Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

دور الحصار البحرى فى المعركة

 

المصدر: السياسة الدولية

بقلم :   سمعان بطرس فرج الله


فور اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة يوم 6 أكتوبر 1973، أبلغت وزارة الخارجية المصرية، سفارات جميع الدول المعتمدة بالقاهرة، أن جمهورية مصر العربية، تعلن أنها تعتبر المياه الإقليمية لكل من مصر وإسرائيل ومياه أعالى البحار المجاورة لها، منطقة عمليات بحرية، وتحدد كالآتى:
أولا: فى البحر المتوسط، المنطقة حتى خط العرض 33 درجة شمالا، وشرق خط الطول 29.50 درجة
ثانيا: فى البحر الأحمر، شمال خط العرض 23 درجة وقد طلبت مصر من جميع الدول إخطار سفنها بالابتعاد عن المناطق المذكورة، حرصا على سلامتها ومن ناحية أخرى،

قامت وحدات من البحرية المصرية بغلق مضيق باب المندب عند مدخل البحر الحمر الجنوبى، لقطع المواصلات البحرية بين ميناء إيلات الإسرائيلى والعالم الخارجى وقد يعتقد بعضهم، أن هذين الإجراءين هما تطبيق لقواعد القانون الدولى الخاصة بالحصر البحرى (blockade blocus)، الهدف مهما أساس هو إضعاف قوة العدو عن طريق عزلة كلية عن العالم الخارجى، ومنع وصول الإمدادات إليه وفى الحقيقة، فإن تحديد مناطق معينة للعمليات الحربية (war zones) فى البحرين المتوسط والأحمر، وغلق بوغاز باب المندب، هما إجراءان منفصلان، يتعلق أولهما بتحديد مسرح القتال فى البحر

(وإن أدى ذلك أيضا إلى عرقلة طرق المواصلات الدولية للعدو) بينما يهدف الثانى أساسا، إلى قطع المواصلات الدولية عن العدو، ولو بصفة جزئية

فكان الإجراء الأول، عبارة عن وسيلة من وسائل القتال البحرى، أما الإجراء الثانى، فهو أساسا جزء من الحرب الاقتصادية ولذلك اختلفت القواعد القانونية التى تحكم كلا من الإجراءين وفى هذا العرض الموجز، نتناول أولا موضوع تحديد مناطق العمليات البحرية، وثانيا موضوع غلق بوغاز باب المندب والحصر البحرى تحديد مناطق العمليات البحرية:


حددت قواعد القانون الدولى العرفية والتعاقدية، النطاق الجغرافى للعمليات الحربية البحرية بطريقة سلبية، أى عن طريق منع العمليات البحرية فى مناطق معينة فقد نصت المادة الثانية من الاتفاقية رقم 12 المعقودة فى لاهاى عام 1907 بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة فى الحرب البحرية، على منع الحرب البحرية منعا مطلقا فى المياه الداخلية والإقليمية للدول المحايدة

(1) بشرط أن تحافظ هذه الدول على حيادها، الفعلى وليس القانونى فحسب

(2) صحيح، أن الدول لم تحترم فى كثير من الحالات القاعدة الناهية التى وضعها مؤتمر لاهاى إلا أن هذه القاعدة مازالت قائمة ومعترفا بها من الجميع كذلك هناك بعض المناطق تم تحييدها بمقتضى اتفاقيات دولية خاصة، مثال ذلك

مضيق ماجلان (اتفاقية 1881 بين الأرجنتين وشيلى)،

وقناة السويس (اتفاقية القسطنطينية، 1881)،

وقناة بنما (اتفاقية hay pauncefote، 1901)، وارخبيل آلاند (معاهدة باريس لعام 1856، واتفاقية جنيف فى 1921، والمعاهدة السوفيتية الفنلندية فى 1940، ومعاهدة الصلح مع فنلندا فى 1947)، ومناطق أخرى عديدة، خضعت لنظام التحييد لفترات مختلفة، مثال ذلك تحييد المضايق التركية بمقتضى معاهدة لوزان فى 1923(وقد ألغى هذا النظام بمقتضى معاهدة مونترو لعام 1936) الخ

(3) هذه القواعد القانونية الخاصة ما زالت قائمة، بالرغم من الانتهاكات العديدة لها التى ارتكبتها الدول المتحاربة، خاصة أثناء الحربين العالميتين ويؤخذ بمفهوم المخالفة من هذه القواعد، أن النطاق الجغرافى للحرب البحرية، يشمل المياه الداخلية والإقليمية للدول المتحاربة، كما يشمل أعالى البحار بأكملها ولا شك فى أن المياه الداخلية والإقليمية للدول المتحاربة، تعتبر المنطقة لجميع العمليات البحرية، وذلك لأن هذه المياه تخضع لسيادة الدول الشاطئية، فهى جزء لا يتجزأ من أقاليم هذه الدول ولكن ثار تساؤل فيما يتعلق بحق الدول المتحاربة فى القيام بعمليات حربية فى أعالى البحار، وذلك على أسس أن أعالى البحار لا تخضع لسيادة الدول (res commmis)، وأن استخدامها مباح للجميع (res nulius)، ومن ثم يتعين التوفيق بين مقتضيات الحرب البحرية من جانب، ومصالح الدول المحايدة من الجانب الأخر وبعبارة أخرى، هل حق الدول المتحاربة فى استخدام أعالى البحار فى القتال هو حق الدول المتحاربة من استخدام بعض أجزاء أعالى البحار فى عملياتها الحربية؟ لقد أثيرت هذه القضية مرارا أثناء الحروب فقد حاولت بعض الدول المحايدة، تضييق نطاق العمليات الحربية فى أعالى البحار، عن طريق الإعلان بمنع مثل هذه العمليات فى منطقة معينة تدعى بمنطقة الأمن (security zone)، أو حزام الأمن

(security belb) وأشهر مثال على ذلك إعلان بنما الذى صدر عن منطقة الدول الأمريكية فى 3 أكتوبر 1939، والذى حدد منطقة يتراوح عرضها بين 50 و 300 ميل بحرى بمحاذاة شواطئ القارة الأمريكية بأكملها، يحظر على الدول المتحاربة اتخاذها مسرحا لعملياتها البحرية وكان المقصود بذلك، منع حرب الغواصات الألمانية فى تلك المنطقة

(4) وكان الأساس الذى استندت إليه الدول الأمريكية فى طلبها هذا، هو حماية أمنها، وحماية تجاربها ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل فمن الناحية الفعلية، لم تحترم الدول المتحاربة منطقة الأمن المزعومة والشاهد على ذلك استمرار حرب الغواصات الألمانية، والمعركة البحرية الكبرى التى وقعت أمام ساحل مونتيفيديو فى 31 ديسمبر 1939 بين الوحدات البريطانية، والوحدات الألمانية ومن الناحية القانونية، رفضت الدول المتحاربة حق الدول المحايدة فى تضييق النطاق الجغرافى للحرب فى أعالى البحار بإرادتها المنفردة، كما زعم إعلان بنما المذكور

(5)

 وعلى أية حال فقد أصبح إعلان بنما غير ذى موضوع، بدخول الولايات المتحدة الحرب فى ديسمبر 1941 ضد دول المحور خلاصة القول، أن قواعد القانون الدولى لم تأخذ فى الاعتبار حتى الآن، مقتضيات أمن الدول المحايدة، فيما يتعلق بالحرب فى أعالى البحار باستثناء المناطق التى تم تحييدها بمقتضى اتفاقيات خاصة، تكون الدول المتحاربة أطرافا فيها وفى الوقت الحاضر، لا توجد مناطق من أعالى البحار خاضعة لنظام الحياد بعد إلغاء حياد البحر الأسود فى 1871 (6)

حتى النظام الدولى الخاص الذى وضع لمنطقة القطب الجنوبى بمقتضى اتفاقية واشنطون (ديسمبر 1959) لا يتضمن تحييد أعالى البحار فى تلك المنطقة (7)

وإذا كان القانون الدولى يعترف بأعالى البحار بأكملها منطقة للحرب البحرية (region of war)، فإن ذلك لا يعنى أن الدول المتحاربة تتخذ من المساحة الكلية لأعالى البحار، مسرحا فعليا لعملياتها الحربية فإن هذا لا يحدث إلا فى الحروب العالمية أما فى الحروب المحلية، فإن العمليات الحربية تدور عادة فى منطقة محددة، يطلق عليها اصطلاح مسرح الحرب (theatre of war) ويرجع هذا التحديد أولا وأخيرا، إلى إرادة الدولة المحاربة، وفقا لمقتضيات القتال فى البحر وفى هذا الإطار الجغرافى لمسرح الحرب، تخضع الدولة المحاربة لكافة قواعد القانون الدولى التى تحكم الحرب البحرية بمختلف وسائلها وتتعدد هذه الوسائل بتعدد الأغراض الأساسية من القتال فى البحر وتتلخص هذه الأغراض فى هزيمة البحرية المعادية، وتدمير الأسطول التجارى للعدو وتدمير تحصينات العدو الشاطئية، والسيطرة على خطوط المواصلات الحيوية التى تربط العدو بالدول الأخرى، ومنع وصول المهربات إلى العدو،

 ومنع الدول المحايدة من تقديم مساعدات عدائية، ومعاونة للقوات البرية فى عملياتها، وحماية شواطئها القومية وحماية أسطولها التجارى الخ ولتحقيق هذه الأغراض بحق للدولة المحاربة اتباع عدة وسائل، منها الاشتباك مع قوات العدو والاستيلاء على سفن العدو وحمولتها كغنيمة بحرية، واتخاذ التدابير اللازمة لضبط المهربات وما يستتبع ذلك من إجراءات الزيارة والتفتيش، وضرب الحصر البحرى أمام شواطئ العدو، وبث الألغام الخ

جميع هذه الوسائل التى تخضع لقواعد قانونية عرفية أو اتفاقية، تحدد الشروع منها وغير المشروع ولا محل هنا لبحث جميع هذه الوسائل والشروط الواجب توافرها لشرعيتها ونكتفى فى هذا المقام الخاص بتحديد مسرح العمليات الحربية، بدراسة مشروعية بث الألغام، كوسيلة من وسائل الحرب البحرية وذلك لما قامت به هذه الوسيلة، أبان حرب أكتوبر الأخيرة، من دور هام فى الدفاع عن الشواطئ المصرية والسورية، وفى الحرب الاقتصادية، خصوصا حرمان العدو من الاستفادة ببترول سيناء حقول الألغام البحرية: لقد ثبتت فاعلية الألغام البحرية فى حصار ميناء بورث آرثر أثناء الحرب اليابانية الروسية (1904- 1905) ولمست الدول الحاجة الماسة إلى ضرورة تنظيم استخدام هذا السلاح الفتاك،

لضمان أمن تجارة الدول المحايدة واحتراما للحصانة التى تتمتع بها سفن العدو التجارية، والتى تمنع من مهاجمتها فى فى أعالى البحار دون إنذار سابق وقد انقسمت آراء الدول فى هذا الشأن، فبينما طالبت بريطانيا بضرورة منع استخدام الألغام البحرية الأوتوماتيكية، كلية، اعترضت ألمانيا وبعض الدول الأخرى على ذلك، نظرا لأن استخدام الألغام البحرية، قد يكون وسيلة دفاعية فعالة كذلك لم تقر بريطانيا استخدام حقول الألغام فى إقامة الحصر التجارى البحرى ولم تقبل الدول الأخرى المشتركة فى مؤتمر لاهاى هذا الاقتراح البريطانى، دون إبداء تحفظات عديدة عليه وهكذا جاء التنظيم الذى وضعته اتفاقية لاهاى الثامنة فى عام 1907 حلا توفيقيا لمطالب الدول المتعارضة فقد قررت الاتفاقية المذكورة،

المبادئ التالية بشأن استخدام الألغام البحرية الأوتوماتيكية (8)


1-
لا يجوز استخدام الألغام الأوتوماتيكية غير المثبتة (أى العائمة)، إلا إذا أصبحت عديمة الخطر بعد ساعة على الأكثر من انطلاقها
2-
لا يجوز استخدام الألغام الأوتوماتيكية الثابتة، إلا إذا كانت من النوع الذى يفقد خطورته متى انفصل عن مكان تثبيته
3-
لا يجوز استخدام الألغام الأوتوماتيكية أمام شواطئ وموانئ العدو، بهدف عرقلة الملاحة التجارية (مادة 2)
4-
فى حالة استخدام الألغام الأوتوماتيكية الثابتة، يتعين على الدولة التى تبثها، اتخاذ كافة التدابير الاحتياطية، لكفالة أمن الملاحة السلمية (مادة 3) ومن هذه التدابير، إنذار الدول بأماكن حقول الألغام فى أسرع وقت ممكن، متى سمحت المتقضيات العسكرية بذلك، وإرشاد السفن المحايدة عبر حقول الألغام ومراقبة هذه الحقول بصفة مستمرة، ومنع خطرها على الملاحة التجارية أن القيود التى فرضتها اتفاقية لاهاى على استخدام الألغام البحرية الأوتوماتيكية، كانت محدودة القيمة فصحيح أنه طبقا لنص المادة الثانية، يتمتع على الدول استخدام حقول الألغام كوسيلة لضرب حصر بحرى على شواطئ العدو ومنع أو عرقلة الملاحة التجارية معه ومع ذلك فإنه فى وسع الدول التى تبث حقول الألغام، إدعاء أن هدفها ليس عرقلة التجارة وإنما هو هدف دفاعى فلا توجد رقابة دولية تقوم بالتحقيق من الأهداف الحقيقية وراء بث حقول الألغام (9) كذلك فإن التدابير الاحتياطية التى قررتها المادة الثالثة لم تكن واضحة،

كما أن فاعليتها محدودة ولهذه الأسباب، انضمت بريطانيا إلى الاتفاقية، ولكن مع إبداء تحفظات هامة عليها ومع ذلك لا يمكن إنكار أهمية اتفاقية لاهاى، إذ أنها حاولت تنظيم موضوع حساس من موضوعات الحرب البحرية وإذا كانت القيود والضمانات التى قررتها الاتفاقية غامضة أو غير كافية، فإنها أفضل بكثير من الفوضى والتعسف فى استخدام سلاح الألغام الفتاك وفى الواقع، فإن القصور الذى يبدو الآن فى لاهاى، ليس مرجعة إلى ضعف التنظيم الذى قررته والذى كان مبنيا،

كما ذكرنا على التوفيق بين مصالح الدول البحرية الكبرى (أهمها بريطانيا) والدول القارية (أهمها ألمانيا)، وإنما يرجع القصور إلى أن الاتفاقية نظمت موضوعا، بالنظر إلى الأحداث السابقة، ولم يكن هذا التنظيم كافيا لنوعية الأحداث التى تلت التوقيع على الاتفاقية وبعبارة أخرى، أن اتفاقية لاهاى سبقتها الأحداث التاريخية من حيث تطور أساليب القتال،

نتيجة للتقدم التكنولوجى فى ميدان التسلح من جانب، ومن حيث تغير طبيعة ونوعية الحروب التى أصبحت حروبا شاملة، تهدف إلى تدمير العدو العسكرية والاقتصادية على حد سواء من جانب أخر ولذلك تبدو اتفاقية لاهاى وكأنها اتفاقية غير واقعية، لا تتفق وتطور الحروب الحديثة وبالتالى، كان طبيعيا أن تتجاهل جميع الدول المتحاربة نصوص الاتفاقية فى سائر الحروب التى نشبت بعد توقيعها وبصفة خاصة فى الحربين العالميتين وفى حرب فيتنام وقد لجأت الدول إلى استخدام سلاح الألغام البحرية بكثافة كبيرة، أثناء الحرب العالمية الأولى،

وبطريقة تتعارض مع نصوص اتفاقية لاهاى فى هذا الشأن وقد تسببت هذه الألغام فى تدمير 607 بواخر، منها 325 باخرة محايدة، تبلغ حمولتها 393000 طن (10) ولم يقتصر الأمر على ذلك، فإن كثافة استخدام الألغام فى أعالى البحار، أدى إلى تطور جديد فى استراتيجية الحرب البحرية، مؤداه تخصيص منطقة معينة من أعالى البحار،

تدعى الدولة المحاربة تمام السيطرة عليها، وتحريم الملاحة التجارية فيها، أو على الأقل عرقلتها، بحرمان السفن المحايدة وسفن العدو التجارية، من الضمانات التى اعترفت لها بها قواعد القانون الدولى التقليدى، فيما يتعلق بإجراءات الزيارة والتفتيش والضبط لمنع المهربات الحربية وقد أطلق على هذه المنطقة اصطلاح منطقة الحرب war zone، أو منطقة العمليات الحربية وتفصيل ذلك كما يلى منذ 7 أغسطس 1914 بدأت ألمانيا فى بث حقول الألغام البحرية لأسباب دفاعية فى مواجهة مصب نهرى تاين وهامبر فى بحر الشمال

 وهى نقطة وصول وانطلاق القوات البريطانية وقد أخطرت ألمانيا الدول المحايدة وعندئذ ردت بريطانيا على هذا الإجراء، بتحذير سائر السفن بخطورة الملاحة فى بحر الشمال، وأنه لذلك يتعين عليها أولا التوقف فى أحد الموانئ البريطانية قبل دخولها بحر الشمال وكان الهدف من هذا الإجراء، إخضاع السفن التجارية، بما فيها السفن المحايدة لتدابير الزيارة والتفتيش لمنع المهربات إلى ألمانيا، مع توسع بريطانيا فى تفسير ما يعتبر من المهربات وبعبارة أخرى أرادت بريطانيا فرض حصر واقعى (blocus de fait) على ألمانيا، دون الالتزام بالقواعد التقليدية التى تحكم الحصر البحرى وهكذا بدأت ملامح الحرب الاقتصادية تتضح شيئا فشيئا مع استمرار ألمانيا فى بث حقول الألغام فى المناطق الاستراتيجية حول الجزر البريطانية، أعلنت بريطانيا فى 3 نوفمبر 1914 أنها تعتبر بحر الشمال بأكمله منطقة عسكرية Military area، وبررت ذلك بأنه عمل انتقامى واستثنائى، تطلبته الملابسات الجديدة التى اكتفت الحرب وسرعان ما أصبح هذا الاستثناء سياسة عامة لجميع الدول المتحاربة ففى 4 فبراير 1915،

أعلنت ألمانيا أن مياه أعالى البحار المحيطة ببريطاينا وأيرلندا، تعتبر منطقة عمليات حربية، وفى سبتمبر 1916 وسعت دول الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا) منطقة عملياتها البحرية شرقى خط طول 30 درجة غربا، وذلك لمنع تجارة ألمانيا مع القارة الأفريقية وردت ألمانيا على ذلك بتوسيع منطقة عملياتها البحرية، بحيث أصبحت تشمل مياه أعالى البحار المحيطة بفرنسا وإيطاليا واليونان وأسيا الصغرى وشمال أفريقيا وهكذا أصبح بحر الشمال وبحر المانش وجزء كبير من المحيط الأطلنطى والبحر المتوسط، مناطق عمليات حربية،

تتعرض فيها السفن المحايدة وسفن الأعداء التجارية للخطر، أى أن السفن التجارية تدخل هذه المناطق على مسئوليتها do so at their own peril، فقد تتعرض للتدمير دون إنذار، سواء نتيجة لانفجار لغم فيها، أو نتيجة لقصفها بواسطة الغواصات وقد استخدمت ألمانيا هذا السلاح الجديد بكثافة عالية وفعالية متزايد، الأمر الذى عرقل تماما تجارة الدول المحايدة (10)

واحتجت الدول المحايدة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على هذه التدابير، واقترحت منع استخدام الألغام العائمة منعا باتا وتحديد مناطق استخدام الألغام الثابتة فى أعالى البحار (11)،

ولكن الدول المتحاربة رفضت هذه المقترحات، وكانت بريطانيا أكثر الدول معارضة لها (12) وعندما دخلت الولايات المتحدة الخرب، اشتركت فى إقامة سد ضخم من حقول الألغام امتد من شواطئ اسكتلندا إلى المياه الإقليمية النرويجية وهكذا لم يعد إنشاء مناطق العمليات البحرية يستند إلى حق القيام بأعمال انتقامية retaliation، أو كوسيلة دفاعية ضد حرب الغواصات، ولكنه أصبح ضرورة من مستلزمات الحرب الشاملة، وأصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحا وتأكيدا أثناء الحرب العالمية الثانية فور اندلاع الحرب العالمية الثانية، قامت كل من بريطانيا وألمانيا بزرع حقول الألغام فى بحر المانش وفى أجزاء من بحر الشمال المجاورة لشواطئ ألمانيا والدانمارك وفى ديسمبر 1939 أعلنت البحرية البريطانية، أنها قامت بزرع حقول ألغام بعرض يتراوح بين عشرين وخمسين ميلا بحريا، وبطول شواطئ بريطانيا الشرقية وفى أبريل 1940،

 وبعد غزو ألمانيا للدانمرك والنرويج أعلنت البحرية البريطانية أنها مدت حقول ألغامها فى بحر الشمال حتى وصلت إلى المياه الإقليمية النرويجية، كما أنها امتدت إلى جنوب بحر البلطيق لتشمل المنطقة الواقعة بين شواطئ ألمانيا الشمالية والمياه الإقليمية للسويد، وكذلك فى البحر المتوسط وبحر الادرياتيك وقامت ألمانيا من جانبها بزرع حقول ألغام لها فى بعض هذه المناطق وقد بلغ مجموع الألغام التى بثتها الدول المتحاربة فى الحرب العالمية الثانية 600000 لغم

وفى حرب فيتنام، قامت الولايات المتحدة بزرع حقول ألغام فى خليج تونكين لمنع إمداد فيتنام الشمالية بالمؤن والمعدات والأسلحة وقد تسبب عن ذلك أضرار بالسفن التجارية وهكذا يتضح مما تقدم،

أن اتفاقية لاهاى الثامنة المنظمة لاستخدام الألغام الأوتوماتيكية، أصبحت قاصرة تماما أمام التطورات الكبيرة التى لحقت بالحروب، فحولتها إلى حروب شاملة، تهدف إلى تدمير قوة العدو الاقتصادية، بقدر تدمير قوته العسكرية فإن إقامة مناطق للعمليات البحرية مغلقة عمليا أمام الملاحة البحرية المحايدة، أو ملاحة العدو التجارية، أصبحت وسيلة من وسائل الحرب الاقتصادية (إلى جانب استخدامها لأغراض هجومية أو دفاعية) حلت محل الحصر البحرى التقليدى إلى حد كبير، لأنها أكثر فعالية من الحصر البحرى التقليدى صحيح أن اختراق منطقة العمليات البحرية لا تعتبر مخالفة دولية، كما هى الحال فى خرق الحصر البحرى، إلا أن هذا الاختراق محفوف بمخاطر كبيرة تتحملها السفن المخترقة ولما كان العمل تواتر منذ الحرب العالمية الأولى على إنشاء مناطق للعمليات البحرية محظورة عمليا على السفن التجارية،

فإن هذا يعنى نشأة قاعدة عرفية نسخت قواعد اتفاقية لاهاى الثامنة السابقة الذكر، وإن كان من الأفضل وضع اتفاقية دولية جديدة لتنظيم موضوع إنشاء مناطق العمليات البحرية، آخذة فى الاعتبار تطور الأسلحة وتغيير نوعية الحروب وقصارى القول، فيما يتعلق بالحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، أن إعلان مصر إقامة منطقة عمليات بحرية فى البحر المتوسط والبحر الأحمر، إنما هو عمل يتفق والتواتر الدولى منذ الحرب العالمية الأولى، وبالتالى لا تكون مصر مسئولية عن الأضرار التى لحقت بالسفينتين اللتين اصطدمتا بألغام فى خليج السويس، أيا كانت جنسية هاتين السفينتين والتطور الذى لحق باستخدام الألغام كوسيلة

من وسائل الحرب البحرية، وإنشاء مناطق عمليات حربية تتعرض فيها الملاحة التجارية للخطر، لحق أيضا الحصر البحرى التقليدى وهذا ما يفسر لنا التجاء مصر إلى غلق بوغاز باب المندب فى وجه الملاحة الإسرائيلية وغيرها من الدول غلق بوغاز المندب والحصر البحرى: إن الحصر البحرى، باعتباره وسيلة من وسائل الحرب البحرية، يهدف أساسا إلى قطع مواصلات العدو مع العالم الخارجى، وعلى الأخص علاقاته الاقتصادية وإذا كان الحصر البحرى موجه ضد العدو، إلا أنه من الناحية العملية، ينعكس مباشرة على تجارة المحايدين ولذلك يعالج علماء القانون الدولى موضوع الحصر البحرى فى إطار معالجتهم موضوع الحياد، وليس فى إطار الحرب البحرية وإذا استثنينا تصريح باريس الصادر فى 1856، لا توجد قواعد اتفاقية تحكم موضوع الحصر البحرى صحيح أن التصريح الذى صدر عن مؤتمر لندن لعام 1909 أراد تقنين القواعد القانونية التى تحكم الحصر البحرى (المواد 1 إلى 21)، إلا أن هذا التصريح يتمتع بقوة النفاذ، نظرا لامتناع الدول عن التصديق عليه، بل أن بريطانيا وفرنسا تجاهلت تماما قواعد هذا التصريح أثناء الحرب العالمية الأولى فقواعد الحصر البحرى مازالت حتى يومنا هذا قواعد عرفية، وقد تغير العرف الدولى فى هذا الصدد، نتيجة لتغير نوعية الحروب التى أصبحت تركز الآن على الجانب الاقتصادى، بقدر تركيزها على الجانب العسكرى الصرف،

ونتيجة للتطور التكنولوجى فى ميدان التسلح، وبصفة خاصة انتشار سلاح الغواصات، وتطوير سلاح الألغام والجدير بالذكر أن نقطة التحول الكبرى بدأت أثناء الحرب العالمية الأولى الحصر البحرى التقليدى: (13) الحصر البحرى يعنى مراقبة سواحل العدو البحرية أو أحد موانيه، لمنع دخول أو خروج السفن فالحصر البحرى قد يكون كليا أو جزئيا من حيث نطاقه الجغرافى وبطبيعة الحال، يفترض الحصر البحرى وجود حالة حرب بالمعنى المتعارف عليه فى القانون الدولى العام (14)

وتشترط قواعد القانون الدولى التقليدى، لصحة الحصر البحرى، أن يكون شاملا وفعالا ومعلنا فالحصر البحرى يجب أن يكون شاملا univeral، أى يمنع السفن التجارية لجميع الدول، بما فيها السفن التجارية التى تحمل علم الدولة فارضة الحصر، من الدخول إلى أو الخروج من ساحل العدو، المفروض عليه الحظر فإذا سمحت الدولة لسفن أية دولة باختراق الحصر، فإن هذا يؤدى إلى إلغائه قانونا والحصر يجب أن يكون فعالا effective، ولن يتأتى ذلك إلا إذا فرض الحصر بواسطة قوات بحرية كافية، لمنع السفن من اختراقه وقد تقوم بطاريات المدفعية الساحلية بمعاونة القوات البحرية فى فرض الحصر الذى فرضته مصر عند شرم الشيخ، ومثل الحصر الذى تفرضه مصر الآن عند بوغاز باب المندب منذ حرب أكتوبر الأخيرة والحصر يجب أن يكون معلنا notified، أى أن تقون الدولة فارضة الحصر، بإخطار الدول الأخرى بوجود الحصر وهذا أم طبيعى، فإنه لما كان اختراق الحصر يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الدولى،

فيفترض علم الدول بهذا الحصر، لكى تمتنع عن القيام بعمل غير مشروع وتختلف الدول من حيث تصورها لشكل الإعلان فبينما يشترط بعضها ضرورة الإعلان عن الطريق الدبلوماسى، يكتفى بعضها الأخر بثبوت علم الدول بوجود الحصر البحرى، أيا كان مصدر هذا العلم واختراق الحصر البحرى جريمة عقوبتها ضبط السفينة والاستيلاء على حمولتها، بل ومصادرة السفينة ذاتها فى بعض الأحوال (إذا كان مالك السفينة هو مالك البضائع، أو كان يعلم بالغرض من استخدام السفينة) هذه القواعد التقليدية لم تحترم دائما، نظرا لاختلاف وجهات نظر الدول فى تفسيرها وتطبيقها، فتفسير وتطبيق الدول الأوروبية لتلك القواعد، يختلف من اوجه كثيرة عن تفسير وتطبيق الدول البحرية الكبرى (بريطانيا والولايات المتحدة واليابان) لنفس تلك القواعد فضلا عن ذلك، فإن تطور الأسلحة البحرية، وتغيير نوعية الحروب، أفقد الحصر البحرى، باعتباره وسيلة من وسائل الحرب البحرية، الكثير من أهميته فحالات الحصر البحرى التى أعلنت أثناء الحرب العالمية الأولى كانت قليلة العدد، فضلا عن أنها لم تؤثر تأثيرا جوهريا على استراتيجية الدول المتحاربة ونفس الملاحظة تنطبق، وبصورة أكثر وضوحا، على الحرب العالمية الثانية فالدول المركزية (فى الحرب العالمية الولى)، ودول والمحور (فى الحرب العالمية الثانية)، لم تكن تملك قوات بحرية كبيرة، تمكنها من فرض حصر بحرى تقليدى على سواحل الدول المعادية لها ومن ناحية أخرى،

فإن دول الوفاق: فى الحرب العالمية الأولى والدول الحليفة (فى الحرب العالمية الثانية)، لم تتمكن، بالرغم من سيطرتها على البحار، من فرض حصر بحرى تقليدى على سواحل الدول المعادية لها، نظرا لخطورة سلاح الغواصات الجديدة، ونظرا لتطور سلاح الألغام، الأمر الذى هدد فاعلية الحصر البحرى التقليدى ولذلك التجأت الدول إلى مفهوم جديد للحصر البحرى، أطلق عليه (long distance blockade)، ويطلق عليه أحيانا اصطلاح شبه الحصر البحرى (quasi blockade) الحصر البحرى البعيد (15)

 عندما أعلنت ألمانيا فى فبراير 1915، تحديد منطقة عمليات بحرية حول الجزر البريطانية، تتعرض فيها السفن التجارية لمخاطر كثيرة، نتيجة لحقول الألغام، وهجمات الغواصات، ردت بريطانيا (بالاتفاق مع حلفائها) على هذا الإجراء بتحريم كافة المعاملات التجارية مع ألمانيا فلم يقتصر الأمر على التمييز بين المهربات الكلفة و المهربات النسبية وفقا لقواعد القانون الدولى التقليدية فإن السلع، أيا كان نوعها، أصبحت ممنوعة من دخول ألمانيا أو الخروج منها كذلك قررت بريطانيا الاستيلاء على السلع المتوجهة إلى ألمانيا، سواء توجهات بطريق مباشر أو غير مباشر، أى أن بريطانيا أخذت بنظرية الرحلة المتصلة (ultimate destination) وقد بررت بريطانيا هذا الإجراء، على أساس حق الانتقام (retaliation) فى مواجهة عرب الغواصات وحرب الألغام الألمانية ولم تذكر بريطانيا صراحة فى قانون 11 مارس 1915 الذى قرر هذه التدابير، أنها فرضت حصرا بحريا على الشواطئ الألمانية، ولكن جاء فى المذكرة البريطانية للحكومة الأمريكية، والتى تشرح فيها وجهة نظرها أن البحرية البريطانية أقامت حصرا بحريا بوساطة المدمرات لمنع الاتصالات البحرية الألمانية (16)

هذا الحصر البحرى الجديد، يختلف تماما عن الحصر البحرى التقليدى، الذى يستلزم مباشرة أما هنا، فإن مراقبة شواطىء العدو، ومنع اتصالاته البحرية، يكون عن بعد، بما يترتب على ذلك من دخول شواطىء وموانئ الدول المحايدة فى نطاق الحصر فليس مستغربا إذن، أن تحتج الدول المحايدة على هذا النوع من الحصر البحرى، واعتباره مخالفا لقواعد القانون الدولى وقد تزعمت الولايات المتحدة (قبل دخولها الحرب) حركة المعارضة، واستندت فى ذلك إلى عدة حجج:


أولا: أن الحصر البعيد يؤدى إلى حصر موانئ الدول المحايدة، نظرا لأن الحصر يشمل منطقة واسعة من أعالى البحار فالسفن الحربية التى تتولى عملية فرض الحصر، موجودة بعيدة جدا عن شواطىء الدولة المراد فرض الحصر عليها، وبالتالى تضطر السفن المحايدة إلى اختراق منطقة الحصر للوصول إلى موانىء الدول المحايدة والقانون الدولى لا يعطى لبريطانيا الحق فى فرض الحصر على الدول المحايدة


ثانيا: أن فرض الحصر بهذه الطريقة، يؤدى إلى التفرقة فى المعاملة بين الدول المحايدة فالدول الاسكندنافية لا تضار كثيرا من هذه التدابير، نظرا لأن منطقة بحر البلطيق لا تدخل فى نطاق الحصر


ثالثا: أن الحصر البحرى الجديد ليس فعالا، لأن موانىء ألمانيا الواقعة على بحر البلطيق مازالت مفتوحة للتجارة مع الدول الاسكندنافية، كما أن البحرية الألمانية تقوم بأعمال الدورية فى بحر الشمال وفى بحر البلطيق، وتستولى على السفن المتجهة إلى الموانئ الدانمركية أو النرويجية أو السويدية وطبقا لهذه المعايير الثلاثة (حصر موانىء محايدة) التفرقة فى المعاملة بين الدول المحايدة وعدم الفعالية) فإن الحصر البعيد الذى فرضته بريطانيا مخالف لقواعد القانون الدولى التقليدية، وبالتالى يعتبر غير قائم وقد ردت بريطانيا على هذه الاعتراضات، بأن تدابير الحصر البعيد لا تتعارض و روح القواعد التقليدية فهى مجرد تطويع لتلك القواعد، لكى تجارى الظروف الخاصة التى لابست الحرب العالمية بالإضافة إلى ذلك،

 فإن بريطانيا وحليفاتها، تحاول جاهدة التفرقة بين تجارة الدول المحايدة وتجارة ألمانيا فبالرغم من الحصر البعيد، فإن بريطانيا وحليفاتها لا تمنع البضائع المتجهة إلى الدول المحايدة من اختراق منطقة الحصار (bona fide, neutral commerece) كما أن دول الوفاق أنشأت أجهزة خاصة لمراقبة تجارة المحايدين، وتقوم بإعطاء تراخيص لاختراق الحصر ومع ذلك فإن الهدف من الحصر البحرى المفروض على ألمانيا لم يتحقق بصفة مطلقة، إذ أن دول الوفاق لم تتمكن من منع وصول البضائع إلى ألمانيا منعا باتا ولم يتحقق هذا الهدف ألا بدخول الولايات المتحدة الحرب، وفرض حظر على السلع الأمريكية المتجهة إلى جميع دول أوروبا الشمالية، ألا بترخيص خاص، وبعد الحصول على ضمانات كافية، بأن هذه السلع لن تصل إلى ألمانيا

وقد تكررت تدابير الحصر البعيد أثناء الحرب العالمية الثانية، مع إضافة إجراء جديد، يتخلص فى ضرورة الحصول على شهادة من الأجهزة المختصة التى أنشأها الحلفاء، تفيد ملكية المحايدين للسفينة (ship navicerts)، ةملكية حمولتها (cargo navicerts)، وكذلك مصدر السلع ووجهتها الأخيرة certificates of origin and interest وهكذا فإن السفينة المتجهة إلى ميناء أو الخارجة من ميناء، يحتمل أن تصل منه السلع إلى إقليم العدو، أو إلى قواته المسلحة، ولم تكن مصحوبة بشهادة تثبت ملكية السفينة وملكية البضائع المشحونة عليها للمحايدين، فإنه يفترض أن السفينة مملوكة للعدو، وإنها تحمل مهربات،

ومن ثم تكون معرضة للاستيلاء عليها وعلى حمولتها كغنيمة بحرية وكذلك فإن السلع التى تشحن من ميناء يمكن أن يستخدم فى شحن بضائع العدو، يفترض أن مصدرها الدول المعادية، إذا لم تكن مصحوبة بشهادة تثبت أن مصدر هذه السلع هى الدول المحايدة الخ وتنطبق هذه الإجراءات على المضايق البحرية، مثل انطباقها على أعالى البحار (17)

ولا شك فى تعارض هذه الإجراءات مع قواعد القانون الدولى التقليدى التى نحكم الحصر البحرى ولكنها إجراءات تمليها مقتضيات الحرب الشاملة التى تستلزم إدخال كل أوجه نشاط الدولة المعادية فى منطوق الحرب القانونية، لأن اوجه النشاط العسكرى والاقتصادى، بل والإعلامى، أصبحت متداخلة، وأصبح تدمير اقتصاديات العدو وسيلة فعالة للوصول إلى النصر العسكرى النهائى وقد أدت متطلبات الحرب الشاملة إلى التوسع فى تفسير حقوق المحاربين، وزيادة واجبات المحايدين (18)

بالامتناع التام عن التدخل اقتصاديا كعنصر أساسى لحيادها ويعتب هذا تطورا جديدا لقواعد الحياد التقليدية، وبالتالى لقواعد الحصر البحرى فإن القواعد التقليدية انبثقت أساسا من المذهب الحر الذى كان سائدا فى القرن التاسع عشر، والذى قام أساسا على فكرة قدسية الملكية الخاصة، وأهمية المشروعات الفردية فى الحياة الاقتصادية، وبالتالى ضرورة ضمان حرية التجارة الداخلية والخارجية على حد سواء إلا بالنظر إلى الحرب كعملية عسكرية صرفه، لا يجب أن تقف حائلا أو عائقا فى وجه الحياة الاقتصادية للشعوب، ومن أهم مظاهرها حرية التجارة الدولية ولكن بعد أن فقد المذهب الحر أهميته فى اقتصاديات الدول، وبعد أن أصبحت الحياة الاقتصادية للشعوب جزءا لا يتجزأ من قوة الدول السياسية والعسكرية، انعكس ذلك على نوعية الحروب ذاتها، فتحولت من مجرد عمليات عسكرية بحتة، إلى حروب شاملة، وبالتالى اقتضى الأمر تطوير قواعد الحرب والحياد، فأصبح تحديد مناطق معينة للعمليات البحرية تغلق فى وجه الملاحة التجارية، والحصر البحرى البعيد، من الوسائل العادية التى لجأت إليها جميع الدول المتحاربة منذ الحرب العالمية الأولى وهكذا فإن قيام مصر فى حرب أكتوبر الماضية، بتحديد مناطق عملياتها البحرية، وإغلاق بوغاز باب المندب، يتفق تماما والتطور الحديث الذى لحق بقواعد القانون الدولى المنظمة لتلك النشاطات الهوامش:

==================================================
1- (
راجع نص الاتفاقية فى DEEUSTAMENTE, AS: LA SECONDE DE LA PAIX, REUNIE LA HAYE EN 1907, TRADUIT DE LESPAGNOL PAR GEORGES SCELLE PARIS 1909PP 737 744 ) -2 (قضى مجلس الغنائم الفرنسى فى 22 نوفمبر 1917 بصحة الاستيلاء على سفن فى مياه اليونان الإقليمية، بالرغم من حياد اليونان، وذلك بحجة أن العدو) ألمانيا وتركيا (قام بعدة أعمال حربية فى تلك المياه، الأمر الذى أفقدها بحكم الواقع حصانتها كمياه محايدة راجع فى هذا العدد: ROUSSEAU, CH: DROIT LNTER NATIONAL PUBLIC, PARIS 1953 PP 595 596 )
3- (OPPENHEIM L, & LAUTERACHT, H: INTERNATIONAL LAW, VOL II, 7TH EDITION, LONDON 1952, PP 244 247 )
5- (HACKWORTH, GH: DIGEST OF INTERNATIONAL LAW, WASHINGTON 1940 1944, VOL 7PP 704 708 )
6- (
خضع البحر الأسود لنظام الحياد بمقتضى معاهدة صلح باريس لعام 1856 ولكن تحت تاير الحرب الألمانية الفرنسية فى 1870 ألغى هذا النظام بمقتضى معاهدة لندن المبرمة فى 13 مارس 1871 )
7- (MOUTON, MW: <>, IN RECUEIL DES COURS (1962) , PP 170 283 ) 8 (
راجع نص اتفاقية فى كتاب بوستامينت، المرجع السابق، ص 703 706 ) 9 (حاول معهد القانون الدولى تحديد القيد الوارد فى المادة الثانية من اتفاقية لاهاى، فاقترح منع بث حقول الألغام فى أعالى البحار منعا مكلقا، وإباحته فى المياه الإقليمية للدول المتحاربة لإجراء دفاعى راجع Annuairc de plnstitut de droit international, 24 (1911) , p 301 & 26 (1913) pp 40 42 ) 10 (smuth, a a: <
pp 648 662 ) -11 (
راجع المذكرة الأمريكية بتاريخ 22 فبراير 1915 فى: Revue generale de droit international pub lie, 1915, p 211, note 2 ) 12 (نفس المرجع، ص 212 -216 )
13- (
أوبنهايم لهاوترباخت: المرجع السابق، ص 767 790 ) 14 (يتعين التمييز بين الحصر البحرى كوسيلة من وسائل الحرب البحرية البحرية، وبين ما يسمى بالحصر السلمى كوسيلة من وسائل الضغط، أو كعمل انتقامى تتخذه الدول لتسوية منازعاتها نفس المرجع، ص 144 149 )
15- (garner jw international law and the world wer, London 1920, vol ii, pp 509 531 )
16- (
اوبنهايم لوترباخت: المرجع السابق، ص 792 )
17- (heij, ch E: <>, in recueil des cours, tome 45 (1933 iii) , pp 479 555

http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=213673&eid=3531

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech