الصفحة 3 من 3
تـــلــخــيــص وكلمة أخيرة لابد منها : ـــ
والأن ... وأزيز الطائرات يرعد فى السماء رعداً ويصم الآذان صماً
وغارات الميج متواصلة على سيناء . وطلقات المدفعية المضادة للطائرات تملأ السماء بشرائط مضيئة صاعدة متصلة من الرصاصات المسلطة على طائرات الإنجليز والفرنسيين والقنابل تتساقط علينا من السماء كالمطر وآثار الخراب والدمار والدخان تغلف كل شيئ تعاولوا بنا نهرع بسرعة للإختباء داخل أحد الملاجئ أو ننزلق فى أقصى عمق إحدى الحفر للنجاة بأنفسنا من ذلك الجحيم المستعر فوقنا ونجتمع كلنا وتتقارب رؤوسنا وسط ضجيج المعارك بأنفاس لاهثة لنحاول أن نسمتمع إلى بعض التعليقات الأخيرة منى أقولها برهبة وهمس وسط نيران المعركة البطولية
ــ أتمنى أن اكون وفقت فى توضيح شامل لكافة المعارك الجوية الشرسة التى دارت خلال حرب 1956 فى السماء المصرية وكذا إبراز مشرف عظيم لدور القوات الجوية المصرية الباسلة جرى إغفاله سهواً أو عمداً بحيث إقتصر الحديث عن حرب 56 فى ذكراها السنوية بالحديث عن دور شعب بورسعيد البطل فى التصدى للعدوان فقط !!! رغم أنه من المعروف عسكرياً أن الجيش هو خط الدفاع الأول عن الشعب قبل المقاومة الشعبية وهو يعتبر الغلاف الصلب القوى الذى يغلف الدولة كلها كغلاف ثمرة عين الجمل الذى يحمى قلب الثمرة الداخلية نفسها وحينما يضطر الشعب بنفسه ، بأفراده ، لخوض القتال مباشرة ضد العدو فإن ذلك يعتبر أضعف حلقة فى حلقات القتال والدفاع عن الدولة ككل ولا يكون إلا بعد تحطم أو إنهيار أو تراجع القوات النظامية ومع ذلك لايذكرأحد دور الغلاف الصلب الذى إصطلى بلنيران القتال أولا قبل الشعب وتلقى هو وحده ضربات العدو التى حاولت كسر هذا الغلاف العسكرى النظامى قبل أن تنفذ منه إلى مدينة بورسعيد
إننا ننسى الكلام عن دور قوات الجيش النظامية المصرية فى التصدى للعدوان ونفرط فى الحديث عن دور المقاومة الشعبية فى بورسعيد مما قد لايجوز ولا ننسى التأكيد طبعا من جانبنا على دورها الفعال البطولى فى إفشال الغزو فى النهاية
ـــ على سبيل المثال لم يتم إستدعاء أى بطل مصرى أو طيار سابق ـ طوال عهد الرئيس جمال عبدالناصر وما بعده ـ خاض هذه الحرب المريرة وشارك فى طلعاتها الخطيرة ليكتب أو يتحدث إلى وسائل الإعلام المختلفة عن طلعات وصولات وجولات القوات الجوية المصرية ضد العدو الثلاثى رغم أن دور القوات الجوية المصرية فى هذه الحرب المشرفة كان دورها أحسن كثيراً من دورها خلال حرب يونيو 1967 ،،، وفى ذلك تقصير مابعده تقصي وإنكار وإهمال لايغتفران .
بإختصار مؤلم ،، أقول أن معارك سيناء الجوية والبرية ضد إسرائيل لم تنال حظاً كافياً من الشهرة ومن تمجيد بطولاتها وتلقينها للأجيال الصاعدة كما لم تنال حظها الكافى من التعرض للفحص والدرس لإستخلاص العبر
لذا ... فقد ظلت حرب 56 منسية وكأن كل من خاضوها لم يفعلوا شيئاً أو يحاربوا دول عظمى من الأساس !!!!
ــ كانت خطة الغزو تقتضى كما أقرها الجنرال / كيتلى قائد القوات الغازية المشتركة أن يتم إحتلال مصر كلها فى ستة أيام فقط بعد تركيعها بغارات الطيران ،،، ويالعظمة وبطولة وبسالة شعب مصر وجيشها الذين جعلوا العدو (يسف) تراب بورسعيد فقط خلال هذه الأيام الستة فقط دون أن يستطيع أن يتقدم شبراً واحداً خارج بورسعيد الباسلة حيث أن كل مدينة مصرية مثل السويس والإسماعلية والقاهرة ستكون جحيماً مستعراً فى وجه الغزاة لو فكروا فى التجروء على غزو أى مدينة أخرى مصرية غير بورسعيد
ــ إسمحوا لى أن أختلف مع اللواء / على محمد لبيب صاحب كتاب القوة الثالثة والذى يقر فيه على إمكانية قيام إسرائيل وحدها بتدمير القوات الجوية المصرية كما فعلت بريطانيا وفرنسا إذا قال ديان فى كتابه (يوميات سيناء) أننا كنا متفوقين قبل التدخل الإنجلو فرنسى وذلك بالرغم من انه قد فرضت علينا قيود كثيرة ولم يسمح لنا بمهاجمة المطارات المصرية وأننى على ثقة تامة بأنه لو كان علينا أن نقاتل المصريين بمفردنا لكان فى إمكان سلاح الطيران الإسرائيلى أن يسكت الطيران المصرى خلال يومين فقط ـ كذب موشيه ديان .... وقائع المعرك الجوية التى دارت خلال أيام 30 و 31 اكتوبر و 1 نوفمبر تكذبه فلم يستطيع أن يكسر شوكة نسور الطيران المصرى البواسل أو ينال غرضه منه وحتى عندما حاول الطيران الإسرائيلى أن يهاجم مطار كبريت تصدت له الطائرات المصرية وأوقعت طائرتين إسرائليتين بينما فقدت مصر طائرة ميج واحدة وكم من مرة تلو مرة تمكنت طائرات مصر من قهر طائرات إسرائيل فوق ممر متلا وسائر سماء سيناء وأذلت ناصيتها بحيث أؤكد بأن الحرب لو إستمرت فى مجراها الطبيعى دون التدخل الإنجلو فرنسى لكانت إسرائيل منيت بهزيمة مريرة فى الجو والأرض ويكفى أن بن جوريون نفسه أصيب بالمرض وهو يتلقى نبأ تأجيل التدخل الإنجلو فرنسى 24 ساعة وطائرات الأليوشن المصرية تدك مطاراته العسكرية فى قلب إسرائيل نفسها لدرجة أنه طالب ديان بسرعة الإنسحاب !!!
فعلى أى أساس كان يتبجح ديان ...؟ أيظن أنه كان يمكنه الإنتصار بمفرده على مصر وجيشها وطيرانها كان يتبجح بعد زوال خطر الطيران المصرى وتدميره على الأرض وقد نسى أنه صرح سابقاً بأن إسرائيل كانت تشبه راكب الدراجة الذى تعلق بسيارة لتساعده على صعود التل العالى
ــ وفقا للبيانات المصرية فى حينه فإن سلاح الجو المصرى دمروحده ثلث طائرات سلاح الجو الإسرائيلى (من ضمنهم ما تدمر على أرض مطارات العدو) وحتى لو شابت هذه التقديرات مبالغة فإن إسرائيل فقدت بوضوح 18 طائرة مقابل 11 طائرة مصرية خلال يومى القتال الأولين ..
ووفقاً للتقديرات المصرية والبلاغات العسكرية فإن خسائر العدوان الثلاثى والتى تحددها ب 100 طائرة إنجليزية / فرنسية / إسرائيلية . ربما كان هذا العدد مبالغ فيه أو المقصود به إسقاط وإصابة 100 طائرة ( القليل منها أسقط والباقى إصابات مختلفة ربما دون إسقاط) وكذلك (القليل جداً جداً منها هو ما أسقط فى معارك جوية بواسطة الطيران المصرى والبقية الغالبة بوسائل دفاعنا الجوى ) ......
والطريف أنه ضمن الإستهبال الإسرائيلى المعتاد أن إسرائيل إدعىت أن جملة مافقدته من طائرات فى حملة قادش فى سيناء 10 طائرات فقط منها 9 بالمدفعية المضادة للطائرات وواحدة فقط فى الإشتباكات الجوية ( عادة الصهاينة ولا هيشتروها ) كما يقول المثل المصرى الشهير
ــ لو تأخر العدوان عما حدد له ب 6 أشهر أخرى أو حتى عام فإن النتيجة ستكون مختلفة حيث سيكون مستوى الطيارين المصريين أعلى مما كان عليه فى 1956 نتيجة إرتفاع مستوى الكفاءة والتدريب سواء بالنسبة للقوات الجوية أو حتى باقى أسلحة الجيش المصرى الأخرى البرية والبحرية مما سينعكس على مجرى المعركة فى صورة شدة أكثر فى القتال وخسائر أعلى فى صفوف الحلفاء وإسرائيل وطول أمد القتال آنذاك
ــ خبرة الطيارين الإسرائليين والمصريين على الطائرات الجديدة لكل منهم متعادلة ...
حيث أن الطيارين الإسرائليين لم يتلقوا التدريب الكافى على طائرات الميستير الفرنسية لأنها دخلت الخدمة قبيل العدوان بأيام ( خلال شهر أكتوبر 1956) وكذلك الطيارين المصريين بدورهم تلقوا تدريبات على الطائرة الميج 15 منذ مايقرب من العام بعد توقيع صفقة الأسلحة المصرية التشيكية فى سبتمبر 1955 م والميج 17 فترة التدريب عليها كانت قليلة جداً بدورها ـ قبيل العدوان مباِشرة
لذا يفترض أن الطيارين الفرنسيين المتواجدين فى قواعد إسرائيل الجوية شاركوا الإسرائيلين أو حملوا على عاتقهم وحدهم عبء القصف الجوى بطائرات الميستير الفرنسية الجديدة للقوات المصرية فى أبوعجيلة ورفح وممر متلا
ــ رغم دور سلاح الطيران المصرى الباسل البارز خلال الثلاثة أيام الأولى من المعركة فى سيناء بالتحديد إلا أن تقديم المعاونة الجوية المصرية والإسناد للقوات البرية وكتائب الدفاع فى سيناء إقتصر على ضرب ممر متلا ولواء 202 الإسرائيلى على المحور الأوسط فقط عما سواه !
وربما قصف الطيران المصرى القوات الإسرائلية البرية الزاحفة عبر منطقة العوجة مرة واحدة فقط . لكن لم يوسع سلاح الجو المصرى من نطاق عملياته لدعم قوات أبوعجيلة الصامدة أو محاولة التدخل لضرب القوات الإسرائلية المحاصرة لشرم الشيخ مثلا أو حتى رفح !!!
مع العلم بأن ذراع القوات الجوية طالت إسرائيل نفسها وقذفت مطارتها العسكرية مثل كاستنيا ورامات ديفيد بقاذفات الأليوشن 28 البعيدة المدى نسبياً إلا أنه لم تعرف بالضبط كم طائرة إسرائلية تم تدميرها على أراضى المطارات المذكورة حيث تكتم اليهود على ذلك تماما بينما إعترف ديان فى مذكراته ملمحاً (بحدوث خسائر) لم يحدد كنهها لابالتحديد ولا حتى بالتقريب
والدليل على ذلك أن الرئيس جمال عبد الناصر خرج فى خطاب طويل شهير فى عام 1958 مستعرضاً ذكرى معارك العدوان الثلاثى وتطرق إلى تفاصيل عديدة منها مايتعلق بمعركة أبوعجيلة حيث شرحها بالتفصيل وتكلم عن غارة الطيران الإسرائيلى الفاشلة على مطار كبريت بالقناة لكنه لم يشير من قريب أو بعيد أبداً لغارات الطيران المصرى لعمق أراضى إسرائيل وهذا يؤكد أنه لم تكن لديه بيانات تفصيلية أو معلومات عن نتائج قصف الأليوشن 28 المصرية لمطارات العدو وإلا كان قد تباهى بها ....
أما نشاط الطيران الإسرائيلى فكان واسعاً يتواكب مع تحركات ألويته ال 9 المشاة والمدرعة على الأرض التى زحفت على محاور سيناء الثلاثة وكانت طلعاته شاملة كل سيناء وقدم الدعم الجوى لقواته فى كل المعارك الشهيرة التى خاضتها القوات الإسرائلية فى شرم شيخ وأبوعجيلة ورفح ومتلا وغزة وغيرهم إلخ ... إلخ إلى أن تشارك السلاح الجوى الفرنسى والإسرائيلى معاً قتال القوات المصرية
ــ كان خوف الرئيس جمال عبدالناصر على حياة الطيارين المصريين وهم قلائل بالأصل جعله يأمر بسرعة وعجالة بمنعهم من مواصلة التصدى لغارات الطيران الإنجلو فرنسى رغم النجاح المبدئى المصرى فى ذلك كما دل عليه سير الأحداث ..
وذلك يعد قرار سليم من الناحية الإستراتيجية وحتى الإنسانية بلاشك لكن كان يمكن تأجيله ليوم أو يومان على الأكثر بحيث يسمح للقوات البرية المصرية فى سيناء من الإنسحاب تحت الحد الأدنى من الغطاء الجوى الحامى لها وكذلك لدرء الهجمات المعادية بقدر الإمكان عن القواعد الجوية المصرية بالمزيد من التصدى وتشتيت الطيران المعادى ريثما يتحقق تهريب أكبر عدد ممكن من الطائرات المصرية إلى الدول العربية الأخرى القريبة بعيداً عن متناول طيران العدو من جهة وإنزال مزيد من الخسائر فى صفوف العدو فى قواته الأرضية والجوية على السواء
حدثت بعض الفوضى فى ذلك ولا شك ....
ــ سهل عدم وجود دشم حامية للطائرات بالقواعد الجوية المصرية على طيران العدو الإنجلو فرنسى تدمير غالب الطائرات المصرية على الأرض ربما كانت الحجة وقتها فى مصر هى قلة الوقت والإمكانيات والخبرة التى تتيح عمل ذلك فى الفترة القصيرة جداً من بعد توقيع صفقة الأسلحة التشيكية إلى بدء العدوان الثلاثى على مصر بعدها بعام واحد تقريباً ، لكن للآسف إستمرت نفس الآفة مستشرية فى سياسات عمل وتخطيط القوات الجوية المصرية حتى تسببت فى تدمير الطيران المصرى أيضاً للمرة الثانية فى 5 يونيو 1967 دون الإتعاظ بما جرى فى 56 حينما تكررت المأساة مرة أخرى بحذافيرها بعد 11 سنة !!!!
حيث لم يجرى تغيير فى القيادات العليا للقوات المسلحة بعد 1956 بما فيها قائد سلاح الطيران بالتحديد ولم يواكب ذلك دراسة مفصلة بنواحى تقصير أداء الجيش المصرى عامة فى حرب 1956 للتعديل وسد الثغرات فى الأداء ومن ثم تعديله وتطويره بما يضارع الإستراتيجيات العسكرية الحديثة فى الحروب بعكس العدو الإسرائيلى الذى عمل على تحسين تدريباته وصقلها وتعديل خططه وتحديثها وتأصيل إسترايجيته العدوانية والإستفادة من عيوب وأخطاء جيشه هو فى 56 وكذلك الوقوف على نواحى الضعف فى صفوفه وفى صفوفنا وتخطيطنا نحن على السواء
الخلاصة التى أريد أن أختم بها حديثى أن حرب السويس 1956 كانت المدخل لنكسة يونيو 1967
/////////////////////////////
مراجع الدراسة : ــ
1 ــ حرب العدوان الثلاثى على مصر خريف 1956 ـ الجزء الأول إعداد هيئة البحوث العسكرية عام 1989
2 ــ صراع فى السماء ـ الحروب المصرية الإسرائلية 1948 ـ 1967 لواء طيار / زكى عكاشة
3 ــ عبدالناصر الحروب الخفية مع المخابرات الأمريكية 1987 ــ عادل حمودة
4 ـ القوة الثالثة ـ تاريخ القوات الجوية المصرية اللواء طيار أ.ح / على محمد لبيب 1977
5 ــ أسرار الحملة على مصر للصحفيان الفرنسيان ميرى وسيرج بروميرجر
6 ــ حرب التواطؤ الثلاثى ـ لواء / حسن البدرى وفطين أحمد فريد 1997
7 ــ الوجه الأخر للميدالية ـ حرب السويس 1956 د/ يحيى الشاعر 2006
8 ــ القوة الرابعة ـ الفريق / محمد على فهمى 1977
9 ــ جيش الشعب فى عشر سنوات ص 82 ـ إسماعيل عبدالتواب ـ سلسلة كتب قومية
عدد رقم 172 سنة 1962
مقالات
1 ــ مقال للواء أ.ح / محمد رفعت وهبة ـ زميل أكاديمية ناصر العليا بالأهرام فى أكتوبر 1996
2 ــ مقال بمجلة النصر عدد أكتوبر 2007 عن الشهيد البكباشى طيار / بهجت حسن حلمى
3 ــ مقال الدفاع الجوى المصرى عقب الحرب العالمية الثانية وحتى العدوان الثلاثى فى 1956 منتدى الجيش العربى
4 ــ ملحمة العدوان الثلاثى (مدونة لواء / محمد علام على موقع منتدى الجيش العربى يوليو / أغسطس 2014)
5 ــ دراسة وثائقية كتبها محمود مراد بجريدة الأهرام بمناسبة مرور 50 عاماً على حرب السويس يوم 25 أكتوبر 2006