Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كتاب حرب أكتوبر1973م - الفصل السابع

 

الحلقة السابعة

عندما فكرت مائير في الانتحار وتدمير 50 دبابة إسرائيلية في يوم واحد وسط قرارات متخبطة

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش أن اليعازر أبلغ مجلس الوزراء الاسرائيلي ليلة السبت السادس من اكتوبر بأن الامور سيئة والتقارير الواردة من الجبهتين المصرية والسورية لا تدعو إلى الارتياح

وقال: «نحن نحاول تلمس طريقنا وسط ضباب الحرب».كان يتعين على رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية ان يقرر قبل حلول الفجر اي جبهة في حاجة أكثر للسلاح الجوي ولفرقة مدرعة من الاحتياط بقيادة الجنرال موش بيلير.

افادت تطورات الحرب، خلال الجزء الأول من الليل، ان الهجوم السوري خف قليلاً، بينما يتقدم الهجوم المصري بايقاع سريع، فقرر اليعازر اعطاء الاولوية للجبهة مع مصر. كما اصدر اوامره إلى هوفي باخلاء النقاط الحصينة المعرضة للخطر والاستعداد للانسحاب إلى خط بالقرب من حافة هضبة الجولان.
حاول اليعازر تهدئة الوزراء، الذين كان بعضهم على وشك الانهيار العصبي، فقال لهم: «هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها الجيش الاسرائيلي معارك دفاعية» كما حاول ديان ان يكون متفائلاً، مشيراً إلى أن قوات الاحتياط سوف تبدأ في الوصول إلى ساحات المعارك غداً، لكنه لم يتمكن من تجنب الاشارة إلى الخطر الذي يحوم في الافق. وقال انه اذا حققت مصر وسوريا انتصارات كبيرة، فإنه من المحتمل ان ينضم العراق والاردن ولبنان الى الحرب.

يشير المؤلف الى انه حتى في الوقت الذي بدأت وحدات الاحتياطي تصعد هضبة الجولان، كانت القيادة الشمالية تستعد للانسحاب من الجولان بكاملها وفي الساعة 30,4 من فجر الاحد 7 أكتوبر صدرت الاوامر باخلاء قواعد الجيش من أية وثائق مهمة. وبدأت الشاحنات في انزال الذخيرة من مستودع كبير بالقرب من جسر «بنات يعقوب» في الوقت نفسه واصلت المدرعات السورية تقدمها، فيما كانت القوات الاسرائيلية تتقهقر. وقبل الفجر هدأت حدة القتال على طول خط المواجهة، فيما واصلت القوات السورية تدفقها على القطاعات غير المحصنة.

ديان والمعبد الثالث

عندما وصل ديان على متن طائرة هليكوبتر إلى مقر القيادة الشمالية، ابلغه هوفي، بكل وضوح وصراحة، بأنه يتعين اخلاء الجولان. وقال له انه ليس هناك ما يكفي من القوات القادرة على منع السوريين من الاندفاع جنوباً من رامات ماجشميم إلى وادي الأردن.كان الجنرال دان لانر قائد احدى فرق الاحتياطي، متشائماً مثل هوفي، وقال: «ان القتال انتهى في جنوب الجولان، وقد خسرنا المعركة. وليس بمقدورنا القيام بأي شيء لوقف التقدم السوري».

وواجهت هذه الصورة الكئيبة وزير الدفاع الاسرائيلي خلال الأيام التالية. لم يتمكن ديان من الاتصال باليعازر، فاضطر الى الاتصال بقائد السلاح الجوي بيني بيلير في الساعة الخامسة من صباح الأحد، وسأله عن خططه لهذا اليوم. فقال له انه سيشن هجوما على كتائب الصواريخ المصرية.
فطلب منه ديان الغاء هذا الهجوم قائلا انه لا توجد سوى الرمال في سيناء، كما ان قناة السويس تبعد 150 ميلا عن تل أبيب. وأوضح ديان ان الموقف أخطر على جبهة الجولان، وان السلاح الجوي هو الوحيد القادر على وقف تقدم السوريين الى ان تصل قوات الاحتياطي.

وتابع ديان انه اذا لم تشن الطائرات هجوما بحلول الظهر، فإن السوريين سوف يصلون الى وادي الأردن.وهنا يستخدم ديان عبارة لأول مرة وسوف يكررها على مدى الأيام المقبلة وسط استياء كل من يسمعها، فقد قال لبيليد ان «المعبد الثالث في خطر». ويقصد بالمعبد الثالث اسرائيل، وكان المعبد الأول قد بناه سليمان، وهدمه البابليون في 586 قبل الميلاد، بينما بنى المعبد الثاني هيرود، ودمره الرومان في 70 ميلادية.يقول المؤلف ان هذا الأمر أثار دهشة كبار ضباط السلاح الجوي خلال اجتماع عقد في غرفة العمليات.

فقد رأى كبار الضباط ان هذا الهجوم الجوي لن يقدم أي دعم للمعارك على جبهة الجولان، خاصة وأن بطاريات سام ـ 6 السورية في حالة حركة مستمرة ومن الصعب رصد مواقعها. وبالاضافة الى ذلك فليس هناك أي منطق يقف وراء الغاء هجوم كان مقرراً على الجبهة الجنوبية لاحداث الاضطراب في صفوف القوات المسلحة المصرية.

دخل الكولونيل جيورا فورمان رئيس العمليات في مناقشة ساخنة مع بيلير وصلت الى حد تبادل الكلمات. يقول المؤلف ان المنطق ربما يقف في صف كبار الضباط، لكن بيلير كان الرجل الوحيد في الغرفة الذي سمع صوت ديان فجر يوم الاحد. اغلق بعنف باب المناقشة قائلاً: «انني اتفهم وجهات نظركم، ولكن الطائرات في طريقها الآن الى الجولان».

وقبل الظهر اتجهت 60 طائرة فانتوم نحو هضبة الجولان كانت القوات السورية المتقدمة منتشرة الآن على جانبي الخط البنفسجي ـ وهو الاسم الذي يطلق على خط وقف اطلاق النار بسبب لونه على خريطة اسرائيل. وعندما حلقت الطائرات على ارتفاع منخفض فوق رؤوس القوات السورية، انضم المشاة والدبابات على المدافع المضادة للطائرات في عملية اطلاق النار إلى الطائرات.

فارتفعت الطائرات لتحديد مواقع بطاريات الصواريخ، لكن الطيارين اكتشفوا ان كل بطاريات سام ـ 6 قد ذهبت ولم يجدوا سوى بطارية واحدة قاموا بتدميرها، ولكن في المقابل تم اسقاط ست طائرات فانتوم بنيران المدفعية، وليس بصواريخ سام.كانت نتائج اليوم كارثية بالنسبة للسلاح الجوي الاسرائيلي، ولكل الجيش الاسرائيلي جرمته. وفي يوم واحد اهتزت سمعة الجيش كقوة                                                                                                                                                                                                                             عسكرية،كمااهتزت كثيراً ثقة صانعي القرارات في قدراتهم.

يقول الجنرال ديفيد افري خلف بيلير في شهادة امام لجنة التحقيق بعد الحرب انه لو تم تأجيل الهجوم الجوي لمدة ساعتين فقط، لتوفر لنا الوقت لاكمال مهمة التقاط صور جوية لتحديد موقع صواريخ سام ولاعادة طائرات الهليكوبتر الحاملة للمعدات الالكترونية من سيناء لتقوم بالتشويش على هذه الصواريخ.

وكان بيلير قد حذر كبار قياداته قبل يومين من أنهم قد يدخلون في مجال النيران اذا لم يتم تدمير صواريخ سام. وقد حدث ذلك، فقد دخلوا في مجال النيران التي سرعان ما التهمتهم، وذلك على حد تعبير الكاتب. ففي خلال اليومين الاولين من الحرب خسرت اسرائيل 35 طائرة، ولم تصب دفاعات الصواريخ العربية. ولم تتعرض القوات البرية العربية لأي تهديد يذكر من الجو. ولم يحقق سلاح الجو الاسرائيلي أي نجاح يذكر، حتى ان القوات البرية الاسرائيلية التي كانت تتعرض لهجمات وقصف مستمرين كانت تتطلع الى السماء، وتتساءل: «أين السلاح الجوي؟ 

مع حلول فجر يوم الأحد، دارت معركة عنيفة في جنوب الجولان بين المدرعات السورية والاسرائيليين، شاركت فيها طائرات الميغ السورية. وبحلول الظهر تلقى بن جال قائد اللواء السابع بجبهة الجولان تقريرا يفيد بمقتل الكثير من الجنود. وبدأت الصورة تزداد قتامة بالنسبة لقيادات الجيش الاسرائيلي. فقد خسروا معركة جنوب الجولان. وفي سيناء دمر المصريون خط بارليف، وأحرزوا تقدما كبيرا على الأرض. وفي الجو اسقطت صواريخ ساغر أعداداً كبيرة من الطائرات الاسرائيلية بطريقة متكررة وسهلة.

بدأت طائرات سكاي هوك تحلق على ارتفاع منخفض فوق جنوب الجولان على الرغم من امكانية تعرضها لصواريخ ساغر، وذلك في محاولة يائسة لابطاء تقدم الدبابات السورية. ولكن في غضون ثوان اطلقت عليها صواريخ ساغر، فأصابتها جميعا. وبعد دقائق طلعت اربع طائرات اخرى اسقطت صواريخ ساغر اثنتين منها، فتأكد عندئذ الجنود الاسرائيليون ان الخلاص لن يأتي من الجو.

فقد حاولت الطائرات الاسرائيلية الهروب من صواريخ ساغر، الا ان ست طائرات سكاي هوك تم اسقاطها، وهي تحاول وقف هجوم الدبابات السورية، بينما اصيبت 11 طائرة اخرى. وبدا وا ضحا ان الغارات الجوية لوقف التقدم السوري كانت ذات تأثير هامشي.

يقول المؤلف ان القوات الاسرائيلية تعرضت طوال يوم الأحد لهجوم سوري قوي يتجاوز نطاقه اي شيء تخيله الاسرائيليون. وعلى عكس الجبهة المصرية، فان المعارك التي دارت على الجبهة السورية كانت معارك دبابات في مواجهة دبابات. ويقول المؤلف ان المصريين لجأوا الى استخدام صواريخ «ساغر» وقذائف «ار بي جي» بأعداد كبيرة خلال المعارك الاولى في سيناء نظرا لأن الدبابات المصرية لم تتمكن من عبور القناة في الوقت المحدد للتصدي للمدرعات الاسرائيلية.

ومع ذلك لم تتوقع القيادة المصرية ان تفقد اسرائيل ثلثي فرقة مدرعة في نصف يوم فقط، خلال معركة كان ابطالها جنود المشاة وحدهم. ولم يكن السوريون، في المقابل، يعانون من نقص في «الار بي جي» وصواريخ «ساغر»، لكنهم لم يلجأوا لاستخدامها بأعداد كبيرة لأنهم لم يكونوا بحاجة للمشاة، فقد تمكنوا من عبور الحواجز التي تفصلهم عن الخط الاسرائيلي وهذه الحواجز كانت عبارة عن خنادق مضادة للدبابات وحقول ألغام، وواجهوا الدبابات الاسرائيلية بدباباتهم.
في أي موقع تريدني؟

كان الهجوم السوري قويا مما دعا اليعازر الى التحدث مع هوفي عصر يوم الاحد ليحثه على تشكيل خط دفاعي ثاني عند حافة الهضبة، بعد ان استعاد السوريون معظمها.وقال اليعازر انه من المهم الابقاء على موطئ قدم فوق الهضبة الى ان تصل فرقة موشي بيليد صباح الاثنين، لم يكن هوفي متأكدا من امكانية ذلك، خاصة وان السوريين قد استولوا تقريبا على قاعدة «نافاخ».

أثارت هذه المحادثة قلق اليعازر. فعلى الرغم من احترامه لقائد الجبهة الشمالية وادراكه انه لولا تحذيرات هوفي بشأن التعزيزات السورية، لكانت هضبة الجولان قد سقطت الآن.لكنه شعر بأن هوفي يعاني من الاستنزاف، ويحتاج الى ضابط كبير بجواره ليشاركه العبء الذي يتحمله بمفرده. قرر اليعازر ارسال حاييم بارليف، الذي سبقه في تولي رئاسة هيئة الاركان، لتقويم الموقف هناك.

وعندما طرح اليعازر الفكرة على غولدا مائير وديان، وافقا على الفور، كما وافق بارليف، وسأل ديان عما يريده منه، فقال له انه كان يعتزم أصلا ان يحل محل هوفي الذي يعاني من الانهيار والاجهاد نتيجة لاتساع نطاق الهجوم السوري، لكن اليعازر استبعد الفكرة وبالتالي فإنه سيحل محله، ولكن دون تعيين رسمي.
وفي مقر القيادة الشمالية، لم يتغير الموقف الصعب كثيراً على الرغم من وصول وحدات الاحتياطي، التي لم تتمكن من ان تفعل شيئاً يذكر أمام تدفق المدرعات السورية وعندما وصل الجنرال موشي بيليد الى المقر وجد هوفي مستلقياً في ركن مظلم بإحدى الغرف يحاول الحصول على قسط من الراحة فسأله بيليد: «إن فرقتي ستصل الليلة.. في اي موقع تريدني؟».

عندئذ طلب منه هوفي ان يشكل خطاً دفاعياً على طول نهر الاردن، صدم بيليد من هذا الامر الذي يعني التخلي عن الجولان، بل إنه تلقى صدمة أخرى، عندما علم أن المهندسين يستعدون بالفعل لتفكيك الجسور بدا هوفي هادئاً، لكن بيليد شعر بأنه منهك نتيجة لتطورات اليوم السابق.وعندما وصل بارليف إلى مقر القيادة الشمالية، ذهل من حالة التخبط والفوضى التي يعاني منها الجميع.

يقول المؤلف ان بارليف وبيليد اعدا معاً خطة لشن هجوم مضاد، من خلال التقدم باتجاه الشمال الشرقي وقطع نقاط الدخول السورية الرئيسية لجنوب الجولان وعندما تنقطع خطوط الامدادات ستضطر القيادة السورية الى سحب قواتها.

قام الاسرائيليون بإخلاء تل فارس وتركوا النقطة 116 الحصينة لتكون المركز الاسرائيلي الوحيد على طول الجزء الجنوبي من خط وقف اطلاق النار، وفي الساعة الثامنة مساء اتجهت خمس دبابات سورية نحو هذه النقطة وحاصرتها وبحلول صباح اليوم التالي، بدأت الدبابات في قصف الحصن، الذي سقط بعد مقتل جميع الاسرائيليين بداخله.

وعندما حل الظلام يوم الاحد، هدأت حدة المعارك في القطاع الأوسط طلب قائد الوحدة من عدد من جنود المشاة تفقد ساحة المعركة بحثاً عن الدبابات المعطلة والجرحى والقتلى كان هناك الكثير من المفقودين من بينهم قائدا كتيبتين عثر المشاة على الكولونيل شافر وافراد طاقمه ممددين على الأرض في حالة سيئة بجوار دبابتهم على الطريق من نافاخ الى القنيطرة، كانت احدى عيني الضابط شافر قد فقئت بعد اصابتها بإحدى الشظايا، كما وصل هاريل، قائد الكتيبة الثانية الذي اصيبت دبابته، سيراً على قدميه وهو في حالة سيئة هو الآخر.

يقول المؤلف انه في ضوء الخسائر الثقيلة، كان من الضروري إعادة بناء اللواء الاسرائيلي من الصفر مرة اخرى، خاصة بعد مقتل معظم قياداته.يقول المؤلف انه خلال يومين من المعارك تكبد فيها الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة إلا أنه تمكن من وقف الهجوم السوري. وبعد ان كانت القيادة الشمالية الاسرائيلية تفكر صباح يوم الاحد في الانسحاب من كل الجولان، اصبحت تستعد لشن هجوم مضاد.

 

على الجبهة المصرية


على الرغم من ان قائد القيادة الجنوبية جونين كان اكثر ثقة في نفسه من نظيره، بالقيادة الشمالية هوفي، فإن وزير الدفاع الاسرائيلي ديان كان يرى في ذلك مشكلة، فقد أبلغه جونين بأنه مع وصول فرق الاحتياطي، فإنه من الممكن اخراج المصريين من سيناء، بل من الممكن العبور الى الضفة الغربية من القناة، ورد عليه ديان قائلاً إنه ينبغي اعطاء الأولوية لتشكيل خط دفاعي ثانٍ، والتخلي عن تحصينات بارليف، ويتعين على الأفراد الموجودين داخل التحصينات المحاصرة ان يحاولوا الهروب منها سيراً على الاقدام عند حلول الظلام.

وينبغي عدم بذل أية محاولات اخرى لاعادتها للسيطرة من خلال هجوم بالدبابات، كما ينبغي ترك الجرحى غير القادرين على الحركة ليكونوا اسرى لدى المصريين وأوصى وزير الدفاع بأن يكون خط الدفاع الجدير على طول طريق المدفعية على بعد ستة أميال من القناة. بعد ان زار ديان الجبهتين الشمالية والجنوبية شعر بالصدمة من اتساع نطاق الهجوم العربي، كما انتابته حالة من القلق لم يشعر بها من قبل.

وهو التعبير الذي استخدمه ديان نفسه في مذكراته عن الحرب بعد ذلك، لقد بنت اسرائيل استراتيجيتها الدفاعية على اساس افتراض مفاده ان العرب الذين سيواجهونهم في الحرب المقبلة سيكون هم انفسهم الذين هزمهم الاسرائيليون في حرب يونيو 67. وهذا الافتراض هو الذي تسبب في هذا التقصير الخطير وأدى الى نشر اعداد قليلة من القوات على طول خطوط المواجهة، وقد اظهرت معركة اليوم الاول وحده بأن العرب قد تغيروا كثيراً.

فالمصريون والسوريون كانوا يهاجمون وفقاً لخطة مدروسة بعناية افضل كثيراً من الخطة الاسرائيلية كما يمتلكون اسلحة حديثة، من بينها اسلحة لا تستطيع اسرائيل التصدي لها، مثل صواريخ سام 6 و«ساجر». والاكثر أهمية من ذلك ان الروح القتالية للمصريين والسوريين كانت عالية للغاية، ولم يتوقعها الاسرائيليون، وعندما يتعرض الجنود العرب لهجوم عليهم فإنهم لا ينسحبون أو يهربون ولكن يتمترسون في اماكنهم ويوجهون ضربات موجعة للمهاجمين الاسرائيليين.

ويقول المؤلف هنا ان اسرائيل لم تضع ضمن حساباتها قوة الدفع النفسية الحيوية التي استفاد منها العرب، بعد ان اخذوا بأيديهم زمام المبادرة.شعر ديان بحالة من اليأس، على الرغم من انه كان يتحدث بتفاؤل بعد ساعتين فقط من نشوب الحرب، عندما قال لعدد من رؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية: «ان المصريين اقحموا انفسهم في مغامرة لم يفكروا جيداً في عواقبها فبعد غد عندما يبدأ افراد الاحتياطي في الوصول الى الجبهة سيدرك المصريون خطأهم، ولا اتمنى ان اكون مكانهم». وقد جاء بعد غد ولاتزال اسرائيل هي التي تواجه المتاعب، وليس العرب.

عندما عاد ديان الى تل ابيب، وعقد على الفور اجتماعاً مع اليعازر وكبار الضباط، قال لهم بنبرة حزينة: «اتدركون ما اخشاه من كل قلبي؟ ألا يكون لدى اسرائيل أسلحة تمكنها من مواصلة القتال، بغض النظر عن المكان الذي سيتم فيه رسم خط الدفاع الجديد. لن تكون لدينا دبابات وطائرات تكفي للمواجهة.

والأهم من ذلك ان يكون لدينا افراد مدربون بما فيه الكفاية. ان الحرب ليست ضد مصر وسوريا، انها الحرب التي تخوضها اسرائيل ضد العرب، العالم العربي كله». بعد ذلك قال ديان لاليعازر انه لا يفضل عملية انسحاب سريع، لكنه مع رسم خط دفاعي جديد.

 
رغبة في الانتحار

في مذكراتها قالت مائير، بعد ذلك، انها بعد ان استمعت الى ديان وما يفكر به انتابتها «رغبة في الانتحار» فقد حضرت اجتماع مجلس الوزراء مع ديان وهي في حالة انهيار.كان وجهها شاحباً، وترتسم علامات اليأس على محياها، وبعد الاجتماع استندت على جدار في الممر، وقالت لأقرب مساعديها بصوت منخفض مهزوم: «ان ديان يتحدث عن الاستسلام».

ويقول المؤلف انه على الرغم من ان ديان لم يذكر هذه العبارة صراحة، إلا انه تحدث عن الانسحاب من مواقع والتخلي عن خط بارليف، كما أعرب عن اعتقاده باستحالة اجبار المصريين على التقهقر الى الجبهة الغربية من القناة. لقد قدم ديان استقالته، لكن مائير رفضتها على الفور، وعندما سألته عن رد فعله اذا صدر قرار من الامم المتحدة بوقف اطلاق النار قال ديان انه سيتمسك به، حتى اذا كان ذلك يعني بقاء الجيش المصري على الضفة الشرقية للقناة.

لم يكن هذا الشعور باليأس والاحباط هو شعور ديان ومائير فقط، بل شعور معظم الاسرائيليين، الذين احسوا بأن جيشهم قد تلقى ضربات موجعة خلال الساعات الاولى من المعركة. كما ادرك كبار الضباط ان افتراضاتهم الاساسية التي بنوا عليها ثقتهم في النفس كانت مجرد أوهام.

فالجندي العربي لا يهرب من أرض المعركة، كما أوهموا انفسهم بذلك، بل انه يهاجم ويقاتل ببسالة، ويستخدم ببراعة أسلحة جديدة وبروح قتالية جديدة. ولم يكن للسلاح الجوي الاسرائيلي أي دور يذكر في ساحة المعارك، بل تم اسقاط طائراته بمعدل أثار رعب الاسرائيليين.

كما لم تتمكن الدبابات الاسرائيلية من الصمود على الجبهتين الجنوبية والشمالية، باستثناء بعض المعارك بالقطاع الشمالي من جبهة الجولان. والأهم من هذا كله ان المخابرات الاسرائيلية كانت خارج الصورة تماماً، بل انها كانت مسئولة عن الخلل الرهيب الذي هدد اسرائيل بكارثة. لم يكن قد مرّ سوى يوم واحد، وبدا كل شيء ينهار داخل المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيلية. فإذا كان العرب قد نجحوا في انجاز كل هذا في يوم واحد، فما الذي سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة؟

أما الجنود الاسرائيليون على خط المواجهة فقد حاولوا ابعاد الأفكار السوداء عن أذهانهم، ولكن كان بعضهم لا يتمكن من استبعاد هذه الأفكار، وفي مقدمتهم الطيارون الذين يرون الصورة بشكل أوضح. وقد تصادف أن سألت إحدى موظفات العمليات طيار فانتوم عاد لتوه إلى القاعدة من مهمة فوق الجولان يوم الاحد عن الوضع، فقال لها ان المئات من الدبابات السورية تتقدم على طول الجبهة، مثل حشود من النمال العملاقة، ولا توجد أي وسيلة لوقفها. أصيب المدنيون الاسرائيليون بصدمة عنيفة وهم يحتفلون بعيد الغفران. ففي يوم واحد فقدوا الثقة بالنفس، وانتابتهم حالة من الذعر والخوف أثرت بشدة على حالتهم النفسية، وهي حالة لم يخرجوا منها لسنوات.

يقول المؤلف انه سرعان ما أشارت أصابع الاتهام الى رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي ديفيد اليعازر، فهو المسئول عن تبني الجيش الاسرائيلي لعقيدة جعلته لا يتخذ الاستعدادات اللازمة لهذه الحرب، عقيدة تقلل كثيراً من قوة الخصم العربي، كما انه يتحمل مسئولية الاعتماد على تقويم المخابرات العسكرية بأن احتمال نشوب الحرب هو «احتمال ضعيف»، كما ان اليعازر لم يسارع بإصدار أمر التعبئة الجزئية خلال الأيام التي سبقت الحرب. واعتمد سياسة دفاعية ضعيفة على خط القناة، بخلاف كل القواعد العسكرية الأساسية، كما انه وراء تعيين جونين رئيساً للقيادة الجنوبية.

ويرى المؤلف ان التغيير في القدرات الحربية العربية لا يرجع إلى تغير مفاجيء في الشخصية، لكنه تغير حدث على مدى سنوات منذ حرب يونيو 1967، وذلك في الوقت الذي تأثرت فيه اسرائيل سلباً بانتصارها ـفي 1967.

في منتصف ليلة الاحد 7 اكتوبر التقى اليعازر بهيئة الأركان، حيث طرح عليهم خطة الهجوم المضاد على الجبهتين المصرية والسورية على ان يتم تنفيذها صباح يوم الاثنين.

وكانت الخطة الاسرائيلية على الجبهة المصرية تقضي بالسيطرة على المنطقة الممتدة بين القناة وطريق المدفعية داخل سيناء، وانقاذ الاسرائيليين المحاصرين داخل النقاط الحصينة، واستعادة الدبابات المعطلة والاستعداد لعبور قناة السويس.

وفي الساعة الثانية من قبل فجر يوم الاثنين انطلقت فرقة الجنرال ابراهام أدان باتجاه الغرب، وتحركت الدبابات ببطء، خوفاً من مواجهة قوات مصرية، وذلك وفقاً لتعليمات قيادة الجبهة الجنوبية التي كانت لا تزال تعاني من صدمة الهجوم المصري المفاجيء والتصميم والمعنويات العالية التي أظهرها المصريون.

وفي الساعة الرابعة فجراً، تلقى أدان اتصالاً من الجنرال كالمان ماجن الذي تولى قيادة قطاع بالوظة، حيث نقل له أوامر جديدة من جونيث تتعارض مع خطة اليعازر مما جعل أدان يدرك ان هناك مشكلة خطيرة داخل القيادة الجنوبية.يقول المؤلف إن اليعازر كان في نهاية القلق والحذر ولم يكن متفائلاً مثل بقية أفراد هيئة الأركان. ويبدو أن قلق اليعازر كان في موضعه، حيث ان اللواءات الثلاثة ضمن فرقة ادان كانت تتحرك من دون أي تنسيق فيما بينها، كما ان اوامر جونين لادان كانت غير واضحة، كما كانت تتغير من وقت لآخر، وفي بعض الاحيان كانت تتعارض فيما بينها.

بدأ ديان يشعر بالقلق واحس بأن الهجوم المضاد لا يحرز اية نتائج مهمة، خاصة وان فرقة ادان لم تواجه حتى الآن اية مدرعات او قوات مصرية، كما شكك ديان في تقرير افاد بأن المصريين يتراجعون، وقال: ان المصريين يواصلون التقدم» وصدق اليعازر على وجهة نظر ديان، وابدى عدم ارتياحه تجاه الطريقة التي تتطور بها المعركة ولم يتمكن اليعازر من الحصول على صورة واضحة للموقف من جونين، كما لم تكن لديه فكرة مما يحدث لفرقة ادان.

وفي ظل كل هذا التخبط تحول يوم الثامن من اكتوبر الى وصمة عار في التاريخ العسكري الاسرائيلي، فقد نجح المصريون في تدمير عشرات الدبابات وفي قتل واصابة الكثير من الضباط والجنود، وقد تعرضت كتيبة مدرعات اسرائيلية بقيادة عساف ياجوري لقصف مصري مكثف بصواريخ «ساجر» والآر بي جي» من ثلاثة اتجاهات، وفقد ياجوري معظم قيادات دباباته.

وحاول الانسحاب مع القليلين الذين تبقوا على قيد الحياة وجميعهم كانوا خمسة فقط من بينهم ضابط عمليات الكتيبة، لكن أحد الضباط المصريين تمكن من اللحاق بهم وامرهم بالتوقف، وتم اسر عساف يا جوري والآخرين ونقلوا على متن عربة مدرعة، كما تعرضت كتيبة اسرائيلية اخرى لخسائر فادحة،، اذ لم تتمكن سوى اربع دبابات فقط من الانسحاب، وذلك من اصل 18 دبابة.

يقول المؤلف ان المشهد كان مأساويا بحق، فعلى مدى البصر كانت عشرات الدبابات الاسرائيلية تحترق، فيما يحاصرها مئات الجنود المصريين ووراء هذا المشهد كانت هناك نحو مئة دبابة وعربة مدرعة مصرية تصطف في تشكيل استعدادا للهجوم.

بالنسبة للعديد من الضباط الاسرائيليين كانت هذه هي اسوأ ازمة تعرضوا لها على مدى اربع حروب، فبالاضافة الى الخسائر الثقيلة خسر الاسرائيليون الكثير من المواقع الاستراتيجية المهمة. ومع حلول الظلام انسحبت كل القوات الاسرائيلية من ساحة القتال، لينتهي اسوأ يوم في تاريخ اسرائيل لم تكن المفاجأة في ذلك اليوم في القدرة القتالية العالية للمصريين فقط، بل حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية للقيادة الاسرائيلية التي تأكدت انه هذه الحرب لن تكون حرباً سريعة او سهلة.
لقد فقدت الفرقة الاسرائيلية التي شنت اول هجوم مضاد في حرب اكتوبر نحو 60 دبابة، والاهم من ذلك انها فقدت الثقة في النفس.يقول المؤلف ان الفشل الاسرائيلي كان شاملا، واصبح واضحا للجميع ان هناك دروسا يتعين الاستفادة منها بعد هذا اليوم العصيب ....

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech