Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

بطولات حرب رمضان - الجزء الرابع

رواية شاهد عيان

 

تأليف : حسين الطنطاوى

تقديم : ممدوح سالم

اعداد للمجموعه 73 مؤرخين - اسماء الكاشف - المؤرخه
 

     تصديق ادارة المخابرات الحربية والاستطلاع رقم 900 بتاريخ 27 /6 / 1974

   

مطبوعات دار الشعب


 

 

 

                                                                الفصل الثامن

 

 

 

الذراع الطويلة لاسرائيل  أين ؟؟

 

إلى البطل الشهيد خيرى زكى

 

 

 

لم تعطي حرب  رمضان نهاية الأسطورة التى تحطمت فى الجو  فحسب ، بل أعطت فى المقابل مجداً للرجال  الذين أعطوا حياتهم  وجهدهم فداءاً لأمتهم  وغيروا الأستراتيجية العسكرية  العالمية  بما اعطوا للعالم  من نظريات جديدة فى تشغيل  الألكترونات  وأضحت ملحمة  الدفاع الجوي المصري  أولى الدروس العسكرية فى الأكاديميات العالمية ..

 

كيف ؟ وكيف تغلبوا  على سلبيات البداية  التى انحصرت فى العوامل التالية 

 

أولاً : أن القوات الجوية  الاسرائيلية قد خرجت  بعد جولة  1967  عندما استطاعت  فى ساعات قليلة  أن تقضي على القوات الجوية المصرية  وعلى وحدات الصواريخ  ( سام  ) ثم تسيدت  بعد ذلك تماماً  سماء مسارح العمليات ، أن هذه القوات  المعادية قد اكتسبت  ثقة كبيرة  فى قدراتها  القتالية وروحها المعنوية .

 

ثانياً : أن هذه القوات الجوية الاسرائيلية متفوقة  بشكل واضح وتملك من الطائرات أحدث طراز والطيارون على مستوى عال ، وقد أستغرق إعداد هذه القوات ما بين 11-15 عاماً ..

 

ثالثاً : أن بناء قوات الدفاع الجوي لم يكن  فى فسحة  من الوقت بل كان عليها قبل أن تكتمل عناصر الانذار  والسيطرة  والقيادة التكتيكية  ووسائل التدمير  مما يعطي  العدو الجوي باستمرار  ثغرات للتدمير وللنفاذ  إلى عمق الأراضي المصرية ..

 

رابعا : أن العدو راح يكمل قصة غروره وحربه النفسية  بعملياته التعرضية للإغارة  على المدن والقرى العربية ويقتل الأطفال فى مدارسهم  والعمال فى مصانعهم  والمواطنين الآمنين فى قراهم  أو مدنهم أو التعرض للطائرات  أو المطارات المدنية ..ومن هذه الأسباب كان أخطر صراع بين الإرادتين  يدور حول تصميم مصر على إقامة شبكة للصواريخ المضادة للطائرات  وبين تصميم العدو  على منع ذلك بأى ثمن مستخدماً سلاحه الجوي ليل نهار ..

 

فإذا بحثنا عن البطل فى ملحمة الدفاع الجوي  فإننا نجده هو :

 

(( الشعب .. الشعب المصري  الذى قدم للمعركة  5000 مليون جنيه كإنفاق مباشر واستطاع  بذلك أمتلاك  شبكة صاروخية  ألكترونية متكاملة  بالإضافة إلى عناصر الدفاع الجوي الأخرى ..

 

القائد :  لقد احتضن الرئيس السادات قادة الدفاع الجوي  ضمن قادة القوات المسلحة  ومنحهم الامكانيات  لتنفيذ أفكارهم  ، أيضاً لا ينسى الرجال جرعات  الأمل الكبيرة  وشحنات الحماس  والتشجيع بزياراته المتكررة لهم أثناء عمليات  الاعداد الشاق  والتدريب القاسي ..

 

المقاتل :مقاتل الدفاع الجوي الذى أستطاع أن يتسيد  هذه المعدات أستيعاباً وتطويراً واستخداماً وحطم الذراع الطويلة لاسرائيل وتهات الطائرات ذات النجمة السداسية  الزرقاء وكأنها  نيازك ملتهبة  ..

 

الخبرة القتالية : اُثناء حرب الأستنزاف وقد اجمل الرئيس السادات هذه الخبرة فى  قوله لأحد المراسلين العرب : (( لدى الآن أداة لحرب الصواريخ التى  لم يدخلها بعد أى من القوتين الأعظم .. عندي اليوم قائد مصري للصواريخ أعتبره بلا مبالغة الخبير الأول فى العالم . لأنه مارس حرب الصواريخ ولديه  خبرة قتال فيها ، الآخرون  عندهم صواريخ ولكن لم يستعملوها  وليس عندهم خبرة عملية ، لقد أكتسبنا نحن  الخبرة فى هذا  السلاح  فى حرب الأستنزاف عندما كانت طائرات اسرائيل تضرب بعنف محاولاتنا لإقامة جدار  الصواريخ المشهورة يومها أنهينا أسطورة السيادة الجوية  المطلقة لاسرائيل فى الأيام الثلاثة الأولى من القتال .. لقد خسرت اسرائيل فى تلك الأيام  الثلاثة أفضل طياريها وطائراتها على  يد سلاح الصواريخ المصري وبذلك أصبحت لدية  خبرة قتالية لا تقدر بثمن ..  ))

 

 

 

العامل : العامل المصرى الذى  بنى  للصواريخ دشم حصينة  من تصميم وأبتكار  العقل المصرى وبلغت قدرتها التحصينية حداً أذهل خبراء  حلف ألأطلنطى  ووارسو  ومسارح الخبراء فى الحلفين  إلى  استخدام مقاييسها وتصميماتها  فى إعادة بناء دشم قواتها  سواء كانت للطائرات أو الصواريخ ..

 

وعن سمات البطولة فى الدفاع الجوي  فقد حدد قائد قوات الدفاع الجوى مواصفاتها بقوله :

 

(( إن السلاح السرى الذى استخدمته  قوات الدفاع الجوي  فى حرب أكتوبر هو مقاتل الدفاع الجوي .. وحدد القائد النوعية القتالية لهذا المقاتل فى ثلاث ضروريات  :

 

استيعاب تكنولوجيا العصر : ففى مواجهة  الطائرات  الأسرع من الصوت والتى تطير على  أرتفاع 50 مترأً إلى عشرات الكيلومترات لابد من استخدام المعدات الألكترونية المتطورة بكميات كبيرة جدا  وهذا يحتاج  إلى خبرات فنية  متخصصة  على درجة عالية جدا تستطيع أن تتعامل  مع هذه المعدات  وأن تتمكن  من اصرارها  وأن تستخدمها بكامل طاقاتها .

 

 مقاتل الدفاع  الجوي نوع راق من الفدائية : وفى مواجهة عشرات الأطنان من شتى أنواع أسلحة التدمير التى تستطيع طائرات العدو أن تلقيها على قواتنا وبالأخص  قوات الدفاع الجوي فى دقائق – بل فى ثوان - 

 

قليلة كان الأمر يحتاج إلى درجة  من الشجاعة تصل  فى معظم الأحيان إلى نوع من الفدائية والتضحية بالنفس فى سبل  الهدف ..

 

التدريب العنيف المركز  :  ولقد كانت شجاعة  مقاتل الدفاع الجوي  وقدرته الفنية والعسكرية  التى نماها التدريب العنيف المركز  - هى السلاح السري الحقيقي الذى واجهته القوة الجوية الاسرائيلية  فى حرب أكتوبر عام  1973  والذى لم تستطع (( الكمبيوترز )) فى إسرائيل  أو أمريكا ان تتنبأ به قبل الحرب  كما حاولت أن تتجاهله  خوفاً منه – بعد الحرب .

 

الشهود : وأبرز ما فى  الملحمة ( تاريخياً ) أنها استطاعت أن تتصدر  التعليقات  والدراسات العالمية  فى حرب أكتوبر  وتدخل ضمن  المنهج العلمى للأكاديميات  العالمية العسكرية  لأنها كما يقولون  مؤشر هام للتغيير  فى الأستراتيجية العالمية .

 

وزارة الدفاع الأمريكية :  تعلن ( 17 يناير 1974 ) أنها قد بدأت بالفعل فى برنامج تطوير أسلحة قوات الدفاع الجوي الأمريكية مع التركيز على انتاج طراز معدل من الصواريخ المضادة  للطائرات وذلك على ضوء الفاعلية التي أظهرها استخدام العرب لصواريخ ( سام ) ضد الطائرات الإسرائيلية فى حرب أكتوبر  .

 

الدكتور مالكوم كاوي : رئيس قسم الأبحاث فى وزارة الدفاع الأمريكية يقول ، أنه فى ضوء النتائج  التي أوضحتها حرب أكتوبر  فإن الوزارة تعطي  الأولوية الآن لتسليح قوات الدفاع الجوي بصواريخ أرض/جو .

 

المستشار الصحفي للبيت الأبيض الأمريكي : أثناء زيارته ضمن وفود الصحافة الأجنبية  لزيارة بعض قطاعات الجبهة قال لأحد القادة المصريين :

 

(( بالأنواع القديمة من الصواريخ  تمكنتم  أن تحصدوا الطيران الإسرائيلي  ولا يمكن التكهن بالنتيجة لو كان لديكم صواريخ من أحدث الطرازات فى العالم  ))

 

جريدة الأوبزرفر اللندنية : تقول فى تحليلها عن حرب أكتوبر  :

 

(( لقد كان قرار إسرائيل في حرب الأيام الستة  هو مهاجمة المصريين أولاً ولكن ألأمور أختلفت الآن وكان الفارق الأهم هو أن المصريين لديهم درع  من صواريخ  سام المضادة للطائرات عالى الكفاءة ولا يسهل ضربه )) .

 

الليفتانت جنرال ميخائيل تومينكو  : أحد القادة العسكريين السوفيت يقول :

 

(( أن أسباب الخسائر الفادحة التى أصيب بها الطيران الإسرائيلي  تكمن فى أن الدفاعات العربية  المضادة للطائرات  أظهرت مقدرتها على الدفاع عن مواقع قواتها وعن المنشآت العسكرية  والمدنية مستخدمة الطائرات والصواريخ أرض جو ( سام ) وأن الخسائر الفادحة التى اصيب بها الطيران الإسرائيلي ترجع إلى  الروح القتالية للعاميلن على الصواريخ المضادة للطائرات والروح القتالية العالية للطيارين على المقاتلات وما وصلوا إليه من مستوى  فى التدريب )) ..

 

ماذا يقول العدو  على لسان طياريه ..

 

طيار إسرائيلي أسير جوى بلدو :

 

(( استخدمت أحدث الأجهزة الألكترونية  المجهزة بها طائرتي  لخداع الردار  ومناورة الصواريخ  وبالفعل تمكنت  من تفاديه ولكن فى نفس اللحظة أصيب الطائرة  .. كيف لا أدرى .. أغلب الظن  أنها أصيبت بصاروخ آخر لم تسجله أجهزتها الألكترونية .. ))

 

طيار إسرائيلي أسير دافيد زيت :

 

(( لا أعرف كيف أصيبت أجهزة طائرتي .. لم تسجل أن صاروخاً متجهاً إليها رغم أننى واثق من سلامة هذه الأجهزة )) ..

 

طيار إسرائيلى أسير عساف هارون باتوس :

 

(( فى لمح البصر أصاب الصاروخ طائرتي ، كان من السرعة والمفاجأة بحيث سبقني بجزء من الثانية .. ))

 

وقد سمع المقاتلين بالسويس وزير الدفاع السعودي  وهو يقول لهم (( أن الفرنسيين سألوه بدهشة .. كيف أستطاع المصريون إسقاط الفانتوم ؟ )) .

 

خلال معارك أكتوبر أسقط مقاتلو الدفاع الجوي 285 طائرة على حسابات الشرق و200 طائرة على حسابات الغرب وذلك على اسوأ أحتمالات الحسابات .. ولم تكن هذه المحصلة سوى امتداد  للرحلة القاسية الشاقة  من التدريب والإعداد على امتداد ست سنوات  ونصف استغرقتها بناء الدفاع الجوي بصورته التنظيمية الحالية .

 

إعادة البنيان : وأعادة البنيان تعتبر قصة متكاملة  من  :

 

-         البطولة ( الفدائية من نوع راق )

 

-         الخبرة القتالية الفنية على احدث أجهزة العصر الألكترونية  والصاروخية

 

-         التدريب الشاق واليقظة المستمرة ..

 

 

 

فكانت بداية البنيان فى يوليو 1968 ومع ذلك فقد دخلت وحدات الدفاع الجوي وخاصة المدفعية  المضادة للطائرات  فى جولات قتالية رائعة  أبان حرب الصمود والردع والأستنزاف ..

 

وكلما اشتدت  معارك المدفعية المصرية على طول الجبهة وأزدادت إغارات  العبور على المواقع الإسرائيلية فإن العدو يركز باستمرار  على إغاراته الجوية .. وتوالت دروس  الصمود  الشجاع بدءاً من الجزيرة الخضراء  عام 1969  إلى محاولته تدمير  بورسعيد  1973 ..

 

قال الرئيس السادات عن بطولة لجندي المدفعية المضادة للطائرات :

 

(( لم يترك إنسان موقعه  بل الأروع من هذا أن رجال الدفاع الجوي لم يتركوا مدافعهم ابداً  واستمروا فى مواقعهم أمام المدافع وكان أروع ما يسجل من البطوت أنه بعد أن تنتهي الغارة  نجد الجندي محروقاً على مدفعه  وهو ممسك به لا يتركه .. إذا أحترق المدفع يحترق هو معه ))

 

كان العدو يهاجم الموقع الذي لا يتجاوز  إبعاده  300 متر X 300 متر  بحوالي 269 طائرة ويسقط عليه حوالى  50  قنبلة  من العيارات 500 ، 1000 رطل  أى ما يعادل 15 طناً من المتفجرات فى حين أن المعدلات المرعية لتدمير  القوات فى هذه المساحة لا تزيد عن 3 أطنان  وكان ذلك يعني أن  هناك 12 طن من المتفجرات تزيد على الحاجة  ليس غرضها التدمير وإنما الإرهاب النفسي ..  وقد بلغ عنف غارات العدو الجوي إلى حد أنها كانت تصل  فى اليوم الواحد إلى 180 طلعة طائرة بأعداد  من الطائرات تتراوح ما بين مائة  ، 250  طائرة تلقى بجنون آلاف القنابل  ( يوميا)  بلا تنشين أى رمي بكميات  كبيرة بدافع الغيظ . وواجهت مواقع الدفاع الجوي هذه الهجمات  الإرهابية بشجاعة نادرة  واصرت على الاستمرار فى القتال مهما كانت التضحيات .

 

وجاء صباح يوم 30 يونيو  1970  والطيران الإسرائيلى كعادته  يمارس عدوانه  المتكرر على أرض مصر فإذ به يتلقى لطمات قاسية لم تكن فى حسبانه  وفوجىء الطيارون الإسرائيليون بصواريخ تنطلق من الأرض لم يكتشفوها  تصيب طائراتهم وتهوى بها مخترقة ، وكان هذا أول إعلان عن حائط الصواريخ المصرى الرهيب كما سمته الصحافة العالمية .

 

كيف تم بناء حائط الصواريخ ؟

 

وقد كان امام القيادة العسكرية المصرية عدة وجهات نظر .. الأولى : القفز بحائط الصواريخ مرة واحدة للأمام لمنطقة الجبهة ..

 

الثانى : أن يتم  البناء على عدة نطاقات ، وينتقل ببطء  ( الزحف البطىء ) . بحيث يكون كل نطاق فى حماية النطاق الذى سبقه ..

 

وأختارت القيادة المصرية  وجهة النظر الثانية  وتم إنشاء  مواقع النطاق الأول خارج مدينة القاهرة  دون أى رد فعل من إسرائيل ثم انشأت عدة نطاقات حتى النهاية ..

 

لكن احتلال أطقم وحدات الصواريخ  لموقعها  يعتبر فى حد ذاته عملاً بطولياً  آخر نعتز  به فالموقع الواحد يحتاج إلى طرق  ومدقات  خاصة  ويحتاج إلى تحصينات  وتجهيزات دقيقة  لمراكز القيادة ووسائل الإنذار  ويحتاج إلى عمليات أختبار ضبط  بواسطة  مهندسي الألكترونيات  حتى يصبح  صالحاً  لآداء مهامه القتالية  بمجرد تحرك الصواريخ  إليه : كل هذا مطلوب  عمله  تحت غارات  يشنها العدو وحققت الإرادة  المصرية المستحيل .

 

وخلال شهري يونيو ويوليو  1970 أستطاع عدد قليل من قواعد الصواريخ مع عدد من عناصر الدفاع  الجوي الأخرى أن  يدمر لإسرائيل ما يربو على 16 طائرة  فانتوم أى 25 % مما كان متوافر  لديها وقتئذ من الطائرات  وأن يصيب  عدداً مماثلاً منها  منها ويأسر عدداً من اكفأ طياريه  ويتبع  اسقاط الفانتوم اسقاط أحدث الطائرات الستطلاعيه الألكترونية  (( ستراتوكروزر  )) .. وتصاعد العدو فى عملياته القتالية  الأنتقامية باستخدام  أحدث الأجهزة والوسائل الألكترونية  للتداخل  والشوشرة والإعاقة .. كما أستخدم أحدث  الصواريخ والمقذفات  كالصاروخ  شرايك  جو / أرض  لتدمير  محطات الرادار  ولكن أساليبه الألكترونية الحديثة  فشلت واحدة وراء الأخرى .. وكان وراء ذلك ايضاً قصة بطولية رائعة مهدت  لحرب أكتوبر  1973 .

 

معارك أكتوبر :

 

وقبل بداية حرب اكتوبر كان مقاتل الدفاع الجوي  يقف فى صمت  وصبر يرقب  لحظة أنطلاق الشرارة  والصورة  الشرارة  والصورة  أمامه كالآتي  :

 

1-   تشكيلات القوات المسلحة  ستعبر  أكبر مانع مائى أمام خط بارليف  الحصين  وفى مواجهة سلاح العدو الجوي  الذى يفاخر به العالم . ونجاح العبور يتوقف على تأمين عبور  هذه القوات  ضد الطيران المعادي ..

 

2-   إخفاء حجم وتمركز وحدات الصواريخ يعتبر أملاً مستحيلاً إلى حد كبير مع التطور الهائل  فى وسائل الاستطلاع وخاصة ان الولايات المتحدة قد أطلقت أقماراً صناعية ( ساموس Samos  لدراسة الموقف فى الشرق الأوسط ..

 

3-   نوعية السلاح والمعدات لم تعد سراً بعد نشر خواصها كل يوم فى المجلات والكتب بالإضافة إلى وسائل الاستطلاع المتعددة الأخرى ..

 

4-   فالمفاجأة الوحيدة أذن  تنحصر فى نوعية  استخدام هذه المعدات فنياً وتكتيكياً  وتعبوياً  أى مواجهة المقاتل المصري بقدراته  الفنية والتكتيكية  لأحدث الطائرات وأكثرها  تعديلاً  فى الوسائل والمعدات  الألكترونية ..

 

5-   عنصر الزمن .. الذي  يواجه مقاتل الدفاع الجوي  فى اتخاذ  القرار ففى معارك الصواريخ  يمكن أن يكون للزمن ( واحد على جزء من الثانية  فى الألف ) له قيمته  وله حساب لأنها  معارك ومضات ألكترونية ..

 

6-   والرجل الموجه الذى يعطي إشارة الأشتباك بحزم وفى  الوقت المضبوط هو أقرب إلى العالم والألكترونى  الملم بكل علوم  الرياضيات البحتة والهندسية  والألكترونيات  .. المتطلع إلى كل جديد بالفكر التطبيقي  .. هذا ماحدث على معابرنا ومع الأنساق الأولى للعبور والأنساق الثانية والثالثة  مع الوحجات الثقيلة ..

 

واصطدمت الطائرات الاسرائيلية منذ اللحظة  الأولى  للقتال بسد رهيب  من النيران  والمقذوفات  قادرة  على التغلب ضد أية تشويشات  رادارية  أو محاولات خداع ألكترونية .. كانت الضربة المضادة للعدو الجوي  بعد نجاح العبور  بعد  أربعين دقيقة  لكنه  هجم بدون  خطة مسبقة  كما يقول  قائد القوات .. (( أخذ يضرب ويلطش فى الجبهة كلها  يبحث عن القوات العابرة لكنه لطش فى حائط الصواريخ )) .

 

وكان إجمالى الطائرات التى هاجمت قواتنا حتى آخر ضوء فى نهار أكتوبر 446 طائرة فشلت  كلها فى أن تحقق شيئاً .. واصرت رئاسة الأركان الإسرائيلية  على منع عبور عملية العبور بأى ثمن ولهذا استمرت  الطائرات  تطير ليلاً  بعد أن اضاءت  أرض المعركة  بالمشاعل فحولت الليل إلى نهار  وكان إجمالي الطائرات  التى هاجمت قواتنا ليلاً 262 طائرة ..

 

وفى اليوم التالى ان المتوقع ان يقوم العدو بضربة جوية  معادية للحول  على سيطرة جوية  وفعلاً خطط العدو  لضرب المطارات الأمامية ..

 

فى الساعة السادسة  والنصف صباح 7 أكتوبر قامت الطائرات المعادية  بمهاجمة  سبعة  من المطارات المصرية المتقدمة  وخصصت  8 و12  طائرة فانتوم وسكاى هوك  لكل واحد من هذه المطارات ..

 

أقتربت 68 طائرة  اسرائيلية قاذفة  ومعها عدد من طائرات  الحماية المقاتلة  على أرتفاعات منخفضة  جدا فوق البحر المتوسط لتباغت مطارات شمال الدلتا  ووسطها وفوق البحر الأحمر ولكن المفاجأة  جاءت هذه  المرة من جانب مصر .. وخسر العدو 18 طائرة ولم ينجح فى  تحقيق مهمته  وعندما ايقن  العدو من فشل هجومه الأول  على المطارات المصرية  ، راح يطور أسلوبه ويجري بعض  التعديلات .

 

الأول : مضاعفة  عدد الطائرات التى تقوم بالهجوم  لتصبح 16 -24  طائرة ضد كل مطار ..

 

الثاني : مهاجمة مواقع الرادار التى تقع  على طريق الأقتراب من هذه المطارات لتدميرها وفتح ثغرة  فى الحقل الردارى ..

 

الثالث : وضع العدو مظلات جوية على طريق خروج الطائرات  المصرية  المهاجمة  وعن كثب منها  ، وقد تكونت  كل مظلة  من 12- 16  طائرة  وبعد وصول الدعم  الأمريكي وذلك للدخول فى معار ك جوية مع المقاتلات العربية فى ( كمين  ) كما أناط  لهذه المظلات الجوية  مهمة أخرى هي  تركيز الإعاقة الألكترونية  الكثيفة باستخدام  المعدات والأجهزة  التى وصلت  لهم أخيراً  من الولايات المتحدة  ضد كل محطات  توجيه الصواريخ  ومحطات رادار  الإنذار ..

 

وفشلت أساليب القتال الثلاث وصرخ بارليف وهو يقول : (( أن شبكة الدفاع الجوي قد اسقطت عدداً كبيراً  من الطائرات  الإسرائيلية وأن اسرائيل سوف تعالج الموقف )) .

 

وقد اكد الرئيس السادات حقيقة الهجوم على المطارات  والقواعد الجوية بقوله : (( لم تستطع اسرائيل  أن تعطل مطاراً أو قاعدة جوية  واحدة خلال  حرب 1973 بل كان الطيارون الإسرائيليون  يرمون بحمولاتهم قبل الوصول إلى القواعد  لأنهم كانوا يواجهون بطائراتنا تتصدى لهم قبل  وصولهم إلى  الأهداف المعينة لهم فكانوا يتخلصون  من حمولة القنابل بإلقائها على القرويين والمدنيين )) .

 

الإغارة على بورسعيد : وبدا أن العدو  قد أهتز تماماً سياسياً وعسكرياً فركز  إغارات جنونية  على بورسعيد  وكأن  القدر يدخر بورسعيد مرة أخرى  رمزاً للصمود والمقاومة  ويصنع فيها الإنسان المصري  المقاتل ملحمة جديدة من البطولة ..

 

فى اليوم الثالث للقتال :  من الساعة الحادية عشر صباحاً ( بداية الهجوم ) وحتى الساعة  الخامسة مساء ( نهاية الهجوم  ) أغار على  المدينة 94 طائرة إسرائيلية اسقط منها 12 طائرة فى مقابل اسكات قواعد الصواريخ . ولم تنقطع  طوال الليل إغارات  العدو الجوي التى تزايدت  لعدم  وجود الصواريخ بهدف إحباط  أى محاولة  لإقامة الصواريخ  مرة أخرى  .. وراحت الطائرات تقصف مواقع الصواريخ بشدة حتى يتم تدمير المعدات تماماً وأزداد القصف  بشدة لهدم المواقع نفسها  ثم عملت على إغلاق هذه المواقع  والطرق المؤدية إليها  بإلقاء القنابل  الزمنية والألغام  والأشراك الخداعية  ذات النوعية  الخاصة حتى تمنع المهندسين  من الأقتراب .. وأخيراً  قطعت الطريق  المؤدي إلى بور سعيد  لتمنع الإمدادات عن المدينة الصامدة .. لكن إراة الإنسان المصري المقاتل  كانت فوق كل هذه التحديات  واحتلت وحدات الصواريخ  مواقعها مرة أخرى ..

 

واستبد الغضب بالعدو  لعدم سقوطه  المدينة فقام بالهجوم  عليها يومى ( 9 ، 10  أكتوبر ) بالطيران والبحرية  ودفع مجموعات  من الكوماندوز  البحريين  ( الضفادع البشرية )  وهاجم المدينة بعدد  214 طائرة ألقت ما يربو عن الألف وخمسمائة طن  من المواد المتفجرة .  ونامت رئاسة ألركان الإسرائيلية  يوم 10 أكتوبر على وهم القيام بعمل سكرى  ضخم فى الغد .

 

وفى الساعة التاسعة  والدقيقة الثامنة والثلاثين  من صباح  الحادي عشر من أكتوبر  عادت الطائرات  الإسرائيلية  إلى بورسعيد  ( 16 طائرة ) لتبث  الرعب والهلع  فى قلوب سكان المدينة  الذين رفضوا مغادرتها .. وفجأة  انطلقت الصواريخ المصرية  وسقطت 12 طائرة  فى مدى عشر دقائق  وفرت  الطائرات الأربع الباقية .. كان ذلك درباً من دروب الخيال على صعيد التصور الإسرائيلى  .

 

وفى نهاية اليوم  الحادي عشر من  أكتوبر أسقطت  بور سعيد 21 طائرة  اسرائيلية كان تدميرها مؤكداً ..  واستخدم المقاتل المصري  عديداً من الحيل الخداعية  القتالية  لمواجهة هذه الأعداد الكثيفة من الطائرات ..

 

وفى اليوم الثالث عشر من اكتوبر كان تجميع الصواريخ فى موقف  حرج حيث لم يكن باقياً  سوى كتيبة  واحدة  وتعمل بمقذوف واحد وكان المهم ألا يشعر العدو بهذا الموقف  الحرج إلى أن  يعاد الاصلاح واستطاع المقاتل المصري أن يصل إلى الصورة الآتية :

 

حافظ مهندو الألكترونيات  على مصادر الاشعاع الكهرومغناطيسي  بكل موقع وحاظوا بذلك  على الصورة  العامة للموقع ، فالصواريخ ما زالت تنطلق  وأن كانت غير موجهة وهناك مصادر اشعاع  وأن كانت غير  ذى موضوع وهناك دخان كثيف  يلف كل شىء فى ثوب الغموض  والابهام .

 

وظلت الصورة أمام الطيارين الإسرائيليين  كما كانت عليه سابقاً وبقى الموقع الواحد يقاتل بينما  الطيارين  الإسرائيليين يلقون  بحمولاتهم من القنابل  والصواريخ فى البحر  خشية الأقتراب  من بورسعيد .

 

واضافت بورسيعد  للدفاع الجوي  المصري دوراً أكبر  للتحدي والصمود والردع  فقد هاجمها  العدو طوال المدة من 8 – 24 أكتوبر  بمتوسط 64 طائرة  فى اليوم وبلغ إجمالي  طائرات العدو التى هاجمت بورسعيد  خلال تلك  المدة 930  طلعة طائرة  ولكنها لم تستطع بكل  ما حملته  من آلاف  لأطنان من أسلحة الخراب والدمار  أن تنال  من صمود  شعب بورسعيد البطل ..

 

قصة عبو  الصواريخ للشرق :

 

وبسقوط آخر قلاع خط بارليف كان ضرورياً عبور الصواريخ سام 2 / سام 3  إلى الشرق وعبور الصواريخ  وأحتلالها  مواقع  شرق القناة  يعتبر فى حد ذاته  قصة  ممتة كما يعتبر فى نفس الوقت  من أروع قصص البطولة  وخصوصاً  إذا ما عرفنا أن الوحدة الواحدة  من الصواريخ  تتكون من عربات  ثقيلة وجرارات  يصل بعضها إلى وزن دبابة  وهى تسير عى عجلات  وليس لى جنازير  ماما يجعل حركتها على  الرمال وصوصاً رمال سيناء  الناعمة أمراً  صعباً ومرهقاً  يقابل المستحيل ..

 

كان ضرورياً  أن يسبق يوم 6  أكتوبر  بشهور طويلة  تقديم أفكار  لعبور وحدات الصواريخ وبالفعل استلزمت  هذه الظروف  تعديلات وتجهيزات  كثيرة  واستلزمت تدريباً خاصاً وقاسياً  للقيام  بمهامها المنتظرة .

 

ووقف قادة الدفاع الجوي على رؤوس المعابر كل قائد منهم على معبر  مثله مثل أى  مقاتل فى التحميل  والتفريغ  والسير وابتكار الوسائل للحركة والتقدم  فى المواقف الطارئة  وفجأة اشتعلت المعابر بالنيران ..

 

ماذا حدث ؟ ركز العدو  قذائف مدفعيته على  جميع الأعيرة على المعابر التي كان مقرراً أن تعبر عليها  وحدات الصواريخ ثم زاد تركيز  قذائفه بجنون هستيري  وردت عليه مدفعيتنا لاسكاته  وتحولت المنطقة كلها على شاطىء القناة إلى  كتلة مشتعلة من اللهب  وكأنها الجحيم بعينه ، وفى وسط الجحيم بدأ عبور الصواريخ إلى سيناء .. وقام  القادة  بتنفيذ العبور فى وسط الجحيم  ولكن كيف ؟

 

بماذا قاموا ؟

 

قام كل قائد  باستغلال فترات الهدوء النسبي  ودفع المعدات وأبعدوا الصواريخ  عن المنطقة كلها  حتى لايصاب إحداها وتحدث الكارثة  ، وقسموا المعدات  إلى اجزاء صغيرة  نشروها بين الأشجار وبين فترات الهدوء كانوا يدفعون بالمعدات على المعابر  دون هوادة  وبسرعة منقطعة النظير  إلى أن تمكنوا  من  اتمام عملية عبور المعدات  وبقيت الصواريخ !

 

وعند دفعها تبدد السكون وأنهالت بتركيز  أكثر  دانات المدفعية الثقيل  للعدو على المعابر  والصواريخ فى طريقها إلى  الشرق على المعابر ..  ورغم كثافة  النيران إلا أن الصواريخ تقدمت  ولم تصب الدفعة الأولى للعبور بأى شىء  حتى ولو شظية  واتجه الجميع إلى السماء شاكرين ..

 

وفجأة تهبط دانة  على أحد الصواريخ ويصاب الجزء الخلفي منه وأصبح الموقف فى غاية الخطورة  أنه يهدد بأنفجار رهيب يؤدي إلى  نسف المعبر بأكمله  وبتدمير كل الوحدات القائمة  بالعبور فى تلك اللحظة  .. وببطولة خارقة تقدم  أحد المقاتلين إلى الصاروخ  وفصل رأسه المدمرة عن جسمه ويعد هذا العمل  الفدائي معجزة تفوق شهرة اليابانيين فى أجتياز الخطر وخصوصاً وأن المقاتل البطل يدرك تماماً  وهو يقوم بعمله أن الصاروخ المشتعل يمكن فى أى لحظة أن يحدث أنفجاراً رهيباً ومع ذلك تقدم بكل ثبات وأدى عمله بنجاح  .

 

وحدث أثناء العبور للصواريخ على معبر آخر أن تبدد السكون المؤقت بدوى من دانات مدفعية  العدو مستهدفة المعبر  ولم يتوقف مقاتل واحد بل استمروا جميعاً  باصرار عجيب فى تحركاتهم  المرسومة  وتناثرت القذائف فى كل أتجاه وأصابت كل حجر فى المنطقة  ماعدا المعبر .. بعناية الله !

 

وحدث على معبر آخر أثناء عبور الصواريخ أن وقعت دانة على إحدى ناقلات الصواريخ وأصابت عجلاتها فأحترقت تماماً وبقى الصاروخ سليماً من غير اضرار ولكن قافلة العبور توقفت .. وأجروا محاولات لسحب الماكينة المصابة و التى تحطمت عجلاتها إلا أن المحاولات قد فشلت .. كان الموقف خطيراً لاستمرار قصف العدو على المنطقة  وأحتمالات نسف  المكان تزداد مع الدقائق والثواني فأنفجار الصواريخ شىء مروع وخاصة فوق معبر مزدحم  بقوافل فى الطريق إلى سيناء  والمكان ضيق  لايسمح بالمناورة  والتقهقر إلى الخلف أو أجتياز  الناقلة المصابة أى أن  القوافل كانت فى انتظار رحمة السماء  وتقدم مقاتل ومعه معدات  خاصة به  هى من أبتكاره الخاص وتحت القصف المروع قام برفع الصاروخ الضخم  وأصلح  الناقلة وأعاد تحميل الصاروخ ..

 

وعلى معبر آخر وأثناء عبور إحدى ناقلات  الصواريخ سقطت دانة  فوق كابينة  السائق مباشرة  استشهد ، حمله زملاؤه وقام أحد الضباط بقيادة  الناقلة والعبور  بها إلى الضفة الشرقية ..

 

بعد عبور عدد من ناقلات الصواريخ للضفة للفناة  تعرضت للقصف المباشر من مدفعية العدو  ، قرر القائد المقاتل (( عبد المجيد )) أن يغير  طريق السير ليتفادى  قصف المدفعية  مع علمه بأن المنطقة التى أختارها للسير مليئة بالقنابل  الزمنية والألغام  التى زرعها العدو وأختار الضابط أن يتولى تأمين الطريق وتقدم القول بعربته  الجيب وتبعته ناقلات الصواريخ بمسافات كافية حتى لا تتأثر  فى حالة أنفجار لغم فى سيارته !

 

وهكذا هو الإنسان المصري المقاتل يدفع بنفسه لإنقاذ جنوده وسلاحه واستمر تدفق القوافل .

 

فلأول مرة فى التاريخ العسكري يسهم نظام دفاعي بحت فى واحدة من أصعب عمليات الهجوم والتقدم ونعنى عملية عبور قناة السويس ..

 

واستطاعت قوات الدفاع الجوي أن تقوم بمهمة  الغطاء الجوي للقوات المتقدمة  فى عمق سيناء والأنتقال معها فى خطوط وثباته داخل العمق وأعطت بذلك للقوات الجوية المصرية أولوية الإغارة على مطارات العدو  وتجمعات قواته التعبوية  فى الأنساق الخلفية ، ولقد حاول العدو  استخدام جميع تكتيكاته  الجوية محاولاً تمزيق شبكة الدفاع الجوي وفتح أى ثغرة بها ولكنه فشل .. وغالباً وطبقاً للقواعد العسكرية العليا إذا أمكن للمدافع أن يدمر للعدو 10% من مجموع الطائرات المغيرة  كان هذا يعتبر نجاحاً ساحقاً وسجلت حرب أكتوبر ( نسبة الإصابة ) 100%  فى كثير من الأحيان !! وهذه أبرز نتائج حرب أكتوبر تكنولوجياً وتكتيكياً .
ولم يصب سوى عدد قليل جدا من جنود الدفاع الجوي بنيان الطائرات الإسرائيلية كما لم تصب أى معدة من معدات الدفاع الجوي بتدمير شامل ..

 

وازداد العدو حنقاً فالعبور ينساب بغزارة  والمعابر تزداد قوة والكباري تتحول إلى شرايين وأوردة تتدفق عبرها أسباب الحياة  بين الضفتين جيئة وذهاباً ..

 

بينما راح الطيارون الإسرائيليون وقد أصابهم الهلع بالتخل من حمولاتهم المدمرة على المسافات التى تكفل الأمان لنا ولهم . وكان متوسط عدد الطائرات المعادية التى أقتربت لقصف قواتنا البرية شرق القناة يتراوح بين 500 -600 طائرة يومياً  أسقطت أغلب حمولاتها بعيداً فيما عدا بعض الطيارين المغامرين الذين اقتربوا من نيراننا الحمراء وسقطوا بمظلاتهم الصفراء إلى أقفاص الأسر .. كما دمرت المدفعية المضادة للطائرات على المعاير حوالى 12 طائرة معادية أى ما يعادل 48 مليوناً من الدولارات !!

 

وهكذا تنتهى أسطورة الذراع الطويلة للعدو ..

 

********************

 

الفصل التاسع

 

الذين اسقطوا الفانتوم

 

إلى البطل جندي محمد رمضان علوان

 

 

 

قصص الأبطال الذين أسقطوا الفانتوم تفوق الوصف والخيال! لماذا ؟ لأن الفانتوم وما معها من طائرات أخرى ( سكاى هوك – ميراج .. الخ ) طائرات محصنة  إلى أبعد الحدود وما بها من الوسائل المتطورة  من اكتشاف الصواريخ المعادية  وما تملكه من أحدث الأساليب التكنولوجيه للشوشرة  والتداخل والإعاقة الألكترونية  وما تحمله من مقذوفات وأشعاعات  وصواريخ ( شرايك ) والقنابل التلفزيونية .. الخ .. ما يمكن أن تبث الرعب فى نفوس المقاتلين .. وإذا علمنا  أن ترجمة  كلمة فانتوم معناها ( الشبح ) يتبين لنا أن أسقاط الفانتوم شىء يستحق التسجيل ..

 

فإذا أستعرنا الخيال لرسم صورة الأبطال الذين أسقطوا  الفانتوم  فمعذرة  لأننا نسجل  حركة الرجال على امتداد الخط الأول للدفاع ( على طول القناة 180 كم  ) وما بعده من نطاقات على امتداد البعد الأستراتيجي للوطن بأسره .. هذه الحركة محسوبة  بالثواني لأن حركة العدو مقابل ( الفانتوم ) محسوبة بالثواني ..

 

وكلما امتدت معارك الطيران والدفاع الجوي إلى الدقائق  التى قد تستمر 15 دقيقة فى إغارة  وعشر ساعات  متصلة  فى موجات متتالية  فإن الوصف بذلك يكون رهيباً  رهيباً وخاصة إذا ما تصورنا أن لدى اسرائيل حوالى 500 طائرة قتال  تستطيع ان تلقي  فوق الجبهة ما يعادل أول قنبلة ذرية  ألقيت فوق هيروشيما ..

 

وعلى امتداد عمر الدولة الإسرائيلية  حتى الآن ( 26 سنة ) فإن  أهتماماً رئيسياً بالطيران يتزايد منذ أن انتهزوا الفرصة  أثناء وقف إطلاق  النارفى 22 مايو سنة 1948 وأقدموا على عمليتين فى منتهى الأهمية :

 

الأولى :  عملية بلق Belee  وتعني الطائر .

 

الثانية : عملية وعاء الغبار التى انتهت فى 21 أكتوبر 1948 .

 

أما العملية الأولى  فقوامها تهريب ثلاثة قاذفات  قنابل ثقيلة من الطائرات العسكرية من أمريكا طراز  ( ب – 17 ) المعروفة بالقلاع الطائرة  والتى هربت عن طريق بنما وهبطت فى مطارات  سرية فى أوروبا الشرقية ومنها لإسرائيل  ثم استعملت فى  قصف كل من دمشق والقاهرة فى صيف  1948 وانتهت العملية بتوسيع  رقعة اسرائيل 22% عن حدود التقسيم ..

 

أما العملية الثانية  التى قادها ايجال آلون فقد انتهت بأحتلال النقب  نتيجة السيطرة الجوية  .فمنذ هذا التاريخ وإسرائيل تعطي قواتها الجوية  أهتماماً متزايداً إلى درجة أنها قد أوقفت أستراتيجيتها على تدعيم القوات الجوية  وأطلقت عليها الذراع الطويلة  لإسرائيل وخاصة بعد النصر  الظالم الذي حصلت عليه عام 1967  والأسطورة التى خلفتها  حول ضربة السيطرة  ( سعت 900  ى 5 يونيو 1967 ) ..  لهذا كانت معركة الدفاع الجوي فى أكتوبر  المجيد ذات دلالات أستراتيجية هامة :

 

1-   حرمان العدو  من الميزة الاستراتيجية التي ركز عليها .

 

2-   حماية القوات العابرة

 

3-   حماية رؤوس الكباري والشواطىء وتجمعات القوات وتقدمها

 

4-   حماية المطارات والقواعد المصرية

 

5-   حماية المراكز الأستراتيجية و تجمعات  الجيوش  والتشكيلات

 

6-   اسقاط أسطورة ( الذراع الطويلة لإسرائيل ) التي وصلت إلى حد التهديد  لليبيا شرقاً والسودان جنوباً حينما انتشرت القوات المصرية مستفيدة من العمق الأستراتيجي للوطن العربي..

 

7-   وأيضاً ليعرف الأستعمار والأستعمار الجديد  أن اسرائيل ليست حارسة مصالحه ولا هى برجل البوليس القوي فى المنطقة أو قاطع الطريق أو فتوة الحارات – سابقاً – بتهديدها المستمر لدول الخليج العربي بأحتلال منابع البترول كلما هبت حركات تحررية  فى منطقة الخليج العربي  ضد الأحتكارات الأستعمارية والبترولية  إلى حد أن ( آلون ) وقف مرة ليقول أن اسرائيل لديها خططاً عسكرية تمتد حتى القطب الشمالي .. وتقصد اسرائيل من  كل ذلك  أعتمادها  على طائراتها الحديثة التى  تصل إلى حد بعيد من الأعماق .. فماذا حدث ؟

 

1 – شبكات الصواريخ المصرية  قد انتشرت في مواقعها  كغابة رهيبة من الفولاذ  تنتظر فى صمت فرائسها الثمينة .

 

2- رجال صواريخ الحية والمدفعية المضادة  للطائرات تقف خلف الرجال لتواجه الطيران المنخفض..

 

3 – يغلف البلاد ثلاثة أغلفة من الانذار والاستطلاع الألكتروني  والانذار الراداري  والانذار البشري .

 

4 – مراكز قيادة مجهزة ألكترونياً وبشرياً  بقادة  تمرسوا على القتال  وأتقنوه ودخلوا في تدريب شاق وقاسي أقترن بخبرة الأشتباكات – طوال فترة حرب الصمود والأستنزاف – وذاقوا العدو مرارته  إلى حد أنهم اسقطوا 16 طائرة فانتوم أى ما يعادل ¼ قوة الطائرات  التي كانت قد  وصلتهم خلال هذه الفترة  .. وبالقياس على  الموازين العالمية  فإن هذا الرقم يكون مخيفاً  ولم تخفى اسرائيل ألمها وخسارتها من هذا الرقمفقد واصلت الليل بالنار لتقديم شكاوى متصلة  لمجلس الأمن لأن مصر أقامت شبكة صاروخية  على امتداد الخطوط الدفاعية كأن  الدفاع عن الأوطان أصبح فى عرف اسرائيل شيئا يستحق الضجيج والشكوى ... !

 

بانوراما ساموس :

 

المهم أن ازاء ما تقدم فأننا نستسمح القارىء عذراً أن نقف على حافة الخيال ونرجوه أن يصعد معنا إلى قمر صناعي وليكن مثلا القمر الصناعى الأمريكي ( ساموس )  الذى أطلقته الولايات المتحدة قبل أيام حرب أكتوبر ليأتيها بالخبر اليقين عن استعداد الجيش المصري للحرب .. أقول إذا ما أعتلينا ( ساموس ) لنرقب بطولات الرجال الذين اسقطوا الفانتوم فماذا نرى .. ؟

 

صراع ألكتروني رهيب بين الصاروخ والطائرة ينتهي بإسقاط الطائرة ولعلك قرأت أعترافات الطيارين الإسرائيليين  الأسرى عن سبب سقوطهم أسرى  .. قالالطيار الإسرائيلي أسير عساف هارون باتوس  .. (( فى لمح البصر أصاب الصاروخ طائرتي ..كان من السرعة والمفاجأة بحيث سبقني  بجزء من الثانية ))

 

الطائرات الإسرائيلية لا تقترب من شاطىء قناة السويس  بأمر من قائد الطيران  الإسرائيلى ( بنيامين بليد ) بأقل من 20 – 25 كم .. كان ذلك بعد اليوم الثالث  للقتال حينما تساقطت  الطائرات الإسرائيلية على المعابر – كالذباب – فبعد ثلاث ساعات من بدء القتال فى اليوم الأول ( 6 أكتوبر ) كان العدو قد خسر 15 طائرة وفى اليوم الثاني للعبور (7 أكتوبر )  من سعت 900 إلى سعت 1600 لم تتوقف  هجمات العدو الجوي .. وقد أطلقت قواتنا عليهم كميات ضخمة من نيران المدافع والمقذوفات  أحالت السماء إلى جحيم من النيران الفظيعة  مما بث الرعب فى  الطيران الإسرائيلي ومن الطريف أننا رأينا طائرة إسرائيلية  تسقط على الساتر الترابي دون أن تصاب ..

 

المقاتل نعيم يطلق أربع صواريخ حية متتالية فيسقط صاروخ طائرة ، زملاؤه المهندسون على المعبر يندفعون إليه  يحتضنونه ..

 

مجموعات الأفراد على نهاية المعبر لا تهدأ كخلية النحل .. تجهز مواقعها هندسياً لتقف لطائرات العدو بالمرصاد وفعلا بعد 25 دقيقة من احتلال مواقعها حاولت 4 طائرات فانتوم الإغارة  على المعبر لكن الصواريخ الحية قد مزقت ثلاثة  منها وهوت فى قاع القناة ..

 

لكن مكاني فى ساموس لا يتيح لى أن أرى احساس المقاتل ..بطولاته الإنسانية  ليسخر  الألكترون فى صراع علمي رهيب .. وأختار مكاني مرة أخري بين المقاتلين ..

 

هاهو  أحد المقاتلين الشهيد مصطفى العربي أحمد الشيخ  ( عامل ضرب وتنشين ) على مدفع  من العيار المتوسط  ..تصاب دشمته  بقنبلة مباشرة  أثناء  الغارة الجوية على سرية  رادار البحر الأحمر ..  نتج عن هذه الإصابة  قطع ساقه اليمنى  ..ماذا يفعل هذا المقاتل بعد ذلك نزيف الدم ينطلق من رجله كالصنبور المفتوح  وعقله وروحه  مركزة على أن يستمر فى إطلاق نيران مدفعه  مستعيضاًعن رجله  بيده اليمنى  على بدال الضرب  واليد اليسرى قابضة على  منجلة الزاوية واستمر على هذه الحال  بكفاء منقطعة النظير  إلى أن سقط شهيداً  نتيجة شظية أخرى استقرت  فى عنقه .

 

المقاتل الزهار : ينتقل بين الدشم لتجهيز  الموقع لأستعادة  موقعه القتالى  بعد إغارة اليوم السابق  وها هو  ينتقل بين  القنابل الزمنية  لإخلاء بعض الشهداء والجرحى  يا لها من جرأة عجيبة  وهو  يتقدم إلى  أحد القنابل الزمنية فوق  جثة أحد الشهداء ليخليه للدفن ويتوقف البطل  على صوت انفجار رهيب  ويطل برأسه من مكان الأنفجار فتعاجله  شظية استقرت فى كتفه الأيمن  ثم أخرى فى ذراعه الأيمن يدفن آلامه فى الرمال وهو يشير بيده الأخرى لزملائه .. اطفئوا الحريق فى شبكة التمويه  لكن أصوات الرتالة تزمجر بإعلان غارة جديدة  فيتفرق الزملاء  كل إلى موقعه  ويذهب صوت الزهار أدراج الرياح ..لكن آثار قوة لا زالت باقية فى جسده  يتحايل على آلامه  ويندفع لإطفاء الحريق بالرمال وينجح فى اخماده  بينما يتزايد  آلامه ونزيفه  ويسقط على الأرض غارقاً فى بحر من الدماء الطاهر  لكن اثنين  من الزملاء يحملاه إلى الخلف للنقطة الطبية .

 

وقد نسأل وهل اطفاء الحريق بطولة .. أنها قصة  كل حرب  لكن اطفاء الحريق  فى الردار والصواريخ شىء آخر  .. أن خطورة الحريق تكمن فى مكان الأحتراق  .. فهو يقع فى قلب  منطقة كلها أسلاك كهربائية ومولدات قوي وأرتفاع الفولت الكهربائى لها قد يحول الحريق إلى انفجار رهيب  .. واحتراق جهاز الردار  معناه  ( ثغرة رؤية )  يستطيع  العدو منها المرور للأهداف الأستراتيجية  والزهار يعرف كل هذا .. ومع ذلك تقدم  للحريق وهو ينزف  وتمكن من اطفائه ألا يستحق الزهار من الوطن لقب ( بطل ) !!

 

مقاتل الدفاع الجوي ..ما موقعه من البطولة ؟

 

وبطل الدفاع الجوي  قد لا يقاتل بسلاح فى يده أو يركب دبابة أو يستخدم مدفع أو بندقية وكذلك دون ان يطلق رصاصة  طوال المعركة مع أنه فى قلبها  وسط نيرانها وصواريخها وقنابلها .. إنه يحارب بعلمه ويشارك بذكائه  يقاتل بفنه ويحقق أروع قصص البطولة بعقله  .زفقد يتطلب الأمر أن يعتلي  ضابط الردار أو ضابط الصواريخ أكثر المناطق خطورة  قد يكون  ( كمثال ) الهوائيات  التى ترتفع  عن الأرض بأمتار  عديدة ومستهدفة الضرب ( بالصواريخ الشرايك – القنابل  التلفزيونيه ) وهما يطلقان من مسافات  بعيدة وتسيران  مع الاشعاعات المنبعثة من هذه الهوائيات  ، معنى ذلك ان عمل ضابط الرادار / الصواريخ يجعله معرضاً للإصابة  فى أى اتجاه  وفى أى لحظة .. كما أن عملهم فى إصلاح الأجزاء المتوفرة من الصواريخ / الرادار قد يأخذ  شكل الأختراع الجديد أيا كان بالنسبة لنوع قطع الغياؤ أو طريقة التشغيل ..

 

ففى إحدى كتائب الصواريخ ببورسعيد  وأثناء الأشتباك أصيبت إحدى المعدات بعطل مفاجىء وكان ضرورياً أن يتقدم أحد الأفراد بالتحكم فى أسلاك كهربائية  تعطى جهداً كهربائياً عالياً فتقدم المقاتل ( أيمن  ) ولم يبال  ..بالضغط على الأسلاك بقطعة خشبية  لتستمر الوحدة فى الأشتباك دون توقف للجهد الكهربي وظل الفدائي  معلقاً فى الأسلاك فترة وجيزة وسرعان ماتم إصلاح العطل واستمر الأشتباك ..

 

وفى وحدة فنية أخرى أدى أنفجار القنابل إلى اشعال المحرك البارودى لأحد الصواريخ وكان موجوداً على ناقلته واشتعلت النيران بكل الصواريخ ,اصبح من المنتظر أن تنفجر الرأس المدمرة  للصاروخ فى اى لحظة  أى معنى هذا الأنفجار هو تدمير رهيب للوحدة بأسرها  وزاد الموقف سوءاً أنه يوجد بجوارها عدداً من الصواريخ ووسط الموت أسرع المقاتل سعيد وارتدى مهمات الوقاية وتقدم من الصاروخ وهو أحتمال الأنفجار فى أى ثانية وتمكن من إيقاف نزول السائل بابتكار خاص به ثم قام بقطر  العربة المشتعلة إلى مكان آخر حتى أخمدت النيران بها .. أن أنفجار الصاروخ لشىء رهيب فعلاً ومع ذلك تقدم البطل وانجز مهمته ..

 

وفى وحدة أخرى سجل مقاتلى الدفاع الجوي أروع أمثلة البطولة والفداء فقد اندفع  المقاتل الأبحر  إلى أحدى العربات المشتعلة وعليها صاروخ لإنقاذ زميل له ( سائقها )  أصيب نتيجة الشظايا المتطايرة ..

 

وقد حدث أن أصيبت عربة من القول الذى يتحرك ودمرت للعربة غجلتان فقام السائق مرزوق  بفك العجلتين  المدمرتين وقام بتركيب غيرهما لكن العدو  لم يتركه يكمل ربط مسامير  العجل جيداً  مما أضطره إلى التحرك بالعربة فى حالتها  هذه وكل 500 متر  ينزل ليركب  إحدى الصواميل  الناقصة فى العجلة  ،، وعلى بعد 500 متر أخرى  يقوم بتركيب  صامولة ثانية وهكذا حتى وصل بعربته سليمة إلى وحدته ضارباً المثل بعدم تركه معداته .

 

وكان ضرورياً امداد أحد المواقع بالذخيرة  فتقدم المقاتل  ( بكر )  بالتطوع لقيادة  عربة الذخيرة والتقدم بها  إلى المواقع  وعندما سألته كيف ؟ قال :  العمر واحد والرب واحد  ، لقد تقدمت بعربتى  رغم أننى  أعرف أن الطريق  ملغوم  وعليه قصف  جوي وأرضي  مركز لكن على قدر الإمكان   كنت أختبىء فى السواتر علشان الشظايا ..

 

أن بطل الدفاع الجوي ليس عامل الصواريخ او الرادار فحسب  بل الجندي الإدارى  المعاون لنا أيضاً ..

 

ومقاتلي الدفاع الجوي يعرفون  أيضاً قصة البطل  (القديم ) ضابط الإشارة الذى  كان مع وحدة الدفاع الجوي  بمنطة الشط  ..كانت هذه المنطقة تموج بتحركات المدرعات والمجنزرات  ورغم تعرض هذه النطقة للقصف المركز للمدفعية  الثقيلة للعدو  والطيران  يصلحون الأسلاك الميدانية  لتستمر الأتصالات الإشارية  ..كانوا المعادى .. فقد بقى المقاتل ( القديم )  وجماعته فى هذه المنطقة  الخطرة  يعملون بدون توقف  فى إصلاح الأسلاك وامدادها باستمرار .. أن ذلك ضرورياً لتأمين الطائرات المصرية  المهاجمة وذلك  بفضل الأتصالات السلكية .

 

كما برز السائقون وتمكنوا من تحميل الصواريخ على القواعد بثبات دون أى تردد أو  خوف وفي سرعة مذهلة  ..

 

لقد كانت أسرة الدفاع الجوي كلها تعزف أروع  سيمفونيات العبور فى تلاحم شديد بين الضباط والأفراد  حتى أنك لا تستطيع تمييز من هو الجندي  من قائده كانت وحدة الدفاع الجوي بحمولاتها الثقيلة  ومعداتها الضخمة  تقوم  - كمثال – بأربعة  أنتقالات  خلال أربعة أيام  وهذا يفوق الطاقة العادية  ويظهر مدى الكفاءة العالية للتدريب..كما أن ذلك يعني أن هذه الوحدة تواصل الليل بالنهار  ..الليل فى التحرك والنهار فى تتبع الأهداف المعادية وأسقاطها أو العكس ..  وليس المهم أن تتحرك الوحدة فى مكان آخر لكن الأهم أن يتم التحرك  فى سرية تامة  وزمن قياسي بالغ وقد تحدث لهم مفاجآت ، مثلما حدث مع وحدة صدرت لها الأوامر بالتحرك ضمن خطة المناورة  وكن عليها أن تصل إلى موقعها  بأسرع ما يمكن  وفعلاً أختارت أحد الطرق  القصيرة للتحرك  وبعد أن مضوا فى الطريق شوطاً كبيراً فةجئوا بوجود عائق مائى عبارة عن  مصرف مياه يعوق التحرك .. فقام الأفراد بجمع الدبش والطوب حتى يمكن عمل جسر وفعلاً تم عمل الجسر من أكوام  الحجارة والطوب ووضعوا بعض قضبان السكك الحديدية على هذه الأكوام ..كان هذا تحت قصف جوي شديد  من طائرات العدو وقام أحد الجنود  السائقين ( بدر ) بقيادة عربة الأجهزة الثقيلة  (11طن )  ورغم أنه يعلم مدى  خطورة هذا العبور وا؛تكال تعرض الجسر للأنهيار  لكنه  بأعصاب هادئة أجتاز الجسر  وهكذا تم مرور جميع عربات الأجهزة  والشئون الإدارية سليمة  مع العلم بأن هذا الجسر  لا يمكن لأحد من السائقين  فى الأحوال العادية  مهما كانت مهارته  من المرور عليه خوفاً من انهياره  علاوة على القصف الجوي الشديد وقد تمكن  المقاتلون من إقامة  هذا الجسر  فى مدة تتراوح   بين 10 – 15 دقيقة  لقد كان كل منه يعرف قيمة الوقت !!

 

وعلى ذكر التحركات أيضاً فقد ضرب المقاتل  (مسعود ) أروع أمثلة البطولة والفداء  كان مسعود سائق  جنزير فى أحدى وحدات الصواريخ ببورسعيد  وقد حدث أن اصيب صاروخين  فتقدم  بالجرار لإنقاذ الرأس المدمرة قبل أن تنفجر واستطاع  أن ينقذ الصاروخ الآخر من الأنفجار فى وقت خيالي  وطلبته وحدة أخرى  فذهب إليها  وفى الطريق وجد مسعود 4 مدافع رباعي وقد غاصت عجلاتها فى كثبان الرمال فقام بجرها وانقاذها من منطقة القصف الجوي ..وفى طريقه أيضاً وجد جراراً ىخر غارزاً فى الرمال وقد سد الطريق أمام عربات  الذخيرة لرأس العش  وعند معاينته  للجرار وجد أن رولمان بلي العجلة معطل  فقام بإصلاح الجرار ووصل إلى الوحدة .. وأثناء إخلائها اصابته شظية فى وجهه وأخرى فى رجله كما اصيب بحروق فى وجهه  وحمله زملاؤه إلى المستشفى  وما أن أفاق مسعود حتى ترك المستشفى  ورجع إلى بورسعيد  لإحضار جراره الذى تركه رغماً عنه وهو جريح  يقول مسعود : هنا فقط عرفت معنى الألم لأن سرعة قيادتي للجرار قد قلت ووصلت إلى الموقع الجديد بجرارى .. وأدخلنى قائد التشكيل المستشفى مرة أخرى  وبعد ثلاثة أيام  تركت المستشفى وعدت إلى وحدتي لأظل على جراري  .. وماذا حدث يا مسعود ؟؟

 

قال مسعود : (( لقد تجمدت الدموع فى عيناي وقائد التشكيل يحتضنني وهويقول أهلاً بالبطل ))

 

الدفاع الجوي فى الهجوم : وقد أستطاع أبطال الدفاع الجوي أن يسهموا فى أخطر  معارك الثلث الأخير من القرن العشرين (العبور) وهم في موقع الدفاع والهجوم أيضاً ولعلك سمعت  تعليق العالم على الرجال حملة الصواريخ ..هذا الصاروخ الصغير الذى يحمله المقاتل على كتفه يشبه إلى حد ما مدفع البازوكا يقف مقاتل الدفاع الجوي  شامخاً متحدياً أمهر طيار يقود أحدث طائرة قتال  وعندما يقترب طيارو العدو من رقعة الأرض التى يدافع عنها المقاتل تبدأ المعركة بين طائرات العدو  القادمة وفيي جوفها أطنان القنابل والصواريخ ,اشرطة  طلقات المدافع السريعة  وبين المقاتل الشجاع وصاروخه الصغير فوق كتفه ..وتكون النتيجة  دائماً أن هذا المقاتل يخرج منتصراً ..

 

لقد استوعب الفرد المصرى  معداته بجميع جوانبها العلمية المعقدة  وامتلأ قلبه بالشجاعة  وصدره بالإيمان ففى أثناء التقدم فى أرض سيناء  لتنفيذ المهام الموكولة له لوحدة المدرعات لاحتلال عيون موسى لاحظ قائد وحدة الدفاع الجوي بها تزايد طائرات الهليكوبتر المعادية التى تهاجم  مدرعاتنا فأصدر قراره بأن يتحرك تشكيله القتالى  من الخلف إلى الأجناب والأمام ليتمكن تشكيله من حماية المدرعات المصرية من الطائرات الهليكوبتر ويزيد قائد وحدة الدفاع الجوي بذلك من تعرض قواته لنيران العدو الأرضية .. لكن المهم هو حماية المدرعات المصرية المتقدمة  أولاً لتؤدى المهام القتالية لها .

 

ويعلق أحد المقاتلين الشباب على هذا القرار بقوله :

 

(( لقد غيرنا شكل النيران بتغيير أماكن المواقع واستخدمنا كل الوسائل التكتيكية  لمفاجأة العدو  ..كانت الحرب فرصة نادرة لنا لنطبق كل معلوماتنا الفنية والتكتيكية  ونترجم أحاسيسنا الوطنية إلى قتال شرس يدافع عن أرض الوطن )) .

 

ومهما تعددت الأجهزة الألكترونية وتعقدت وتشابكت فإن هناك على الطرف المعادي اجراءات اليكترونية  مضادة  مع وجود أجهزة الرادار التى ترى الطائرات على بعد مئات الكيلو مترات  وأجهزة السواتر  التى ترصد أصوات  الغواصات  على أعماق سحيقة  تحت سطح الماء  فإن الطرف المعادى يستخدم الشوشرة والإعاقة  على هذه وتلك ليحول دون أن تسمع أو ترى  أو تستشعر أجهزة الخصم الأليكترونية  ويجعلها صماء  عاجزة على فهم أو إدراك ما يجري حولها .

 

وقد غالت إسرائيل فى أجهزتها الألكترونية  للتداخل والإعاقة  والشوشرة الألكترونية  واستخدم  الدفاع الجوي المصري  كل الاجراءات  الاليكترونية المضادة  وأضاف حزاماً  بشرياً من الرادار  وهو ما أطلق عليه ( رجال المراقبة  بالنظر )  وأحاطوا كل شبر  من الوطن بنقط المراقبة بالنظر وهم فى مواقعهم – أحياناً – فى أرض لم تطأها قدم بشر من قبل .. ومع ذلك ضرب هؤلاء الرجال أروع أمثلة التضحية والفداء وقد استعاضوا  عن مواقعهم  - حينما داهمتهم  قوات شارون بمنطقة الثغرة – بالأشجار ومآذن المساجد وكومات القش وظلت أجهزتهم  وحتى اليوم الأخير لأنسحاب قوات شارون نابضة بالترددات اللاسلكية ..

 

بطولات لا تنتهي :

 

 

 

 ففى أثناء  إغارة جوية على أحد مواقع الرادار كان من الضرورى خروج أجد أفراد الطاقم لضبط الفولت فى مولد القوى واندفع البطل ( مرعي )  غير مبال بالصواريخ ولا القنابل وتقدم لأداء مهمته  الفنية وبعد تحقيق المهمة  واثناء عودته إلى طاقمه اصابته إحدى الشظايا في رجله  واندفع إليه ثلاثة من الزملاء  وأخلوه إلى النقطة الطبية وفى المستشفى قابلته وقال وهو يقدم بعض الحلوى  (( ولا تأخذ حتة من الشظية ))  وأخرج من الدرج بجواره الشظية  التى كانت استقرت فى رجله فاحتضنته وأنا أقول له  (( هذه نيشان النصر لا يستحقها إلا الأبطال أمثالك  ))  

 

وفى وقع بمنطقة جنيفة  وقف المقاتل ( أبو تكية ) يقود النيران باقتدار كان يحمل القرآن فى يده ملهماً الأفراد لتحقيق البطولات  ..وكان أبو تكية قد تولى قيادة الموقع بعد أن توفى قادته الضباط الثلاثة  واستطاع أن يأخذ قراره بالأستمرار فى الأشتباك واصلاح الأعطال ..

 

وفى هذا الموقع كان المقاتل شاكر يقود طاقم وفى نفس الوقت يقوم بتعمير المدفع بدلاً من المعمر الذى استشهد .. وأصابته شظية فاستشهد والذخيرة فى يده قبل أن يوجهها للعدو لتصب نيراناً من الحقد والكراهية ..

 

 ومن أنفجار القنابل أصيب قائد الموقع بجرح مميت وسط النيران وأسرع لإنقاذه المقاتل  ( الغول ) كانت حوله شعلة كبيرة من النيران  ..أحترقت ثياب العريف الغول وشعره ووجهه ويديه لكنه استطاع أن ينقذ قائده من النيران .

 

وقد أبو تكية  الموقع بشجاعة  لكنه اصيب بجرح كبير فى ذراعه ورأسه وظهره وسال دمه ولكنه واصل قيادة النيران وفي مستشفى القصاصين  سألته السيدة جيهان السادات عن حالته الصحية فأجاب أبو تكية  (( فى غاية السوء لأننى بعيد عن موقعي  وزملائي .. أريد أن أكون معهم !! ))

 

وفى موقع آخر ببورسعيد استمر قصف 16 طائرة إسرائيلية أكثر من ساعة فى موجات متوالية  وألقى العدو 4 قنابل زنة  1000 رطل وبرغم  هذا لم يهتز الأفراد ولم يدخل الخوف قلوبهم واشتركوا القتالية مطلقين صواريخهم على العدو ، لقد اسقطت شجاعة  اطقم الصواريخ فى هذه المعركة  طائرات اسرائيلية كما اصيبت اثنتين  وفى هذه المعركة ظهرت رجولة  وشجاعة المقاتل ( سلام ) الذى أصر على الذهاب إلى هذا الموقع  ضمن مجموعة إصلاح التشكيل ، فخلال الإغارة  استطاعت الطائرات الاسرائيلية أن تصيب أجهزة الاطلاق والكابلات الكهربائية بأعطال وتحت قصف القنابل والصواريخ كان المقاتل سلام يمر من جهاز إلى جهاز مصلحا لأعطالها لتعمل من جديد  .. ولم يكن المقاتل سلام قد قام لمدة يومين قبل هذا الأشتباك حيث كان يعمل فى أعداد المعدت القتالية للمناورة  بالمواقع وطلب منه أن يستريح فى الملجأ لكنه رفض وأثناء دخوله أحد أجهزة الاطلاق كسرت قدمه  ، ضمدها وعاد يعمل من جديد تحت قصف القنابل والصواريخ مستنداً على أحد الجنود متحرك ببطء نحو جهاز الاطلاق حيث أزال الأعطال وأقترب المقاتل سلام متغلباً على آلام قدمه من اصلاح آخر الأجهزة .. وقبل الصاروخ  ومضى فى بطء نحو الملجأ وفى لظة اطلاق الصاروخ كان سلام ينظر فى  اثره لمقابلة طائرة العدو  وشاهد انفجار الطائرة الاسرائيلية وبعد دقيقتين  اصابته أحد الشظايا المتناثرة  من حطام الطائرة المدمرة  ..

 

ولا ينسى  جنود هذه الوحدة سائق جرار  ( حين كان فى دورة المياه الميدانية )  وحينما اشتعلت  النطقة بقصف الطيران المعادي نسى نفسه وجرى إلى جراره يبعده عن منطقة القصف وسدخله إحدى الدشم .

 

الشهيد تهامي خريج الزراعة العليا  الذى برع فى تكنولوجيا الكهرباء كان متديناً كأن القدر يتكلم على لسانه كل تنبؤاته  لزملائه قد تحققت ..كان دائم المرح والتفاؤل ..لم يكن دوره فى هذه النوبتجية فقد كان زميله فى التخصص المقاتل ( سعد ) مصاباً بأنفلونزا حادة  نتيجة التعب والإرهاق الشديد وسحب الدخان التى غطت بورسعيد .. فحل التهامي  مكان سعد وبقى يقود النيران  داخل جهازه إلى أن أصابت دشمته صاروخ مباشر فاستشهد التهامي  نتيجة تفريغ الهواء حيث بقى ينزف أكثر من خمس دقائق وهو يردد فى ميكروفون الجهاز  (( الله أكبر .. الله أكبر .. حى على الجهاد ..حى على الجهاد )).

 

حرب العصابات بالدبابات هل أدت دورها ؟

 

وقد تحدث بعض المارقات العسكرية الهامة  كما حدث فى ثغرة شارون  فشل العدو الإسرائيلى فى التصدى لغابة الصواريخ  المصرية  فأراد أن ينالها بتسلل أرضي  واستاع أن يتمركز  فى منطقة سرابيوم  فصدرت الأوامر يوم 21 أكتوبر 73 بإخلاء وحدة دفاع جوي من هذه المنطقة نظراً  لتمركز دبابات العدو حول الوحدة واحتلالها موقعاً آخر .. يقول المقاتل شوقي :

 

(( قمنا بتحميل الجزء الأكبر من الوحدة تمهيداً لاخلائها وبقيت وبعض زملائي  فى مؤخرة الوحدة وأقسمنا ألا نترك مكاننا حتى نطمئن من اخلائه من أى شى ءقد يفيد العدو  ))

 

بطولات وبطولات يضيق المجال لحصرها كان هذا بعض قليل منها ليعرف العالم كيف يقاتل ابناء الدفاع الجوي وكيف كسروا الذراع الطويلة  للعدو كما قال عنهم المشير أحمد إسماعيل فى حفل تكريم الأبطال :

 

(( لم يبال رجال الدفاع الجوي بالمحاولات اليائسة المتكررة  التى قام بها العدو ليدمر ولو جزءاً من دفاعاتنا الجوية لينفذ منها إلى عمق البلاد لقد تصدوا له فى براعة وكفاءة وجرأة كاملة )) ..

 

**********

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech