Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

أسرار فيلا السادات الغامضة في باريس ونصر أكتوبر

انفراد خاص بالمجموعة 73 مؤرخين

الخداع الاستراتيجي المصري

أسرار فيلا السادات الغامضة في باريس ونصر أكتوبر 1973

فصل كامل من كتاب (حريم الجنرال)

بقلم: توحيد مجدي

 

 

 

غادرت "تامار جولان" ضابطة عمليات وحدة النساء التابعة لمؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة "الموساد" العاصمة الأمريكية واشنطن صباح السابع من نوفمبر 1975 بعد يوم واحد من مغادرة الرئيس السادات إلي مصر في طريقها إلي العاصمة الفرنسية باريس.

وقد ودعها بالمطار الصحفي الأمريكي "والتر كرونكيت" كبير مقدمي البرامج لدي شبكة CBS الإخبارية بعدما نجح في تنفيذ خطة الرئيس السادات ما أكسبه ثقتها الكاملة وجعله أحد أهم أصدقائها المقربين.

أعادت تامار افتتاح صالونها الثقافي الذي أطلقت عليه النخبة المثقفة العربية والإفريقية - هدف عمليتها - "صالون ذات الرداء الأبيض" الذي أدارته وأشرفت عليه وسط الحي السادس عشر في مدينة باريس.

 

والتسمية لأن تامار ارتدت عقب وفاة زوجها "أفياهو جولان" ضابط الاستخبارات الحربية الإسرائيلية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1961 ملابس الحداد السوداء لمدة ستة أشهرثم خلعتها في بداية شهر يناير 1962 لترتدي بعدها طيلة حياتها الملابس البيضاء وحدها حتي عرفت في الأوساط الثقافية الفرنسية والإفريقية بلقب ذات الرداء الأبيض.

الغريب أن معظم من عاصروا نقيب جهاز الموساد تامار جولان اعتقدوا أنها تخلصت من حزنها بالأبيض بينما اكتشف الرئيس السادات العكس بمفكرة يوميات مذكراتها الشخصية التي أرسلها إليه كرونكيت في آخر أيام زيارته الرسمية لواشنطن.

بعدما سجلت أن اللون الأبيض هو لون الحزن التقليدي لدي معظم دول القارة الإفريقية وهي معلومة سبق وكشفها اللواء "كمال حسن علي" إلي الرئيس السادات مؤكداً العكس وأنها لم تنسي حزنها عندما خلعت الأسود بل أصبحت بالأبيض أكثر كراهية وشراسة لإفريقيا.

ما زال الرئيس السادات يدرس ويتحقق ويستوثق من كل معلومة سجلت بمفكرة يوميات ضابطة الموساد وقد وقعت عيناه علي سر اكتشفه لأول مرة بالصفحة رقم 251 سجلته تامار جولان كذكريات هامة عن يوم الأحد الموافق 27 يوليو 1975 

حكت فيها أنها تلقت في ساعات الصباح الأولي أثناء تواجدها بمنزلها في باريس تعليمات سرية للغاية نقلت لها من قيادة جهاز الموساد بتل أبيب أمرتها بالسفر للعاصمة الأوغندية كمبالا مساء نفس اليوم لتغطية الفعاليات الرسمية لافتتاح مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية الذي تقرر عقده وقتها في الفترة من 28 يوليو حتي 1 أغسطس 1975

وأكدت التعليمات ضرورة السفر تحت الهوية الصحفية كمراسلة لشبكة B.B.C ولجريدة الأوبزرفر البريطانيتين لكنها اعترضت علي الأمر وأبلغت مدير الموساد اللواء "اسحاق حوفي" رفضها تنفيذ أمر السفر الفوري إلي دولة أوغندا.

وسجلت تامار أن حوفي الشهير في طرقات الاستخبارات الإسرائيلية بلقب "حاقا" استدعاها إلي مكتبه في تل أبيب ليستمع بنفسه منها مباشرة لمبررات رفضها تنفيذ أمر تغطية مؤتمر كمبالا.

وأن "دافيد قمحي" مؤسس فرع العمليات الخارجية "تيفل" - العالم - الأب الروحي لوحدة عمليات الموساد الخاصة المثيرة للجدل "كيدون" أبلغها صراحة أن مستقبلها بالخدمة بات علي المحك إذا فشلت في إقناع اسحاق حوفي بأسباب امتناعها عن إطاعة الأوامر.

في اللقاء المحدد لها مع مدير مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة اسحاق حوفي الذي عرف بشراسته حضر رئيسها المباشر بتلك الفترة دافيد قمحي الذى تولى بعدها منصب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية في الفترة من عام 1980 حتى 1986

وسجلت تامار أن الجلسة معهما لم تستغرق أكثر من عشرين دقيقة حذرت فيها الاثنين من علاقتها السابقة مع "إيدي أمين" الرئيس الأوغندي وأجهزته وهروبها من قصره وإمكانية أن يتعرف عليها بصفته مستضيف فعاليات القمة الإفريقية أو أن يكشفها أحد المقربين منه وتكون نهايتها.

كانت تلك المعلومة وحدها كفيلة بمنح مفكرة اليوميات الخاصة بضابطة الموساد العاملة تحت الهوية الصحفية المصداقية عند الرئيس السادات الذي سأل اللواء كمال حسن علي عن تحركات تامار جولان أثناء مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية بكمبالا.

وقد أكدت بيانات حسن علي عدم ظهورها في القارة الإفريقية بذلك التاريخ مما يعني أنها بالفعل أقنعت اسحاق حوفي ودافيد قمحي حتي ألغيا أمر تكليفها الرسمي بالسفر إلي أوغندا.

توقف الرئيس السادات أمام تفاصيل عملية "صالون ذات الرداء الأبيض" وقرأ لأول مرة تفاصيل حقيقية من مصدرها الأصلي وطبقاً لما سجلته صاحبة مفكرة اليوميات كلف جهاز الموساد تامار جولان في الأول من يناير 1973 للانتقال للعاصمة الفرنسية باريس بهدف الإقامة الدائمة وافتتاح صالون ثقافي جانب عملها تحت هوية صحفية متخصصة بالشؤون الإفريقية.

حيث وفر لها الجهاز الإسرائيلي ميزانية مكنتها من شراء وتجديد منزل صغير بقلب الحي السادس عشر استخدمته كمقر لصالون ثقافي عام أطلق المترددون عليه اسم "صالون ذات الرداء الأبيض" كناية عن الملابس البيضاء التي اشتهرت وتميزت بها صاحبته ومديرته.     

أما المفاجأة التي وجدها الرئيس السادات بين السطور أن وزارة الدفاع الفرنسية التي أشرفت تلك الفترة علي نشاط "المديرية العامة للأمن الخارجي" المعروفة باسم جهاز الاستخبارات الفرنسية الشهيرة بالاختصار DGSE الثابت إعادة تشكيلها في 2 إبريل 1982

كانت علي دراية بحقيقة نشاط تامار جولان في باريس وذلك ضمن اتفاقية استخباراتية خاصة وقعت عام 1956 بين مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة "الموساد" وجهاز الاستخبارات الفرنسية DGSEلدرجة إطلاقهم عليها لقب "أقوي سيدة في إفريقيا".

كما اكتشف الرئيس السادات أن الاستخبارات الفرنسية خاطبت قيادة الموساد عدة مرات بشأن ضابطة العمليات الإسرائيلية العاملة تحت الهوية الصحفية بباريس وأن المخاطبات السرية حملت اسم مشفر لنقيب الموساد تامار جولان هو "المعلمة".

والسبب وراء التسمية كما سجلته تامار بخط يدها في مفكرة يومياتها الشخصية أنها كانت أول معلمة يهودية تكلف بتدريس اللغة العبرية عام 1950 بالمدارس العربية في إسرائيل.  

فعلياً باتت ضابطة الموساد المكلفة بالتقرب من الفريق أول "محمد عبد الغني الجمسي" ككتاب مفتوح أمام الرئيس السادات الذي راجع أدق أسرارها خاصة ما سجلته بشأن صالونها الثقافي وأسلوب استدراجها عناصر المعارضة الإفريقية والعربية بباريس.

وكيف فتحت ملفاً لكل ضيف تردد عليها من المثقفين والمعارضين العرب والإفريقيين الذين تقاطروا علي صالونها حتي بات من الممكن علي حد كلماتها مشاهدة شيخ مسلم أبيض بجانب قس مسيحي أسود وثالث حاخام يهودي زائر بصحبة رابع داعية شيعي.

 

وبين كل هؤلاء ضابط عمليات من الاستخبارات الإسرائيلية وآخر من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA وربما آخر من جهاز الاستخبارات الفرنسية والكل يتعاون لجمع المعلومات عن الدول العربية وإفريقيا.

وعلي حد تعبير تامار جولان عام 1973 حتي أنفاس الضيوف في صالون الحي السادس عشر بباريس درسها جهاز الموساد وحسبها بدقة وأن ليلة الخميس من كل أسبوع شهدت طرح عشرات الأسئلة الاستخباراتية المدروسة علي ضيوفها متعددي الجنسيات.

 

قصدت من ورائها حصد المعلومات العربية والإفريقية من مصادر بشرية موثوق بها حتي أن صالونها وصف بافتتاحية تقرير خاص أصدره جهاز الموساد في منتصف عام 1973 أنه أصبح معقلاً للاستخبارات الاسرائيلية في أوروبا.

تعثر الرئيس السادات في عشرات المعلومات والعمليات السرية للغاية بين سطور مفكرة يوميات نقيب الموساد تامار جولان ربما أهمها بالنسبة له شخصياً عملية "المنزل الغامض" المصرية التي أشرف عليها بنفسه بداية من مايو 1973 ضمن خطة الخداع الاستراتيجي الشامل لإسرائيل.  

وعليكم الانتباه من الآن لحقيقة هامة فكل ما طالعه الرئيس السادات من معلومات وتفاصيل في مفكرة يوميات تامار جولان ليست سوى بيانات مذكرات شخصية كشفت أجزاء ناقصة من خطط رسمها السادات وأشرف علي تنفيذ بعضها بنفسه وجل ما أثاره فيما حررته كان الجانب الآخر من الصورة والرواية الإسرائيلية السرية للغاية لعمليات مصرية الأصل.

وكان السادات سعيداً للغاية لمطالعة الجزء الناقص من قصص حقيقية وجدها بين سطور اليوميات أثبتت وأكدت له غباء عقلية الاستخبارات الإسرائيلية مثلما قرأ عنها مرات من قبل في عشرات التقارير الخاصة التي أعدها وقدمها إليه اللواء كمال حسن علي.

 

ودعونا نقارن الآن بين حقائق وتفاصيل الخطة المصرية وما سجلته ضابطة جهاز الموساد في مذكراتها وبالنهاية ستتضح  القصة وتتوثق تماماً مثلما عايشها الرئيس السادات وخلدتها يوميات مصرية أخرى عالية التصنيف كشفت لنا الحقيقة برمتها دون رتوش.

 

المهم هدفت خطة "المنزل الغامض" المصرية إلي تضليل فرع البحوث والتقدير التابع لجهاز الموساد بهدف استدراج عقوله إلي قناعة تؤكد أن الرئيس السادات لن يمكنه شن الحرب علي إسرائيل في عام 1973 لإصابته بمرضه عضال.

في الواقع اخترع الرئيس السادات فكرة عملية "المنزل الغامض" وهي بنات أفكاره من الألف إلي الياء حيث داهمته الفكرة العبقرية عقب مراجعته تقريراً معلوماتياً مصرياً أكد علي غباء العقلية الاستخباراتية الإسرائيلية وتهويل أجهزة العالم بالثناء عليها وتمجيدها بهدف ردع وإخافة الأجهزة العربية وعلي رأسها مصر كي لا تفكر في الهجوم علي إسرائيل.

عندها قرر الرئيس السادات استفزاز تلك العقلية الغبية بنفسه عن طريق إشاعة خبر مزعوم عن مرضه بمرض عضال لم يتمكن الأطباء المصريين تحديد أعراضه وأنه مضطر للسفر لفرنسا في سرية تامة لعرض نفسه علي طبيب أوروبي متخصص في أمراض الأعصاب.

 

وقد ثبت ظن السادات وصحة التقارير عندما كلف جهاز معلوماته لاستدراج جاسوس جزائري معروف لمصر حتي ينقل للموساد نبأ مرضه المزعوم بطريقة روتينية أثناء تواجده في الجزائر لحضور فعاليات "الدورة الرابعة" لمؤتمر دول عدم الانحياز التي عقدت بالعاصمة الجزائر خلال الفترة من 5 إلي 9 سبتمبر 1973

ويومها طالع الرئيس السادات لأول مرة بمفكرة اليوميات الجزء الناقص لحقيقة ما جري خلف كواليس العملية الإسرائيلية المضادة التي استفزتها معلومة مرضه المزعوم والتي أشرف بنفسه علي زرع بياناتها المخادعة ضمن التمهيد الاستراتيجي لشن حرب أكتوبر 1973

وطبقاً لما سجلته العملية المصرية من تفاصيل دعا الرئيس الجزائري "هوارى بومدين" الثابت توليه منصبه في الفترة من 19 يونيو 1965 حتى 27 ديسمبر 1978 الرئيس السادات لحضور الدورة الرابعة لقمة دول عدم الانحياز بالجزائر.

وعقب وصول الوفد المصري الرسمي المرافق للرئيس السادات مساء 4 سبتمبر 1973 إلي العاصمة الجزائر رصدت أجهزة المعلومات المصرية دبلوماسي جزائري قديم كان معروفاً بعمالته لإسرائيل يعمل كسكرتير أول لدي سفارة الجزائر في العاصمة الفرنسية باريس.

 

لكنه كان جاسوساً نشطاً وخطيراً لم يكن مكشوفاً لسلطات الاستخبارات الجزائرية مع أنه عمل طيلة الوقت لحساب جهاز الموساد الإسرائيلي بل أحياناً لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA من داخل سفارة الجزائر في باريس.

تنقل ذلك الدبلوماسي الذي ذكرته تامار جولان بيومياتها بالحرف الأول من اسمه الحقيقي "A"  بحكم مهام وظيفته بحرية تامة بين الإدارات الحكومية الفرنسية وعمل كحامل حقيبة دبلوماسية بين الجزائر وباريس واستدعته وزارة خارجية بلاده للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز.

 

وأعود لمفكرة يوميات تامار حيث اعتاد "A" في الطريق من الجزائر إلي باريس والعكس علي تسليم ما لديه من معلومات سرية لأقرب ضابط موساد بالجوار حتي أنه ترك أحياناً نسخاً من المستندات الجزائرية الأكثر سرية علي الإطلاق داخل الحمامات العامة لحين التقاطها بواسطة الأقرب من ضباط جمع المعلومات في الاستخبارات الإسرائيلية.

وهنا أتوقف لاختلاف بيانات الجزء المصري للعملية مع يوميات ضابطة جهاز الموساد حيث تصادف تواجد "A" بردهات المؤتمر بالجزائر وعندما علم الرئيس السادات بظهور الدبلوماسي الجاسوس أمر بالبحث عن دبلوماسي مصري يعرفه "A" ويثق به لتسريب خبر مرضه الكاذب عن طريقه في سياق طبيعي لا يمكن الشك فيه.

 

وعلي حظ الرئيس السادات بالجزائر أثناء مؤتمر دول عدم الانحياز في 4 سبتمبر 1973 تواجد ذلك الدبلوماسي كمرافق للوفد الرسمي المصري بعد أن عمل لأعوام طويلة بالسفارة المصرية بالجزائر وقد صادق "A" قبلها بأعوام في باريس بتكليف مصري رسمي.

في رواية مفكرة يوميات تامار جولان عن ذلك اليوم تفاصيل مثيرة بشأن ذات الواقعة فقد كلفها جهاز الموساد بالسفر إلي الجزائر مع جواز سفرها الفرنسي كصحفية موفدة من قبل مكتب شبكةB.B.C  البريطانية في باريس كمتخصصة بالشؤون الإفريقية لتغطية المؤتمر.

وفي كواليس الاستعدادات قبيل انطلاق الفعاليات الرسمية للمؤتمر مساء 4 سبتمبر 1973 قابلت تامار جولان بناء علي ترتيب مسبق دقيق الدبلوماسي الجزائري الجاسوس وكانت تعرفه وقابلته من قبل بمناسبات دبلوماسية متعددة شارك فيها كممثل لبلاده في فرنسا.

 

وبناء علي ما سجلته كان علي السيد "A" تسليم تامار ما لديه من معلومات هامة تحصل عليها علي هامش مؤتمر الجزائر حتي تنقلها إلي جهاز الموساد بأسرع وسيلة متاحة لها كإعلامية عن طريق شيفرة مراسلات خاصة بينها وبين الجهاز الإسرائيلي.    

أما علي الجانب المصري من العملية فقد تم استدعاء الدبلوماسي القديم في سفارة مصر بباريس لتنفيذ خطة السادات ودون الحاجة لشرح تفاصيل من شأنها تهديد عملية الخداع كلف بخطوات محددة كان عليه تنفيذها كما هي دون إبداع أو إضافة تطوعية منه.  

وقد اعتاد الرجل صاحب التاريخ الممتد من الثقة المتبادلة والتعاون مع الجهاز المصري علي ذلك ويومها كلفه مدير العملية من القاهرة بالتقرب بشكل روتيني للغاية من صديقه الدبلوماسي الجزائري جاسوس جهاز الموساد علي أن يوطد معه ذكريات الأيام الخوالي والثرثرة عن الباريسيات الجميلات وأساطيرهما الغرامية خلال العطلات الرومانسية.

نجحت الخطة المصرية وتجاوب الدبلوماسي الجزائري الجاسوس أما الجديد بالنسبة للرئيس السادات بمفكرة اليوميات أن "A" وجدها فرصة سانحة لاستخرج المعلومات الهامة من صديقه الدبلوماسي المصري وكان ذلك من حسن طالع الخطة المصرية.

وزعت وزارة الخارجية الجزائرية طبقاً لمجريات الأحداث ليلة الرابع من سبتمبر 1973 أعضاء الوفد المصري علي ثلاثة فنادق قريبة لقاعة المؤتمرات الرئيسية بصفتها المشرفة علي مراسم المؤتمر واستقبال ضيوفه الرسميين.

في التفاصيل تماشي الدبلوماسي المصري المحنك الذي لحق بوفد القاهرة لتنفيذ المهمة مع صديقه الدبلوماسي "A" ووقعا الصديقان علي سيدتين من السكرتيرات الفاتنات المرافقات لوفود المؤتمر بفندق مطار الجزائر - دار البيضاء الذي تأسس عام 1924

 

والمعروف أنه سمي باسم بلدية "دار البيضاء" التابع لها موقع الفندق والمطار علماً أن الاسم تغير عام 1978 لفندق مطار "هواري بومدين" تكريماً لاسم الرئيس الجزائري الكبير الذي توفي بمرض نادر بتاريخ 27 ديسمبر 1978 .. المهم.    

ركز الدبلوماسي المصري المخضرم علي تطوير صداقته الخاصة أثناء الفعاليات الرسمية للمؤتمر مع "A" جاسوس جهاز الموساد وأجل طبقاً للخطة المصرية كشف معلومة العملية إلي حين التوقيت المناسب ومنحه الضوء الأخضر من مصر.

وعليه انغمس بالقصد مع "A" علي هامش فعاليات المؤتمر في مشاكسة الجميلات واللهو بداية من ليلة وصول الوفد المصري للعاصمة الجزائرية في 4 سبتمبر حتي صباح الأحد الموافق 9 سبتمبر 1973 وقت مراسم ختام مؤتمر دول عدم الانحياز.  

انتهت الفعاليات الرسمية للمؤتمر عقب إلقاء البيان المشترك للدول المشاركة في الجلسة الختامية وكان علي الدبلوماسي المصري تنفيذ المرحلة النهائية من الخطة الطموحة في تمام الثانية عشر ظهر التاسع من سبتمبر 1973

في المقابل بناء علي ما سجلته تامار جولان بمفكرة يومياتها الشخصية عن ذلك اليوم استعد الدبلوماسي الجزائري "A" لتفريغ كل ما يمكنه من معلومات سرية تحصل عليها طيلة أيام المؤتمر تمهيداً لتسليمها مكتوبه بالشيفرة المتفق عليها إلي تامار قبيل مغادرتها إلي باريس.

 

بينما راقبت العقول المصرية خطوات الدبلوماسي الجزائري الجاسوس حتي حانت اللحظة حيث حصل الدبلوماسي المصري علي الضوء الأخضر لتوجيه ضربته وعندها تقابل مع "A" في بهو "لوبي" الفندق بالجزائر وسط ضجيج مغادرة الوفود المشاركة.

وطبقاً للخطة اتخذ الدبلوماسي المصري موقعاً مكشوفاً بقاعة الأعمال بالفندق وجلس به وكأنه يراجع بعض الأوراق الهامة حتي لوح إليه عنصر مصري راقبه عن بعد بإشارة اتفقا عليها مسبقاً أن الهدف "A" يتقدم ناحيته.

علي الجانب الآخر شاهد "A" الدبلوماسي الجزائري الجاسوس المشهد من بعيد فوجدها فرصة ربما نجح بالتلصص علي محتوى تلك الأوراق المصرية الرسمية المتراصة علي مقربة منه الأمر الذي أسال لعابه الخسيس للتجسس عليها لصالح إسرائيل.   

 

استدرج الدبلوماسي المصري صديقه جاسوس جهاز الموساد وتصنع علي وجهه تعابير التوتر والهم فسأله "A" بطريقة طبيعية عن أسباب قلقه ربما استطاع مساعدته فوجدها الدبلوماسي المصري فرصة سانحة لتنفيذ هدف العملية.

فطلب من "A" بصوت خفيض هامس وكأنه يطلعه علي سر خطير مساعدته بعلاقاته المتشعبة بفرنسا للبحث في سرية تامة عن منزل منعزل بمواصفات فاخرة وسعر غير مبالغ فيه علي أن يقع المنزل بضاحية هادئة قريبة من قلب العاصمة باريس.

كما طلب الدبلوماسي المصري من صديقه الدبلوماسي الجزائري "A" استغلال علاقاته الخاصة لتوفير عدد عشر سيارات حديثة شريطة عدم تسجيلها بأسماء مصرية أو عربية علي أن يتم انجاز الأمر في أقصى تقدير صباح الثلاثاء الموافق 25 سبتمبر 1973

ثم ختم الدبلوماسي المصري طلباته بوعد لصديقه "A" بعمولة معتبرة تدفع له فوراً حال تمكنه من تنفيذ المطلوب مع تأكيد الحجز وبشرط أن يسلمه "A" قبل الموعد المحدد عقد المنزل الهادئ مع مفاتيح السيارات ومستنداتها.

بالتأكيد أثارت طريقة وأسلوب طرح الدبلوماسي المصري المحنك والمدرب للموضوع ملكات الجاسوس الجزائري فسارع "A" بالإعلان عن مقدرته تنفيذ المطلوب دون أدني مشكلة مؤكداً احتياجه لأقل من أسبوع واحد حتي ينجز الأمر برمته.

وقد وجدها "A" فرصة سانحة كي يسأل صديقه الدبلوماسي المصري عن دواعي السرية والحرص علي دقة المواعيد بينما صعد الأخير التمويه مع اصطناعه التهرب من الأسئلة حتي يبدو النقاش عادياً متحيناً اللحظة المواتية لكشف السر المصري الهام.

وبالفعل تطور الحوار كما رسم له وذلك ما سجلته تامار في مفكرة يومياتها الشخصية عن يوم 9 سبتمبر 1973 نقلاً عن رواية الدبلوماسي "A" الجاسوس الجزائري الذي حكي لها الموقف بتفاصيله الدقيقة بعدها بساعات قليلة خلال لقاء مدبر بينهما اتفقا عليه مسبقاً.

ما زال الرئيس السادات يتابع التفاصيل المسجلة بمفكرة نقيب الموساد وهو يطالع الترجمة العربية لليوميات بشغف يتمني القفز فوق السطور للوصول لحقيقة ما حدث خلف كواليس المشهد الإسرائيلي ليتعرف علي نتائج الخطة المصرية التي رسمها بنفسه في إطار عملية الخداع الاستراتيجي الموجه ضد الاستخبارات الإسرائيلية.

تصنع الدبلوماسي المصري حالة التململ وراح يتلفت حوله مدعياً قلقه أن يسترق أحدهم السمع إلي الحديث الخافت بينه وبين صديقه "A" بقاعة رجال الأعمال بفندق الجزائر ثم طلب من الأخير عدم سؤاله عن التفاصيل لأنه سر مصري خطير.

وعندها بادله "A" افتعال الحزن وتصنع التأثر لافتاً عناية صديقه الدبلوماسي المصري لحبه واحترامه لمصر زاعماً استعداده لفداء أسرارها بحياته ومؤكداً اطلاعه علي مئات الأسرار التي لا يمكنه كشفها لأحد حماية للأمة العربية في مواجهتها مع دولة إسرائيل.

فوجدها الدبلوماسي المصري المحنك فرصة كي يتراجع عن تمسكه بالسر المزعوم معلناً اعتذاره لصديقه الحميم لكنه طلب من "A" في نفس الوقت ألا ينقل لمخلوق ما سيكشفه له مع تأكيده علي ثقته العمياء في عروبته وإخلاصه لقضايا الأمة العربية.

وعقب لحظات من الصمت المتعمد من جانب الدبلوماسي المصري حتي يصل بالدبلوماسي الجزائري جاسوس إسرائيل لقمة التشويق والترقب همس إلي "A" قائلاً في توتر ملحوظ:             

"الحقيقة ولا أريدك أن تكشفها لمخلوق حتي في الجزائر نفسها وأنا أثق بك وفقط أشاركك السر لأنك قادر علي مساعدتي أكثر من أي شخص آخر لا أعرفه ربما يعرض مستقبلي كله للخطر في حالة تسرب خبر أن الرئيس السادات مريض بمرض عضال فشل الأطباء المصريين في التعرف علي أعراضه لذلك حجزت الرئاسة المصرية في سرية تامة لدي طبيب فرنسي كبير أنا لا أعرف اسمه ولا بياناته لأنه مصرح لي فقط بمعلومات مهمتي والكشف تقرر في بداية أكتوبر القادم - 1973 - والمنزل الهادئ طبعاً سيقيم به الرئيس السادات وطاقم حراسته الشخصية والسيارات بالقطع لتنقلات الركب الرئاسي لأغراض أمنية خالصة".

 

ساعتها غاص "A" جاسوس جهاز الموساد الدبلوماسي الجزائري في مقعده ولسان حاله يريد تقبيل صديقه المصري الذي كشف له تلك المعلومة عالية التصنيف وهو يحلم بلحظة تباهيه بالنجاح أمام الضابطة الإسرائيلية التي سيلقاها بعد ساعات لينقل لها حصيلة نشاطه في جمع الأسرار العربية.

 

تعجب الرئيس السادات وهو يطالع القصة المكتملة الأجزاء لعملية "المنزل الغامض" لأول مرة وقد شعر بالفخر زهواً بالنتائج التي حققتها خطته لخداع وتضليل التقدير الاستراتيجي لأفرع بحوث الاستخبارات الإسرائيلية حتي تأكدت أنه لن يعلن الحرب خلال عام 1973 علي الأقل وذلك لأسباب استراتيجية متعددة كان أبرزها خدعة مرضه بالمرض العضال.

علي الجانب الآخر من العملية سجلت النقيب تامار جولان ضابطة جهاز الموساد صحفية الشؤون الإفريقية في مفكرة يومياتها معلوماتها الشخصية عن العملية الإسرائيلية المضادة وتباهت بتكليفها الدبلوماسي الجزائري "A" للتقرب من الدبلوماسي المصري في محاولة لاستخلاص ما بحوزته من أسرار عالية القيمة.

 

سارت الخطة المصرية بنجاح مثلما رسم لها وسمع "A" من الدبلوماسي المصري السر الذي قصد الرئيس السادات زرعه داخل نظام معلومات الاستخبارات الإسرائيلية فأنطلق علي الفور للبحث عن المنزل الهادئ والسيارات المطلوبة لمصر.

وقبيل مغادرته طلب "A" بثقة من صديقه الدبلوماسي المصري عدم القلق وأن يعتبر الأمر منتهياً لأنه سيستأجر له المنزل والسيارات في موعد أقصاه 72 ساعة ثم اتفقا الاثنان علي معاودة الاتصال في باريس عقب عودتهما لعملهما بالسفارتين المصرية والجزائرية.

تكللت الخطة المصرية بالنجاح الباهر وتأكد الجهاز المصري أن "A" في طريقه لنقل المعلومة التي ستسهم في تخدير وتقويض التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي بأن الرئيس السادات لن يمكنه شن الحرب علي إسرائيل علي الأقل حتي نهاية عام 1973

تطورات عملية "المنزل الغامض" المصرية الطموحة سجلها المسؤولون عن تنفيذ خطتها وإدارتها وعايشها الرئيس السادات وأشرف بنفسه علي كل مراحلها وكانت تاريخاً بالنسبة له وهو يطالع في شهر نوفمبر 1975 مفكرة يوميات تامار جولان ضابطة جهاز الموساد صحفية الشؤون الإفريقية.

لكن علي الجانب الأخر سجلت تامار جولان بقلمها وبشيفرتها الخاصة التي كسرت وحلت وترجمت ما لم يتوقعه حتي الرئيس السادات عن تلك العملية عندما كشفت في اليوميات أن جهاز الموساد أرسلها إلي الجزائر في الفترة من 5 إلي 9 سبتمبر 1973

 

بهدف التجسس علي اجتماع بعينه علمت الاستخبارات الإسرائيلية من مصدر عربي مهيب المقام أنه سيعقد بين الرئيس السادات والرئيس الجزائري هواري بومدين والرئيس السوري "حافظ الأسد" الذي ترأس بلاده خلال الفترة من 12 مارس 1971 حتي وفاته بتاريخ 10 يونيو 2000  

المثير أن تامار ذكرت أدق تفاصيل تلك العملية مع كيفية وصولها للعاصمة الجزائر بجواز السفر الفرنسي الذي اعتادت استخدامه طبقاً لتعليمات جهاز الموساد أثناء ممارستها لعملها السري حتي تستفيد منه كغطاء مدني سياسي إذا حدث خطأ عارض أدي لكشفها وتوقيفها بأي دولة إفريقية.

 

والحقيقة خارج سياق عملية المنزل المصري الغامض أدت معلومات مفكرة تامار جولان إلي كشف خلية جزائرية عملت لأعوام دون إمكانية تعرف جهاز الاستخبارات الجزائرية عليها وذلك الكتاب ليس محلاً لتلك المعلومات الحصرية.

والثابت أن الجهاز الجزائري تأسس بتاريخ الأول من نوفمبر عام 1954 تحت اسم "إدارة الاستخبارات والأمن" علي أيدي "عبد الحفيظ بوصوف" المدير الأول للجهاز خلال الفترة من عام 1954 حتي عام 1958 عندما خلفه هواري بومدين بالمنصب الذي شغله حتي 19 يونيو 1965 عندما عين رئيساً لمجلس قيادة الثورة الجزائرية.

 

في العاصمة الجزائر حرصت نقيب جهاز الموساد تامار جولان علي الحجز مسبقاً بنفس الفندق الذي نزل به الوفد المصري المرافق للرئيس السادات وقد لاحت بوادر الحرب في خلفية المشهد في منطقة الشرق الأوسط مع مواجهات مصرية - إسرائيلية عسكرية دامية شبه يومية.

 

في هذه الأجواء المشحونة بناء علي معلومة سربها مصدر عربي رفيع مثلما سجلت وثائق العملية ومفكرة يوميات تامار علم جهاز الموساد أن الرئيس السادات سيجتمع سراً ونظيره الجزائري هواري بومدين والسوري حافظ الأسد علي هامش الدورة الرابعة لمؤتمر دول عدم الانحياز خلال الفترة من 5 إلي 9 سبتمبر 1973

وأن الرؤساء الثلاثة سيتباحثون في ترتيبات إعادة إحياء اتفاقية إعلان تأسيس الجمهوريات العربية الموقعة في مدينة بنغازي الليبية بتاريخ 17 إبريل 1971 التي عرفت في عدد من المصادر باسم اتفاقية دستور دولة الاتحاد المستفتي عليها في القاهرة وبني غازي ودمشق بتاريخ 1 سبتمبر 1971 بالإضافة لبحث انضمام الجزائر إليها وتطويرها لتصبح اتفاقية دفاع عربي موحد ضد إسرائيل.

سعت تامار جولان مع ضابطين من جهاز الموساد لم تكشف بياناتهما في يومياتها مستغلة هويتها الصحافية وجواز السفر الفرنسي لترصد خطوات الرؤساء الثلاثة من وإلي المؤتمر حتي وصلت مع زميليها لتحديد موعد اللقاء الرئاسي المرتقب.

وطبقاً لما حررته تامار دون تفاصيل أو بيانات نجحت العملية الإسرائيلية في زرع أجهزة تنصت حديثة داخل قاعة الاجتماعات الرئاسية في العاصمة الجزائر وانتظر بعدها جهاز الموساد تسجيل وسماع الحوار السري للغاية المرتقب والمتوقع بين السادات وبومدين والأسد.

 

كان الرئيس السادات يدرس باهتمام كل فقرة من مفكرة يوميات تامار جولان بشأن عملية المنزل المصري الغامض بباريس وفي تلك اللحظة انفجر بالضحك وهو منبهراً من دقة توقعاته التي أثبتتها الأحداث المسجلة أمامه ولتلك الواقعة قصة مثيرة.

واضطر مؤقتاً لمغادرة مفكرة اليوميات لأذهب مباشرة للمعلومات المصرية الحصرية مثلما وقعت تكشف لنا سر حالة الغبطة المفاجأة التي انتابت الرئيس السادات والحقيقة رصدت المعلومات ظهور ضابطي جهاز الموساد اللذين ذكرتهما تامار بيومياتها.

وعقب التعرف علي شخصيتيهما وتحليل صورهما الملتقطة في طرقات المؤتمر بالجزائر اضطر اللواء "أحمد عبد السلام محمد توفيق" مدير الاستخبارات المصرية في الفترة من مارس 1973 حتي مايو 1975 لإبلاغ الرئيس السادات باحتمال كشف الموساد معلومة الاجتماع الرئاسي الثلاثي السري للغاية المخطط لعقده في الجزائر.

 

فأحاط الرئيس السادات نظيره الجزائري بومدين بالمعلومات المصرية فاستدعي بومدين مدير جهاز استخباراته القوي العقيد "قاصدي مرباح" الثابت شغله منصبه في الفترة من عام 1965 حتي عام 1978

 

والمعروف أنه تولي بعدها منصب رئاسة الوزراء الجزائرية خلال الفترة من 5 نوفمبر 1988 حتي 9 سبتمبر 1989 ثم اغتياله في 21 أغسطس 1993 لاتهامه بالتورط في إفساد الحياة السياسية للجزائر.

في اللقاء الذي حضره الرئيس السادات أطلع بومدين العقيد مرباح علي الصور والبيانات المصرية وطلب منه التصرف بينما تدخل الرئيس السادات واقترح بناء علي خبراته في مواجهة عمليات جهاز الموساد استغلال الواقعة لوضع خطة مرتجلة لتضليل المعلومات الإسرائيلية.

الغريب أن الرئيس السادات اقترح يومها علي الرئيس هواري بومدين ومدير استخباراته مرباح تمكين ضابطي جهاز الموساد من الدخول لقاعة اللقاء المرتقب وأن يراقب مرباح عمليتهما دون تدخل منه وبشرط ألا يكشف جهاز الموساد رجاله الجزائريين أثناء المراقبة.

ورسم الرئيس السادات خطة محكمة بدت للرئيس بومدين ولمدير جهاز معلوماته وكأنها سيناريو فيلم حركة مثير من إخراج السادات حيث لم يغفل الرئيس المصري حتي الحوار ومسيرة الحديث الذي قسمه بينه وبين بومدين وحافظ الأسد بعدما أطلعاه علي السر.

وكان علي هواري بومدين والرئيس حافظ الأسد أن يحضرا في موعد اللقاء السري وسط إجراءات أمنية مشددة روتينية وأن يدخلا لقاعة اللقاء لتأدية دورهما بالعملية التي رسمها الرئيس السادات بخط يده.

مع ضرورة حفظهما لعدد من النكات المصرية المضحكة التي أملاها السادات عليهما حتي يبدو الحوار عادياً مع التشديد عليهما لعدم الحديث بملفات الأمن القومي العربي وأن يتوقف الثلاثة طبقاً لسيناريو الخدعة أمام سؤال للرئيس حافظ الأسد.

سيوجهه طبقاً للخطة المرتجلة إلي الرئيس السادات وسط الحديث العادي ليسأله بوضوح يعتريه القلق عن الترتيبات المصرية بشأن دخول الحرب ضد إسرائيل وهل باتت قريبة أم ما زالت بعيدة؟

وفي الحوار طبقاً للخطة تقرر أن يجيب الرئيس السادات علي حافظ الأسد بصوت ينم عن عدم استعداد مصر للحرب بسبب نقص الكثير من نوعيات السلاح التي ستحتاجها العمليات العسكرية الشاملة.

وأن يعلن السادات للرئيس الجزائري والسوري عن أمله للوصول لعقد صفقة عاجلة مع الاتحاد السوفييتي لتوفير السلاح وحتي تحقيق ذلك الأمر لن يمكنه إعلان الحرب علي إسرائيل ثم تنتهي الجلسة بشكل روتيني.

كما طلب الرئيس السادات تقديم موعد اللقاء الثلاثي فأرسل بومدين في استدعاء الرئيس حافظ الأسد وأمر بتغيير قاعة اللقاء بعيداً عن تلك التي زرع بها ضابطا جهاز الموساد أجهزة التنصت الحديثة.

وللتوثيق عقد الاجتماع بين الرؤساء الثلاثة بنفس الجلسة وسط أجواء من الثقة في قوة القرار والوحدة العربية وخلال اللقاء وضع السادات وبومدين وحافظ الأسد الترتيبات النهائية لمعركة الكرامة المصرية - العربية التي نشبت بعدها في 6 أكتوبر 1973     

 

 

وأترك معلومات الرئيس السادات إلي ما سجلته تامار جولان عن ذات الحدث فقد سارعت وزميليها إلي تسجيل جلسة اللقاء الثلاثية وما حررته بخط يدها يثبت دهاء وحنكة السادات لأن ضابطي جهاز الموساد سجلا ذلك اليوم بالجزائر جلسة وهمية مختلفة تماماً نفذ خلالها الرئيس السادات خدعته بالاشتراك مع بومدين والأسد.

ومثلما سجلت تامار جولان في مفكرة يومياتها الشخصية انحصر دورها علي مراقبة وتأمين العملية من موقع قريب من قاعة اللقاء لكنها لم تشارك في عملية زرع أجهزة التنصت أو التقاطها بعد ذلك كما لم يكن لها أي دور في عملية التسجيل نفسها.

وعقب تأكد جهاز الموساد مساء 7 سبتمبر 1973 أن مصر غير مستعدة لدخول الحرب وأن الرئيس السادات مريضاً بمرض عضال كافأ مدير الجهاز الإسرائيلي اللواء "تسفي زامير" النقيب تامار جولان بمكتبه بتل أبيب صباح الاثنين الموافق 10 سبتمبر 1973

وفي مراسم تكريمها وعدها زامير بترقية استثنائية لها مقابل ما حققته في العاصمة الجزائر خاصة بعدما تطابقت معلوماتها مع أخرى وردت من مصادر متعددة للجهاز أكدت جميعها أن الرئيس السادات غير مستعد للحرب ضد إسرائيل.

وبعدها بساعات قليلة طارت تامار عائدة إلي العاصمة الفرنسية باريس للمشاركة بعملية مراقبة المنزل المصري الغامض وبالتأكيد حتي تسلم ما بجعبتها من موضوعات صحفية كتبتها لحساب مكتب شبكة أخبار B.B.C وجريدة الأوبزرفر التي سافرت في الأصل من أجل العمل لصالحهما لتغطية مؤتمر دول عدم الانحياز كمتخصصة بالشؤون الإفريقية.

في هذه الأثناء كان السيد "”A الدبلوماسي الجزائري جاسوس جهاز الموساد قد عاد إلي عمله بالسفارة الجزائرية بالعاصمة الفرنسية باريس ونجح خلال أقل من 72 ساعة مثلما وعد صديقه الدبلوماسي المصري في استئجار منزل بالمواصفات المطلوبة.

وكان قد حقق صفقة جيدة بشأنه مع سمسار عقارات سبق أن تعامل معه عدة مرات وهو منزل فاخر بمواصفات خاصة يقع بمنطقة متطرفة هادئة بإحدى الضواحي الثرية غرب مدينة "فيرساي" الشهيرة بمعالمها ومزاراتها التاريخية والسياسية التي تبعد 17.1 كيلو متراً غرب باريس.

كما استأجر السيارات العشرة لتحركات موكب السادات وعملياً انتهى دور "”A تماماً عند هذا الحد مع حصوله علي عمولة محترمة من صديقه الدبلوماسي المصري مقابل خدماته الخاصة وقد اختفى ذكره مع انتهاء أحداث ذلك الفصل الهام من يوميات تامار جولان.

وصلت ضابطة وحدة عمليات النساء الخاصة بجهاز الموساد إلي باريس قادمة من تل أبيب مباشرة بصحبة فريق مكون من ثلاث ضباط تابعين لفرع العمليات "تيفل" مع دافيد قمحي مدير ومؤسس الفرع.

بعدما قرر إدارة ومراقبة العملية لأهميتها من موقع مطل علي قصر "فيرساي" قريب من المنزل المصري بأقصى أطراف الضاحية الغربية وسط منطقة أحاطت بها الغابات بتلك الفترة الزمنية نهاية شهر سبتمبر وبداية أكتوبر عام 1973  

وأترك مؤقتاً مفكرة يوميات تامار إلي المعلومات المصرية حيث رتب الرئيس السادات لشغل المنزل المصري بضاحية "فيرساي" الباريسية بداية من ليلة الخميس الموافق 27 سبتمبر 1973

حيث وصلت إلي موقع المنزل أولاً مجموعة مصرية محترفة أمنت مداخله ومخارجه وقامت بعمليات مسح إليكترونية خشية أن يكون جهاز الموساد قد سبق وزرع بأركانه أجهزة حديثة للتنصت وبالتزامن مع ذلك استلمت مجموعة مصرية أخري السيارات العشرة وقادتها إلي مكان آمن داخل المدينة الفرنسية.

وإمعاناً للتمويه علي مجريات العملية المصرية عادت السيارات العشرة التي استأجرها "”A إلي منزل ضاحية "فيرساي" مرة أخري ليلة السبت الموافق 29 سبتمبر في قافلة تحركت من مطار "لو بورجيه" الذي تأسس عام 1919

وكانت القافلة المريبة قد أقلت إلي منزل ضاحية "فيرساي" مجموعة من الرجال قدموا ليلتها مباشرة من المطار الذي هبطت به طائرة مدنية خاصة علي مدرج هبوط معزول استخدم للأغراض العسكرية السرية.

وطبقاً للسجلات السرية لهيئة الطيران المدني الفرنسية هبطت بالفعل بنفس التاريخ داخل ذلك المطار الواقع علي مسافة 10.6 كيلو متراً شمال شرق مدينة باريس طائرة خاصة صغيرة الحجم من طراز "داسو فالكون-10" درجة خدمات رجال الأعمال وصلت من مطار القاهرة الدولي المصري.

 

 

واللافت أن معلومات جهاز الموساد أكدت بعدها أن أشخاص بهويات مصرية سليمة قاموا باستئجار الطائرة قبل تنفيذ العملية المصرية بساعات قليلة بشكل متكتم من إحدى الشركات الجوية الخاصة في العاصمة الكرواتية "زغرب" وأن عقد التشغيل اشترط أن يقودها طاقم جوي مؤهل مصري الجنسية الأمر الذي دفعهم لتصديق معلومة مرض السادات.

في هذه الأجواء طبقاً لاتفاق مصري - فرنسي استخباراتي أمني خاص حظرت السلطات الفرنسية المحلية يومها بيانات الطائرة ورقم رحلتها التعريفي مع قائمة أسماء الشخصيات التي أقلتها من مطار القاهرة مباشرة إلي "لو بورجيه" بفرنسا.

بينما سمحت نفس السلطات بتسريب معلومة واحدة ادعت اشتباه عنصر عامل بالخدمات الأرضية بالمهبط العسكري في مطار "لو بورجيه" بشخص بين ركاب الطائرة الغامضة تشبه ملامحه إلي حد بعيد ملامح الرئيس المصري المعروف للعامة محمد أنور السادات.

وأنتقل إلي قافلة ركب السيارات التي خرجت من مطار "لو بورجيه" حيث استقرت داخل ساحة المنزل المصري علي أطراف ضاحية "فيرساي" الثرية ولم تتحرك منه طيلة فترة شغل المنزل سوي سيارة ماركة "سيتروين" - انتجت عام 1919 - فرنسية الصنع لونها أسود.

أقلت عصر الثاني من أكتوبر 1973 شخص مصري ذو ملامح شرقية واضحة غاب لمدة ساعة وخمسة عشر دقيقة في اتجاه وسط باريس ثم عاد وبصحبته طبيب فرنسي متخصص في مجال الأعصاب معروف بالمدينة أنه شيوعي متعصب من أشد المعادين لدولة إسرائيل والصهيونية له سجل حافل بتأييد القضية الفلسطينية داخل أروقة أكاديمية الطب الفرنسية.

وربما قصدت الخطة المصرية اختيار ذلك الطبيب بالذات لمنع جهاز الموساد من مجرد محاولة التفكير بالاقتراب من الطبيب المتعصب لاستجوابه عن حالة ذلك المريض الذي ذهب للكشف الخاص عليه داخل المنزل الغامض علي أطراف ضاحية "فيرساي" عصر الثاني من أكتوبر عام 1973 

ما زال الرئيس السادات يطالع التفاصيل وهو علي وشك الانتهاء من يوميات تامار جولان بشأن واقعة خطة المنزل المصري الغامض وقد تذكر في تلك اللحظة تعمده الاختفاء عن أنظار وسائل الإعلام بأنواعها المحلية والدولية بداية من نهاية شهر سبتمبر 1973

حتي ترسخت الفكرة لدي جهاز الموساد وكأنه سافر بالفعل إلي فرنسا للعلاج الأمر الذي جعل تامار جولان ومجموعتها التي راقبت المنزل المصري الغامض بضاحية "فيرساي" يعتقدون بقوة أن الرئيس السادات تواجد بالداخل للعلاج وبعدها فوجئ العالم بمصر تشن حرب أكتوبر وتنتصر بخطة رئيسها العظيم وعقول رجال أجهزتها التي خططت ونفذت الخدعة الكبرى للسادات.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech