Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

أسرار الطلعة الإسرائيلية الأولى يوم السادس من أكتوبر 1973

 

 انفراد خاص للمجموعة 73 مؤرخين ولا يجوز اعاده نشره او الاقتباس منه بدون الاشاره للكاتب وللموقع

وللمجموعه 73 مؤرخين كمصدر للمقال ....

بقلم: توحيد مجدي

 

الحقائق أسرار ووثائق إذا كُشِفت بَطُل الجدال وفُرض علينا الاعتدال

 

رُبما هي مرة استثنائية بدأت فيها صفحة يوميات حرب رسمية (سرية للغاية) مع مُقدمة كلمات شبه أدبية لا تمت لأصول كتابة السِجلات العسكرية بصلةٍ نُقلت من نص خطاب ألقاه قائد القوات الجوية الإسرائيلية علي قواته في داخل القاعدة المركزية وسط إسرائيل خلال ساعات الصباح المُبكرة التي سبقت اندلاع المعارك الحقيقية ظهر اليوم التاريخي المشهود السبت الموافق 6 أكتوبر عام 1973.

 

ذلك الأسلوب الغير اعتيادي في التوثيق العسكري الجاد لفت انتباهي بشدة وعندما توقفت أمام تلك اليومية اكتشفت سبقاً حصرياً توارى لمدة ثلاثة وأربعين عاماً كاملة بينما تناولت المصادر المُتعددة قصصاً لطلعات جوية إسرائيلية مُختلفة تماماً بل غير دقيقة بالمرة علي أساس أنها طلعات القوات الجوية الإسرائيلية (البكر) صباح السادس من أكتوبر المجيد.

 

ولنتابع معاً كيف بدأت أغرب يوميات الحرب في تاريخ دولة إسرائيل وكانت من نصيب القوات الجوية الإسرائيلية تحت قيادة (بيني بيليد) ثامن قائد لسلاح الجو الثابت شغله ذلك المنصب خلال الفترة من مايو عام 1973 حتى أكتوبر عام 1977 والمُسجلة وفاته في تاريخ 13 يوليو عام 2002 وهو بين شخصيات عسكرية معدودة نجت من الإقالة لعدم إثبات مسؤوليته عن الهزيمة الإسرائيلية في أكتوبر 1973.

حيث استهل الموثق العسكري - الجوي - الإسرائيلي تسجيل يومية الصفحة رقم 441 أول صفحات كتاب الحرب الخاص بالقوات الجوية الإسرائيلية التي وثقت ليوم الحرب وتحديداً بداية من الساعة الخامسة صباح السادس من أكتوبر عام 1973 بكلمات حديثة من خطاب ألقاه قائد السلاح (بيني بيليد) الذي تسلم في فراش منزله بتمام الخامسة صباحاً أول تحذير استخباراتي أكيد عن (حالة استعداد الطوارئ الزرقاء) Rotem Situation - الحالة روتم - لنشوب الحرب.

وهو خطاباً ألقاه (بيليد) أمام طياريه تحت جنح الظلام في الخامسة والنصف صباحاً بعدما تسلم نُسخته السرية للغاية من مُلخص التقرير رقم 429 الذي نسخته مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة (جهاز الموساد) 11 نُسخة فقط بدأت توزيعها علي قادة الأفرع العسكرية الإسرائيلية الرئيسية ووزراء الحكومة الإسرائيلية الأصليين في تمام الساعة الخامسة من صباح 6 أكتوبر 1973.

كتب فيها (بيليد) التالي مُرتجلاً من هول وقع صدمة ما حمله التقرير المُلخص (أن مصر ستشن الحرب علي إسرائيل بالتعاون مع سوريا عند المساء) حيث قال (بيني بيليد) أثناء خطابه الحزين القصير:

 

هُناك طريقتان للغناء

 

الأولى جميلة طبقاً لسُلم موسيقي كُتب مُسبقاً

والثانية نشاز عندما لا يوجد ذلك السُلم الموسيقي

وفي الحالة الأخيرة يتوجب علينا الغناء بلا سُلم

وذلك ما سنفعله (صباح اليوم) السبت 6 أكتوبر 1973

ومع أن كُل الأوتار قد تقطعت بالفعل لكننا سنُنشِد بارتجال

ولسوف نستمر في الغناء والانشاد لأننا مجبرين علي ذلك

اليوم مصير دولة الشعب الإسرائيلي بين أياديكم فليرحمكم الله وشعبه

 

ولدواعي التوثيق أعاد الشاعر الإسرائيلي (يائير روزنبلوم) كتابة الكلمات الأصلية ولحنها (عوديد فيلدمان) وغنتها الفرقة الموسيقية العسكرية التابعة للقوات الجوية الإسرائيلية بعد حرب أكتوبر 1973 ولنفس السبب ولغرابة اليومية رأيت أن أرويها لكم كقصة حقيقية بكامل تفاصيلها دون حذف أو إضافة فلبنات التاريخ لا تتجزأ.

 

والآن معاً إلي نص يومية كتاب حرب القوات الجوية الإسرائيلية عن أول الطلعات الجوية الإسرائيلية الرسمية صباح 6 أكتوبر 1973 التي أكشفها لأول مرة وأثق أنها ستُغير كثيراً مما رسخ من معلومات غير دقيقة أفسدت مصادرنا المصرية مع العربية عن طريق الخطأ الغير مقصود بالمرة بسبب عدم وجود مصادر جوية موثقة لما جرى علي الجبهة المركزية الإسرائيلية في ذلك اليوم التاريخي الأهم في حياة الشرق الأوسط.

 

والآن إلي تفاصيل ونص الأحداث مِثلما سُجلت بدقة بالغة أرويها بأسلوب قصصي كيلا يمل القارئ من أحداث عسكرية جامدة وستلاحظون أن هُناك أسماء لشخصيات رئيسية وردت بين السطور بالاسم الأول فقط وذلك ليس بسببي ولكن لأن أصحابها شاركوا في عمليات إسرائيلية مُتعددة بالغة السرية فحذفت اليومية اسم العائلة لحماية صاحب الاسم.

 

وكمِثال واضح جلي الطيار الشاب (مايك) ومن يُتابع سيجده أحد الطيارين اللذين اعترضا (الصاروخ المصري) الغريب والغامض أمام سواحل تل أبيب ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 وهي تفاصيل حصرية سبق وأن انفردت ببياناتها لأول مرة هُنا علي موقع المجموعة 73 مؤرخين

 

رابط موضوع الصواريخ التي تم اطلاقها علي تل أبيب

 

وإلي التفاصيل والأسرار:

 

أول طلعة جوية إسرائيلية في صباح 6 أكتوبر 1973

الزمان الساعة السادسة صباحاً 6 أكتوبر 1973

المكان القاعدة الجوية المركزية في وسط إسرائيل

حالة الرؤية نهار - درجة الحرارة 29 مئوية قابلة للارتفاع.

حالة الطيران المدني والعسكري داخل المجال الجوي الإسرائيلي متوقفة تماماً من اليوم السابق (الجمعة 5 أكتوبر 1973) بسبب حلول عيد الغُفران والمطارات مغلقة بالكامل وحركة الخدمات الأرضية مُعطلة ولا توجد أية طائرات أجنبية من أي نوع في الجو.

 

استدعى قائد سرب الاستطلاع الإسرائيلي المُتقدم (أفي لنير) مُنذ دقائق علي عجل الطيار (مايك) إلي مكتبه داخل القاعدة وأحاطه بأن مُهمة (الاستطلاع الجوي العسكري الوحيدة) المُقررة إلي تلك اللحظة - وقتها - في ذلك اليوم علي الجبهة المصرية أسندتها إليه بشكلٍ خاص لتفوقه البارز بعشرات المهام السابقة قيادة القوات الجوية الإسرائيلية.

 

وأن الهدف من الطلعة الاستطلاعية الاستثنائية الوحيدة التأكد من صحة معلومات مُلخص جهاز الموساد رقم 429 بناء علي معلومات مصدر أكيد - أشرف مروان - لذلك ستكون طلعة جوية استطلاعية سرية للغاية بالغة الهدوء علي ارتفاعات شاهقة.

جلس قائد السرب (أفي لنير) داخل مكتبه من الساعه الخامسة وأربعين دقيقة صباحاً بعدما حضر خطاب قائد القوات الجوية الاستثنائي بينما وصل الطيار (مايك) قبل السادسة بخمس دقائق وعندما جلس وقف (لنير) فحاول مايك النهوض لكن القائد طلب منه البقاء جالساً ثم جلس علي المقعد المُقابل له وتحدث معه كالأصدقاء وليس كقائد إلي أحد أهم طياريه في السرب.

 

حيث قال (أفي لنير):

 

-         عزيزي مايك فلتنسي كُل الطلعات السابقة لأن طلعة اليوم ليست كمِثل سابقاتها وصدقني رُبما سيكون فيها مُستقبل دولة إسرائيل كُله.

 

اعتدل الطيار مايك في جلسته وبدأت علامات التوتر تبرز علي وجهه وكان واضحاً أنه خرج من الفراش لتوه ثم طلب من قائده أن يوضح له المطلوب منه في هدوء ودقة وسأل بتعجب عن أوامر الطلعات الجوية العسكرية التي تحدث لأول مرة في يوم عيد الغُفران؟.

وتكشف وقائع يومية الحرب الخاصة بالسادس من أكتوبر في مفاجأة جديدة تؤكد عظمة الخطة المصرية في اختيار عيد الغُفران (يوم هاكيبوريم) دون غيره من أيام العام لشن معركة أكتوبر المجيدة لأن المُقاتلات الإسرائيلية اعتادت عدم الطيران في سماء إسرائيل حتى داخل المجال الجوي لشبه جزيرة سيناء ذلك اليوم تحديداً من كُل عام بسبب تحريم الشريعة اليهودية؟

وأعود إلي تفاصيل الحوار بين (مايك) وقائد السرب (أفي لنير) طبقاً لليومية الإسرائيلية والمكان داخل مكتب قائد سرب الاستطلاع حيث أجاب الأخير علي طياره الشاب بقوله:

 

-         حتى الآن لم تُخطط قيادة القوات الجوية لأية طلعات جوية ليوم عيد الغُفران لكن مُنذ أقل من خمسة عشر دقيقة فقط عدلت القيادة الأوامر لليوم 6 أكتوبر 1973 وأسندت إليك بالاسم تلك المُهمة الخاصة للغاية وصدقني رُبما ستكون أهم مُهمة بتاريخ حياتك فما ستحصل عليه من نتائج ومعلومات ستكون حُكماً عادلاً سيُدمر شخصيات عسكرية وحكومية وسيُخلد أُخرى وببساطة شديدة أنت الشخص الذي سُيبلغ إسرائيل والعالم (هل ستنشُب اليوم حرباً بيننا وبين مصر؟ أم أن ذلك من دروب الوهم مِثلما أصر بعضهم طيلة الوقت بينما رفضه آخرون؟).

-        

-         اسمعني جيداً هدفك هو الجبهة الأمامية المصرية مُهمتك شديدة الخطورة فرُبما دون رغبة وتخطيط مني أُرسلك الآن إلي حتفك لأنه إذا صدقت معلومات جهاز الموساد فأنك ستواجه الجيش المصري كُله في قمة استعداد أسلحته العسكرية بمفردك بدون أدنى مُعاونة من أي سلاح لنا علي الأرض أو بالسماء فكما تعلم اليوم عُطلة شاملة والكُل نائم.

 

-         اصطحب معك زميلك الطيار (يائير) والطلعة شبه حُرة ولا تسخر من الحديث فهي الحقيقة لا أخفيها عليك فلم يكُن هُناك خططاً مُحددة لأي طلعات جوية اليوم (فقط) خُذ الخرائط الحديثة وارسم لنفسك مع زميلك خط سير مُبسط وانتبه لا تتوغل فوق الأراضي المصرية أكثر من ثلاثة كيلو مترات ويُمكنك أن تفعلها دون التوغل أصلاً بارتفاع شاهق.

 

-         فقط كُن مُستعدا بكُل لحظة للهروب السريع إلي داخل حدودنا وعند شعورك بأي خطر علي الجانب الآخر فهُناك احتمالان لا ثالث لهما إما سيرصُدكما المصريون لكنهم سيتجاهلون وجودكما لعدم كشف نية الحرب المؤكدة أو أن قائداً غبياً منهم سيأمر بتدمير طائرتكما لاعتقاد شخصي منه بأنه القرار الأكثر حكمة لعدم كشف التحرُكات الأخيرة لهم .. المُهم عندما تنتهى وزميلك أبلغوني لأطلع علي خطتك.

كانت خيوط شمس بداية الشتاء بالسادس من أكتوبر 1973 تتصارع وتستقوى ببعضها في قُبة السماء والرؤية واضحة للغاية ويُمكن لأي عين أن تكشف دون مشقة طائراً هزيلاً علي ارتفاع اثنين كيلو متراً في جو دافئ وصافي بامتياز مع وجود غيوم مُفيدة علي ارتفاعات كبيرة (وهو المطلوب لنجاح المُهمة في هدوء).

 

خرج الطيار (مايك) ابن السادسة والعشرين إلي موقع زميله (يائير) الذي قابله في مُنتصف الطريق أمام مكتب قائد السرب وبنظرة واحدة علي صديقه أدرك أن الأمر مُختلفاً عن كافة الطلعات السابقة التي قاما بها معاً أثناء فترة الهُدنة التي استمرت بشكلٍ صوري لمُدة عامين وانتهت بعد ظهر ذلك اليوم المهيب وفي الخلفية أكدت مخاوفه شواهد عديدة أبرزها التدافُع العسكري علي القاعدة مع وصول عدد من أفراد الاحتياط الجوي الذي تعرف عليه (يائير) قبلها.

 

الغريب أن (مايك) وزميله (يائير) لو يكونا متدينان ولم يحرصا علي الصلوات ومع ذلك كانا صائمان في تلك اللحظة المصيرية ومِثلما سَجلت يومية القوات الجوية الإسرائيلية عن الحدث كان (مايك) الذي نشأ وترعرع في مدينة حيفا من أكثر الطيارين تفوقاً داخل دُفعته تولى قيادة (الميراج) بعد عام واحد من تخرُجه.

كان الأكثر تحقيقاً لساعات (طيران الاستطلاع) علي ارتفاعات شاهقة كما كان عضواً أساسياً في فريق الألعاب الجوية العسكرية بإسرائيل تخصص مُنذ أسابيع خدمته الأولى بمهام الاستطلاع والتصوير وقصف الأهداف من فوق ارتفاعات بالغة الصعوبة كانت منطقة العلميات الجنوبية تبدو منها وكأنها موقعاً مُتراصاً علي مائدة رمال ورُبما تعدد اقترابه من خالق السماء كان السبب وراء تمسُكه بشعيرة الصوم في 6 أكتوبر 1973.

 

اندفع الطيار الإسرائيلي الشاب (مايك) مع زميله (يائير) باتجاه المُقاتلة التي انتظرتهما علي مربض القاعدة المركزية وفي الطريق علم داخل غُرفة التلقين النهائي بأن المُهمة تنقسم إلي مرحلتين وليست مُهمة واحدة .

الأولى استطلاع جوي للجبهة المصرية والثانية للجبهة السورية فطلب العودة إلي غُرفة العمليات حيث دار حواراً جاداً بينه وبين قائد السرب (أفي لنير) الذي وفر قبلها أحدث الخرائط الاستخباراتية التي ستضمن السلامة والأمان لنجاح مُهمة الطيارين الأهم لديه.

 

في تلك اللحظة أخرج (مايك) من غضبه سيجارة ووضعها في فمه وأشعلها وقد نسى أنه كان صائماً لكن نظرات طاقم الخدمات الأرضية المريبة من حوله دفعته إلي الانتباه فألقى بالسيجارة من النافذة القريبة فسقطت علي رمال رصيف القاعدة ثم انطلق لموقع الطائرة واتخذ مكانه بالفعل بداخلها وانتظر أمر الإقلاع وهو علي وشك الانفجار من الغضب.

 

وقبل الإقلاع بلحظات تلقى اتصالاً لاسلكيا أبلغه خلاله (أفي لنير) قائد السرب بألا يهتم بالمهمة علي الجبهة السورية حيث كلفها لغيره وأن يقوم بالتركيز لتحقيق أهداف الطلعة الإسرائيلية علي الجبهة المصرية وقد أعاد عليه أن مصير إسرائيل يتوقف علي النتائج المتوقعة من طلعته الاستطلاعية التاريخية وفي تلك الأثناء وجهت قيادة السرب الطيار (مايك) وزميله (يائير) اللذان انتظرا (أمر الإقلاع الأخير) بفارغ صبر داخل طائرتهما ذات المقعدين لضرورة العودة مرة أخرى للأهمية إلي غُرفة الاجتماعات الرئيسية في القاعدة الجوية المركزية.

 

بلغ التوتر مبلغه من الطيار الشاب وزميله وأدركا معاً حجم التخبُط والارتجال الذي ساد وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي بكُل أسلحته واستمر من قبلها بيوم عندما رُفعت حالة الطوارئ الحربية إلي الدرجة القصوى بدون الإعلان عن احتمالات نشوب الحرب مع مصر.

 

وهي تلك الدرجة التي أكد عليها مُلخص تقرير الاستخبارات رقم 429 الذي تسلمته قيادة القوات الجوية الإسرائيلية فقط في تمام الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة من صباح السادس من أكتوبر 1973.

بُناء علي وقائع اليومية العسكرية الإسرائيلية السرية للغاية ساد الاضطراب والتخبُط أركان القاعدة الجوية المركزية وسط إسرائيل وزادت حركة تجمع الطيارون الذين استدعوا علي عجل دون ترتيب وجداول عمليات مُسبقة وتكدس الجميع داخل قاعة الاجتماعات التي لم تتسع يومها للجميع.

 

بينما ركضت خارج القاعة العناصر الفنية المُتخصصة من موقع لآخر لتجهيز المُقاتلات  الحديثة للإقلاع في أي لحظة ثم استمر الوضع علي هذا المنوال إلي الساعة العاشرة من صباح السبت الموافق 6 أكتوبر 1973.

عندما أصدرت القوات الجوية الإسرائيلية طبقاً للتوثيق الدقيق بكتاب يوميات الحرب أول أمر جوي للنقيب طيار (مايك) وزميله (يائير) للإقلاع مُباشرة في اتجاه الجبهة المصرية لمسحها من أقصى اليمين علي البحر الأبيض المتوسط وبمحاذاة ساحل المجرى الملاحي لقناة السويس حتى سواحل مدينة الغردقة ثم العودة إلي القاعدة المركزية الإسرائيلية مرة أُخرى مع الطيران علي ارتفاع ثابت قدره 60 ألف قدم ( 20 كيلو متر ) مع الالتزام بدقة ملابس الطيران المُناسبة لتحمل الضغط الجوي الشديد.

قبل الخروج إلي المُهمة تلكأ (مايك) قليلاً حتى أدركه المُقدم طيار (أفي لنير) قائد سرب الاستطلاع وعندما شعر بحالته سأله لنير في هدوء بأسلوب أبوي دافئ مِثلما سجل بعدها مُباشرة في يوميات القاعدة ومن ثم بعدها في يوميات كتاب الحرب الجوي وقال له بودٍ:  

-         هل صليت إلي الله حتى تنجح في المُهمة الأهم في حياتك أم اعتمدت علي صيامك فقط؟ فمازال أمامك وزميلك دقيقتين للصلاة وإذا رغبت في تكليفي باي شيء فأنا زميلك بل (رُبما صديقك) في واقع الأمر إذا رأيتني هكذا؟

فنظر (مايك) في تلك اللحظة إلي قائده وحاول التماسُك وقال له في هدوء:

-         أنا مُتفهم لما تقصُده والله ليس بهذه السهولة لكي أضحك عليه فأنا لست مُتدينا ولم أكُن كذلك في كُل حياتي فكيف في دقيقتين سأُصبح ناسكاً؟ لا تهتم بي الآن لكن في حالة المشاكل احرص علي ألا نبقى في مصر لوقت طويل وكان مايك يقصد إذا سقطا وزميله في الأسر المصري لأي سبب فني خارج الحسابات الجوية الدقيقة.

فأومأ (أفي لنير) قائد سرب الاستطلاع برأسه وابتسم ابتسامة كانت فاشلة مِثلما حكى لم ترقى لمستوى الأزمة المصيرية التي ضربت إسرائيل علي حين غِرة بعدها أقلع (مايك) وزميله بعدما ارتديا ملابس تحمل الضغط الجوي العالي إلي مستوى 60 ألف قدم حتى يتمكنا من استطلاع الجبهة المصرية إلي عُمق ثلاثة كيلو مترات.

مع الاستعداد طبقاً للتلقين الجوي الأخير للهرب من نيران الدفاعات الأرضية في حالة اكتشافهما علي الرادارات المصرية التي كانت في قمة نشاطها العسكري مُنذ صباح يوم الجمعة الموافق 5 أكتوبر 1973.

طبقاً لما دونه الطيار (مايك) عقب عودته إلي القاعدة بعدها بوقت ما وكتبه في تقريره الشخصي كقائد لمُهمة الاستطلاع (الأُم) الأولى في تمام الساعة العاشرة صباح السبت الموافق 6 أكتوبر 1973.

فقد أقلع بطائرته باتجاه مسار وسط شبه جزيرة سيناء التي طارا فوقها عشرات المرات ثم انحنيا إلي اليمين ناحية البحر الأبيض المتوسط حتى حصون (بودابست) المواجهة لحافة قناة السويس أمام مدينة بورسعيد المصرية ثم يساراً باتجاه كامل بمحاذاة ساحل الضفة الغربية المصرية باتجاه عُمق (خليج السويس) مروراً بالساحل الخاص بمدينة الإسماعيلية ثم مدينة السويس حتى مدينة الغردقة.

 

وفي الأثناء توقع (مايك) مع زميله النقيب (يائير) ألا يعودا وكانا يتنصتان علي أصوات رصد رادار طائرتهما بقوة وفي مُخيلتهما أن الرادار سيُصدر في ثوان أصوات صاروخ روسي أرض - جو مُقترب أو طنين دفاعات أرضية مصرية كثيفة تستهدفهما لكن هذا لم يحدُث أبداً إلي درجة أقلقتهما بشدة.

ففي الواقع لم يعتادا علي ذلك الهدوء التام من الجانب المصري لكن المُهمة انتهت أسرع مما توقعا فانحنيا إلي اليسار مرة أُخرى إلي وسط سيناء ومنها للقاعدة الجوية المركزية التي انطلقا منها قبل نصف ساعة تقريباً وكانت الساعة العاشرة و39 دقيقة عندما خفتت أصوات المُحركات تماماً وتوقفت طائرة الاستطلاع الجوي الإسرائيلية بشكلٍ كامل.

 

اعتاد (مايك) أن يجد في انتظاره لدى عودته نقيباً فني مُتخصصاً في تحميض الأفلام التي صورتها عدسات التصوير العالية الدقة المُثبتة في باطن طائرة الاستطلاع التي قادها لكن الأحداث علي أرض مطار القاعدة المركزية وسط إسرائيل كانت قد تغيرت بطريقة مُثيرة أرعبت رُتبته العسكرية الصُغرى كنقيب شاب.

حيث وجد في انتظاره وزميله مجموعة كبيرة لم يتعرف علي مُعظمها أقل رُتبة عسكرية بينهما كانت العقيد مع عدد من عُمداء الجيش وبعض اللواءات وكلهم بملابس سلاح الجو والاستخبارات والمُدرعات والمُهندسين وأنواط شرف قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان الإسرائيلية.

 

وما أن حُررت الأفلام من باطن الطائرة حتى جرى بها ذلك الحشد المهيب إلي المعمل لفحص نتائج العملية الاستطلاعية التي نفذها لتوه مع زميله (يائير) فوق جبهة الحرب المصرية والتي حافظ خلالها علي ارتفاع مستمر علي 60 ألف قدم فوق سطح الأرض.

 

بعدها بأقل من النصف ساعة وبالتحديد في تمام الساعة الحادية عشر صباحاً يوم السبت الموافق السادس من اكتوبر عام 1973 طبقاً للمعلومات الرسمية الموثقة بكتاب الحرب الخاص بالقوات الجوية الإسرائيلية كانت القيادة الإسرائيلية قد تأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحرب مِثلما حذر مُلخص تقرير الاستخبارات 429 ستندلع بالفعل في ساعة لاحقة من ذلك اليوم 6 أكتوبر 1973 وهو ما قد حدث بالفعل.

 

بعدها قرر قائد القوات الجوية (بيني بيليد) إطلاق يد قواته للتعامل الفوري مع ما يجرى علي جبهات المعارك في مصر وسوريا لكنه اكتشف عدم إمكانية الهجوم المُباغت بدون تلقين دقيق للمُقاتلات الإسرائيلية المُختلفة التي ستُشارك في عمليات الهجوم المُضاد علي الجيوش المصرية المُتراصة والمُستعدة للهجوم الكاسِح.

خاصة أن الوضع الاستراتيجي للدفاعات الأرضية المصرية قد تبدل علي الأرض في ليلة وضحاها بشكلٍ لافت ودخلت علي خط المُقاومة الأرضية أسلحة أُخرى لم تعتاد عليها كُل المُقاتلات الإسرائيلية وذلك طبقاً للأفلام التي التقطتها طائرة (مايك) وزميله (يائير).

 

ثم اتضح أن عملية التلقين ودراسة الأوضاع المُستجدة علي الجبهة المصرية التي كشفتها لقطات الاستطلاع حذرت بقوة من وجود 55 بطارية صواريخ دفاع جوي من طرازات روسية مُختلفة بينها , SA2 ,SA3 ,SA6 وأُخرى أكثر تطوراً وأشد خطورة ما عطل وشل اتخاذ قرار العمليات الإسرائيلية المُضادة حتى الساعة الثانية عشر ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973.

 

حيث بدأت معالِم الكارثة الجوية الإسرائيلية تتضح عندما منعت صواريخ الدفاع الجوي المصري تقدُم واقتراب المُقاتلات الإسرائيلية من المجرى الملاحي لقناة السويس وفقدت القوات الجوية الإسرائيلية بشكلٍ مُهين خلال دقائق قليلة من المحاولات الهجومية الأولى أفضل طائراتها وخيرة طياريها.

 

وهُنا طبقاً لليومية الرسمية الإسرائيلية كان لابد من تدخُل (القيادة الجوية الأمريكية) في مُحاولات يائسة لمنع الانهيار المُبكر لسلاح الجو الإسرائيلي تحت وقع الخُسارة الفادحة ولكن الوقت لم يكُن كافياً لأي رد عسكري ثم ارتفعت المخاطر قبل حلول المساء عندما تأكدت إسرائيل والعالم خلفها من حقيقة سقوط كُل حصون (خط بارليف) الدفاعية ما عدا حصن (بودابست) أمام مدينة بورسعيد في رُكن القناة علي البحر الأبيض المتوسط الذي أغلق جنوده الحصن علي أنفسهم وتم تحييدهم من المعارك بعدما تكبدوا خُسارات بشرية ولوجستية فادحة.

 

ثم باتت الأوضاع شبه مُستحيلة أمام القوات الجوية الإسرائيلية حيث اتضح أن المصريين قد نقلوا خلال عبورهم عدداً لا بأس به من الدفاعات الأرضية المُتحركة (روسية الصُنع) إلي الجانب الشرقي من القناة التي حررها الجيش المصري في أقل من أربع ساعات فقط طبقاً للمعلومات الإسرائيلية السرية للغاية بكتاب حرب القوات الجوية العبرية وليس مِثلما ذكرت ورددت وما تزال كافة المصادر المصرية والعربية أنها كانت ستة ساعات عظيمة رددت خلالها جحافل القوات المصرية العابرة المُنتصرة بلا توقف (الله أكبر تحيا مصر).

تمت اليومية

 

 

 

الوثائق 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech