Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

موسوعة حرب الخليج الثانية - الجزء الاول

 

تقدم لكم المجموعه 73 مؤرخين علي عده موضوعات متتابعه – موضوعا كبيرا وكاملا عن حرب الخليج الثانية التي دارت رحاها بدأا من 17 يناير 1990 وحتي 28 فبراير من نفس العام بهدف تحرير الكويت من الجيش العراقي والتي أطلق عليها اعلاميا

عاصفه الصحراء

وما نقدمه هنا بعيدا كل البعد عن الشق السياسي والعربي انما هي معلومات عسكرية تاريخيه عن معركه دارت في الوطن العربي منذ عده عقود من الزمن .

موضوع من إعداد وتجميع معلومات – محمد السيد زهير – العضو بقسم الدراسات العسكرية بالمجموعه 73 مؤرخين .

 

الضربة الجوية

 

تم افتتاح الحرب بضربة جوية و صاروخية مهولة. فقد كانت هذه أول حرب في العصر الحديث تدخلها امريكا و هي المبادرة بالهجوم و بعد استعداد دام ﻷشهر. و كان الخصم العراقي (حليف اﻷمس) قد سار بتصميم نحو تحدي الهيمنة اﻷمريكي على الخليج و محاولة الظهور كقوة اقليمية خارج النظام العالمي الجديد. و لم يسعف احد التردد في المناخ السياسي اﻷمريكي تجاه الحرب ( فقد اقرها الكونجرس بأغلبية صوتين فقط) في تقدير ان اﻷمر جد لا هزل. و لأخر لحظة اعتقد الجميع ان صوت العقل سوف يسود

و نبدأ بوصف الدفاعات الجوية العراقية

بني النظام الدفاعي العراقي (المعروف بالاسم Kari وهو عكس اسم العراق بالفرنسية) بأيد فرنسية و لكن العقيدة كانت روسية. تم تقسيم العراق لخمس قواطع عمليات للدفاع الجوي. و كل قاطع يعمل بشكل منفصل و يسيطر على اسراب للاعتراض الجوي، صواريخ ارض جو، و مدافع طائرات

القاطع اﻷول و مركزه قيادة الدفاع الجوي في بغداد و مركز اسناد في التاجي.
القاطع الثاني مركزه في مطار قرب الحدود اﻷردنية  عند نقطة ال H-3.
القاطع الثالث يفع الشمال (كركوك(.
القاطع الرابع (وادي الفرات(
و القاطع الخامس تم انشاؤه في الكويت (قاعدة علي السالم الجوية(. 

كل المراكز كانت مبنية من الخرسانة المسلحة و تحت اﻷرض بحوالي 10 امتار.

كل قاطع جوي كان يسيطر على 3-5 مراكز اعتراض جوي، 3-7 رادارات، و عشرات مواقع الصواريخ و مئات مواقع المدفعية م.ط و التي وصل مجموعها ل 7500 م.ط

تم إعادة تصميم الدفاعات الجوية العراقية بعد الغارة الإسرائيلية على المفاعل النووي في عام 1981. وهناك شبكة من الرادارات والصواريخ سطح-جو (SAM) ومدفعية مضادة للطائرات (AAA) تم تثبيت، تتركز أساسا حول المنشآت الاستراتيجية والصناعية في بغداد منطقة. مركز عمليات الدفاع الجوي الوطني (ADOC) في وسط بغداد تسيطر الدفاعات الجوية العراقية. الحفاظ على ADOC الصورة الجوية الشاملة في العراق والأولويات المحددة لالتعاقدات الدفاع الجوي. تابعة لهذا المرفق كانت مراكز عمليات القطاع (SOC)، والسيطرة على كل منطقة جغرافية محددة. تم توصيل SOC وADOC من قبل القيادة ونظام التحكم كاري الذي بنته فرنسا. يرتبط هذا، نظام محوسب حديث المخزون متنوعة من رادار السوفياتي والغربي وأسلحة الدفاع الجوي. وقدمت زائدة عن الحاجة C 2 القدرة.

لعبت القوة الجوية العراقية دورا يذكر في حرب الخليج عام 1991. صدام حسين يعتقد بوضوح أن الائتلاف لن يستطيع الحفاظ على جهد الهواء إلى ما بعد أربعة أو خمسة أيام، وبعد ذلك يستطيع العراقيون الخروج من مخابئهم والقتال.

وبالتالي، فإن بلوغ مبكر من التفوق الجوي تمكين قوات التحالف إلى عزل ساحة المعركة من قبل اعتراض خطوط إمداد العدو والمهينة القيادة والسيطرة الروابط. يسمح التفوق الجوي أيضا قوات التحالف للقيام بعمليات استطلاع والخداع العدواني والتحرش عبر الحدود ويفلت من العقاب. الحملة الجوية التحالف ارتدى بشكل كبير بانخفاض قدرة وإرادة الجيش العراقي للقتال. كانت القوات البرية العراقية حتى دمرت ومعنويات بحلول الوقت بدأت الحرب البرية التي كانت تفتقر إلى الإدانة للقتال من أجل ترابه الوطني، ناهيك عن الكويت.

 

في 3 سبتمبر 1996، حث الرئيس العراقي صدام حسين قواته للدفاع الجوي إلى تجاهل كل من جنوب وشمال مناطق حظر الطيران والهجوم "أي هدف الهواء من المعتدين". وهذا التهديد لا يقتصر على وجه التحديد إلى طائرات من القوات الامريكية وقوات التحالف. التهديد يمكن أن ينطبق أيضا على أي طائرة مدنية قد تحاول دخول المنطقة.

حتى بعد حرب الخليج عام 1991، الجيش العراقي لا يزال يملك مجموعة واسعة من الأسلحة المتطورة التي يحتمل أن يمكن استخدامها لمهاجمة الطائرات الطيران المدني التحليق فوق العراق على ارتفاعات المبحرة. وتشمل هذه الأسلحة الروسية- والطائرات المقاتلة والهجوم فرنسية الصنع يحملون المدافع وصواريخ جو-جو، وكذلك أنظمة الصواريخ الروسية ارض-جو. القيادة والسيطرة نظام دفاع جوي متكامل بناؤها جزئيا الجمع بين رادارات الإنذار المبكر والمراقبين البصري مع أسلحة متطورة.

 

منظمة الدفاع الجوي الاستراتيجي

 

كان يتألف نظام الدفاع الجوي العراقي الوطني المتكامل (IADS) من مركز عمليات الدفاع الجوي الوطني (ADOC) في بغداد وقطاعات الدفاع أربعة الجوية التالية:

وكان قطاع الدفاع الجوي 1ST، المعروف أيضا باسم قطاع الدفاع الجوي الوسطى، مركز قطاع العمليات (SOC) في التاجي وعمليات اعتراض مراكز (شركات النفط العالمية) في التاجي، آل Taqqadum، سلمان باك، الكوت، النجف، والنخيب .

 

وكان قطاع الدفاع الجوي 2D، المعروف أيضا باسم قطاع الدفاع الجوي الغربية، وهي شركة نفط الجنوب في H-3 مطار، مع شركات النفط العالمية في H-1 مطار، H-3 مطار، وهارون الرطبة.

 

وكان قطاع الدفاع الجوي 3D، والمعروف أيضا باسم قطاع الدفاع الجوي جنوب، وشركة نفط الجنوب في طليل مطار، وشركات النفط العالمية التي هي في طليل، آل Amraah، وسلمان، والزبير.

 

وكان قطاع الدفاع الجوي 4TH، المعروف أيضا باسم قطاع الدفاع الجوي الشمالية في شركة نفط الجنوب في كركوك، مع شركات النفط العالمية في كركوك والموصل.

 

الحفاظ على ADOC بغداد الصورة الجوية الشاملة ويحدد أولويات التعاقدات الدفاع الجوي. كانت SOCs تابعة لعمليات الدفاع الجوي ADOC والسيطرة في منطقة جغرافية محددة. وSOCs توجيه عمليات الطائرات الاعتراضية العراق، groundbased أنظمة أسلحة الدفاع الجوي وأنظمة المراقبة، والقيادة والسيطرة، والأصول الاتصالات. قدمت شركات النفط العالمية السيطرة الدفاع الجوي المحلية.

 

يستخدم العراق كاري IADS، نظام القيادة والسيطرة والاتصالات وزودت الفرنسية الانتهاء منها في 1986-1987. (كاري هو العراق وردت إلى الوراء في الفرنسية.) كاري هي مزيج من التقنيات من دول مختلفة مع التكامل مؤكد. وكان كاري طغت بسرعة عن طريق عمليات جوية لقوات التحالف خلال حرب الخليج 1990-1991 لعدة أسباب. أولا، كان كاري الهرمي للغاية، حتى أنه عندما تم تدمير SOCs أو ADOC، وكانت غير قادرة على العمل بفعالية شركات النفط العالمية. أيضا، فإن الكثير من الاتصالات، ومعالجة البيانات، وبرامج للدفاعات الجوية المتكاملة (IADs) لم تكن على مستوى هذه المهمة من هزيمة الحملة الجوية الحديثة، الغربية بنجاح.

 

حدثت بعض التحسينات لكاري منذ ذلك الحين على الرغم من العقوبات، وعلى الأخص استخدام كابلات الألياف البصرية الصينية لتحسين الاتصال بين مختلف العقد الدفاع الجوي. ودفعت هذه التحسينات الولايات المتحدة لإجراء عمليات الاضراب ضد نظام الدفاع الجوي العراقي في فبراير 2001.

 

تم تعيين كل قطاع الدفاع الجوي عدة كتائب تحذير والسيطرة التي كانت مسؤولة عن تشغيل observ البصري

كان العراقيون يعلمون بالخطة الأمريكية لافتتاح الحرب بالضربة الجوية. و كان القرار هو ببساطة الصمود و الدفاع بشكل سلبي حتى تنتهي الضربة (التي تصوروها لن تزيد عن اسبوعين). و كان هناك اقتناع ان الملاجئ العراقية ستحمي القوة الجوية العراقية حتى انجلاء غبار ضربة الافتتاح. و كانت الخطة ان تستثمر المقاتلات الجوية العراقية السريعة (الميراج و الميغ 25 ) في اصطياد اي طائرة امريكية في مرحلة حرجة (اصابة او نقص وقود او نقص ذخيرة(.  
لا يمكن الحديث عن خطة الضربة الجوية و فلسفتها دون الحديث عن العقيد جون واردن الثالث
Col. John Warden III. فقد تم تكليف هذا الرجل في شهر 8 \ 1990 (قبل الحرب ب 5 اشهر) بإعداد خطة مبدئية للعملية الجوية. 

 

هذا الاختيار لو تم معرفته وقتها من قبل العراقيين لكان من الممكن أن يخمنوا شكل العملية الجوية! فالعقيد واردن من انصار مدرسة القصف الاستراتيجي و التركيز على مفاصل الدولة لتركعيها قبل التعامل مع الجيش، بل انه الف كتابا في المجال. و هذه المدرسة تعرضت لسنوات من الفشل في الحرب العالمية الثانية و فيتنام. و كان السبب في ذلك تقني: عدم وجود قنابل موجهة بشكل كاف، و سبب ثقافي: فقد اعتاد ضباط الجيوش البرية و المار ينز على سماع القوات الجوية وهي تسرف في الوعود. لكن الواقع انه لا القصف الجوي المركز على ألمانيا (سنتين لم تنجح إيقاف الصناعة اﻷلمانية أو حتى إبطائها) و اليابان و الفيتنام قد اوفى بالوعد. 

 

بينما تغير الشرط التكنولوجي بتوفر القاذفات الشبحية و قذائف الليزر التي تتبع مبدأ (قذيفة = تدمير هدف) بقي الشك العميق من الجيش و البحرية من الوعود التي قدمتها القوات الجوية. 

قام واردن برسم خمس دوائر متداخلة امام فريق عمله:

 

الدائرة المركزية: القيادة العراقية

الدائرة الثانية: الصناعات النفطية و الكهرباء

الدائرة الثالثة: البنية التحتية للدولة العراقية

الدائرة الرابعة: الشعب العراقي

الدائرة الخامسة: الجيش. 

 

و كانت الفكرة انه في دولة مركزية مثل العراق. يمكن ان تحسم الحرب بضرب الدوائر المركزية (الغير مهيئة للتعامل مع عمل جوي) بدل التركيز على الجيش. و تم وضع خارطة عملاقة لبغداد و بجانبها خارطة كبيرة لواشنطن و تم اختيار اهداف حساسة في العاصمة العراقية و ما يماثلها في واشنطن حتى يسهل بيع الخطة للجيش و المار ينز. 

 

اعجبت الخطة شوارتزكوف و تم طلب توسيعها و تم دعوة العقيد و اردن للرياض للاجتماع بقادة القوات على اﻷرض. عرض واردن الخطة التي تعتمد على 670 طائرة و بواقع 1000 غارة كل يوم لمدة 6 ايام لضرب مراكز ثقل الدولة العراقية. و كان هناك اعتراف بأن قدرة العراق الصاروخية و أسلحة الدمار الشامل ستكون مشكلة. 

 

لم تعجب الخطة القادة اﻷمريكيين في الرياض، و توالت التعليقات عن كونها نظرية و تعد بالكثير دون سند عملي. و كان السؤال القاتل من لواء طيار عن وجود فرق عراقية مدرعة في الكويت، و ماذا سوف تفعل لو اختار صدام الهجوم؟ رد العقيد واردن: "سيدي، لا اظن انهم سوف يهاجمون، انت تركز كثيرا على الدفاع". صدم الحضور من هذه السهوة. فلا يجوز ان يتكلم العقيد مع اللواء بهذا الأسلوب. و اعتذر العقيد و لكن الضرر كان قد وقد. فقد طلب اللواء من اعضاء فريق العمل المساند البقاء واحدا واحدا و لم يدع العقيد واردن للبقاء في الرياض! 

هذه المصيبة كانت كفيلة يتدمير فلسفة الخطة، لكن ابقاء فريق العمل المخلص لواردن انقذها من هذا. و تم توسيع اﻷهداف الاستراتيجية من 48 الى 386 و ثم الى 700. و تم مضاعفة عدد الطائرات. 

 

المعلومات الاستخبارية تراوحت في دقتها بين ممتاز جدا (مثل المعلومات عن الدفاع الجوي) الى سيء جدا (المعلومات عن البرنامج النووي العراقي و صواريخ سكود). و تم اضافة اهداف تشمل الدفاع الجوي العراقي بناء على اصرار المار ينز و تم استهداف فرقة توكلنا على الله بناء على طلب من شوارتزكوف لتكون نذيرا للحرس الجمهوري بحجم الجحيم القادم. 


 

 

 

عمليات اليوم اﻷول يمكن تقسيمها لخمس مجموعات:

 

 

 

1- ضربة بصواريخ توماهوك من بحر العرب. و بعض هذه الصواريخ تسمى Kit 2 و التي تنفجر في الجو ملقية الياف موصلة للكهرباء تقوم بتعطيل الشبكة الكهربائية في العراق بدون تدمير المنشأت نفسها. كان استخدام هذا السلاح السري مثال جدل بسبب الخوف من اكتشاف التكنولوجيا البسيطة من الروس مما يعرض الشبكة الكهربائية اﻷمريكي للخطر في حال وقوع حرب معهم! تم استهداف محطة كهرباء بيجي و الدورة و التاجي و  سلمان باك (ظنها اﻷمريكان منشأة بيولوجية) و محطات اخرى ذلك اليوم و غرق العراق في الظلام. بعض الصواريخ استهدفت القصور الرئاسية و مقار حزب البعث (المجموع 116 صاروخ في اول 24 ساعة)

2- ضربة بالطائرات المروحية على رادارات الانذار المبكر غرب العراق. نجحت اﻷباتشي في تدمير كل اهدافها لكن العراقيين اوصلوا جملة واحدة للقيادة: "نحن نتعرض للهجوم". هذه الرادارات كانت توفر انذارا للعراقيين باقتراب اي طائرة مغيرة من الغرب و الجنوب قبل وصولها ب 20 دقيقة.

3- غارة لرصد و تدمير الصواريخ العراقية غرب بغداد باستخدام دزينتين من طائرات F-15E و طائرات التورنيدو. مع طائرات تشويش على الرادار EF-111

4- غارة على بغداد و ضواحيها بطائرات الشبح (تنطلق من قاعدة خميس مشيط على البحر اﻷحمر). لضرب مركز الدفاع الجوي في النقيب و مرافق اخرى مثل مركز الاتصالات الدولي و مركز اتصالات الكرخ (10 قاذفات شبحية) و تم ايضا استهداف مركز الدفاع الجوي في التاجي. القنابل الليزرية المستخدمة تحتاج 10 ثوان من التوجيه من الطيار. و لكن كان هذا صعبا في بعض اﻷحيان بسبب المقاومة الشديدة من الدفاع الجوي العراقي الذي تم تنبيهه بالمكالمة اليتيمة من مركز الانذار المبكر.

ذكرنا حتى اﻷن 4 مكونات من ضربة الافتتاح. و بعد انتهاء الساعة اﻷولى كانت تبدو اﻷمور مشجعة للتحالف، فقد تم ضرب كل المواقع المطلوبة في الساعة اﻷولى (دون خسائر). كان هناك شكوك في دقة اصابة بعض طائرات الشبح و فيما كان تعطل الكهرباء في العراق ناتجا عن صواريخ التوماهوك ام ان العراقيين قرروا قطع الكهرباء بأنفسهم. و في نفس الوقت لا يزال العراق بوضع جيد و الخسائر طفيفة. فلم تنجح الضربة في اصابة اي من القيادات العراقية. و كل الاعطال و الاضرار (باستثناء رادارات الانذار المبكر) من الممكن تجاوزها. اﻷهم من ذلك ان شبكة الدفاع الجوي بقيت متماسكة و اظهرت بعضا من قدراتها في التحرش بطائرات الشبح لدرجة عدم القدرة على توجيه القذائف نحو الهدف. فوق ذلك لم يكن مطلوبا و لا متوقعا من الدفاع الجوي العراقي التعامل مع الطائرات الشبحية او صواريخ التوماهوك. بل المفروض ان يجلس و ينتظرالفريسة اﻷهم: طائرات العدو و قاذفاته التقليدية التي كانت في الطريق نحو المواجهة مع عودة طائرات الساعة اﻷولى. فكيف تم تدمير منظومة الدفاع الجوي العراقي خلال الساعات القادمة بما افقد العراق السيطرة الجوية بأبخس اﻷثمان؟

-----------------------


تم مناقشة فلسفة الهجوم الجوي الذي قرر التحالف شنه على العراق. و كيف ان الاستراتيجية هي التركيز على مفاصل الدولة و حرمان الجيش العراقي من التموين و ضرب مرافق الدولة قبل ضرب الجيش. و كيف ان ضربة الافتتاح اشتملت على ضرب محطة الرادار المبكر غرب العراق و عدة اهداف استراتيجية باستخدام صواريخ توماهوك و طائرات الشبح. و هذه الضربات بطبيعة الحال تمثل ما يقارب من شكة الدبوس لدولة كبيرة و جيش كبير كالجيش العراقي. و كان كل افراد الدفاع الجوي العراقي - و اﻷمريكي - ينظرون بمشاعر متضاربة نحو كم الطائرات الهائلة التي تبدو متجهة نحو العراق و الظاهرة على شاشات الطرفين! اسراب كاملة من طائرات
F15 و F16 و F-18 و B52 و F111 و  A6 و  التورنيدو بمجموع الف طائرة في ذلك اليوم العصيب. تساندها 4 طائرات اﻷواكس و عشرات طائرات التزويد بالوقود الموجودة فوق الأراضي السعودية.



 

هذه "الارمادا" من الطائرات كانت تهدف الى:

1- ضرب المزيد من اﻷهداف الاستراتيجية.

2- اكتساح منظومة الدفاع الجوي العراقي.

3- صيد الطائرات المقاتلة العراقية التي قد تخرج لاعتراض الطائرات المغيرة (أوكلت هذه المهمة لطائرات 
F15C التابعة للسرب 53 التكتيكي و تم منع طائرات البحرية اﻷمريكية من طراز F14 من المشاركة في هذه المهمة بسبب ضعف قدراتها على التمييز بين الطائرات الصديقة و العدو من مسافة بعيدة، و هو مثال من قصص كثيرة عن الاحتكاك بين افرع الجيش اﻷمريكي).

4- ضرب صواريخ سكود الموجودة غرب العراق و الغاء تهديدها لاسرائيل.

5- "زيارة" فرق الحرس الجمهوري المدرعة و ضربها.

و كما يعرف اي متابع، فهذه اكثر مراحل العمل الجوي حراجة: فشبكة الدفاع الجوي لا تزال متكاملة، و احتمال حصول الاخطاء من قبل القوات المغيرة كبير. و حتى العمليات العسكرية الناجحة مثل حرب 1967 للجانب الاسرائيلي و غزو النورماندي تم فيهما خسارات كبيرة في سلاح الجو في اليوم الأول (40 طائرة اسرائيلية و 117 طائرة لغير الحلفاء على الترتيب). و اي "مذبحة" لسلاح الجو قد تنعكس على المزاج الشعبي اﻷمريكي المتردد اصلا في خوض الحرب و قد تدفع شوارتزكوف لهجوم بري مبكر.

اضافة لذلك ان الغارة ليلية. و الطيران الليلي اخطر نسبيا من طيران النهار حتى في المراحل التدريبية. و تجد انه حتى في جيش متقدم كالجيش اﻷمريكي يكون هناك اقتصاد في التدريب الليلي. و نضيف لذلك ان الكثير من الطيارين (و بعضهم طار اكثر من 2000 ساعة) يخوض معركة بهذا الشكل ﻷول مرة. و كان الاتفاق ان يتم تقسيم السرب لنصف نهاري و نصف ليلي. و صارت مشكلة كبيرة كون السرب الليلي يعني ان تكون يقظا في الليل و تنام - و هنا المشكلة - في النهار وسط ضجيج القاعدة الجوية. و صار الطيارون يلجأون للعقاقير المنومة و المنشطة لدرجة ان طبيب السرب نبه القائد لهذا و تم منعها باﻷمر العسكري و مع تكثيف التدريب قبل الهجوم بدأت الاحتكاكات تزداد بين الطرفين.

و بالعودة للمعركة الجوية، فقد انتبه ضباط الرادر العراقيون لما يشبه السرب من الطائرات المغيرة على شاشة الرادار. و تم فتح رادارات التتابع - و التي تكون مقفلة خوفا من كشفها و استهدافها - من اجل اسقاط هذه الاهداف. و شعر العراقيون بالفرح عندما بدأت التقارير عن اسقط عدة اهداف بصواريخ السام بكفاءة ممتازة.

هذا الفرح و الاحتفال لم يطل طويلا، فقد تبين ان هذه الاهداف لم تكن طائرات، بل كانت درونات! فقد استخدم اﻷمريكيون طائرات بدون طيار من طراز
BQM-74 و التي كانت مبرمجة لتطير اليا نحو بغداد و تزويد جسمها بعواكس تجعلها تبدو بحجم الطائرة على الرادار. و على مسافة 3 دقائق خلفها كانت 70 طائرة تطير و تنتظر ان يفتح العراقيون راداراتهم لاستهدافها مباشرة. و كانت هذه القوة تطير تحت الصمت الراداري حتى لا تنكشف الخطة باستثناء كلمة السر (ماغنوم) لاطلاق صواريخ الهارم (استخدم البريطانيون نظام اكثر تطورا اسمه ALARM). و باطلاق 200 صاروخ تم تعيينها على الرادارات العراقية بعد كشفها بهذا الشكل المخزي تم تحييد الدفاع الجوي العراقي الذي كلف المليارات و سنوات من التجهيز. و صار للعراق بطاريات سام و مضادات طائرات تعمل بشكل مستقل و منعزل مما اضعف الدفاع الجوي كثيرا.

المحزن في اﻷمر ان الاسرائيليين استخدموا نفس اﻷسلوب بالضبط عام 1982 لتدمير الدفاع الجوي السوري في البقاع. فكيف فات على العراقيين تعلم العبر من ذلك الهجوم؟ و حتى لو قلنا ان العداوة بين الطرفين منعت ان يرسل العراقيون وفدا للاطلاع  على دروس المواجهة (كما تفعل الجيوش المحترمة) الم يكن من الممكن تعلم هذه الدروس من الروس أو حتى من خلال الرصد و التجسس؟ فعلا امر محزن ان الدفاع الجوي لجيش عربي قوي تم تكسيحة للمرة الثالثة خلال ساعات في 25 عام. مرة لمصر و مرة لسوريا و مرة للعراق.

و لم تنته غارات تلك الليلة بعد، فبعد الهجوم اﻷول بطائرات الشبح (و الذي تم ايضا بصمت راداري كامل) اتت موجتان اخرتان: اﻷولى من 8 طائرات و الثانية من 12 طائرة. و الاهداف كانت مشابهة للضربة الشبحية اﻷولى: مقرات الدفاع الجوي و القواعد الجوي و المقر الرئاسي في ابو غريب و مواقع كيماوية و مخازن سلاح. و قد استخدم العراقيون المدفعية المضادة و الصواريخ بدون اي تقييد. و كانت تعبيرات الصدمة ظاهرة على وجوه طيارين الشبح و هم يطيرون بين الحياة و الموت بين نيران المدفعية المحيطة بهم من كل جانب دون ان تراهم (البصمة الرادراية للشبح قد تظهر على شاشة الرادار للحظات قبل ان تختفي) و كان من الصعب في هذه الظروف تأمين عشر ثوان من الطيران الثابت لتوجيه قنابل الليزر اﻷمر الذي جعل دقة اﻹصابة اقل من 50%. و لنا ان تخيل المشهد لو عرفنا ان كل طائرة في السرب عادت لقواعدها و هي تظن انها الوحيدة التي نجت في ذلك اليوم العصيب! لكن الحظ كان الى جانبهم و لم يخسر الامريكان اي طائرة شبحية في تلك الليلة. بل من الف غارة في ضربة الافتتاح فقد اﻷمريكيون طائرة واحدة فقط و كانت من طراز
F18 ، نجح طيار Mig25 عراقي بالتسلل بين نطاق تغطية طائرتي اواكس (و كل طائرة ظنته يتبع قطاع الثانية و لمح اطلاق صاروخ هارم و تمكن من اصطياد الطائرة المطلقة. و هذه كانت اكبر فرصة للعراق في ايذاء العدو و قد ضاعت. 

جاء بعدها دور ال
B52. و كانت اول غارة لهذه الطائرة الفذة منذ حرب فيتنام. تم تكيفها بضرب 4 مطارات و قام البريطانيون بضرب مطاري الأسد و التقدم. البحرية الأمريكية ضربت منشأة تصليح للمقاتلات العراقية و قامت طائرات A-6 بضرب منشأة سكك الحديد في البصرة، و قامت قوات الجيش و البحرية و القوات الجوية السعودية بضرب مطار الشعيبة في الكويت (مجموع 38 طائرة) و قامت طائرات F111 بضرب مخازن الكيماوي قرب قاعدة ال H3 و سلمان باك و الديوانية. و تم ضرب ابراج التحكم في مطارات الجلبة و بلد في جنوب العراق و مطارات على سالم و احمد الجابر في الكويت.

طبعا الجانب اﻷمريكي واجه مشاكل كثيرة بدوره: قنابل لم تنطلق، طائرات عادت بسبب اعطال، نسبة اصابة ضعيفة بسبب المقاومة العراقية او اخطاء الطيارين. اخطاء الطيارين في التعامل مع الدفاع الجوي العراقي (اطلاق فلاشات التموية الحراري لتحييد الصواريخ العراقية بشكل خاطئ اصاب بعض الطياريين بالعمى لعشرة ثوان كاملة كادت فيه طائراتهم ان تسقط!).

و لكن هذا لم يغير الصورة كثيرا. مع اطلالة فجر 17 يناير. كانت الحرب الجوية في حكم المحسومة و هي ثاني حرب يخسرها العرب في ضربة الافتتاح. و تبعات سوء التخطيط العراقي على المستوى العملياتي سوف يدفع ثمنها العراق جيشا و شعبا لخمسة اسابيع من القصف. من الرياض اتصل شوارتزكوف بكولين باول في واشنطن و قال له اﻷخبار الخارقة. و لكنه قال له: ننتظر رد الفعل العراقي. فماذا كان في جعبه العراق من سهام ليرد على الهجوم اﻷمريكي الكاسح؟
----------------------------------



حرب الخليج اﻷولى - العراق يتحدى

 




لمواجهة التهديد العراقي باستخدام صواريخ سكود، نشرت امريكا 132 قاذف باتريوت حول الرياض و حول مناطق اخرى حساسة. كل قاذف يحوي 4 صواريخ. واحد مخصص لاسقاط الطائرات (وهو ما كان الهدف اﻷصلي لتصميم الباتريوت) و ثلاثة صواريخ اكثر تعقيدا لضرب الصواريخ. دخل الباتريوت الخدمة على المسرح الأوروبي عام 1985، و كان استخدامه بدأ يتطور تدريجيا نحو اعتراض الصواريخ عندما بدأت الحرب مع العراق.

شرق السعودية كان اهم هدف هو مطار الظهران العسكري. و كانت المنطقة محمية بخمس بطاريات - كل واحدة تتحكم بأربع قاذفات باتريوت:
1- فوكس تروت في مدينة الجبيل
2- اكو في مطار الملك فهد
3- دلتا في ميناء الدمام
4- برافو و الفا في مطار الظهران
5- تشارلي في البحرين

كل الطواقم كانوا في غاية الاستعداد و التوتر في اول 24 ساعة. و لكن ساعات التحديق في شاشات الرادار لم تسفر عن شيء. فلم تشاهد اي طائرة عراقية أو صاروخ خارج الحدود العراقية. انقطع حبل الانتظار في الساعة 3 فجر يوم 18 يناير عندما دوت صافرات الانذار في القاعدة و تبعها اعلان برصد اطلاق صاروخ سكود في العراق و انذار الجميع بلبس واقي الكيماوي و بدء ترتيبات الاشتباك مع الهدف. 

كان اسلوب الامريكان في رصد السكود العراقي ينتمي لحرب الفضاء، حيث تمركز قمران صناعيان فوق العراق و كل منهما مزود بتلسكوب يرصد الأشعة تحت الحمراء (المرتبطة بالحرارة). و بمجرد رصد الحرارة الكببرة من انطلاق صاروخ سكود، يرسل الساتل اشارة الى مركز الرصد في امريكا و الذي يرسلها اليا للرياض و البنتاغون. كان الملازم المناوب يعلم ان امامه 3-5 دقائق قبل وصول الهدف لشاشة الرادار امامه بسرعة اكبر من سرعة الصوت بعدة مرات.


مرت 3 دقائق، و بعدها 5 دقائق، و بعدها 10 دقائق، و لم يحصل شيء على شاشة الرادار. و تبين ان الصاروخ كان بعيدا ناحية الغرب و خارج مدى الرادار الخاص بالبطارية الفا. تنفس الطاقم الصعداء و جلسوا بانتظار صافرة انتهاء الخطر.

بعد ساعة و نصف ضرب الانذار السكون في القاعدة و هذه المرة لم يطل الانتظار، ظهر الهدف و كان يتقدم نحوهم بسرعة رهيبة. كان النظام معدا للعمل بشكل اوتوماتيكي بمجرد ان يلتقط الحاسوب الاشارة و يحسب مسار الصاروخ المتوقع. بحلق الملازم بلوحة التحكم الصامتة! توتر امر الكتيبة و طلب من ضابط الاطلاق التحول الى النظام اليدوي و الاطلاق فورا. و لكن قبل ان ينفذ اﻷمر كان الباتريوت قد انطلق اليا. يكفي لمعرفة حجم الضجيج ان نتذكر ان الباتريوت يتسارع من صفر لسرعة الصوت قبل ان يمر كامل الصاروخ من الفوهة. كان من المفروض ان ينفجر الباتريوت بجانب السكود مطلقا 300 شظية بحجم مكعب الثلج، و كل مكعب ثلج يحمل طاقة تصادم تماثل سقوط سيارة على الارض من 90 طابق. و كان اي خطأ في الحساب كفيل يعدم تدمير السكود كاملا.

خلال ثوان اختفى السكود من على شاشة الرادار و افاد الحاسوب ان الهدف قد دمر على اﻷرجح. احتفل الطاقم بهذا النصر و منح الجيش الكتيبة شرف اول اسقاط للسكود في الحرب.... قبل ان يسحب هذا الشرف بعد عام! فما الذي جرى؟



الحيقيقة ان لا احد يعلم مالذي اصابه الباتريوت. فلم يعثر على حطام الصاروخ. و لكن وقتها كان الجميع مقتنعا بنجاح الباتريوت و اعلن شوارتزكوف يعدها بساعات عن اعتراض ناجح. و بدأ ما يسمى بظاهرة السكود الشبح. حيث يظهر السكود على الرادار و يتم اطلاق صاروخ و يشير الحاسوب لاصابة و لكن بدون اي حطام.

لم يكن هذا هو اللغز الوحيد، فقد لاحظ الفنيون ان السكود العراقي:
1- اسرع من السكود السوفياتي بحوالي 40%.  
2- مقطعه الراداري اصغر
3- منحى سقوطه لولبي و ليس منحني بشكل قوس مثلما هو متوقع.
4- مقابل كل صاروخ واحد يكشفة القمر الصناعي، وجدت كتائب الدفاع الجوي عدة اشارات على الرادار و تم اطلاق صاروخ على كل منها.

كل هذا كان شأنا ثانويا احتاج عدة ايام من التفكير قبل الوصول لحل له، لكن كان هناك مشاكل اهم امام اﻷمريكان، فقد كان الانذار اﻷول - و الذي لم يرصد في السعودية - صحيحا، و كان الصاروخ المطلق نحو الغرب، باتجاه تل ابيب. فقد كان قرار صدام ان يرد الضربة اﻷمريكية بضرب اسرائيل، و التي لم يكن فيها باتريوت (عرض اﻷمريكان تزويد الاسرائيليين بباتريوت - بطواقم امريكية - قبل بدء الحرب لكن الصهاينى رفضوا). 

 

كان نصيب تل ابيب في تلك الليلة 6 صواريخ و حيفا اثنان. بمجرد التقاط الاشارة كان الامريكان يحسبون المسار و يقدرون مكان السقوط و يتم ابلاغ الاسرائيليين لتبدأ صافرات الانذار هناك.

جلس المطبخ السياسي في قلق، و كانت اول التقارير تشير الى التقاط بقايا مواد تستخدم كسلاح كيماوي في احد مواقع السقوط، و ان عدد سيارات الاسعاف في تل ابيب كبير جدا. كان القلق الأمريكي ليس من تأثير الهجوم العراقي، فحتى ضربة كيماوية بالكاد ستقتل 10-100 مواطن بسبب صغر حجم الرأس الحربي و الترتيبات الاسرائيلية. لكن الذعر كان من قيام اسرائيل بعمل مضاد مما قد يحرج العرب و يخرجهم من التحالف. تم طلب تل ابيب من البيت الأبيض و كانت الرسالة التالية:
"الخط المطلوب مشغول، يرجى المحاولة في وقت لاحق".

---------------------------

مع طلوع صبح اليوم الثالث من الحرب كانت المشاعر في كلا المعسكرين متضاربة. فمن جهة نجحت الضربة الافتتاحية اﻷمريكية بشكل ممتاز، و من جهة اخرى كان الرد العراقي مهما و ساهم في رفع معنويات بغداد و حلفاءها و بشكل خاص الشعوب العربية. فبكل بساطة قام العراق بفعل ما لم يتم تخيله و ضرب اسرائيل و هو اول عمل على هذا المستوى منذ حرب 1973.

كانت قيمة الضربة الصاروخية العراقية من الناحية العسكرية: صفر. فصاروخ سكود مدى الخطأ في اصابته حوالي كيلومتر واحد! و الرأس الحربي لا يزيد عن الف كيلو. و حتى لو تم تركيب رأس كيماوي فلن يحدث اي شيء امام جيش يتدرب على الحرب الكيماوية منذ 100 عام و في صحراء مفتوحة.  أو على دولة جبهتها الداخلية مؤهلة للتعامل مع هكذا تحدي كإسرائيل.

لكن التداعيات الاستراتيجية و السياسية كانت مقلقة جدا لو لم يتم احتوائها. فنظرية الردع الاسرائيلية تستند على القدرة على نقل المعركة ﻷرض العرب بسرعة. و أن أي ضربة عربية يجب الرد عليها فورا و بقوة لاستعادة الردع. و لكن هذا الرد سوف يحول الحرب من حرب لتحرير الكويت من غزو العراق لحرب بين اسرائيل و امركيا من جهة و العراق من جهة اخرى مما قد يخلق تصدعات في التحالف الذي امضى بوش 5 اشهر في بناءه. و بالتالي كان المطبخ السياسي اﻷمريكي متفقا: يجب منع اسرائيل بأي شكل من ضرب العراق بشكل مباشر.

تم تحقيق الاتصال  تل ابيب بعد عدة دقائق و تبين ان التقارير عن هجوم كيماوي كانت خاطئة. و طلب اﻷمريكان من تل أبيب الهدوء و تم الاتصال بالقاهرة و دمشق و الرياض لتنسيق المواقف.

لكن اسرائيل ليست بمن تهدئها الكلمات، فخلال دقائق اظهرت شاشات البنتاغون صعود 60 طائرة مقاتلة اسرائيلية للسماء. و لم تعرف واشنطن ان هذه طلعة اغارة على العراق او انها مجرد طلعة دفاعية من غارات محتملة للطيران العراقي. و اتصلت واشنطن بتل أبيب مرة اخرى لتأكيد التهدئة. فكان ان رد وزير الدفاع الاسرائيلي (موشيه ارين) بأن طلب مسارات واضحة للطيران الاسرائيلي لضرب غرب العراق و التنسيق مع الجيش اﻷمريكي في ذلك.

شعر بعض اعضاء المطبخ السياسي اﻷمريكي انهم لن يستطيعوا ردع الاسرائيليين اكثر من ذلك. فقد كان شامير صادقا معهم عندنا تعهد بعدم ضرب العراق استباقيا في شهر ديسمبر. و من ناحية الخطط كان من الممكن ترك المنطقة غرب خط طول 42 مفتوحة للاسرائيليين ليضربوا العراق هناك بدون احتمال الاشتباك مع اﻷمريكان. اراد الأمريكيون المماطلة، فقالوا للاسرائيليين (مثل هذا العرض يحتاج موافقة الرئيس اﻷمريكي مباشرة) و ذلك بهدف كسب الوقت. و في نفس الوقت تم الاتصال بالقيادة العسكرية للتحالف في الرياض و تم حثهم على ايلاء موضوع الصواريخ العراقية اكبر اهتمام ممكن (كان رد فعل شوارزكوف ببساطة: و ايه يعني؟ ما الجيش بتاعنا بيتضرب كمان. قلهم يجمدوا شوية بقى!). و في نفس الوقت اشتعل جدال في المطبخ اﻷمريكي من مدى جدوى السماح لإسرائيل بالتدخل في الحرب. "مالذي ستقدر اسرائيل على فعله و لا تستطيع امريكا ان تفعله في العراق؟".

عندها ورد اتصال من شامير، و أكد له اﻷمريكان - كاذبين - انهم يفعلون كل ما في وسعهم لضرب الصواريخ العراقية. و طلبوا منه ان يتحلى بالصبر و ان لا يقع في فخ صدام. لم يعطي شامير اي وعود بل قال انه سوف يستشير الحكومة و يعود لهم. انتهى الاتصال و بعدها بدقيقة اراد الامريكان استثمار موقف شامير و اتصلوا بوزير الدفاع الاسرائيلي! و لاحظ هنا كيفية ادارة الصراع السياسي حتى بين الحلفاء. و يجب ان نذكر ان العلاقات بين امريكا و اسرائيل كانت سيئة جدا بسبب ضغط اﻷمريكان الشديد على الاسرائيليين للجلوس لمؤتمر السلام مع العرب (و هو ما حصل مرة اخرى بنجاح هذه المرة بعد الحرب). اما على المستوى اﻷمني و العسكري فكان التعاون جيدا و العلاقات ودية. 

"نحن نشعر باﻷسف لما حصل. و لكن هذا طلب رسمي من جانبنا بعدم الرد" و لم يقبل حتى اقتراح الاسرائيليين بارسال قوات خاصة لغرب العراق لضرب الصواريخ. و بعد انهاء المكالمة، فكر الأمريكان انه ممكن ان يقترحوا على الاسرائيليين (لو فشلوا في اقناعهم بعدم ضرب العراق) بأن يضربوه بصاروخ اريحا بدل عمليات جوية او انزال قوات خاصة يجب ان تمر باﻷردن أو السعودية مماقد يسبب مشاكل كبيرة. على العموم بسبب الضربة غير الاسرائيليون سياستهم السابقة و وافقوا على طلب اطقم باتريوت امريكية و التي بدأ التحضير ﻷرسالها فورا. مع ابقاء طائراتهم في الجو و رفع حالة التأهب على الحدود مع لبنان و كذلك رفع حالة التأهب لأطقم السلاح النووي، للمرة الثالثة فقط في تاريخ الدولة العبربية.  

انتهت هذه الجولة الدبلوماسية بنجاح - حتى اﻷن و كان من حسن حظ التحالف ان الخسائر الاسرائيلية كانت قليلة لحد الدهشة: ابنية تكسر و اجهاتها، و مئات حالات الهلع و الصدمة و حقن النفس باﻷتروفين المضاد للهجوم الكيماوي. امور تافهة بمقاييس اي حرب. و جلس اعضاء المطبخ السياسي ينتظرون تطور اﻷحداث. و تم تقسيم العمل بين رجلين: تشيني يتفاهم مع الاسرائيليين و كولن باول يتفاهم مع شوارتزكوف حول موضوع صواريخ سكود العراقية. 

  بقي سؤال واحد مهم: ما العمل لو قام العراق بالضرب باستخدام الكيماوي او - و هو اﻷخطر - السلاح الجرثومي؟ في الحلقة القادمة نناقش هذه التفاصيل و معطيات هذا الاحتمال امام صانع القرار اﻷمريكي. 


Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech