزة تغشى اى عقل و تفقده صوابه .....الا انهم بوفاءهم .لم ينسو طوال رحلتهم الرهيبة الشاقة ان يقرؤا الفاتحة كلما مروا على مكان دفن به زملاءهم الابطال !!!!!

مر شريط الزكريات البطولية الرهيبة سريعا بذاكرة البطل المصرى الاصيل "عبدالرؤف جمعة " كما مرت السيارة التى تقله عائدا الى قريته بمدينة البلينا .....اخر مدن محافظة سوهاج جنوبا , و ابتسم ابتسامة راضية عندما مر امام المدرسة التى تم تعيينه فيها كعامل بسيط بعد انتهاء مشواره القتالى الحافل لمدة تسع سنوات خاض فيها اربعة من اعتى معارك الصراع العربي ....و اتسعت ابتسامته عندما تذكر استمرار ارتباطه بابطال تلك الايام الخالده ممن لا يزال على قيد الحياة ....سواءا من رفقاء السلاح ....او ابطال سيناء المخلصين ....لكنه كان فى قرارة نفسه يخفي لمحة حزن دفين ......حزنا على تجاهل و اختفاء شمس تلك التضحيات و البطولات .....من شتى الاسلحة و في شتى ميادين القتال .....و بعد ان قام هو و رفاقه الابطال بمعركة صمود رهيبة لمدة قياسية .....جعلت منهم اساطير حقيقية ......اساطير البطولة .....خلف خطوط العدو !!!!!

**   **   **             **     **     **     *

كان هذا لقائى مع البطل..... احد اساطير الصاعقة

خلف خطوط العــــدو  
د. احمد مختار حامد ابودهب

26اغسطس 2014

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech