Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

معركة المنصورة الجوية و دور قاعدة المنصورة الجوية قبل و بعد حرب أكتوبر 1973

 

كتبت رباب محمود

 

كان ذلك هو عنوان الندوة التى أقامتها أسرة الحضارة بكلية الآداب جامعة المنصورة يوم 17/12/2012 و التى إستضافت فيها اللواء طيار أ.ح. نصر موسى و المجموعة 73 مؤرخين 

 

بدأت الندوة بتقديم من أسرة الحضارة و  السادة أساتذة التاريخ بالكلية و بيان أنه للأسف حتى الآن لم تحظى ملحمة أكتوبر 1973 على حقها فى التاريخ و ذلك لأن الكثير من الوثائق العسكرية المتاحة حتى عام 1958 فقط و لا يخرج بعدها إلاَّ القدر الضئيل و الذى بدوره لا يطفئ ظمأ أبناء الشعب المصرى لمعرفة أمجاد جيشه العظيم , و  ذلك بالطبع أدى للإعتماد على مصادر أخرى غير دقيقة و منها بالطبع ما أورده العدو الصهيونى ( ملحوظة : لاحظ ذلك فى الفيلم الوثائقى للB.B.C. عن حرب أكتوبر ) .

 

ثم تحدث اللواء نصر موسى و استهل حديثه بالموضوع ذاته عن عدم إعطاء القدر الحقيقى لملاحم القوات المسلحة فى حرب أكتوبر المجيدة حيث قامت إسرائيل بإنتاج 76 فيلم عن إنتصارها فى 1967 بينما نحن المصريون لم نقم إلاَّ بإنتاج خمسة أفلام فقط مثل ( الرصاصة لا تزال فى جيبى , ... ) و غيرها من الأفلام و التى لا تمت بصلة لحرب أكتوبر المجيدة و عندما أتى ذكر الطيران المصرى كان أحدهم عاجزاً على مقعد متحرك بأحد تلك الأفلام !!!!

 

ثم بدأ اللواء بسرد قصة حياته( و هى بالطبع تعطى إنطباعاً عن تلك المرحلة العصيبة من تاريخ مصر( 1967 -1973) فهو من مواليد السويس 1949 و كانت أمنية حياته الإلتحاق بالبحرية المصرية و لكن تم إلتحاقه بكلية الطيران .

 

و هنا استوقفنا سيادته على بعض الحقائق الهامة و هى أنه فى العام الذى إلتحق فيه بكلية الطيران تقدَّم 2000 طالب و لم يُقبَل منهم إلاَّ 85 فقط و تخرج منهم 75 تقريباً بينما فى عام 2012 تقدَّم 25000 طالب و لم يُقبل منهم إلاَّ 10 طلاب فقط !!! لماذا؟؟؟

 

لأن ذلك يعتمد على الإحساس بالطيران حيث أنه ليس كل من يتقدم للطيران لديه ذلك الحس و تلك هى الموهبة الفطرية التى اصطفى الله بها بعض البشر و تصقلها و تنميها الدراسة .

 

ثم استطرد قائلاً : فى تلك المرحلة فى أواخر الستينات بعد هزيمة 1967 و فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر و بعد أن خرج الطيران المصرى من الحرب فى 5 يونيو 1967 ( لتجوب الطائرات الإسرائيلية سماء الدلتا دون رادع) و الإنسحاب الغير منظم للجيش المصرى الذى لم يعتمد على أية خطة , كان الهدف هو إعادة بناء الجيش المصرى و سلاح الطيران .

 

كانت مهمة تأسيس طيار مصرى مهمة صعبة حيث أنَّ الطيَّار يستغرق إعداده خمس سنوات فى حين أن المقاتل فى الجيش فى باقى الأسلحة يستغرق إعداده بضعة أشهر فقط .

 

و هنا قررت قيادة القوات المسلحة إرسال عدة دفعات متتالية من طلبة كلية الطيران و كان قوامهم 400 طالب إلى الإتحاد السوفيتى فى بعثة لمدة عامين لتعليمهم قيادة الطائرات .

 

و استغرقت البعثة 23 شهر تقريباً و عادت فى أواخر ديسمبر من عام 1970 و كان الطلبة قد تعلموا قيادة الميج 21 و يعرفون كل شىءٍ عنها و عن تصميمها و تركيبها و إصلاحها جيداً .

 

و لكن ....... كانوا قد تعلموا كل شىءٍ عن القيادة و ليس عن القتال بها !!! و هنا جاء دور الطيارين السابقين الذين شاركوا فى 1967 و حرب الإستنزاف فى تعليم الطيارين الجدد عن القتال بالطائرات .

 

كانت هناك طرق للقتال شرقية ( معسكر الإتحاد السوفيتى) و أخرى غربية ( أمريكا و أوروبا و إسرائيل) , و كان الطيارون المصريون قد ألمُّوا بها من واقع خبراتهم و الكمائن الغربية التى كانت تنصبها لهم إسرائيل فى حرب الإستنزاف و التى كان من ضمنها إنطلاق طائرتين مقاتلتين إسرائيليتين و بينهما مسافة إحداهما فى المقدمة لينطلق الطيَّار المصرى خلفها لتأتى الثانية فجأة و تباغته من الخلف و تقضى عليه .

 

و لذلك كان الطيارون المصريون فى 1973 غير من قاتلوا فى 1967 بالنسبة للأفراد و أسلوب القتال و باعتراف الإسرائيليين أنفسهم .

 

فى تلك المرحلة كان سلاح الطيران المصرى به ( ميج 21) مقارنةًَ بالفانتوم( الشبح ) فى إسرائيل و هناك فارقٌ شاسعٌ بينهما :

 

1-    فالفانتوم لها قدرة على حمل 7 طن من المتفجرات مقارنةً بطن واحد فقط للميج 21 .

 

2-    عدد الصواريخ بالفانتوم يختلف عن الميج .

 

 

3-    الفانتوم بها ردار يستطيع أن يرصد أى شىء لمسافة 450كم بينما الميج 21 كان الردار بها يرصد لمسافة 20كم فقط و هى المسافة الطبيعية التى يرى بها الطيار ما أمامه بعينيه المجردتين و بطريقة معينة , و بالتالى كان الطيارون المصريون يقودون طائرات رداراتها لا قيمة لها .

 

4-    كان الطيَّار الإسرائيلى يقود طائرات أمريكية الصنع كابينة القيادة فى المنتصف و زجاجها يستطيع أن يرى من خلاله كل ما حوله و هو مستريح فى مكانه بينما الطيار المصرى كان يقود طائرة الزجاج فى الأعلى فقط و بالتالى كان يضطر لفك حزام الأمان و الجلوس فوق كرسى القيادة و يدور بقدمه ليرى ما حوله من الطائرة لكشف الفخاخ التى ينصبها له العدو .

 

و كان ذلك هو الفارق بين أى سلاح روسى و آخر أمريكى , فالأمريكيون يهتمون بالأفراد بينما الروس يهتمون بالآلات بمعنى أنَّ الأمريكيين يقومون أولاً بتصميم كابينة قيادة مريحة و مكيفة و بها كل الإمكانيات المريحة للطيَّار ثم يقومون ببناء الطائرة بينما الروس يقومون ببناء الطائرة أولاً ثم يضعون كابينة القيادة بصرف النظر عن توافر وسائل الراحة و تيسير القيادة لطيَّّّّّار .

 

5-    كانت زاوية السقوط للفانتوم ضئيلة مقارنةً للزاوية الكبيرة للميج 21 بمعنى أنه عندما تلقى بشىء من الطائرة ليسقط على هدف محدد على الأرض فإنه يأخذ وقتاً ليصل للأرض و ينزل بزاوية و ليس رأسياً .

 

 

6-    كانت طائرات الفانتوم الإسرائيلية خزانها مُحملاً بالوقود لتستطيع الطيران و القتال لمدة أربعة ساعات متواصلة ( ساعة فى القدوم من إسرائيل و ساعتين للقتال و ساعة للعودة لإسرائيل ) بينما الميج 21 كانت مُجهزة للطيران لأقل من ساعة واحدة فقط .

   

 

كل تلك التحديات كانت تواجه الطيارين المصريين فى قتالهم مع الإسرائيليين .

و بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر و تولى الرئيس السادات حكم مصر إهتم بالطياريين المصريين و بالجيش المصرى و كان قرار الحرب مُتَّخَذَاً منذ عام 1970 لكى تكون موعدها فى 1973 و كان الإنتظار لكى يتم إعداد سلاح الطيران لأن السادات رحمه الله كان يرى أن نبدأ الحرب بضربة جوية قوية تضرب المواقع الحيوية للعدو فى سيناء لتقطع الإرتباط بينه و بين مراكز القيادة فى إسرائيل و تُسهِّل عبور الجيش المصرى لشرق القناة .

 

و كما ذكرنا فإن إعداد الطيَّار يستغرق خمس سنوات و لذلك كانت الحكمة فى الإنتظار حتى 1973 و ذلك لأنه لكى تقرر الحرب فإنه يجب أن تكون لديك المعرفة الكاملة لأعداد و أنواع الأسلحة المتوفرة لديك و المتوفرة لدى عدوك و يجب أن تكون تلك النسبة 1:1 فى العدد بصرف النظر عن نوعية تلك الأسلحة و لكن فى الطيران الوضع يختلف فيجب أن تكون لديك نسبة متساوية فى كل شىء و كان السادات يدرك ذلك جيداً و لذلك كان القرار للحرب فى 1973 مُحدداً مُسبقاً منذ عام 1970 لإنتظار إعداد الطيَّار المصرى بينما الطائرات يسهل شراؤها فى بضعة أشهر .

 

 

و فى بداية عام 1973 كانت هناك صفقة للطائرات تنتوى مصر شراؤها من بريطانيا و أمريكا و لكن تراجعت تلك الدول عن بيعها لمصر مما دفع السادات لإعلان أنه لن يحارب إلاَّ إذا توافرت تلك النوعية من الطائرات بالجيش المصرى , و ذلك بالطبع لم يكن سوى إحدى وسائل الخداع لإيهام العدو الصهيونى بأننا غير مستعدين للحرب .

 

و هنا يتبادر للذهن سؤال , إذا كان الجيش المصرى جاهزاً للحرب منذ أوائل عام 1973 فلماذا كان الإنتظار لشهر أكتوبر و رمضان ؟؟؟

 

 

و ذلك لأن السادات كان داهيةً فى الحرب حيث إختار أن يكون فى رمضان لأن المقاتل المصرى فى رمضان يكون مختلفاً نفسياً و معنوياً تماماً عنه فى باقى أيام السنة و ذلك نلاحظه فى أن أعظم إنتصارات المسلمين كانت فى رمضان مثل غزوة بدر و فتح مكة و معركة عين جالوت( و إذا قرأت قصة واإسلاماه للكاتب على أحمد باكاثير للاحظت أنه أثناء قتال الجيش المصرى للتتار فى عين جالوت فى شهر رمضان ساد جو روحى و إيمانىَ بالمصريين جميعاً فلم تكن هناك جرائم سرقة و امتنع السكارى عن شرب الخمر و كانت تسود أجواء روحانية تشبه تلك التى كانت فى عهد الرسول (ص) و ذلك كان نفس الوضع السائد فى حرب 1973), بالإضافة لإختيار يوم عيد  الغفران للإسرائيليين فى أثناء إنشغالهم بالإحتفال به .

 

 

سؤالاً آخر يتبادر للذهن , لماذا قام السادات باتخاذ قرار الحرب رغم الفروقات الشاسعة بين الإمكانيات المتاحة للطيَّار المصرى مقارنةً بالإسرائيليين ؟؟؟

 

عندما قام الخبراء المصريون بحساب النسبة بين عدد الطيارين و الإمكانات المتاحة للعدو الصهيونى مقارنةً بالطيار المصرى كانت النسبة  3.5 : 1 لصالح الإسرائيليين و لكن السادات قال بأنَّ ( إبنى الطيّاَر المصرى يساوى عشرة من الطياريين الإسرائيليين) و أعطى تعليماته للخبراء ليعيدوا حساباتهم من جديد بناءاً على ما قاله لتنقلب النسبة لتصبح فى صالح الطيَّار المصرى , و كانت تلك دًفعَةً معنويةً عاليةً للطيارين المصريين ليقاتلوا بروحٍ و هممٍ عالية .

 

 

و فى ساعة الصفر فى الثانية ظهراً بدأت حرب أكتوبر المجيدة و كانت هناك للتمويه حيث كان المصريون يرقصون و يخلعون خوذاتهم ( لأن الإسرائيليين كانوا يعرفون أنَّ المصريين سيقاتلون عندما يرتدون خوذاتهم ) .

 

تلك كانت نبذة قليلة عن تمويه العدو فهناك العديد من الخطط التى لا يتسع المجال لذكرها منها على سبيل المثال الإعلان عن إيفاد قيادات كبيرة بالقوات المسلحة للعمرة و إيفاد مسئول كبير قبل الحرب بيومٍ واحد للتفاوض مع الأمريكيين و الإسرائيليين عن السلام , .......و غيرها من الخطط التى تدل على عبقرية و دهاء السادات رحمه الله و على عظمة أبناء مصر .

 

و بدأت الحرب بضربة قوية للطيران المصرى على جميع مواقع العدو الحيوية فى سيناء و عددها 32 موقعاً لتحقق الضربة الجوية الأولى تلك النتائج :

 

1-    تدمير 31 موقع حيوى  للعدو فى سيناء  .

2-    تدمير مستودعات الذخيرة للعدو فى سيناء .

3-    القضاء على نقطتين هامتين من مراكز الإتصال بين الإسرائيليين فى سيناء و مراكز القيادة فى إسرائيل لينقطع تماماً الإتصال بينهم .

4-    تيسير مهمة عبور القوات المسلحة المصرية للضفة الشرقية لقناة السويس .

 

 

و فى تلك الأثناء كانت الأخبار منقطعة بين الإسرائيليين و مراكز قيادتهم فى إسرائيل منذ إندلاع الحرب فى الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر و حتى صبيحة يوم السابع من أكتوبر 1973 , و عندئذٍ بدأ الإسرائيليون فى ترتيب أوراقهم و إستعادة توازنهم و أدركوا خطورة الطيران المصرى و قرروا إخراجه من المعركة فانطلقت طائراتهم لتنفيذ ذلك و لكنهم فوجئوا بوجود مظلات قوية للطيران المصرى تمنع وصولهم لتلك المطارات و لم يستطيعوا حتى الوصول إليها .

 

 

و من بين تلك المطارات كانت قاعدة شاوة بالمنصورة و موعدها مع القدر لتشهد و تُسجل أعظم معركة طيران حربية فى التاريخ ما زالت تُدَرَّّّّس حتى الآن فى جميع دول العالم .

 

 

المنصورة هى مفتاح الدلتا و من يسيطر  على مطارها يسيطر على الدلتا و لذلك كان تركيز الإسرائيليين عليها شديداً ففى صباح يوم السابع و الثامن و التاسع من أكتوبر توالت محاولات العدو الصهيونى لتدمير مطار شاوة دون جدوى و لم يتمكنوا حتى من الوصول إليه بسبب مظلات الدفاع الشديدة من الطيران المصرى .

 

و عندئذٍ توقف الإسرائيليون عن مهاجمة قاعدة شاوة لمدة خمسة أيامٍ متتالية منذ اليوم التاسع من أكتوبر و حتى اليوم الرابع عشر من أكتوبر 1973 .

 

ففى صبيحة ذلك اليوم قام العدو الصهيونى بشن حملة شرسة من طيرانه على القواعد الجوية المصرية قوامها 80 طائرة فانتوم مهاجمة و ميراج تنتظرهم فى البحر المتوسط للقضاء على الطائرات المصرية التى تلاحق الفانتوم الإسرائيلية أثناء إنسحابها .

 

كان نصيب مطار شاوة بالمنصورة 30 طائرة فانتوم إسرائيلية مهاجمة و هو ما يزيد عن ثلث عدد الحملة الإسرائيلية الشرسة فى ذلك اليوم و الذى بالطبع يدل على أهمية و خطورة قاعدة شاوة بالمنصورة .

 

و هنا يتوقف سيادة اللواء ليوضح لنا بعض الحقائق التى تساعدنا على فهم أحداث تلك المعركة و هى :

 

1-    لكى ينطلق الطيار بالطائرة فإنه يوجد طيار آخر مستقر على أرض المطار مهمته إطلاق إشارة لينطلق الطيار و الأسرع و المستعد هو من ينطلق أولاً طبقاً لتلك الإشارة .

فإذا كانت إشارة واحدة إنطلق طيار واحد , و إذا كانت إشارتان إنطلق طياران , و إذا كانت ثلاثة إشارات إنطلق ثلاثة طيارون و هكذا ... و من ينطلق أولاً يكون هو  القائد أياً كان ذلك الطيَّار, ليشكل الطيارون فى سماء المعركة ما يشبه السهم  رأسه هو القائد و قاعدته الطيارون الآخرون المنطلقون مع الإشارة الأخيرة .

 

2-    عندما ينتهى وقود  الطائرة و تهبط لتتزود بالوقود و تعود لتحلق مرةً أخرى فى سماء المعركة فإن ذلك يستغرق وقتاً قياسياً عالمياً و هو 10 دقائق .

 

 و قبل حرب 1973 قام الإسرائيليون بالإستعانة بأفضل الخبراء و الطيارين فى العالم و إجراء تلك التجربة ليكسروا بها الرقم القياسى العالمى و يحققوا رقماً جديداً و هو 8 دقائق فقط ( و ذلك يعتمد على سرعة الميكانيكيين و الفنيين بالمطار و الذين يقومون بسرعة بإعادة تزويد الطائرة بالوقود لتنطلق مرةً أخرى من جديد ) .

 

3-    الطيارون المصريون يُعدُّوا ثانى أبرع الطيارين فى العالم بعد الهنود و الباكستانيين ( إذا إعتبرنا الهند و باكستان منطقةًَ واحدة ) فى الإحساس بالطيران و الطيران بسلاسة , و لعل المسافرين بالطائرة يدركوا ذلك جيداً بملاحظة الفارق بين الطيار المصرى بشركة مصر للطيران و الطيارين الآخرين بغيرها من شركات الطيران العالمية عند الهبوط بالطائرة .

 

فالطيارون الآخرون يوقفون ماكينة الطائرة قبل هبوطها على الأرض بمسافة مترين لتتوقف الطائرة فجأةً و ترتطم بالأرض لتسبب رَجَّة قوية للركاب و هذا بالضبط هو ما تقوله كتب الطيران , بينما الطيار المصرى إبتكر وسائل أخرى بحرفية عالية تعتمد على غلق تلك الماكينة تدريجياً أثناء الهبوط بحيث تكون لحظة ملامسة الطائرة لأرض المطار هى لحظة غلق الماكينة لتنساب الطائرة كالحرير على أرض المطار دون أن يشعر الركاب .

 

و قبل حرب أكتوبر قام الطيارون الباكستانيون بإجراء تجربةٍ إستطاعوا فيها إيقاف الطائرة فى الجو تماماً و هو تطير بسرعة 300كم لتصبح بذلك سرعتها تساوى صفراً و ذلك بالطبع كان أمراً مستحيلاً فى ذلك الحين إذ يُعَرِّض الطائرة لمخاطرٍ عدة فى الجو قد تؤدى  لتحطيمها , و لكن الباكستانيين فعلوها .

 

و لقد أدرك المصريون تلك الحقيقة جيداً و ساعدتهم كثيراً فى معاركهم الجوية و القيام بحركاتهم الجريئة التى أربكت و أذهلت العدو الصهيونى فى حرب أكتوبر .

 

 

بعد تلك الحقائق نعود لنرى معاً أحداث أعظم معركة حربية جوية فى التاريخ ( معركة المنصورة) .

 

 

ففى صبيحة يوم الرابع عشر من أكتوبر 1973 شنَّت طائرات العدو الصهيونى هجوماً شرساً على كل القواعد الجوية المصرية و منها مطار شاوة بالمنصورة ليتصدَّى لهم المصريون بجسارةٍ , و استمرت تلك المعركة 58 دقيقة كاملة ( مصادر أخرى تقول أنها استمرت 54 دقيقة ) و لعل ذلك هو ما أكسبها الخلود و جعلها أعظم معركة فى التاريخ , إذ أنَّ المعارك الجوية تستغرق من ثلاث إلى خمس دقائق فقط و تنتهى بالقضاء على أحد الخصمين أو إنسحابه لإصابته او لنفاذ الوقود .

 

وكما ذكرنا سابقاً فإنَّ طائرات الفانتوم لها القدرة على الطيران لأربع ساعاتٍ متصلة بينما طائرات الميج التى يقودها المصريون تستغرق أقل من ساعة ليُشَكِّل ذلك فارقاً زمنياً شاسعاً فى صمود كلاً من الطائرتين فى مواجهة الآخر .

 

فمنذ بدء المعركة و انطلقت إشارات الإنطلاق للطيارين المصريين , و فى ذلك اليوم انطلقت كل الإشارات لتدل على أنَّّّّّّّ كل الطيارين المصريين انطلقوا فى ذلك اليوم و عندما كان ينتهى الوقود يعودوا لأرض المطار ليتزودا بالوقود و يعاودا الإنطلاق للقتال من جديد .

 

و فى ذلك اليوم ضرب سلاح الطيران المصرى رقماً قياسياً عالمياً جديداً ليصل إلى 6 دقائق فقط و هو ما جعل الإسرائيليون يعتقدون بوجود أعداد هائلة من الطائرات المصرية تصل إلى 150 طائرة بخلاف ما أبلغتهم به قياداتهم من وجود 40 طائرة فقط بالمطار و ليدل ذلك على براعة الطيران المصرى و التى أذهلت العدو الإسرائيلى و أربكته .

 

و يستطرد اللواء قائلاً : فى ذلك اليوم انطلق هو شخصياً ثلاث مرات بينما آخرون انطلقوا خمس مرات .

 

و عن بعض البطولات فى تلك المعركة يخبرنا سيادته ببعض ما قام به كالآتى :

 

عند سماعه لإشارة الإنطلاق انطلق مسرعاً لطائرته و لا يدرى ما الذى دفعه حينها لإسقاط خزانات الوقود الثلاث بطائرته قبل الطيران لتصبح الطائرة أقل وزناً لتطير فى مواجهة إحدى طائرات الفانتوم الإسرائيلية و ينطلق خلفها و قبل أن يصيبها شعر بما يشبه الوخزة فى صدره ليتذكر الفخاخ الغربية الإسرائيلية و ضرورة التأكد إذا ما كانت هناك طائرةً أخرى تنقض عليه من الخلف , و هنا فك حزام الأمان من حول وسطه بسرعة و جلس فوق مقعد القيادة و دار على قدمه لينظر للخلف ليفاجأ بطائرة فانتوم إسرائيلية أخرى تنقض عليه من الخلف و على مقربةٍ منه تماماً و يستعد طيارها للقضاء عليه ......

 

 

 

و هنا تذكر تلك الحركة التى تعلمها من معلموه و التى يُطلَق عليها ( حركة ما قبل الموت) و يقوم بها الطيار إذا أدرك أنه هالك لا محالة , فإن نفذَها و نجا فقد كُتِبَ له عُمراً جديداً .

 

و هنا قام بسرعة و فجأة بالميل بطائرته بزاوية 90 درجة ليربك الطائرة المهاجمة من الخلف ليدور بطائرته و يصبح فوق خصمه تماماً لتلتقى عينيه بعين الطيار الإسرائيلى لتنقلب الأدوار و يقوم بمهاجمته هو .

 

و يذكر سيادته أنه شعر كما لو أنَّ الفانتوم الإسرائيلية ترتجف هى و قائدها .

 

و فى هذه المعركة قام بإسقاط  طائرتى فانتوم وأخرى أُجبرت على الهبوط و تم أسر قائدها .

 

و كانت نتائج تلك المعركة الخالدة ما يلى :

 

1-    القضاء على 18 طائرة فانتوم إسرائيلية .

 

2-    إجبار طائرة فانتوم على الهبوط و تم أسر قائدها بواسطة أهالى المنصورة و تسليمه للشرطة العسكرية .

 

3-    حماية قاعدة شاوة من الهجوم الإسرائيلى و إحباط ذلك الهجوم .

 

4-    تم خسارة ثلاثة طائراتٍ مصرية فقط فى تلك المعركة .

 

و كان الإحتفال بيوم الطيران المصرى فى نوفمبر  من كل عام بدايةً من عام 1932 ( و هو بداية تكوين الطيران المصرى ) و الذى تم تغييره ليصبح الإحتفال به هو يوم الرابع عشر من أكتوبر من كل عام بدايةً من عام 1973و هو يوم معركة المنصورة .

 

 

 

و يستطرد سيادته قائلاً بأن مصركانت تُقَسَّم إلى عدة مناطق و كل قاعدة جوية تقوم بحماية منطقة منها , و من ضمن المناطق التى كانت قاعدة شاوة بالمنصورة تقوم بحمايتها مدينة بورسعيد .

 

تم إبلاغ قاعدة شاوة برصد طائرات إسرائيلية فوق بورسعيد لتنطلق الطائرات المصرية للتصدى لها ببسالة و يروى سيادته بأنه كان له شرف المشاركة بذلك و فى أثناء تلك المعركة التقى بأحد الطيارين المُعادين و الذين قاتلوا بشراسة و الذى كان يحاول مستميتاً الإلتفاف و مهاجمته من الخلف ليقوم اللواء بسرعة بتلافى ذلك ليصبح بجواره ثم ينقض هو على الطيار المُعادى من الخلف ليقوم كُلاً من الطَيَّارَينِ بتلك الحركة ليحاول كلٌ منهما التغلب على الآخر و تعرَف هذه الحركة ب ( المقص) .

 

و هنا يروى سيادته بأن أثناء تلك المعركة إلتقت عينيه مباشرةً بعين الطيار الآخر و ليتجه ببصره لتلك الطائرة و التى كان ذيلها أسوداً ولا توجد عليها نجمة داوود ليدرك أنها ليست طائرة إسرائيلية و ليدرك فيما  بعد بأنها كانت طائرة من جنوب أفريقيا يقودها أحد المرتزقة .

إذ أنه بعد فشل الطيارين الإسرائيليين فى التغلب على الطيارين المصريين قاموا باستئجار المرتزقة .

و يروى لنا سيادته بأنه هو و ذلك المرتزق لم يستطع أياً منهما التغلب على الآخر و كُلاً منهما يحاول الإنسحاب بحذر لئلاَّّّّ يُصيبه الآخر , و لكى ينسحب اضطر لأن ينخفض بحيث تكاد طائرته تلامس سطح بحيرة المنزلة و كان هناك قارباً شراعياً يمر بجواره و شراعه يزيد عن إرتفاع الطائرة عن سطح البحيرة لأن ذلك الإرتفاع المنخفض لا تستطيع أى طائرة أخرى أن تصيبه منه كأحد وسائل الحيطة و الحذر أثناء إنسحاب الخصمين .

 

 

و يستطرد سيادته ليروى لنا بعض البطولات التى لم يذكرها التاريخ لأهالى المنصورة فى حرب 1973 :

 

ففى أثناء مهاجمة الطيران الإسرائيلى لمطار شاوة أصابت بعض القذائف الممرات مما أدى لتناثر الحجارة بها والذى يعرقل إقلاع الطائرات المصرية , و فى ذلك اليوم منذ التاسعة مساءاً و حتى صبيحة اليوم التالى قام طلبة و طالبات المدارس و الجامعات و المؤسسات النسائية بالعمل طوال الليل لتنظيف أرض المطار من تلك الحجارة .

 

و أثناء قيامهم بذلك كانت طائرات العدو الإسرائيلى تُسقِِط بعض القذائف و التى لحسن الحظ لم تصبهم و لكن إحداها قام أحد الميكانيكيين بصف الضباط باحتضان القنبلة و الجرى بها نحو سور الممر ليلقيها بعيداً و لكنه و قبل تسلقه للسور انفجرت فيه لتمزقه و يُحتَسَب عند الله شهيداً .

 

و يستطرد سيادته ليروى لنا دور النساء فى رفع الروح المعنوية للجنود أثناء الحرب , فقد كانت طالبات المدارس يقمن بزيارة القاعدة و بإهداء المقاتلين المصريين كروتاً من الكارتون قُمن برسمها بأنفسهن و بها إهداءات تُعَبّر عن الإمتنان لدورهم العظيم فى حماية الوطن و منها :

 

( أخى المقاتل ,  نشكرك على حمايتك للأرض و العِرض و دفاعك عن الوطن )

 

و يذكر سيادته بأن أولئك الفتيات  منذ أربعين عاماً هُنّبالتأكيد الآن أعظم أمهات للجيل الحالى و الذى يستدعى ألاَّّ يغفل المجتمع عن الدور الهام لنسائه فى الوطن .

 

 

 

و هنا أنهى سيادة اللواء حديثه ليترك العنان لأحد السادة من أساتذة كلية الآداب ليؤكد على حِفظِ  الله لمصر و رعايته لها و هناك الكثير من الشواهد التى تؤكد ذلك:

 

1-    فهى دون غيرها من البلدان تم ذكرها صراحةً  أو الإشارة إليها  638 مرة فى القرآن و الإنجيل و التوراة .

 

2-    هى الأرض الوحيدة التى تَجَلَّى الله فيها للجبل فجعله دكَّاً .

 

3-    هى الأرض الوحيدة التى تكلَّم الله سبحانه و تعالى  فيها بنفسه مع سيدنا موسى ( و كلَّم الله موسى تكليماً )

 

4-    هى الأرض التى أوصى الرسول (ص) صحابته بأهلها خيراً و أخبرهم بأن يتخذوا منها جُنداً لأنهم خير أجناد الأرض و لأنهم فى رباطٍ إلى يوم الدين.

 

لذلك يجب ألاَّ نخاف على مصر لأن رب العرش يحميها مما يحدث الآن و مما قد يحدث فى المستقبل لأنه قدَرُنا أن نكون فى رباطٍ إلى يوم الدين .

 

 

 

و فى نهاية اللقاء قام الشباب بطرح عدة أسئلة من أبرزها :

1-

كمقاتل مصرى حاربت من أجل هذا الوطن , ما رأيك فيما يحدث الآن ؟

 

أوضح  سيادته بأن مصر أقوى من تلك الأحداث و طمأنهم بقوله ( ما تخافوش على مصر )و بأن جيشها يحميها فهو يتميز وحده دون غيره من الجيوش فى العالم بأن 95% من الجيش المصرى من الشعب , فلا يوجد بيت و لا أسرة مصرية إلاَّ و لها ضابطاً أو مُجَنَّداً بالجيش مما يجعل ولاءه الأول و الأخير لمصر و لشعبها بعكس الحال مع سوريا و التى جيشها من العلويين .

 

2-  قرار الحرب , من أنسب من يتخذه ؟

 

اوضح سيادته بأن مصر الآن يجابهها العديد من المخاطر :

فمن الشمال : الأسطول الروسى و الأمريكى بالبحر المتوسط .

و من الشرق : إسرائيل .

و من الغرب : ليبيا و تهريب الأسلحة و المخدرات عبر الحدود معها .

و من الجنوب : السودان بشطريه , الشمالى و الذى يتبع لإيران و الأسلحة الأخيرة التى تم تهريبها لمصر و تم ضبطها كانت إيرانية , و جنوب السودان و الذى ينحاز لإسرائيل .

 

لذلك فمن أجل تلك المخاطر يجب أن يكون قرار الحرب عسكرياً  .

 

لماذا لم تحرر سوريا الجولان كما حررنا سيناء ؟

 

الوضع فى سوريا بالنسبة لإسرائيل يختلف عنه فى سيناء و جنوب لبنان , فالجولان السورية تمثل عمقاً إستيراتيجياً لإسرائيل , إذ أن الواقف على الجولان يستطيع أن يضرب إسرائيل و تل أبيب مباشرةً لذلك فمن المستحيل أن تتخلى عنها إسرائيل , هذا بالإضافة لتقاعس القيادة السورية مؤخراً عن تلك القضية .

بينما المقاومة الشرسة لحزب الله و الخسائر الفادحة فى جنوب لبنان اضطرتها للإنسحاب من جنوب لبنان .

بينما فى غزة فإن ذلك الملف صعب بالنسبة لها بسبب الحدود مع مصر لذلك فهى تسعى لتهجير الفلسطينيين من  غزة إلى سيناء و بذلك تتسع رقعة إسرائيل لتشمل غزة و تضيع القضية الفلسطينية و هو المخطط الذى تسعى لتنفيذه حالياً .

 

 

 

 

و فى نهاية اللقاء قام الطلبة و السادة أساتذة الكلية بتكريم سيادة اللواء و إلتقاط الصور التذكارية معه .

 

 

 

و بدورنا نشكر أسرة الكلية و المجموعة 73 مؤرخين و سيادة اللواء عن إتاحة تلك الفرصة النادرة لنا للتعرف على تلك البطولات الرائعة لقواتنا المسلحة فى حرب 1973 .

و نتوجه بالرجاء للشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية بأن تتبنى إقامة مثل تلك اللقاءات فى جميع محافظات الجمهورية لتتيح لنا نحن الأبناء أن نتواصل مع جيل الآباء لنتعرف على بطولاتهم و تضحياتهم بأرواحهم من أجل مصر لتكون بذلك بارقة أمل لنا نتلمَّس بها خُطانا و بالأخص فى تلك المرحلة العصيبة من الأحداث المؤسفة و الكابوس المُفزِع الذى نحياه الآن و الذى طغت فيه المطامع الشخصية على الهوية المصرية .

و لكن ستبقى مصر دائماً و لن يستطيع أى أحدٍ أياً كان الإستئثار بها لأن مصر فوق الجميع و لو كره الكارهون و التاريخ خير من يثبت ذلك لمن يعى و يفهم .

نرجو السلامة لمصر بحِفظِ و رعاية الله لها ثم بعظمة شعبها و جيشها خير أجناد الأرض .

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech