Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

حوار مع الفريق طيار محمد حسني مبارك قائد القوات الجويه

موضوع من إعداد - اسماء محمود

ملحوظة : الحوار منقول عن كتاب : العسكرية المصرية فوق سيناء / حمدى لطفى ، دار الهلال ، 1976 ... والحوار منقول كما هو بالكتاب

لقاء وحوار معه فى أغسطس 1974

                                                                                             

كانت عين القائد الأعلى عليه منذ عام 1969 .

ففى أبريل من ذلك العام تولى الفريق محمد حسنى مبارك رئاسة أركان قواتنا الجوية وبعد ذلك بفترة بسيطة تصاعدت عمليات حرب الاستنزاف إلى هجمات واعتراضات جوية شبه يومية أدراها هذا الرجل بكفاءة واقتدار وألتفتت جماهير شعبنا إلى أعمال بارزة مميزة قام بها طيارونا الشبان ضد العدو الإسرائيلى فى سيناء .

ومرت الأيام ، وفى أبريل عام 1972 ، ألتقى الرئيس السادات باللواء حسنى مبارك ،ودار بينهما حديث طويل حول الحرب ودور الطيران ، ثم أسند إليه قيادة قواتنا الجوية العملاقة ، ليؤدى البطل دوراً تاريخياً ، استرد به الشعب المصرى بصفة خاصة والشعب العربى بصفة عامة كرامته وكبرياءه الوطنية ، حين خاضت قواتنا المسلحة أشرف وأعظم معارك العصر فى حرب رمضان المجيدة وكانت قواتنا الجوية أول من أطلق الشرارة الأولى فى الخطة .

لقد بدأ الطيران المصرى الحرب ، وهو الذى أنهاها كما قال الفريق عبد الغنى الجمسى رئيس الأركان .

وجاء عام 1974 ومنذ بدايته وأنا أحاول أقتناص بعض الوقت للقاء القائد ، واحد من ألمع نجوم العسكرية المصرية وقد خطط وقاد معركة جوية أعطت أرقى أشكال التفوق والإبداع والسيطرة ، وكانت إضافة رجاله فى السماء أو فوق الأرض من طيارين ومهندسين وفنيين طوال الحرب ، إلى فنون القتال هجوماً أو أعتراضاً أقرب إلى الأعمال الخارقة التى تفوق امكانيات مقاتلى أحدث أسلحة الطيران فى العالم .. فهدأت قلوب الجماهير القلقة اللاهثة فى الصدور ، وعادت البسمة إلى الوجوه ..

ولقد انتظرت هذه الشهور بطولها حتى ألتقيت به فى صيف 1974 ، ذلك لأننى أعلم أن الرجل لم يحصل على راحة منذ عام ونصف العام وأن أعباءه اليوم أخطر وأكثف من أعباء الحرب ، فقد عاد الرجال إلى التدريب وبقيت العيون والعقول والأعصاب مفتوحة يقظة مشدودة إلى مواجهة مختلف الأحتمالات .

قلت للفريق طيار حسنى مبارك :

وصفت بعض الأقلام عربية وأوربية حرب رمضان بأنها حرب (( الساعات الست )) أليس هذا التحديد الزمنى أجحافاً بما قامت به قواتنا أو خطأ مقصود ؟

_ هو كذلك فعلاً ، فحرب رمضان استمرت على مستوى الجو والبر والبحر 17 يوماً ، شهدت أعنف المعارك الجوية والبرية والبحرية ضراوة فى سيناء وغرب القناة والبحرين الأبيض والأحمر ، ولكنى لا أعتقد أنه خطأ مقصود ، ذلك لأننا فى حرب عام 1967 فقدنا السيطرة الجوية فى ساعات قليلة وطائراتنا فوق الأرض ، وبالتالى تعرضت قواتنا البرية للإبادة فى سيناء وفى حرب عام 1973 أحرزنا السيطرة والسيادة الجوية كما أحرزنا التفوق المطلق رغم قوة طيران العدو وهى قوة لا يستهان بها من ناحية الكم والنوع .. أحرزنا هذه المعجزات فى الساعات الأولى من المعركة ، حطمت خلالها قواتنا المشاة خلالها حصون خط بارليف الهرمية ، فجاءت هذه التسمية التى اطلقتها الصحافة ( حرب الساعات الست ) لأن العدو فقد توازنه خلال هذه الساعات .

ولكنها عملياً وتاريخياً حرب السبعة عشر يوماً ..

ما قبل 6 أكتوبر عام 1973

كيف علمتم بقرار الحرب ، ما هى المقدمات التى سبقت تحديد يوم 6 أكتوبر وكيف كانت ملامحها ؟

_ طلبنى القائد الأعلى الرئيس السادات بعد أن أسند لى قيادة قواتنا الجوية وكان لقاء رائع ذا طابع خاص فقد قال لى سيادته :

_ سنحارب معركتنا ، والطيران هو فيصل الحرب وعليك منذ هذه اللحظة أختيار أسلوب جديد فى الهجوم ، أسلوب هو المفاجأة بعينها للعدو ، وفى الوقت نفسه يضمن سلامة قواتنا الجوية وقدرتها على الاستمرار وأحراز النصر ..

ساعتها احسست بجسامة المهمة وخطورتها ومسئوليتها التاريخية وظللت 72 ساعة دون نوم ، أفكر على الورق ، ثم عدت إلى الرئيس بمشروعى ، وكان بأختصار شديد بعيداً عن التفاصيل يتضمن العمل الجوى المركز بما يضمن تحقيق ضربة السيطرة الجوية بنجاح ، وقد وفقنا الله عز وجل إلى ابتكار هذا التكتيك الجديد وتطبيقه فى أرقى أشكاله الهجومية .

وقبل الحرب بعدة أشهر أرتفع معدل التدريب وظللنا نعمل طوال النهار والليل مع الاحتفاظ ببعض النشاط الوهمى لتضليل العدو عن حقيقة نوايانا وقد أستلزم هذا النشاط جهداً وطاقة اضافية طوال عام كامل .

وفى اغسطس عام 1973 ، أعطانا القائد الأعلى قرار الاستعداد الكامل لساعة الصفر ، تحددت بعد ذلك بيوم 6 أكتوبر – 2 ظهراً ، وكانت حرب رمضان المجيدة وقد مررت على جميع قواعدنا الجوية ثلاث مرات قبل أسبوع من اليوم الخالد .

قيل عن حرب عام 1967 أن الخدمة الأرضية فى مطاراتنا كانت ضعيفة للغاية ، هل يؤدى ضعف الخدمة الأرضية إلى هزيمة الطيار المدرب جيداً ؟

_ نعم ، إن الطيران ما هو إلا طيار وملاح ومهندس وفنى وإدارى ، وكل طائرة تحتاج لجهود تستغرق ما بين 20 و24 ساعة لتحقيق سلامة مهمتها ، وحين بدأنا الاستعداد لمعركة المصير كان علينا التخلى عن الأساليب النمطية فى إعداد واصلاح الطائرات واستخدام وسائل بديلة مستحدثة مدروسة ، الفضل فى إيجادها يعود للعقل المصرى ، فأقمنا مدارس عسكرية خاصة لتأهيل كل الأطقم الفنية فوق الأرض وفى السماء حتى يمكننا بعد ذلك ترجمة عمل هؤلاء إلى قتال ناجح .

ظل التدريب التعبوى يتم على هيئة مشروعات مشتركة مع بقية أسلحة قواتنا ، مع تدريب الطيارين ليل نهار على الطيران بأرتفاعات منخفضة لتفادى الكشف الرادارى وأجهزة الإنذار المبكر لدى العدو ، وتدرب الرجال على اطلاق المدافع والصواريخ بدقة وكفاءة عالية فى تمييز الأهداف والمناورة بميادين رمى مزودة بأهداف هيكلية   ، كما تدرب الطيارون على الاقلاع بطائراتهم فى زمن قياسى وبالتالى استوعب التدريب أطقم الملاحة الجوية ، والتصوير الجوى وتفسير الصور التى تعود بها طائرات الاستطلاع ، مع رفع كفاءة الاصلاح الهندسى للطائرات .

أعمال خارقة :

واستطرد الفريق طيار حسنى مبارك قائد قواتنا الجوية فى حديثه وهو يستعيد صفحات الشرف التى حققها العمالقة من أبنائه نسور الجو ..

_ لم يكن ما حققته قواتنا الجوية أملاً قائماً على المصادفة أو المفاجأة أو ضربة حظ عشواء .. بل كان نتاجاً لبرامج التدريب القاسية ، ولحسابات تحمل طابع الرؤية العلمية للمعركة وتصاعدها ، لما يملكه العدو وما نملكه نحن ، لتخطيط مبنى على معارف دقيقة بكل نقاط الضعف لدينا ولدى العدو من طائرات وطيارين ومدفعيات وصواريخ مضادة للطائرات ، ومن هنا جاءت حرب أكتوبر ودور قواتنا الجوية خلالها ، صفحة مشرقة للتخطيط والتجهيز السابق فى التنفيذ .

لقد كنا نعمل وإيماننا بأن النصر لا يتحقق عفواً ...

_ إن الزمن التقليدى على جميع المستويات لأى معركة جوية طويلة وبالقياس العالمى يتراوح بين 7 دقائق و10 دقائق ، وفى حرب رمضان قاد طيارونا معارك جوية استمرت 50 دقيقة.

قلت :

فنياً كيف تحقق ذلك ؟

_ بتوفير الوقود لدى طائراتنا ، فبعض هذه المعارك وقع فى مناطق غير بعيدة عن مطاراتنا مما وفر كميات كبيرة من الوقود أطالت زمن القتال فى الجو ومنحت طيارينا حرية المناورة والسيطرة والتفوق على طائرات العدو ..

لقد قام طيارونا فى إحدى المعارك باعتراض الطائرات الإسرائيلية وبلغ عددها 70 طائرة اعترضوها فى معركة مستقلة ، وكان عدد طائراتنا مماثلاً ، واحدة من معارك الجسارة والاقتدار ، وقاتل الطيارون المصريون بمعنويات تكاد تعانق السماء ، وحقق كل منهم عملاً بطولياً فريداً متميزاً واستشهد البعض فدية للنصر ، وكان اداؤهم من أنبل وأشرف الأداء .

طار الطيار المصرى على أرتفاع أقل من ثلاثة أمتار حتى 4 أمتار ، وألقى صواريخه على دفاعات العدو ومناطق حشد مدرعاته ومطاراته بكل المفاجأة وأبعادها .

حدد المعدل العالمى للطيران من ثلاث حتى أربع طلعات للطيار ، فقام طيارونا بست وسبع طلعات وبعضهم قام بتسع .

تدمير الدبابة الواحدة فى جداول التدمير العالمية يستلزم من هجمتين لثلاث هجمات فجاء طيارونا ودمروا أرتال المدرعات الإسرائيلية فى سيناء بهجمة واحدة والصور لدينا دليلنا على ذلك .

فى معركة جوية قوامها 80 طائرة لنا وللعدو ، اسقط طيار مصرى بطل 5 طائرات إسرائيلية ، دمر ثلاث طائرات بصواريخه ، ثم اقتحم بطائرته طائرتين للعدو وأنفجرت الطائرات الثلاث فى الجو والبطل يهتف فى اللاسلكى (( الله أكبر )) ..

تشدقت إسرائيل بقدراتها فى أعداد الطائرة للاقلاع بعد تزويدها بالوقود والذخيرة وأعادة الكشف على أجهزتها الألكترونية فى 8 دقائق ، استطاع المهندسون والفنيون فى قواعدنا الجوية أختصارها عام 1973 إلى 6 دقائق فقط .

كان المهندسون والفنيون يختصرون عمل أسبوع إلى عشر ساعات وأحياناً أقل خلال فترة الحرب ، طوال 17 يوماً حافلة .. ولم يتعطل مطار واحد من مطاراتنا بعد قصفه بالقنابل إلا ساعات قليلة فقط ليعود بعد ذلك إلى حجم كفاءته العادية .

مهندس برتبة عميد قام بزيارة عمل لمطار من مطارات الدلتا وتصادف وقوع غارة جوية على المطار فأخذ المهندس يجمع بيديه القنابل الزمنية بعيداً عن المطار .

وهناك عشرات من قصص البطولة التى قام بها المهندسون والفنيون نشرتها الصحف والمجلات عقب الحرب وكلها تعكس أصالة المقاتل المصرى و إرادته وتماسكه وقدراته التى تفوق كل تصور على البذل والعطاء .

لقد أخذ مساعد فى أحد المطارات يدفع قنبلة سقطت أمام باب دشمة طائرات بسيارته وهو يعلم تماماً أن القنبلة قد تنفجر فى اللحظة القادمة .. وقد حدث ذلك فعلاً بعد أن ابتعد البطل بالقنبلة إلى أرض فضاء بعيداً عن الدشمة .

لقد استطاع المهندسون بالتعاون مع بعض مؤسسات القطاع العام انتاج (( خلطات أسمنتية )) لسد الحفر التى تحدثها القنابل فى ممرات الطائرات ، وكانت خلطة اسمنتية رائعة تعيد الممر إلى حالته الأولى فى ساعات معدودة .

وقبل ذلك قام القطاع العام بدور كبير وخطير حين بدأنا بناء الدشم وإنشاء المطارات الجديدة عديدة الممرات إلى جانب قواعد الصواريخ التى أشار إليها القائد الأعلى أكثر من مرة .

نطح الصخر

عدت اسأل بطل القاذفات القديم ، وبطل حرب أكتوبر عام 1973 قائد قواتنا الجوية :

بذلك نستطيع أن نقول أن إسرائيل عجزت عن تقديم مفاجأة واحدة طوال حرب رمضان ضد قواتنا الجوية على جميع المقاييس العسكرية ..

_ هذا بالتأكيد ولكنها بعيداً عن المقاييس العسكرية لجأت إلى أعمال الخسة والغدر ، حين استعملت قنابل (( الجوافة )) أو قنابل البلى الممنوعة دولياً وهى قنابل ضد الأفراد ولا يلجأ إليها إلا من هو على غرار إسرائيل وتاريخها الإجرامى وليس العسكرى .

لقد فاجأنا العدو عام 1967بنوع معين من القنابل لم يكن مستخدماً من قبل ،وهى قنابل الممرات ، شحنة متفجرة ذات حربة فى مقدمتها تطلق أثناء الطيران الغاطس أو من الطائرات التى تطير على أرتفاعات منخفضة جداً ، فتحقق هذه القنابل واسمها (( كابم )) أختراقاً فى الممرات وفجوات كبيرة بها وبذلك تعطلت أكثر مطاراتنا .

_ عام 1973 عجز العدو عن عن استخدام هذه الأساليب لأن عنصر المفاجأة تحول ضده وكانت المبادأة فى أيدينا باستمرار ،   ونطحت طائراته رأسها فى الصخر وهى تهاجمنا ، إذ اصطدمت بجدار البالونات فوق كل موقع أو هدف حيوى وبيقظة المقاتلات المصرية تعترضها وتسقطها وبحائط الصواريخ المضاد للطائرات ، فلجأت الطائرات الإسرائيلية مضطرة إلى الطيران على أرتفاعات عالية جداً وكثيراً ما أسقطت حمولاتها فوق الصحراء .

قلت للفريق حسنى مبارك :

_ قبل المعركة تحدث العدو عن النسور والعصافير ، ما تفاصيل هذه الأحاديث ؟

ضحك القائد وقال :

_ قبل المعركة قال العدو أن الطيران المصرى إذا فكر فى الهجوم أو الدخول مع الطيران الإسرائيلى فى معركة جديدة ، فستكون أشبه بمعركة بين نسر وعصفور وبالطبع يقصدوننا بالعصفور !!

إنه أحد ألوان النشاط الدائم والحرب النفسية التى مارسها ضدنا قبل معركة رمضان المجيدة .

أن الكلمة مهما بلغت من قدرة التعبير لا تستطيع أن تصور مدى الشحن المعنوى لدى الطيارين قبل أكتوبر وطوال فترة الحرب المجيدة .

لقد قام أحد الألوية الجوية ب 2500 طلعة خلال أسبوع ضد قوات العدو ومطاراته .

لواء آخر قام ب 3400 طلعة خلال ثلاثة اسابيع ، بل أن هناك لواء قام بخمسة آلاف طلعة خلال 17 يوماً من فترة الحرب .

وكانت الطائرات تقلع من دشمها قبل مرور 150 ثانية وكثيراً ما أقلعت فى 130 ثانية ، يتخللها تلقى الانذار ثم تقويم الطائرة بالمقوم الكهربائى وفتح باب الدشمة ، سيرها على الممر الأول ثم الممر الرئيسى ، إلى أن تحلق فى السماء .

قبل هذا يظل الطيار مربوطاً فوق مقعده بالطائرة داخل الدشمة حتى يتلقى الانذار ..

_ ذكرتم فى حديثكم جدار البالونات ، وقيل أن قواتنا الجوية استخدمت فى حرب 1973 وسائل المراقبة بالنظر .. أليست هذه من أساليب الحرب العالمية الثانية ؟

قال القائد الذى بلغت ساعات طيرانه ما يقرب من ستة آلاف ساعة :

_ نعم ، وهى اساليب لها فعاليتها حتى الآن ، أن جدار البالونات من أنجح وسائل الدفاع الجوى عن المطارات ضد الطيران المنخفض ، ويمكن استخدامها الدفاع عن المنشآت لحيوية الهامة فى أنحاء لوطن ، أما بالنسبة للمراقبة بالنظر فقد كانت خير معاون لمقاتلات والدفاع الجوى ، بل أنها تجاوزت فى بعض الأحيان امكانيات الرادار ، وبيانات جماعات المراقبين بالنظر ظلت تصل إلى قادة الوحدات الجوية مباشرة ، وطوال أيام المعركة والحرب المجيدة قام هؤلاء العمالقة بواجبات ضخمة وفشلت جميع غارات العدو على مطاراتنا حين اعترضتها مقاتلاتنا فى اللحظة المناسبة نتيجة بلاغات المراقبين بالنظر الذين نالوا أقساطاً هائلة من التدريب على تلك المهام .

لقد أسقطنا طائرات كثيرة للعدو قبل أن تتمكن من اسقاط حمولتها من القنابل ، وكم كان مضحكاً حين يرى الطيار الإسرائيلى - الميج أمامه ، فيلقى حمولته كيفما أتفق ليستطيع الفرار وقد خف وزنه .

الفانتوم والميج :

_ معنى هذا أن الفانتوم تأكد عجزها أمام مطاردة الميج ؟

_ لقد جعلوا من الفانتوم أسطورة من ناحية التجهيزات التكنولوجية ، ولكنها عجزت أمام الميج 22 و17 ، وقد أسقطها طيارو تلك المقاتلات ، ومن أبنائنا الأبطال الذين تفوقوا على تفوق التكنولوجيا الأمريكية   ومعنى ذلك التأكيد على قول الله عزوجل :

(( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين )) .
إنه الطيار فى النهاية الذى يحسم الأمر ، وليست الطائرة على الإطلاق .

وكما قيل فى الأمس البعيد ، ليس المدفع بل الرجل الواقف خلفه ..

وبهذه المناسبة يحضرنى قول رائع للمشير المرحوم أحمد إسماعيل على :

(( السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح )) .

عدت اسأل الطيار الأول فى وطننا العربى :

_ هل يستطيع الطيار المصرى أن يقود الميراج الفرنسية بنفس الكفاءة التى يقود بها الميج الروسية ؟

_ لقد قادها بالفعل بنفس كفاءة الميج 21

سؤال آخر :

ما مدى الإسهام الذى قامت به قواتنا الجوية مع الشقيقة سوريا ؟

_ منذ البداية وطيارونا يؤدون واجباتهم هناك تحت قيادة القيادة السورية وقد اشتركوا مع الأشقاء السوريين فى ضربة السيطرة يوم 6 أكتوبر حين قامت بها سوريا بجانبنا ، بل وقاتلوا العدو الإسرائيلى فى حرب ال 80 يوماً بعد ذلك ، ولنا شهداء أعزاء قدموا الروح وهم يبذلون أقصى الطاقة والجهد حتى   توقعت أتفاقية فك الأشتباك بين القوات السورية والإسرائيلية .

_ تردد أن عدد طائرات ضربة السيطرة يوم 6 أكتوبر كان أكثر من مائتى طائرة , وأنه كان مخططاً لضربتين وليست ضربة واحدة .. فما حقيقة هذا كله ؟

_ بالفعل كان عدد طائرات ضربة السيطرة أكثر من مائتى طائرة ، وقد حققت الضربة الأولى أهدافاً كنا نأمل تحقيقها فى الضربة الثانية ومن هنا أكتفينا بضربة واحدة مركزة خير من مائة ضربة ضعيفة .

لقد دربنا الطيارين طويلاً وبثمن غال جداً وبالذخيرة الحية فى ميادين تكتيكية ، ولذلك كان قصفهم محكماً جسوراً مرتفع الكفاءة ، وحصلنا على نتائج مذهلة لم تحققها فى أعنف مستويات التدريب وتلك أضافة هامة أضافها الرجال إلى فنون القتال .

وحين أصدرت الأوامر ببدء المعركة كان تنفيذها بأسرع ما يتخيله العقل والمنطق .. أننى أذكر أن السيطرة على الطيارين فى الدقيقة الواحدة بعد الساعة 2 ظهراً كانت شاقة للغاية ، بل كانت شاقة قبل ساعة الصفر بوقت ليس بقليل أمام الشحن المعنوى والعقائدى بالحرب وشرعيتها .
قبل المعركة بأسابيع والطيارون يعرفون أنها آتية حتماً وبأسرع ما يتخيلون ، فيقى أكثرهم بالقواعد دون أن يسمح لنفسه بزيارة أسرته أو منزله وبعضهم كتب على صدورهم (( لا إله إلا الله )) وبعضهم كتبها فوق غطاء الرأس ، وسجلوا أحكام القصف مع تفادى الكشف الرادارى وأجهزة الانذار المبكر التى وضعها العدو بكثافة فى الضفة الشرقية ، وبلغوا عمق سيناء فدمروا قاعدة ومحطة (( أم مرجم )) رأس العدو ومطار (( المليز )) أكبر المطارات التى أستخدمها فى سيناء فظل متعطلاً عن العمل أربعة أيام ومحطة (( أم خشيب )) التى تقوم بالشوشرة الألكترونية .

مع القوات البحرية :

سألت الفريق الطيار حسنى مبارك :

_ هل لجأنا إلى الطيران الليلى ؟

_ نعم حين كنا نعمل مع قواتنا البحرية ليلاً فى ضرب لنشات العدو الصاروخية ، وقبل ظهور أول ضوء دمرنا لواء مدرعاً إسرائيلياً كان فى طريقه إلى الجيش الثانى الميدانى ، وقد ذكر اللواء فؤاد عزيز غالى قائد الجيش هذه الحقيقة أمام السيد الرئيس ، ودمرت طائراتنا ايضاً 11 عربة تحمل صواريخ س.س المضادة للدبابات وهى صواريخ فرنسية محمولة على عربات ، كما قصفت قاذفاتنا آبار بترول أبو رديس وأهدافاً استراتيجية فى جنوب وشمال سيناء .

_ وفى الثغرة ؟

_ دمرنا ما يقرب من 400 دبابة إسرائيلية وكان طيارونا يقومون بست هجمات فى الطلعة الواحدة ، والمعدل هجمتين أو ثلاث هجمات فى أقصى الظروف إلى جانب معاونة الجيش الثالث البطل بطائرات الهليكوبتر .

وفى الثغرة قام أبناؤنا بآلاف الطلعات عبرة فترة لاتزيد على 96 ساعة ، تكبد العدو خلالها خسائر جسيمة لم تكن فى حساباته على الاطلاق ..

وهذه الخسائر تحملها الأفلام التى ألتقطتها طائراتنا   أثناء القصف فى سجلات الحرب .

أحب أن أسر إليك بأن الروح المصرية العالية جعلت العقاب الذى يوقع على الطيار أثناء الحرب هو حرمانه من طلعة أو أكثر ..

قلت لقائد قواتنا الجوية معلقاً :

_ إن دروس حرب أكتوبر لاحصر لها .. فهل يمكن التركيز على بعضها ؟

_ لقد غيرت كثيراً من مفاهيم العسكرية ووضعت علماء الاستراتيجية والتكتيك أمام حقائق جديدة ، وكما قال القائد الأعلى (( سيتوقف التاريخ طويلاً بالفحص والدرس أمام حرب السادس من أكتوبر )) .

أن حرب أكتوبر ليست البطولات التى تحققت ، وليست المعارك الضارية التى دارت فوق سيناء أو غرب القناة فحسب ، بل هى برامج الاعداد بكل أحجامه والتخطيط بكل أبعاده والتدريب والتنسيق بين مختلف الأسلحة ثم التجهيز والتنفيذ فى النهاية ، لنعزف جميعاً جواً وبراً وبحراً سيمفونية مصرية لا نشاذ فيها .

_ يقودنا حديثكم إلى سؤال رددته مجلات الغرب العسكرية ، هل سيعتمد المستقبل فى الدفاع الجوى على المقاتلات دون النيران الأرضية ؟

_ رأيى أنه لا غنى عن العنصرين مستقبلاً المقاتلات والصواريخ ألأرضية ، كما يقولون التحديد العلمى للدفاع الجوى ، إذ يتشكل عنصريها من المقاتلات والصواريخ معاً ، غير أن الطيار يخشى من الدرجة الأولى الطيار الخصم لأنه يستطيع الإفلات من شبكات الرادار وضرب حوائط الصواريخ ، ولكنه قلما يفلت من طائرة معادية يقودها طيار مقتدر ، لأن الطائرة تناور وتطارد ، وفرصة الإفلات ضعيفة لدى الطيار الأقل ثقة وثباتاً وخبرة .

وفى عصرنا الحديث انتقل العالم من المقاتلات ذات السرعات دون الصوتية إلى المقاتلات سوبر سونيك ثم إلى سرعات 1و3 ماخ حتى أربعة ماخ على مستوى المستقبل ، وقد بلغت سرعة أحدث الطائرات حتى الآن 3.8 ماخ ، ولابد من ملاحقة هذه الطائرات ذات السرعات العالية بوسائل توجيه جديدة ، وصواريخ مضادة تلاحق التطور الألكترونى والتكنولوجى فى هذه الطائرات .

وحتى يتم ذلك سيبقى الدفاع الجوى قائماً على الصواريخ والمقاتلات معاً .

صناعة الطائرات :

سؤال أخير :

_ هل سيشهد جيلنا صناعة الطائرات المصرية والصواريخ المصرية خاصة وأننا نملك تجربة سابقة حين أنتجنا منذ سنوات الطائرة المقاتلة الصغيرة القاهرة 300 بالاشتراك مع الهند ؟

_ لقد وضع القائد الأعلى فى مخططاته وهو صاحب المخططات الواعية المدعومة بحسابات ورؤى يقظة واقعية ، وضع بين برامجنا إحياء صناعة الطائرات والصواريخ ولدينا الخبرات البشرية الفنية التى تقف مع خبراء الخارج على مستوى واحد ، قادرة على تنفيذ هذه المخططات ، وهناك دفعات للأمام بوزارة الأنتاج الحربى لست فى حل من التحدث عنها ، و لكنى أستطيع أن أقول بإمكاننا مفاجأة العالم ذات يوم بصناعات مصرية حديثة للطائرات والصواريخ .. خاصة مع نمو حركة الأنفتاح التى نعيشها بعد أكتوبر 73 ..

ولأننى لا أستطيع الاستفاضة حديثاً فى هذا المجال فسأذكر لك جملة قالها الرئيس السادات ونحن نحتفل بيوليو شهر الثورة هذا العام (( يقصد )) عام 1974 ..

((   أن عظمة الشعوب واصالتها لا تتكشف وهى تمضى تحت أقواس النصر ، ولكن عظمتها الحقة ومعدنها الأصيل أنما يتجلى وهى تتفوق على أقسى المحن وأشد الأزمات ، ثابتة راسخة صامدة قادرة ، تنتزع الأمل من ظلام اليأس )) .

** وتركت القائد البطل الشاب ، إلى مجموعة صور جاء بها رفاق السلاح بعد أن ألتقطتها طائرات الاستطلاع ، يضعونها مع تفسيراتهم وقراءاتهم الفنية أمامه .. وكان لحظتها يقول :

_ (( أن جيلنا سيشهد بالضرورة قفزات جريئة كانت بالأمس القريب ضرباً من الأحلام .. ))

*******************

حوار المراسل الصحفى الأستاذ حمدى لطفى مع قائد القوات الجوية الفريق محمد حسنى مبارك ، أجرى الحوار فى أغسطس 1974 ونشر فى طيات المصدر فى أكتوبر 1976

المصدر : العسكرية المصرية فوق سيناء / حمدى لطفى ، دار الهلال ، أكتوبر 1976

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech