Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كتاب حرب أكتوبر1973م - الفصل الثامن

 

 

 

الحلقة الثامنة

 

ملامح اليوم الأسوأ في تاريخ إسرائيل وتل أبيب تعد السلاح النووي تحسباً لانهيار الجيش

 

 

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش ان اليعازر كان يشعر بالقلق تجاه تطورات الاوضاع على الجبهة الشمالية حيث قال لمساعديه ان السوريين قد تقدموا كثيراً على هضبة الجولان،

وليست هناك دبابة واحدة تقف في مواجهتهم حتى حيفا، ومن السهولة الاندفاع من حيفا الى تل ابيب، ودعا الى تشكيل خط دفاعي عند حافة الهضبة والتركيز على الجولان، اذا ان القناة بعيدة عن حدود اسرائيل، الامر الذي يتيح الفرصة لانسحاب تكتيكي، بينما الوضع في الجولان مختلف تماماً.

حاول الاسرائيليون انقاذ المحاصرين داخل مركز الاستخبارات في جبل الشيخ الذي تمكن السوريون من الاستيلاء عليه. واتجهت كتيبة الى المركز، ودارت معركة انتصر فيها السوريون من جديد، وانسحبت القوات الاسرائيلية، بعد ان تكبدت 25 قتيلاً و57 جريحاً.

وفي غرفة العمليات بتل أبيب، اقترح الجنرال طال التخلي عن خطط عبور القناة، وارسال قوة برمائية عبر خليج السويس بدلاً من ذلك لاحداث ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث وتهديد حقول البترول المصرية بل ووادي النيل ايضاَ.

ولم يرفض ديان الخطة، لكنه كان يفضل مهاجمة الطرف الآخر من الخط المصري والاستيلاء على مدينة بورسعيد عند مدخل القناة الشمالي. وعندما قيل له ان ارييل شارون مصمم على عبور القناة، رد ديان قائلاً: على حد معرفتي بشارون فإنه يريد التوجه مباشرة الى القاهرة وكسب المزيد من الاصوات لصالح الليكود».

إلا ان شارون كان مقتنعاً بأن فرصة تغيير مسار الحرب قد ضاعت هذا اليوم مع فشل الهجوم المضاد الذي تم شنه بفرقتين واحدة يقودها هو والاخرى يقودها ادان، وعلى الرغم من ان شارون لم يفقد الأمل تماماً، فإنه لم تعد لديه ثقة في اولئك الذين يديرون الخطط القتالية.

ومع ذلك فإنه كان يرى ان الامكانية لاتزال قائمة لشن هجوم مضاد جديد، لكنه حذر من ان كل يوم يمر يزيد هذه المهمة صعوبة.

اما ادان فإن لم يشارك شارون تقويمه للموقف، وتوقع انه في ظل معاناة الجيش الاسرائيلي في الجبهة الجنوبية وعدم تنظيم صفوفه وضعف قواته، فإن أي هجوم شامل يمكن ان يؤدي الى كارثة أكبر.



أجواء متوترة

كانت الاجواء في مقر جونين، حيث تجمع كبار القادة الاسرائيليين، متوترة للغاية، كان ادان آخر من وصل من قادة الفرق، وكان يشعر بمرارة الفشل الذي تعرض له اليوم، لكنه كان ساخطاً لانه وضع في موقف لا يحتمل نتيجة للأوامر المتضاربة التي تلقاها من جونين ونتيجة لتعرض فرقته لقصف مدفعي عنيف من جانب المصريين، في الوقت الذي كان ينتظر الدعم الجوي، الذي توقعه وفقاً للخطة، لكنه لم يتحقق أبداً.

وفي طريق عودتهما الى تل ابيب بالهليكوبتر غرق ديان واليعازر في التفكير. لقد بدا واضحاً لهما ان استراتيجية الحرب تحتاج الى اعادة دراسة، خاصة بعد الفشل الكبير للهجوم المضاد في سيناء، وبعد فشل لواء الجولان في استعادة جبل الشيخ في وقت سابق من اليوم.وفي غرفة العمليات بتل ابيب قال وزير الدفاع لاعضاء هيئة الأركان ان اسرائيل تواجه ازمة خطيرة، وانه يتعين احداث تعديلات مؤلمة.
واضاف ان الحرب اثبتت خطأ الكثير من الافتراضات الاساسية التي اعتمد عليها الجيش الاسرائيلي، وأوضح قائلاً: لقد اعتقدنا ان دباباتنا بإمكانها منع المصريين من تركيب الجسور على القناة، لكننا لم نتصور مدى الدور الذي يمكن ان تلعبه الصواريخ المضادة للدبابات، وكانت لدى السلاح الجوي خطط لتدمير هذه الصواريخ، لكن هذه الخطط لم تنجح، لقد اصبح العالم العربي يمتلك قدرات قتالية اكبر، ويجب علينا ان نفهم انه ليست هناك تركيبة سحرية لمواجهة ذلك.

ودعا ديان إلى توقع إمكانية مواجهة صراع طويل، وطالب بتعزيز أفراد الجيش وتوسيع نطاق التعبئة، بحيث تشمل أفراداً في أعمار متقدمة وشباباً تحت الثامنة عشرة، ورأى ضرورة مطالبة الولايات المتحدة بتزويد اسرائيل بكميات اضافية من السلاح والذخيرة، وخاصة الصواريخ المضادة للدبابات، المماثلة لتلك التي في أيدي أفراد المشاة المصريين.

وقال ديان انه ينبغي توزيع مثل هذا السلاح على جميع الاسرائيليين في حالة وصول المدرعات المصرية الى قلب اسرائيل وجسد هذا الاقتراح المذهل مدى اتساع نطاق الخطر الذي يشعر به ديان.وبالنسبة لجبهات القتال، اقترح ديان تشكيل خط دفاعي خلف المضايق في سيناء، بينما قال إنه ينبغي ألا نعطي أي مجال للتراجع على جبهة الجولان.

وكان ديان قد أبلغ اليعازر بعد زيارته للقيادة الشمالية صباح يوم الاحد بأن هوفي يشعر بالاجهاد والاحباط وان جزءاً من المشكلة يكمن في انه كان جندي مشاة وليس ضابط مدرعات واقترح ديان ايفاد قادة أكفاء الى الجبهة الشمالية، لتعزيز الوضع، ووضع ضابط كبير بجانب هوفي لمساعدته في اتخاذ القرارات الحاسمة.أما بالنسبة لجونين فرأى ديان ضرورة تغييره اذ ان أوضاع الجبهة الجنوبية اصعب من قدرات جونين وكان المرشحان المحتملان هما شارون أو بارليف.

وقال ديان انه من الضروري التركيز على الجبهة الشمالية، لأنها الأقرب الى اسرائيل وينبغي القيام بأي شيء حتى لو أدى الأمر الى قصف العاصمة السورية، دمشق، بالقنابل. ويقول المؤلف هنا إن هنري كيسنجر كان قد شجع اسرائيل على التحرك نحو العاصمة السورية من أجل تعزيز الموقف الاسرائيلي على طاولة المفاوضات، بعد انتهاء الحرب.

وبعد ان غادر ديان غرفة العمليات، أبلغ اليعازر هيئة أركانه بأنه يتعين على سلاح الجو ان يوقف هجماته على القواعد الجوية السورية، ويتجه بدلاً من ذلك الى قصف أربع مدن رئيسية، هي دمشق وحمص وحلب واللاذقية مع التركيز على محطات الكهرباء والمرافق الرئيسية.

 
مائير والحقيقة المؤلمة

تم كشف النقاب عن الحقيقة المؤلمة للموقف العسكري الذي تتعرض له اسرائيل أمام رئيسة الوزراء غولدا مائير، وذلك خلال اجتماع عقد في الساعة 30,7 من صباح يوم الثلاثاء وحضر الاجتماع ديان واليعازر وأقرب مستشاري مائير والوزيران اسرائيل جاليلي وايجال ألون وبدأ ديان الاجتماع بالقول انه ليست هناك في الوقت الراهن امكانية للاقتراب من القناة أو عبورها ويجب أن يكون تركيز الجيش الاسرائيلي على سوريا حتى تقبل وقفاً لاطلاق النار، ولتحقيق ذلك اقترح قصف عدد من الأهداف العسكرية في دمشق، إلا أنه لم يستبعد امكانية ان يلحق الضرر بالمدنيين في هذا القصف.

اعترضت مائير على ضرب أهداف مدنية في دمشق، وقالت إنه اذا وقعت خسائر بين المدنيين، فإن واشنطن ستوقف اي امدادات للأسلحة والذخيرة ولكن عندما دعت الوزير جاليلي لابداء رأيه قال: «إن قصف دمشق أمر لابد منه». عندئذ أذعنت مائير، وطالبت بتوجيه رسالة الى دينتز تطالبه فيها بتوضيح هدف القصف لهنري كيسنجر.

يقول المؤلف إن المهمة تم تنفيذها بخسائر على الجانبين، إلا أن قصف المنشآت السورية الحيوية لم يحقق الهدف من ورائه، وهو اضعاف الموقف السوري على جبهة القتال، كما أدت الأحوال الجوية السيئة في ذلك الوقت الى فشل الطائرات في تحديد الأماكن العسكرية المهمة التي كان من المفترض قصفها، وسقطت بعض القنابل على بعض المنشآت المدنية.

إطلالة السلاح النووي

كان يوم الثلاثاء 9 اكتوبر بالنسبة لمعظم الاسرائيليبن هو اسوأ يوم في التاريخ. ففي هذا اليوم عرفوا أبعاد الهجوم المضاد الفاشل في سيناء، وأدركوا ان توقعاتهم بتحول سريع في مجريات الحرب ليست سوى مجرد أوهام. وقد وصف الجنرال طال هذا اليوم فيما بعد قائلا: لم يعد لدينا أي احتياطي يمكن الاستعانة به، لم يعد لدينا أي شيء».

ووفقا لرواية نشرت خارج اسرائيل، فقد اجتمع مجلس الوزراء المصغر يوم الاثنين 8 اكتوبر، وقرر اعداد ترسانة اسرائيل النووية، خوفا من انهيار الجيش الاسرائيلي كلية.

ووفقا لتقرير نشرته الصحف الاسرائيلية بعد مرور ثلاثين عاما على الحرب، ابلغ الجنرال طال مشاركين في اجتماع سري في 1974 بأن هيئة الاركان العامة أوصت صباح يوم الثلاثاء 9 اكتوبر باتخاذ «اقصى الاجراءات» ضد العرب. ووفقا للتقرير فقد اقترب احد كبار الضباط من طال والدموع في عينيه، وقال له: «عليكم انقاذ اسرائيل من هؤلاء المجانين، ويقصد اولئك الذين وافقوا على «اقصى الاجراءات».وقد أقيمت لرؤساء الصحف الاسرائيلية فرصة التعرف على رؤية ديان القاتمة لتطورات الحرب، وذلك مساء يوم الثلاثاء.

وتناول حديثه غير القابل للنشر معهم أوضاع الجبهتين الشمالية والجنوبية. وقال لهم ان الجيش الاسرائيلي ليست لديه القوة في الوقت الحالي لرد المصريين الى الضفة الغربية للقناة ويتعين على اسرائيل ان تنسحب الى عمق سيناء، وهو الامر الذي يحمل الكثير من المعاني، وفي مقدمتها فقدان الثقة في قوة الجيش الاسرائيلي.

وفي داخل نقطة «هيزايون» المحصنة تبخر امل الاسرائيليين بحلول عصر يوم الاثنين 8 اكتوبر. فقد اخترق رجال الصاعقة المصريون هذه النقطة عدة مرات وفي الساعة 15,5 مساء ابلغ نائب القائد رؤساءه بأنهم لن يستطيعوا الصمود أكثر من ذلك، وانهم سوف يستسلمون.

لم تكن هذه النقطة المحصنة الوحيدة التي استسلم افرادها للجيش المصري، فقد تم اخلاء العديد من النقاط الاخرى، أو استسلم افرادها. وقد هرب العديد من الجنود، عندما هبط الليل، وساروا لساعات ربما لأيام في الصحراء الى ان وصلوا الى الخطوط الاسرائيلية، وبعضهم سقط في أيدي المصريين.

وفي نقطة «فاتسميد»، هاجم المئات من جنود المشاة المصريين المكان بعد ظهر يوم الاثنين، وطلب قائد النقطة الكابتن جدعون جور امداده بدعم مدفعي، ولكن الدعم كان ضعيفا. كان هذا هو اليوم الثالث للمعركة حول نقطة «فاتسميد» وبدأت الذخيرة تنفد، وفي صباح يوم الثلاثاء استأنف المصريون هجومهم، فهرب الاسرائيليون الى المخابئ، لكن قنابل الدخان أجبرت كل افراد النقطة، وعددهم 35 جنديا اسرائيليا، على الاستسلام، وذلك في الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء.

وفي نقطة «بركان» الحصينة، أدرك قائدها الاسرائيلي أن المصريين سيصلون اليها بين لحظة وأخرى وانه من غير المرجح وصول فرق انقاذ اسرائيلية، لذلك فقد اتصل بالقيادة العليا وأبلغها بأنه سينسحب منها مع افراد وحدته. وعلى الرغم من تردد القيادة في السماح له باخلاء هذه النقطة المهمة، الا انه اتخذ القرار، وقام بتنفيذه بعد منتصف الليل، بعد احتجاب القمر، وقام أكثر من 30 اسرائيليا بالسير في الصحراء لمسافة تزيد على عشرة كيلومترات.

وفي الصباح اكتشف المصريون ان الاسرائيليين قد انسحبوا من «بركان». عندما دخل الفريق الشاذلي من بوابة الحصن بعد ساعات قليلة على هروب الاسرائيليين قال «الحمد لله، الله اكبر».يقول المؤلف ان الجبهة الشمالية واجهت تطوراً جديداً قلب موازين التفكير الاسرائيلي. فقد قرر العراق ارسال جنود ودبابات وعربات مدرعة الى الجبهة للوقوف الى جانب الجيش السوري.
وعلى الرغم من ان المخابرات الاسرائيلية قد دربت رجال حرب العصابات والاكراد لسنوات على إحداث اضطرابات تشغل الجيش العراقي في حالة نشوب حرب اسرائيلية عربية، إلا أن الزعامة الكردية قررت في هذه اللحظة الحاسمة عدم التورط في مغامرة عسكرية لصالح اسرائيل، وبدأ العراقيون بإرسال فرقة مدرعة على أن يتم إرسال فرقة مدرعة ثانية بعد ذلك.ويقول المؤلف إن العراق أرسل خلال الحرب 500 دبابة و700 عربة مدرعة و30 ألف جندي من بينهم وحدات قوات خاصة.

 
مواقف القوتين العظميين

يشير المؤلف إلى أن النجاحات التي حققها العرب أذهلت المراقبين العسكريين في عاصمتي القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ولم يكن رئيس هيئة الاركان العامة السوفييتية المارشال فيكتور كوليكوف يعتقد أن بمقدور المصريين عبور قناة السويس من دون مشاركة مباشرة من المستشارين السوفييت، إلا أنه اعترف بعد ثلاثة أيام من نشوب الحرب بالنجاحات التي حققها العرب.

وذلك في مذكرة قدمها إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي. وقال إن الاسرائيليين فوجئوا بالحرب، ولم يكونوا مستعدين لها، كما أشار إلى الدور الرئيسي الذي لعبه السلاح السوفييتي، خاصة صواريخ سام والاسلحة المضادة للدبابات في تحقيق التقدم العربي.
أما في واشنطن فقد أثار النجاح العربي حيرة صانعي القرار الأميركيين. وفي اجتماع لهم يوم السبت افترض معظم المشاركين أن اسرائيل بدأت الحرب. ولكن عندما تأكدت الانتصارات العربية توقع خبراء وزارة الدفاع الأميركية أن إسرائيل سوف تستعيد زمام المبادرة في غضون 72 ساعة مع بدء وصول أفراد الاحتياط الى وحداتهم.

ولكن مع مرور الوقت أدرك وزير الخارجية الأميركي الدكتور هنري كيسنجر أن المصريين يواصلون التقدم، بل إنهم يرفضون وقفاً لإطلاق النار. واعتقد كيسنجر أن الرئيس المصري أنور السادات لن يستطيع الصمود طويلاً أمام اسرائيل، وانه سيسعى إلى الحفاظ على الأرض التي كسبها من خلال طلب وقف إطلاق نار، لكن ذلك لم يحدث.

وفي مساء يوم الاثنين 8 اكتوبر، نقل السفير الاسرائيلي دينتز رسالة إلى كيسنجر تشرح تقويم تل أبيب للوضع، وهي الرسالة التي سبقت معرفة اليعازر بالخسائر الفادحة التي لحقت بالجيش الاسرائيلي عندما قام بزيارة مسائية للجبهة الجنوبية. وبالتالي لم يكن كيسنجر مستعداً لتلقي مكالمة هاتفية من دينتز في الساعة 45,1 صباحاً ليطلب منه الاسراع في تلبية مطالب السلاح الاسرائيلية.

لم يكن لهذا الاستعجال أي معنى لدى كيسنجر في ضوء التقويم الاسرائيلي لسير المعارك، الذي تلقاه قبل ساعات. أبلغ كيسنجر السفير الاسرائيلي بأنه سيبحث هذه المسألة صباحاً، لكن دينتز أعاد الاتصال به بعد ساعة، فأدرك كيسنجر عندئذ ان الأمور تسير على نحو غير جيد.

كانت غولدا مائير هي التي طلبت من دينتز ذلك، وقالت له بالحرف الواحد: «لا يعنيني ما الوقت الآن، اتصل بكيسنجر في الحال، فغداً ربما يكون قد فات الأوان». في الساعة 20,8 صباحاً، التقى كيسنجر ومساعدوه في البيت الأبيض بدينتز وموردخاي جور الملحق العسكري الاسرائيلي.
ذهل الأميركيون عندما أوضح لهم جور مدى الخسائر التي تكبدتها إسرائيل خلال الأيام الأربعة الأولى من المعارك، وقد تضمن هذه الخسائر 49 طائرة حربية و500 دبابة، أي ما يعادل ثمن سلاح الطيران وريع سلاح المدرعات فتساءل كيسنجر مذعورا كيف حدث ذلك؟ رد دينتز قائلا إنه لا يعرف، ولكن من الواضح ان اخطاء قد وقعت.

امر كيسنجر مساعديه بتقديم المعلومات الاستخباراتية التي طلبتها اسرائيل، وابلغ دينتز بأنه سيرى ما يمكن فعله بشأن زيادة شحنات الاسلحة، ولاول مرة يفهم كيسنجر السبب وراء رفض السادات لوقف اطلاق النار، فقواته المسلحة تقوم بعمل مذهل، وتم الاتفاق على ان تقوم طائرات شركة الخطوط الجوية الاسرائيلية «العال» بالهبوط، بعد اعادة صبغها، في قواعد جوية اميركية.
حيث يتم شحنها بالذخيرة والمعدات الالكترونية واسلحة اخرى تطلبها اسرائيل الا انه اتضح ان طائرات العال السبع المتوافرة لا تكفي لتلبية احتياجات اسرائيل، وقال كيسنجر انه سوف يجري مشاورات مع زملائه بشأن سبل زيادة هذه الشحنات.

 
الجسر الجوي الأميركي

في نهاية الاجتماع ابلغ دينتز كيسنجر على انفراد بأن غولدا مائير ترغب في زيارة واشنطن وتلتقي بالرئيس نيكسون لترجوه زيادة شحنات الاسلحة، رفض كيسنجر جملة وتفصيلا هذا الطلب، وقال انه من الصعب الحفاظ على سرية الزيارة، كما انها ستفسر على انها تعد انعكاساً لحالة الذعر وبالاضافة الى ذلك فإن الزيارة ستؤكد للعالم ان الولايات المتحدة تقدم دعماً عسكرياً هائلا لاسرائيل، الامر الذي يمكن ان ينسف اي دور يمكن ان تقوم به في المستقبل كوسيط.

وجد كيسنجر كبار مسئولي الحكومة الاميركية متشككين في طبيعة الطلب الاسرائيلي العاجل، وقال البعض انها محاولة من اسرائيل للحصول على مزيد من السلاح، بينما اشار رئيس المخابرات المركزية الاميركية وليام كولبي الى ان لدى اسرائيل ذخيرة تكفيها لمدة اسبوعين آخرين على الاقل، اما وزير الدفاع الاميركي جيمس شليزنجر، الذي لم يكن متحمساً لتقديم المساعدات التي تريدها اسرائيل، فقد قال انه ينبغي ان نميز بين ضمان بقاء اسرائيل داخل حدودها.

بين مساعدتها على احتلال اراض عربية، وشاركه في هذا الرأي آخرون حضروا الاجتماع، رد كيسنجر قائلا ان كل هذه الحجج لا معنى لها الآن، فهزيمة الاسلحة السوفييتية التي بأيدي المصريين والسوريين للاسلحة الاميركية ستكون كارثة جيوبوليتيكية لاميركا. والمساعدات الاميركية لاسرائيل مسألة ضرورية، حتى تتمكن اسرائيل من رأب الصدع.

بعد ذلك التقى كيسنجر بالرئيس نيكسون الذي وافق على كل بنود القائمة الاسرائيلية باستثناء القنابل الموجهة بالليزر، وهي القنابل الاحدث في ترسانة السلاح الاميركي. وقال نيكسون: «انه يجب تعويض كل الطائرات والدبابات التي خسرتها اسرائيل يجب عدم السماح بهزيمة اسرائيل» وبعد رفض شركات طيران جديدة نقل السلاح الاميركي الى منطقة القتال خوفا من المقاطعة العربية قرر نيكسون يوم السبت 13 أكتوبر ان تقوم وسائل نقل عسكرية اميركية بنقل شحنات السلاح مباشرة الى اسرائيل.

وفسرت دوائر في واشنطن هذا الجسر الجوي، الذي بدأ تنفيذه في اليوم التالي، على انه يخدم المصالح الاميركية، بغض النظر عن انه يدعم حليفا يعاني من ازمة. يقول المؤلف ان الدول الاوروبية رفضت السماح للطائرات الاميركية بإعادة التزود بالوقود وهي في طريقها الى اسرائيل الا ان واشنطن مارست ضغوطا على البرتغال لإقناعها بمنح هذه الطائرات حق الهبوط في جزر الازور كما تم استخدام حاملات الطائرات الاميركية في المحيط الاطلنطي والبحر المتوسط كنقاط توقف للتزود بالوقود لطائرات السكاي هوك المتجهة الى إسرائيل.

وفي المقابل تحمس المسئولون السوفييت الذين كانوا متشككين في البداية، وعززوا دعمهم للمصريين والسوريين، وتزايد التوتر بين القوتين العظميين. وقال كيسنجر فيما بعد: «إذا انتصر السلاح السوفييتي، فإن ذلك يعني أن موسكو ستسيطر على دبلوماسية ما بعد الحرب في المنطقة» كان كيسنجر يتطلع إلى القيام بدور أميركي كوسيط مقبول من الجانبين. وفي رسالة إلى حافظ اسماعيل، مستشار الرئيس المصري قال: «ان الجانب الأميركي سيبذل قصارى جهده للمساعدة في تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط».

يقول المؤلف إن الاتحاد السوفييتي لم يكن يريد أن يؤدي التوتر في الشرق الأوسط الى انهيار سياسة الوفاق على الولايات المتحدة، لذلك فقد أبلغت موسكو صباح يوم الاربعاء واشنطن بأنها لن تعترض على قرار بوقف اطلاق النار يصدر عن الأمم المتحدة. الا ان كيسنجر وجد أن توقيت وقف اطلاق النار ليس مناسباً الآن لأنه سيترك اسرائيل باعتبارها الخاسر الوحيد.

رد على السفير دوبرينين قائلا: «هذا الاقتراح بناء لكن الحكومة الاميركية بحاجة لبعض الوقت لدراسته».وفي مشاورات مع السفير الاسرائيلي دينتز، قال كيسنجر انه سيتقدم باقتراح لوقف اطلاق النار، ولكن يجب على اسرائيل ان تعود الى خطوط ما قبل الحرب، أو ما بعدها، على أحدى الجبهتين على الأقل.

وبعد أن استولت اسرائيل مرة اخرى على اجزاء من الجولان، ابلغ دينتز كيسنجر بأن حكومته لم تقرر بعد ما اذا كان يتعين عليها تجاوز خط وقف اطلاق النار، فرد كيسنجر قائلا «لماذا لا تفعلون ذلك؟».

وكتب كيسنجر في مذكراته بعد ذلك يقول: «لقد كان هدفنا هو ابطاء الدبلوماسية من دون ان يبدو أننا نعرقلها، نحث على تسريع العمليات العسكرية من دون أن يبدو أننا نتدخل، وبعدها نطرح وقفاً لاطلاق النار، قبل ان تفلت الأمور وتقع أحداث لا يمكن التنبؤ بها».



تغيير القيادة الجنوبية

في اسرائيل التقى اليعازر بوزير الدفاع موشي ديان بصورة منفردة، وبحث معه امكانية تغيير جونين كرئيس للقيادة الجنوبية. قال اليعازر ان جونين غير قادر على ادارة دفة المعارك. وبالاضافة الى ذلك فإنه غير قادر تماماً على ضبط تصرفات شارون. فقد تحدى شارون أوامر جونين الواضحة، وارسل فرقته لمواقع متقدمة، حيث دخلت في مناوشات مع المصريين. وقد اصيبت في هذه المناوشات 50 دبابة.

وتم ترك 18 دبابة اخرى في اراض يسيطر عليها المصريون ويصعب وصول فرق المهندسين اليها لاصلاحها. لقد وصل شارون الى ضفة القناة. مسألة ديان: «ماذا يريد شارون ان يفعل هناك؟» رد اليعازر: «يريد عبور القناة» تساءل ديان : «كيف له ان يعبر ومعدات الجسور الاسرائيلية لا تزال في المؤخرة واحتمالات الاستيلاء على جسر مصري ضعيفة للغاية».قال اليعازر:«يريد شارون مهاجمة (المزرعة الصينية)، التي تسيطر عليها فرقة مشاة مصرية، وعبور القناة قبل حلول فجر غد».

كان ديان يدرك مدى تهور شارون واندفاعه غير المحسوب، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بهذه الخطة، الا انه لم يعترض عليها. ووافق ديان على ان يحل بارليف محل جونين على ان يتم تجنيب الاخير لا اسقاطه، حتى لا يمثل هذا الاقصاء اعترافاً بفشل القيادة الجنوبية ويوجه ضربة للمعنويات.
ادت تطورات المعارك الى توصل اليعازر الى نتيجة افضى بها لديان، اذ قال له: «لا يمكن لاسرائيل ان تنتصر في هذه الحرب، ولابد من ان تستعد بدلاً من ذلك لحرب اخرى .. يجب ان يكون هدفنا هو التوصل الى وقف لاطلاق النار. ان الامور لن تكون افضل مما نحن فيه الآن، اننا في حاجة بالفعل لوقف النار حتى نتمكن من اعادة بناء الجيش».

وفي الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 12 أكتوبر، عقد اليعازر اجتماعاً مع كبار قيادات الجيش افتتح زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية المناقشة قائلاً: انه من المتوقع أن يتخد مجلس الامن التابع للأمم المتحدة قراراً بوقف اطلاق النار في غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة وعلى الجيش الاسرائيلي أن يتحرك بسرعة لعبور قناة السويس قبل صدور القرار. رد اليعازر قائلاً:
أتريدون اقناعي بأنه يتعين علينا شن هجوم ليلة غد.. إن المسألة هي ما الذي سيحدث بعد ذلك، ان هزيمة مصر لم تعد خياراً ممكناً الآن

كان هذا اعترافاً مؤلماً من قائد جيش كان يعتبر نفسه قبل بضعة ايام جيشاً لا يمكن ان تقهره مجموعة جيوش مجتمعة في الشرق الأوسط.

يقول المؤلف ان اليعازر كان مقتنعاً بأن الرئيس المصري السادات لنا يقبل بوقف لاطلاق النار، إلا إذا حدث تطور عسكري مهم، مثل عبور اسرائيل لقناة السويس. إلا أنه لم يكن متأكداً من ذلك أيضاً. اما ديان فكان مقتنعاً بأن المصريين لن يوافقوا مطلقاً على وقف لاطلاق النار، اذا حصلت اسرائيل على موطيء قدم على الضفة الغربية من القناة. كما أن هناك احتمالاً لأنه في حالة عبور القناة وتنفيذ وقف لاطلاق النار، ان يتدهور الوضع بسرعة، وتنشب من جديد حرب استنزاف. وفي هذه الحالة سيجد الجيش الاسرائيلي نفسه في وضع انتشار خطير على خطوط ممتدة على جانبي القناة.

وعلى الرغم من كل هذه الشكوك، فقد مال اليعازر لاقتراح عبور القناة نظراً لعدم قدرته على التفكير في أي بديل آخر يدفع السادات للموافقة على وقف لاطلاق النار...

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech