Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اسرار من حرب الاستنزاف يكشفها كاتب فرنسي


في هذه الحلقة يميط الكاتب الفرنسي زوي الأصول المصرية اللثام عن كثير من ألاسرار الخاصة بحرب الاستنزاف ويوضح في شهادة للتارخ نية الرئيس عبد الناصر في شن حرب أستنزاف يناوش بها أسرائيل‏.


يوضح أيضا الموقف داخل لبنان حين بدأت المقاومة الفلسطينية عملها بشن هجمات علي أسرائيل وفي الاردن حين أنتهي شهر العسل بين الملك حسين والفلسطينين والتي أنتهت بوقائع أيلول الاسود المعروفة ودخول مصر الي حالة' اللا سلم واللا حرب' وسريان الضجر بين الناس الذين كانوا يطالبون بتحرير سيناء من الاحتلال الاسرائيلي وبدء إسرائيل في أقامة تحصينات خط بارليف, ويشرح بعد ذلك أسرار تلك المقابلة التي أستدعاه اليها عبد الناصر في قصر القبة لكي يشرح له ملابسات الخطوة التالية بدون أن يسمح لة بتسجيل الوقائع

كان عام1970 منذرا بالشؤم من أوجه عدة. فقبل ذهابي إلي مصر في يناير لاحظت تعاقب كل أنواع النزاعات علي الدول المجاورة. إذ تلت حرب1967 الحرب عبر الحدود.
لم يكن يمر يوم من دون أن يتسلل بعض الكوماندوز الفلسطينيين إلي إسرائيل. فتشن الدولة اليهودية غارات ضد الدول التي تأوي قواعد الفدائيين, علي سبيل الإجراء الانتقامي. وكان عدد الضحايا المدنيين, و اتساع مدي الخسائر, يثيران حنق الشعوب, و يزعزعان استقرار الحكومات القائمة, العاجزة عن السيطرة علي الموقف.
في ديسمبر( كانون أول)1969, فرضت' البلدان الشقيقة' علي لبنان- و هو الحلقة الأضعف في العالم العربي- إتفاقا مع القيادة الفلسطينية المركزية, أفضي إلي مواجهات لا نهاية لها.
فقد حصلت منظمة التحرير الفلسطينية علي حق إنزال ميليشياتها بجنوب لبنان و القيام بعملياتها التخريبية في إسرائيل عبر الحدود. و قد كانت الضغوط التي مورست علي بيروت من الشدة بحيث فرض علي البرلمان اللبناني أن يتبني, بشبه الإجماع,' اتفاق القاهرة' الذي أبرم تحت رعاية سامية من جمال عبد الناصر. و كان الرئيس المصري, ذو الدور الحاسم, ينوي بذلك مناوشة الدولة اليهودية التي كان قد أعلن ضدها' حرب استنزاف' في ربيع العام نفسه.
أثناء إقامتي في بيروت, لاحظت الشرخ الناشيء في نسيج الشعب, المنقسم ما بين مؤيدين و خصوم لا للحركة الفلسطينية, و إنما للحريات المفرطة التي كان الفدائيون يتمتعون بها علي الأراضي اللبنانية. كان العديد من المسيحيين و كذلك بعض المسلمين- ممن كانت أحزاب اليمين الرئيسية قد صوتت نيابة عنهم رغم ذلك علي' اتفاق القاهرة'- يشكون في أحاديثهم الخاصة من أن بلدهم قد أجبر علي القيام بمهمة تفوق قدراته, فرضتها عليه الدول العربية التي كانت تتصرف بذلك في نزاعها مع إسرائيل' وفق عقد من الباطن'. و في مواجهة اليمين المتصف بالسلبية, تبلورت جبهة من أحزاب اليسار و تنظيماته المؤيدة للكفاح المسلح ضد إسرائيل. هكذا أخذ الشرخ يتحول تدريجيا إلي هوة لا سبيل لاجتيازها. و بدأت أكثر العقول تبصرا تخشي وقوع مواجهة, لكنها لم تكن تتوقع أن تلك المواجهة ستتخذ شكل حرب أهلية رهيبة, سيشتعل أوارها بعد ذلك بخمسة أعوام, لتستمر خمسة عشرة عاما و تودي بحياة عشرات الآلاف من اللبنانيين و الفلسطينيين.
كان الوضع في الأردن مقلقا بصورة مغايرة. فمع نهاية شهر عسل وجيز تلا حرب1967, ظهرت ما بين الملك حسين والقادة الفلسطينيين, الذين أقاموا مقرهم العام الرئيسي في عمان, خلافات خطيرة أدت لاحقا إلي شقاق عنيف. إذ أخذت المماحكات الناشبة بين القوات الملكية و ميليشيات منظمة التحرير الفلسطينية تتكاثر, بينما كان الشعب, هنا كما في لبنان, موزعا ما بين مؤيد و معارض للوجود العسكري الفلسطيني. وكان من البديهي أن الأحداث ستسير باتجاه اختبار حاسم للقوة بين جيش الملك حسين و الفدائيين. و قد انتهت المعارك الدامية في سبتمبر( أيلول) من عام1970 بانتصار الأردنيين, مما أضعف الحركة الوطنية الفلسطينية بصورة ملحوظة.
رغم ذلك, كان مصير السلام في الشرق الأوسط يتحدد في مصر و ليس في سواها. فقد تزامن وصولي إلي القاهرة في يناير( كانون ثاني) مع تصعيد' حرب الاستنزاف' التي كانت قد نشبت منذ عدة أشهر بين أقوي دولة عربية و إسرائيل.
كان ذلك النزاع الكامن قد سبق بيان عبد الناصر الذي أعلن فيه أن الأسلحة لن تكف عن الدوي إلا في اليوم الذي تقرر فيه إسرائيل الجلاء عن الأراضي التي احتلتها عام.1967 و كان هذا الإنذار, الذي أعلن عنه في ربيع عام1969, أشبه ما يكون بضربة رأس في الحائط, إذ ظل تناسب القوي يشير لصالح إسرائيل بوضوح.
كان ذلك الإنذار يعزي إلي اقتناع الرئيس المصري بأن ليس ثمة طريقة أخري لحمل الدولة العبرية علي الأخذ بحل قائم علي إعادة الأراضي المحتلة. و إذ استبد الضجر بالجيش و بالرأي العام من استمرار الوضع الراهن بلا رؤية في الأفق, فقد عتبا عليه السكوت علي تلك الحال التي لا تطاق, و التي وصفت بحال' اللاحرب و اللاسلم'. كان ذلك الوضع يعد ابتلاء صعبا بالنسبة لاقتصاد البلاد, التي حرمت من عوائد قناة السويس, و السياحة, و من تسويق النفط عبر سيناء. كما عملت المؤسسات الصناعية و التجارية بإيقاع بطيء نظرا للتقلبات التي شهدها الوضع العام.
كان من الواضح أن حالة الركود ستستمر طويلا. فقد كانت إسرائيل ترفض الانصياع للقرار242 بعد أكثر من خمسة عشرة شهرا علي اتخاذ مجلس الامن له في نوفمبر( تشرين ثاني).1967 فقد كان في تقديرها أنه من غير المقبول أن يشترط النص الصادر عن الأمم المتحدة إعادة كافة الأراضي المحتلة حتي و إن كان يسمح ضمنيا بتعديلات في الحدود علي أساس اتفاق مشترك, يستلزمها أمن الدولة العبرية. لكن يبقي أن القرار المتخذ بالإجماع في الأمم المتحدة قد حظر كل' اجتياز للأرض بواسطة القوة', أي في غياب تفاهم بين المتحاربين. و قد اصطدم جونار جارنج(GunnarJarring), مبعوث مجلس الأمن لتطبيق القرار, بحائط سد. فقد قاطعته الحكومة الإسرائيلية, ورفضت الإجابة علي أسئلته, بما في ذلك السؤال, المبرر تماما بين كل الأسئلة, و المتعلق بترسيم الحدود' الآمنة و المعترف بها' كما تتمناها القدس. ففي الواقع, كانت الحكومة الإسرائيلية قد قررت أنها لن' تكشف عن مخططاتها' إلا أثناء المفاوضات الثنائية مع خصومها العرب. و كان هؤلاء يرفضون بقوة ذلك الإجراء موضحين أنه سيقود بالضرورة إلي استسلامهم.
أما الأكثر مدعاة للقلق بالنسبة لرجال القيادة المصرية, فهو انخراط الإسرائيليين بعزم محموم في بناء تحصينات هائلة وعصية علي الاجتياز علي طول القناة. كان ذلك هو' خط بارليف'(BarLev), المصمم كي يكون غير قابل للهدم- علي غرار خط ماجينو الفرنسي(Maginot)-( لكن, علي عكس كل التوقعات, قام الجيش المصري بعبوره بسهولة في الساعات الأولي لحرب1973). و لم يكن لعبد الناصر أن يرجو أن تلين مواقف خصومه: فقد كانت حكومة' الوحدة الوطنية' في إسرائيل تضم أغلبية من' الصقور' تحت قيادة السيدة العنيدة العتيدة جولدا مائير(GoldaMer), التي كانت قد خلفت المتساهل المتسامح ليفي أشكول لدي وفاته في فبراير( شباط).1969
أما القصة الرائجة في مجالس القاهرة في تلك الأيام, فتقول إن حنق الرئيس قد بلغ ذروته حين أخذ جنود الجيش الإسرائيلي يلهون بمرح في مياه قناة السويس, مستهزئين بالجنود المصريين المرابضين علي الضفة المقابلة. و ما لبث أن انتشر شعور بالمهانة وبالغضب بين أفراد الجيش و الرأي العام, الذين طالبوا برد انتقامي عنيف. هكذا تقررت' حرب الاستنزاف', التي بدأت بقصف التحصينات الإسرائيلية علي طول القناة, تبعه تراشق متبادل بالمدفعية, فغارات منتظمة من جانب الطيران الإسرئيلي. وقبيل أيام من وصولي إلي القاهرة في يناير, كانت إسرائيل قد رفعت من حدة التوتر بشن حملة من الغارات في عمق وادي النيل, بدءا بالوجه البحري و حتي الوجه القبلي, مرورا بالقاهرة و ضواحيها. و قد صرح لي وزير الإعلام قائلا:' تعد أرض مصر, البالغة مساحتها ضعف مساحة فرنسا, عرضة للضرر بصورة كبيرة. فمن المستحيل عمليا حماية مليون كيلومتر مربع أو منع النفاذ عبر حدود يبلغ طولها عدة آلاف من الكيلومترات. هذا و تقوم طائرات العدو ذات السرعة الفائقة لسرعة الصوت, و التي تطير علي ارتفاعات منخفضة, برحلة الذهاب و الإياب ما بين قناة السويس و القاهرة في أقل من خمس دقائق, لتلقي بقنابلها في بضع ثوان. و في معظم الحالات, لا يسعف الوقت طائراتنا المقاتلة و مدافعنا كي تتمكن حتي من البدء في الحركة.'
و خوفا من ردود الأفعال الشعبية, كانت السلطات تمنع بث أي معلومات حول تلك الغارات التي كانت تسفر عن سقوط العديد من الضحايا. كما كان جميع الصحفيين ممنوعين من الذهاب إلي المواقع التي تتعرض للقصف. لكن بفضل علاقاتي داخل وسائل الإعلام المصرية, التي كانت علي علم بحقيقة ما يجري رغم كل شيء, كنت مطلعا علي أخبار الضربات شبه اليومية التي يشنها طيران الدولة العبرية. و قد تعرض مخيمان عسكريان في ضاحية القاهرة للدمار يومي23 و18 من يناير( كانون ثاني), مما أسفر عن مقتل87 و150 شخصا علي التوالي. بعد ذلك بأربعة أيام, احتلت قوات الجنرال ديان لمدة ثلاثين ساعة جزيرة شدوان, الواقعة في الطرف الجنوبي من سيناء, و دمروا ما بها من منشآت و استولوا علي ما وجدوه من عتاد عسكري. و فقد المصريون علي أثر ذلك مائة رجل, ما بين قتيل و جريح.
لم يعد بالإمكان خداع الرأي العام, الذي علم بما وقع من تناقل الناس للخبر. فرفع الحظر و دعي الصحفيون للذهاب إلي المواقع التي استهدفها القصف. و بعد ساعتين من انتهاء الغارة, تم اصطحابنا إلي مصنع أبو زعبل, أكبر مجمع صناعي مختص بصناعة الحديد و الصلب في مصر. كانت ألسنة اللهب ترتفع من بين الأنقاض, و الأجساد المبتورة الشوهاء متناثرة بالعشرات في كل مكان, بينما كان صبي في زي العمال الأزرق يحتضر وسط بركة من الدماء. كانت الجثث المتفحمة تشهد باستخدام النابالم. و علي أثر انفجار إحدي القنابل الموقوتة المنثورة داخل المجمع الصناعي و من حوله, اضطررنا إلي مغادرة مكان الحادث علي عجل.
لكن حدثا غير عادي جاء ليقطع التحقيق الذي كنت أجريه. ففي اليوم التالي للغارة علي مصنع أبي زعبل, تلقيت مكالمة هاتفية من رئاسة الجمهورية تعلمني بأن جمال عبد الناصر سيستقبلني في اليوم التالي. كان رئيس الدولة المصرية نادر الإدلاء بأحاديث للصحفيين, إذ كان يوكل لصديقه محمد حسنين هيكل مهمة الإجابة علي أسئلتهم. لذا, كانت الدعوة التي وجهها إلي الرئيس غير مسبوقة, علي حد علمي. و كنت أجهل مغزاها.
كان عبد الناصر قد عبر عن أفكاره باستفاضة في الخطابات التي أدلي بها في الأسابيع الماضية. فما عساه أن يزيد علي ما أسلف لصحفي أجنبي لم يطلب, علاوة علي كل ذلك, إجراء أي مقابلة صحفية ؟
لم يستقبلني الرئيس في منزله الخاص, ذلك المقر الرئيسي لعمله حيث يستقبل عادة مدعويه, و إنما استقبلني في قصر القبة الملكي المنيف الذي استخدم في زمن الجمهورية لإقامة الاحتفالات الرسمية, و حفلات العشاء الكبري, و لاستضافة رؤساء الدول الأجنبية. و في القاعة الفسيحة المؤثثة علي طراز لويس الخامس عشر التي أدخلت إليها, بدا ناصر في أتم لياقته البدنية ظاهريا, و بدا مسترخيا و هو يستهل الحديث من مقام البوح و الإسرار.
بادرني علي الفور بقوله إنه في نفس تلك الغرفة التي استخدمها الملك فاروق كمكتب خاص, قام هو بإعلان تنحيه في التاسع من يونيو( حزيران)1967 بعد الاعتراف بهزيمة الجيش المصري. ثم ذكر بشيء من الحنين المظاهرات الشعبية التي أجبرته علي استعادة زمام الحكم.
و هنا أيضا, في هذه الغرفة, مثلما أردف قائلا, كان قد حضر إليه عشية مجموعة من الضباط يطلبون إليه الثأر من أجل قتلي مصنع' أبي زعبل'. و قد قدموا إليه مشروعا محددا لشن أعمال انتقامية في داخل إسرائيل نفسها. و قد أسفوا بالطبع لامتناعه عن القيام بذلك منذ اليوم الأول من' حرب الاستنزاف' حتي عندما كانت طائرات الدولة العبرية تنشر قنابلها علي كامل الأراضي المصرية.
'لقد أجبت زواري أنني أرفض اتخاذ قرارات تحت وطأة التأثر, و أن مثيلة تلك المبادرة, في جميع الأحوال, ليست منوطة بي و إنما بكامل القيادة السياسية في مصر.' وفي حديثنا لاحقا, اعترف عبد الناصر بأسباب تحفظاته:' يفوق الطيران الإسرائيلي طيراننا بنسبة ثلاثة أضعاف', هكذا قال لي و هو يعدد أسباب ذلك التفاوت. هكذا, بعد مرور ثلاثة أعوام علي هزيمة1967, لم يكن قد نجح في إعادة بناء قواته المسلحة بصورة كافية.
و لم يكن النقاش غير المترابط الذي بدأه الرئيس ليناسب بطبيعة الحال الصحفي الذي كنت. فأخرجت من حقيبتي مسجلا ودفترا صغيرا قائلا إنه لمن الخسارة ألا يتم نشر الآراء التي يبثني إياها. وبحركة واحدة من يده, طلب عبد الناصر مني الامتناع عن تسجيل أي شيء, وأيضا عن تدوين أي ملاحظات. مضيفا أنه يريد' التحدث من قلبه' بلا قيود. و لم يكن من الصعب فهم أنه كان يأمل أن أردد ما سمعته في هذا الحديث غير الموثق, من دون أن أتمكن من ذكر ما قاله نصا, علي غرار ما يفعله كثير من رجال السياسة. و هو ما قد يتيح له عدم تحمل مسئولية الآراء التي يدلي بها إلي, و تكذيبها عند اللزوم. و لم يكن لدي خيار آخر غير الإذعان لمطلبه.
و قد فسرت تتمة الحديث ما كان منه من حذر. فقد كان عبد الناصر يخاطر مخاطرة لا حد لها بخرقه عددا من المحرمات السائدة في تلك الفترة. و كان أحمد بهاء الدين, الصحفي المصري ذو الشهرة العالمية, قد ندد بتلك المحرمات بشجاعة, إذ كتب أن بعض الكلمات تتخذ بالنسبة للقادة العرب معني' يقارب البذاءة', منها مثلا' مصالحة, سلام, تطبيع' مع إسرائيل. وقد خلص إلي وجوب الإقلاع عن تلك التصرفات الصبيانية بأخذ حقائق الأمور في الاعتبار. و ذلك هو ما فعله عبد الناصر بالضبط, إذ كادت الأمور التي أسر بها إلي أن تكبده خسارة وضعه كبطل للقضية العربية.
سألته:' ماذا سيحدث لو استمرت جميع الفصائل الفلسطينية أو بعضها في رفضها للقرار242 ؟'
فأجاب:' ستصادفنا مشكلات علي الأرجح. فمن المنطقي أن يلقي أي فعل سياسي أصواتا معارضة, لا سيما لو كان بمثل هذه الأهمية. ولا حيلة لنا في ذلك, لكننا عازمون علي مواجهة جميع الاحتمالات'.
و قد وفي ناصر بعهده حين تنازع بعد عدة أشهر مع منظمة التحرير الفلسطينية و مع ياسر عرفات, كما سنري لاحقا.
وفقا له, كانت المشكلة الفعلية تكمن في واشنطن. فقد كان مقتنعا بأن' الأمريكيين يسعون إلي قلب نظام الحكم في مصر منذ عام1965' لأن' هدفهم الاستراتيجي هو إسقاط جميع الحكومات التقدمية العربية و خصوصا منذ قيام الثورات في السودان و ليبيا في العام الماضي'. كان يشير بذلك إلي ما كان من وصول حركات وطنية و موالية للناصرية إلي سدة الحكم في كل من الخرطوم و طرابلس.
و تأييدا لهذه التهمة, ذكر عبد الناصر بأن الولايات المتحدة لم تطالب إسرائيل بإعادة الأراضي المحتلة, و هو ما يعتبره القرار242 أمرا إجباريا. بل إنهم قد ضاعفوا من مساعداتهم العسكرية للدولة العبرية, و أمدوها بقاذفات ثقيلة, لاسيما طائرات فانتوم إف4(PhantomF4), التي لا تملك أي من الدول العربية كفوا لها. و هو ما يعني تأييدهم لتصعيد الغارات في عمق مصر لإجبارها علي الاستسلام.' لكنني لن أكون أبدا الجنرال بيتان(Ptain) المصري!', هكذا قال لي مستنكرا.
لا مراء أن الولايات المتحدة قد قدمت للمتحاربين مشروع تسوية, و هو' مشروع روجرز', المسمي باسم وزير الخارجية الأمريكي, و الذي يتضمن إعادة سيناء إلي مصر. لكن مع نهاية شهر ديسمبر( كانون أول)1969, علقت وزارة الخارجية مشروعها, مذعنة بذلك لرأي جولدا مائير التي وصفت المشروع ب' الكارثي' قبل شن حملة غاراتها في عمق البلاد, و هي المبادرة التي لم تدنها واشنطن.
من الواضح أن عبد الناصر لم يكن علي علم- أو لعله لم يكن مقتنعا- بأن الموقف الأمريكي كان مصابا بالفصام. فهو لم يكن الوحيد الذي يعتقد أن واشنطن ماضية في لعبة مزدوجة محسوبة. و في الواقع, كان لابد من الانتظار أعواما عديدة قبل أن تنشر أعمال المؤرخين الإسرائيليين, و مذكرات كل من هنري كسنجر(HenryKissinger), و السفير السوفيتي أناتولي دوبرينين(AnatolyDobrynin), لكي يتبدد الضباب المحيط بسياسة ريتشارد نيكسون(RichardNixon) في الشرق الأوسط, الذي كان قد دخل إلي البيت الأبيض قبل عام تقريبا.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech