Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

موسوعه حرب الخليج الثانية - الجزء الخامس والاخير

كان جدول التوقيتات للعملية العسكرية يسير كالتالي:

الساعة 4 فجرا صباح الاحد 24 فبراير هي ساعة الصفر، و ينطلق على اثرها الفيلق 18 المجوقل ليخترق الحدود العراقية جنوب غرب. 

 في نفس التوقيت، تندفع قوات المار ينز جنوب الكويت بواقع فرقتين مع القوات العربية الشرقية. و كان الهدف من هذين الهجومين هو تمويهي. حيث اراد شوارتزكوف ان يقوم العراق بدفع الاحتياطي المدرع ليصد هذه الهجمات التضليلية نحو الاجنحة.

و كان الهجوم الاساسي مقرر له ان يتم بعد 26 ساعة. اي الساعة 6 صباح يوم الاثنين 25 فبراير. حيث يقوم الفيلق السابع بالتقدم شمالا و من ثم شرقا (حركة الخطاف) على ان يلحقه بعدها بساعة الجيش المصري على حدود الكويت الغربية مع العراق. و هنا كان قلب الحملة: يدمر الفيلق السابع الحرس الجمهوري، و يقوم الجيش المصري بمهمة تحرير مدينة الكويت.


هذا عن ساعة الصفر و ما بعدها. اما ماقبلها فقد عهد لقيادة الفرق بعمل ما يلزم لتمهيد ساحة المعركة و تحسين مواقع القوات و رصد العدو و البدء بدراسة مقتربات التقدم على الارض. و قد اعطى شوارتزكوف الضوء الاخضر بشرط، ان لا يكون العمل العسكري كبيرا لدرجة ان يبدأ الحرب قبل الوقت! و ان لا يكون العمل العسكري بحجم قد يثير حنق الروس ان الامريكان قد بدأو القتالي في وسط مساعيهم لايجاد غير عسكري. و هنا امر عجيب ان يسمح قائد الاركان لقادة الفرق بخلط السياسي بالعسكري بهذا الشكل. و لكنه خطأ لم يؤدي لكارثة و مر بدون حساب كون المسعى السياسي لم ينضج و لم يضطر الجيش الامريكي ان يبرر وجود قواته بهذا الشكل.

ازداد نشاط الاعمال القتالية على طول الجبهة. قصف مدفعي متبادل. غارات جوية للتحالف. تقدم للقوات في بعض المواضع. دوريا قتالية مستمرة. و كان اهم الواجبات فيما ما قبل ساعة الصفر هو على عاتق فرقتي المار ينز. حيث كان عليهم اختراق خط الدفاع العراقي الرئيسي المعروف باسم خط صدام. و هو شبكة من الاسلاك الشائكة و الالغام و الخنادق المملوءة بالنفط غطت جنوب الكويت كلها.

بدأ المار ينز بالتعامل مع هذا الخط قبل اسبوع من ساعة الصفر. فارسلو طائرات الشبح لقصف عدة محطات لضخ الوقود في الخنادق و تم اعطابها. و كثفت قاذفات ب-52 غاراتها على القطعات العراقية. و قد طلب المارنز من هذه القاذفات تجنب الاغارة على حقول الالغام. حيث لم تنج تكتيكات قصف الحقول من الجو (مع تفجير القذبفة قبل الوصول للارض لحرق اللغم) بل زادت من تعقيد عمليات اختراق حقول الالغام.

و تم استخدام النابالم و قنابل الوقود على المدفعية العراقية و فرق المشاة. و تم الاذن بارسال بضعة الوف من المار ينز - الفرقة الاولى - للتقدم نحو حقول الالغام العراقية و عمل ممرات من خلاها بدئا من يوم (ي - 2). و تم ارسال القوات على شكل فريقي عمل. و كان الهدف يشمل وضع مراقبين على الخط الامامي لتوجيه المدفعية. و كانت تعليمات شوارتزكوف للقوات بعدم فتح المعركة بشكل قد يعقد التسوية السلمية مصدر غيظ و ارباك للضباط.

صباح يوم 23 فبراير (ي - 1)، وصلت الكتيبتان الى عمق 15 كم داخل الحدود الكويتية، على اعتاب حقل الالغام العراقي جنوب الوفرة. و امضى المار ينز اليوم في حفر الخنادق الفردية دون ان يرصدهم العراقيون. في المساء بدأ المار ينز يزحفون على الحقل العراقي و بدأت محاولة فتح 3 طرق خلال الالغام عن طريق الكشف اليدوي باستخدام سكين المشاة بدون اي مشاكل.

كان الحال مختلفا غربا. حيث دخل 2200 من المار ينز حوالي 20 كم داخل الكويت للتعامل مع حقل الالغام يوم 22 فبراير. لكن تم رصد هذه القوات من قبل العراقيين و فتحت المدفعية العراقية نيرانها. تم استدعاء طائرات
F-18 و طائرات الهاريير اضافة للمدفعية. بعد اسكات المدفعية العراقية مساء يوم 22 تقدم المهندسون للتعامل مع الالغام في ذلك القاطع مساء نفس اليوم. و قطع سير العمليات قصف عن طريق الخطأ بقاذفة B-52 كان على بعد اقل من 300 متر من طليعة القوات مما اخر عمليات فتح الالغام لصباح اليوم التالي. و في الصباح بدأت قوافل العراقيين المستسلمين تتسرب للجانب الامريكي، رغم اطلاق  النار عليهم من الخلف من قبل الجانب العراقي و اشتعل الضرب بالمدفعية من الطرفين مما هدد بتصعيد الاشتباك.

و قرر الامريكان - الذين بدأوا يشعرون بتأخرهم عن جدول فتح حقل الالغام ان يستعملوا الحبال المتفجرة لفتح الطريق. و لكن كانو مضطرين ان ينتظروا موافقة الاركان بسبب التحديد السياسي للعملية. و فجأة عرض بعض الاسرى العراقيين ان يروا الامريكان الممرات الامنة خلال الالغام! و تم بذلك ارسال كتيبة كاملة خلف حقل الالغام.

و تأتي بعدها مفاجأة جديدة على شكل حقل الغام اخر (الغام مضادة للافراد) على بعد 50 متر بعد الحقل الاول. و بدأ المهندسون فتح طريق بشكل يدوي بعرض 3 متر. بعد التاسعة مساءا (بعد ساعة من الانذار الامريكي الاخير) صدر الامر بالتقدم شمالا (بالقوة). و صباح يوم 24 - موعد الهجوم، كانت الممرات جاهزة للقوات لاختراق حقول الالغام.

و ارسلت بضعة فرق من القوات الخاصة خلف فرق المشاة للجيش العراقي للتخفي في الصحراء ﻷيام لرصد اي تحركات للفرق المدرعة العراقية او الحرس الجمهوري. و كان كل فريق يحوي 6 -10 جنود مساء يوم 23. بحيث يكون امامهم عدة ساعات من الليل لحفر حفر الاخفاء عن العدو اثناء النهار. الغيت مهمتان: الاولى بسبب عدم وضوح الحدود بين الفيلق الثامن عشر و السابع مما يعرض الفريق لخطر النيران الصديقة. و الثانية بسبب تحركات الطرف العراقي المكثفة قرب نقطة الانزال. على سبيل المثال تم انزال فريق جنوب فرقة توكلنا على الله ح.ج و بعد مراقبة ل 60 ساعة لم يتم رصد اي نشاط عراقي مما افهم الفيلق السابع ان العراقيين لم يقوموا يعملية احباط.

فريق اخر انزل في منطقة اظهرتها صور الاقمار الصناعية مليئة بالصخور، لكن بعد الانزال تبين ان الصخور ليست الا خيام للبدو. و تم سحب الفريق مباشرة. و مثلها فريقان اخران. اما القصة التي ستروى لاحقا فهي لفريقين تخفيا في رمال الصحراء جنوب العراق ليلا و تم اكتشافهم في النهار.

اما الجهد الرئيسي - الفرقة السابعة مدرعة - فكانت في حالة استرخاء نسبي. فالخطة ان يبدأ هجومها يوم 25 فبراير (ي + 1). و قد اراد الجنرال فرانكس ان يحتل بعض المواضع الامامية قبل هذا الموعد لتسهيل انجاز الاختراق و التقدم 200 كم شمالا و الالتحام مع الحرس الجمهوري باسرع وقت ممكن. فقام بوضع معظم دباباته (800 دبابة) على الغرب حتى تمر من جانب اخر امتداد لخط صدام. و ابقى 400 على الوسط و الشرق من جبتهته. و كانت مهمة الاختراق الاولي تقع على الفوج الثاني مدرع. و كان عليهم ان يكونوا رأس الهجوم لمسافة 100 كم شمالا. و على يمين الفوج كانت الفرقة الاولى مشاة مع تعليمات لاختراق خط صدام و تتبعها بعد فتح الخط الفرقة الاولى مشاة البريطانية.

كان ملاك الفوج الثاني 8000 جندي 125 دبابة و 116 عربة برادلي و اسطول مروحيات. و تقسم القوات الى 4 اقسام متساوية. هذا الفوج هو اقدم فوج فرسان (و بعدها دروع) في الجيش الامريكي لا يزال في الخدمة. حيث اسس عام 1836 على يد احد اهم جنرالات الجيش الامريكي: الجنرال جاكسون. و كان قائده الحالي من اكثر القادة العسكريين كفاءة في الجيش الامريكي: العقيد دونالد هولدر. و الذي كتب دليل الميدان للقوات البرية المعروف باسم:
FM100-5 

تمام الساعة 1:10 مساءا يوم 23 فبراير. اوقف الفيلق الصمت اللاسلكي المطلق المفروض منذ اسبوع و بدأت بطاريات المدفعية و قاذفات الصواريخ ضرب اهداف عراقية لغاية عمق 20 كم. و تم انهاء القصف بضرب قذيفتين من الفسفور في الجو لايصال الرسالة للجميع يتوقف القصف. و قامت بلدوزرات الجيش بفتح ممرات في الساتر الرملي لتقدم القوات. و تم تنفيذ المهمة قبيل نهاية اليوم و كان عليهم الانتظار 36 ساعة قبل المرحلة التالية للهجوم. او هكذا كانو يظنون.

----------------------------------------------------------------------

احداث اليوم الاول للحرب البرية - جنوب الكويت


نبدأ احداث الساعات الاولى للحرب البرية من واشنطن. فقد تلقى الرئيس الامريكي اتصالا قبيل بدء العمليات البرية من غورباتشوف يدعوه لتأخير اي عمل عسكري (لك يكن يعرف الموعد بالتحديد) و ترك فرصة اخرى للسلام. رفض بوش ذلك و قال له لو كان العراق يريد الانسحاب لانسحب قبل موعد 15 يناير. و بعد انتهاء المكالمة بدأ بوش اتصالاته البروتوكولية برؤساء كبار اعضاء التحالف لابلاغهم بموعد العمليات. و اتصل ايضا بالرؤساء الامريكيين الاحياء السابقين الاربعة و قادة الكونجرس.

خلال ساعات بدأت اول التقارير تصل واشنطن. الفيلق الثامن عشر المجوقل يتقدم كما هو مطلوب بعد ساعتين من بدء العمليات. و الامور تسير بشكل جيد للمارينز و القوات العربية الشرقية. و لا يزال الفيلق السابع مرابطا بانتظار اوامر التحرك لليوم التالي.  لا اثر لاستخدام العراق للسلاح الكيماوي و ان كان عناك تقارير عن بدء عمل تخريبي ممنهج في مدينة الكويت و حوادث اغتصاب و تعذيب  و خطف يقوم بها العراقيون (اتضح لاحقا انها كانت مبالغ بها). انظر الخريطة ادناه لدراسة محاور تقدم اليوم الاول (السهم الابيض). 



الى ارض المعركة، حيث ذكرنا سابقا ان من عوامل قلق شواتزكوف كان الجو السيء المحتمل يوم 24 فبراير. و كان قد وعد المارنز ب 3 ايام من التغطية الجوية المناسبة التي تتطلب جوا صحوا. و هذا ما لم يحصل. و كان ان بدأت الامطار و الضباب و الرياح بشكل حد من الرؤيا لغاية 50 متر يوم 23 فبراير. و طبعا لن يوقف هذا الامر المعركة، فأذاعت مكبرات الصوت خطاب قائد الفرقة في قواته، انهم يدخلون الكويت محررين لا غازين،و ان ابناؤهم و احفادهم سيذكرون تضحياتهم بالفخر.


و بدأ الاقتحام من منطقة ام غدير في جنوب الكويت. و كان الهدف الاول هو اختراق خطي الغام بين ام غدير و حقل مناقيش البترولي. و كان واجب الاقتحام على عاتق الفوج 6 من المار ينز. على ان تلحقهم بعد فتح الطريق لواء النمر من الجيش الامريكي (بدبابات الابرامز الاقوى من دبابات المار ينز
M60 ) و كان على هذا اللواء التقدم شمالا نحو الجهراء و المطلاع لقطع طريق الانسحاب امام الجيش العراقي من مدينة الكويت. و كان تقدير الفرقة ان الخسائر ستكون بحدود الالف.



بدأ الفوج السادس عملياته الساعة 4:30 فجرا. و بدأت المدفعية العراقية الضرب بمعدل منخفض و دقة قليلة بسبب عدم وجود مرشدين من الجانب العراقي. و تم ارسال مقاتلات بمعدل زوج كل 7:30 دقيقة و استخدمت 140 قطعة مدفعيى  و 9 راجمات لاسكات المدفعية العراقية الغير فعالة اصلا.

عند السادسة وصلت القوات الى عمق 20 كم داخل الكويت. عند خط الالغام الاول. و كانت الخطة تركز على السرعة من اجل امضاء اقل وقت ممكن في منطقة القتل. و الهدف كان فتح 6 ممرات في نفس الوقت في حقل الالغام العراقي. سميت من الشرق للغرب احمر 1 و احمر 2 ازرق  و3 ازرق 4 و اخضر 5 و اخضر 6.

 ام ارسال 500 مهندس لفتح هذه الطرق الستة. بدأت دبابات
M-60 مزودة بكاسحات الغام تتقدم لفتح الطرق. و ثم بدأ المهندسون تحضير شحنات ناسفة. و كان اروع هذه الانظمة هو نظام MK-154 القادر على قذف 3 حبال مزدوجة متفجرة مسافة 30 متر و بعد التفجير تتقدم الدبابات للتحقق من سلامة الممر.

اول المفاجأت حصلت عند الطرق احمر واحد. فقد اظهرت اجهزة الرصد وجود مادة السارين السامة. و طلب القادة من العقيد المسؤول ايقاف العمل على هذا الخط. فرفض العقيد هذا الطلب. فقام المئات من المار ينز بارتداء اطقم الكيماوي لاكمال العمل قبل ان يتبين ان الانذار كاذب.

الساعة 6:55 فتح الطريق احمر 2. و بعده الطريق احمر 1. على الجهة الاخرى كان العمل بطيئا جدا. حيث تم تدمير دبابتين عن طريق لغم بريطاني حصل عليه العراقيون من مستودعات الجيش الكويتي عند الطريق ازرق 4. اما اخضر 5 و 6 فكانت الامور اسوأ. فقط كان سمك حقل الالغام يمتد لمئة متر. حوالي ضعف احمر واحد و اثنين. و وضع العراقيون كثافة مهولة من الالغام 3 اضعاف الكثافة المعروفة في العلم العسكري. و قد تم تدمير سرفات 3 دبابات و علقت في منتصف الحقل. و فشل احد الحبال في التفجير و الاخر التف على اريال احدى الدبابات و صاح الجميع "اوقف التفجير".

رغم الفرصة المواتية لضرب المار ينز فقد كانت المدفعية العراقية غير ذات تأثير. و حوالي العاشرة تم انهاء فتح الطرق الستة و تم التقدم صوب خط الالغام الثاني. و بمجرد ان تم تجاوزه قام مئات العراقيين من الفرقة السابعة و الفرقة 14 مشاة من الجيش بالاستسلام. و تم انهاء فتح الحقلين بعيد الظهر و اندفع لواء النمر شمالا. كانت المحصلة تعطيل 9 دبابات للمارينز و عربتي نقل و اصابة 14 جندي.

تم جلب اعلى مسؤول من الجانب العراقي تم اسره (عقيد) و تم استنطاقه من قبل المار ينز. و قد لاحظ القادة الامريكيون ان العقيد العراقي كان هندامه مكويا و نظيفا و الحذاء لامع و كان يبدو بحال احسن من القادة الامريكان الذين اسروه.

كان اهم شيء في الاستنطاق هو تفاصيل اللغم الكيماوي الذي ضربه الامريكان. نفى العقيد العراقي استخدام السلاح الكيماوي او انه توجد اي خطط لاستعماله. و رسم خريطة لمواضع بقية قواته. و عند استنطاق قيادة اركان الفرقة ابدى الضابط صدمته من سرعة تحرك الامريكان و انه تم مفاجأتهم بهجوم من الجانب بشكل شل حركة قواته.

على مسافة 20 كم الى الجنوب عند الفرقة الاولى مارينز، كان المحور الثاني لهجوم المار ينز يسير بنفس الترتيبات. و قد شرحنا انه تم خرق حقل الالغام في اليوم السابق من الاجناب. و الان الدور على القلب لعمل نفس الخرق. و كان نفس السيناريو من بعض مشاكل في تفجير الالغام الى غياب فعالية المدفعية العراقية. و من اصل 42 مدفع عراقي كان يضرب على المار ينز. تم اعطاب 26 بمدفعية المار ينز و 16 دمرت من الجو. الساعة 6:44 صباحا ارسلت قوات الهندسة الدخان الابيض و الاخضر دلالة على النجاح في فتح الخط الاول للالغام العراقية. و تبعه الثاني خلال 20 دقيقة بخسارة دبابة. و عند الساعة 10:30 صباحا تم اكمال فتح 14 طريق في حقل الالغام. و جرح 10 مارينز من المدفعية العراقية اثنان جراحهم سيئة. و قتل جندي واحد بلغم.

و بدأ الاندفاع نحو الحقل الثاني من الالغام وسط القصف المدفعي و الصاروخي العراقي. عندما بدأ المار ينز يتعرضون للنيران الصديقة من الكتيبة المجاورة. و خلال دقائق تلقت الكتيبة 55 قذيفة دبابة دمرت شاحنيتن و عربة برمائية و قتل جندي واحد (بمجرد سماع اول طلقة ترك المار ينز الياتهم وهربو خلف خندق قريب بسبب وجود الاليات على اطراف حقل الغام.

بعد الظهر وصلت القوات خلف حقل الالغام الثاني. و بدأت القوات تتجه نحو قاعدة على الجابر الجوية. و القسم الثاني نحو مطار الكويت الدولي.

جلس قائد فيلق المار ينز مرتاحا يقرأ التقارير:

1- الفرقة الاولى مارينز: كله يسير حسب الجدول
2- الفرقة الثانية مارينز: كله يسير حسب الجدول
3- لا اثر للكيماوي

و بالتالي لم يتحقق عاملان للخطر كان يخشاه: جحيم من نيران مدفعية عراقية كثيفة على القوات التي تفتح الالغام مما كان سيسبب مذبحة. و عدم وقوع هجوم مرتد عراقي خلال اول 4 ساعات (كما كانت تشير تقديرات الاستخبارات العسكرية).

قال لصحفي مرافق: "لم تتحقق اي من مخاوفنا". الجنود العراقيين جنوب الكويت لم يكونوا مستعدين للقتال بشراسة، "لقد جعلنا منهم بعبعا".

بخصوص هجوم القوات العربية الشرقية على خط الساحل، فلم يصادف اي مقاومة تذكر من الفرقة الثامنة مشاة للجيش العراقي التي استسلم افرادها بعد قتال بسيط. لكن مع ذلك كانت سرعة تقدم القوات العربية ابطا من قوات المار ينز التي واجهت مشاكل اكثر. و يلوم المراقبون الغربيون ذلك على بطء حركة الجيش السعودي حتى مقارنة بالحرس الوطني الذي كان مشاركا معه في نفس الجبهة. 

و بالتالي نجحت فرقتان مارينز من اقلاق الفيلق الثالث -مشاة- العراقي المسؤول عن الدفاع عن جنوب الكويت و بالاخص الفرق 7 و 14 و 29 مشاة في هذا القاطع التي استسلم الوف من جنودها. مما اربك الخطة الدفاعية العراقية التي كانت تعتمد على تأخير قوات التحالف عن جنوب الكويت قبل ان يتم تحرك الاحتياطي المدرع لصد اي اختراق.على العموم كان لا يزال هناك امل للعراقيين جنوب الكويت في هذا القاطع بسبب وجود 3 فرق من احسن فرق الجيش العراقي: الاولى ميكانيك و الثالثة دروع و الخامسة ميكانيك خلف الخط الدفاع الاول جنود مدينة الكويت. و كانت خطة قائد الفيلق (الجنرال محمود) هي الدفع بالفرقة الخامسة لمواجهة المارنز يوم 25 و تم تحضير قوات الفرقة للهجوم المضاد الذي كان من ضمن خطط القيادة العراقية الدفاعية.  

------------------------------------------------------------------------------------------

احداث اليوم الاول للحرب البرية - جنوب غرب العراق

في نفس توقيت هجوم المار ينز تقريبا، و هذه المرة على مسافة 300 كم غربا. اندفع خليط متميز من القوات الفرنسية و الامريكية نحو جنوب غرب العراق. و كان رأس هذا التقدم هو الفرقة السادسة مشاة الفرنسية نحو قاعدة السلمان. على ان تتبعها الفرقة  82 المجوقلة لتستمر بالتقدم نحو السماوة. و كان الترتيب اول الحرب ان تكون الفرقة الفرنسية تحت القيادة السعودية. و لكن مع حلول بداية العام طلب الجنرال الفرنسي من شواتزكوف نقله تحت اي قيادة اخرى (بأسلوب اقرب ل "أبوس ايدك وديني اي حتة تانية") و بكثير من الدبلوماسية اقنع شواتزكوف الفريق سلطان ان سبب النقل هو انه يحتاج الفرنسيين للهجوم الغربي و تم وضعهم تحت امرة الفيلق الثامن عشر.

و قامت امرة الفيلق بتعزيز الفرقة الفرنسية بلواء من الفرقة 82 المجوقلة. على ان تلحق باقي الفرقة الفرنسيين بعد بلوغهم الهدف الاول لتمشيط المنطقة من اي قوات عراقية قبل الاندفاع نحو السماوه و قاعدة الطليل. و اعطي الامريكان الفرنسيين حصة كبيرة من ال 22 كتيبة مدفعية المخصصة للفيلق. و كانت الخطة ان يتم انزال المدفعية جوا على مدى قريب من المدفعية العراقية بدل التقدم طوال المسافة تحت مرمى المدفعية طويلة المدى. و كانت القوات الفرنسية تحمل محاربين مخضرمين شهدوا الوغى في لبنان و تشاد و كانت مطعمة بفوجين من الالوية الاجنبية الشهيرة في الجيش الفرنسي.

لم يكن لدى الامريكان اي شكوك حول قدرة الفرنسيين على القتال. لكن مدى التزامهم بالخطة و الجدول الحافل كان شيئا اخر. و قد حذر قائد الفرقة 82 قائد الفيلق من ان الفرنسيين سيصلون السلمان خلال يومين بدل ساعات كما كان مقررا. و هو ما يعرض قوات الفرقة 101 المجوقلة لهجوم عراقي مضاد من وادي الفرات (كان واجب الفرنسيين صد مثل هكذا تحرك). و حتى ان قائد الفرقة قد عرض ان يقوم هو باحتلال السلمان خلال 24 ساعة. لكن تم رفض المقترح ﻷنه سيترك الفرنسيين بدون "مشاركة".

و بدأت المشاكل... المطر و الاعاصير الرملية و انثقاب اطارات. و كانت التكتيكات الفرنسية تحبذ الحذر على حساب السرعة (مثل الامريكان قبل 30 عام) و كان التقديم يتم بعد قصفة مدفعية و غارة جوية. و قد نجح الرادار الامريكي في تحديد اماكن المدفعية العراقية و تم اسكاتها بسرعة و لم يكن عند العراقيين اي سلاح كيماوي يوجب التوقف و التأمين.

بعد اختراق 10 كم داخل العراق، بدأ طوفان الاسرى يصل. و قد ذكر بعض الجنود ان حصص المؤن وصلت لحد 5 معالق ارز و قليل من الماء كل يوم. و وصل عدد المستسلمين ل 2000 جندي. مما ساهم في تأخير التقدم اكثر.

و اخيرا، وصل الفرنسيون للحدود الجنوبية للسلمان. و رغم بقاء ساعة كاملة من ضوء النهار، صدم الامريكان من الفرنسيين و هم يفرشون خيامهم بدل اقتحام الموقع!

خطط قائد الفيلق الثامن عشر للتقدم نحو الفرات بثلاث وثبات (انظر الخارطة):
1- انزال لواء من الفرقة 101 المجوقلة 150 كم داخل العراق (30 كم شرق السلمان) عند نقطة انزال تعرف باسم كوبرا في اليوم الاول. و تعلم هذه النقطة كقاعدة اسناد لوجستي للوثبات القادمة.

2- يوم 25 فبراير يتم انزال جوي للواء اخر بالمروحيات بين السماوه و الناصرية لقطع الطريق السريع رقم 8.

3- تتقدم الفرقة 24 نحو وادي الفرات شمالا حتى منتصف المسافة بين الطليل و الجلبة. قبل الانعطاف غربا نحو البصرة.



قبل كل هذا تم ارسال 4 مروحيات (2 اباتشي و 2 بلاك هوك)  الساعة 3 فجر يوم 24 لو ضع علامات ارشادية للمروحيات ال 400 التي ستحمل اللواء الاول للنقطة كوبرا. و قد قاد هذه المهمة المقدم ديك كودي، و هو نفس الطيار الذي قاد الغارة على محطة رادار الانذار المبكر في افتتاح الحرب قبل 5 اسابيع. و كان الظرف الجوي سيئا بسبب الضباب مما ادى لتحطم مروحية بسبب ارتطامها بالارض (نجا الطياران من الحادث). و ادى هذا لتأجيل حركة اللواء لعدة ساعات حتى يتحسن الجو. و هو ما تم تمام السابعة. لك ان تتخيل المنظر عزيزي القاريء. الصفحة الاولى من التنقل كانت 66 مروحية بلاك هوك و 10 طائرات هيز و 30 شينوك (سمتية مزدوجة) تحلق بسرعة 120 عقدة على ارتفاع بضعة امتار عن سطح الارض.

بعيد الوصول فتحت كتيبة عراقية النار على المروحيات من مخابئ حصينة لكن تم الرد بكثافة نارية كبيرة. و سرعان ما استسلم 300 مقاتل من تلك النقطة بعد الساعة 8 صباحا. و تتابعت ارساليات القوات و المؤن للنقطة كوبرا (شاملا مليون غالون وقود) لدرجة ان كمية الغبار المنبعثة منعت الطيارين من الطيران للعودة لمدة ساعة. و بهذا تم تحقيق هدف اليوم الاول للفيلق 101.


----------------------------------------------------------------------

نتوقف قليلا لنقل الاجواء من غرفة حرب شوارتزكوف. حيث توالت التقارير الممتازة صباح يوم الهجوم. القوات العربية الشرقية تتقدم بشكل جيد، الفرقة 101 وصلت اهداف اليوم الاول. و الفرقة الاولى و الثانية مارينز حققت اهداف اليوم الاول خلال الصباح! مما كان سيسبب مشكلة كبيرة لو تقدم المار ينز شمالا بدون اسناد من الغرب. حيث سيكون جناحهم مكشوفا امام الفرقتين 10 و 6 المدرعتين العراقيتين الموجودتان غرب الكويت.

تأمل شوارتزكوف الخيارات الموجودة امامه:
1- القوات العربية الشمالية: تحوي المصريين الذين لن يكون من السهل اقناعهم تنفيذ الهجوم قبل الموعد المحدد (حيث كانت الخطة تقضي ان تهاجم القوات المصرية في اليوم التالي). و القوات السورية وافقت فقط على التقدم كخط دفاعي خلفي. و السعوديون لم يثيروا الرعب باللوائين الموجودين في ذلك القاطع.

بعد مزيد من الدراسات و المشاورات كانت التوصية لشوارتزكوف: العراقيون لن يكونوا قادرين على عمل هجوم مضاد على مستوى اكثر من لواء متزامن.

اتصل قائد فيلق المار ينز و قال لشوارتكوف ما كان يفكر فيه: المزيد من التقدم سيكشف جناح المار ينز الغربي. سأله شوارتزكوف، هل سينفعك تقديم هجوم القوات العربية الشمالية و الفيلق السابع للجيش الامريكي؟ رد بالايجاب. فقال انه سيتصل به بالتعليمات الجديدة.

و الان نذكر القارئ ان الخطة الامريكي كانت بالتقدم من الكويت شرقا اولا. و اقناع العراقيين ان محور الهجوم سيكون من هناك بحيث يدفعون الاحتياطي المدرع للكويت بينما تتحرك القوات الامريكية الرئيسية من الغرب لقطع طريق الانسحاب امام العراقيين و تدمير الحرس الجمهوري. و قد تم وضع مسافة 26 ساعة بين هجوم المار ينز و هجوم الفيلق السابع و القوات العربية الشمالية (بحيث تبدأ العمليات الساعة 6 صباحا يوم 25 فبراير) بحيث تسمح للقيادة العراقية ان تبتلع الطعم على مهلها. خصوصا مع ادراك مشاكل الاتصال و التحكم في الجيش العراقي بفعل القصف الجوي.

ان يتم تجاوز فلسفة الخطة، و شهور التخطيط لتقدم الفيلق الامريكي كان امرا مقلقا. و لكن الاتصال مع قادة الفيلقين السابع و الثامن عشر - حوالي 9 صباحا - شجع شوارتزكوف على التقدم. حيث قالوا له انهم يمكنهم التحرك خلال ساعتين من صدور الامر. و كان هناك فعلا خيار التقدم المبكر في بداية تخطيط حركة الفيلقين. لكن تم اهماله اثناء اعداد جداول الحركة. و كان المشكل الكبير هو توافر ضوء النهار بشكل كاف لفتح الالغام. و كان هناك الكثير من التحضير حتى يتقدم الفيلق المدرع كقوة واحدة (باسلوب القبضة) ليواجه الحرس الجمهوري، و تقديم الهجوم بهذا الشكل قد يشتت القوات.

و بعد اتصال قادة الفيالق بقادة الفرق، ابدى الجميع الجهوزي للتحرك عند الظهر. حتى الانجليز وافقوا رغم انهم سيضطروا ان يمشوا على سرف الدبابات حوالي 100 كم بسبب عدم نقلها للخط الامامي بعد.

جلس الجميع ينتظر اوامر شوارتزكوف، الذي تشاور مع الفريق خالد حول مدى جهوزية القوة العربية الشمالية ان تهاجم قبل الموعد الاصلي و احتج الجيش المصري بشدة، و وصل الامر ان طلب شواتزكوف من القاهرة ان تتصل بجيشها ان يتحرك، و اخيرا وافق الجيش المصري على التحرك المبكر. و وصلت اخبار ان العراقيين نسفوا محطة التحلية في مدينة الكويت، مما يشير الى نيتهم في الانسحاب. و في الساعة 12:30 ظهرا صدر القرار. تبدأ القوات البرية الهجوم الساعة 3:00 عصرا. كان هناك شكوك حتى من قيادة الاركان من ان تقديم هجوم قوات بهذا الحجم اكثر من 15 ساعة قد يؤدي لكوارث. و حتى تمرينات الحرب كانت تشير الى مشاكل جمة في تسريع الهجوم 2-3 ساعات. و لكن تمت المقامرة و تم اتخاذ القرار.

-------------------------------

بدأت قوات المحور الاوسط (غرب الكويت) تنفيذ تقدمها. فقد فتح الفيلق السابع نيران المدفعية حسب المواقيت الجديدة الساعة 2:30 ظهر يوم 24 فبراير. و ذلك بواقع 13 كتيبة مدفعيىة و 10 كتائب راجمات صواريخ اطلقت حوالي 11 الف قذيفة و صاروخ خلال 13 دقيقة على منطقة مساحتها 20*40 كم مربع (ملاحظة، كانت الخطة الاصلية تشمل قصفا اكثر من هذا لكن تم التقليل لدواعي الاستعجال).

قبلها تقدم لواء المدرعات الثاني 20 كم داخل الحدود و اشتبك مع العراقيين قبل ان ينسحب. و قبيل موعد الهجوم الاصلي اراد فريد فرانكس قائد الفيلق تحويل الهجوم المقرر من اللواء و الفرقة الثالثة لتحيط بالقوات العراقية بالاتجاه شرقا بدل التقدم شمالا لضرب الحرس الجمهوري. و قد صدم قائد الفرقة و طار بالمروحية ليقنع قائده بالعودة للخطة الاصلية. و اخيرا كسب الجولة و عاد ليخبر قواته ببقاء محور الهجوم كما هو و قال لغرفة عملياته (لقد كسبنا اول جولة من الحرب بهذا القرار).

 عند الساعة الثالثة، تم رفع القصف المدفعي. و تحشدت قوات لواء المدرعات الثاني في المقدمة، وخلفه من اليمين و اليسار فرقتي مدرعات الفيلق السابع. وكان على الجميع الانتظار حتى يتم خرق خط صدام من قبل الفرقة الاولى مشاة، احدى فرق المشاة التي قامت بانزال النورماندي.  و قد تقدمت الفرقة على جبهة بعرض 15 كم، حيث اظهرت صور الاقمار الصناعيى وجود انفراج بين الفرقتين العراقيتين المقابلتين: الفرقة 48 مشاة كان خط دفاعها على شكل الحرف
W بينما الفرقة 26 غربا كان خط دفاعها اقرب للخط المستقيم و بشكل اضعف من الفرقة المجاورة. و كان للفرقة الامريكية مسوحات حديثة عن طريق طائرة U2 و الدرونات و كانوا يعرفون موقع كل العتاد العراقي الثقيل و التشكيلات. و قدر قائد الفرقة ان الفرقتين قد خسرتا مالا يقل عن 40% من القدرة القتالية و ان 90% من مدفعيتهم قد دمرت. و قد قدر ان قدرات الفرقة الامريكية هي 12 ضعف قدرة الفرقتين العراقيتين المدافعتين معا. و هو اكثر بكثير من ال 3 اضعاف المطلوبة للمهاجم للتغلب على عدو متحصن. 

و بدأ الجيش عملية اختراق بأسلوب سيثير الكثير من النقاش القانوني بعيد الحرب. حيث تم استخدام الجرافات و المداحل في طمر الخندق على من فيه من جنود عراقيين كتمهيد للتقدم. حيث تبين ان شحنات التفجير تعطلت بمعدل 60% في اختراق حقول الالغام و لم تبد القوات العراقي اكثر من مقاومة رمزية، و قد احتار الامريكيون في سبب ان الكثير من القوات العراقية كانت تواجه الغرب في ذلك القاطع او الغرب الجنوبي بدل الجنوب حيث محور الهجوم. و قد تبين للجيش اثناء تمارين الاختراق في الصحراء الامريكية، ان اسلوب ترك الجنود لناقلاتهم و فتح الالغام يدويا هو اسلوب فيه خطر على حياة الجنود. و ان الخسائر من الممكن تقليلها و زيادة سرعة فتح الطريق خلال حقل الالغام من خلال جرافات من طراز
M9 المدرعة.حيث تقتحم الجرافة الحواجز بينما تطلق المدرعات نيران المشاغلة على العراقيين (كون الجرافة تشغل من قبل سائق واحد في اخرها و هو غير محم بشكل جيد). و اختار الجيش ان لا يطلق اي نداء للعراقيين بالتسليم خوفا من ابطاء الهجوم بالاسرى او اعطاء العراقيين فرصة للقصف بالكيماوي. كانت الكثير من الخنادق في حال هندسية سيئة لدرجة اثارت استغراب الامريكان.




و خرجت المسائلات حول اسلوب دفن جنود العدو احياء بوصفه جريمة حرب. و لكن الحقيقة ان مثل هذا الاسلوب معروف منذ الحرب العالمية الاولى. و تمت مراجعته من قبل الامم المتحدة في السبعينات و قبل بوصفه تكتيكا مقبولا ضمن تكتيكات الحرب التقليدية. و قد قلق قائد الفيلق اول الاختراق من الاثر القانوني لفعلته انه اتصل بمستشار قانوني للجيش للاستفتسار عن شرعية هذا الاسلوب. و كان الرد "بسبب كون الفرقة تحت القصف العراقي، فلا خطأ قانوني في التكتيك".

تم اختراق خط صدام خلال 29 دقيقة من قبل فرقة المشاة بحفر 8 ممرات مؤمنة. و نفس العدد تم تأمينة من قبل اللواء المدرع. و تم قتل جنديين امريكيين و اسر 500 جندي عراقي. و كان التقدير ان من دفن من العراقيين في اثناء ردم الخنادق حوالي 150 جندي.

و بهذا تنتهي اهم احداث اليوم الاول للحرب البري. حيث نجح الامريكيون في اختراق الدفاع العراقي جنوبا من جهة الكويت من محورين (واحد للمارينز و الاخر للقوة العربية المشتركة الشرقية) و نجح الجيش في تقديم موعد هجومه يوما كاملا و اختراق الدفاع العراقي غرب وادي الباطن (غرب حدود الكويت مع العراق) و نجحت الوثبة الاولى للفرقة المجوقلة و القوات الفرنسية جنوب غرب العراق.

في المقابل لم تكن الامور بتلك السوء امام المخطط العسكري العراقي. فالقوات التي ضربت هي قوات الخط الاول مشاة التي من المفروض ان تكون اقل القوات استعدادا بفعل القصف المستمر. و كان الاعتماد عليهم ان يؤخروا المهاجمين قدر الامكان حتى يتمكن احتياط الجيش المدرع من التقدم لصد اي اختراق قد حصل. و فعلا قام قائد الفيلق الثالث بانذار الفرقة 5 مشاة ميكانيك بالتقدم جنوبا لايقاف المار ينز. و قام قائد الفيلق السابع العراقي بارسال لوائين من الفرقة 12 دروع نحو البوسية لايقاف الفرنسيين. مع تحضير قواته للهجوم الامريكي المتوقع من جهة وادي الباطن.  


===============================================

مساء يوم 24 فبراير، ذهب شوارتزكوف ليحصل على بعض الراحة استعدادا لليوم الثاني من الهجوم البري. و عاد لغرفة الحرب فجر يوم 25 فبراير بمزاج جيد و احساس بان النصر هو في متناول اليد. و كان نجاح هجوم الفيلق المجوقل عميقا داخل العراق بدون اي خسائر تذكر و كذلك هجوم المار ينز الناجح جدا لا يقل عن معجزة في نظرة. العرب شرقا تقدموا بشكل جيد (بعض التأخير ربما بسبب الاسرى) و كذلك القوات العربية الشمالية نجحت جزئيا في الاقتحام (من اسباب التأخير هو قلة عدد معدات فتح طرق في حقول الالغام). و قد ذكرت التقارير ان 3 كتائب مصرية وصلت حافة حقل الالغام العراقي عند ساعة الصفر الجديدة و لكنها فضلت ان تتراجع خلف الحدود مرة اخرى اثناء الليل. 

الاستخبارات تشير الى ان فرق النسق الاول للجيش العراقي: 7و 8 و 14و 18و 29 تعتبر فاقدة للقدرة القتالية بعد معارك الامس. و فرق المشاة الميكانيك: 5 و 3 قد ضربت بشدة. و كانت الفرقة الخامسة لا تزال تحاول الصمود بين مطار الكويت و مدينة الجهراء. و بقيت 3 فرق عراقية بقوتها تواجه الساحل بانتظار الهجوم البرمائي عند مدينة الكويت.


و فجأة ظهر على خارطة غرفة العمليات ما اثار استغراب شوارتكوف. العلامة المصاحبة للفيلق السابع لم تتقدم اثناء الليل! صاح الجنرال في ضباط غرفة العمليات: "ماالذي حصل للفيبلق السابع؟ هذه الخارطة خاطئة!"
"تم تحديثها للتو يا سيدي و هي صحيحة".
"احضر لي تقارير المواقع"

و عندما تبين ان المواقع على الخارطة صحيحة، احمر وجه شوارتزكوف بالغضب. "اتصل بيوسوك الان". و صاح في قائد العمليات طالبا تفسيرا لهذا الذي يراه على الخارطة، ثم صاح فيه قبل ان يرد انه لا يريد ان يعرف سبب التأخير. و ان يخبر قائد الفيلق (الجنرال فرانكس) ان بديله جاهز لو احس ان العمل اكبر من قدراته.

و قد حصل شوارتزكوف على مكالمة بنفس المضمون (و ان كانت الحدة مختلفة) من كولن باول. حيث قال له ان اساس الخطة ان لا يتمكن الحرس الجمهوري العراقي من الهروب. و الان نجد ان القوات التي من المفروض ان تحاصر الحرس الجمهوري هي القوات الوحيدة المتأخرة عن جدول عملياتها! و هذا الامر محرج خصوصا و ان الفرقتين مشاة مارينز و اللواء 24 مدرع قاموا بواجبهم باسرع من المطلوب.

و هذا الحادث سيبقى محل خلاف تاريخي بين اطرف المسألة. من جهته اتهم شوارتزكوف قائد الفيلق بعدم استغلال ضعف العدو و عدم المرونة في تنفيذ العمليات، فيما من السهل الدفاع عن موقف الفيلق بأن تقديم موعد الهجوم البري 15 ساعة امر ليس سهلا على الاطلاق الالتزام به، ناهيك عن ان اختراق حقول الالغام في الليل يزيد من المسألة تعقيدا. و قد اختار فرانكس سلامة قواته على السرعة. عموما، لا يزال الفيلق ضمن مواقيته للاشتباك مع الحرس الجمهوري بعد 72 ساعة. و قد قام قائد عمليات المنطقة بواجبه و حمى مرؤوسيه من غضبة شوارتزكوف و لكن افهمهم ان السرعة مطلوبة. 

من جهة الطرف العراقي، فقد بدأت معالم المشكلة في جنوب الكويت بالبروز. فالهجوم المرتد العراقي للفرقة5    مشاة ميكانيك قد فشل فشلا ذريعا. و مازاد من فداحة الخسارة ان هذا الهجوم كان مقررا في الخطة الدفاعية العراقية و قد تم التخطيط له مسبقا و بدقة. و لكن بسالة العراقيين و تقدمهم في القتال لم يسعفهم اما المار ينز. حيث لاحظ المار ينز ميل العراقيين للهجوم التعرضي المباشر و الضعف في المناورة. و عليه قرر قائد الفيلق الثالث التراجع لخط دفاعي اكثر امانا عند منطقة المطلاع. و طلب من الفرقة 3 دروع عمل حائط صد لحماية القوات اثناء التوجه شمالا. 


----------------

ننتقل الى جنوب غرب العراق. حيث كان هدف التوغل المجوقل للفرقة 101 الامريكية مزدوجا:

اولا: قطع خطوط التموين بين بغداد و القطاعات العراقية في الكويت.
ثانيا: تحقيق فعل الصدمة للقيادة العراقية من تواجد قوات امريكية كبيرة على بعد 200 كم فقط من بغداد.

و كان الموقع الذي يحقق هذا الهدف هو بلدة الخضر. حيث يقترب مجرى النهر من الطريق السريع رقم 8 بما يجعله موقع مثالي لأقامة نقطة عسكرية تقطع الطريق بين بغداد و البصرة.

صباح يوم 25 (اليوم الثاني للعمليات البرية) قامت 4 طائرات شينوك بانزال الدفعة الاولى من الفرقة المجوقلة بعد طيران حوالي 200 كم من السعودية. و تم انزال المعدات الثقيلة على بعد 30 كم جنوب الهدف. على ان يتم دمجها مع الكتيبتين المتوجهتين نحو وادي الفرات بعد الظهر في وجبات الانزال المروحي التالية. حيث لم يكن مدى الشينوك يسمح بالتقدم اكثر و كذلك كان هناك تخوف من اسقاطها من قبل العراقيين. و لكن التقرير الجوي اشار الى عواصف متوقعة مساءا. و بالتالي تم تقرير ارسال القوات مبكرا و الهجوم على الهدف بعد الظهر (و ليس مساءا كما كان مقررا).

سارت قافلة المركبات (60 عربة همفي مزودة بصواريخ تاو) نحو الطريق السريع وسط المطر. و سرعات ما تحول الطريق الى وحل. و بدل ان يصل السلاح الثقيل للمشاة الذين يتم انزالهم على الطريق السريع خلال ساعات قبل حلول الظلام. وصلت المعدات صباح اليوم التالي. مما ترك كتيبتي المشاة التي كانت على الطريق السريع في حال حرج لو قدرت الظروف و كان هناك قوات عراقية ثقيلة تواجههم.

على اي حال، انطلقت 66 مروحية بلاكهوك. تحمل كل واحدة بين 15-17 مظلي الى منطقة الخضر عند الساعة 3 عصرا من العربية السعودية. و كانت منطقة الانزال موحلة لدرجة ان وصل الطين لخاصرة بعض الجنود. و تامل قائد اللواء المنطقة المحيطة. و لم يحصل اي قصف عراقي مدفعي كما كان يخشى. و وسط هطول المطر الشديد بدأت تظهر علامات انارة السيارات المدنية العراقية. و توقفت اول سيارة و نزل منها مواطن عراقي لم يصدق ما رأى قبل ان يهرب بأقصى سرعة.

حسنا تم الانزال، لكن الارض الموحلة و الجو السيء و عدم وجود سلاح ثقيل اقنع القيادة بتأخير انزال الكتيبة الثانية (الالف جندي الثاني) على ارض المعركة لحين استقرار الامور. و بقيت الكتيبة الاولى معرضة لتهديد حقيقي لو وجدت اي قوات عراقية تشتبك معها. و هذا ما لم يكن موجودا. توزعت القوات على الطريق السريع و تم وضع اشارات بالعربية و الانجليزية (منطقة عمليات للجيش الامريكي - ابق بعيدا). و اول اشتباك كان مع 15 جندي مشاة عراقي و انسحبوا بعد ان تم تبادل النار معهم و لجوء المظليين لمورتر عيار 60 مم.

 و قد افسد الطين نظامين من اصل 4 منظومات تاو محمولة كانت مع القوات و تم نصب المنظمومتان الصالحتان على الطريق. و كانت الخطة ان لا يتم استهداف السيارات المفردة على اعتبار انها مدنية في الاغلب. اما القوافل فسوف تضرب. و فعلا اتت قافلة من 4 سيارات فقط الاولى تشعل الانارة الامامية و تم ضرب السيارة الاولى و توقفت باقي السيارات و هرب من فيها. و تبين ان فيها شحنة بصل!

بعد قطع الطريق بين بغداد و البصرة، لم يكن امام القوات الامريكية الا انتظار تحسن الجو. او اي هجوم عراقي متوقع. و شعر قائد اللواء بالذعر من تقارير سلاح الجو التي تشير الى قافلة من 200 سيارة عسكرية قادمة من الناصرية نحو قواته. لكن بعد دقائق توقف الموكب و عاد ادراجه. و تم تدمير عدة سيارات تحمل مسروقات من الكويت عندما ارادت اجتياز الحاجز رغم التحذير المتكرر. و اتى عمدة بلدة الخضر يتوسل القوات الامريكية ان يسمحوا لهم بهب العربات العراقية التي دمرت. حيث اشتكى من ظروف القرية السيئة. و وافق الامريكيون على ذلك.


===================

من بلدة الخضر ننتقل الى مدينة الخبر في السعودية. فبعد 6 اسابيع من الحرب، تحول موضوع صواريخ السكود من مصدر للقلق و الاستنفار الى امر اقرب للازعاج فقط. و صار معدل اطلاق الصواريخ العراقية حوالي صاروخ في اليوم. و انتاب الجميع شعور بالأمن من هذا الخطر. و بدل الهروب الى الملاجئ صار الجنود يصعدون الى الاسطح على امل مشاهدة المعركة بين السكود و الباتريوت.

تغير هذا الكلام يوم 25 فبراير. ففي الساعة 8:32 صباحا التقط القمر الصناعي الاشعاع الحراري المرافق لاطلاق صاروخ سكود من منطقة القرنة (جنوب البصرة). و خلال 3 دقائق وصل الانذار الى بطارية الدفاع الجوي في الكتيبة الثانية اللواء السابع دفاع جوي في الظهران. و بعدها بدقيقة رصدت البطارية الصاروخ العراقي و هو يصعد فوق الكويت على مسافة 100 كم.  

بسبب كون مدى الصاروخ هو خارج مدى عمليات تلك الوحدة، فقد اكتفوا بمراقبة الصاروخ طوال نصف دقيقة. و نفس الحال تكرر مع الوحدتين دلتا و ايكو اللتان رصدتا الصاروخ و لكنه كان خارج مدى عملهم. و كان الصاروخ يتجه نحو منطقة مغطاة بوحدتين الفا و برافو المتموضعتين في قاعدة الظهران الجوية و التي تعد اهم هدف عسكري امريكي في شرق المملكة العربية السعودية. الوحدة برافو كانت مطفأة منذ 4 ساعات ﻷعمال صيانة على الرادار. و جلس طاقمي الوحدة الفا على اهبة الاستعداد يستمعون لتقارير الوحدتين دلتا و ايكو حول تقدم الصاروخ. و كانت كل المؤشرات تشير الى ان الوحدة جاهزة 100% للاعتراض بمجرد بروز الهدف.

و لكن كل المؤشرات كانت خادعة. فقد تسبب خلل في برمجيات الباتريوت في اعماء رادار النظام عن الصاروخ العراقي. فقد تبين ان حسابات الباتريوت المستمرة تعطي خطأ حوالي واحد من المليون من الثانية لكل ثانية. يعني يجب ان يعمل النظام حوالي 11.5 يوم ليصير فيه خطأ ثانية واحدة. و كان نظام العمل حين تحارب عدوا كفؤا (مثل السوفيت مثلا) ان تطفئ الرادار و تغير موضع العمليات كل عدة ايام. لكن العراقيين لم يكونوا سوفيت. و اهمل الطاقم الامريكي هذا الاجراء الروتيني و لم يتم اطفاء الرادار افترة طويلة. و في يوم الحادث كان النظام يعمل بشكل مستمر لليوم الرابع على التوالي، مما شكل خطأ حسابي حوالي ثلث ثانية. و بسبب سرعة صاروخ السكود، فان هذا الخطأ البسيط في التوقيت يتحول لخطأ بحوالي 500 متر في توقع مسار الصاروخ. و بالتالي بحث حاسوب التتبع في السماء الفارغة و لم يجد الصاروخ!

و الحقيقة فقد كاشف الاسرائيليون الامريكان بهذا الموضوع في فبراير 11 بسبب استخدامهم تقنيات لدراسة مدى فعالية الباتريوت في المواجهة مع السكود (و قد رفض الامريكان استخدامها بسبب خوفهم من تأثيرها على الباتريوت نفسه). و قد حذر الاسرائيليون من ان النظام يفقد الفعالية بدءا من الساعة الثامنة من التشغيل المتواصل. و اعتبر المصنعون ان المشغلين لابد و انهم يطفئون النظام الصاروخي كل بضع ساعات (تماما كما تفعل مع حاسوبك) و اعتبر التحديث ثانويا.

ارسلت النسخة المحدثة من البرنامج (كان الهدف الاساسي هو تحسين فعالية رصد السكود من بين شظاياه). و قد وصلت الاشرطة الى نيوجيرسي يوم 22 فبراير. و وصلت الرياض يوم 24 فبراير. و كان من المقرر ان يصل الى البطارية المنكوبة يوم 26 فبراير. اي خلال اقل من يوم على الكارثة التي حصلت. 

نعود لطاقمي الباتريوت المساكين. فقد استمرا يحدقان في الشاشة 90 ثانية دون رؤية اي شيء. و تحققا من عمل النظام و كان يشير الى انه يعمل بكفاءة. و ضربت صفارات الانذار في مدينة الخبر على بعد 5 كم من النظام الدفاعي. و كان هناك مستودع ضخم للجيش الامريكي و خيمت على اطرافه وحدة من 127 جندي من الاحتياط (يقومون باعمال غير قتالية). و لسبب ما تأخر اطلاق الصفارات في الخبر لما قبل السقوط بثلاثين ثانية فقط. و لم تكن في تلك المنطقة اية ملاجئ تحت الارض. و كانت تعليمات الجنود "ابق في الداخل عند سماع الانذار". و كان ان نزل الصاروخ العراقي (لعله الوحيد الذي لم يتفكك في السماء) على المستودع و على من فيه.

كان عدد القتلى 28 و الجرحى 98 اكثر من نصفهم من تلك الوحدة الغير قتالية المنكوبة التي كان معدل خسائرها في تلك الحرب اكثر من 75%!

سوء التوفيق العجيب في قصف الخبر ذكر الجميع بالتوفيق العجيب الذي صاحب الحلفاء اثناء الحرب. فلا احد يستطيع تخيل تأثير مثل هذه الضربة لو حصلت في اسرائيل اول الحرب مثلا.


==============================

"عليك ابقاء الضغط على العدو طوال الوقت" هذا كان محور مكالمة شوارتزكوف مع قيادة الفيلق السابع. و كان هناك احباط كبير في القيادة من التأخر المظهري لهذا الفيلق مقارنة بقفزات فرقتي المار ينز و الفيلق الثامن عشر المظلي. و بدأ صبر الفيلق السابع على هذه الانتقادات ايضا ينفذ، حيث بدأوا بالرد بحدة على مثل هذه الاستفسارات باجابات من قبيل: "السبب انه لا يوجد اي عدو امامهم، كل ما يفعلون هو السير فوق جرذان الصحراء و سحاليها".

هذا الكلام كان سهلا على الورق. لكن اندفاع الفيلق المدرع من عنق الزجاجة (المنطقة الضيقة التي اخليت من الالغام) استغرق وقتا طويلا. على العموم، طار الجنرال فرانكس بالمروحية الى الفوج الثاني المدرع الذي كان متأخرا في جدوله. و كان مسرح العمليات يسوء كل ساعة بفعل العواصف و المطر. و قد طلب قائد الفوج (جون هولدر) من قواته عمل خط دفاع لحين قدوم قوات الفرقتين المدرعتين القادمتين من الجنوب لتعزيز اطرافه. لم يعجب القرار فرانكس و قال له: لا دفاع! لا دفاع! تقدم و اشتبك مع العدو امامك و ان لم يكن هناك عدو تقدم حتى تصل له. حافظ على الاشتباك، لكن لا تخض معارك حاسمة تثبت قواتك.

 وصل الجنرال فرانكس الى النقطة التي يجب عندها ان يقرر كيف سيواجه الحرس الجمهوري. فقد تجاوزت قواته البوسيه. و بدأ في دراسة الخارطة و تقارير الاستخبارات ليقدر ما هي نوايا العراقيين. في الاربع و العشرين ساعة الاخيرة كان لدى الطرف الامريكي صورة عن الجيش العراقي انه جيش منهك و لا يزال يحاول عمل خط صد دفاعي امام الاندفاع الامريكي. و امام الجنرال فرانكس فالخط الدفاعي الاول (الفرقتين 25 و 26 مشاة) كان بحكم المنتهي. و كلا الفرقتين لم تكن على اتصال مع قيادة الفيلق منذ اسبوع. و كانت المعنويات سيئة و العتاد الثقيل مدمر بشكل شبه كامل.

لكن خلف هذين التشكيلين توجد 4 فرق حرس جمهوري:
1- فرقة توكلنا على الله غربا
2- فرقة المدينة في الوسط
3- فرقة حمورابي شرقا
4- فرقة عدنان شمالا (عند البصرة).

و قد تحرك لواءان من الفرقة 12 المدرعة للجنوب باتجاه حفر الباطن للتصدي لهجوم مزيف قام به الفوج الاول. و تحرك لواء مدرع 50 لشمال شرق لعمل خط صد اول امام فرقة توكلنا. و فهم الامريكيون من هذا التحرك ان هذا اللواء و من خلفه فرقة توكلنا سيعملوان حائط صد تنسحب من خلفه قوات الفيلق العراقي الثالث الموجود داخل الكويت. و كان التقدير ان فرقة توكلنا ستكون سلبية الحركة بانتظار قوات التحالف مع نشر استطلاع بعمق 7 كم غرب مواضعهم لكشف اي تحرك للتحالف. و هذا ما يفسر طلب فرانكس من الفوج المدرع التقدم حتى ملامسة العدو.

مع تقدم البريطانيين في نفس الجبهة. كان التأخر البارز هو من طرف الفرقة الاولى الامريكية. التي كانت بقايا الفرقة 26 مشاه العراقية (و الكثير من افرادها الذين اصبحوا اسرى) و اخيرا شارفت الفرقة على هدفها الاخير في الشمال (مدينة البوسية) و التي يتوجب عليهم السيطرة عليها قبل الانعطف شرقا. و كانت المدينة (او بالاحرى البلدة) عبارة عن 50 مبنى. و كان فيها كتيبتان عراقيتان للدفاع عنها. و كان تقدير قائد الفرقة الاولى انه يستطيع اخذ المدينة قبل حلول الظلام. و اتصل بقائد الفيلق ليخبره انه يفضل ذلك بسبب احاطتها بالاودية و التي من الخطر التقدم فيها ليلا بسبب احتمال فقدان بعض الدبابات. الخيار لك في ان نتقدم الان (كانت الساعة 6 مساء) او ان نقصفهم طوال الليل و ناخذ المدينة عند اول ضوء. و فضل فرانكس عدم خسارة قوات بدون داع بسبب قتال الليل (رغم تعليمات الرياض المشددة بالاستعجال).   

و اخيرا بدأت اصابع (القبضة) التي سيضرب بها فيلق فرانكس تتجمع. و كان عليه الان مسؤولية تحديد اين سيضرب الحرس الجمهوري العراقي. و كان القرار ان يضرب التشكيات العراقي على حدود الكويت-العراق الغربية بدلا من ان يكمل حركة الخطاف و يستمر بالمسير نحو البصرة. و بانتظار ان يسمح شواتزكوس للفوج الاول مدرع ان ينضم لقيادة فرانكس و بحساب انه سيكون جاهزا على الخط في يوم الثلاثاء (ثالث ايام القتال) ستكون المواجهة بين خمس فرق مدرعة امريكية و خمس فرق مدرعة عراقية.

ما يجد ذكره ان الفيلق المدرع وضع عدة سيناريوهات لقتال الحرس الجمهوري. و كانت احداها خطة من 9 صفحات اطلق عليها اسم
Frag plan 9. و كانت الخطة على اساس ان تشكيلات الحرس الجمهوري لن تتحرك من مواضعها ازاء التحرك الامريكي. و كانت مواضع القطعات مشابهة على الارض لدرجة ان كل ما كان على فرانكس ان يفعل هو ان يطلب تنفيذ هذه الخطة. في هذه الاثناء كان شوارتزكوف يتصل في كل فائد فيلق (من المار ينز الى المجوقل) و يعنفهم و يفهم كل واحد منهم انه متأخر عن  جدوله! رغم انه طلب من تلك القوات التوقف قليلا بسبب تأخر قوات فرانكس و تأخر المصريين الامر الذي كان سيكشف اجناب المار ينز و القوات المجوقلة.

=========================================
التقارير الواردة عن الاشتباكات مع قوات التحالف في اقصى الغرب نبهت قيادة الاركان العراقية الى ما يحصل. و ان هناك تهديد حقيقي ان يتم حصار كامل الجيش العراقي في الكويت. و تم التصرف كالتالي:
1- اصدار الاوامر لخمس فرق من الحرس الجمهوري و الفرقة 17 مدرعة و باقي الفرقة 12 مدرعة بصد هجوم الفيلق السابع الامريكي.
2- تم اعادة توزيع 3 فرق اخرى بين المدن العراقية الرئيسية حيث تم مثلا سحب فرقة بغداد و فرقة القوات الخاصة من شمال الكويت الى العاصمة. و تم تحريك فرقة الفاو للبصرة للبدء بتحضير الدفاعات.
3- تم اصدار الاوامر للفرقة السادسة مدرعة، الاولى ميكانيك، و الثالثة مدرعة بتغطية انسحاب الجيش العراقي امام تقدم المار ينز من جهة الجهراء. 



بدأت رائحة الانسحاب العراقي تصل انوف قوات التحالف. فقد بدأت تقارير الناشطين الكويتيين بايصال تفاصيل تحركات كبيرة للقوات العراقية للشمال. و كانت التقارير تذكر ان القوافل تشمل مركبات عسكرية و مدنية. وجه قائد العمليات الجوية طائرات
JSTARS (طائرة تشبه الاواكس و لكنها مخصصة لرصد المركبات الارضية). ان تستطلع الموقف.

و اظهرت تقارير الطائرة تحركات كثيفة على الطريق بين مدينة الكويت و البصرة. و تم رصد حوالي 150 الية عند مدينة الجهراء شمال الكويت. و طالب قائد العمليات الجوية اطقم السرب الرابع
F-15 الذي عاد للتو من مهمته ان يعود للسماء ليدمر هذا الموكب. و قام السرب بالقاء القنابل العنقودية امام الموكب و من ثم خلفه لحصره في منطقة المطلاع و خلال ال 48 ساعة التالية تم ضرب الموكب مرارا و تكرارا من قبل سلاح الجو عند منطقه المطلاع في عمليه حققت شهرة اعلامية واسعة بسبب حجم الدمار الهائل و سمي الطريق بطريق الموت.

و كان هذا هو سر غضب شوارتزكوف من تأخر الفيلق السابع المدرع. فالعراقيون ينسحبون و لا توجد قوات على الارض لتوقفهم. و سلاح الطيران لا يستطيع ان يقوم بمهمة تدمير طرق الانسحاب و منع العدو من الهرب بشكل كامل. و لكن في يوم الثلاثاء كانت القوات المتقدمة للشرق نحو الكويت تبعد 50 كم عن الحدود و 60 كم اخرى عن الطريق السريع.

عموما صارت قوات فرانكس جاهزة للهجوم. و كانت المشكلة الوحيدة هي مدينة البصية. فبينما وعد قائد الفوج المدرع الامريكي باحتلالها قبل الساعة 9 صباحا. لم ينجح القصف المكثف طوال الليل باكثر من 1300 صاروخ و 1400 قذيفة مدفعية من عيار 155 مم في دفع كتيبة العراقيين في المدينة للاستسلام. فتم محاصرتهم داخل المدينة بكتيبة معها مدفع 165 مم القادر على هدم منزل بقذيفة واحدة ليقوم بتدمير كل المباني (استسلمت الكتيبة العراقية عند الظهر) و استمر التقدم الامريكي شرقا. 

اول مشكلة: الجو السيء الذي لم يسمح لمروحيات الفيلق السابع الامريكي ان يستكشف امام القوات. و بالتالي لم يكن يعرف فرانكس اين قوات الحرس الجمهوري. و كانت المشكلة لدرجة ان السرية الرابعة المدرعة (عربات برادلي) و التي تعمل امام القوات كقوات كشف اتصلت بفرانكس ليرسلوا تقرير ان الرؤيا صارت اقل من 300 متر. و بعد تردد قرر فرانكس ابقاء تلك القوات امامه بدل سحبهم.

عند وصول السرية الى حدود الكويت الغربية مع العراق بدأ اطلاق نار متفرق من الاسلحة الفردية. استطلعت السرية بالمناظير الحرارية لتجد دبابات و مدرعات و مشاة. تم ارسال التقرير بالقوات التي امامهم بدون معرفة اي فرقة امامهم. تبين لاحقا ان ما كان امامهم هو الخط الاول - مكون من 6 دبابات
T-72 و 18 مدرعة - من فرقة توكلنا على الله. المدهش ان الامريكان - وقد اعماهم الغبار - دخلوا منطقة القتل العراقية و كانوا على بعد 200 متر من مدافع التشكيل العراقي الاول.

و بدأ الرمي بالدبابات العراقية. ذهبت سرية اخرى لاسناد السرية الرابعة الامريكية في مأزقها. و ضرب افراد السرية شعلة ضوئية حمراء لتحديد مكانهم. و لكن الرياح اطفأت الشعلة داخل الرمال. و توزعت خلف عربات البرادلي دبابات الابرامز. و التي بدأت تطلق النار بدون اذن. و كانت اول اصابة لعربة البرادلي من النيران الصديقة. و كان تبادل النار بين الاسلحة الرشاشة العراقية و مدافع البرادلي. و كانت القذائف العراقية بعيدة اول الامر. و لكن مع تصحيح الرماية بدأت تقترب ﻷمتار. تم انقاذ 3 من طاقم البرادلي و لكن مات احدهم من جراحه لاحقا. اصابات اخرى تحققت للعراقيين بالاسلحة الرشاشة و حاولت اطقم صيد الدبابات العراقية الاقتراب لتحقيق اصابات مباشرة. و تم ضرب برادلي اخرى من الخلف بنيران صديقة مع مقتل جندي و جرح اثنين. و اطلق الامريكيون الدخان و تراجعوا. تم تدمير 3 عربات برادلي من اصل 14. و تم اصابة كل عربة بنيران رشاشة او بمضاد الدروع. و في المقابل تم تدمير معظم القوة العراقية. في المحصلة قتل جنديان امريكيان و جرح 12. لاحظ عزيزي القارئ ان هذه المعركة كان فيها الظرف لمصلحة الجيش العراقي. فالقوة الوحيدة للعدو التي لا تمتلك الابرامز هي التي دخلت بدون اي انذار الى منطقة القتل العراقية. و كان المفروض ان يكون العراقيون اقدر على على اصابة عدوهم. و بدون طيران معادي.

سنستخدم نفس الخارطة لنذكر بسير العمليات في اقصى الغرب:
1- يجب على الفرنسيين ان يحتلوا مدينة السلمان و يكون هذا اخر هدف عسكري لهم
2- تقوم سرايا الهندسة الامريكية بتطهير المطار هناك لاستخدامه كقاعدة عسكرية لارسال الوقود و الذخيرة للقوات في الشرق.
3- تترك الفرقة المجوقلة 82 المنطقة و يتوجه شرقا للحاق بباقي الفيلق المجوقل.



مدينة السلمان كانت فارغة. قبل الحرب كانت التقديرات كان عدد سكانها 3 الى 7 الاف. و لم يجد الفرنسيون اكثر 12 شخصا هناك. عمد العراقيون لتفخيخ الكثير من الابواب و ممرات في المباني المهجورة. و قتل فرنسيان من حادث من هذا النوع.

و بدأت سرية هندسة في تنظيف المطار الكبير من الوف الذخائر التي القتها طائرات التحالف عليه طوال اسابيع القصف الخمسة. و كانت المهمة شاقة و مستعجلة و بنفس الوقت حساسة. و لكن تداخل المطالب و خوفا من عدم كفاية متفجرات
C-4 المستخدمة في تفجير القذائف. بدأ افراد بعض السرايا بالتساهل في اجراءات الامن:

1- تم تجميع الكثير من الذخائر في اكوام للتفجير.
2- سرايا الهندسة صارت تعمل كمجموعة بدل ازواج.

و وقع خطأ ما و ادى لانفجار احدى اكوام الذخائر في فريق من 7 افراد. و قتلوا جميعا و بالكاد وجدت اجزاء اجسامهم. عموما. انتهت المهمة و بدأت الفرقة 82 تتقدم للشرق. و كانت الفكرة ان يمر اللواء قبل فرقة المشاة 24. و لكن رفض قائد الفرقة ان يعطيهم الاولوية. سبب هذا زحاما و شجارا كبيرا بين القيادتين قبل حل الاشكال. و شهور خلت بعد الحرب اتهم كل طرف الطرف الثاني انه هو سبب تعطيل حركة الخطاف لثلاثة ايام.   



==================================


لا يوجد تحد في العسكرية يواجه الجيوش مثل الانسحاب من ارض المعركة تحت الضغط. و يتطلب هذا من الجنود و من القادة الثقة بقادتهم و بقدراتهم. و كذلك استخدام تكتيكات مناسبة للانسحاب. اضافة للكثير من الحظ و سوء التقدير للعدو المتقدم. و الهدف من الانسحاب هو الحفاظ على ما يمكن من قوات و عتاد و معنويات لجولة اخرى ضمن ظروف افضل.

و ان كان هناك بعض المشاكل في تنفيذ الجيش العراقي لبعض الواجبات البسيطة بسبب ظروف الجيش و ظروف الحرب. فما بالك الان بهذا التحدي العملياتي الاصعب. خصوصا و ان القيادة السياسية العراقية قمعت بشدة اي تفكير بالمناورة او الانسحاب (حسبما اشار القائد رعد الحمداني في شهادته) و بالتالي لم يكن هناك اي نوع من التحضير. اضافة لمشاكل الاتصال و سيطرة العدو المطلقة على الجو. العامل الوحيد المساعد كان الجو السيء، و هو ما لن يستمر طويلا.

كان العراقيون، طوال شهور الحرب، يمارسون الصمت اللاسلكي بشكل يثير الاعجاب حقا. بحيث تم تخفيف الاتصال اللاسلكي و الاشارات اللاسلكي حتى لا يستطيع العدو ان يتنصت او ان يعرف اماكن الاتصال. و كان الالتزام العراقي في هذا الموضوع سببا لشك الاستخبارات العسكرية للتحالف ان عقوبة المخالف هي الاعدام.

المشكلة في هذا الموضوع، ان مهارة تنسيق الاعمال العسكرية و الاتصال هي مهارة تحتاج تدريب مستمر و الا تراجعت قدرات الاطقم. و هذا الاذى يسمى في الادبيات العسكرية (الصمت اللاسلكي الانتحاري).

و جلست عشرات اللواقط الاجنبية من سواتل و طائرات و قوات على الارض تنتظر اي اشارة عراقية غير منضبطة. و مع بدء طيران التحالف في قصف مراكز السلكية العسكرية. بدأت بعض وحدات الاشارة بارسال بعض الاشارات من حين ﻷخر. و كان هناك نقاش مستفيض بين المهندسين الامريكيين حول اذا كان من الافضل التنصت على الاشارات العراقية او التشويش عليها. حيث كانت توجد محطة تشويش شمال السعودية بقدرة 5000 واط. من المعروف ان الارسال اللاسلكي يبدأ بارسال مفتاح الشيفرة و بعدها الرسال المشفرة. و كان الامريكيون في بعض الاحيان يشوشون فقط على اول الارسال مما يفقد الرسالة قيمتها و يجبر العراقيين على الاتصال بدون شيفرة.

هذا بالنسبة للجيش العراقي. اما الحرس الجمهوري، فلم يتم اي ارسال لا سلكي منذ سبتمبر 15! اي منذ اكثر من 4 اشهر. و كان الاتصال من خلال خطوط ارضية مؤمنة، اجتهدت المخابرات العسكرية للتحالف في تحديد مواضعها. و تم عمل مخطط بعقد الاتصالات التي يستخدمها الحرس الجمهوري في مسرح عمليات الكويت. و قبل الهجوم البري بيوم تم تحديد انه من اصل 14 عقدة اتصالات لا سلكية و سلكية، تم قصف 10 و ترك 4 شمال الكويت على امل ان يستخدمها الحرس الجمهوري بحيث تكشف مواضع الفرق.

و نجحت الخطة. و مع اضطرار فرق الحرس الجمهوري للحركة و تغيير المواضع صارت الخطوط الارضية اقل فائدة و تم اللجوء للاشاراة اللاسلكية. و لأول مرة، تم سماع قيادة اركان فرقة توكلنا على الله ترسل اشارة للقوات بعمل ستار دفاعي. و حصل ارسال اخر من البصرة يحذر الفرقة من اختراق الصمت اللاسلكي، و تم الرد على الرسالة ان المعركة باتت قريبة و ان العدو بات امامهم بما لا يجعل للصمت اللاسلكي اي فائدة.

بعد 6 ساعات، تم اخبار حمورابي ان ناقلات الدبابات و القاطرات في الطريق لنقل دروعهم و مدفعيتهم للشمال. و تم اخبار فرقة المدينة ان تدمر اي معدات لا يمكن اخلاؤها و التحرك جنوب غرب لعمل حائط صد.

هذه المعلومات وصلت لشوارتزكوف، و اتضحت الصورة امامه. قائد فرقة توكلنا يحاول بشجاعة عمل حائط صد بألويته الثلاث زائد لوائين من فرق اخرى. و لكن نظام الاتصالات و التحكم لم يكن جيدا عنده. فهو من يحدد حركة الالوية بدلا من التنسيق مع قادة الالوية. و بالتالي ستكون توكلنا كبش الفداء. تتبعها فرقة المدينة في الدفاع. بينما تنسحب حمورابي مع ما يمكن انقاذه من قوات من جنوب الكويت للدفاع عن البصرة. و قد قدرت الاستخبارات انه من اصل 43 فرقة للجيش في جنوب الكويت، صارت 26 بحكم المنتهية. و تم اسر اكثر من 30 الف جندي. و بينما كان كولن باول يظن ان العمل البري قد يستغرق اسبوعين على الاكثر. صار الامر مسألة ايام.

كان على شوارتزكوف اتخاذ قرار اخر حول سير المعارك: الفرقة 1 المدرعة بقيت حتى الان كاحتياطي استراتيجي. و كان هناك اقتراحات بوضعها في خدمة فرانكس في هجومه المرتقب على الحرس الجمهوري منذ بداية العمل البري. لكن شوارتزكوف بقي مترددا لمدة يومين. (ماذا لو شن العراقيون هجومهم المضاد من جهة المصريين؟ و ماذا لو هزموهم بينما كل قواتنا في الشمال؟). لكن الان صار هذا الاحتمال بعيدا جدا. حيث وصل المصريون (اخيرا) لمعسكرات الابرق غرب الكويت و اخيرا وافق شوارتزكوف على زج القوات في المعركة مع الحرس الجمهوري. و هاتف فرانكس نورمان و بعد نقاش سريع (اراد فرانكس التوقف بسبب وجود لواء عراقي لم يتم تدميره بعد جنوب قواته لكن شواتزكوف قال له ان يكمل التقدم شرقا) اعطى شوارتزكوف فرانكس خلاصة الرسالة اللاسلكية العراقية و بالتالي ان ما سيكون امامه ليس 5 فرق من الحرس الجمهوري. بل فرقة واحدة هي توكلنا. و لملاحقة العدو المنسحب لا مفر من استمرار العمل حتى ليلا.

==============

صدر الامر لقائد الفوج الثاني دروع ( 8 الاف جندي - 125 دبابة ابرامز مع عربات برادلي) للتقدم نحو خط الطول 60 شرقا (60
Easting). و كانت اوامر الفيلق ان لا يزج باكثر من قوات الكشف للاشتباك مع العراقيين الى حين وصول الفرقة الاولى المدرعة (300 دبابة ابرامز). و لكن قائد الفوج توسع في الزج بقواته، ربما خوفا من تكرار ما حصل مع عربات البرادلي في المواجهة السابقة.

و كانت توقعات فرانكس ان فرقة توكلنا تتواجد عند خط طول 70 شرقا. و تم الرصد في الساعة 7:15 صباحا بواسطة المروحيات التي رصدت دبابة تي-72. و بعد ساعة ضربت قوات الكشف مدرعتين و اسروا نقيب عراقي درس في مدرسة فورت بيننغ العسكرية الامريكية و كان يتحدث الانجليزية بطلاقة. و ازدادت الاشتباكات مع اصطدام قوات الكشف بحواجز عراقية حوالي 10 كم غرب خط الطول 70.


امر فرانكس قوات الكشف بالتقدم الى خط الطول 70. و في نفس الوقت اشتدت الرياح الشمالية مما خفف مدى الرؤيا الى عدة مئات من الامتار (مدى المناظير الحرارية). و بدأت القوات تتقدم ببطئ شديد على اساس ان العدو بدأ ينسحب، فلا داعي للاسراع خوفا من الخسائر (عكس رؤية القيادة العليا في الفيلق و فيادة الاركان).

عند الساعة 4 عصرا. خفت حدة الرياح و لكن الغبار لا يزال يخفف مدى الرؤية. و قد وصل الامريكان لمسافة 500 متر من القوات العراقية (نصف المسافة المفضلة للاشتباك للدروع للأمريكان). انطلقت 3 سرايا (كل واحدة 140 جندي - 12 برادلي - 9 ابرامز) للشرق. بدأت اشتباكات بالاسلحة الفردية و تم اسكاتها. و من ثم تم اعادة تشكيل التسع دبابات لتصبح في مواجهة الشرق بينما البرادلي خلفها. و ما ان تم تجاوز التل حتى بدأ القصف. حيث كانت توجد 8 دبابات عراقية متخبئة خلف قمة التل على امل مفاجئة الامريكان بالضربة الاولى.

خلال ثوان تم تدمير 3 دبابات عراقية باستخدام المناظير الحرارية. و كانت الضربة العراقية بعيدة عن الهدف. و استغرق الملقم الالي لدبابة تي-72 10 ثوان كاملة لاعادة التذخير! و كان المراقب الامريكي يلاحظ ارتفاع سبطانة الدبابة العراقية قليلا اثناء التحميل. مما يعني انها لن تطلق النار لعدة ثوان! و لم يكن امام تلك السرية العراقية اي منظاير حرارية. و من خلال الغبار كانت المعركة اشبه بمعركة بين المبصر و الاعمى.

دقائق و انتهت المعركة بتدمير الدبابات العراقية. و تظاهر بعض العراقيين بالموت حتى تمر الدبابات الامريكية من بينهم و من ثم كانوا يحاولون اطلاق القذائف الموجهة على الابرامز من الخلف.

على بعد حوالي 2 كم شرق هذه المواجهة. كان هناك نسق ثاني من قوات فرقة توكلنا: 17 دبابة تي-72. و تم ارسال اشارة بالراديو الى السرايا بالتوقف ﻷنها وصلت حد الخط 70 المرسوم في الخطة حتى الان. و كان الرد انهم لا يستطيعون التوقف ﻷنهم في حالة اشتباك مع العدو. و مع حلول العصر تم ضرب النسق الثاني العراقي و وصلت السرايا الى مسافة 3 كم شرق الخط 70. و نفس الحال تكرر مع السرية الثانية في الشمال. مع خسارة عربة برادلي واحدة قتل فيها السائق بصاروخ تاو من كتيبة مجاورة. خسر العراقيون اكثر من 30 دبابة في المواجهتين و مثلها من عربات مدرعة. و استمرت المواجهتين اقل من نصف ساعة. اما المواجهة القوية و التي استمرت لساعات طوال فقد كانت مع السرية الثالثة في الجنوب. حيث كانت الاطقم العراقية من الذكاء بحيث انها اطفأت كل الدبابات بحيث لا تستطيع ان تراها المناظير الحرارية الامريكية. و عندما وصل الامريكان مسافة 500 متر. بدأت المعركة. كانت مشكلة العراقيين انهم اختبأوا خلف التلال بشكل كامل. و هو ما حجب رؤيتهم هم. و كلنه لم يحميهم من رمايات التاو.

و كان الامر اشبه بتدريب رماية للأمريكيين: الدبابات على شكل اقرب للخط (او
V) و الدبابات الخارجية تضرب من الخارج للداخل و الدبابات الداخلية تضرب من الداخل للخارج. و عربات البرادلي في الخلف للحماية - و هي تملك مناظير رؤيا اقوى - تعين الاهداف العراقية بواسطة صلية رشاش تلحقها دبابة ابرامز بقذيفة. حاربت قوات الفرقة العراقية بقوة لكن بدون فعالية. و سجل الامريكان اصابة بدن الدبابات و المدرعات بالرشاشات العراقية و بنيران الهاونات و حتى تم رصد بعد اطلاقات صواريخ الساعر لكن بدون اي اصابات حاسمة. باستثناء اصابة واحدة من عربة BMP عراقية. اطلقت قذيفة عيار 73 ملم لامست عربة برادلي، و خلال ثوان اطلقت قذيفة ثانية و اصابت البرادلي مباشرة و قتلت الملقم و جرحت جندي اخر.

انتهت فرقة توكلنا كتشكيل قتالي متماسك. لكن بسالة الجنود العراقيين استمرت على شكل هجمات فردية بدون اي تنسيق و لمدة 3 ساعات. هم يتقدمون حتى يصلوا منطقة القتل للقوات الامريكية و يتم ضربهم و هكذا. و قد كانت هناك اسهامات من المدفعية و من الطيران في ضرب الفرقة العراقية حتى انتهى القتال حوالي الساعة 10 مساءا.

الحصيلة: اطلاق اكثر من 300 دانة مدفع و صاروخ تاو. تدمير اكثر من 200 الية عراقية. تدمير لواء من فرقة توكلنا و اجزاء من الفرقة 12 المدرعة. و هنا ظهرت نتيجة اول معركة حقيقية بين الجيش الامريكي و الحرس الجمهوري: لا مجال للمقارنة. عموما الخسارة التكتيكية العراقية كانت غير ذلك من الناحية الاستراتيجية (كرأي شخصي). فقد كانت مهمة الفرقة العراقية هي ايقاف تقدم الفيلق المدرع الامريكي لشراء وقت للجيش العراقي لينسحب. و قد اشتروا لهم نصف نهار بمساعدة الجو.  
========================================

في اليوم الثاني للقتال البري. و بعد ان بدأت الصورة العسكرية شبه محسومة. بدأ كولن باول يبحث عن الموعد المناسب لوقف اطلاق النار! و تكررت تقديرات اقتراب الحسم مع اليوم الثالث في كل اتصال بين شوارتزكوف و باول. و تم سؤال سلاح الجو عن المدة المطلوبة لاعلامهم بوقف اطلاق النار (3-4 ساعات كان جوابهم).

و قد كان هناك رجل واحد مخول بتحديد متى تستوي الطبخة و يمكن وقف اطلاق النار. الا وهو كولن باول. فقد منحه الرئيس الامريكي كامل الثقة منذ بداية الحملة. و قد كان التدخل الوحيد للرئيس الامريكي هو الطلب من الجيش عمل ما يمكن عمله لايقاف دخول اسرائيل الحرب. و هذا هو ملخص الدروس التي تعلمها الساسة من حرب فيتنام (لا تتدخل في الحرب الا باضيق الحدود).

و قد اقتنع هذا الرجل بان الحرب حققت اهدافها في اليوم الرابع للقتال. حيث ازعجته الصور المرعبة التي اتت من "طريق الموت" حيث شن طيران التحالف في ذلك اليوم 3159 غارة على الجيش العراقي المنسحب. و قد كانت النتيجة الاف السيارات و الباصات المحترقة مع عشرات الدبابات و المدرعات. و الحقيقة حين اعلنت اذاعة بغداد ان الجيش سوف ينسحب من الكويت، كانت التقارير انه لا توجد حركة مركبات من الكويت للعراق بسبب هذه المحرقة. و سارع بوش للاعلان ان العراق يحاول ان يسرق نصرا من تسمية فلول قواته المهزومة قوات منسحبة. و ان الحملة ستستمر حتى يعلن العراق قبوله كل قرارات مجلس الامن. و قد امل بوش ان يسبب هذا الاحراج للرئيس العراقي في قلب نظام حكمه.

اضافة الى ان القصف الجوي لم يعد يحقق اي مكاسب مهمة. فقد كان هناك مقررات معاهدة جينيف التي تمنع ضرب العدو الذي يكون جليا انه يحاول الاستسلام. و قد ترك الامريكيون كل الجنود العراقيين الذين كانوا خارج مركباتهم القتالية. و رفض باول اي اقتراحات باكمال الزحف لبغداد و اراد ان ينهي الحرب بشكل لا يبقى اي حاجة لبقاء اطلاق النار او وجود قوات امريكية بعد انتهاء الحملة. و كان باول ضد تحطيم النظام العراقي بشكل يخلق فراغا يكون النظام الايراني او السوري جاهزين لملئه.

بحلول يوم الخميس، كان باول يعلم ان قواته ستكون على حدود البصرة. و كان هناك شيء يقلقه ان تتواجد قوات متحفزة الى جانب تجمعات مدنية كبيرة معادية. كل هذا اضافة الى ان صور الدمار الكبير الذي حصل على طريق الموت و غيره من القطاعات العراقية سوف تصل الجمهوري الامريكي الذي سيحول النصر من انتصار عسكري مذهل الى مذبحة ضد عدو لا حول له و لا قوة. و رغم ميل شوارتزكوف لاكمال حركة الخطاف نحو البحر فان باول قدّر ان هذا الامر لو تم لن يغير اي شيء. فلا يزال للعراق حوالي 20 فرقة شمال نهر الفرات. و هذه ستنجو من الحرب سواء تم اطباق الحصار على الكويت ام لا.

و تعزز هذا الانطباع في اجتماع خلية الازمة الخاصة بالحرب الذي تم صباح يوم الخميس حيث شعر اعضاء الخلية بالصدمة من صور الدمار على طريق الموت.


================


في الشمال الجبهة (جنوب العراق) سارت الامور يوم الخميس كأي يوم قتال عادي. حيث استمر زحف الفيلق السابع معززا بالفرقة 24 المدرعة (26 الف جندي - 1800 دبابة و مدرعة). و قد وصلت اول الوية الفرقة الى الطريق السريع رقم 8 الذي يربط البصرة بالناصرية في الساعة 1 صباحا. و تم قطع الطريق امام القوات العراقية المنسحبة. و تم اسر 1200 جندي، و تدمير 100 الية عراقية بالدبابات و صواريخ التاو. و قد وضع الفلاحون العراقيون الاعلام البيضاء و وجهوا الدبابات الامريكية لكي تتجنب حقول الطماطم الخاصة بهم.  و جنوب الطريق السريع اكتشف الامريكيون مخزن سلاح هائل (مساحة لا تقل عن 180 كم مربع) بعتاد يكفي جيشا لعدة اشهر.

و رغم الضباب و نقص الوقود، استمر التقدم حسب المخطط. و في الساعة 6:30 صباحا بدأ قصف قاعدة جلبة الجوية بخمس كتائب مدفعية. و كان ارتباك الدفاع العراقي واضحا عندما بدأ العراقيون يطلقون الدفاعات الجوية (كان عدد الرشاشات حوالي 80) ظنا ان القصف ما هو الا غارة جوية جديدة! و اقتحمت الدبابات القاعدة الجوية و بدأت بتدمير كل ما يمكن تدميره من خزانات وقود و طائرات على الارض. عند الساعة العاشرة سقطت القاعدة الجوية.

و بينما كانت معظم قطعات الفرقة تعيد التزويد بالوقود استعدادا للاندفاع نحو البصرة. اقنع قائد الفرقة قائد الفيلق ان يرسل قوات مدرعة لاحتلال قاعدة الطليل غرب قاعدة الجلبة بحوالي 60 كم. و كان الامر محال نقاش بين الاركان. حيث قال المعترضون ان هذه توزيع للجهد لا داع له. بينما قال المؤيدون انه يجب ازالة هذا الخطر قبل استخدام القاعدة كمستودع وقود للقوات المتوجهة غربا. تم ارسال كتيبة دبابات للغرب و توجهت باقي القوات شرقا مع ترك حطام دبابتين و عربتي برادلي سقطوا في قنوات الري المحيطة بالمنطقة و قام الامريكان بضربهم و تعطيلهم.

اما قوات الفوج المدرع الثالث فقد بدأت اندفاعها شرقا منذ مساء الاربعاء. و عند الفجر وصلت القوات الى مسافة 30 كم غرب هور الحمار. و بدأت عملية قصف مكثفة للقطاعات العراقية المدافعة عن غرب البصرة. و كانت الخطة ان يتم ارسال لواء مدرع شمال المدينة و اخر للسيطرة على القناة المائية غرب البصرة و الثالث من الناحية الجنوبية. و بمجرد حصار المدينة، كان تقدير قائد الفرقة انها لن تصمد كثر من 12 ساعة.

و بخصوص الفرقة المجوقلة 101. فقد صدرت لها اوامر يوم الاربعاء: "العدو يحاول الهروب من خلال البصرة و من ثم شمالا. توجه شرقا قدر ما تستطيع". ارسل قائد الفرقة اللواء الثاني مع لواء جوي. اما اللواء الثاني فقفز بالمروحيات لمسافة 120 كلم شرقا و عسكر جنوب معسكر جلبة. و اما اللواء الجوي فهاجمت مروحياته القطعات العراقية على الطريق السريع رقم 6 المتوجه من البصرة نحو القرنة. و تم تدمير السيارات قرب الهور.

جنوب الطريق السريع اسقط الدفاع الجوي العراقي طائرة
F-16. و فيما كان الطيار الامريكي ينزل بالباراشوت بدا العراقيون يطلقون النار عليه! فاستغاث الطيار على الموجة المفتوحة. و توجهت 3 طائرات مروحية لانقاذ الطيار. و لكن كثافة النيران العراقية اجبرت الطائرات على التراجع و اصطدمت طائرة بلاك هوك باحدى الهضاب اثناء المناورة بسرعة عالية. و دمرت الطائرة و قتل 5 من ضمنهم الطيار و مساعده. و اسر 3 اضافة للطيار الامريكي الاول.

كان تقدير الفرقة للنوايا العراقية خاطئا. فالقطاعات العراقية التي دخلت البصرة بقيت فيها للدفاع عن المدينة. و بالتالي لم يجد الامريكيون اي دبابة تخرج من المدينة للشمال. و عليه تم ايقاف طلعات المروحيات و تم التخطيط لارسال لواء مجوقل لقطع الطريق السريع رقم 6 و عزل البصرة من الشمال. و  وافقت قيادة الفيلق على الخطة.  

====================*

بقي امام المار ينز مهمة واحدة قبل اعلان انتهاء عملهم بشكل غير رسمي. احتلال مطار الكويت. قبل ذلك كان المار ينز دخلوا قاعدة الجابر بدون مقاومة (لكن العراقيين فخخوا الابواب و المسجد القريب بالغام ايطالية مضادة للدروع). بحلول المساء تم تطويق المطار الدولي. و خلال ساعات تم تطهير المطار المهجور. و رفع العلم الامريكي و الكويتي ثم انزال العلم الامريكي. و عكفت اركان المار ينز و القبعات الخضر على دراسة خارطة شوارع الكويت لتحديد كيفية دخول المدينة.

كان لشوارتزكوف رأس اخر. حيث كان يرى انه اصوب من الناحية السياسية ان يحرر العرب المدينة. حتى انه طلب سحب قوات المارنز التي دخلت السفارة الامريكية قبل وصول القوات العربية.

اما العرب، فقد بدأت المشاكل بينهم حول من سيدخل المدينة اولا. حيث اصر الكويتيون - بشكل اغضب الامير خالد - على ان يدخلوا عاصمتهم. و بينما كان شواتزكوف يستعجل التقدم المصري (الذي لا يزال بطيئا)، قرر ان يكون الحل توافقيا. يدخل الكويتيون اولا مع دعم من القوات العربية المدرعة (بالاخص المصرية). و باستثناء بعض المستشارين من القبعات الخضر و المار ينز. ستبقى القوات الامريكية في الضواحي. تم تقسيم العاصمة لست قطعات. و كل قطاع يكون مسؤولية قوة كويتية: الوية التحرير، الخلود، الشهيد من القوات الكويتية الملحقة بالقوات العربية الشمالية ( المصرية غالبا) و الوية البدر و النصر و الصدق الكويتية الملحقة بالقوات العربية الشرقية (ألسعودية غالبا).

و قد كان القلق الامريكي من عمليات انتقام محتملة من قبل الطرف الكويتي بعد التحرير مطروحا منذ شهر ديسمبر. حيث كان الخوف على الاسرى العراقيين و المواطنين الفلسطينيين الموجودين في الكويت. و ﻷكثر من شهر، قامت القوات الخاصة الامريكية بتدريب الكويتين على اصول التعامل مع الاسرى و المعتقلين. و كان هناك ايضا قلق ان تحصل مشاكل بين الكويتين الذين رحلوا و الثلث الذي بقي في الكويت.

عموما وصل موكب التحرير مدينة الكويت الساعة 9 صباحا (بعد تأخير ساعتين، حيث اصر القائد المصري على انتظار اذن من الرئيس مبارك للتحرك!). دخل الكويتيون بسيارات نصف نقل تحمل رشاشات على ظهرها و اقاموا الحواجز. و تم اعتقال المشتبه بتعاملهم مع العراقيين. من المستحيل لتحديد كم من عمليات القتل الانتقامي التي حصلت في تلك الايام. لكن عشرات الفلسطينيين تم تعذيبهم بشكل استدعي ادخالهم المشافي و تم اعدام بعض الافراد. و قد ازدادت هذه الاحداث لدرجة انها استدعت انتباه قيادة القوات الخاصة الامريكية. حيث ارسلوا قوات ل 16 مخفر في العاصمة ليطلبوا منهم التوقف عن هذا الهراء. و قد افاد تقرير مركز امريكي لحقوق الانسان ان عدد المحتجزين الفلسطينيين وصل 6 الاف. و طبعا كان للجانب العراقي نصيب من هذه المخازي، حيث قتل العراقيون اكثر من 1000 كويتي حسب تقارير الامم المتحدة. و كان التعذيب بالمثقاب الكهربائي، و الاسلاك الكهربائية، و الاسيد و حتى الاغتصاب.

و كان حجم الدمار و النهب في الكويت يفوق الوسط. من سرقة ذهب بنك الكويت المركزي الى قتل حيوانات حديقة الحيوان و ضرب الرصاص على الفيل الهندي فيها. الى سرقة مقاعد استاد جامعة الكويت البلاستيكية، الى نهب 170 الف شقة سكنية من كل اثاث - حتى الحمامات.

دخل قائد الفرقة الامريكية الكويت العاصمة يوم الاربعاء وسط تهليل الكويتيين. انتهت الحرب بالنسبة للمارينز بخسارة 22 مقاتل و 88 جريح.  

=========================

 و سط الوف من الاسرى العراقيين و الوف اخرين ممن استماتوا في القتال. استمر اندفاع الفيلق المدرع السابع نحو طريق البصرة الكويت. و مع اكتمال الفرق الخمسة، صار امام قائد الفيلق جبهة بعرض 120 كم. و بدأت التفكير بحصار كل القوات العراقية جنوب مدينة البصرة. و كانت الصور و المسوحات تشير الى استمرار حركة الاف المركبات من الكويت للشمال. حيث تجنب العراقيون استخدام الطرق السريعة التي ضربت سابقا.

كان هناك اهداف كثيرة لسلاح الجو ان يضرب. لكن كان هناك اتفاق اثناء الحرب ان لا يدخل سلاح الجو الامريكي شرق خط الطول عشرين مخافة الاشتباك مع طيران البحرية و طيران مشاة البحرية. و هذا الخط ينتهي قبل طريق البصرة الكويت ب 20 كم. و قد طالب قائد الفيلق قيادة العمليات بتعديل الخط حتى يستطيع ارسال طائرات الاباتشي للقضاء على فلول العراقيين. لكن فشلت قيادة الاركان في الاتفاق على ذلك و لم يصل الخبر لشوارتزكوف! و هكذا مع مرور الساعات نجح المزيد من العراقيين في الوصول للبصرة مفوتين على الامريكان فرصة ذهبية لتدمير المزيد من القوات العراقية.

كان هذا محبطا قليلا لفرانكس. لكن شغله الاكبر كان كيفية تنسيق حركة هذه القوات الكبيرة دون حوادث نيران صديقة. ففي اثناء المعركة مع فرقة توكلنا. توغلت بعض القوات الامريكية ابعد من نقاط التوقف المقررة. الامر الذي ادى لتعرضها لنيران صديقة و مقتل 6 جنود و جرح 30 و تدمير 5 دبابات ابرامز و 5 عربات برادلي و ذلك في 3 حوادث منفصلة. صباح الاربعاء اتصل قائد الفرقة المدرعة الاولى بقائد الفيلق و اخبره برغبته بالاندفاع نحو طريق البصرة الكويت. و وعد ان يصل قبل مساء الاربعاء. وافقت قيادة الفيلق.

على جنوبهم كانت القوات البريطانية تتقدم بدون اي خسائر . باستثناء مقتل جندي واحد و تدمير مدرعته يوم الثلاثاء. لكن المقتلة الكبرى كانت بيد النيران الصديقة. حيث ضربت طائرتان
A-10 القوات البريطانية التي كانت مشتبكة مع العراقيين. و رغم ان الانجليز ادعو انهم اعطوا الامريكان احداثيات بعيدة عن تلك النقطة. و رغم ان الطائرتان حلقتا مرتين فوق الاهداف (على ارتفاع عال اول مرة ثم على ارتفاع متوسط ثاني مرة) فلم يروا لا الاضواء الفسفورية و لا حرف V المقلوب للدلالة على انها قوات صديقة. تم اطلاق صاروخي مافريك مما ادى لمقتل 9 جنود و جرح 11. و في اليوم التالي جرح جنديان اخران هذه المرة من نيران صديقة من الارض (دانة دبابة واحدة فقط من اللواء الاول).

كانت الخطة ان يتقدم الانجليز من جانب القوات الامريكية للذهاب شمالا. لكن الانجليز ابدوا قلقا من ان يتسبب هذا بالمزيد من النيران الصديقة. و بالتالي تم تعديل الخطط و اكمال المسير شرقا. و بعد تغيير الخطة مرة اخرى صدر الامر بالمسير. و رفع الجنود البريطانيون اعلامهم على مصفحاتهم حرصا على عدم تكرار الحوادث السابقة. و كان بعض محبي المزاح منهم قد  رفع اعلاما بيضا على سياراتهم ايضا قبل ان يطلب منهم انزالها.

كان تقييم الاستخبارات العسكرية الامريكية انه من اصل 42 فرقة بدأت الحرب في مسرح عمليات الكويت. لم يبق منهم غير فرقتين تشكلان اي خطر على الهجوم الامريكي: فرقة حمورابي و فرقة المدينة. و كانت النكتة بين موظفي البنتاغون ان الجيش العراقي تحول من رابع اكبر جيش في العالم الى ثاني اكبر جيش في العراق. اما فرقة حمورابي، فلم يكن احد يعرف مكانها بسبب الحفاظ على الصمت اللاسلكي و حالة الجو و تغيير المواضع رغم ان الشك هو ان الفرقة رحلت شمالا. اما فرقة المدينة فقد كان مكانها معروفا. و من اسباب كشف موضعها هو خرق الصمت اللاسلكي باشارة ان الفرقة تشكل خط دفاعي ثاني خلف فرقة توكلنا 50 كم جنوب البصرة.

اما فرقة توكلنا فقد انتهت: لواء دمر في معركة الخط 73 و لوائين دمرا بعدها. و في اكثر من مرة ذكرت تقارير الامريكان ان العراقيين كانوا متفاجئين من سرعة التقدم الامريكي لدرجة انهم امسكوا بعدة قطاعات و بطاريات الدبابات مفكوكة و تستخدم لأغراض الانارة و التدفئة! و اخيرا بدأت طلائق الفرقة الثالثة المدرعة تصل حدود الكويت.

جنوب العراق، عند الفرقة الاولى دروع الامريكية. و صلت معلومات بتحرك قوات مشاة ميكانيكية من فرقة عدنان جنوبا لاعتراض التقدم الامريكي. و يذكر للفرقة و مدفعيتها اصابة 23 جندي امريكي بالقصف العراقي. و حصل قصف مضاد و هجوم بالمروحيات و المدرعات. مما ادى لخسارة عدة مركبات عراقية و انسحاب عراقي ظهر الاربعاء.

و قبيل الظهر في نفس اليوم، شمال الكويت، شكل اللواء الثاني من فرقة المدينة اخر خط دفاعي منظم للجيش العراقي في حرب الخليج. و في امر ذي دلالة، كان الخط الدفاعي العراقي مواجها للجنوب و لكن تم تعديله في اخر لحظة لمواجهة الهجوم الامريكي من الغرب. كان قوام الهجوم الامريكي 166 دبابة ابرامز من اللواء الثاني للفرقة الاولى المدرعة. و تم فتح النار من الطرف الامريكي على مسافة 3 كم. و كان مشكلة خطة فرقة المدينة - مثلما حصل مع فرقة توكلنا - مشكلة كبيرة. حيث كان العراقيون يخططون ان تكون منطقة القتل خلف القوات الامريكية.  بحيث ان يدفع الدرع العراقي الهجوم الامريكي للتراجع و من ثم تضربهم المدفعية العراقية. لكن المشكلة ان مدى
T-72 هو نصف مدى الابرامز. و بالتالي لم يكن العراقيون قادرين على ارجاع الدروع الامريكية للخلف بحيث تضربها المدفعية العراقية. و طوال المعركة كانت المدفعية العراقية تضرب خلف القوات الامريكية.

انتهت المعركة خلال اقل من ساعة. لا خسائر امريكية، و تم تدمير 60 دبابة عراقية و عشرات المدرعات. و قامت الاباتشي و الالوية المجاورة بمطاردة الفلوف العراقية و تدمير اي مقاومة. و كانت الحصيلة النهائية 300 مركبة عراقية مقابل مقتل جندي امريكي واحد.

الساعة 3:30 عصرا اجتمعت قيادة الفرقة لدراسة الخطوات التالية. كانت اول مشكلة نقص الوقود. فبعض الالوية لم يبق لها غير مخزون ساعتين من الوقود. و الغالب بقي له 10 ساعات من الوقود. تم حل الازمة بموكب وقود كان موجود عند قوات اخرى و بالتالي تأمن الاندفاع ليوم اخر.

المشكلة الثانية هو اتجاه الحركة. فبعد قرار عدم ارسال الانجليز شمالا. تقرر دفع الفرقة الاولى مشاة عبر الطريق بين البصرة و الكويت و من ثم التوجه شمالا نحو البصرة على الناحية الشرقية للطريق. بينما تتقدم دروع الفرقة الثانية شمالا على الجهة الغربية للطريق. و عند الوصول للبصرة يبدأ التطويق.

==============

خطة التطويق و الهجوم على البصرة تم وأدها في واشنطن خلال ساعات. ففي مساء يوم الاربعاء (بتوقيت الرياض) اجتمع المجلس الرئاسي ليستمع بوش الى تقارير الحرب. و بعد عرض سريع قال كولن باول ان الفرصة الان متاحة للرئيس ان يقرر متى تتوقف الحرب. فالجيش العراقي هزم و هو لا يقوم بغير محاولات الهرب.  و نحن نقتل اعدادا كبيرة منهم بدون اي داع. و كان هذا الانطباع تعزز طوال يوم الاربعاء عندما بدأ القتال يتحول الى مذبحة. فالمخابرات العسكرية لا تجد فرقا عسكرية عراقية، و لا حتى الوية، و لا حتى كتائب لضربها.

"هل تريد يوما اخر؟" سأل الرئيس. و كان الرد ان يوما اخر لن يغير شيئا على الارض. فنحن لا نحارب عدوا منظما. و لا يوجد شيء للفيالق الاربعة لتضربه. و الحرس الجمهوري انتهى. و اتفق كل الحضور على ضرورة ان لا تتحول حرب نظيفة كحرب الخليج لمذبحة. فقد تم تحقيق اهداف الحرب الاستراتيجية: اخراج العراق من الكويت، و تدمير قدرة صدام على تهديد الدول المجاورة.

كون الجيش العراقي قد هزم فهذا امر مسلم به. اما حصار القوات العراقية الهاربة من الكويت فلم يكن واضحا. فقد قيل لتشيني قبل الاجتماع ان الحرس الجمهوري قد حوصر قبل انسحابه للبصرة. و هو نفس ما ورد في تقرير الاركان اليومي. و قد كان هذا خطأ فادحا في التقدير و ايصال المعلومة. فلم تصل القوات الامريكي لجنوب البصرة بعد ولم يتم قطع طريق الانسحاب للاليات العراقية الثقيلة المتوجهة شمالا. و بسبب صعوبة تنسيق الحركة بين الفيلق المدرع السابع و الفيلق 18 المجوقل. كان هناك فراغ بعرض 50 كم بين الفيلقين. و قد هربت معظم فرق الحرس الجمهوري الثلاث الباقية: عدنان و نبوخذنصر و الفاو عبر هذا الفراغ نحو منطقة الفرات او البصرة. اما الدروع فقد كانت دروع فرقتين تقريبا تنتظر دورها لعبور جسور مؤقتة انشئت على شط البصرة. و رغم  غارات الاباتشي و القاذفات فلم يتم تدميرها بشكل كلي.

و كان لشوارتزكوف بعض الذنب في هذا الخطأ. حيث اعلن في مؤتمره الصحفي - قبل الاجتماع مع الرئيس- ان قواته حققت اهدافها و سيكون سعيدا متى ما طلب الرئيس وقف اطلاق النار. و استخدم كلام مثل ان البوابة اغلقت و ان لا مجال للهرب و ان كل فرق الحرس الجمهوري دمرت ما عدا اثنتين ما زالتا تقاتلان. و لكن عندما سئل هل امسكت قواته طريق الانسحاب للبصرة اجاب ب "لا". و اضطر ان يوضح انه يقصد انه لا مجال لانسحاب الاليات الثقيلة كالدبابات و المدفعية. اما الجنود فمن المكن لهم الهرب نحو البصرة.

عموما شرح باول للرئيس ان بعض الطيارين بدأو يشتكون ان الغارات على عدو بهذا الحال المزري لم يعد قتالا عادلا. و ان ضرب العدو بعد هزيمته الماحقة له كلفة نفسية على الجيش بشكل عام. طلب الرئيس رأي شوارتزكوف و سأله باول: عرضنا الموقف و التفكير العام هو نحو انهاء الحرب الليلة، ما رأيك؟ كان الجواب: لا مانع. و نشير الا ان سلاح الجو طلب يوما اخر لاكمال تدمير الحرس الجمهوري لكن شوارتزكوف لم يطرح الامر على الرئيس.

و كانت المسألة الاخيرة هي كيف و متى سيتم وقف اطلاق النار. و عوضا عن اعلانه بالطريقة التقليدية، مما يوحي بوجود مفاوضات، فسيقوم الامريكيون بفرض "توقف للعمليات العسكرية" بشكل احادي بشكل يبقى الخيار لهم بالعودة للقتال لو ارادوا. و بالنسبة للتوقيت فقد اقترح باول ان يتم الامر الساعة 8 صباح الخميس بتوقيت الرياض. مما سيعطي عدة ساعات بعد خطاب الرئيس و كذلك سيعطي قواته ساعتين من ضوء الفجر لعمل اي عمل عسكري ضروري.

في قيادة شوارتزكوف كان الانطباع ان الحرب فعلا قد انتهت. فلم يبق اي اهداف لتدميرها، و احتلال البصرة لا معنى له بدون اكمال الاندفاع لبغداد. و كانت التقديرات ان الجيش العراقي المنكسر في البصرة سيقوم على الارجح بتمرد مسلح. و قد تفاجأت قيادة سلاح الجو بسرعة انتهاء القتال البري و حاولوا الحصول على اذن ببعض الغارات على مواقع مكتشفة حديثا في بغداد. و كانت المزحة ان الجيش الامريكي يحاول ان يكسر رقم الجيش الاسرائيلي القيادي بهزيمة الجيوش العربية في حرب 1967 ب 6 ايام.

و قد كان لسلاح الجو فرصة تجربة قنبلة جديدة تزن اكثر من طنين! و كانت صنعت حديثا لاختراق تحصينات بسمك اكثر من 4 متر من الاسمنت المسلح. حيث كان يوجد ملجأ في معسكر التاجي لم تنجح معه كل قنابل الحلفاء. و كان الملجأ مستخدم من قبل القيادة العراقية و كان سلاح الجو يأمل ان يكون صدام هناك. تم تدمير الملجأ و لكن لم يكن الرئيس العراقي هناك.

عموما حين اعلن شوارتزكوف القرار لجنرالاته اصيبوا بالدهشة. فما اعلن هو ليس وقف اطلاق نار. بل من الممكن العودة للقتال لو استمر العدو به. و لكن لماذا؟ كان رد شوارتزكوف ان ما حصل في المطلاع اثر في الادارة. "و ماذا عن حصار البصرة؟ لماذا لا ننفذه؟" لأن الادارة قررت ذلك كان الجواب.

 بالنسبة للحلفاء فقد ابدى الانجليز بعض الاعتراض. فقواتهم على الارض نقلت لهم الصورة كاملة و كان هناك نقاش مع الرئيس بوش الذي اكد ان الحملة حققت اهدافها و لكن الانجليز لم يقتنعوا. و الكثير من قادة الفرق لم يكونوا مقتنعين بالقرار الصادر و قد ارادوا يوما او يومين لانهاء اعمال القتال. و استمر نقاش طويل لسنوات بعد الحرب بعد ان تبين حجم القوات العراقية التي نجت.

و كانت تقديرات الاستخبارات اللاحقة ان نحو 80 الف جندي تمكن من الهرب للبصرة. و ان حوالي ثلث دبابات
T-72
تمكنت من الانسحاب نحو البصرة. و رغم ان الحرس الجمهوري ضرب بقوة، فان وحدات كاملة تمكنت من الانسحاب بدون اي مشاكل. لام شوارتزكوف الفيلق المدرع على هذا التقصير، لكن العدل يشير اللى انه هو من كان يجب ان يطرح استمرار القتال لفترة اطول لانهاء المهمة. و اما الغضب الشغبي على ما حصل في طريق الموت، فلم يحصل. و لكن من ناحية الاخرى، لا يوجد دليل على ان وجود هذه القوات من عدمه كان له اي تأثير على مجريات الامور لاحقا. فالعراق ابقى حوالي ثلث قواته شمال نهر الفرات مع حوالي 3000 الية ثقيلة تشمل مئات الدبابات و ايضا حوالي 1000 قطعة مدفعية.

و قد تراوحت التقديرات حول خسائر العراق في الحرب. و كان تقدير الاستخبارات بعد الحرب بسنتين ان العراق يملك 40% من المعدات التي كان يملكها قبل غزو الكويت. وان اكبر النقص كان في المعدات الحديثة. و طبعا انتهى سلاح الجو و شبكة الدفاع الجوي العراقي المركزية. و كانت تقدير الخسائر حوالي 10-12 الف قتيل اثناء القصف الجوي و مثل هذا العدد في 4 ايام من الحرب البرية.

و كانت النكتة ان الاخبار وصلت الفيلق المدرع ان وقف اطلاق النار هو الساعة 8 مساء و ليس صباحا. و لعدة ساعات كان الفيلق المكلف بمطاردة الجيش العراق و حصاره متوقفا عن القتال. و في الساعة 3 فجرا تم تصحيح الموقف و اخبارهم ان امامهم 5 ساعات لعمل ما يريدون عمله. و بالنسبة للفيلق المجوقل، فقد كان الاعلان الخاطئ كافيا لالغاء انزال على طريق البصرة العمارة. و كان الغضب شديدا عندما جاء التوقيت الصحيح و كان غير كاف حتى لارسال طائرات المروحيات في غارة جديدة.

و خطأ اخر كان ايقاف تقدم لواء من الفرقة الثالثة المدرعة - بسبب حادث نيران صديقة - نحو منطقة صفوان. و عدم سماء قائد الفرقة لقرار اكمال الهجوم بعدها ب 15 دقيقة. و بالتالي بقيت صفوات بيد العراقيين دون ان يعرف الامريكيون ذلك حتى جاء وقف اطلاق النار و قرر الامريكيون ان يتم عمل المفاوضات هناك ظنا انها معهم!

=================

تم تثبيت الهدنة - ما خلا بعض الاشتباكات المتفرقة - على طول مسرح العمليات لمدة يومين. و صباح يوم 2 مارس وصلت تقارير عن توجه موكب على الطريق السريع رقم 8 نحو القوات الامريكية. "راقب و لا تطلق النار الا لو تم اطلاق النار عليك". كانت تعليمات الجانب الامريكي.

اظهر استطلاع المروحيات ان سلاح الهندسة العراقي يقوم بعمل ممر من خلال هور الحمار لتمر قواته من جانب المناطق التي تم قصفها بالقنابل العنقودية. و قد توجهت مئتي مركبة نحو الشمال و مئات المركبات نحو غرب باتجاه القوات الامريكية. انها الفرقة حمورابي!

بعد ساعة تم اطلاق قذيقة مضادة للدروع من الجانب العراقي. رد عليها الامريكيون. و بدأ العراقيون بناورون بدروعهم بشكل يشي بنوايا قتالية مع تحريك مدافع مدرعاتهم نحو القوات الامريكية. و كان هذا اكثر من كاف للامريكان لبدء القتال. و استمر القتال لعدة ساعات حتى العصر. مع تدمير 30 دبابة عراقية و 147 مدرعة و 400 شاحنة. و خسر الامريكيون دبابتين و جرح جندي امريكي واحد. كانت هذه معركة حقل الرميلة. و لا شك ان وقوع هذه المعركة العنيفة و المنسية بين لواء مدرع عراقي و القوات الامريكي بعد يومين من وقف اطلاق النار امر يتناسب مع ما حصل من فوضى في اخر ايام الحرب البرية.

===========================

لا يمكن الحكم بدقة على نجاح الحملة العسكرية الامريكية و المزاج السياسي الامريكي الا بتقديم عجلة التاريخ لعدة شهور بعد اتفاق صفوان. حيث عادت معظم القوات الامريكية لبلادها في الصيف. و لم يكن الرئيس بوش يشارك الجنود فرحتهم في تلك الايام. حيث كان يأمل ان يقوم العراقيون بالثورة على رئيسهم و ان يقوم الجيش باسقاط الرئيس.

على العكس، فقد قامت ثورتان دمويتان شمال العراق و جنوبه. و وقف الجيش العراقي مع الحزب وراء الرئيس من باب حماية انفسهم. و قد قام الامريكيون و حلفائهم باخطاء اكبر حتى من اخطاء وقف اطلاق النار المستعجل. حيث رفضت الادارة دعم تمرد الجنوب خوفا من تعزيز موقف ايران في المنطقة. و فشل السعوديون في ارسال تحذير شديد لطهران بترك العراقيين و شأنهم، فكان ان ادى دعم طهران للثورة الجنوبية ان زاد تمسك الجيش العراقي بالرئيس.

و قام بوش - بعد ضغط من بريطانيا و فرنسا - بارسال قوات لحماية الاكراد في الشمال. بينما لم يتم اي شيء من هذا في الجنوب. و تجادل اطراف الحكومة لمدة اسبوعين حول منع العراق من استخدام طائراته المروحية - بعد ان سمح بها شوارتزكوف اثناء اجتماع خيمة صفوان الشهير. و كان رد باول ان المروحيات لا تمثل اقوى ما يستخدمه العراق ضد الثوار. و ان اسقاطها قد يؤدي لبقاء قوات امريكية في المنطقة و تدخلها في حرب اهلية. و ماذا لو فتح العراق نيران المدفعية؟ هل نضربها ايضا؟ هل ندعم الشيعة و نقسم البلاد؟

و ازاء اقتراح عمل منطقة منزوعة السلاح جنوب العراق باشراف الامم المتحدة، كان الجيش الامريكي معارضا لهذا. حيث كان هناك قلق من ابقاء المزيد من القوات الامريكية لمدى غير منظور - مثلما هو الحال في كوريا. و بمجرد ان تم اقرار شروط اطلاق النار و وافق عليها العراق في ابريل، انسحب الجيش الامريكي من العراق باسرع ما يمكن. و عاد صدام يحكم كل العراق باستثناء اقليم كردستان.

و الحصيلة النهائية، مقتل 390 امريكي، و جرح 458 اخرين. و مقتل او اصابة 510 من باقي التحالف. و خسارة كل من العراق و الكويت حوالي 200 مليار دولار.

اما الجيش الامريكي فقد شفي من وهن حرب فيتنام. و تم افهام القوى الاقليمية ان للعالم شرطي يجب ان يحسب له حساب.

اما شوارتزكوف فاختار التقاعد بعد 35 عاما من الخدمة. و رغم النصر فان هناك الكثير من الامور التي اثيرت حول اسلوب ادارته للحرب:
1- اخطا الجنرال بفارق كبير في حساب الوقت و القوات اللازمة لطرد العراق من الكويت.
2- رفض ايلاء اكبر خطر استراتيجي على الحملة: الصواريخ العراقية.
3- لم تعكس الخطة الامريكية اي ابداع من طرفه، بل كان التميز هو للجنود و ضباط الميدان.

اما ابرز قراراته الصائبة فكانت:
1- عدم القيام بغزو برمائي.
2- نجاحه في قيادة قوات متعدد الجنسيات بدون مشاكل تذكر.
3- شجع المبادرة من القيادات الاصغر.
4- نجح في تقليل الخسائر البشرية بشكل ادهش اكثر المتفائلين

الحملة العسكرية الاستراتيجية فشلت. فلا ضرب المراكز القيادية ادى لقتل اي قيادات بارزة. و لا تدمير المنشئات النفطية اثر في العراق بسبب قصر امد الحرب. و لم تنجح اسابيع القصف في تدمير اي من برامج الدمار الشامل العراقية. بل نجى 100 صاروخ سكود، و 19 منصة اطلاق متحركة، و كذلك مصانع الصواريخ. اما الغارات التكتيكية 22 الف غارة فقد نجحت تقريبا في تدمير نصف معدات الجيش العراقي في الكويت و لكن نجى ثلثي الجيش العراقي و نصف الحرس الجمهوري في النهاية.

كانت مشكلة الحرب في النهاية هي الصورة الاعلامية. فخطاب الرئيس الامريكي ركز عند اندلاع الازمة على البعد الاخلاقي. و ان الامور ليس فيها مجال للرمادية. و لكن هذه هي الصورة التي انتهت اليها الحرب. ذهب بوش و تاتشر و غورباتشوف و متران خلال اقل من سنتين. و بقى صدام حسين! و بدأت الاشتبكات الجوية و تحدي العراق لمنطقة الحظر الجوي بشكل استدعى ان تبقى امريكا حوالي 24 الف جندي في الخليج و 150 طائرة مقاتلة. و بينما ارتكب صدام حسين اخطاء لا تحصى اثناء الحرب، ادرك ان بقائه في الحكم هو النصر النهائي الذي يحتاجه. فقام بحملة متميزة لاعادة اعمار العراق وسط العقوبات. و خلال عامين تم اعادة بناء كل الابنية الرسمية و الجسور المدمرة تقريبا. و بقى العراق خارج قواعد اللعبة الامريكية لعقد اخر من الزمان.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech