Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كتاب حرب أكتوبر1973م

مقدمة

لكى نكون منصفين يجب ألا نتكلم عن الحرب من خلال أنفسنا ولكن اليوم أعرض لكم كتاب حرب اكتوبر( تأليف أبراهام رابينوفيتش )

حرب الاستنزاف نبعت من رفض القاهرة للهزيمة ، هكذا أقنع الاسرائيليون أنفسهم باستحالة نشوب حرب أخرى بعد 1967

هناك العديد من الكتب التي تناولت حرب السادس من اكتوبر 1973، والتي حاول مؤلفوها شرح ما حدث في غمار المعارك التي دارت خلال هذه المواجهة العسكرية بين العرب واسرائيل ، التي تعتبر من أهم المواجهات بين الجانبين خلال القرن العشرين وأدت الى تغيير الكثير من المفاهيم ، وفي مقدمتها المفهوم الذي روجت له تل أبيب عن القوة العسكرية الاسرائيلية التي لا تقهر.

ففي هذه الحرب إنهارت الأسطورة الإسرائيلية ، وتمكن المصريون من عبور قناة السويس وتحطيم دفاعات خط بارليف ورفع العلم المصري فوق سيناء .

ومن أبرز هذه الكتب الكتاب الذي نعرض له بالمناقشة والتحليل هنا من غير ان ننسى أنه يعبر عن وجهة النظر الاسرائيلية في الحرب وهو كتاب « حرب أكتوبر.. المواجهة التي غيرت الشرق الاوسط » لمؤلفه الكاتب الاسرائيلي ابراهام رابينوفيتش ، والذي كان محرراً عسكرياً خلال الحرب لصحيفة « جيروزاليم بوست » وقد تخرج من كلية بروكلين بنيويورك ثم التحق بالجيش الأميركي ثم عمل صحافياً في « نيوزدايالاميركية » قبل ان يلتحق بالعمل في « جيروزاليم بوست » بعد هجرته الى اسرائيل .

ويضم الكتاب الذي صدر مؤخراً عن دار شوكين بوكس الاميركية 38 فصلاً على امتداد 543 صفحة من القطع المتوسط.

ينطلق رابينوفيتش في رحلته للبحث عن اسباب هزيمة اسرائيل في حرب اكتوبر من النقطة التي اقنعت فيها اسرائيل نفسها باستحالة نشوب حرب جديدة بينها وبين العرب بعد حرب 1967 والنكسة التي مني بها العرب ,  والتي أدت الى ترهل القوات الاسرائيلية واسترخائها حتى على جبهات القتال على قناة السويس وهضبة الجولان ، وذلك في الوقت الذي خرج العرب من أجواء النكسة والانكسار ، وراحوا يعيدون بناء قواتهم المسلحة ، ويتدربون على أساليب القتال الحديثة ، استعداداً لمواجهة جديدة يستعيدون بها شرفهم العسكري.

يشير المؤلف الى انه في ظل هذا التقصير والإسترخاء فوجئت اسرائيل في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت السادس من اكتوبر 1973باندفاع الجيوش العربية عبر خط بارليف الذي زعم الاسرائيليون أنه خط دفاعي منيع ، يصعب على أي جيش في العالم اختراقه ،

وعبر الدفاعات الاسرائيلية على جبهة الجولان ، حتى ان السلاح الجوي الاسرائيلي لم يتمكن من وقف تدفق هذه القوات.

وعلى جبهة الجولان وحدها دفعت سوريا بنحو 1460 دبابة لتواجه 177 دبابة اسرائيلية فقط وبنحو 115 بطارية مدفعية في مواجهة 11 بطارية اسرائيلية.

ويعتمد رابينوفيتش في سرد أحداث الحرب على العديد من الوثائق العسكرية الاسرائيلية التي تم رفع اطار السرية عنها ، مؤخراً وعلى سلسلة من اللقاءات والحوارات التي أجراها مع كبار المسئولين العسكريين الاسرائيليين الذين كانوا في دائرة صنع القرار خلال الحرب .

كما يتعرض للأجواء الدولية التي سادت خلال تلك الفترة ، وخاصة المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والدور الذي لعبته واشنطن فيى إنقاذ اسرائيل من هزيمة تاريخية عبر بناء الجسر الجوي الهائل لاعادة التوازن للقوات الاسرائيلية التي انهارت في ساعات ، وليس في أيام . 

 

الفصـل الأول

أصل الحكاية :

 

خريطة المواجهة

كانت صور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها عصر الخامس من اكتوبر 1973مثيرة للقلق ، فعلى الضفة الغربية من قناة السويس احتشدت خمس فرق مصرية تضم مئة ألف جندي و1350 دبابة وألفي قطعة مدفعية في تشكيل قتالي ، كما رصدت الصور العديد من معدات الجسور والقوارب المطاطية بالقرب من الحافة المائية .

وعلى الجانب الاسرائيلي ، لم يكن هناك سوى نحو 450 رجلاً داخل النقاط الحصينة على طول القناة.

وكان باستطاعة الاسرائيليين رؤية الاستعدادات المصرية على الضفة الغربية لعبور القناة لكن لم تظهر أي دلالات على أن هذه الاستعدادات تثير قلق الدوائر العسكرية الاسرائيلية على الرغم من أن كل ما لديهم كان مجرد 44 قطعة مدفعية على طول الجبهة و290 دبابة       أو مايعادل ثلاثة ألوية مدرعة في كل أرجاء سيناء .

أما الصور التي التقطت لهضبة الجولان فكانت أكثر إثارة للقلق ، فقد تم نشر خمس فرق عربية لتواجه دفاعات إسرائيلية ضعيفة.

ولكن الوضع على خط المواجهة السوري ـ الاسرائيلي كان مختلفا ً، حيث لم يكن هناك حاجزاً مائياً كما هي الحال على الجبهة المصرية ، وكان عدد الدبابات السورية يزيد بمعدل  8 الى 1 عن نظيرتها الاسرائيلية بينما كانت نسبة قوات المشاة والمدفعية أعلى من ذلك بكثير.
وعلى الجانب السوري ايضاً كانت هناك خطوط دفاعية ثانوية بين الجبهة الرئيسية وحتى العاصمة دمشق على بعد 40 ميلاً الى الشرق .

أما على الجانب الاسرائيلي فلم تكن هناك أي خطوط دفاعية ثانوية على الإطلاق ، وكان الفارق الكبير في عدد القوات يميل لصالح سوريا وليس العكس!

وفي إسرائيل نفسها لم ترصد الأقمارالصناعية عصر الخامس من اكتوبر أي دلالات تثير القلق حيث كانت الشوارع خالية من المارة والسيارات ، وكان جميع الاسرائيليين في منازلهم يستعدون للاحتفال بعيد الغفران المعروف باسم « يوم كيبور » .

وكانت الدلالة الوحيدة على وجود نشاط غيرعادي تبدو داخل مقر وزارة الدفاع الاسرائيلية في قلب تل أبيب.

ويتحدث المؤلف عن حالة الاسترخاء التي كانت عليها القوات الاسرائيلية على الجبهة المصرية ، ويضرب مثلاً على ذلك بالقاعدة التي كان يتولى رئاستها الكابتن موتي اشكنازي في سيناء قبل أسبوعين فقط من بداية الحرب .

ويقول المؤلف ان هذه القاعدة كانت تعاني من حالة اهمال شديد ، فأسوار الأسلاك الشائكة كانت قد انهارت كلها تقريبا من الرمل ، وغطت الرمال الخنادق حول الموقع ، ولم تكن لدى مواقع المدفعية شكائر الرمال الكافية ، كما كانت القاعدة تعاني بصورة واضحة من نقص كبير في الذخيرة وبالاضافة الى ذلك فإن وحدة اشكنازي كانت تمثل جزءا من لواء« جيروزاليم » الذي لم تسند اليه من قبل أية مهام على خط بارليف.

وعلى عكس الوحدات التي عادة ما كانت تقوم بهذه المهمة ، فإن لواء «جيروزاليم» كان يمثل تشكيلا لخط ثانٍ يضم جنودا في الثلاثينيات من أعمارهم ، وبعضهم من المهاجرين الذين لم يتلقوا تدريبات أساسية كافية قبل أن يحالوا إلى الاحتياط ، بينما كان ضباط اللواء من قدامى ضباط الوحدات المقاتلة.

ويقول المؤلف إن اسناد مهمة الدفاع عن جزء من خط بارليف لمثل هذه الوحدة يجسد حالة الاسترخاء التي كان عليها الوضع العسكرى الاسرائيلي على الجبهة المصرية .

وكانت هذه الحالة قد أصبحت هي السائدة في صفوف القوات الاسرائيلية بعد مرور ست سنوات على وصول اسرائيل لقناة السويس خلال حرب يونيو 1967 وبعد ثلاث سنوات من انتهاء حرب الاستنزاف على طول خط القناة التي شهدت العديد من المناوشات العنيفة.

وبخلاف النقاط المحصنة الأخرى بخط بارليف , على طول ضفة القناة الشرقية ، فقد كان موقع أشكنازي ، الذي كان يطلق عليه اسم موقع «بودابست » يبعد نحو عشرة أميال شرقي القناة على شريط رملي ضيق يفصل بين البحر المتوسط وبحيرة ضحلة المياه .

كان الهدف من اقامة هذه النقطة الحصينة هو منع أي هجوم من الشريط الرملي باتجاه الطريق الساحلي , وكانت نقطة « بودابست » هي أكثر النقاط حصانة في خط بارليف.

وكان يضم بطارية مدفعية ووحدة اشارة بحرية ، حافظت على الاتصالات مع السفن التي تقوم بدوريات أمام الساحل .

يقول المؤلف ان القوات المحدودة التي نشرتها اسرائيل على الجبهتين السورية والمصرية في مواجهة أعداد كبيرة من رجال الجيوش العربية ، كانت تعكس حالة من الثقة المفرطة في النفس إنتابت اسرائيل بعد الانتصارالسريع في حرب يونيو 1967 , واعتقدت اسرائيل انها حققت تفوقا عسكريا لا يمكن أن تتحداه دولة عربية بمفردها أو أي مجموعة من الدول العربية مجتمعة.

وقد أعطت النشوة التي تلت الانتصار الاسرائيلي في عام 1967 على الجيوش المصرية والسورية والأردنية إحساساً بالتفوق وبأن قوتها العسكرية من الصعب قهرها .

وقبل نشوب حرب 1973م كانت أعداد الجيوش المصرية والسورية قد زادت بشكل كبيرعن عدد القوات الإسرائيلية ، رغم أن النسبة الإجمالية قد ظلت لصالح العرب بنسبة 3 إلى 1 وهي نسبة اعتبرتها إسرائيل مقبولة في ظل الاعتقاد السائد بالقدرة القتالية لقوات الدفاع الإسرائيلية , بل إن هيئة الأركان الإسرائيلية كانت تفكر في خفض مدة الخدمة العسكرية للمجندين والبالغة 36 شهراً بمعدل ثلاثة أشهر.

رفض الهزيمة:

ويقول المؤلف إن العرب رفضوا الهزيمة في عام 1967 , وخلال حرب الاستنزاف التي شنتها مصر ابتداء من مارس 1969، قتل المئات من الجنود الإسرائيليين خلال عمليات القصف المدفعي المكثف ، ويرى أن الغارات الجوية الإسرائيلية في العمق المصرى تقف وراء قبول القاهرة لوقف إطلاق النار في أغسطس 1970 ، ومنذ ذلك الوقت ساد الهدوء جبهة قناة السويس .

أما على الجبهة السورية فقد شهدت تبادلاً لإطلاق النار من وقت لآخر ، إلا أن الكاتب يزعم أن الموقف لم يصل إلى مستوى تحدي الهيمنة الإسرائيلية.

وهذا الشعور بالتفوق يبدو واضحاً في الكلمة التي ألقاها وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان أمام مجموعة من ضباط الجيش في أغسطس 1973، والتي قال فيها إن قوة إسرائيل لا تنبع من الإمكانيات العسكرية الإسرائيلية فقط ، بل من حالة الضعف التي يعاني منها العرب .

ويقول المؤلف إن الأوضاع التي تغيرت كثيراً داخل إسرائيل بعد حرب يونيو 1967 لاحظها مسئول بجهاز المخابرات الإسرائيلية « الموساد » كان يتولى مهمة بالخارج وعاد إلى إسرائيل بعد خمسة أعوام من حرب 1967 ليجد إسرائيل تعيش حالة من الثقة الزائدة في النفس والرضا عن الذات , وأن الإسرائيليين يعيشون في حالة من الاسترخاء ، وينعمون بمباهج الحياة وكأن هذا الوضع سيستمرإلى الأبد , كما لاحظ أن موظفي الحكومة والضباط بالجيش اقتنوا سيارات فارهة ، وبدت الرفاهية مسألة مذهلة بالنسبة لشخص اعتاد على التعايش مع حياة التقشف في إسرائيل قبل حرب 1967 , وذهاب الإسرائيليون إلى سيناء ليس للدفاع عن « الحدود » الجديدة ، ولكن لقضاء العطلات الصيفية على شواطئها الرائعة.

ولاحظ مسئول « الموساد » أن أعداد الضباط قد إزدادت بشكل كبير ، وأصبحت القيادات العسكرية تحتل مكاناً بارزاً في الحياة العامة وانهمك كبار الضباط في توسيع مكاتبهم بما يعكس المكانة الكبيرة التي وصلوا اليها ، وبدت العجرفة على تصرفات الكثيرين منهم ، بل واقام البعض منهم حفلات شاركت فيها فرق الترفيه العسكرية ، كل هذه الأمور كانت مثيرة لدهشة المسئول الاسرائيلي الذي عاد لتوه من الخارج.

وقبل أشهر من نشوب حرب اكتوبر، أبلغ « موتي اشكنازي » صديقا له بأن الحرب مسألة حتمية وانه يتعين أن تعرف القيادة العسكرية ذلك ، وبعد يومين من تولي اشكنازي مسئولية قاعدة « بودابست » طلب من القيادة تعزيز الدفاعات حول القاعدة من الأسلاك الشائكة واكياس الرمل ، وبعد الحاح منه وصلت كمية قليلة فقط من هذه الدفاعات الا انه بذل جهدا لتأمين القاعدة خاصة حول البوابة والمنطقة المفتوحة على الشاطيء.

وقبل أسبوع على قيام الحرب ، وجد اشكنازي آثار اقدام على الشريط الرملي عند مؤخرة القاعدة ، اتصل بالقيادة التي ارسلت اثنين من الخبراء الذين فحصوا آثار الاقدام ورأوا انها لأحذية جنود إسرائيليين , قال اشكنازي: « لو كنت مكان المصريين لاستخدمت نوع احذية الجنود الاسرائيليين نفسه » ضحك الخبيران وقالا: « اتظن انهم بهذه المهارة ؟ » فرد عليهم قائلا: « ولم لا ؟ »

يقول المؤلف انه عندما عقد « ديفيد اليعازر » رئيس الاركان الاسرائيلي أول إجتماع له مع هيئة الأركان العامة بعد أن تولى منصبه في أول يناير 1971 .

أكد للحاضرين أن « احتمال الحرب قوي » وذلك على عكس ما كان سائدا من قبل ، واعرب اليعازر عن اعتقاده بأن الرئيس المصري انور السادات ليس أمامه من خيار آخر اذا ما اراد تحريك أية عملية سياسية.

وقال اليعازر امام الجنرالات ان اسرائيل لن تحقق اية مكاسب من نشوب حرب اخرى ، واذا ما نشبت الحرب فيجب أن تنتهي بنصر اسرائيلي سريع حتى لا تؤثر اعباؤها على الاقتصاد وحتى يصاب العرب باحباط يجعلهم لا يحاولون مرة اخرى شن حرب على اسرائيل.

خط بارليف

كان خط بارليف واحدا من الموضوعات الاولى التي استعرضها اليعازر مع هيئة الاركان ، فقد تم بناء الخط خلال فترة تولي الجنرال « حاييم بارليف » رئاسة هيئة الأركان ووصف الخط بأنه منيع ولا يمكن عبوره شأن خطي ماجينو وسيجفريد ، الا انه في الواقع وكما يقول المؤلف ، كان عبارة عن مجموعة نقاط صغيرة منعزلة ، كل نقطة منها تتولى حراستها حامية تضم عشرين أو ثلاثين جنديا فقط وكانت هناك فجوات تصل الى عدة أميال بين كل نقطة وأخرى.

وقد بنيت هذه التحصينات لحماية القوات من قصف المدفعية خلال حرب الاستنزاف إلا أن القيادة الاسرائيلية رأت امكانية أن يلعب الخط دورا في حالة حدوث هجوم مصري شامل  حيث يمكن ان يلعب دورا في ابطاء الهجوم حتى يتم توزيع قوات الاحتياط , إلا ان آخرين رأوا ان هذا الخط ما هو سوى مصيدة موت .

وقد اقترح الجنرال « أرييل شارون » الذي تولى قيادة الجبهة الجنوبية عام 1970، إغلاق التحصينات والإبقاء على وجود اسرائيلي في منطقة القناة من خلال دوريات وإقامة مراكز مراقبة خلف الشريط المائي.

وكان الجنرال « اسرائيل طال » نائب اليعازر قد تبنى وجهة نظر مماثلة , اذ قال ان التحصينات هي بمثابة أهداف ثابتة ، وينبغي اخلاؤها في حالة نشوب حرب.

وأبلغ اليعازر هيئة الأركان بأنه لن يعتمد على التحصينات في الدفاع عن منطقة القناة ، ولكنه سيعتمد في ذلك على سلاح الدبابات ، الا أنه نظرا لوجود هذه التحصينات وامكانية قيامها بدور في وقف أي عملية عبور مصرية ، فانه لا يرى ما يدعو الى تفكيك هذه التحصينات خاصة وأنها يمكن ان تمثل أيضا نقاطا لمراقبة الخطوط المصرية.

 

ويمضي المؤلف قائلا ان المخابرات الاسرائيلية كانت تعتقد انه اذا ما نشبت حرب , فانه من المحتمل أن تكون تكرارا لحرب الاستنزاف أي ستشتمل على قصف مدفعي وغارات على نطاق محدود ، بينما كان هناك سيناريو محتمل آخر وهو أن تحاول مصر الوصول الى موطئ قدم محدود في سيناء والتمسك به الى أن يتم تنفيذ وقف لاطلاق النار , ولمواجهة هذه الاحتمالات ، وضعت اسرائيل خطة دفاعية اطلق عليها اسم رمزي هو« برج الحمام » .

 

وتعتمد هذه الخطة على فرقة سيناء المكونة من 300 دبابة ، وهى لفرقة المدرعة الوحيدة التي تنشرها اسرائيل في سيناء ، وكذلك على السلاح الجوي , ونتيجة للثقة الزائدة لدى  القيادة الاسرائيلية ، فان هذه الخطة لم تركز كثيرا على المعركة الدفاعية في حد ذاتها بل على شن هجوم مضاد سريع عبر القناة.

ففي حالة عبور مصري واسع النطاق للقناة ، تقضي خطة اخرى ، اطلق عليها اسم « سيلا » أى « الصخرة » ، بنشر فرقتي مدرعات من الاحتياط خلف الخطوط ويتم تعبئتها قبل الحرب على أساس تقارير المخابرات , ولم تضع الخطتان أية تدابير مهمة للتصدي لأية محاولة هجوم مصرية ، كما لو أن تدمير القوات المصرية العابرة للقناة مسألة ستتم بسرعة ، ولا تتطلب وضع أية خطط بشأنها.

وفي حالة عدم تلقي تحذيرات من المخابرات في وقت يتيح انتشار قوات الاحتياط قبل بدء الحرب ، فانه بامكان فرقة سيناء وقف هجوم الجيش المصري ، بمساعدة سلاح الطيران الى ان تصل قوات الاحتياط .

وقد وضعت القيادة الجنوبية الاسرائيلية تصورا للحرب في اغسطس 1972 ويقوم هذا التطور الذي تم تطبيقه في صورة مناورة على أساس عبور أربع فرق مصرية للقناة ، مع وصول تحذير من المخابرات قبل الهجوم بـ 48 ساعة.

 

ووفقا للسيناريو الاسرائيلي تنجح فرقة سيناء في إبادة رأس الجسر المصري في غضون نصف يوم , وفي اليوم الثالث تصل فرقة الاحتياط الاسرائيلية الأولى الى الجبهة وتعبر القناة من نهايتها الشمالية واعتبر المشاركون في هذه المناورة توقيت تحذيرالمخابرات بأنه غير منطقي نظرا لكفاءة رجال المخابرات العسكرية الاسرائيلية وأن التوقيت المنطقي هو خمسة  أو ستة أيام ورأى شارون ان هذه المناورة اثبتت ان فرقة سيناء يمكنها التصدي لأي تهديد مصرى , وفي ضوء ما حدث للجيوش العربية في حرب يونيو 67 كان من الصعب أن تتصور القيادة الاسرائيلية أي سيناريو آخر غير ذلك .

في أكتوبر 1972 تم تعيين « إيلي زيرا » رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية ، التي تعرف بالعبرية باسم « أمان » كان زيراً قبل ذلك ملحقاً عسكرياً في السفارة الاسرائيلية بواشنطن ، وعمل مساعداً لموشى ديان.

وبعد نحو ستة اشهر من تعيينه ، تعرض جهاز « أمان » لإختبار قوي , ففي ربيع 1973 تم رصد تحركات غير مسبوقة للقوات المصرية بمدفعيتها وبمعدات لعبور القناة وحذرت مصادر المخابرات من ان الرئيس المصري « انور السادات » يعتزم شن حرب وانه تم رفع حالة الاستعداد في الجيش المصري إلى حالة الاستعداد القصوى وحددت مصادر المخابرات موعد شن الحرب يوم 15 مايو ، وتم وضع القوات الاسرائيلية في حالة الاستعداد.

وفي يوم 8 مايو زارت رئيسة الوزراء الإسرائيلية « غولدا مائير» مقر الجيش حيث استمعت إلى العديد من الجنرالات الذين أكدوا لها أن اسرائيل ستعرف نية المصريين قبل وقت كاف للاستعداد لأي تطورات وكان من بين المتحدثين « إيلي زيرا» الذي اكد لمائير أن فرص الدخول في حرب شاملة مع مصر « منخفضة جداً » إلا انه لم يوافق على هذا التقييم واصدر أوامره لهيئة الاركان باتخاذ الاستعدادات اللازمة على اساس احتمال نشوب الحرب.

وتضمنت هذه الاستعدادات نقل وحدات الدبابات بالقرب من الجبهة وتسريع انشاء وحدات جديدة وتجهيز معدات عبور قناة السويس , كما لم يقتنع رئيس الموساد « زفي زامير» بوجهة نظر زيرا ، بل رأى ان السادات يستعد لشن الحرب كما اعرب وزير الدفاع « موشى ديان » عن اعتقاده بأن الحرب هي خيار معقول بالنسبة لمصر نظراً لأنها ستنهي حالة الجمود السياسي وتؤدي إلى التدخل الدولي واذا ما بدأت الحرب فإنها ستكون شاملة .

تطورات الموقف المصري

في يوم 24 أكتوبر 1972 اعلن الرئيس المصري انور السادات امام المجلس الاعلى للقوات المسلحة أنه يعتزم اتخاذ اجراء عسكري من دون انتظار وصول طائرات طويلة المدى وصواريخ سكود وقال انه يمكن تحقيق اهدافه العسكرية في سيناء بما هو متوفر بالفعل.

يقول المؤلف ان السادات اتخذ هذا القرار في الوقت الذي طرد فيه المستشارين السوفييت فى يوليو 1972، واصدر أوامره لوزير الحربية الفريق « محمد أحمد صادق » باعداد الجيش للحرب بحلول منتصف شهر نوفمبر وعندما طلب السادات من صادق في اجتماع اكتوبر ان يقدم تقريراً عن استعداد الجيش ، همس صادق في اذن السادات قائلاً انه لم ينقل القرار إلى قيادات الجيش خوفاً من ان يتسرب , بعد ذلك بيومين أقال السادات صادق وعين مكانه الفريق « احمد اسماعيل ».

وهنا يقول المؤلف ان الفريق صادق كان يرى ان مصر يجب ان تحقق اهدافها من خلال حرب تجبر اسرائيل على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة ، بينما كان السادات يعتقد ان عبور القناة وتأمين موطيء قدم في سيناء سوف يؤدي إلى تحريك المجتمع الدولي وتدخل القوى العظمى مما يؤدي في النهاية إلى اجبار اسرائيل على الانسحاب إلى الحدود الدولية وهذه الرؤية كان يدعو اليها رئس الأركان الفريق « سعد الدين الشاذلي » الذي كان قد عينه السادات قبل عام.

استعرض اسماعيل مع الشاذلي خطة « جرانيت 2» التي كان تقضي بعبور القناة والتقدم حتى الوصول إلى الممرات في سيناء على بعد 40 ميلاً شرقي القناة , وهي خطة إعتبرها الشاذلي غير واقعية نظراً لانها ستجعل القوات المصرية خارج مظلة صواريخ « سام » ووضع الشاذلي خطة أخرى عرفت باسم « المآذن العالية » تحولت فيما بعد إلى خطة « بدر » التي تقضي بالتقدم خمسة أوستة أميال فقط شرقي القناة ، وهي مسافة تظل فيها القوات المصرية ضمن مجال بطاريات صواريخ سام , ويزعم الكاتب ان الشاذلي كان يرى ان هذه الخطة هي الخيار الواقعي الوحيد أمام مصر , وافق الوزير اسماعيل على رأي الشاذلي وطلب منه أن يواصل وضع تفاصيل الخطة وتم بالفعل استكمال وضع الخطة بحلول يناير 1973 .

 

يقول المؤلف ان مصر دأبت على نشر خمس فرق مشاة على طول القناة منذ حرب 1967 كانت ثلاث فرق تنتشر في الجزء الشمالي وهي الفرق التي كانت تشكل الجيش الثاني ، بينما كانت تشكل الفرقتان المرابطتان بالجزء الجنوبي الجيش الثالث , وكانت اي خطة مصرية تقضي بعبور القناة من نقاط على طول خط القناة البالغ مئة ميل في وقت واحد .

 

ويشير المؤلف الى ان المخابرات الاسرائيلية علمت بالخطة المصرية وأن المصريين سوف يقومون باستخدام خراطيم المياه لفتح ثغرات فى الحواجز الرملية بخط بارليف ، وذلك بعد ان قامت السلطات المصرية بشراء مئات المضخات من بريطانيا والمانيا ، الا ان مسئولي المخابرات استبعدوا امكانية تنفيذ مثل هذه الخطة ، ورأوا انها غير قابلة للتطبيق .

كما كانت المخابرات المصرية تعرف الخطوط العريضة لخطة « برج الحمام » وذلك من وثائق استولت عليها خلال غارات وعمليات قامت بها عبر القناة ، ومن خلال متابعة المناورات الاسرائيلية المتكررة على طول خط القناة .

وكانت تقضي هذه الخطة بأنه في غضون نصف ساعة من بدء القتال ستصل الموجة الأولى من الدبابات الاسرائيلية الى القناة ، ولن تتتمكن الدبابات المصرية من التصدي لها قبل ان يتم هدم الحواجز الرملية واقامة الجسور على القناة , وهي مهمة قد تستغرق ساعات , ولمواجهة ذلك سيتعين وقف تقدم المدرعات الاسرائيلية من جانب جنود مشاة بأسلحة مضادة للدبابات وكان هناك سلاحان زود بهما السوفييت مصر لهذا الغرض الأول هو « آر بي جي 7 » الذي يتم حمله على الكتف والذي أثبت فعاليته ضد الدبابات خاصة عند المسافات القريبة , والسلاح الآخر هو « ساجر» الذي يماثل في ادائه دانة الدبابة , ومعنى ذلك ان المشاة المصريين سوف يقاتلون بمفردهم خلال الساعات الأولى الحرجة من القتال ، ولكنهم سوف تغطيهم نيران من تلال بناها المصريون على الجانب الغربي من القناة.

كان الاسرائيليون قد بنوا في البداية تلاً أعلى من سلسلة التلال المصرية ، وكان في كل مرة يقوم فيها المصريون بتعلية تلالهم ، كان الاسرائيليون يفعلون الشيء نفسه ولكن في 1972 نفذ المصريون مشروعاً ضخماً ، بناء على أوامر الفريق اسماعيل ، اصبحت فيه سلسلة التلال المصرية اعلى مرتين عن الحاجز الاسرائيلي .

يقول المؤلف ان المصريين كانوا يعتمدون على نظام سام للدفاع الجوي الذي زودهم به الاتحاد السوفييتي ، ويعد واحداً من اقوى الأنظمة فى العالم ، وكانت تدعمه المئات من المدفعية المضادة للطائرات القادرة على ضرب اية طائرات ذات ارتفاعات منخفضة لا يتمكن من ضربها نظام سام.

كان قد تم وضع كل تفاصيل خطة العبور، ولكن كانت هناك علامات استفهام كبيرة منها متى ستعرف المخابرات الاسرائيلية بالهجوم الوشيك , وماهي الخطوات التي ستتخذها القوات الاسرائيلية لصد الهجوم , ومدى قدرة القوات المصرية على تحمل رد اسرائيل على هذا الهجـوم.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech