Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

الحرب في البحر


 

تأليف: Edgar O'Ballance

ترجمة: أحمد مبروك الخولي

مصر ديسمبر 2015


تقديم

أضع بين أيديكم ترجمة أمينة لفصل من كتاب «لا فائز ولا مهزوم: حرب أكتوبر» للرائد البريطاني إيدجر أوبالانس، وقد وضعته في كتيب منفصل بذات العنوان الذي اختاره له المؤلف في الكتاب الأصلي، ويناقش المعارك البحرية على الجبهتين المصرية والسورية، وكذلك يلقى الضوء على الحصار البحري المصري لإسرائيل، ومدى تأثيره عليها، وكذا أهمية استخدام سلاح النفط العربي في حرب أكتوبر.

 المؤلف إدجر أوبالانس يتميز بالموضوعية والحياد الكبيرين، ولستَ مضطرا لقراءة الكتاب لتعرف ذلك، يكفيك  فقط أن تلقى نظرة على العنوان.

وقد اعتمد أوبالانس في كتابه على زيارته لأرض المعركة، وعلى المقابلات الشخصية مع القيادات المصرية، وعلى رأسهم الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية المصري في زمان الحرب،  وكذلك على ما نشر من أحاديث للقادة الإسرائيليين. وقد أصر الكاتب على إلقاء مزيد من الضوء على وجهة النظر المصرية، معتبرا أنه إذا كانت حرب يونيو 67 حربا إسرائيلية، فإن حرب أكتوبر 73 حرب مصرية.

 ويعتبر أوبالانس أن العبور الإسرائيلي لغرب قناة السويس فيما بات يعرف في العالم العربي بـ«ثغرة الدفرسوار» لم يكن مذهلا للدرجة التي تحاول إسرائيل إيهام العالم بها، وأن الصورة التي تحاول إسرائيل رسمها عن أنها استطاعت قلب موازين الحرب في النهاية لصالحها، بعبورها إلى إفريقيا وتطويقها  الجيش الثالث المصري، وادعائها بأنها كانت قاب قوسين أو أدنى من العاصمة المصرية، وأن القوى العظمى هي التي حالت دون استسلام الجيش الثالث المصري، وأن جنرالاتها الشباب المفعمين بالحيوية، قد تفوقوا على جنرالات مصر - لم تكن هذه الصورة على الإطلاق سليمة، وأن الإسرائيليين بتكريسهم هذه الصورة يكونون في خطر الوقوع في فخ  الغطرسة والثقة الزائدة الذي وقعوا فيه بعد حرب 67. ويرى أن الوضع بعد عبور إسرائيل قناة السويس، قد بات «مخنوقا»، بمعنى أن كلتا القوتين المتحاربتين أصبحت عاجزة عن التقدم أو التأخر، وأنه لم يكن ليضع حدًا لهذا الوضع إلا مرونة الإسرائيليين في التفاوض، لأنهم على المدى البعيد لن يعودوا قادرين على الاعتماد على قوتهم العسكرية.

وعلى ذلك يلزم التنويه لأن ما جاء في الكتاب، وترجمته هنا، إنما يعبر في المقام الأول عن وجهة نظر كاتبه، وأنني آثرت ترجمته لإثراء المكتبة العربية بمزيدٍ من وجهات النظر الأجنبية، وأن لكل من قرأ هذا الكتيب الحق في الرد على ما جاء فيه بالنقد أو النقض.



لم تؤثر القوات البحرية لأي من الدول المتحاربة، جوهريا، في نتيجة حرب أكوبر. وامتلكت ثلاث دول فقط من الدول التي شاركت في الحرب هي: مصر، وسوريا، وإسرائيل، قوات بحرية على قدر من الأهمية. فيما كانت القوات البحرية للأردن متواضعة، أما العراق فكان لديه عدد صغير من زوارق الدورية، كانت جميعها تعمل في خليج فارس. كانت للبحرية المصرية –الأضخم- قدرات تكتيكية واستراتيجية على السواء، وربما تكون أثرت على نتيجة الحرب، في أنها استطاعت إطالة أمدها، بفرضها الحصار على الإمدادات الإسرائيلية، ولا سيما البترول، فبدأت بذلك في تضييق الخناق على الإسرائيليين.

ويمكن النظر للبحرية الإسرائيلية - الأصغر-  على أنها قوة هجومية على الصعيد التكتيكي. وأما عن البحرية السورية- التي لا تزال أصغر- فيمكن النظر إليها بعين الاعتبار فقط فيما يخص الدفاع عن السواحل والموانئ السورية.

بالفطرة، حازت القوات البحرية في الشرق الأوسط على أولوية أقل  في الميزانيات العسكرية وفي المكانة، مقارنة بالقوات البرية أو الجوية، ذلك لأن السفن بطيئة  الحركة، إذا ما قورنت بالطائرات الحديثة على سبيل المثال. في حرب 1967 لم تكن هناك أي اشتباكات بحرية بارزة، بخسائر مؤثرة مؤكدة، هذه الحقيقة أدت إلى تخفيض الطلب البحري.

البحرية المصرية:

كان للقوات البحرية المصرية - التي شملت خدمة خفر السواحل، ومجموعة صغيرة من الكوماندوز- مهمة حماية سواحل كلا البحرين المتوسط والأحمر. بقوة أكبر من 15 ألف فرد، تكونت القوات البحرية بصفة أساسية من :  اثنتي عشرة  (12) غواصة (يصر الإسرائيليون على أنهم 16)، وثماني (8) مدمرات وفرقاطات، وتسعة عشر (19) لنش صواريخ (يصر الإسرائيليون على أنهم 25) ، وأربعة وثلاثين (34)  زورق طوربيد، وأربع عشرة (14) كاسحة ألغام، وقطع أخرى صغيرة بينها سفن إنزال.

كان مقر البحرية المصرية، وقاعدتها الرئيسة، في الإسكندرية. كانت هنالك قواعد أخرى كبيرة في الغردقة، وسفاجا، والقصير، على ساحل البحر الأحمر، إلى جانب محطات بحرية صغيرة ومرافق لإعادة التزود بالوقود، على طول سواحل البحرين المتوسط والأحمر.  أما مدينة بورسعيد، ولقربها من الوحدات العسكرية الإسرائيلية، وحصون خط بارليف، ولا سيما حصن «بودابست» على ساحل البحر الأبيض المتوسط- لم يستطع المصريون استغلال مرافقهم البحرية فيها.

كانت مدة الدراسة في الكلية البحرية المصرية في أبي قير، أربع سنوت يتم خلالها تدريب الطلبة،  وكانت تقدم الطعام والشراب لأكثر من 470 فردًا في المرة الواحدة. وكانت مدة الدراسة أقل لضباط الاحتياط، الذين كان معظمهم، كما الحال في الجيش والقوات الجوية، على قائمة الخدمة الفعلية منذ حرب 1967. وهذا يعني أن البحرية المصرية كان لها قوام كامل من الضباط ذوي الخبرة. وكان الأفراد العاديون هم المجندون الذين قضوا ثلاث سنوات في الخدمة ثم أحيلوا للاحتياط لمدة تسع سنوات أخريات. وتم قبول المتطوعين لفترات خدمة أطول، ووفر ذلك ضباط الصف، والفنيين المهرة، مثل مشغلي الرادارات. كان هنالك وفرة في المتطوعين للخدمة الطويلة في البحرية.

شرح لي اللواء بحري فؤاد ذكري، قائد البحرية المصرية، أن البحرية في بدايتها قد تشربت الأساليب والعقائد البريطانية، ولكن حتى في الخمسينات كانت قد مالت نحو اعتبارها «الأقل شأننا بين أسلحة القوات المسلحة». قال إنه في حرب 48 ضد الإسرائيليين، كانت هناك مناوشات بحرية قليلة، لكنها لم ترق لمستوى الاشتباكات الجادة. وحين اندلعت حرب 1956 كانت البحرية قد  بدأت لتوها في الحصول على معدات سوفيتية، لكن «لم يكن هناك الوقت الكافي لإجادة العمل عليها».

وفي عام 1967 حين بدأ التوتر يشتد، كانت البحرية المصرية تمتلك سفنا أكبر من نظيرتها الإسرائيلية، وكانت مهمة الأسطول البحري المصري هي حماية الموانئ والسواحل، والسيطرة على مضايق تيران (وهي الممرات الضيقة من البحر الأحمر والتي توصل إلى مينائيّ إيلات الإسرائيلي، والعقبة الأردني).

قال لي اللواء ذكري: «لم تكن لدينا أي سفن في المياه الإسرائيلية وقت اندلاع الحرب، ولم يكن هناك الوقت الكافي للقيام بهذا العمل. لم يكن أسطولنا البحري هجوميا بما يكفي في تلك الحرب، ولم توكل إليه أي مهمة هجومية»، وأضاف أن البحرية المصرية لم تستغل هيمنتها البحرية، في الوقت التي كانت فيه هي البحرية الوحيدة –باستثناء الاتحاد السوفيتي، وقوى معينة من حلف «وارسو»- التي تمتلك صواريخ «سطح-سطح» على سفنها.

حتى كان الحدث الأبرز في تاريخ البحرية المصرية، حين تمكنت يوم 21 أكتوبر 1967 من  إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»INS Eilat ، لتدخل بذلك التاريخ البحري، بكونها البحرية الأولى في العالم التي تتكمن من إغراق قطعة بحرية معادية، باستخدام الصواريخ الموجهة. فقد اشتبك لنشا صواريخ مصريان من فئة «كومار»  Komar  مع المدمرة الإسرائيلية، وأطلقا عليها ثلاثة صواريخ سوفيتية الصنع من طراز «ستيكس»Styx  من مسافة تجاوزت اثني عشر ميلا (تسعة عشر كليومترا)، فأغرقاها وأغرقا معها سبعة وأربعين فردا ممن كانوا على متنها.

مزهوا بهذا العمل البطولي قال اللواء ذكري: «لم يكن هناك أي مستشار سوفييتي على لنشي الصواريخ اللذان أغرقا إيلات.  كان إغراقها شأن مصري من ألفه إلى يائه، حتى أن السوفييت لم يعلموا بهذا العمل إلا بعد مضيّ بعض الوقت».

دعا أحد الاتجاهات الفكرية إلى التخلص من المدافع التقليدية، والاعتماد على الصواريخ الموجهة، لأنها على عكس الطلقات العادية، يمكن توجهيها وتغيير مسارها وارتفاعها خلال رحلتها نحو الهدف.

منبهرين بحجم الخسائر التي حاقت بسفن الحلفاء الكبيرة والمتوسطة خلال الحرب العالمية الثانية،  نزع الروس أيضا وكانوا في طور بناء أسطول بحري ضخم- إلى تفضيل الصواريخ الموجهة على المدافع، فطوّروا مفهوم استخدام قطع بحرية صغيرة الحجم، سريعة الحركة، مسلحة بصوارخ «سطح-سطح»، وتتوفر لها القدرة على العمل في المناطق الساحلية الذاتية أو الصديقة. وتم تصميم هذه القطع للاشتباك مع القطع المعادية، من مسافات تترواح بين 22 إلى 28 ميلا، وكانت تعتبر مسافات كبيرة في حقبة الخمسينات.

وكان القول السائد المقبول، والذي تأصل في الفكر البحري من أيام اللورد نلسون وما قبلها، أنه في أي اشتباك ستكون الغلبة لمن يطلق النار أولا، وبالتبعية فإن من يملك المدفع ذا المدى الأبعد يملك بذلك ميزة حيوية.

في حديث له في المؤتمر الدولي الإسرائيلي، قال اللواء بحري بنيامين تيليم قائد البحرية الإسرائيلية- واصفا هذا النوع الجديد من السفن الصغيرة، وتسليحها الأساسي: «المفهوم الروسي يقوم على التسهيل على المشغل، باستخدام عدد كبير من اللنشات والصورايخ ذات المديات الكبيرة، واحتمالية الإصابة العالية».

كانت لنشات الصواريخ التي تم إنتجاها لصالح البحرية السوفيتية مسلحة بصواريخ «سطح-سطح» طراز «ستيكس» ذات المدى البالغ حوالي أربعين كيلومترا. وكان لتلك اللنشات السرعة التي تمكنها من الاندفاع والهجوم السريع المعتمد على التحديد المسبق للأهداف، وما إن يتم لها إطلاق الصواريخ، يمكنها الانسحاب بذات السرعة.

وقد ظهر نوعان من تلك اللنشات في البحرية السوفيتية:

الأول: لنش فئة «كومار» Komar  زنة المئة طن، مسلح بزوج من قواذف صواريخ «ستيكس»، وهو النوع الذي بدأ المصريون في اقتنائه في عام 1962.

الثاني: لنش فئة «أوسا» OSA زنة المئة والستين طنا، وهو مسلح بزوجين من قواذف صواريخ «ستيكس»، وهذا النوع بدأ في الوصول إلى الإسكندرية في عام 1966.

كلا الفئتين كانتا مسلحتين أيضا بأسحلة بحرية خفيفة. وقد تجاوزت سرعتهما الأربعين عقدة، والتي كانت تعد سرعة كبيرة نسبيا في ذلك الوقت.

 هذان اللنشان السوفيتان كومار وأوسا- كانا الأولين الذين يتم إرسالهما إلى دولة خارج حلف «وارسو». وبحلول منتصف 1967، كان لدى البحرية المصرية اثنا عشر لنشا طراز «أوسا»، وستة لنشات طراز «كومار»، مسلحة جميعها بصواريخ «ستيكس».

بعد حرب 67 حدثت عملية تطهير وإعادة ترتيب في البحرية المصرية، ولكن انتصارها على المدمرة الإسرائيلية «إيلات» شفع لها، فأنقذها من حملات الإطاحة الجماعية كما حدث في الجيش والقوات الجوية. وتحددت مهمة الأسطول البحري المصري لتكون حماية القواعد البحرية المصرية من الهجمات الإسرائيلية. وخلال حرب الاستنزاف في الفترة ما بين عامي 1968 و1970 نشطت البحرية، ودخلت دائرة الاشتباكات في أكثر من مناسبة، منها قصف الأهداف البرية في شمال سيناء، وربما ردت بالنيران على طائرة إسرائيلية مهاجمة من حين لآخر.

كذلك قامت الصاعقة البحرية بإغارات على المواقع الساحلية، والمنشآت البترولية الإسرائيلية. على امتداد الجانب الشرقي من خليج السويس، مستخدمين في ذلك قذائف غير موجهة محمولة على قوارب صغيرة.

بالطبع كان اللواء ذكري واحدا من ضمن المجموعة رفيعة المستوى التي خططت  للعملية «الشرارة» -عملية الخداع-، والعملية «بدر» وبالتأكيد منذ توليه قيادة الأسطول البحري، كان يعده للقتال. فعلى وجه الخصوص قام الرجل بتعزيز وتدريب سرب البحر الأحمر، والذي كان متواجدًا هناك منذ 1969، ومسئولا عن عدد من الاتصالات، والتدريبات في منطقة البحر الأحمر.

كان على اللواء ذكري أن يتم خططه، ويقدمها للرئيس السادات بحلول يناير 1973، وبمجرد التصديق عليها، بدأ ذكري في الإعداد والتجهيز، فعلى سبيل المثال، تم إرسال غواصات معينة، إلى سفاجا على البحر الأحمر، واضطرت تلك الغواصات إلى سلك طريق رأس الرجاء الصالح؛ ذلك أن قناة السويس كانت قد أغلقت (على خلفية حرب 67).

كذلك تم الترتيب لأنْ تستخدم المدمرات المصرية ميناء «عدن» في اليمن الجنوبي، وتم التفاوض مع باكستان لتوفير عمليات التصليح للقطع المصرية، ومرافق أحواض الصيانة الجافة. ونظرًا لأن البحرية المصرية لا تملك قوة جوية خاصة بها، فقد تقرر أن تعمل السفن المتوسطة فقط خارج نصف القطر العملياتي للطائرات الإسرائيلية، أما السفن الصغيرة فتعمل بصفة أساسية في الظلام.

كانت السّرية والتمركز الحذر، مهميّن للغاية. وبنهاية سبتمبر 1973 تم نشر عدد من القطع المصرية للعمل في مساحة واسعة. وفي الأسبوع الأول من أكتوبر، كان أكثر من خمسين قطعة بحرية مصرية قد تم دفعها إلى البحر. تم إيفاد مجموعة إلى ليبيا لتهديد الطريق في البحر المتوسط، ولجذب انتباه لنشات الصواريخ الإسرائيلية، بينما أرسلت ثلاثة مدمرات مصرية إلى ميناء عدن.

كانت المهمة الرئيسة هي تعطيل حركة الملاحة إلى إسرائيل، وحرمانها من إمدادات البترول. باختصار كانت المهمة هي حصار إسرائيل بحريا. ولكن اللواء ذكري وضح لي هذه الاستراتيجية باعتدال أكثر قائلا إن الهدف كان «مجرد قطع الاتصالات البحرية»، لم يكن ليعترف بلغة فجة أن الهدف كان حصارا مطبقا كما فعل البريطانيون في الحربين العالميتين.

في الواحدة ظهرًا من يوم السادس من أكتوبر، أرسل اللواء ذكري إشارة إلى غواصاته في ميناء سفاجا، ومدمراته في ميناء عدن، آمرًا إياها ببدء الأعمال العدائية من سعت 1800 (السادسة مساءً) وأن تبدأ في إغلاق مضايق تيران، وخليج السويس، ومضيق باب المندب في وجه أي سفينة. وحددت الحكومة المصرية، مناطق العمليات العسكرية في البحر، ونبهت السفن لتجنب لتلك المناطق.

البحرية السورية:

ليس لدي كثير لأقوله عن البحرية السورية، سوى أنها كانت صغيرة، تفتقر إلى الخبرة، ذلك أنها حديثة العهد بعض الشيء.  كان يعمل بها أقل من ثلاثة آلاف فرد، وتكونت بحسب الإسرائيليين- من نيّفٍ وأربعين سفينة خفيفة، شملت على الأقل تسعة لنشات صواريخ، وسبعة عشر زورق طوربيد. بالتأكيد امتلكت البحرية السورية ستة لنشات فئة «كومار»، مسلحة بصواريخ «ستيكس»، وثلاثة كاسحات ألغام روسية الصنع طراز «ت-43» ، وعلى الأقل ثلاثة من أحدث كورفتيات الصواريخ السوفيتية طراز «نانوشكا»Nanuchka، وصلت لتوها إلى سوريا، وكانت أحدث القطع السوفيتية التي ظهرت في البحر المتوسط بعَلم غير علم الاتحاد السوفيتي.

كانت هناك مجموعة من المستشارين السوفييت في مقر البحرية السورية في اللاذقية، لكن لا يتوفر دليل قاطع  على أن أي من المستشارين السوفييت كان على متن هذه القطع حين بدأت عملياتها في حرب أكتوبر. وكانت مهمة البحرية السورية -التي اعتبرت سلاحا هين الشأن، غير مرغوب فيه- حماية الموانئ السورية (اللاذقية، وطرطوس، وبانياس) وسواحل البحر المتوسط.

البحرية الإسرائيلية:

يمكن قول المزيد عن البحرية الإسرائيلية، وبرغم أنها كانت هي الأخرى صغيرة مقارنة بباقي الأسلحة، وبرغم من أنها كانت تعتبر السلاح الأقل شأنا في الجيش الإسرائيلي، فيما يتعلق بالأولوية، والتسليح، والمكانة.

وعلى الرغم من زهوها باستيلائها على مدمرة مصرية في معركة بحرية في عام 1956، فقد أصابها الإحباط لعدم اشتراكها في أي عمل قتالي خلال حرب 1967.

تحت قيادة اللواء بحري تيليم، تكونت القوات البحرية الإسرائيلية من حوالي ثلاثة آلاف من النظاميين، بالإضافة إلى ألف آخرين من المجندين في مراحل التدريب المختلفة.  وكان بإمكانها الوصول إلى عتبة الخمسة آلاف عند التعبئة الشاملة. كان لديها أيضا مجموعة قوية من الكوماندوز البحرية مكونة من 500 فرد، بينهم عناصر الضفادع البشرية. وامتلكت القوات البحرية الإسرائيلية على الأقل ثلاثة غواصات، ومدمرتين، وحوالي أربعين سفينة أصغر حجما؛ كان من بينها اثنا عشر لنش صورايخ فئة «سعر»Saar مسلحة بصواريخ «جابريل» Gabriel، و4 زوارق طوربيد، وعشرة سفن إنزال، ولنشين فئة «ريشيف»Reshef.

لقد كان لإغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»، بواسطة الصواريخ السوفيتية الصنع، بالغ الأثر في تغيير الفكر البحري للإسرائيلين، ودفعهم للبحث عن مفاهيم جديدة فيما يخص الحرب البحرية. وقد أدى ذلك إلى إنتاج إسرائيل نموذج من زوارق الصواريخ تحت مسمى «مفتاخ» Mivtach،  في ديسمبر 1967.

ثم تلا ذلك فترة من التجريب والتطوير، أسفرت عن مجموعة من المواصفات، دفعت الحكومة الإسرائيلية لطلب اثني عشر زورق دورية صغير وسريع، يعرف بفئة «سعر»، من الحكومة الفرنسية في الوقت الذي كانت فيه العلاقات الإسرائيلية مع الرئيس ديجول طيبة. سبعة منها سُلمت إلى إسرائيل، بينما فرض ديجول حظرًا على تسليم الباقي (بعد حرب 67). وقد أدى ذلك إلى الهروب الدرامي بالخمسة زوارق من ميناء «تشيربورج» الفرنسي في الرابع والعشرين من ديسمبر 1969، وصلت بعدها بأيام قليلة إلى «حيفا».

وكانت السرعة المزعومة للزورق «سعر» اثنتين وأربعين عقدة، بطاقم تشغيل قوامه أربعون فردًا، وبمدى عملياتي يزيد على ستمائة ميل، وكل منها مسلح بثمانية صواريخ طراز «جابريل»، ومدفع سريع الطلقات.

مزيد من البحث والتجريب، خاصة فيما يتعلق بتوليفة الكشف الرادادي، والتسليح، ووسائل التشويش الإلكتروني، تبلور في النهاية في النموذج المبدأي من فئة لنشات الصواريخ «ريشيف». وكان الاعتبار الرئيس هو أن يكون إنتاجه في إسرائيل، التي كان لديها صناعات تسليحية متقدمة  إلى حد معقول بمعايير الشرق الأوسط. وقد تم الانتهاء من أول زورق في عام 1970. وطبقا للإسرائيليين، فإن حرب أكتوبر قد بدأت ولديهم زورقان فئة «ريشيف» في الخدمة. ورغم ذلك يصر المصريون على أن واحدًا فقط كان في الخدمة، أما الآخر فلم يتم تسليمه إلا بعد انتهاء الحرب. بلغ وزن «ريشيف» مئتين وستين (260) طنا، وكان مسلحا بثمانية صواريخ «جابريل»، وبمدفعين سريعي الطلقات، وبسرعة زعم أنها تتجاوز الأربعين عقدة.

أنتجت الصناعات العسكرية الإسرائيلية الصاروخ «سطح-سطح» «جابريل»، ذا المدى البالغ عشرين كيلومترا، والذي بدأ في دخول الخدمة في أواخر 1969. وقد تم تصميمه في الأصل، ليشتبك، ويفوق مدى المدافع عيار 4.5 بوصة الموجودة على المدمرة السوفيتية فئة «سكوري» Skory القطعة الرئيسة في القوات البحرية المصرية في الستينات. وقد رُكب النموذج الأول من ذلك الصاروخ على مدمرة إسرائيلية فئة «ي» Z class، ولكن رأى الإسرائيليون على الفور أنهم بحاجة لقطعة صغيرة أكثر سرعة لحمل هذا الصاروخ. وقد ادعى الإسرائيليون أن «جابريل» يملك تقنيةSea Skimming بمعنى قدرته على التحليق على ارتفاع منخفض ملازما لسطح البحر، وهذا يعطيه قدرة البقاء تحت نطاق كشف أنظمة الرادار العادية. وبحسب جريدة «جيروزاليم بوست» في عددها الصادر في 16 نوفمبر 1973: «بلغت نسبة إصابة جابريل لأهدافه تسعين بالمئة».

* * *

لم تبدأ الأعمال القتالية البحرية يوم السادس من أكتوبر إلا بعد السادسة مساءً، بعد أن خيم الظلام، خشية التدخل الجوي المحتمل. في تلك الليلة بدأت أولى الاشتباكات بين زوارق الصواريخ. قدّر الإسرائيليون أن قوة لنشات صورايخ سورية قد تهاجم «حيفا»، أو أي من الأهداف الأخرى في  الجزء الشمالي من السواحل الإسرائيلية، وعليه أرسلت قوة إسرائيلية مكونة من خمسة زوارق: أربعة منها فئة «سعر»، وواحد من فئة «ريشيف» شمالا في دورية هجومية. حتى كانت العاشرة والنصف مساءً، حين تم الالتقاء الأول، وأغرق فيه  زورق طوربيد طراز «ك-123» وكاسحة ألغام طراز «ت- 43» للجانب السوري. بعدها اكتشفت القوة الإسرائيلية وجود كاسحة ألغام من ذات الطراز المذكور، مع أربعة زوارق صواريخ إلى الشرق،  لذلك تركوا زورق «سعر» واحد للتعامل مع زورق الطوربيد السوري، بينما غيّرت باقي القوة اتجاهها، وانطلقت تجاه السفن السورية، فحددوا أنها على بُعد أربعين كيلومترا. نشب الاشتباك جنوب «اللاذقية» حين أطلق السوريون صواريخهم من مسافة سبعة وثلاثين كيلومترا، لكن أيا منها لم يصب هدفه، واستمرت الزوارق الإسرائيلية في التقدم، حتى أصبحت على بُعد عشرين كيلومترًا من القوة السورية، عندها بدأت في إطلاق صواريخها طراز «جابريل» من مداها الأقصى.

يدّعي الإسرائيليون أنهم أغرقوا زورقا من فئة «أوسا» واثنين من فئة «كومار»، وزورق طوربيد، وكاسحة ألغام، أغرقت جميعها بصواريخ «جابريل». وأن زورقا سوريا فئة «كومار» قد جنح وتعرض لنيران صديقة من مدفع عيار أربعين مم على زورق صواريخ آخر. بينما لم تقع أي خسائر في الجانب الإسرائيلي.

على الجانب الآخر، يقول السوريون أن هذا الاشتباك وقع في الواحدة من صباح السابع من أكتوبر، واستمر لمدة ساعتين، وأن المدفعية الساحلية السورية قد اشتركت فيه وأغرقت أربعة زوارق إسرائيلية. لم يمكن الاعتماد على البلاغات السورية، وعليه يكون أول اشتباك بين زوارق الصورايخ في تاريخ البحرية، قد انتهى في ضبابية.

يقول المصريون أنهم، بدءًا من السادسة مساءً وما بعدها، قد قاموا «بعمليات إطلاق نار على أهداف المراقبة، ومراكز الرادار في سيناء» انطلاقا من البحر المتوسط. مما يعني في الواقع أنهم وفروا الإسناد المدفعي للقوات البرية. وردًا على هذا القصف، تم توجيه الطائرات الإسرائيلية في الواحدة صباحا للتعامل مع السفن المصرية.

وعندما خيم ظلام اليوم السابع من أكتوبر، تم إنزال مجموعة من الصاعقة البحرية، مستخدمة خمسة بلنصات صيد عادية، على الطريق الساحلي شرقي حصن «بودابست» الإسرائيلي. وبالقرب من الطور على خليج السويس في الجنوب، أتم المصريون إنزالا مستخدمين عددا من قوارب الصيد، مدّعين أن الغرض من هذا العمل كان التمويه والخداع.

في تلك الليلة ليلة السابع- عاود المصريون قصف الأهداف البرية في شمال سيناء، وردًا على ذلك قام الإسرائيليون بقصف بورسعيد من البحر. وفي خليج السويس قامت الصاعقة المصرية بعدة إغارات على الساحل الشرقي. وفي الليلة التالية أغارت الصاعقة المصرية على منصة نفط منصوبة في البحر بالقرب من «أبي رديس». عبر المصريون الخليج البالغ عرضه ستة عشر ميلا، بعد السادسة مساءً، ووصلوا إلى الجانب الغربي ليكتشفوا أن للمنصة ثمانية سيقان، لا أربعة. مما يعني أن العملية التخريبية ستستغرق ضعف الوقت المحدد لها. وعليه تم إلغاء العملية عند الفجر، وعادت القوة المصرية غبر الخليج المفتوح في وضح النهار،  في رحلة محفوفة بالمخاطر، ولكنهم لم يُكتشفوا بواسطة القوات الجوية الإسرائيلية التي كانت منشغلة في أماكن أخرى، ومرتبكة في تلك المرحلة. وفي رحلة العودة، غرق أحد القوارب، وأضطر الرجال للسباحة في المياه المحتوية على أسماك القرش، وبحلول مساء التاسع من أكتوبر، كان  الجميع قد وصلوا إلى بر الأمان.

بعد أن هاجم الإسرائيليون البحرية السورية في البداية، التفتوا بعد ذلك إلى المصريين، مقدّرين أن المصريين سيحركون قوة من زوارق الصواريخ من الإسكندرية لتعزيز بورسعيد.   فأرسلوا ستة زوارق «سعر» لاعتراض القوة المصرية.  ووصلت القوة الإسرائيلية قبالة دمياط في السادسة وستٍ وأربعين دقيقة من مساء اليوم الثامن، ثم راحوا يتجولون في المكان حتى حددوا القوة المصرية المكونة من أربعة زوراق فئة «أوسا» في الساعة الثامنة وعشرة دقائق، تبع ذلك شيء من المناورة. وعند الثانية عشرة والربع،  أطلق المصريون دفعة من اثني عشر صاروخا، من مسافة أربعين كيلومترا، لكنّ أيا منها لم يصب هدفه، ثم اقترب الإسرائيليون بسرعة حتى أصبحوا على مسافة عشرين كيلومترا المدى الأقصى لصاروخهم «جابريل»- تمهيدا لاستخدامه.

يدعي الإسرائيليون أنهم على الفور أغرقوا ثلاثة زوارق مصرية، وجنح الرابع قريبا من «بلطيم». ينفي الإسرائيليون أي خسائر في جانبهم جراء هذا الاشتباك. بينما يصر المصريون -الذين أطلقوا عددا أكبر من الصواريخ والطلقات- على أن خسائر قد حاقت بالإسرائيليين في هذا الاشتباك من جراء نيران المدافع.

أخبرني اللواء ذكري أن الإسرائيليين  فد خططوا لهذا الاشتباك بعناية، وأنهم استخدموا المروحيات للعثور على الزوارق المصرية. بينما وفرت لها المقاتلات الإسرائيلية غطاءً جويا، تحسبا لتدخل الطائرات المصرية.

لاحقا، في ليلة العاشر من أكتوبر، حدث اشتباكان بين زوارق الصواريخ. في ذلك اليوم وصلت أول سفينة من سفن الجسر البحري السوفيتي إلى «اللاذقية» السوري، حاملة الذخيرة وقطع الغيار ، وكانت قد غادرت ميناء «أوديسا لادن» في السابع من أكتوبر. وفي إحدى الوقائع قامت قوة إسرائيلية من زوارق «سعر» بمهاجمة المنشآت في «طرطوس»، وعليه خرجت زوارق الصواريخ السورية من الميناء، لمهاجمة الإسرائيليين. وبعد أن أطلقوا عددًا من الصواريخ، انسحبوا سريعا وعادوا إلى الميناء محتمين في المدفعية الساحلية. يدعي الإسرائيليون أنهم قد ردوا وأغرقوا زورقين سوريين.

في ذات الليلة، التحمت مجموعة قوامها ستة زوارق «سعر» مع مجموعة مصرية خارج دمياط، يدعي الإسرائيليون أنهم أغرقوا ثلاثة زوارق مصرية في تبادل لإطلاق النار، بينما ينكر المصريون ذلك.

في الليلة التالية ليلة الحادي عشر- حدث اشتباكان آخران بزوارق الصواريخ، فبينما كانت قوة إسرائيلية في طريقها إلى ميناء اللاذقية، ظهرت على الفور زوارق الصواريخ السورية، أطلقت صواريخها ثم انسحبت ثانية إلى الميناء حيث اختبأت بين مجموعة من حاملات البضائع من جنسيات عدة، استمر الإسرائيليون في إطلاق النار، فأصابوا ثلاث سفن تجارية: إحداها كانت سفينة يونانية، غرقت وقتل اثنان من طاقمها بينما جرح سبعة آخرون. والثانية كانت سفينة سوفيتية، أما الثالثة فحاملة بضائع يابانية، غرقت بعد اشتعال النار فيها. كتب جلاسمان: «حدثت ضربات صاروخية إسرائيلية غير دقيقة». يدعي الإسرائيليون تدمير أربعة زوارق سورية في هذا الاشتباك، بينما يرد السوريون بادعائهم إغراق ثماني قطع إسرائيلية.

الاشتباك الثاني وقع في نفس الليلة قبالة «طرطوس»، وفيه استخدمت البحرية السورية تكتيكات مشابهة: ما إن يرى السوريون الزوارق الإسرائيلية، حتى يطلقون صواريخهم عليها، ثم يهرعون إلى داخل الميناء. في تلك الليلة أطلق الإسرائيليون النار على المنشآت الساحلية السورية، تاركين النار مشتعلة في صهاريج الوقود السورية في «بانياس».

من اليوم الثامن وصاعدًا، أصبح للبحرية الإسرائيلية حرية التجول في السواحل السورية، أصبح لديهم قدرة الاقتراب وضرب البطاريات الساحلية، ومراكز الرادار،  والمنشآت النفطية وغيرها في اللاذقية وطرطوس وبانياس وغيرها مستخدمين مدافعهم عيار 67 مم، فعلى سبيل المثال، قاموا  بقصف جسر الأبراش الرئيس شمالي طرطوس، محدثين ضررا وزعرا. و قد قدّر السوريون أنّ هذا القصف ربما يكون تمهيدًا لإغارة برمائية إسرائيلي على الساحل، فقاموا بتحريك لواءين من جبهة الجولان نزولا إلى السهل الساحلي، لصد الهجوم.

بعد الثاني عشر، لم يعد هنالك مزيد من الاشتباكات بلنشات الصواريخ، ولكن في ذلك اليوم أغرقت ناقلة البضائع السوفيتية «إيليا ميشنيكوف» بصاروخ «جابريل» بالقرب من طرطوس. أسرع الإسرائيليون بادعاء أنّ ذلك لم يكن مقصودًا، لكنهم أصبحوا حذرين للغاية بعد تلك الواقعة، وأطلقوا قذائف قليلة. وعلى كل حال، كان الإسرائيليون قد أطلقوا كمية معقولة من الصواريخ، وبات لديهم نقص في أعدادها. كذلك تجولت زوارق الصورايخ الإسرائيلية على ساحل البحر المتوسط، ولكن بدرجة أقل، رغم أن زوارق الصواريخ المصرية لم تخرج لملاقاتها ثانية.

 لقد استحالت الحرب في البحر الآن إلى ما يمكن اعتباره هجمات محدودة غير واضحة المعالم. بعضها تم تضخيمه، أو تجاهله من قبل طرف أو الآخر. لقد حصلتُ على روايات متضاربة، في هذه المنطقة التي لا تزال غامضة، وهي روايات لا يمكن بعد الخوض فيها عميقا، أو تمحيصها.

ربما لن تظهر التفاصيل الصحيحة أبدًا. والتلميحات العريضة إما أن تمحى وتنسى، أو أن تُضّخم وتُحرّف لتستحيل إلى أسطورة، من قبل أي من الخصوم.

يدعي كل من الإسرائيليين، والمصريين، وبالطبع السوريين، أنهم شنوا عمليات بحرية يوميا. وشملت هذه العمليات: قصف الأهداف البرية، وغارات للقوات الخاصة، وعمليات للضفادع البشرية في الموانئ المعادية. فالإسرائيليون -على سبيل المثال- يقولون أنهم قصفوا دمياط في الرابع عشر من أكتوبر. وفي الخامس عشر، قامت قواتهم الخاصة بالإغارة على «رأس غارب» على خليج السويس، ودمرت ثمانية عشر قاربا مطاطيا هجوميا. يقولون أيضا أنهم قصفوا بورتوفيق، وبور إبراهيم عدة مرات.

في السادس عشر من أكتوبر، شن الإسرائيليون غارة كبيرة، بواسطة الضفادع البشرية، على ميناء بورسعيد. وقد انتهت تلك الإغارة نهاية كارثية؛ فقدَ الإسرائيليون تسعة عشر رجلا على الأقل. فيما بعد أرسلت شقيقة أحد المفقودين، تطلب أي معلومات فيما يتعلق باختفاء أخيها، وقد ردت عليها السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس المصري- ببرقية مواساة، في الرابع عشر من فبراير 1974.

في السابع عشر، دفع الإسرائيليون بسفينة إنزال إلى خليج السويس، لمعرفة إن أمكن إرسال سفن إسرائيلية بأمان، خلال الخليج، للحصول على النفط  من الآبار الواقعة على الجانب الشرقي من الخليج، لكن المصريين أغرقوها. كانت هناك أيضا محاولتان تجريبيتان شبيهتان بواسطة قطع صغيرة لمحاولة التسلل عبر الخليج، لكنهما باءتا بالفشل أيضا، لكنّ الإسرائيليين لا يذكرون أيًّا من هذه المحاولات. رأيت فيما بعد نسخة مترجمة لمقتطفات من استجواب أحد البحارة الإسرائيليين، وقد التقطه المصريون، بعد إغراق سفينته في الخليج. لو صحت هذه التقارير فإنها تؤكد الخسائر الإسرائيلية، وتؤكد أيضا السبب الحقيقي وراء تلك المحاولات المحفوفة بالمخاطر.

في اليوم السادس عشر من أكتوبر، وصلت ثلاث حاملات سوفيتية إلى اللاذقية، بعد ساعات فقط من قصف الإسرائيليين للميناء. بحلول ذلك التاريخ كان السوريون يعانون من نقص في الذخيرة، والصواريخ المضادة للدبابات، وكان طابور من الشاحنات السورية يصطف على جانب الميناء منتظرًا أن يحمل تلك المؤن إلى الجبهة. ولكن السفن السوفيتية لم تكن لتفرغ حمولتها إلا بأوامر من السفير السوفيتي في دمشق. ولأن سفينة سوفيتية قد تضررت من جراء غارة جوية إسرائيلية، وواحدة أخرى قد أغرقت، صدرت أوامر للسفن السوفيتية بالعودة للبحر ثانية، من دون إفراغ حمولتها، وعليه لم يحصل السوريون على حاجاتهم الضرورية من الذخائر. وقد عانت العلاقات السورية-السوفيتية على أثر ذلك مزيدًا من التدهور.

يدعي الإسرائيليون أن سفنهم في منطقة بورسعيد، وخليج السويس قد أصابت أهدافا مصرية في ليلة الثامن عشر. في ذات الليلة تسببت الضفادع البشرية الإسرائيلية في انفجار تحت الماء، قبالة بيروت، وفد نتج عنه تضرر كابلين بحريين، أحدهما كان يتجه إلى الأسكندرية، والآخر إلى مارسيليا.

وقد نتج عن ذلك تعطل الاتصالات التلكسية والتيليفونية بين دمشق والغرب. كانت هذه ضربة للعرب، لأن حكومتي مصر وسوريا قد  فضّلتا استخدام هذه الطريقة في التواصل، عن استخدام الراديو الذي كان مراقبا من قبل السوفييت والأمريكيين والمخابرات الإسرائيلية. تواصلت مصر وسوريا بعد ذلك عن طريق محطة راديو «عجلون» في الأردن. لم يتم إصلاح ذينك الكابلين، قبل السابع والعشرين من أكتوبر، لتعود بعدها الإتصالات مع الغرب. 

في اليوم العشرين، زعمت البحرية الإسرائيلية أنها عاودت قصف المنشآت العسكرية قريبا من دمياط، وأنها لليلة الثانية على التوالي أشعلت النيران بضربات صاروخية على المستودعات المصرية بالقرب من رشيد.

في الأسبوع الأخير من الحرب، كان هناك ثلاث أو أربع إغارات بالضفادع البشرية المصرية، على ميناء « إيلات». سببت هذه الغارات ضررا قليلا، لكنها بثت شيئا من الذعر.  لم تصدر أي تفاصيل واضحة من الجانب المصري، بينما تملص الإسرائيليون من هذا الموضوع، ناكرين أن يكون أي من هذا الإغارات قد حدث. يقول المصريون أنهم في الحادي والعشرين- قد أطلقوا عددا من الصواريخ والقذائف من القواعد الساحلية على قطع إسرائيلية، ولم يدّعوا حدوث أي إصابات.

في فجر الثاني والعشرين اليوم الذي حدث فيه وقف إطلاق النار الأول- شن الإسرائيليون هجوما برمائيا على ميناء الغردقة على البحر الأحمر. كان غرضهم من ذلك تدمير ما اعتقدوا أنه آخر زورق صواريخ مصري فئة «كومار» لا زال يعمل في هذه المنقطة. قامت مجموعة من القوات الخاصة تستقل قاربين (لم يؤكد الإسرائيليون أنهما كانا فئة «سعر»، بالرغم من أن المصريون يصرون على ذلك) قامت بالمناورة من دون أن يتم اكتشافها ودخلت إلى مكلأ بين الصخور، ولاحظت الزورق المصري في المرسى بالقرب من اللسان.

أطلق الإسرائيليون على الزورق قذائف مضادة للدبابات من مسافة خمسين مترا. لم يصيبوه، ولكن ذلك حذّر المصريين، الذين فتحوا النار على الزورقين الإسرائيليين من البر، متسببين في جنوح أحدهما على الصخر بجوار الزورق المصري.

في عضون ذلك، أصابت قذيفة مضادة للدبابات، الزورق المصري، فانفجر. تم رفع الزورق الإسرائيلي، وعاد الزورقان إلى قاعدتهما بالقرب من شرم الشيخ.

بعد قرار وقف إطلاق النار الأول، خفت حدة الأعمال العدائية في البحر، ولكن كلّا من الأسطولين البحريين المصري والإسرائيلي بقيا على أهبة الاستعداد. وفي الخامس والعشرين، أغرقت حاملة بضائع يونانية، قبالة الإسكندرية. أدى ذلك إلى مصرع أربعة عشر  من طاقمها المكون من ثمانية عشر فردًا. كانت السفينة اليونانية زتة الثلاثة آلاف طن متوجهة من الإسكندرية إلى بنغازي، رافعة العلم القبرصي. وبعتقد أنها أغرقت بطوربيد من قطعة غير معروفة. وقد أنكر الإسرائيليون مسئوليتهم عن هذا الحادث.

في السادس والعشرين، خرجت حاملة النفط الليبيرية «سيرس»Sirusزنة الخمسة وأربعين ألف طن المؤجرة لإسرائيل، من «إيلات» لجلب النفط من «أبي رديس» وعندما اقتربت من وجهتها، اصطدمت بلغم بحري، وغاصت.

تبدو هذه هي الوقائع البحرية الرئيسة في حرب أكتوبر، والتي حظيت بدرجة من التأكيد. خلال المقابلات الشخصية والمناقشات، لمح الطرفان لي بأن بعض الأعمال تمت بواسطة الكوماندوز والقطع البحرية الصغيرة، مضيفان أنه تعذر الإفصاح عن هذه الأعمال بصورة كبيرة، «لاعتبارات أمنية»، أو لكونها «سرية». ونظرًا لعدم توفر اثباتات كافية على حدوث أي من هذه الأعمال، فلا يمكنني أن آخذها على محمل الجد.

على الصعيد الاستراتيجي، أخبرني اللواء ذكري، أن الغواصات المصرية قد دخلت حيز المعارك في ثلاث مرات: في السابع، والحادي عشر، والثاني والعشرين. لكنه لم يعرف إذا كانت غواصاته قد أصابت، أو  أتلفت، أو أغرقت أي قطع  إسرائيلية، «وأنه لم يكن من المستطاع معرفة ذلك». وأضاف: «أن ضربات صاروخية قليلة، وبعض العمليات بواسطة الهيليكوبتر، تمت بالاشتراك مع البحرية، طبقا للخطة التقليدية، والتي تم فيها تنسيق الهدف الاستراتيجي والسياسي للمرة الأولى».

على الصعيد البحري، وكما القوات البرية والجوية، تتضارب الادعاءات، ويصير التوفيق بينها دربا من المستحيل. كثير من الادعاءات التي صدرت من الجانبين، تم تعديلها أو تقديمها في صورة مختلفة.

يدعي الإسرائيليون أنهم دمروا للعرب أربعة عشر زورق صورايخ في القتال، وغيرها أثناء رسوها.  يقرّ المصريون خسارتهم لزورق وحيد، غرق في ليلة السادس، وأن زورقين آخرين أصيبا، وتضررا لكنهما لم يغرقا. ويصر الإسرائيليون أن واحدًا من زوارق «سعر» قد أصيب، وتضرر قليلا من جراء الشظايا، وأن أيا من زوارقهم لم يغرق أو يُفقد بأي طريقة أخرى.

وعلى الرغم من ذلك، فقد قدّرت وزارة الدفاع الأمريكية، أنه قد أغرق للبحرية الإسرائيلية زورقين أو ربما ثلاثة فئة «سعر» على الأقل، وأن واحدا أو اثنين آخرين قد تضررا. وتقول التقديرات السوفيتية أن الإسرائيليين قد فقدوا خمس قطع من كل الأنواع.

بالإضافة إلى ذلك يدعي الإسرائيليون، أنه في البحر الأحمر، وخليج السويس، وعلى طول سواحل البحر المتوسط، قد فقد المصريون والسوريون عددا من القطع الأخرى، بما في ذلك كاسحات الألغام، وزوارق الطوربيد، وغيرها من القطع البحرية المساعدة التي تتراوح بين القاطرات المسلحة، وحاملات الذخائر. لا توجد معلومات دقيقة عن التواريخ ، والأماكن، أو الأنواع، باستثناء الإدعاء الإسرائيلي، بفقد المصريين لثلاثة زوارق طراز «أوسا» في ليلة الثالث عشر.

في تحليل لمجموعة الاشتباكات بزوارق الصواريخ، ظهر أن الإسرائيليون هم الرابح المطلق في هذه الاشتباكات. يتفاخر الإسرائيليون بأن أيا من صواريخ «ستيكس» المصرية أو السورية لم يصب هدفا إسرائيليا واحدا، على الرغم من أن مدى «ستيكيس» كان ضعف مدى صاروخ «جابريل».

يقول الإسرائيليون أن نجاحهم في اشتباكات الصواريخ البحرية تلك الأولى من نوعها في التاريخ البحري، والتي بالطبع سيتم دراستها بواسطة القادة والمعلمين في الكليات البحرية حول العالم- يقولون أن نجاحهم في تلك الاشتباكات، كان بسبب مهارة رجالهم في ركوب البحر، والصواريخ الأفضل، والزوارق الأفضل والأكثر مناورة، وأيضا الطواقم الأكثر كفاءة، والأفضل تدريبا. يدعون أنهم تفوقوا على العرب فاقدي الحيلة، في هذا النوع الجديد من القتال البحري.

بفعلهم هذا، فإنهم يصنعون أسطورة عن تفوق بحري، وهو تفوق لا يملكونه بالضرورة. وهذا الوضع يذكرنا بالثقة العمياء العارمة، التي شاعت في القوات البرية والجوية بعد حرب 67.

يقول الإسرائيليون أن نشاطاتهم في حرب أكتوبر، باستخدام زوارق الصواريخ الصغيرة، قد هدمت التصور السابق لأوانه بأن أيام سفن السطح -ولا سيما الكبيرة منها مثل المدمرات- قد باتت معدودة. وأنهم أثبتوا أن حتى الدول الصغيرة يكمنها أن تتحمل أن يكون لديها أسطول من زوارق الصواريخ الفعالة على صغرها- وأنها قادرة على مجابهة سفن تفوقها حجما بمرات عديدة.

ناظرين بعين متحمسة إلى السوق التصديرية، يدعي الإسرائيليون أن سرعة وانسيابية زوارقهم فئة «ريشيف» و«سعر»، جعلاها صائدة غواصات ممتازة، أيضا حارسة للقطع البحرية الأخرى، وجعلاها منصات أسلحة عائمة، لدعم العمليات المشتركة. وبالرغم من ذلك، يتمتم المصريون متهمين الإسرائيليين بمدح زوارقهم، وعلى وجه الخصوص فئة «ريشيف»، بأكثر من قدراتها الحقيقية، ليس فقط لإعطاء انطباع عن تفوقهم على البحريات العربية، وإنما أيضا ليتمكنوا من بيعها لبحريات أخرى.

إن الحقيقة التي لا يتقبلها الإسرائيليون، أنه تماما كما فوجئوا هم يوم السادس من أكتوبر، بوسائل التشويش الإلكتروني المتدنية على طائراتهم، كذلك الحال أيضا بالنسبة للمصريين والسوريين الذين فوجئوا بتدني وسائل التشويش الإلكتروني على زوارقهم. كانت هذه الميزة الإلكترونية هي السبب الأول والأخير لئلا يصاب أي من القطع الإسرائيلية بصاروخ «ستيكس» واحد. وهذا ما يعلل إنطلاق الزوارق الإسرائيلية في سلام حتى تصبح على بعد عشرين كيلومترا من زوارق العرب، حتى تصبح في نطاق عمل صاروخهم «جابريل»، ويعلل أيضا عدد الإصابات الكبيرة التي حققها الإسرائيليون، مقابل عدم تحقيق العرب أي  إصابات باستخدام الصواريخ.

كانت الزوارق السوفيتية «كومار» و«أوسا» عاجزة، في مواجهة الزوارق الإسرائيلية ذات وسائل التشويش الإلكتروني المتقدمة والمتفوقة.

لم يكن هناك فارق فيما يتعلق بالكفاءة أو المهارة، أما فيما يتعلق بالمناورة، فقد كانت الزوارق السوفيتية على ذات القدر من المناورة كنظيرتها الإسرائيلية، بل كانت أسرع منها في الماء.

كان صاروخ «جابريل» مزودا بوسائل تشويش إلكتروني، قادرة على التشويش على صاروخ «ستيكس» في مساره الباليستي، كان مزودا أيضا بجهاز توجيه آلي، قادر على العمل في البحار المضطربة، والطقس السيء، دون أن تتأثر دقته أو كفاءته التقنية. في المقابل كانت  وسائل التشويش السوفيتية متدنية، لأن الظروف الجوية غير الملائمة، كانت تؤثر على أدائها. خلاصة القول، لم تستطع وسائل التشويش الإلكتروني السوفيتية مواجهة صواريخ «جابريل» الإسرائيلية، وإنما تمكن «جابريل» من تضليل «ستيكس»، وهي الحقيقة التي بثت الرضا في نفوس مصممي ومخططي الناتو وأمريكا، وبثت الضيق في نفس الروس.

كان كلا الصاروخين قاتلين، وفعالين على طريقتهما الخاصة، ولكن فجوة واضحة فيما يتعلق بالتشويش الإلكتروني كانت في جانب العرب، الذي هو جانب السوفييت. وترك الإسرائيليون العالم المراقب يخرج باستنباطات خاطئة. ربما يظل قول اللورد نلسون صالحا، ولكن يبدو أنه تم تعديله حسب فاعلية قدرات التشويش الإلكتروني المعادية.

أشار اللواء تيليم إلى فكرة مهمة، وهي أنه «لا ينبغي للسفن تحت أي ظروف، أن تصبح كبيرة أو باهظة التجهيز إلى الحد الذي يصير معه الدفاع عنها أولوية في حد ذاته، لأن هذا ولا بد سيؤثر سلبا على قدراتها الهجومية»، وهي فكرة ينبغي على مصمي الطائرات والدبابات أن يأخذونها بعين الاعتبار.

يدعي المصريون أن الحصار الذي ضربه سرب البحر الأحمر كان كاملا، وأنه من مساء السادس وحتى الثامن والعشرين من أكتوبر، لم تدخل أي سفينة متوجهة إلى «إيلات» البحر الأحمر، وأيضا لم تغادر أي سيفنة في ذلك الميناء المنطقة.

أوقف المصريون ما يزيد على المئتي سفينة عند باب المندب، فقط أربع قد سمح لهن بالمرور إلى الموانئ في السودان، أو اليمن. وقد قالت جريدة «جيروزاليم بوست» في عددها الصادر بتاريخ الثاني من نوفمبر 1973: «منذ اندلاع الحرب، وما تبع ذلك من إغلاق لباب المندب في مدخل البحر الأحمر، لم تدخل أي سفينة ميناء «إيلات». سفينة واحدة فقط قد أبحرت هي حاملة البضائع اليابانية «كو مارو»، والتي تم التبيلغ عن أنها قد سمح لها بالمرور من الحصار، بينما لا تزال ثلاث عشرة سفينة أخرى هناك». ربما مرت سفينة واحدة.

نُفذ الحصار أساسا بقوة ثلاثة مدمرات مصرية متخذة من ميناء «عدن» قاعدة لها، ومدعومة بسفن أصغر حجما. وقد ساعدت هذه القوةَ سفينةُ إنزال تابعة للبحرية اليمنية الصغيرة. واضطرت السفن الثلاث عشرة التي كانت في ميناء «العقبة»الأردني، لأنْ تبقى هناك طول فترة الحرب.

 لم يكن الحصار العربي في البحر المتوسط محكما بصورة كبيرة، وأقر المصريون أنّ سبع عشرة سفينة وصلت ميناء «حيفا» خلال الحرب. وأشاروا أن ذلك لابد أن يقارن بمئة وثمانٍ وتسعين (198) سفينة وصلت لذلك الميناء في نفس الفترة من العام السابق. بينما يختلف الإسرائيليون مع هذا الرقم، مصرّين على أن ما يربو على الثمانين حاملة بضائع وركاب قد وصلت لموانيهم خلال الحرب، لكنهم رفضوا الإدلاء بأي تفاصيل. أخبرني اللواء ذكري مجددًا: «كنا نستخدم الحق الدولي في زيارة وتفتيش السفن التجارية، لنرى ما إن كانت تحمل أي لوازم تخدم المجهود الحربي الإسرائيلي»، وأردف: «كان تدفق السفن التجارية من وإلى الإسكندرية طبيعيا للغاية، ولأن أسطولنا التجاري كان صغيرا، فإن معظم هذه السفن كان سفنا أجنبية. وهذا أظهر الثقة الدولية فينا، فلا دولة ستغامر بسفنها لو لم تكن على ثقة بأنها آمنة. بينما لم يكن الوضع كذلك مع إسرائيل».

وفي واقعة مثيرة فيما يتعلق بالحصار، ينبغي ذكرها لأنها كادت أن تسبب في تداعيات دولية، وقد باتت تعرف «بقضية لا صال»، وقد بدأت في الأيام الأولى من الحرب، حينما أرسلت سفينة البضائع الأمريكية «لا صال»La Salle المتوجهة جنوبا في البحر الأحمر- أرسلت إشارة تفيد بأنها تعرضت لإطلاق نار من مدمرة مصرية عند باب المندب، وأن طلقة قد استقرت في مقدمة السفينة، وأنها اضطرت للعودة إلى ميناء «ماساوا» الإثيوبي. في الوقت ذاته كانت المدمرة الأمريكية «تشارلز آدمز»USS Charles Adams  موجودة في ميناء جيبوتي الفرنسي ، في البحر الأحمر، ولكن السلطات الفرنسية قد حالت بينها وبين الخروج من الميناء لتقديم الدعم للسفينة الأمريكية. لقد سبب التعامل الأمريكي المفتقر للذوق مع حلفائها في حلف «الناتو» في هذه الأزمة احتكاكا، وقد أثار ذلك حفيظة ميشيل جوبيرت وزير الخارجية الفرنسي، مما دعاه للقول بأن «القوى العظمى تهين الدول الأوروبية».

بعد هذه الواقعة تحركت قوة أمريكية مكونة من حاملة الطائرات «هانكوك»USS Hancock ترافقها خمس مدمرات، إلى المحيط الهندي، لإبقاء ناظرها على الشرق الأوسط من ذلك الاتجاه.

يرفض الإسرائيليون بشدة مناقشة مشكلة النفط التي واجهتهم في حرب أكتوبر، وبغير شك فقد أرقتهم تلك  المشكلة أبعد مما يمكنهم يوما الاعتراف به. لقد منع الحصار البحري المصري أي نفط من الدخول إلى إسرائيل، ومن المعروف أن خط النفط الممتد من «إيلات» إلى «أسدود» والبالغ قطره اثنتين وأربعين بوصة، كان فارغا من النفط عند نهاية الحرب.

ليس من المعروف حجم النفط الذي تبقى في صهاريج ومستودعات التخزين الإسرائيلية، لكن لا يمكن أن يكون كثيرًا. وعلى ضوء ذلك، يمكننا أن نستنبط عدد الأيام بل الساعات الإضافية التي كان بمقدور الإسرائيليين مواصلة القتال فيها، ولا سيما إذا اندلع الهجوم العراقي السوري الأردني المشترك، بقوة خمس فرق والذي كان مقدرا له أن يبدأ يوم الثالث والعشرين من أكتوبر، ولو أن المقاومة المصرية على أرض المعركة قد اشتدت.

الحاجة الإسرائيلية الملحة للنفط، ظهرت جليّة في الجهود الجزعة التي قامت بها رئيسة الوزراء جولدا مائير خلال المفاوضات التي سبقت وتلت وقف إطلاق النار، وإصرارها على شرطها الأول قبل أن يوافق الإسرائيليون على شيء. وكان هذا الشرط -الذي توجب ألا يتسرب إلى الصحافة-  هو أن يرفع المصريون حصارهم البحري على واردات النفط عند باب المندب. كذلك قام الإسرائيليون بمحاولات يائسة لإدخال شاحنات النفط إلى «إيلات»، ولجلب النفط من حقول سيناء.

وحينما تم تطويق الجيش الثالث المصري، وكانت هناك حاجة للأدوية والمؤن الحيوية الأخرى، كان الشرط الإسرائيلي الأساسي هو أن يُرفع الحصار البحري المصري في البحر الأحمر أولا. كذلك حاول الإسرائيليون إقناع الأمريكيين بأن يرسلوا إليهم ناقلات النفط تحت العلم الأمريكي، ولكن الحكومة الأمريكية لم تكن جاهزة لأن تذهب هذا المذهب؛ جزء من ذلك يعزى إلى خشية الأمريكيين من التصعيد السوفييتي، والجزء الآخر: أن رد العرب في هذه الحالة سيكون قطعا فوريا وتاما للنفط عن الغرب كله. لم يكن هناك إجراء عملي لنقل نفط كاف جوًا. أما العرب فلم تكن لديهم أي مشكلة فيما يتعلق بأمر النفط؛ فحتى سوريا كانت تزود بالنفط من الكويت عبر الأراضي العراقية الصديق المؤقت-. كذلك أرسلت ليبيا النفط إلى مصر، لكنها حاسبتها عليه بتعريفته التجارية الكاملة.

مدركة القوة التي تملكها بين أيديها، بدأت الدول العربية المنتجة للنفط، باستخدامه لخدمة المجهود الحربي ضد إسرائيل، ونتيجة لهذا ظهرت أزمة بترولية دولية، وتفاقمت إلى حد خطير بعد نهاية حرب أكتوبر. على سبيل المثال، لم يكن الأمريكيون والهولنديون محبوبين لدى العرب، بينما كانت دول أخرى مثل بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا تقع ضمن الفئة «الأكثر تفضيلا» بالنسبة للملكة العربية السعودية وأبو ظبي على الأقل، وقد ضمن ذلك أن تظل واردات النفط لتلك الدول في حدود مستوياتها الطبيعية. وأوضحت السعودية أن أي دولة تقوم بإعادة تمرير النفط الخام أو أي من منتجاته إلى أي من الدول المحظورة، ستعاقب. بينما لم يُلق بالٌ إلى مناشدات هولندا للحصول على النفط.

واتفق وزاء البترول العرب، في لقائهم في الكويت في الرابع من نوفمبر، على تضييق الخناق وتعزيز الإجراءات المتخذة بالفعل. واعتزموا زيادة  الخفض في حصة الإنتاج (وليس التوزيع)  من خمسة وعشرين بالمئة  إلى ثلاثين بالمئة لتطبيقها في ديسمبر. ووعدوا أن إمدادات النفط ستظل طبيعية إلى دول بعينها.

حظر الهولنديون استخدام الآلات التي تستعمل المحروقات  في أيام الأحد، وأخذ الألمان إجراءات مشابهة في اعتباراتهم. وأعد البريطانيون برنامجا لترشيد وتحديد استخدام الوقود.

ولأن  منتجي النفط العرب استمروا في اتحادهم، ولأنهم قد رفعوا بالفعل أسعار النفط بحوالي سبعين بالمئة، أوضحت التكهنات أنه بحلول فبراير 74 سيبدأ الدخل العربي من النفط يقل عما كان عليه قبل القطع في أكتوبر 73.  

وأبلغ الملكُ فيصل ملك السعودية وزيرَ الخارجية الأمريكي هنري كسينجر أنه يفضل وقف إنتاج البترول نهائيا، على أن يتخلى عن طموحه في الصلاة في المسجد الأقصى في مدينة القدس. وأوضح له أن ببلاده من احتياطات النقد ما يمكنها من العيش لمدة ثلاث سنوات من دون الدخل البترولي.

لقد استلت حرب أكتوبر سيف النفط العربي. تأمل العرب سيفهم، جربوه، وعرفوا أنه سيف باتر.

* انتهى *

Ahmad M. Elkhouly   - 2015-  Facebook: PureHeart21

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech