موضوع خاص بموقع المجموعه 73مؤرخين ولا يجوز اعاده نقله او الاقتباس منه بدون الاشاره للكاتب والموقع كمصدر رئيسي كحق ادبي لمجهونا

   مستعيناً بالله ابدأ في كتابة موضوع عن أول رأس جسر يتم تنفيذه في التاريخ العسكري مع أن ذلك تم في فترة العصور الوسطي....إلا أنه تم تنفيذه بشكل يضاهي ما يحدث في الحروب الحديثة....و لولا أنه في ذلك الزمان لم تكن العسكرية علم - كعلوم الهندسة و الطب له نظريات و قواعد- لما كانوا تركوا تلك التجربة -حتي و إن كانت فاشلة- تمر دون فحص و درس.

اولا: شرح الوضع العام قبيل بدء تنفيذ العملية

الزمان....يونيو عام 1249....المكان.. مصر و تحديداً في مدينة دمياط

     مع وصول الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك لويس التاسع ملك فرنسا إلي الشواطئ المصرية...كان المصريين بقيادة الملك الصالح نجم الدين أيوب قد أعدوا العدة لملاقاة الغزو الصليبي وقد تولي قيادة الجيش الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ...و كان الهدف الرئيسي من وراء هذه الحملة هو القضاء علي مصر قلعة الدفاع عن المنطقة العربية بأسرها و ذلك حتي يمكنهم استرداد الشام و بيت المقدس بكل ثرواته.

     و مع نزول القوات الصليبية إلي الشاطئ بمدينة دمياط و بعد أن عسكروا هناك بدأوا بمباشرة الهجوم علي القوات المصرية هناك و قد ظن الأمير فخر الدين أن الملك الصالح قد وافته المنية -إذ كان قد عاد من دمشق محمولاً علي محفة بسبب شدة المرض و ذلك للتجهيز لصد الغزو- فأنسحب فوراً بقواته من أمام جيش لويس التاسع و أعاد تنظيم دفاعاته في مدينة المنصورة...و تقابل مع الملك الصالح الذي صاح فيه "أما قدرتم أن تقفوا أمام الفرنجة ساعة واحدة" و صارت مياه بحر اشموم هي الفاصل بين الجيشين (الجيش المصري شرق النيل و الجيش الصليبي غرب النيل).

و كنتيجة طبيعية لانسحاب الجيش المصري من دمياط قام جيش لويس التاسع بسلب و نهب كل ما هو في دمياط من بيوت و أموال و كذلك قاموا بالاستيلاء علي معدات القتال الثقيلة التي تركها المصريون عند الانسحاب.

ثانيا: حرب الاستنزاف

    اشتدت العلة والمرض علي الملك الصالح ثم وافته المنية و طوال تلك الفترة كانت زوجته الشجاعة شجر الدر هي من تدير شئون المعركة و استخدمت خاتم الملك لإصدار الأوامر كما أخفت خبر وفاته عن الجميع و قد طلبت من قادة الجيش و أمراء المماليك أن ينظموا فرقاً من العوامين للقيام بعبور بحر اشموم سباحة و القيام باعمال الإغارة علي مواقع الصليبيين...و بالفعل قامت تلك الجماعات بأعمال إغارة متكررة علي مواقع الصليبيين أثناء الليل و أعملت فيهم القتل و التخريب و كان من بين الحيل الطريفة التي يستخدمونها أنهم – العوامين- كانوا يقورون ثمرات البطيخ و يرتدونها فوق رؤوسهم و يعبرون النيل سباحة إلي الجانب الأخر و عندما يهم أحد جنود الصليبيين لالتقاط البطيخ كان يتلقفه الجندي المصري و يغرقه في البحر ثم يتسللون إلي داخل مواقعهم.

     في أثناء ذلك حاول الفرنجة بناء جسراً لكي تقوم قواتهم بالعبور عليه و احتلال الجانب الشرقي من بحر اشموم و احتلال المنصورة و من ثم التوجه إلي القاهرة و قد أمنوا البناء ببرجين حراسة يطلقان السهام علي كل من يحاول الاقتراب من الجسر....لكن كانت مجانيق المصريين لهم بالمرصاد..فكلما بنوا منه جزءاً إلا و يفاجئوا بأن السماء تمطر ناراً فوق رؤوسهم و تحرق و تدمر كل ما بنوه و كذلك عمالهم و مهندسيهم...و قد استحدث المصريون نوع من النيران التي تظل مشتعلة حتي عندما تلامس المياه و كان لها أبلغ الأثر في إحراق ما تم بناؤه و هي شبيهة بما هو معروف "النار الإغريقية"

     لم تستطع شجر الدر اخفاء أمر وفاة الملك طويلاً و قد انتشرت الشائعة بين القادة و الجنود حتي وصلت إلي مسامع قادة الفرنجة فارتفعت معنوياتهم و أيقنوا أن عليهم استغلال الموقف سريعاً...و بدأ العد التنازلي نحو المعركة الكبري.

ثالثاً: أول رأس جسر

    استمر الحال علي ما هو عليه حتي وصلنا لشهر فبراير من عام 1250 م ....و قد بدأ صبر لويس التاسع ينفذ...فالوقت يمر و أوروبا تنتظر أن يأتيها حاملاً تذكار من قلعة الجبل و إذ بالمفاجأة تأتيه من حيث لا يتوقع...إذ أقبل عليه رجلاً عربياً يحمل معلومة في منتهي الخطورة.

   الرجل كان يعرف مكان مخاضة ببحر اشموم- مكان ضحل يسهل اجتيازه بالخيول أو علي الأقدام- و بمجرد إدلاء الرجل بالمعلومة و قبض ثمنها...حتي أندفع شقيق الملك "دارتوا" إلي فرقته و جمع أفضل الفرسان و تحرك فوراً تجاه المخاضة و بدأ في اجتياز بحر اشموم و بمجرد أن وطات أقدام فرسه أرض المنصورة حتي عم الذعر و الهلع أرجاء المدينة...و فوجئ الأمير فخر الدين بهم فخرج لملاقاتهم بعدد صغير من جنده فسقطوا جميعا قتلي...و تقدموا تجاه القصر السلطاني.

    و بدأت تدور رحي المعركة الرهيبة داخل القصر السلطاني و كذلك في شوارع و أزقة المدينة...فقد قاتل المماليك داخل القصر ببسالة تفوق الوصف حتي قضي أحد قادتهم و هو ركن الدين بيبرس البندقداري علي دارتوا شقيق الملك لويس...و لم يكن الأهالي أقل بسالة من المماليك...فقد استقبلوا باقي الجنود الصليبيين الذيين عبروا المخاضة خير استقبال...فبمجرد أن احتلوا شوارع المدينة الهادئة و قد كان الهدوء الذي يسبق العاصفة حتي انتفض الأهالي و أعملوا فيهم القتل و الذبح بكل أداة كانت معهم...و تحولت المدينة إلي مجزرة لجنود الصليبيين.

      حاول الملك لويس التاسع استكمال بناء الجسر مستغلاً حالة الفوضي في المدينة و انشغال أهلها بالقتال مع جنود أخيه دارتوا...لكن ما أن وصلت أنباء المذبحة التي حدثت في ساحة القصر و شوارع المدينة إلي المهندسين و العمال الذين يعملون فوق الجسر حتي فرواً هاربين بعد أن كادوا يكملونه  و كذلك هرب لويس نفسه إلي فارسكور للاحتماء بها و لكن المماليك تبعوه و قضوا علي ما تبقي من قواته و سقط هو اسيراً و سجن في دار ابن لقمان و عتقت رقبته هو و من معه ب 800 ألف دينار.

الختام

     أحب أن أوضح في النهاية أن هذا ما هو إلا إعادة قراءة و تقييم لموقف عسكري حدث في فترة العصور الوسطي...و لكن علينا أن نعترف أن هذه المعركة بحق تستحق الدراسة الوافيه...بالرغم من كونها معركه دارت مما يزيد عن 760 عام لكنها شابهت أحدث معارك العصر الحديث....و أعود لأؤكد أنه لولا أن ذلك الزمان لم تكن فيه العسكرية علم يدرس كما هو الحال في أيامنا تلك....لصارت تلك المعركة أولي بالتدريس في كافة معاهد العالم العسكرية من أي معركة آخري في ذلك الزمان....فلأول مرة يتم استحداث أعمال فرق الفدائيين و الإغارة ...بالإضافة إلى موضوعنا الرئيسي و هو اقتحام الموانع المائية و اقامة رؤوس جسور.

و شكرا...

م/مينا يوسف

المصادر

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9

"وا اسلاماه" علي احمد باكثير

https://ia902308.us.archive.org/19/items/shagara/%D9%82%D8%B5%D8%A9%20-%20%D8%B4%D8%AC%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1.pdf

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D9%82