Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

هكذا يلعبون

منقوله من صفحه بيت الشهداء علي الفيس بوك

نقل - اسماء محمود

========================

كلمة
هذه قطرات من فيض حب مصر.. هذه نماذج من إبداع أبنائنا ضباط وجنود القوات المسلحة الذين عاشوا الحرب واقعا حقيقيا ، ونسجوها كلمات تفيض واقعية ، وتزخر إحساسا ليؤكـــدوا أن النصر العظيم لا ينتج سوى أدب عظيم ...
مشير / محمد عبد الحليم أبو غزالة

******************************************

 

هكذا يلعبون

بقلم : معصوم مرزوق

********************************

كنت أرى كل شىء ، وأسمع أيضاً ، كنت أتلفت حولى مذهولاً مثلما يفعل العشرات ، لكن فى بؤرة وعيى كانت كل المرئيات والمسموعات تأخذ أشكالاً وتراكيب غريبة .

فى مواجهتى تماماً جبل عتاقة ، بقرة ساكنة هامدة فى انتظار السكين ، والأفق يبدو متواطئاً بضع سحابات وكأنهن براقع لبقايا حياء ، مصنع السماد المهجور منزل الأشباح ، وأسفلت الطريق المهشم ، بقايا ضلوع وجماجم والدخان يحوم مجنوناً ، لقد نادوا علينا باللغة العربية عشرات المرات طيلة ليلة أمس .. لم أكن أصدق أنهم داسوا فينا إلى هذا الحد .. تذكرت أن اطلاق النار قد أوقف منذ يومين .. هل تنادينا الأشباح ؟ إن موقعنا يكتظ بالمقابر ، ربما بعدد شظايا القنابل التى قذفت فى هذا المكان .. كان أحد الأحياء العامرة بالسكان .. عرفنا أن الجزء الجنوبى من موقعنا كان مقبرة جماعية لم يحفرها أحد ، قامت بذلك الطائرات التى تحمل فوق أجنحتها وشم داود ..
اصطدم معول أحد جنودى بجمجمة عندما كنا ننشىء الموقع ، وعرفنا أنها كانت لطفل صغير ، كانت عظام الساعد تقبض على دمية ملفوفة فى علم الوطن ، يومها وقفت طويلاً أمام كومة العظام هل كان فى العمر الذى يتيح له مجرد نطق اسم الوطن .. ؟ كان نسيج العلم الملفوف لا يزال متماسكاً ولو أن ألوانه باهتة ..

ولكن لماذا تنادى علينا الأشباح بالاستسلام ؟

إن المذياع لايزال يهدر بأناشيد النصر ، لا زالت البيانات تترى بأن الحرب قد انتهت .. لقد أعددت ملابسى للإجازة المرتقبة ، لحلوى الانتصار من بين يديها وليلة الزفاف المؤجلة ، تبادلت مع جنودى وباقى ضباط الموقع التهنئة ، غسلنا الدماء فى ستراتنا القديمة ، ترحمنا على شهداء المعارك السابقة ، لقد انتهت الحرب منذ يومين فمن أين يأتى هذا النداء ؟ أفقت على لطمة أخذت من عينى الرؤى لحظات ، كان أمامى مباشرة ، ضخم الجثة عريض المنكبين حك ذقنه النابتة ، قال بلكنة شامية :

_ لا تفكر فى الهرب ..

بطرف عينى لاحظت أن محمدى ينتفض ، شعرت أننى أتهاوى إلى بئر بلا قاع ، كان يقف إلى يمينى فى الصف ، سمعت أنفاسه الساخنىة تتهدج ، لم يكن أفضل جنودى ، لكنه واحد منهم سمع منى محاضرات طويلة عن الصمود والحرب والشرف ، عاش معى قسوة ليالى التدريب ومعاناة الحلم بالعبور ذقنا جميعاً حلاوة البيان الأول بينما كنا نكتب سطوره ببنادقنا ، لم أتمكن من ملاحظة من تبقى من رجالى لأن الطواويس كانوا يختالون أمامنا يزمجرون ويهددون ، حتى أن تراب الأرض كان يرتعش بينما أقف عاجزاً عن هش ذبابة متواطئة راق لها أن تحط على أنفى ..

لم نصدق جميعاً تلك الأصوات التى كانت تنادينا أ، نستسلم أن جيش الدفاع الإسرائيلى طيب القلب سوف يقدم لنا الطعام والماء والمأوى .. أسرت بين رجالى الذين سحقتهم الدهشة .. كان السؤال مريراً وأتعثر فى أحباله بينهم ، ألم تنته الحرب ؟ ألم يوافق الطرفان على قرارات تلك المنظمة البعيدة ؟ كنت أشم رائحة العفونة والصوت يأتى من الجهات الأربع ، ودون أن انتبه تحطمت صورتها التى عاشت معى فى الخندق أعواماً طويلة ، كنا الحفنة الباقية من كتيبة عبرت إلى الشرق ..
إن السويس خلفنا ، هل داسوها أيضاً ؟ من أين تفرز كل هذه العصارات الحامضة فى أمعائى ؟
قبل ان أصدر أوامرى لجنودى وجدتهم متأهبين لتنفيذ مالم أنطق به ، كانت اصابعهم موزعة بين الزناد وبين آذانهم ، ولكن الصوت كان يعبر فى نخاع ( عتاقة ) ويتمشى فى عروق ( الزيتية ) ، ينقش فوق سمائنا وشم داود ..
قفزت معدتى إلى حلقومى حين فاجأنى مرة أخرى بركلة غابت بين ضلوعى ، أسبل الضوء جفنيه وزعق ألف بوق نحاسى ، سمعت بعدها همس محمدى بلكنته الصعيدية متأوهاً :
_ وه يابوى ..

رأيت أمى فى الأفق الذى ترقرقت فيه دمعتى بطرحتها البيضاء فوق سجادة الصلاة تضرع إلى الله أن يغنمنى السلامة ، وأبى يشيعنى حتى محطة القطار فى إجازتى الأخيرة ، لقد تعجبت من اصراره على مصاحبتى رغم مرضه ، لكن فى عينيه العميقتين شعرت أنه يريد أن يواسينى لعجزى عن تدبير المبلغ الكافى كى يسافر إلى الخارج للعلاج ، بعد أن سودت عشرات الأوراق ألتماساً ورجاء ، كان يعزينى دائماً بجملته المعهودة :

_ بعد الحرب ينصلح كل شىء ..

بينما كنت أتآكل أمام سطور الجريدة التى تحمل خبر سفر راقصة للعلاج على نفقة الدولة ، ماذا كانت تريد أن تقول عيون أبى ؟ ..
عادوا يأمروننا بالاصطفاف على هيئة أخرى ، يجذبوننا بعنف ، يلكمون ، يشتمون ..
عندما نفذت ذخيرتنا أحصيت الباقى من رجالى .. ثلاثون .. تبادلت معهم نظرة الحسرة وقبل أن يدلف إلى موقعنا ، أمرت رجالى أن نوارى الأجساد الممزقة ..

كنا نحفر بسرعة وجنازيرهم تقترب .. اصطدم معولى بجمجمة .. لم أتعجب أنها لطفل ، فالأطفال لا يعرفون الهرب .. همست لجنودى قبل أن تمتد أياديهم إلينا بأننا الآن خارج الحرب ، وأن أتفاقية جنيف لأسرى الحرب ..
بلهفة قال لى محمدى وقتذاك :
_ لا تذكر رتبتك ..
وبين الاطار المهشم رأيت صورتها الباسمة ، كانت دائماً ترمق النجوم اللامعة فوق أكتافى قائلة فى مرح :

_ قمر بين النجوم .. فأقول لها :

_ النجوم لا تصير نجوماً إلا فى السماء ..

أجتاحنى الأسى وأنا أعبر بقدمى خارجاً من الحرب ، رأيت ظلى فوق الأرض متكسراً على الموقع ، كانوا ينتشرون بيننا ، يرمقوننا فى غضب وتوجس ، بينما اصطفت جنازيرهم كثيفة حول الموقع ، لم يصدقوا أننا فقط ثلاثون رجلاً ، سألونا بعصبية عن المكان الذى يختفى فيه الباقون كدت أشير لهم إلى مكان المقبرة الجماعية التى حلمت يوماً أن فيها كل أطفال مصر .

ظننت أن الأمر كله لا يعدو كابوساً أستيقظ منه كى أنزل الاجازة ، وأضع رأسى على صدر أمى كى تهدهد شعرى وأنام .. أنام ، وأحتفل بزفافى المؤجل ، وأكتب ألتماساً جديداً للمعاونة على سفر أبى ، لابد أن ألتماسات المنتصرين مفعولها أقوى من ألتماسات المنتكسين ، ولابد كما قال أبى ( أن بعد الحرب ينصلح كل شىء ) ، لكن المطرقة الثقيلة التى حطت فوق رأسى ارتفعت بعض الشىء حين تذكرت بأننا الآن خارج الحرب ، وأن العالم قد نظم معاملة الأسرى ..

تشاغلت بمراقبة قائدهم الأشقر الذى كان يصدر أوامره تباعاً ، بينما كنا فى وضع الاصطفاف الأخير قد وقفنا جميعاً بمحاذاة الطريق وحولنا عشرات من جنودهم ودباباتهم صرخ الضابط الأشقر قائلاً باللغة العربية :
_ الضباط يتقدمون خطوة للأمام ..

همس محمدى محذراً :

_ أرجع يا أفندم ..

خطوات للامام وفى عقلى نصوص أتفاقية جنيف ليس على الأسير سوى اسمه ورتبته ورقمه العسكرى .. ذكرتهم فى ثبات عندما أقترب منى ثم رسم ابتسامة باهتة على شفتيه وسألنى :

_ أين باقى الضباط ؟

اطبقت شفتى على الصمت ، فاحتدت عيناه وعاد يكرر السؤال فى هياج بينما تأهب بعض جنوده واقتربوا منى .. قلت له فى ثبات :
_ أنا لا أعرف غير ما ذكرته لك .. اسمى ورتبتى ورقمى العسكرى ..

حينذاك رفع أحد جنوده يده وكاد أن يهوى بها على وجهى لولا أن منعه هامساً فى نعومة :
_ سوف تؤذى نفسك كثيراً أن لم تستجب لنا ..

وكان التقزز يلوك أمعائى ، رغم ذلك تماسكت وأجبته قائلاً :

_ أنا ورجالى الآن خارج الحرب ، يجب أن تعاملونا وفقاً لأتفاقية جنيف ..

لوى شفتيه وأرجح كفيه قائلاً :

_ من يجبرنا على هذا ...

قلت له بصوت حاولت أن أشحنه بكل أنفعالاتى :

_ القانون الدولى ..

أرسل ضحكة طويلة هازئة شاركه فيها بعض جنوده ثم انحنى فوق الأرض والتقط حجراً قذفنى به وهو يقول :

_ يعجبنى خيالكم أيها المصريون ..

فكرت أن أنقض عليه وليكن ما يكون ، تذكرت مدرسنا العجوز فى الكلية الحربية وهو يقرأ علينا نصوص أتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى ، وكيف أنبريت اسأله آنذاك فأجابنى فى ثقة :

_ إنها قواعد إنسانية قبل أن تكون نصوصاً قانونية ..

كنت أقول لزملائى دائماً أن طلقة أخيرة سوف تبقى فى مدفعى كى أحول بها دون التعرض لهذا الموقف ، كيف نسيت أن أحتفظ بهذه الطلقة ؟

انحنى الضابط الأشقر فوق حجراً آخر وقذفنى به بينما ألتمعت عيناه بوحشية واقترب منى هادراً :

_ اسمع .. سوف أعرف منك كل المعلومات التى نحتاجها ..

أجبته بالصمت ..

حينذاك رطن بالعبرية إلى بعض جنوده فهرولوا إلى دبابة عند رأس الطريق ، فوق ضلوعها نقش وشم داود ، فأدارت محركها ، وانتشر صخبه فى أرجاء الموقع ، بينما عاد الأشقر يصرخ :

_ ليس لدينا وقت نضيعه ، لكننا سنلعب معاً .. ما رأيك ؟

ثم أخذ يروح ويجىء فى عصبية وهو يرمق الدبابة ، حتى بدأ جنزيرها فى التحرك ، فاقترب منى وهو يبتسم ابتسامته اللزجة قائلاً :

_ ما رأيك أن نسمى لعبتنا لعبة القانون الدولى ؟

لم أفهم ما يرمى إليه لكننى فهمت من لمعة عينيه أنه يدبر وسيلة للضغط ، قلت له هادئاً :

_ لقد وقعتم على هذه الأتفاقية ..

فهز رأسه وهو يقول من بين أسنانه :

_ حسناً سنوقع الآن أتفاقية جديدة ..

ثم دار حولى وهو يجذبنى من سترتى كى يسقطنى فوق الأرض قائلاً :

_ وأعدك أن نحترم هذه الأتفاقية ..

دارت رأسى لكننى شعرت بأقدامى فى الأرض ، كنت أشعر بعيون رجالى فى الصف تسند ظهرى وبينما كان يدور بى وقع بصرى على ذورة جبل عتاقة رأيتها مهيبة تشق الغمام الرمادية فى شموخ وكأنما رأيت العمال أفواجاً يدلفون من بوابة مصنع السماد ، والأفق ينفتح بشكل غير عادى وتصطف عنده ملائكة مجنحة وردية ، قال وهو يصر على اسقاطى :

_ نحن نكتب الأتفاقيات بالقلم الرصاص ..

وكأن ساقى والأرض قد أصبحا جزءاً واحداً ، لم أهتز رغم أنه أنهال بقبضته وقدمه محاولاً هدم مقاومتى ، حتى نال منه التعب ، فوقف أمامى لاهثاً والعرق ينثال على وجهه ، وعندما اصطدمت عيناه بعينى اختلجت نظرته وانتفضت شرايين عنقه وقال بصوت متهدج :

_ إذن .. هيا بنا نلعب ..

ثم استدار وعبر الطريق وما أن أصبح فى الطرف الآخر حتى عاد يواجهنا قائلاً :

_ سأشرح لكم اللعبة .. إنها بسيطة للغاية وسبق أن لعبناها فى الجولان والضفة الغربية .. باختصار سوف أغمض عينى وألتقط حجراً وألقيه فى اتجاهكم والمحظوظ الذى يصيبه الحجر سوف يرقد على هذا الطريق حيث ينبغى لهذه الدبابة أن تعبر وسنكرر هذه اللعبة بعددكم حتى يقرر قائدكم أن يوقع معنا الأتفاقية ..

انفجر ضاحكاً .. انجروا ضاحكين .. سمعت خفقات قلوب رجالى .. ما تحرك جبل عتاقة ولا انشقت السماء ، فقط كانت ألأرض تميد تحت قدمى ، ونار تنسكب فى حلقومى وكأنما عاصفة تهب من مكان خفى مسحت قشرة الأرض فتعرت آلاف الجماجم ، والجنازير الموشومة بنجمة داود تئز وتزمجر ، والأسفلت يئن ...

انحنى على الأرض بنعومة والتقط حجراً بيده اليمنى ثم عصب عينيه بيده اليسرى .. رجالى واحداً واحداً فوق الأسفلت راقدين .. يا إلهى .. هذه الدبابة الثقيلة و ضلوعهم المعجونة .. لسعتنى نظراتهم ، كان الذعر يطيرشعاعاً من عيونهم التى تجمدت على يده التى قبضت على الحجر ، كانت أجسادهم تتمايل مع يده التى بدأت تؤرجح الحجر تأهباً لقذفه .. هنيهة ويطير إلى أحدكم كى يمدده على هذا الطريق ، كانت الدبابة تقترب فى بطء .. عندما تأهب للقذف صرخت :

_ انتظر ..

رفع يده التى عصب عينيه بها ورمقنى ظافراً وهو يشير للدبابة بالتوقف ، ثم قفز الطريق مهرولاً تجاهى ووقف قبالتى تماماً وقد عقد ساعديه على صدره .

كانت عيناه تتحولان فى سرعة وكأننى رأيت فى محجريهما نجمتى داود لامعتين قادرتين ، وكأنما لاح لى غصن صفصافة مصرية يميل فى انكسار فوق ترعة تنوح سألنى بلهفة :

_ إذن ستتعاون معنا ..

جاء صوتها من بعيد كتكبيرات عيد :

_ قمر بين النجوم ..

غمغمت لها :

_ النجوم لا تصير نجوماً إلا فى السماء ..

ضيق عينيه وسألنى :

_ ماذا تقول ؟

خرجت ألفاظى قوية :

_ أريدك أن تبدأ بى لعبتك ..

انطفأت نجمتا داود فى عينيه ، أرغى وأزبد ، شتم وسب ولعن ، أولانى ظهره غاضباً وهو يلوح للدبابة التى عاد محركها يزمجر ، وقبل أن يستدير لنا ، قذف الحجر من وراء ظهره سمعت شهقة بعض جنودى وكأنها فى نفس اللحظة ولولات عشرات الأمهات الثكالى ، والزوجات الأرامل ، سمعت احتكاك الحجر بالهواء فوق رأسى وكأنه بكاء طفل يتيم ، اصطك الحجر بجسده - محمدى - ، قفز نحوه جنديان وأمسكا بتلابيبه ، لم يقاوم .. تقدم معهما فى هدوء وثبات وعندما توازى معى نظر فى عينى وكأنه يؤبن معى ما كنت أقوله لهم عن معاملة الأسرى ، كانت دقات المطارق تتوالى فى صدرى مع وقع خطواته حتى التصقت أقدامه بحافة الطريق ، أزاح أياديهم عن كتفيه بهدوء ، وانحنى فوق الأسفلت يقبله ، وكأنه يسجد سجدة الوداع ، ثم انفرد متمدداً بعرض الطريق ، لاحظت أن ركبتيه وذراعيه يرتعشون ، وجسده يزداد انكماشاً كلما اقترب صوت الجنزير ، كانوا يقهقهون وهم يصيحون ويتبادلون دق الكفوف أحسست بسائل ساخن يلهب عينى .. لافائدة .. سيتوالى ذبح ثلاثين رجلاً أمام عينى .. ستظل هذه اللعبة الدولية بلا نهاية ، صوت الجنزير وحده الآن يسيطر على كل الأصوات ، بينمما قلبه هناك لصق الأسفلت يدير حديث النبض الأخير ، وخلفى يحبسون أنفاسهم ، يراقبون أنفعالات محمدى كى يتعرفوا على شكل ملامحهم حين يصيبهم الحجر ، صرخت بصوتى المخنوق :

_ سأتعاون ..

أصبح الجنزير على مسافة متر من رأسه ، عدت أكرر :

_ سأتعاون ..

أشار الأشقر للدبابة .. توقفت أمام رأسه تماماً ، التفت محمدى كمن استيقظ من موته ، نظر نحوى هاتفاً :

_ لا يا أفندم ..


كان الأشقر يهرول نحوى ، توقف أمام محمدى وركله بقوة ، ففوجئت بمحمدى يقبض على قدمه ويلويها حتى أسقطه وقفز فوق صدره ، كان شلل المفاجأة يسيطر على المكان كله ، فحط السكون على جنود العدو بينما كان محمدى يختطف المسدس من الأشقر ويطلق نحوه طلقات متتابعة ثم التفت موجهاً نيرانه إلى جنود العدو الذين أصابهم الهلع فبدأوا يطلقون النيران فى كل اتجاه فأصابوا بعضهم البعض ، وانتاب الهرج المكان كله ، كانت الطلقات تثقب جسد محمدى وأصابع يديه الداميتين تنتفضان فوق الأسفلت ، رأيت شفتيه تختلجان ، وعينيه تتوهجان أسرعت آمر جنودى بين الرصاص الطائر أن يتجهوا إلى جبل عتاقة ..
كان سباقاً بيننا وبين الطلقات ، حتى انفتحت وديان الجبل الصخرية ، ودبت الروح فيها فجأة كى تخفى عشرة رجال .. عشرة رجال فقط لم يصبهم الدور فى اللعبة الدولية ..

**************************************
المصدر :
(( من المجموعة القصصية : وحان وقت الاختيار ))
قصص مصرية بأقلام أبطال أكتوبر من واقع المعركة
الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech