Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

موسوعة حرب الخليج الثانية - الجزء الاول


حرب الخليج اﻷولى - العراق يتحدى

 




لمواجهة التهديد العراقي باستخدام صواريخ سكود، نشرت امريكا 132 قاذف باتريوت حول الرياض و حول مناطق اخرى حساسة. كل قاذف يحوي 4 صواريخ. واحد مخصص لاسقاط الطائرات (وهو ما كان الهدف اﻷصلي لتصميم الباتريوت) و ثلاثة صواريخ اكثر تعقيدا لضرب الصواريخ. دخل الباتريوت الخدمة على المسرح الأوروبي عام 1985، و كان استخدامه بدأ يتطور تدريجيا نحو اعتراض الصواريخ عندما بدأت الحرب مع العراق.

شرق السعودية كان اهم هدف هو مطار الظهران العسكري. و كانت المنطقة محمية بخمس بطاريات - كل واحدة تتحكم بأربع قاذفات باتريوت:
1- فوكس تروت في مدينة الجبيل
2- اكو في مطار الملك فهد
3- دلتا في ميناء الدمام
4- برافو و الفا في مطار الظهران
5- تشارلي في البحرين

كل الطواقم كانوا في غاية الاستعداد و التوتر في اول 24 ساعة. و لكن ساعات التحديق في شاشات الرادار لم تسفر عن شيء. فلم تشاهد اي طائرة عراقية أو صاروخ خارج الحدود العراقية. انقطع حبل الانتظار في الساعة 3 فجر يوم 18 يناير عندما دوت صافرات الانذار في القاعدة و تبعها اعلان برصد اطلاق صاروخ سكود في العراق و انذار الجميع بلبس واقي الكيماوي و بدء ترتيبات الاشتباك مع الهدف. 

كان اسلوب الامريكان في رصد السكود العراقي ينتمي لحرب الفضاء، حيث تمركز قمران صناعيان فوق العراق و كل منهما مزود بتلسكوب يرصد الأشعة تحت الحمراء (المرتبطة بالحرارة). و بمجرد رصد الحرارة الكببرة من انطلاق صاروخ سكود، يرسل الساتل اشارة الى مركز الرصد في امريكا و الذي يرسلها اليا للرياض و البنتاغون. كان الملازم المناوب يعلم ان امامه 3-5 دقائق قبل وصول الهدف لشاشة الرادار امامه بسرعة اكبر من سرعة الصوت بعدة مرات.


مرت 3 دقائق، و بعدها 5 دقائق، و بعدها 10 دقائق، و لم يحصل شيء على شاشة الرادار. و تبين ان الصاروخ كان بعيدا ناحية الغرب و خارج مدى الرادار الخاص بالبطارية الفا. تنفس الطاقم الصعداء و جلسوا بانتظار صافرة انتهاء الخطر.

بعد ساعة و نصف ضرب الانذار السكون في القاعدة و هذه المرة لم يطل الانتظار، ظهر الهدف و كان يتقدم نحوهم بسرعة رهيبة. كان النظام معدا للعمل بشكل اوتوماتيكي بمجرد ان يلتقط الحاسوب الاشارة و يحسب مسار الصاروخ المتوقع. بحلق الملازم بلوحة التحكم الصامتة! توتر امر الكتيبة و طلب من ضابط الاطلاق التحول الى النظام اليدوي و الاطلاق فورا. و لكن قبل ان ينفذ اﻷمر كان الباتريوت قد انطلق اليا. يكفي لمعرفة حجم الضجيج ان نتذكر ان الباتريوت يتسارع من صفر لسرعة الصوت قبل ان يمر كامل الصاروخ من الفوهة. كان من المفروض ان ينفجر الباتريوت بجانب السكود مطلقا 300 شظية بحجم مكعب الثلج، و كل مكعب ثلج يحمل طاقة تصادم تماثل سقوط سيارة على الارض من 90 طابق. و كان اي خطأ في الحساب كفيل يعدم تدمير السكود كاملا.

خلال ثوان اختفى السكود من على شاشة الرادار و افاد الحاسوب ان الهدف قد دمر على اﻷرجح. احتفل الطاقم بهذا النصر و منح الجيش الكتيبة شرف اول اسقاط للسكود في الحرب.... قبل ان يسحب هذا الشرف بعد عام! فما الذي جرى؟



الحيقيقة ان لا احد يعلم مالذي اصابه الباتريوت. فلم يعثر على حطام الصاروخ. و لكن وقتها كان الجميع مقتنعا بنجاح الباتريوت و اعلن شوارتزكوف يعدها بساعات عن اعتراض ناجح. و بدأ ما يسمى بظاهرة السكود الشبح. حيث يظهر السكود على الرادار و يتم اطلاق صاروخ و يشير الحاسوب لاصابة و لكن بدون اي حطام.

لم يكن هذا هو اللغز الوحيد، فقد لاحظ الفنيون ان السكود العراقي:
1- اسرع من السكود السوفياتي بحوالي 40%.  
2- مقطعه الراداري اصغر
3- منحى سقوطه لولبي و ليس منحني بشكل قوس مثلما هو متوقع.
4- مقابل كل صاروخ واحد يكشفة القمر الصناعي، وجدت كتائب الدفاع الجوي عدة اشارات على الرادار و تم اطلاق صاروخ على كل منها.

كل هذا كان شأنا ثانويا احتاج عدة ايام من التفكير قبل الوصول لحل له، لكن كان هناك مشاكل اهم امام اﻷمريكان، فقد كان الانذار اﻷول - و الذي لم يرصد في السعودية - صحيحا، و كان الصاروخ المطلق نحو الغرب، باتجاه تل ابيب. فقد كان قرار صدام ان يرد الضربة اﻷمريكية بضرب اسرائيل، و التي لم يكن فيها باتريوت (عرض اﻷمريكان تزويد الاسرائيليين بباتريوت - بطواقم امريكية - قبل بدء الحرب لكن الصهاينى رفضوا). 

 

كان نصيب تل ابيب في تلك الليلة 6 صواريخ و حيفا اثنان. بمجرد التقاط الاشارة كان الامريكان يحسبون المسار و يقدرون مكان السقوط و يتم ابلاغ الاسرائيليين لتبدأ صافرات الانذار هناك.

جلس المطبخ السياسي في قلق، و كانت اول التقارير تشير الى التقاط بقايا مواد تستخدم كسلاح كيماوي في احد مواقع السقوط، و ان عدد سيارات الاسعاف في تل ابيب كبير جدا. كان القلق الأمريكي ليس من تأثير الهجوم العراقي، فحتى ضربة كيماوية بالكاد ستقتل 10-100 مواطن بسبب صغر حجم الرأس الحربي و الترتيبات الاسرائيلية. لكن الذعر كان من قيام اسرائيل بعمل مضاد مما قد يحرج العرب و يخرجهم من التحالف. تم طلب تل ابيب من البيت الأبيض و كانت الرسالة التالية:
"الخط المطلوب مشغول، يرجى المحاولة في وقت لاحق".

---------------------------

مع طلوع صبح اليوم الثالث من الحرب كانت المشاعر في كلا المعسكرين متضاربة. فمن جهة نجحت الضربة الافتتاحية اﻷمريكية بشكل ممتاز، و من جهة اخرى كان الرد العراقي مهما و ساهم في رفع معنويات بغداد و حلفاءها و بشكل خاص الشعوب العربية. فبكل بساطة قام العراق بفعل ما لم يتم تخيله و ضرب اسرائيل و هو اول عمل على هذا المستوى منذ حرب 1973.

كانت قيمة الضربة الصاروخية العراقية من الناحية العسكرية: صفر. فصاروخ سكود مدى الخطأ في اصابته حوالي كيلومتر واحد! و الرأس الحربي لا يزيد عن الف كيلو. و حتى لو تم تركيب رأس كيماوي فلن يحدث اي شيء امام جيش يتدرب على الحرب الكيماوية منذ 100 عام و في صحراء مفتوحة.  أو على دولة جبهتها الداخلية مؤهلة للتعامل مع هكذا تحدي كإسرائيل.

لكن التداعيات الاستراتيجية و السياسية كانت مقلقة جدا لو لم يتم احتوائها. فنظرية الردع الاسرائيلية تستند على القدرة على نقل المعركة ﻷرض العرب بسرعة. و أن أي ضربة عربية يجب الرد عليها فورا و بقوة لاستعادة الردع. و لكن هذا الرد سوف يحول الحرب من حرب لتحرير الكويت من غزو العراق لحرب بين اسرائيل و امركيا من جهة و العراق من جهة اخرى مما قد يخلق تصدعات في التحالف الذي امضى بوش 5 اشهر في بناءه. و بالتالي كان المطبخ السياسي اﻷمريكي متفقا: يجب منع اسرائيل بأي شكل من ضرب العراق بشكل مباشر.

تم تحقيق الاتصال  تل ابيب بعد عدة دقائق و تبين ان التقارير عن هجوم كيماوي كانت خاطئة. و طلب اﻷمريكان من تل أبيب الهدوء و تم الاتصال بالقاهرة و دمشق و الرياض لتنسيق المواقف.

لكن اسرائيل ليست بمن تهدئها الكلمات، فخلال دقائق اظهرت شاشات البنتاغون صعود 60 طائرة مقاتلة اسرائيلية للسماء. و لم تعرف واشنطن ان هذه طلعة اغارة على العراق او انها مجرد طلعة دفاعية من غارات محتملة للطيران العراقي. و اتصلت واشنطن بتل أبيب مرة اخرى لتأكيد التهدئة. فكان ان رد وزير الدفاع الاسرائيلي (موشيه ارين) بأن طلب مسارات واضحة للطيران الاسرائيلي لضرب غرب العراق و التنسيق مع الجيش اﻷمريكي في ذلك.

شعر بعض اعضاء المطبخ السياسي اﻷمريكي انهم لن يستطيعوا ردع الاسرائيليين اكثر من ذلك. فقد كان شامير صادقا معهم عندنا تعهد بعدم ضرب العراق استباقيا في شهر ديسمبر. و من ناحية الخطط كان من الممكن ترك المنطقة غرب خط طول 42 مفتوحة للاسرائيليين ليضربوا العراق هناك بدون احتمال الاشتباك مع اﻷمريكان. اراد الأمريكيون المماطلة، فقالوا للاسرائيليين (مثل هذا العرض يحتاج موافقة الرئيس اﻷمريكي مباشرة) و ذلك بهدف كسب الوقت. و في نفس الوقت تم الاتصال بالقيادة العسكرية للتحالف في الرياض و تم حثهم على ايلاء موضوع الصواريخ العراقية اكبر اهتمام ممكن (كان رد فعل شوارزكوف ببساطة: و ايه يعني؟ ما الجيش بتاعنا بيتضرب كمان. قلهم يجمدوا شوية بقى!). و في نفس الوقت اشتعل جدال في المطبخ اﻷمريكي من مدى جدوى السماح لإسرائيل بالتدخل في الحرب. "مالذي ستقدر اسرائيل على فعله و لا تستطيع امريكا ان تفعله في العراق؟".

عندها ورد اتصال من شامير، و أكد له اﻷمريكان - كاذبين - انهم يفعلون كل ما في وسعهم لضرب الصواريخ العراقية. و طلبوا منه ان يتحلى بالصبر و ان لا يقع في فخ صدام. لم يعطي شامير اي وعود بل قال انه سوف يستشير الحكومة و يعود لهم. انتهى الاتصال و بعدها بدقيقة اراد الامريكان استثمار موقف شامير و اتصلوا بوزير الدفاع الاسرائيلي! و لاحظ هنا كيفية ادارة الصراع السياسي حتى بين الحلفاء. و يجب ان نذكر ان العلاقات بين امريكا و اسرائيل كانت سيئة جدا بسبب ضغط اﻷمريكان الشديد على الاسرائيليين للجلوس لمؤتمر السلام مع العرب (و هو ما حصل مرة اخرى بنجاح هذه المرة بعد الحرب). اما على المستوى اﻷمني و العسكري فكان التعاون جيدا و العلاقات ودية. 

"نحن نشعر باﻷسف لما حصل. و لكن هذا طلب رسمي من جانبنا بعدم الرد" و لم يقبل حتى اقتراح الاسرائيليين بارسال قوات خاصة لغرب العراق لضرب الصواريخ. و بعد انهاء المكالمة، فكر الأمريكان انه ممكن ان يقترحوا على الاسرائيليين (لو فشلوا في اقناعهم بعدم ضرب العراق) بأن يضربوه بصاروخ اريحا بدل عمليات جوية او انزال قوات خاصة يجب ان تمر باﻷردن أو السعودية مماقد يسبب مشاكل كبيرة. على العموم بسبب الضربة غير الاسرائيليون سياستهم السابقة و وافقوا على طلب اطقم باتريوت امريكية و التي بدأ التحضير ﻷرسالها فورا. مع ابقاء طائراتهم في الجو و رفع حالة التأهب على الحدود مع لبنان و كذلك رفع حالة التأهب لأطقم السلاح النووي، للمرة الثالثة فقط في تاريخ الدولة العبربية.  

انتهت هذه الجولة الدبلوماسية بنجاح - حتى اﻷن و كان من حسن حظ التحالف ان الخسائر الاسرائيلية كانت قليلة لحد الدهشة: ابنية تكسر و اجهاتها، و مئات حالات الهلع و الصدمة و حقن النفس باﻷتروفين المضاد للهجوم الكيماوي. امور تافهة بمقاييس اي حرب. و جلس اعضاء المطبخ السياسي ينتظرون تطور اﻷحداث. و تم تقسيم العمل بين رجلين: تشيني يتفاهم مع الاسرائيليين و كولن باول يتفاهم مع شوارتزكوف حول موضوع صواريخ سكود العراقية. 

  بقي سؤال واحد مهم: ما العمل لو قام العراق بالضرب باستخدام الكيماوي او - و هو اﻷخطر - السلاح الجرثومي؟ في الحلقة القادمة نناقش هذه التفاصيل و معطيات هذا الاحتمال امام صانع القرار اﻷمريكي. 


Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech