Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

ملحمه شجره الكافور

 

 

إذا كانت صفحات التاريخ قد انشغلت بأحداث مصر منذ الأزل، فإن محرك تلك الأحداث كان إرادة شعب مهيب، ي

عتبر أرضه مقدسة بما عليها،

يحرمها على أي غاصب أو طامع في جنتها،

 

وكان ومازال منهاجه الثابت في ذلك هو بذل الروح في سبيل الأرض والعرض، وهو ما تمليه عليه عقيدته الدينية والوطنية على مدى الزمن.

 

وقد كانت شعلة إرادة شعب مصر تتقد داخلي كفرد أصيل منه، هي التي جعلتني بضيائها ووقودها أبلى بلاء أظنه حسناً، وأحسبه معبراً عن قوة وصلابة تلك الإرادة

 

. مر عام ونصف بعد نكسة يونيو عام 1967 حتى صدرت الأوامر بالدخول في حرب الاستنزاف، بعد أن أصبح الجيش مستعداً لخوضها، وكنت حينئذ قائد سرية المدفعية بمنطقة الدفرسوار، وكان خط بارليف قد ارتفع إلى مستوى يصعب معه كشف مصادر النيران من داخل مركز الملاحظة المعد لهذا الغرض، فاضطررت للصعود ومعي التليسكوب والفرد القائم بتدوين البيانات إلى أحد أبراج المراقبة الخاصة بقناة السويس، وبمجرد أن وصلت البرج، أطلق العدو عليه قذائف دباباته، ووجدته يترنح في الهواء حتى سقط البرج بي واصطدم بالأرض. جلست أفكر كيف أكشف مواقع العدو وأتمكن من تدمير دباباته التي تتحرك بسرعة خلف خط بارليف وتصعد على بعض التباب وتطلق النيران وترتد مسرعة، وعلى عكس ذلك كانت وحداتنا ثابتة يصعب تحرك عجلات مدافعها في أرض زراعية لينة، وهي في الخلف لمسافة خمسة كيلو مترات عن القناة، كيف أدير نيرانها إذن ؟ رأيت أمامي على شاطيء القناة شجر الكافور وما لبثت أن قفزت فجأة فكرة في رأسي، لما لا أدير النيران من أعلى تلك الأشجار، مختفياً خلف أغصانها الكثيفة، ولن يفكر العدو في استهدافها بالنيران لأنه من المستحيل تصور وجود مركز ملاحظة يدير النيران من أعلاها لسهولة اكتشاف الأفراد عند الصعود والهبوط. قررت ومعي الفرد مدون البيانات الصعود ليلاً والبقاء طوال اليوم التالي على الشجرة لملاحظة تحركات دبابات العدو والهبوط مع حلول الظلام،

 

وكان معنا معدات المراقبة، ووجدتني من هذا المكان أكتشف ما خفي من خط بارليف لمسافة تزيد عن خمسة كيلو مترات، ورأيت دبابات العدو ومواقعه ومدافع الهاون المتحركة والثابتة، كأني أشاهد فيلما سينمائيا يعرض على شاشة متسعة

. وبدأت إدارة النيران وراحت المدافع تلقى قنابلها وتصيب الأهداف تلو الأهداف بدقة شديدة، وارتبك العدو وتوقفت حركة آلياته وأصيب بخسائر فادحة 

 

وظلت شجرة الكافور تحتضنني ومعي الجندي ومعداتنا القتالية لمدة ستة أشهر متتالية، وتكونت لديّ عقيدة من كثرة ما أطلقه العدو من قذائف تمر من حولي بأن العدو لن يصيبني أبداً، وتحدث الضباط والجنود عن بطولاتي. وكان يأتي بعض منهم ليلاً بملجأ ضابط المشاة القريب مني الملازم أول يحيى عامر لكي يتعرفوا على ضابط مدفعية الدفرسوار، وكانت تصيبهم الدهشة عند رؤيتي لظنهم أنني طويل وعريض كالمارد لا يتسع له باب الملجأ، بل كان يعود بعضهم ولديه خيبة أمل معتقداً أننا نسخر منه، بل كان منهم من يعلق بالقول بأنه ترك موقعه معرضاً نفسه للمساءلة من أجل رؤية بطل الدفرسوار، لكي تقولوا لنا "هو ده". ونتيجة للخسائر التي لحقت بالعدو، بدأ يستخدم نوعاً من المدافع الصاروخية التي تحدث فزعاً ورعباً عند انطلاقها وانفصالها في الجو، وتحدث خسائر كبيرة في القوات والمعدات، وتنتقل من مكانها بسرعة قبل أن تسقط عليها طلقات مدافعي. ومكثت قادحا ذهني وحاشداً فكري في كيفية استخدام العدو للتباب التي تأتي منها تلك النيران، فلاحظت أنه يطلق النيران من ثلاث تباب متقاربة ثم سريعاً ما يختفي لفترة قصيرة ويرتد للتبة التي تليها وهكذا. وكان الحل الوحيد هو حساب الوقت بدقة الذي يستغرقه في الانتقال للتبة التالية، وكذا الوقت الذي يستغرقه وصول طلقات مدافعي لتلك التبة. وفي هذه الأثناء رأيت أحد جنودي يصاب بإصابة مباشرة في ساقيه ويهرع إليه عدد من زملائه، وسمعت نداء الله أكبر، فأقسمت أن أسكت هذه المدافع الصاروخية وإلى الأبد.

 

وأصدرت أوامري لموقع النيران بالاستعداد للضرب وبدأت التنفيذ مع الموجة الثانية، وصادف أن أصابت قذيفة لأحد مدافعي صاروخاً للعدو لحظة انطلاقه، فأحدث ذلك دويا هائلاً ودماراً شديداً، ورأيت من خلال التلسكوب الشظايا وجثث جنود العدو تتطاير في الهواء وتنتشر فوق مواقع الصواريخ كله. وسكتت تماماً مدافع العدو، وخرج جنونا من الملاجيء يكبروا وهم في غاية الفرح. كان لابد أن يبحث العدو عن المكان الذي تدار منه النيران ضده بهذه الدقة، وقد تمكن بفضل التقنيات الحديثة التي يمده بها الغرب، أن يكتشف شجرة الكافور،

 

وأراد أن يزيلها، وراحت دباباته وطائراته تقصف جميع أشجار الكافور، وشعرت بانتفاخ وسخونة شديدة في وجهي، وأمرت الجندي المدون بالنزول وإلا أنني لم أجده بجواري فقد أصابته قذيفة مباشرة في جسده وسقط على الأرض شهيداً، وقد شاهدت ساقي تنزف منها الدماء، ولم يكن لدي خيار سوى رفع يديّ في الهواء لأسقط على الأرض من هذا الارتفاع، وأنا لست أكثر من كتلة لحم تنزف منها الدماء، وتنتشر فيها التسلخات والكدمات، ملفوفة في ملابس عسكرية ممزقة، تلتصق بها بعض أوراق شجرة الكافور ويكسوها دم قاني، حاولت الوقوف فوقعت على الأرض وانثنت تحتي قدمي اليمني، وجدتها شبه منفصلة عن ساقي ولا تتصل به إلا بجزء صغير منها، وشعرت بدوار ثم فقدت الوعي وسمعت من يتلو عليّ الشهادة، ففتحت عينيّ لأتأكد أنني مازلت علي قيد الحياة، فلم أر إلا الشجرة فوقي وصوت تلاوة الشهادة يتردد، فحدٌثت نفسي أنني مت بالفعل ودخلت الجنة لأني شهيد، والملائكة هي التي تتلو عليّ الشهادة، أليس في الجنة أشجاروملائكة؟!!

 

ورحت في غيبوبة مرة ثانية. ثم نقلت إلى مستشفى ميداني وطلب الطبيب نقلي بأقصى سرعة إلى مستشفى الحلمية العسكري حتى لا يبتر ساقي، وفي منتصف الليل حضرت طائرة هيلوكبتر ونقلتني إلى المستشفي العسكري بحلمية الزيتون ووجدت عناية فائقة، خلية نحل من أطباء متخصصين وممرضات، تعمل بسرعة ونظام بالغ الدقة، وأجريت لي عملية جراحية في الساق استغرقت عدة ساعات أشترك فيها طاقم جراحي عالي المستوى والخبرة في جراحات العظام والأوعية الدموية والأعصاب، ووجدتني في غرفة عناية خاصة بها الكثير من الأجهزة الطبية وتتمتع بإشراف دائم من الأطباء. حمدت الله كثيراً، فهاهي ساقي قد حافظ عليها بقدرته، وقضى بما شاء وهو يعلم أن الشهادة كانت أحب إليّ من الإصابة لألقاه راضيا مرضيا.

 

وقد زارني زملائي في المستشفى وأخبروني بأن السيد رئيس الجمهورية الرئيس جمال عبد الناصر قد منحني نوط الشجاعة من الطبقة الأولى لما قمت به من أعمال تتصف بالشجاعة، وكان هذا خبراً سعيداً عوضني عن الإصابة، وجعلني أشعر بأن مصر كلها تكرمني على ما قمت به.

تحيا مصر 

ملحوظة : هذه قصة واقعية وشهودها أحياء ومستنداتها محفوظة.

 

دكتور/ جوده حسين محمد جهاد أستاذ القانون الجنائي بجامعة الأزهر

عقيد بالقوات المسلحة سابقا

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech