Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كتاب حرب أكتوبر1973م - الفصل الثالث

 

الفصل الثالث

إحدى عشر إنذاراً تربك تل أبيب ، إجلاء العائلات السوفييتية يفتح عيون الاسرائيليين على خطورةالموقف

يقول إبراهام رابينوفيتش ، مؤلف الكتاب الذي نناقشه هنا ، إن الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري طلب من القيادة السياسية المصريه ابلاغه بموعد الحرب قبل 15 يوماً للقيام بالاستعدادات الاخيرة ، لكنه حصل على 14 ليلة , وهو الأمر الأهم ، إذ يتم خلال الليل تحريك أرتال العربات المدرعة من القاهرة عبر الصحراء إلى مناطق القتال على طول قناة السويس.

ويضيف المؤلف أن الرئيسين الاسد والسادات اجتمعا سراً في دمشق في 22سبتمبر، واتفقا على شن الحرب يوم 6 أكتوبر، لكنهما لم يتفقا في البداية على ساعة الصفر ، فقد كان الأسد يريد أن تكون الساعة هي السابعة صباحاً حتى تكون الشمس في مواجهة القوات الاسرائيلية فتعوق الرؤية، بينما أراد السادات شن الهجوم قبل الغروب حتى يتمكن المهندسون من مد الجسور على القناة والعبور في الظلام.

كانت تحت قيادة الشاذلي 650 ألف جندي، بينما كان قوام الجيش السوري 150 ألف جندي وسوف تضيف وحدات من العراق والأردن ودول عربية أخرى مئة الف جندي مقابل 375 ألف جندي اسرائيلي من بينهم 240 ألفاً من افراد الاحتياط.

ويشير المؤلف إلى ان عدد الدبابات الاسرائيلية كان يبلغ 2100 دبابة، وهو مايعادل نحو نصف عدد الدبابات المصرية (2200) والسورية (1650). وتم الاتفاق على أن ترسل العراق والاردن 650 دبابة أخرى بعد بدء الحرب. وكان لدى اسرائيل 359 طائرة حربية على خطوط الجبهة في مقابل 680 طائرة من بينها 400 طائرة لدى مصر و280 لدى سوريا.

وإذا لم تقم اسرائيل بتعبئة الاحتياطي، فإن الوضع في بداية الحرب سوف يكون لصالح العرب تماماً. فالمئة ألف جندي مصري والـ 1350 دبابة المرابطون غربي القناة سيكونون في مواجهة 450 جندياً اسرائيليا موزعين على حصون خط بارليف و91 دبابة اسرائيلية في منطقة القناة، بالاضافة إلى 200 دبابة اخرى في اعماق سيناء.

وبالنسبة للمدفعية الثقيلة فان المصريين يتفوقون على الاسرائيليين على طول خط القناة بنسبة تصل إلى 40 إلى 01 وعلى الجبهة الشمالية يتمتع السوريون بتفوق في عدد الدبابات تبلغ نسبته 8 إلى 1 بينما تزداد النسبة كثيراً في سلاحي المشاة والمدفعية، لكن هذه النسبة ستتراجع كثيراً مع وصول أفراد الاحتياط إلى خطوط الجبهة.

وخلال شهر سبتمبر قامت مصر بتعبئة الاحتياطي بصورة متكررة، حتى تعتاد المخابرات الاسرائيلية على هذه النداءات، وحتى يتم اتقان مهمة الاستدعاء. وفي الاسبوع الأخير من سبتمبر تم استدعاء نحو 120 فرداً بالاحتياط، وفي يوم الرابع من اكتوبر تمت اعادة 20 الفاً الى منازلهم في خطوة كان هدفها تضليل الاسرائيليين. كما ابلغ المصريون الخبراء السوفييت بأنهم يتخذون اجراءات وقائية تحسباً لهجوم اسرائيلي محتمل علمت به المخابرات المصرية. يقول المؤلف ان المخابرات الاسرائيلية رصدت أول تحركات كبرى للقوات المصرية ليلة 24 ـ 25 سبتمبر. شملت التحركات فرقة بكاملها كانت تنتقل الى خارج القاهرة ترافقها قوات كثيفة من الشرطة العسكرية. وتم رصد تحركات مماثلة على مدى الليالي التالية.

 

الانذارات المحيرة

واصلت المخابرات العسكرية الاسرائيلية تزويد القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية بالتطورات المتلاحقة من خلال نشرات كانت تصدر عدة مرات في اليوم الواحد. وفي 30 سبتمبر ذكر تقرير للمخابرات ان مناورة عسكرية مصرية واسعة النطاق سوف تبدأ في اليوم التالي، وتنتهي في 7 اكتوبر. وسوف تشمل المناورة تعبئة الاحتياطي وبناء التحصينات وتحريك القوات وتعبئة قوارب الصيد المدنية لتكون وسائل لنقل الجنود.

وبالتالي نرى ان كل التحركات غير العادية للجيش المصري وضعتها المخابرات العسكرية والقيادة العليا في اسرائيل ضمن اطار المناورات، ومن بينها الغاء الاجازات وتشديد الحراسة على مراكز القيادة الامامية وهكذا فإنه بتفسير التحركات غير العادية للجيش المصري على انها جزء من مناورة عسكرية يكون نظام الانذار المبكر الاسرائيلي قد توقف عن العمل وانهار.

وخلال شهر سبتمبر، تلقت اسرائيل 11 انذاراً من مصادر رفيعة. إلا ان ايلي زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية واصل اصراره على ان الحرب ليست خيار العرب. وايد زيرا في موقفه نائبه البريجادير جنرال آري شاليف ورئيس القسم المصري بالمخابرات اللفتنانت كولونيل يونا باندمان.
وبصورة عامة فقد اعتقد كبار رجال المخابرات الاسرائيلية انهم يعرفون الامور على حقيقتها، وهو الاعتقاد الذي جعلهم يرفضون كل الانذارات التي وصلت اليهم من مصادر مهمة واظهر زيرا ورجاله مقدرة على ابداء مدى براعتهم في الالتزام بالصورة القديمة التي رسموها عن القوات المصرية والسورية، على الرغم من الكم الهائل من الاشارات التي تشير الى عكس ذلك.

وكانوا يفندون كل معلومة تتعارض مع نظريتهم، ويدافعون عن كل رأي يؤكد هذه النظرية. ويتضمن ذلك المعلومات الخاطئة التي سربتها مصر والتي كان يتعين الشك فيها نظراً لانها تأتي من قنوات يدرك المصريون بوضوح ان المخابرات الاسرائيلية ترصدها مثل الصحف العربية وقد تشبث زيرا ومساعدوه بوجهة نظرهم على الرغم من تعارض سياسة الخداع المصرية مع الأدلة الدامغة على الاستعدادات لشن الحرب والتي كانت تجمعها المخابرات العسكرية الاسرائيلية بشكل يومي.

ويقول المؤلف ان سياسة الخداع نجحت بشكل يفوق التوقعات المصرية لان قيادة المخابرات العسكرية الاسرائيلية كانت مستعدة للتعايش مع خداع الذات. وقد قال زفي زامير رئيس الموساد امام لجنة التحقيق بعد انتهاء الحرب «اننا لم نشعر بقدرتهم على شن حرب».
وتصاعدت وتيرة الاستعدادات وتزايدت دقات طبول الحرب خلال الايام الاخيرة من شهر سبتمبر، ومررت المخابرات الاميركية تقريراً من مصدر اعتبرته واسع الاطلاع جاء فيه ان السوريين يستعدون لاستعادة هضبة الجولان عبر هجوم وشيك للغاية وفي صباح اليوم التالي، عقد اليعازر اجتماعاً مع كبار مسئولي هيئة الاركان لبحث التقرير، الذي لم يلق اهتمام معظم الضباط، وظل الاجماع السائد أن سوريا لن تخوض حرباً بدون مصر، وان المخابرات العسكرية الاسرائيلية تؤكد ان مصر لن تخوض حرباً.

وان اكثر ما يمكن توقعه من سوريا هو ضربة محدودة، رداً على معركة جوية جرت يوم 13 سبتمبر. ولم تكن هناك أصوات تعارض تلك النظرية سوى صوت الجنرال طال نائب رئيس الاركان الذي قال ان كل الدلالات تشير الى ان الحرب سوف تنشب على هضبة الجولان، ومن هذه الدلالات الانتشار الكثيف للدبابات السورية الامر الذي سيعني امكانية نشوب الحرب دون أي انذار آخر، كما تغطي صواريخ سام كل الجبهة، لقد تغير توازن القوى على الارض والشيء الوحيد الذي يمكن ان يعوق سوريا من الهجوم هو السلاح الجوي. وقد اعتقد طال، مثال اليعازر، ان السلاح الجوي يمكن ان يعالج مشكلة صواريخ سام.

كانت الاحوال الجوية مشكلة أخرى، خاصة مع بدء فصل سقوط الامطار. وقال طال «انه اذا ما تم تحييد السلاح الجوي، فإنه سيكون بمقدور السوريين التقدم داخل الجولان ولن تكون امامنا اية فرصة» ودعا طال الى تعزيز جبهة الجولان ببقية اللواء السابع وبكتيبة مدفعية لم يتفق اليعازر مع تقويم نائبه، لكنه وافق على إرسال المزيد من سرايا الدبابات والمدفعية.

لم يشعر طال بالارتياح بعد اجتماع هيئة الاركان واتصل هاتفياً بزيرا، وطلب منه ان يواصل معه ومع شاليف مناقشة الموضوع في مكتب رئيس المخابرات وعندما تم اللقاء قال طال ان الامر الوحيد الذي يمنع اليعازر من اصدار امر التعبئة هو تقويم المخابرات العسكرية لاحتمال نشوب الحرب بأنه «احتمال ضئيل».
رفض زيرا طلب طال باعادة النظر في هذا التقويم وقال له انه فيما يتعلق بفهم نوايا العدو فإنه وليس تال الخبير في هذا الصدد رد طال قائلاً انه خبير في حرب المدرعات واذا ما شن السوريون هجوماً مفاجئاً فإنه لن تكون أمام القوات الاسرائيلية على الجولان فرصة لوقف الهجوم.
وفي الساعة الثانية من صباح الاول من اكتوبر، تلقت المخابرات العسكرية الاسرائيلية تقريراً من مصدر موثوق فيه، يفيد بأن الحرب ستنشب اليوم على الجبهتين المصرية والسورية
واشار التقرير الى ان المناورة المصرية التي ستبدأ عند الفجر سوف تتطور الى عبور فعلي للقناة لم يجد زيرا في التقرير ما يدعو الى ايقاظ اليعازر أو ديان وفي الاجتماع الصباحي لهيئة الاركان قال زيرا «لقد أرحتك من الاستيقاظ بعد منتصف الليل» لم يرد اليعازر، لكن ديان بعث بمذكرة الى زيرا خلال الاجتماع يحمله مسئولة عدم نقل التحذير اليه على الفور رد زيرا قائلاً انه قضى هو ورجاله الليل يدرسون التقرير، ووجدوا عند الصباح انه لا اساس له من الصحة.

وقال زيرا امام المشاركين بالاجتماع ان فرق المشاة الميكانيكية المصرية تم نقلها الى القناة وكذلك وحدات الجسور والقوات المحمولة جواً. وهناك مصادر عديدة تقول ان المناورة سوف تتطور الى حرب وهذا الامر نرى انه غير محتمل على الرغم من سعة اطلاع مصادرنا.لم يدرك اليعازر وديان ان التقويم الذي قدمه زيرا وشاليف لا يلقى موافقة كل الهيكل القيادي للمخابرات العسكرية.

فقد اصر عدد من المنشقين عليهما ان الدلالات تتحدث بوضوح عن نشوب حرب وشيكة على الجبهتين المصرية والسورية إلا ان رئيس القسم السوري اللفتنانت كولونيل يعاري اقتنع بتقويم المخابرات العسكرية بأن مصر لن تخوض حرباً وبالتالي سوريا وكانت المخابرات الاسرائيلية «الموساد» قد مررت تقريراً، في الساعات الاولى من صباح اليوم الاول من اكتوبر، يحذر من حرب على جبهتين، كما اكدت مصادر رفيعة عديدة التحذير نفسه.
وكان الكولونيل يويل بن بورات رئيس قسم الاشارة في المخابرات العسكرية، وهو القسم الذي يلتقط الاتصالات اللاسلكية في العالم العربي، واحداً من الذين نجح السادات في تضليلهم بكلمات خطابه الهادئة في 28 سبتمبر فقد استمع بورات لخطاب السادات وهو مسترخ على أحد شواطيء تل أبيب وبجانبه راديو ترانزستور وقال بورات لزملائه في اليوم التالي «لقد استمعت إلى خطاب السادات، لقد تحدث عن الأشجار والأحجار وكل شيء ماعدا الحرب».
ولكن بعد ذلك تناول تقارير المصادر بجدية وطالب بتنشيط أجهزة الاستماع الحساسة، وهي اجهزة لا تستعمل سوى في حالات الطواريء، الا ان شاليف قال له ان زيرا لم يرد حتى الآن على طلبه وعندما التقى بورات بزيرا طلب منه التصريح بتعبئة مئتي فرد من الاحتياط بجهاز المخابرات العسكرية رد عليه زيرا بشكل قاطع: «أصغ إليّ جيداً ان مهمة المخابرات هي حماية الأعصاب، لا اثارة ذعر الرأي العام ولا تقويض الاقتصاد.

إنني لن اسمح لك بمجرد التفكير في تعبئة فرد واحد من الاحتياط». عندئذ طلب بورات تنشيط أجهزة الاستماع الحساسة، لكن زيرا رفض أيضاً هذا الطلب. تساءل بورات «إذن ما سبب وجود مثل هذه الأجهزة اذا لم نستغلها في ظروف مثل تلك التي نواجهها؟» رد زيرا قائلا: «إن الظروف التي تراها ليست هي التي أراها».


دلالات جديدة

في 28 سبتمبر، تلقى شابتاي بريل ضابط العمليات في قسم الاستماع بالمخابرات العسكرية تقريراً يفيد بأن سوريا حركت سربين من القاذفات من طراز سوخوي الى قاعدة جوية متقدمة، وهي خطوة لم يتم رصدها منذ حرب يونيو الأمر الذي يعني أنها سوف تساند هجوماً للقوات البرية وعلى الجبهة المصرية تم رصد تحرك قافلة تضم 300 عربة ذخيرة من القاهرة في طريقها الى منطقة القناة. ورأى بريل أن مناورة لا تتطلب كل هذه الذخيرة.

وكانت هناك تحركات عديدة اخرى تدعو الى الذعر من بينها نقل بطاريات سام من منطقة دمشق الى مناطق مجاورة للجولان، فإذا كان السوريون يخشون من حدوث هجوم اسرائيلي، كما ترى قيادة المخابرات العسكرية الاسرائيلية، فما الذي يدعو السوريين إلى اضعاف الدفاعات عن العاصمة؟ من كل هذه الدلالات، بدا واضحاً أن الحرب وشيكة، إلا أن تحذيراته لم تلق آذاناً صاغية داخل المخابرات العسكرية الاسرائيلية.

يقول المؤلف ان توجه جولدامائير لأوروبا أكد للقيادة العربية انه من غير المحتمل ان تتخذ الحكومة الاسرائيلية قراراً بشأن التعبئة، طالما أن مائير خارج اسرائيل. وأشار تقرير للمخابرات المصرية،

التي تراقب بشكل مكثف التطورات في اسرائيل وسيناء، إلى أن اسرائيل لم تتخذ أية اجراءات احترازية. واندهش المصريون من عدم ادراك الاسرائيليين للاستعدادات الكبيرة التي تجري على قدم وساق للحرب.
وعندما عادت غولدا مائير الى اسرائيل، عقد معها موشي ديان اجتماعاً، احاطها خلاله بتطورات الامور، قائلا: ان هناك تقارير تشير الى ان مصر تخطط لشن حرب، لكن الوضع على الجبهة السورية أخطر، فقد نشر السوريون أكثر صواريخ سام تطوراً، ليس حول دمشق، ولكن على خط المواجهة في الجولان وهذه ليست عملية انتشار دفاعية عادية. واذا عبر المصريون القناة، فسوف يجدون أنفسهم أمام صحراء مفتوحة في مواجهة القوات الاسرائيلية، أما السوريون فإنه بهجوم واحد سيكون بامكانهم طرد الاسرائيليين من الجولان، ثم يكونون فوق الهضبة التي ستحميهم من أي هجوم مضاد.

كان الجنرال شاليف، نيابة عن زيرا المريض، حاضراً الاجتماع. وقال إنني اعتقد، وفقاً للتقارير العديدة التي تم الحصول عليها خلال الأيام الأخيرة، ان مصر ترى انها ليست مستعدة للحرب حتى الآن، وإذا لم تشن مصر حرباً، فإن سوريا لن تستطيع خوض حرب بمفردها، وباختصار فإن احتمال الحرب يظل ضئيلاً.

واتفق الجنرال اليعازر مع تحليل شاليف، وقال إن لدى مصر وسويرا خططاً للقيام بهجوم منسق «لكنني لا أرى أي خطر فعلي في المستقبل القريب، وإذا حاولت سوريا القيام بهجوم واسع النطاق فإن اسرائيل ستعرف بالهجوم قبل وقت مناسب».وعندما تساءلت مائير عن امكانية القيام بمزيد من التعزيزات، قال اليعازر: «إن هذا سيعني إما اضعاف الجبهة الجنوبية أو تعبئة الاحتياط لفترة طويلة».

وانتهى الاجتماع، وكانت النتيجة ان الحكومة الاسرائيلية لم تكن لديها أدنى فكرة عن امكانية نشوب حرب خلال أيام. كما لم تتم احالة الوضع على الجبهتين المصرية والسورية لاجتماع هيئة الاركان المقرر عقده يوم الخميس، وكان الموضوع الوحيد على جدول اعمال هذا الاجتماع، الذي يعقد قبل يومين من عيد الغفران هو ضرورة التشديد على الجنود بالالتزام بالزي العسكري!
يقول المؤلف إن هذا التقصير الخطير وعدم وضوح الرؤية ظل هو السائد على الرغم من التطورات المتلاحقة وما تتلقاه المخابرات العسكرية الاسرائيلية نفسها من تقارير تفيد بزيادة التعزيزات العسكرية المصرية على طول القناة.ولم يقم الكولونيل ديفيد جيراليا رئيس المخابرات بالجبهة الجنوبية بتمرير هذه التقارير الى القيادات الأعلى. وفي ظل اعتناقه لنظرية مؤسسته بأن احتمال الحرب ضعيف فإنه اعتبر مثل هذه التقارير مجرد ضجيج يرجع الى المناورة المصرية.

حتى التقارير التي مررها الى المكتب المصري في المخابرات العسكرية لم يتم تمريرها الى زيرا وشاليف، اللذين بدورهما لم يمررا أية تقارير أو معلومات تصل اليهما. أما التقارير عن الاستعدادات العربية التي وصلت الى اليعازر وديان فكانت مرفقة بتفسيرات مطمئنة، وهي المناورة المصرية والمخاوف السورية من هجوم اسرائيلي، مما أفقد مثل هذه التقارير أهميتها وخطورتها.

حتى خلال قيام جولدا مائير بالتشاور مع ديان وآخرين يوم الاربعاء، كان وزير الحربية المصري الفريق أحمد اسماعيل في طريقه الى دمشق لوضع الترتيبات الأخيرة مع السوريين.وقد رفض اسماعيل طلباً سورياً بارجاء الحرب 48 ساعة حتى يتم تفريغ خزانات الوقود في حمص خوفاً من ان تتعرض للقصف الاسرائيلي ورأى ان أي ارجاء سيعرض سرية العملية للخطر وتخلى السوريون عن طلبهم، لكنهم طلبوا ان يتم تغيير ساعة الصفر التي كانت قد تحددت عند السادسة مساء، واتفق الجانبان على أن تكون الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من اكتوبر.

يواصل المؤلف الاسرائيلي قائلا ان عملية الانتشار السورية تواصلت خاصة مع وصول اللواء السابع والأربعين المدرع الذي أثار وصوله دهشة ضباط المخابرات الاسرائيلية، فمغادرة هذا اللواء مركزه في حمص يعني أن سوريا مقدمة بالفعل على شن حرب.وعلى خط بارليف أشارت التقارير الى وجود نشاط محموم عبر القناة فقد كانت طوابير العربات تصل كل ليلة.

وتم اعداد القوارب المطاطية في عشرات المواقع، وكان المصريون يعملون في ساعة متأخرة من كل ليلة لزيادة مستوى التلال التي تشرف على المواقع الاسرائيلية على الجانب الآخر من القناة. بدأ الجنرال البيرت مندلر قائد فرقة سيناء في عقد اجتماع لضباط الفرقة مرتين في اليوم لتحديث عمليات تقييم الوضع وبدا واضحاً له أن المصريين لا يقومون بمناورة تدريبية ولكنهم يستعدون لشن حرب وعندما مرر ملاحظاته الى القيادة الجنوبية، تم ابلاغه بأن كل هذه الانشطة، وفقاً للمخابرات العسكرية، لا تخرج عن اطار المناورة المصرية.

وظل الجنرال اليعازر، الذي كان يركز على الجبهة السورية، غير مدرك بحدوث أي شيء، غير عادي في الجنوب باستثناء أن المصريين يقومون بمناورة عسكرية مكثفة تماثل المناورات التي جرت في سنوات سابقة وكان الحال كذلك بالنسبة للقيادة الاسرائيلية العليا التي لم تصدر أوامر بالتقاط صور

من الجو للخطوط المصرية خلال الفترة من 25 سبتمبر حتى الأول من اكتوبر، وهو اسبوع شهد زحفاً كبيراً للقوات تجاه القناة كل ليلة.

كما لم تتم أية عمليات استطلاع جوي خوفا من صواريخ سام. وتم الغاء مهمة تصوير كانت مقررة يوم 2 اكتوبر بسبب رداءة الاحوال الجوية وضعف الرؤية، وتأجلت المهمة الى اليوم التالي ولكن عندما عادت الطائرة تم اكتشاف عطل بالكاميرا حال دون الحصول على أي صور ولم يتم تنفيذ المهمة الا بعد ظهر اليوم التالي الخميس الرابع من اكتوبر.

كما حدثت تطورات غير مواتية للقيادة الاسرائيلية خلال هذا الاسبوع الحرج فقمر الاستطلاع الصناعي الاميركي «أجينا» الذي يغطي منطقة الشرق الأوسط والذي اطلق في مهمة روتينية يوم 27 سبتمبر، لم يتمكن من ارسال الصور من مداره، ولم يتمكن الاميركيون من تحميض الصور الا بعد هبوطه بعد ذلك بأسبوعين أما القمر الصناعي الاخر الاكثر تطورا وهو «بيج بيرد» الغربي بمقدوره ارسال الصور من مداره فقد هبط على الارض يوم 28 سبتمبر وظل لعدة أسابيع على الارض بسبب تكاليف الرحلة!

 

تغيير التردد اللاسلكي


امتد التعتيم ليشمل القاهرة نفسها، عندما اوقفت القيادة العسكرية المصرية العمل بالتردد اللاسلكي الذي كانت تلتقطه المخابرات الاميركية «السي اي ايه»، وتحولت الى خطوط ارضية لا تلتقطها المخابرات يقول المؤلف ان القيادة المصرية قامت بنشر وحدات من صفوة عناصر الصاعقة على قواعد جديدة، كما تم اعداد مخزون اكبر من المعتاد من الذخيرة، واستعدت فرق للمناورات بأعداد اكبر من المعتاد وبالاضافة الى ذلك تم اعداد شبكة اتصالات اضخم بكثير من الشبكة التي تتطلبها المناورات العادية.

ونقلت «السي اي ايه» قلقها الى اسرائيل يوم 30 سبتمبر من خلال مكتب هنري كيسنجر الذي كان قد تم تعيينه للتو وزيرا للخارجية وكان الرد، الذي نقله مكتب رئيسة الوزراء بالتشاور مع «الموساد»، هو ان اسرائيل مدركة للتحركات العربية، وانها تدرس مضامينها. وبعد يومين تم ارسال تقرير اكثر شمولا الى واشنطن، جاء فيه:

ان اسرائيل تعتقد أن سوريا لا ترى انها قادرة على استعادة الجولان بدون اشتراك مصر في حرب على جبهتين، على الرغم من ان هناك فرصة ضئيلة لمحاولتها القيام بهجوم محدود اما بالنسبة لمصر فان اسرائيل تعتقد ان المناورة التي تجري الآن على طول القناة هي مجرد مناورة وليست تمويها خداعيا لشن حرب عندئذ لم يجد الاميركيون، الذين يكنون تقديرا لأجهزة المخابرات الاسرائيلية، ما يقولونه واذعنوا لتقويم «امان» اي وكالة المخابرات العسكرية الاسرائيلية.

وفي الرابع من اكتوبر، وفي الوقت الذي كانت هيئة الاركان الاسرائيلية تناقش قضية الالتزام بالزي العسكري، كان رؤساء وكالات المخابرات الأميركية مجتمعين في واشنطن في اطار الاجتماع الاسبوعي للجنة المتابعة المنبثقة عن هيئة المخابرات الاميركية. وردا على استفسارات كسينجر، ذكرت «السي اي ايه» ومكتب الاستخبارات والابحاث التابع لوزارة الخارجية ان ا لحرب في الشرق الاوسط مسألة غير محتملة، وقد توصل الجهازان الى هذه النتيجة بناء على التقويم الاسرائيلي للوضع.


دور القوى العظمى


بدأ الضلوع المباشر للقوى العظمى في الازمة الوشيكة في الثالث من اكتوبر، عندما استدعى السادات السفير السوفييتي في القاهرة فينوجرادوف ليبلغه ان مصر وسوريا قررتا الحرب ضد اسرائيل من اجل كسر الجمود في الشرق الأوسط، وعندما سأله السفير عن الموعد، أجابه السادات أنه لم يتقرر بعد.

وفي اليوم التالي استدعى الرئيس الأسد السفير السوفييتي في دمشق نور الدين مقتضى نوف وابلغه أن الحرب ستبدأ في غضون الايام القليلة المقبلة وقال الاسد ان هدف سوريا هو طرد اسرائيل من الجولان واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.

وفي موسكو مساء يوم الخميس، وفي الوقت الذي استمع كيسنجر الى مستشاريه بالمخابرات عندما قالوا له ان الحرب ليست وشيكة في الشرق الأوسط، استدعى وزير الخارجية السوفييتي اندريه جروميكو مساعديه ليبلغهم بأن مصر وسوريا ستشنان حربا ضد اسرائيل في الساعة الثانية من بعد ظهر السبت تجدر الاشارة هنا الى ان السادات والاسد لم يبلغا السفيرين بساعة الصفر ولكن كانت للسوفييت مصادر اخرى يستقون منها المعلومات واثار احتمال الحرب انزعاج جروميكو، اذ سيكون لها تأثير سلبي على سياسة الوفاق مع الولايات المتحدة وصباح اليوم الجمعة، التقى ديان بمكتبه في تل ابيب باليعازر وطال وضباط كبار اخرين من بينهم زيرا.

ساد التوتر اجواء الاجتماع، فعيد الغفران سوف يبدأ عند غروب الشمس وسط اجواء من الحشود على الجبهتين المصرية والسورية، خاصة بعد ان اظهرت الصور الجوية التي تم التقاطها اخيرا حشودا عسكرية مصرية مذهلة على طول جبهة القناة، قال ديان للجنرالات: «انكم ستصابون بأزمة قلبية لمجرد رؤية الاعداد ان هناك 1100 قطعة مدفعية بالمقارنة مع 802 في 25 ديسمبر، انكم تتصرفون على نحو يخلو من الجدية».

وهنا فقط تحرر اليعازر من الالتباس والغموض، فأصدر أوامره بوضع القوات المسلحة الاسرائيلية في حالة الاستعداد القصوى وذلك لأول مرة منذ حرب يونيو 1967، كما امر بوضع شبكة التعبئة الطارئة تحت الاستعداد، والغى كل اجازات الجيش، وذلك في توقيت كانت تستعد نسبة كبيرة من الجنود على الجبهة لقضاء اجازة عيد الغفران.

لم تكن الصورة الجوية هي وحدها التي أكدت للاسرائيليين تزايد احتمال نشوب الحرب، لكن قسم الاستماع بالمخابرات العسكرية الاسرائيلية كان قد التقط رسالة من موسكو الى رجال المخابرات السوفييتية في القاهرة ودمشق تبلغهم فيها بقرار ترحيل العائلات السوفييتية كما عرف الاسرائيليون ان هناك 11 طائرة سوفييتية في طريقها الى الشرق الأوسط، من بينها ست طائرات انتينوف عملاقة، تتسع كل طائرة لنحو 400 راكب، وان الاوامر قد صدرت لعائلات الخبراء السوفييت بالتجمع في نقاط معينة بحلول منتصف الليل.

واعترف زيرا لأول مرة بعدم فهمه للنوايا العربية، واعطى مباركته لحالة الاستعداد القصوى، ويرجع ذلك فقط الى عملية اجلاء العائلات السوفييتية. وقال ان عملية الاجلاء اعطت بعدا جديدا للموقف، فمن غير المعقول افتراض ان السوفييت يقومون باجلاء المدنيين خوفا من هجوم اسرائيلي. وعلى الرغم من ان تحليل زيرا اشار الى هجوم عربي على اسرائيل باعتباره السيناريو الاكثر ترجيحا، الا انه لم يقل ذلك صراحة ...

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech