Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كم طلقة في مسدس الموساد - الجزء الخامس

الأمير الأحمر

تطرّق ياريف في حديثه ، بالطبع ، إلى مقتل علي حسن سلامة (1940 - 1979) ، و المعروف باسم (أبو حسن) ضابط الرصد الفلسطيني الشهير الذي كان يلقب بالأمير الأحمر ، و اعترف بأنه كان ضحية  للموساد عندما انطلقت حملة الاغتيالات بعد ميونخ بسبب علاقته بتلك العملية .

و أبو حسن هو ابن قائد شهير من قادة الحركة الوطنية المجاهدين قبل النكبة هو حسن سلامة ، انضم لحركة فتح عام 1967 مع أفواج عديدة من الشباب الفلسطيني و العربي ، الذين صدمتهم هزيمة الأنظمة على يد الكيان الصهيوني و احتلال ما تبقى من فلسطين و من أراضي عربية أخرى ، و خلال سنوات قليلة ، بعد العمل في قيادة جهاز الرصد الثوري لحركة فتح ، و هو بمثابة جهاز مخابرات و أمن ، استقر أبو حسن في بيروت عام 1970 و تولى قيادة العمليات الخاصة ضد المخابرات الصهيونية في العالم ، و من العمليات التي تسند إليه و لرجاله قتل ضابط الموساد (زودامك أوفير) في بروكسل ، و إرسال الطرود الناسفة من أمستردام إلى العديد من عملاء الموساد في العواصم الأوروبية ، رداً على حملة قام بها الموساد ضد قياديين فلسطينيين ، و من الذين قتلوا بهذه الطرود ضابط الموساد في لندن (أمير شيشوري) .

ارتبط اسمه بعملية قتل الرياضيين الصهاينة في ميونخ ، و هو الأمر الذي نفاه أبو داود في مذكراته ، كما أشرنا ، و نسب لغولدا مئير قولها عنه (اعثروا على هذا الوحش و اقتلوه) .

و لكن أبو حسن ، رجل الأمن الماهر ، و الدون جوان المحبوب من الفتيات ، صاحب العلاقات الغرامية العديدة كما قيل ، كان متنبهاً جداً ، رغم ما قيل عن حياة الليل التي عاشها أحياناً ، فلم يكن له عنوان ثابت و كان حسه الأمني  يجعله بغير مكان نومه دائماً .

و لكن (الأمير الأحمر) وقع في النهاية ، منطبقاً عليه المثل العربي (ما يوقع غير الشاطر) ، بعد أن تخلى عن سلوك أمنى مهم ، و هو أن أصبح له عنوان سكني ثابت ، بعد زواجه المثير من ملكة جمال الكون لعام 1971م اللبنانية جورجينا رزق.

و لم يفت على كثيرين من معارفه و أصدقائه و أقربائه تحذيره ، و الطلب منه الانتباه ، و الحذر في تحركاته ، و ينقل عنه أنه كان يطمئن والدته ، التي لم تكفّ عن التنبيه عليه بضرورة إحداث تغييرات على عنوانه و تبديل سيارته بالقول (عمر الشقي بقي)

و روى كريم بقردوني ، الزعيم المسيحي اللبناني اليميني ، المقرب من زعيم القوات اللبنانية الانعزالية السابق بشير الجميل ، بأنه نقل تحذيراً من بشير إلى أبو حسن ، الذي كان أحد الخطوط المفتوحة بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات و الميليشيات المسيحية اللبنانية المختلفة ، حول معلومات وصلت عن خطة لاغتياله .

و لم يقدّم بشير الجميل تفاصيل عن عملية الاغتيال المحتملة لبقرادوني و لكنه طلب منه أن يحذّره (فأبو حسن هو صاحبنا) كما قال بشير الجميل لبقرادوني .

و ذكرت بعض المصادر أيضاً أن المكتب الثاني اللبناني ، أحد أجهزة المخابرات اللبنانية ، كان حذّره كذلك ، و روي أنه تم العثور على قصاصة ورق من المكتب الثاني فيها التحذير ، في جيبه بعد استشهاده .

المصادر الصهيونية قالت إن سلامة دوّخ ملاحقيه و نجا من أكثر من عملية اغتيال ، حتى أرسلت إحدى عميلات الموساد ، و هي رسامة بريطانية ، اسمها (سلفيا إيركا روفائي) ، التي أوكل إليها مراقبة الأمير الأحمر و رصد تحركاته ، إلى رؤسائها أن الأمير الأحمر أصبح في متناول اليد ، و كانت العميلة تقطن بالقرب من منزل جورجينا . في الطابق التاسع من إحدى بنايات شارع فردان .

و كما هو متوقع جاء أمر للعميلة بتنفيذ عملية اغتيال الأمير الأحمر الذي دوّخ رجال الموساد طويلاً ، فتم تلغيم سيارة من نوع فوكس فاجن بعبوة تفجّر لا سلكياً عن بعد ، و وضعها بالقرب من الطريق الذي يمر منه موكب أبو حسن المكوّن من سيارة شفروليه و سيارتي رانج روفر ، و عندما وصل  الأمير الأحمر إلى تلك النقطة في الساعة الثالثة من عصر يوم 22/1/1979 ، حتى ضغطت عميلة الموساد على الزر القاتل .

و بعد سنوات من تلك العملية فإن ضابط الموساد البارز السابق رافي إيتان الذي يعيش الآن في ضاحية أفيكا الراقية قرب تل أبيب يعيد الفضل لنفسه في اغتيال أبو حسن سلامة .

و إيتان أحد أبرز رجال الموساد المعروفين بقسوتهم و الذي قتل بيديه ، كما يتباهى ، العشرات من الخصوم في أنحاء مختلفة من العالم بإطلاق الرصاص أو الخنق أو الضرب على الرأس أو الطعن .

و هو الذي اشتهر لقيامه بخطف الضابط النازي أودلف إيخمان عام 1960 من الأرجنتين و الذي أعدم لاحقاً في سجن الرملة بتاريخ 31/5/1962م .

و لدى اغتيال سلامة كان إيتان المستشار الشخصي لرئيس وزراء الكيان مناحيم بيغن لشؤون الإرهاب ، و قام إيتان بزيارة بيروت منتحلاً شخصية رجل أعمال يوناني ، و تمكن من معرفة إقامة سلامة و تحركاته .

و عندما عاد إلى تل أبيب أرسل ثلاثة من رجال الموساد متخفين كعرب إلى بيروت ، أحدهم استأجر السيارة و الثاني فخّخها بالقنابل و الثالث أوقفها على الطريق الذي يسير عليه سلامة يومياً .

و الملفت أنه بعد نجاح العملية قرّر بيغن أن إيتان (أثمن) من أن يخاطر به مرة أخرى فأبقاه في منزله بعيداً عن العمل الميداني . و فيما بعد استوحى كاتب القصص البوليسية المعروف جون لوكريه شخصيته الرئيسية التي تتعقب "الإرهابيين" في روايته المشهورة (الطبالة الصغيرة) من شخصية إيتان الذي تورّط في أعمال قذرة أخرى كثيرة للموساد من أشهرها فضيحة الجاسوس جوناثان بولارد الذي عمل لحساب الموساد في أمريكا و معتقل الآن فيها .

و من المعتقد أن أمينة المفتي الجاسوسة الأردنية التي عملت لصالح الموساد اقتربت من أبو حسن سلامة كثيراً أثناء تردّده على فنادق بيروت الراقية و زوّدت الموساد بعناوينه .

و هناك تفاصيل و روايات شبيهة عن الحادث نشرت بعد وقوعه ، و من الصعب بدون وجود رواية رسمية فلسطينية معلنة عن ما حدث التأكيد على تفاصيل حقيقة ما حدث بالفعل . و فيما بعد كشف النقاب عن أن  علي حسن سلامة كان ضابط الاتصال بين عرفات و المخابرات الأمريكية . و هي العلاقات التي بدأت ، كما أشار وزير خارجية أمريكا الأشهر كيسنحر في كتابه (سنوات الجيشان) ، في تشرين الثاني عام 1973م ، بعد عقد اجتماع بين نائب الـ (سي.آي.إي) و ياسر عرفات .

و قدّم أبو حسن خدمات اعتبرها الأمريكيون هامة ، و في مقر وكالة المخابرات الأمريكية في ضاحية لانغلي كان يوصف سلامة بأنه "الشرير الذي يحسن خدمتنا" . و وفّر سلامة ، في ظروف الحرب الأهلية اللبنانية ، الأمن للأمريكيين ، و حذّر المخابرات الأمريكية من عملية لإسقاط طائرة كيسنجر خلال إحدى رحلاته المكوكية الشهيرة في الشرق الأوسط ، و كشف عن عدة عمليات لاغتيال مسؤولين أمريكيين في لبنان . و لم تقطع الـ (سي.آي.إي) علاقتها بسلامة رغم طلب إسحاق هوفي ، مدير الموساد ، ذلك مراراً .

و بعد اغتيال سلامة قال هيرمان إيلتس السفير الأمريكي السابق في لبنان : "لقد ساعدنا سلامة في حماية المواطنين و المسؤولين الأمريكيين و تعاون معنا بشكلٍ غير عادي و أعتبر مقتله خسارة" .

و هناك من يرى أنه ، بعد بدء العلاقات الأمريكية – الفلسطينية عام 1978م من خلال صلاح خلف (أبو إياد) ، المسؤول الأمني الأول في فتح ، أصبح لدى أبو حسن إحساس أن تلك العلاقة مع الأمريكان ستحميه .

و كشفت بعض المصادر عن طلب المخابرات الأمريكية من الموساد ، في يناير عام 1978م ترك أبو حسن في حاله (ليرتاح ، فهو رجلنا) ، و كان رد الموساد صاعقاً (إنكم تعلمون ما فعله معنا ، و تعرفون قواعد لعبتنا جيداً ، لقد تقرّر مصيره ، إن الرب يغفر ، أما "إسرائيل" فلا) .

و بقيت سيرة أبو حسن سلامة حاضرة في النقاشات الأمنية الفلسطينية و "الإسرائيلية" ، حتى الآن ، لاستخلاص الدروس و العبر ، و من ضمن ما تعود إليه ، تلك المصادر ما حدث في تلك الليلة في مدينة ليلهامر بالنرويج ، عندما قتلت وحدات الموساد المواطن المغربي أحمد بوشكي اعتقاداً بأنه الأمير الأحمر ، مخلفة فضيحة مدوية للموساد ، و نجم عنها اعتقال الفريق الذي أوكلت له تنفيذ العملية .

عقدة ليلهامر

في مطلع عام 2000 ، و في إجراء نادر في الكيان الصهيوني حظرت اللجنة الوزارية الخاصة بإعطاء التصريح بالنشر للشخصيات الرسمية في "إسرائيل"، كتاباً لـ (أليعيزر بلمور) الموظف السابق في وزارة الخارجية الصهيونية حول عملية (ليلهامر) في النرويج حيث قتل مواطن مغربي برصاص الموساد معتقدين بأنه  علي حسن سلامة . و ذلك في الساعة 40 :22 من يوم 21 تموز من عام 1973 . و هو يوم لم تنسه "إسرائيل" حتى الآن .

في البداية لا بد من الإشارة هنا إلى (آلية) نشر الكتب التي يكتبها رسميون صهاينة لمعرفة كيف تم منع الكتاب ، فبعد أن أكمل بلمور كتابه قدّمه كما جرت العادة لمصادقة وزارة الخارجية التي كان يعمل بها . و التي صادقت على نشر الكتاب و كذلك فعلت الرقابة العسكرية بعد أن طلبت حذف بعض المقاطع من الكتاب و إجراء بعض التغييرات الصغيرة عليه .

و بعد أن استجاب (بلمور) للتعليمات توجّه للجنة الوزارية الخاصة بالمصادقة على المنشورات التي يكتبها أي موظف سابق في الدولة عن فترة عمله . و فيما يخصّ هذه اللجنة فإن شرط موافقتها على أي مؤلف لأيّ موظف رسمي يسري حتى خمس سنوات بعد استقالة الموظف ، و حتى عشر سنوات إذا تضمّن المؤلف تفاصيل تتعلق بأمن الدولة أو علاقاتها الخارجية .

و خلال العامين (1998 - 1999 ) على سبيل المثال ، عرقلت اللجنة الوزارية المذكورة نشر عدة كتب منها ، كتاب رئيس شعبة  الاستخبارات الصهيونية السابق أوري ساغي (أضواء  في الظلام) ( الذي نشر فيما بعد) ، و كتاب العميد احتياط ميخائيل الدار (داكار) (الذي نشر هو الآخر فيما بعد) و هي التي منعت كتاب بلمور ، و تكتسب هذه اللجنة أهمية خاصة في "إسرائيل" و يرأسها وزير العدل (و كان وقت النظر في الكتاب السياسي الصهيوني المؤثر يوسي بيلين) و وزير الدفاع (إيهود باراك و كان أيضاً في الوقت نفسه رئيساً للوزراء)  و الخارجية (و كان دافيد ليفي) و وزير العلوم و الرياضة (و كان متان فلنائي) .

و عند مناقشة نشر كتاب (بلمور) نشر أن مشاركة فلنائي و باراك و ليفي في اللجنة كان (ضعيفاً) و يمكن فهم ذلك ، ربما فلنائي بسبب تخصّصه و باراك و ليفي بسبب انشغالهما ، و الأهم ربما لترك المهمة ليوسي بيلن .

و لكنه لم يكن وحده هناك في تلك اللجنة المهمة ، فالمصادر الصحافية الصهيونية ذكرت أن مصدر المعارضة الرئيسي لنشر الكتاب كان (الموساد) .

صحيفة هآرتس العبرية ذكرت في حينه أن (رئيس الموساد أفرايم هليفي أقنع يوسي بيلين بأن نشر الكتاب سيضر بالموساد و بعلاقات "إسرائيل" مع النرويج) و بأن  وزير العدل لم يردّ على صحيفة (هآرتس) بالتوضيح .

و كتب الصحافي يوسي ملمان في هآرتس بتاريخ 2/2/2000م معتقداً أن (رئيس الموساد يخشى على ما يبدو من توقيت نشر الكتاب ، هناك في هذه الفترة لجنة تحقيق رسمية في النرويج تقوم بالتحقيق في الاشتباه بأن (توراكسل بوش) النائب العام إبان القضية قد ضلّل وزراء القضاء الذين قدّموا تقارير كاذبة للبرلمان ، و أيضاً تقوم اللجنة بالتأكد من الشبهات بأن الاستخبارات النرويجية قد تعاونت قبل العملية و بعدها مع الموساد) .

و لكن لماذا خاف الموساد من نشر الكتاب ؟ ملمان يعتقد أنه بسب وجود انتقادات لما يسميه الاستعداد الرديء للعملية ، و كذلك لتصرف قسم من المشاركين ، غير المهني بما فيهم مايك هراري قائد العملية .

يقول ملمان : (من الواضح أن بلمور يعرف أكثر مما هو موجود لديه استعداد لكشفه ، و على هذا النحو يبدو أن سبب معارضة رئيس الموساد لنشر الكتاب هو خوفه على صورة التنظيم الذي يرأسه ، هذه الصورة التي تضرّرت خلال السنوات الأخيرة إثر سلسلة عمليات فاشلة في الأردن و قبرص و سويسرا) .

و يقصد بالطبع عدة عمليات هزّت صورة الموساد في السنوات الأخيرة منها العملية الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمان ، و التي تدخّل فيها الملك الأردني الراحل حسين و تمخضت عن إعطاء الترياق الشافي لمشعل و إخراج الشيخ أحمد ياسين من السجن .

و أشار (يوسي ملمان) المتخصص في الشؤون الأمنية في مقاله في صحيفة هآرتس العبرية إلى أن أليعيزر بلمور الموظف المتقاعد صاحب الكتاب لم يتخيّل أن يأتي يوم و تنسب إليه "إسرائيل" احتمال المس بأمن دولته … !

على أية حال ، فإن الكتاب يتحدث ، كما ذكرنا ، عن ما حدث يوم 21 تموز من عام 1973 ، عندما أطلق النار اثنان من رجال الموساد الصهيوني على نادلٍ مغربي يدعى أحمد بوشكي و هو ينزل من الباص فأردوه قتيلاً على الفور أمام ناظري زوجته النرويجية الحامل في أشهرها الأخيرة .

و هي العملية التي أصبحت مجالاً للكتابة و المراجعة لدى أصحاب القرار في الكيان الصهيوني و كذلك لدى الصحافة و الرأي العام الصهيوني ، و أعطت الكثير من المتابعين فكرة عن آلية عمل فرق الموت في الكيان ، و أيضاً عن محركات استهداف أشخاص بعينهم بالاغتيال ، و (الدور) الذي تقوم به (الدول الصديقة) في التغطية و على الأقل (غض النظر) عن أنشطة الموساد الرهيبة .

و ساعد في إبقاء المسألة مثارة عدم سكوت زوجة القتيل المغربي و التي تابعت الأمر قضائياً و التي حصلت بعد سنوات طويلة على تعويض مالي من "إسرائيل" ، و وقوع عددٍ من المشاركين في العملية في قبضة الشرطة النرويجية . و تقديمهم للمحاكمة و الإفراج عنهم قبل إكمال مدة محكوميتهم و تحوّل المسألة إلى قضية للنقاش داخل دهاليز المجتمع السياسي في النرويج .

كان الموساد يريد أن يصفي أبو حسن سلامة ، و لكن تشخيصاً خاطئاً أدّى إلى مقتل المواطن المغربي ، و نجح اللذان أطلقا النار من الموساد بالفرار و معهم ثمانية من أعضاء الموساد من بينهم مايك هراري قائد العمليات في الموساد وقتها (فيما بعد مرتزق معروف عالمياً) و رئيس الموساد تسفي زامير (وقتها أيضاً) ، و الذي كان أثناء العملية في غرفة عمليات متقدمة في النرويج .

واحد من الإثنين الأخيرين فرّ عن طريق البحر ، و لكن ستة من أعضاء الموساد الآخرين و هم : (أبراهام جمار ، و دان آرئيل ، و تسفي شتينبرغ ، و ميكي دورف ، و مريان غولدنيكوف ، و سيلفيا رفائيل) ضبطوا و قدّموا للمحاكمة في النرويج .

و طرد ضابط أمن السفارة الصهيونية (إيغال أيال) الذي اختبأ العميلان (شتينبرغ) و (دروف) في شقته من النرويج و انتهت القضية ، كما هو معروف أن علم الرأي العام الكثير عن أساليب عمل فرق الموت الصهيونية و كذلك ، و هذا ما يتعلق بـ (بلمور) بأزمة دبلوماسية صعبة عكّرت صفو العلاقات الصهيونية مع النرويج ، و هنا برز دور الرجل صاحب الكتاب المحظور .

يتضمّن الكتاب المحظور نشره ، حسب استعراض ملمان له ، أحداثاً مثيرة بالفعل كتبها أليعيزر بلمور الذي كان قد أرسل قبل هذا العملية بأربعة شهور للنرويج كملحق سياسي في سفارة الكيان الصهيوني هناك ، و عيّن في وقتٍ لاحق مسؤولاً عن السفارة .

يقول (ملمان) إنه بعد اعتقال أعضاء الموساد في النرويج بأسابيع طلبت وزارة الخارجية و الموساد من (بلمور) أن يعالج قضية المعتقلين ، و أن يلعب دور رجل الاتصال مع السلطات النرويجية ، و هذا ما فعله ، إلا أن معالجة قضية السجناء قد أوكلت من قبل قيادة الموساد في تل أبيب لمن يسميها بلمور (يهوديت) .

يضيف ملمان (بلمور يقصد يهوديت نسياهو التي كانت من قدامى الموساد و كانت مشاركة في عملية اختطاف أدولف أيخمان في عام 1961 من الأرجنتين . نسياهو وصلت إلى استوكهولم في السويد و التقت مع بلمور في غرفة في فندق بعد أن أوصلت له تعليمات ذكرته بالأفلام البوليسية ، بعد ذلك بفترة تجاسرت و التقت معه في أوسلو نفسها و طلبت منه أن يحدثها عن لقاءاته مع المعتقلين من أعضاء الموساد) .

و في الوقت ذاته كانت (إسرائيل) وكّلت المحامي المقدسي أرفين شيمرون لمساعدة المحامين النرويجيين الذين تولوا الدفاع عن المتهمين . و يورد ملاحظة قد لا تكون هامة في سياق حديثنا ، و هي أن نسياهو تصادقت مع زوجة شيمرون و عندما سرحت من الموساد تدرّبت على المحاماة في مكتبه .

و يشير صاحب الكتاب المحظور إلى أن (أنواس شيودت) و هو أحد المحامين النرويجيين قد وقع في حب (سيلفيا رفائيل) إحدى المقبوض عليهم ، و التي سحرت المحامي كما يقول بلمور .

المحامي (شيودت) أصبح يزور (سيلفيا) في السجن بشكلٍ ثابت و تحوّلت الزيارات منذ لحظة معينة إلى زيارات عاطفية . و بعد إخلاء سبيلها طلّق (شيودت) زوجته النرويجية و تزوج من (سيلفيا) .

بلمور يعتقد أن الحظ قد لعب في مصلحة الشرطة النرويجية بدرجة لا توصف في تحقيقات عملية القتل في ليلهامر ، و يكتب (الأمر بدأ في الشرطي المجهول من شرطة ليلهامر (بار أريك روستاد) الذي نصب بعد القتل بفترة قصيرة حاجزاً على الشارع بين أوسلو و ليلهامر ، الشرطي شبه النائم يلاحظ سيارة بيجو بيضاء تمر أمامه و يسجّل رقمها في كتابه لأن المرأة التي تقودها بدت مضطربة في نظره) و يوضح بلمور أن المرأة المقصودة هي (مريان غولدنيكوف) من مواليد السويد التي اتضح لاحقاً أنها سكرتيرة عادية في الشاباك و جنّدت للعملية .

و في اليوم التالي وصلت (غولدنيكوف) للمطار و معها (دان آربيل) من أصل دانمركي و أعادت السيارة المستأجرة للشركة  فتم توقيفها هي و(آربيل) ، و في جيب (آربيل) وجدوا رقم هاتف (إيغال أيال) ، ضابط الأمن في سفارة الكيان الصهيوني ، فخرقت الشرطة النرويجية  حصانة ضابط أمن السفارة و اقتحمت بيته حيث وجدت (ميكي دروا) و (تسفي شتينبرغ) .

يواصل ملمان استعراضه للكتاب الذي يتحدّث عن العملية (اعتقال (أربيل) و (غولدنيكوف) أفضى إلى شقة أخرى في أوسلو حيث اختفت (سيليفا رفائيل) الجنوب أفريقية و (أبراهام جمار) . الإثنان لم ينهارا في التحقيق و تمسكا خلال أشهر بأسمائهما التنكرية (باتريشيا روكسبورغ) التي حملت جوازاً كندياً ، و (لسلي أورباوم) البريطاني الجنسية .

محقّقو الشرطة النرويجية اكتشفوا أن الجوازات مزيّفة و اشتبهوا بأنهم (إسرائيليون) . (سيليفا) و (أبراهام) من ناحيتهما لم يعترفا بهويتهما  الحقيقية إلا في قاعة المحكمة .

(الحظ الذي ابتسم للنرويجيين كان سخياً معهم في الوقت ذاته بدرجة لا توصف حيث كانت ذروتها سقوط دانيل أربيل الذي وفّر منذ لحظات اعتقاله الأولى تفاصيل لا تقدّر قيمتها بثمن ، و شكّلت أساساً قوياً لإعادة تمثيل العملية بأجزائها المختلفة) – كما يقول بلمور .

و فيما بعد برّر (أربيل) سبب انهياره بهذه السرعة لأن (من أرسلوه لم يكلفوا أنفسهم بذل الجهد في إعداده كما يجب ، و لسبب ما كان على قناعة بأن عملية ليلهامر تتم بالتنسيق مع النرويجيين و بموافقتهم ، و لذلك اعتقد  أن معرفتهم لهوية الجهة التي أرسلته ستجعلهم يخلون سبيله فوراً) .

و يكتب بلمور ملاحظة قد تبدو طريفة في تبرير انهيار (أربل) : (هناك احتمالاً بأن مرض الخوف من الأماكن الضيقة الذي عانى أربيل منه قد لعب هو الآخر دوراً في تصرفه في فترة التحقيق . مخاوفه من الجلوس في الغرفة وحيداً و في زنزانة صغيرة دفعته إلى البحث عن وسائل التودّد إلى محقّقيه و كسب سخائهم و صداقتهم . أربيل اعتقد أن مثل هذا الثمن يمكن الحصول عليه من خلال محادثات ودية صريحة) .

و ربما يوضح ما يسوقه بلمور، محاولة الاحتفاظ لديه و لغيره من الصهاينة بالصورة (السوبر) عن الموساد ، فلم يستطع ، بلمور ، و هو الدبلوماسي صاحب التجربة و الذي اقترب أكثر من غيره من أشهر عملية فشل للموساد في ليلهامر ، التصديق أنه يمكن ، هكذا و بكل بساطة ، أن ينهار عميل للموساد و يعترف ، كما يمكن أن يحدث لدى أيّ جهاز أمنى آخر في العالم .

و يسرد ملمان نقلاً عن كتاب بلمور (حتى تكون هذه المحادثات طويلة و هذه كانت تتم في مكاتب التحقيق في الزنزانة الصغيرة - كانت هناك حاجة لمدهم من التفاصيل في كلّ مرة . أربيل و غولدنيكوف هما الوحيدان (الخلية الإسكندنافية) اللذان تحدّثا بصراحة منذ البداية مع محقّقيهما) ..

و لكن المسألة لم تتوقف عند (آربيل) فهناك أيضاً من قدّم معلومات للمحقّقين (تسفي شتينبرغ و ميكي دورف اعترفا بحكاية التغطية التي زوّدا بها و لم يخرجا عنها خلال التحقيق معهما . طاقم التحقيق النرويجي استغل بشكلٍ جيّد المعلومات التي استطاع انتزاعها من كل من تطوّع لتزويده بالتفاصيل الهامة . المدعي العام استغل هذه النجاحات في التحقيق و وضع لائحة الاتهام بناء عليها) .

بلمور يوضح أيضاً أن (طاقم التحقيق حصل على تفاصيل أخرى من خلال تحليل قائمة دخول الأجانب إلى النرويج و فحص استبيانات النزلاء في الفندق في أوسلو و ليلهامر في الفترة التي سبقت حادثة القتل . النرويجيون لم يتكاسلوا بل على العكس قاموا بتوسيع اتجاهات التحقيق للدانمارك و السويد و فرنسا و إيطاليا و في مراحل المحاكمة الأولى حاول المدعي العام استغلال ثمار التحقيق من أجل توسيع الاتهامات وشمل الجهود "الإسرائيلية" الشاملة في مكافحة العنف) .

الصحافي ملمان يوضح أن بلمور ، بكلامه هذا (يقصد أن قسماً من الطاقم الذي تولى قضية ليلهامر ظهر في عواصم أوروبية أخرى كان الموساد قد اغتال فيها نشطاء (أيلول الأسود) خلال الأشهر العشرة بين أولمبياد ميونخ و عملية (الليلة المريرة) كما أطلق عليها الموساد) .

و يكتب ملمان ملاحظة عائداً إلى أفرايم هليفي ، مسؤول الموساد الذي كان له دوراً في عدم نشر الكتاب قائلاً إن هليفي ربما كان يخشى الجملة التالية التي وردت في الكتاب : ( المدعي العام تلقّى إشارة من المستويات الأعلى بالنزول عن الشجرة . النرويج لم تكن معنية بتطور القضية و تدحرجها إلى أبواب دول أخرى) .

و القصد واضح هنا (أي ربط المشبوهين بعمليات الاغتيال في باريس و روما و نيقوسيا ، هذا الأمر يصدر على ما يبدو من رئيس الحكومة النرويجي تريغواه برطلي نفسه الذي سعى لمساعدة "إسرائيل" المرتبكة من خلال تقليص الأضرار رغم حنقه عليها) .

و هذا كلام خطير ، و كان يجب أن يستلفت نظر المعنيين في الموضوع من الفلسطينيين و من العرب و هو يشكّل نموذجاً لتعامل هذا النوع من الدول مع "إسرائيل" (كطفل مدلل) ، و السؤال يبقى لماذا ؟ و ما هي الأسباب الجوهرية التي تجعل "إسرائيل" تحظى بكل هذا العطف ، و هي تخرق القانون بكل صلف ، في دول تختال على غيرها من دول أخرى ، بأنها تقوم أساساً على سلطة القانون . 

يشير (ملمان) إلى إحدى الفقرات المثيرة في الكتاب و التي تدور حول كيفية حدوث الخطأ بقتل النادل المغربي بدلاً من علي حسن سلامة و يعيده إلى أنه (نبع من ملاحقة شتينبرغ و دورف لجزائري اسمه كامل بن آمنة الذي تبيّن أنه عضو في م. ت.ف و لكن ظهر في وقتٍ لاحق أنه كان الطعم الذي قاد المجموعة إلى بوشكي في ليلهامر . بن آمنة أعطى بعد العملية روايات مختلفة لمحققي الشرطة في النرويج و النمسا حيث تزوّج من امرأة نمساوية . مرة قال إنه طالب و مرة قال إنه عامل بسيط و ثالثة قال إنه بدأ العمل كموظف في مؤسسات الأمم المتحدة في جنيف . و لكنه وجد صعوبة في تفسير كيفية سماحه لنفسه بالتجوّل في النرويج و في أرجاء أوروبا و الشرق الأوسط . و لماذا كان بحوزته جوازان جزائريان و لماذا رافقه ممثل السفارة السعودية إلى المطار في جنيف في إحدى رحلاته) .

يقول ملمان : (في كل الأحوال ظهر بن آمنة و هو يتحدّث مع بوشكي و بذلك تحدد مصير النادل المغربي ، ثلاثة من أعضاء الموساد الذين زوّدوا بصورة (سلامة) قرّروا كلاً على حدة أن بوشكي هو المطلوب . هذا القرار حسم ضد مناقض لعضو آخر في القوة) .

و هذا الشخص كما يقول بلمور هي : (فماريان غولدنيكوف التي سبحت في البركة بجوار بوشكي و سمعته و هو يتحدّث النرويجية بطلاقة ، هذا الأمر جعلها تستنتج أن الشخص الذي يتقن النرويجية بهذه الطلاقة لا يمكن أن يكون أبو حسن سلامة (فالأمير الأحمر ليس معروفاً كشخص يتقن اللغة النرويجية) يقول بلمور. و لكن رأي غولدنيكوف لم يقبل . مما سيجعل "إسرائيل" تندم طويلاً ، إلى درجة الخشية من كتاب بلمور عن تلك العملية .

المحكمة قرّرت أن (المجموعة التي اعتقلت في ليلهامر قد نظّمت من قبل الأجهزة "الإسرائيلية" ، و أنها هي التي تقف وراءها) . و تم تبرئة عضو المجموعة (دورف) لعدم توفر الأدلة ..

و صدرت الأحكام على المقبوض عليهم كالتالي : شتينبرغ حكم عليه بالسجن لمدة سنة و غولدنيكوف لعامين و نصف ، أربيل حكم خمس سنوات و نصف السنة بالسجن الفعلي ، إلا أنهما لم يقضيا كامل العقوبة و أخليَ سبيلهما قبل ذلك .

و منذ أن عاد المشاركون في العملية إلى "إسرائيل" و هم يلتزمون الصمت (باستثناء سيلفيا رفائيل) ، و لم يجروا المقابلات مع الصحافة . و في عام 1996 وافقت "إسرائيل" على تعويض زوجة المغدور (توريل لارنس بوشكي) و ابنتهما و ابنان لبوشيكي من زواجه الأول بمبلغ 400 ألف دولار . و في نفس المناسبة عبّرت "إسرائيل" عن أسفها عن الحادث دون أن تحمّل نفسها المسؤولية عنه .

و يمكن أن تكون أرملة بوشكي ، و هي التي تابعت بشكلٍ فردي القضية ، حقّقت نصراً لصالحها في قضية زوجها الراحل ، و إن لم يكن كاملاً ما دامت "إسرائيل" تعفي نفسها عن (مسؤولية) اغتياله ، و هي التي لم تنسَ تلك الليلة المريرة في ليلهامر .

و ليس هناك ما يشير إلى أن الأطراف التي استهدفها ذراع الموساد الطويلة قد تعلّمت دروساً من ليلة ليهامر تلك ، رغم أنها كانت في معظمها دروساً مجانية ، دفع ثمنها المرحوم بوشكي و وفّرتها يقظة شرطي نرويجي ناعس ..!

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech