Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

دراسه في التطورات الجديدة فى الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بعد حرب 1967

 

المصدر: السياسة الدولية

بقلم:   طه محمد المجدوب


تعالج هذه الدراسة  تطور المفاهيم والأساليب الاستراتيجية للنظرية العسكرية الإسرائيلية، التى تشكل حجر الزاوية فى البناء التنظيمى والفكرى للعسكرية الإسرائيلية، وتنعكس خلاصة ما وصلت إليه القدرة العسكرية الإسرائيلية من طاقة فى حشد القوى، وكفاءة فى استغلال الإمكانيات، بلغت ذروتها ـ من حيث الفارق النوعى والقدرة القتالية ـ فى جولة يونيو 1967 فرغم فقر عناصر القدرة العسكرية الإسرائيلية نسبيا، وغنى عناصر القدرة العسكرية الفعلية لدى العرب، استطاعت إسرائيل منذ نشأتها، أن تبنى نظرية عسكرية سليمة، تمكنت من أن تستغل السلبيات العربية إلى أقصى حد، وأن تستثمر الإيجابيات الإسرائيلية إلى آخر مدى، فحققت بذلك نجاحا كبيرا، وخلقت فارقا خطيرا بين المقدرة العربية المتاحة والمقدرة الإسرائيلية المعبأة، بقدر الفارق بين الجمود والحركة، وبين الكم والكيف، وبين التفكك والترابط
أولا: النظرية العسكرية الإسرائيلية وعوامل التغيير: والمعروف أن القدرة العسكرية للدولة تقوم على حسن استغلال عناصرها، التى يمكن حصرها فيما يلى:

(1) البعد الجغرافى

(2) القوى البشرية

(3) الموارد الطبيعية

(4) العلاقات الدولية

(5) الروح المعنوية

(6) المقدرة التنظيمية

ومن الواضح رجحان كافة الدول العربية على إسرائيل فى معظم هذه العناصر إذ نجد إسرائيل ترتكز، من الناحية الجغرافية على شريحة ساحلية ضيقة لا يتوفر لها العمق، بينما يحيط بها نطاق عربى واسع يمتد لأعماق بعيدة كما تقف إسرائيل بأقليتها السكانية فى مواجهة أغلبية عربية ساحقة وهى لا تمتلك موارد طبيعية ذات قيمة، فى الوقت الذى يمتلك فيه العرب أكثر من نصف احتياطى بترول العالم وقد بقيت إسرائيل دولة شبه معزولة وسط محيط معاد لها فى منطقة الشرق الأوسط وفى مواجهة أمة عربية تتوفر لها عناصر القومية الأصيلة، ولكنها لم تستفد منها فى اتخاذ موقف عربى منسق، لمواجهة الخطر الصهيونى المتربص بها، نتيجة للخلافات المتفشية بين الدول العربية، لذلك فقد ظلت هذه الروابط الأصيلة مجرد دعاوى ظاهرية تتقهر إلى التنظيم والتكامل ومن ناحية أخرى، فإنه رغم وجود كثير من السلبيات التى يمكن أن تؤثر فى الروح المعنوية لإسرائيل ـ فى مقابل حقوق العرب المغتصبة وقضيتهم العادلة ـ تستغل إسرائيل مجموعة من الإيجابيات المحدودة فى رفع الروح المعنوية كالعنصرية وتصوير العداء العربى للصهيونية على أنه موقف عنصرى ضد اليهود والعمل على ربط الإسرائيليين بأهداف الصهيونية، خاصة وأن الهدف القومى الأول للصهيونية هو ضمان بقاء الوجود الإسرائيلى واستمراره هكذا وقفت المميزات العربية، عاجزة عن بناء القدرة العسكرية بعد أن جمدت قيمتها، نظرا لافتقار الأمة العربية إلى العنصر الأخير من عناصر القدرة العسكرية، وهو المقدرة التنظيمية القائمة على أسس علمية، والمستندة على الرغبة المشتركة فى البناء القومى المتكامل أما الصهيونية فقد تمتعت منذ البداية بإدراك واع لطبيعة الغايات وحقيقة الأهداف، وبالتالى حددت أبعاد الصراع، وتمكنت بالأساليب العلمية، والمقدرة التنظيمية، من حشد الإمكانيات، وتكثيف الطاقات، بحيث تكون متوائمة مع أبعاد هذا الصراع، وسخرتها لخدمة هذه الغايات، وتلك الأهداف وباستغلال السلبيات العربية بالنسبة لعناصر القدرة العسكرية، والإيجابيات الصهيونية بالنسبة لبعض هذه العناصر نجحت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فى وضع وتطوير نظرية عسكرية متوازنة ورغم ذلك فما زالت نقطة الضعف ومكمن الخطورة فى هذه النظرية، هى الاعتماد أساسا على عوامل السلبية العربية، التى لا تضمن استمرا وجودها، ولا تملك القدرة على فرض بقائها إلى الأبد لذلك فإن أى تحرك عربى منسق فى اتجاه القضاء على هذه العوامل، بغرض دعم القدرة العسكرية ـ ولو جزئيا ـ سوف يؤدى إلى انهيار أبرز الأسس وأهم العناصر التى قامت عليها النظرية العسكرية الإسرائيلية وقد حاولت إسرائيل أن تتغلب على نواحى الضعف المختلفة فى قدرتها العسكرية، بالسعى نحو إيجاد حلول تقلل من تأثيرها، بل وأحيانا بتحويلها إلى عناصر قوة، ففى مواجهة الوضع الجغرافى الشاذ وضحالة العمق الإقليمى، حاولت إسرائيل أن تعوض ذلك بوضع نظام للدفاع الشامل، يعتمد على تنظيم دفاعى متكامل، وشبكة واسعة من الخطوط الحصينة المرتكزة على المستعمرات الدفاعية، التى تحتلها عناصر شبه عسكرية، تدعم وقت العمليات بعناصر أخرى من القوات النظامية، والمنظمات العسكرية كمنظمة ـ ناحال ـ وبذلك جنبت القوات المسلحة أعباء الدفاع الثابت، وفرغتها بأكبر حشد للعمل الإيجابى المتحرك، وبمهمة ـ نقل الحرب إلى أرض العدو فور بدء القتال ـ ودفع الخطر بعيدا عن أراضيها وبالنسبة لمشكلة نقص القوى البشرية، اتبعت إسرائيل نظاما دقيقا لخلق ـ مجتمع عسكرى ـ وتكوين جيش كبير يعتمد أساسا على القوات الاحتياطية، التى تستدعى وقت الحرب أو الطوارئ، ووفقا لنظام جيد للتعبئة، مع الاهتمام الدائم برفع الكفاءة القتالية لهذا الجيش وكان من نتيجة هذا النظام أن تمكنت إسرائيل من تعبئة ما يزيد على 11 فى المائة من سكانها فى القوات المسلحة لجولة يونيو 1967، فضلا عن إشراك السواد الأعظم من السكان للعمل فى المجهود الحربى عامة بوسائل مختلفة، وفى مجالات متعددة إشراكا مباشرا أو غير مباشر أما عن نقص الموارد الطبيعية، فقد كانت المساعدات والمعونات والتبرعات والتعويضات، بمثابة معين لا ينضب، تأخذ منه إسرائيل كل ما يعوضها عن نقص الموارد، ويغطى تكاليف إنشاء ترسانتها المسلحة، بفضل الجهود العالمية المشتركة لإسرائيل والمنظمة الصهيونية والجاليات اليهودية فى أنحاء العالم والدعم الإمبريالى المستمر كما لجأت إلى خلق قادة تكنولوجية تعتمد على الصناعات العلمية أساسا وترفع ـ فى نفس الوقت ـ من قدرتها العسكرية ووجهت إسرائيل ذلك كله، وفقا لنظام للأسبقيات فى توفير الاحتياجات المختلفة، لدعم قدرتها العسكرية وبناء قوات مسلحة قادرة ولكى تواجه إسرائيل عزلتها فى المنطقة العربية، عملت على توثيق علاقاتها مع الإمبريالية الغربية، وخلق روابط متينة معها من خلال العمل على تكييف المصالح لتكون مصالح مشتركة وقد لعبت الصهيونية العالمية ـ بنفوذها الواسع فى الغرب ـ دورا أساسيا فى هذا المجال كذلك نجحت إسرائيل فى دعم وجودها السياسى لدى بعض الدول النامية الحديثة الاستقلال فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وبذلك تمكنت من توسيع مصادر إمدادها ومراكز التأييد السياسى لها، بل وخداع شطر كبير من الرأى العام العالمى، وكسب تقدير ومؤازرة قطاعاته الأساسية، وخاصة فى الدول الغربية لقد فرضت الظروف والهداف السياسة والجغرافية على إسرائيل نظرية عسكرية ذات طابع خاص، لا تعترف بالتراجع أو الانسحاب، ولا تقبل استراتيجية دفاعية، وتنادى بنقل الحرب إلى الأراضى العربية، وتسعى إلى تحطيم القوى العربية المسلحة على أكبر نطاق وفى أقل وقت ممكن عن طريق العمل الخاطف والهجوم المفاجئ المبيت، بحيث يتم احتلال مزيد من الأراضى العربية بالقوة العسكرية، لكسب مركز سياسى صالح للمساومة فى تحقيق غايات إسرائيل التوسعية وفرض السلام على الدول العربية وفقا لشروطها وتبعا لأهدافها المرحلية ويخدم هذه النظرية العسكرية جهاز كبير لمخابرات يقلل من احتمالات تعرض إسرائيل لهجوم مفاجئ ويوفر لها قدرات كبيرة من المعلومات اتلى تحد من المخاطر العسكرية أو تلغيها تماما، فضلا عن نظام شامل للتعبئة، يحول الدولة إلى مجتمع عسكرى كامل ويجعلها ـ وقت الحرب ـ جيشا فى شكل دولة تمثل قواته العاملة جزءا صغيرا منه، ويعتمد معظمه على جيش من الاحتياطى يشكل عند التعبئة وبالإضافة إلى ذلك تتمتع إسرائيل بشبكة جديدة من المواصلات الداخلية، توفر سرعة التعبئة والحشد وحرية الحركة والمناورة بين الجبهات، باستغلال ضيق الرقعة الأرضية لإسرائيل ويعزز ذلك كله فى الخارج عمل سياسى ودعائى نشط يهدف إلى كسب الرأى العام العالمى، وهدم معنويات الشعوب العربية، وإضعاف ثقتها فى قدراتها، وتفتيت تضامنها، وتشتيت جهودها، كما يسعى العمل السياسى إلى ضمان مورد ثابت ومستمر للأسلحة والمعدات الحربية ودعم سياسى من أحد أو بعض القوى الكبرى العالمية أما فى الداخل فيوجد نظام محكم للأمن الداخلى، يفرض على الأقلية العربية حكما عسكريا يحصرها فى مناطق مغلقة، ويبعدها عن المراكز الحيوية، وخطوط المواصلات الرئيسية بأساليب ضغط متعددة، يضاف إلى ذلك تعبئة معنوية بوساطة نظام سياسى داخلى يضمن استمرا سيادة الأيديولوجية الصهيونية، وسيطرة الأفكار العسكرية من خلال النظم الحزبية والمؤسسات السياسية والعسكرية على هذه الأسس جميعا أرست إسرائيل دعائم العسكرية، بعد عشرين عاما من تطوير والتجربة والعمليات الحربية الفعلية كذلك هيأت كيان الدولة اقتصاديا واجتماعيا، وزودت قوتها المسلحة بالقدرات التى تتلاءم مع هذه النظرية، ووفرت لها الحركة السريعة والمرونة الكبيرة، والمناورة الواسعة، مع قوة فى الصدمة وكثافة فى النيران واستند تكوينها على ثلاثة عناصر أساسية هى:
القوات الجوية،

والقوات المدرعة الميكانيكية،

والقوات المحمولة جوا، سواء المسقطة بالمظلات أو المنقولة بطائرات الهليكوبتر

وقد سار تسليح هذه القوات وفقا لأسبقيات معينة، تتمشى مع أهداف النظرية العسكرية، فأخذا القوات الجوية الهجومية الأسبقية الأولى فى التسليح والإعداد، تلتها القوات المدرعة، ثم القوات المحمولة جوا، وشاهد مطلع الستينات هذا التطوير الجوهرى فى القوات المسلحة الإسرائيلية، على أساس نظرية محددة أمدتها ظروف حرب العدوان الثلاثى عام 1956، بكثير من الخبرات ومزيد من الدروس، وعندما أتمت هذه القوات تكوينها وتدريبها واستوعبت الأسلحة الحديثة التى تدفقت عليها لسنوات عديدة، من فرنسا وبريطانيا وألمانيا الغربية والولايات المتحدة أصبحت مهيأة لشن الحرب الجديدة المبيتة، فلما واتتها الفرصة السياسية والاستراتيجية فى يونيو 1967 لم تتوازن عن اغتنامها ويمكن القول أنه بعد جولة يونيو 1967 استمرت النظرية العسكرية الإسرائيلية ـ فيما يتعلق بتطوير القوات المسلحة ـ تعتمد على معظم الأسس السابقة، وتتبع فى جوهرها نفس الخطوط القائمة على الحركة والعمل التعرضى، مع إدخال تعديلات وإضافات هامة واستبعاد بعض العناصر التى لم تعد مناسبة فى الوضع الاستراتيجى الناتج عن التحولات الجغرافية المترتبة على جولة يونيو عام ـ 1967 وما من شك فى أن هذا التحول قلب الأوضاع الاستراتيجية القديمة، لذلك كان من الضرورى تغير بعض المفاهيم العامة فى النظرية أما بالنسبة للموقف الدولى والعالمى من الصراع العربى الإسرائيلى، فقد تعرض كذلك لبعض التطورات السياسية الهامة فمن ناحية انكشف موقف الولايات المتحدة الأمريكية وتأييدها السافر لسياسة إسرائيل العدوانية والتوسعية، فضلا عن تماديها فى وضع إمكانياتها العسكرية الضخمة تحت تصرف إسرائيل، وتزويدها بكميات ضخمة من أحدث الأجهزة والمعدات الحربية الأمريكية، وقد أدى هذا الموقف إلى تشجيع إسرائيل على استمرار تمسكها بالأراضى المحتلة، وقبول السياسة الدفاعية للتشبث بخطوط المواجهة، ومحاولة ردع الدول العربية عن الاستعداد لاسترداد أراضيها وفى نفس الوقت أتاح الدعم الأمريكى لإسرائيل فرصة الاستمرار فى تطوير وتنمية قدرتها العسكرية، والاستعداد لجولة أخرى مع العرب ومن ناحية أخرى، تكشف حقيقة إسرائيل أمام الرأى العام العالمى، وفقدت كثيرا من العطف الذى كانت تتمتع به من قبل، وتحولت من صورة الدولة المهددة من العرب إلى الدولة القادرة على تهديد مجموعة من الدول العربية واحتلال أراضيها ورغم حرص إسرائيل على الاحتفاظ بتأييد الرأى العام العالمى، إلا أن ذلك لم يؤثر كثيرا على سياستها العدوانية، وإن حاولت تغطية نزعتها العدوانية بإبراز أعمالها العسكرية كضرورة لردع التصاعد العربى، والرد على حرب الاستنزاف التى يشنها العرب ضدها، غير أن هذا الأمر لم يؤثر على سير سياستها العسكرية، لكونه إجراء مظهريا فحسب، وعملا من أعمال التغطية الدعائية وفى مواجهة ذلك، اتخذ الدعم السوفيتى للدول العربية أبعادا جديدة، بل واختلفت طبيعته، فوضع الاتحاد السوفيتى ثقله السياسى لتأييد حق الدول العربية فى استرداد أراضيها وإزالة آثار العدوان عليها، وبالتالى مدها بالأسلحة والمعدات الحديثة والخبرات اللازمة لرفع مستوى الكفاءة القتالية العربية، وقد عكس هذا الأمر آثارا بعيدة على سياسة المواجهة العسكرية الإسرائيلية فأصبحت أشد حرصا بشأن تصعيد الموقف العسكرى، وأكثر عزوفا عن الدخول فى عمليات واسعة النطاق قد تزيد من مخاطر المواجهة العسكرية بين القوتين الكبيرتين كما استغلت إسرائيل هذا الدعم السوفيتى للحق العرب، فى تبرير حصولها على مزيد من الأسلحة الأمريكية، وتنمية ترسانتها العسكرية، بعد أن توفر العمق الجغرافى واتسعت المساحات وخاصة فى المناطق الصحراوية، ونقص طول الحدود، وخطوط المواجهة إلى حد كبير، فى حين زادت طول السواحل التى تسيطر عليها إسرائيل بينما برزت فوق مسرح الأحداث العسكرية عناصر جديدة كالمقاومة الفلسطينية المسلحة، والأعباء الكبيرة للسيطرة على الأراضى الواسعة، كل ذلك كان من شأنه أن يعكس آثاره المباشرة على تكوين القوات المسلحة، وإن لم يغير كثيرا من طبيعتها وينبع جوهر النظرية العسكرية الإسرائيلية، من الفكرة الصهيونية وأطماعها المخططة، وهى ترمى ـ من خلال الوسائل العسكرية ـ إلى تحقيق غاية نهائية، هى فرض السلام الصهيونى على الدول العربية، وفقا لشروط إسرائيل وبما يتلاءم مع أطماعها التوسعية وفى بقاء الأساس الصهيونى للنظرية العسكرية الإسرائيلية، فإن جوهرها ظل قائما يطرأ عليه أى تغيير بعد جولة يونيو 1967، فما زالت الأطماع الصهيونية قائمة، وما زالت إسرائيل تسعى نحو تحقيق غايتها النهائية وأهدافها التوسعيةإن ما طرأ من تغيير كان بشأن عناصر القدرة العسكرية الإسرائيلية من ناحية، وأساليب تطبيق النظرية العسكرية من ناحية أخرى، وهو بمثابة تغيير فى السياسة الإسرائيلية دون مساس بجوهر النظرية العسكرية إن التغيرات التى طرأت على مقومات النظرية العسكرية الإسرائيلية، أو بمعنى أدق، عناصر القدرة العسكرية الإسرائيلية، هى تغييرات عديدة شملت الجوانب السياسية والجغرافية والموارد البشرية والاقتصادية ولعل أبرز الجوانب السياسية الاختلافات التى طرأت على الموقف العربى، والتى سبق أن تعرضنا لها بالبحث، وهى تعكس أساسا تقلصا واضحا فى السلبيات العربية، واتمام الموقف العربى لأول مرة ببعض النواحى الإيجابية الهامة، التى تبلورت فى شكل معركة الصمود، وتجاوز آثار النكسة العسكرية، وظهور المقاومة المسلحة الفلسطينية، واستمرار المد الثورى العربى والحركة التحررية العربية بمفهومها القومى الواضح فى ثورتى السودان وليبيا أن الصمود العربى وتقلص السلبيات العربية جعل أحد الأسس الجوهرية للنظرية العسكرية الإسرائيلية معرضا للانهيار، وبالتالى كان لزاما أن تلجأ إسرائيل إلى زيادة الاعتماد على الإيجابيات الإسرائيلية والقوى الذاتية ومن أبرز التغيرات الاستراتيجية، التى أثرت على القدرة العسكرية الإسرائيلية، اختفاء أحد نواحى الضعف الجوهرية فيها، وهو ضحالة العمق الجغرافى، وبالتالى لم يعد هناك ضرورة للبحث عن الوسائل العسكرية اللازمة لمعالجة هذا الضعف وليس ثمة شك فى أن القدرة العسكرية الإسرائيلية قد دعت بعد التحسن الكبير الذى طرأ على الوضع الجغرافى، وما أضافه عن عمق استراتيجيى ضخم، أتاح للقوات الإسرائيلية فرصة تهديد كثير من الأهداف الحيوية الإسرائيلية، مما بعث نوعا من الاطمئنان لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية، ودفعها فى نفس الوقت إلى محاولة تهديد وضرب الهداف الحيوية الواقعة فى عمق الأراضى العربية ورغم هذه المزايا العسكرية الهامة، فقد أدت هذه الإضافة الجغرافية إلى بروز مجموعة من المساوئ الاستراتيجية، لكونها قد فاقت إلى حد كبير حدود الاحتياجات الاستراتيجية الفعلية والإمكانيات العسكرية المتاحة لإسرائيل، إذ أن تحسين الأوضاع الدفاعية، وتوفير العمق الجغرافى لدولة مساحتها حوالى 20 ألف كيلو متر مربع، يصعب أن يتأتى بإضافة مفاجئة لمساحة من الراضى تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة هذه الدولة، ذلك إذا أسقطنا من الاعتبار الجانب التوسعى فى المخطط الصهيونى ولذلك يمكن القول أن هذا الاتساع الجغرافى قد ترك آثار سلبية على الوسائل العديدة التى كانت تخدم النظرية العسكرية الإسرائيلية،

ومن هذه الآثار:


1
ـ اختفى نظام الدفاع الشامل المحكم الذى قضت إسرائيل عشرين عاما فى وضعه وتحسينه، والذى كان يستند على نظام الدفاع الإقليمى وخطوط المستعمرات الحصينة، وأصبح من الضرورى إعادة إنشاء هذا النظام بما يعوض إسرائيل عن نظامها الدفاعى، ويحسن وضعها الاستراتيجى وكانت فكرة ـ حدود الأمن ـ القائمة على ضم مزيد من الأراضى العربية المتاخمة لحدود إسرائيل وخطوط الهدنة، تحقيقا لمطالب أمنها القومى، ومراميها التوسعية فى أن واحد


2
ـ أصبح ـ مبدأ نقل الحرب فى مجالها البرى إلى الأراضى العربية فور بدء القتال ـ، مبدأ لا يتناسب كثيرا مع الوضع الجغرافى الجديد، أو الظروف السياسية السائدة، أو القدرة العسكرية الإسرائيلية ولما كان هذا المبدأ نابعا من عقيدة ـ العمل الهجومى ـ التى لا تتخلى عنها إسرائيل، أصبح ـ المجال الجوى ـ هو المنفذ الرئيسى أمام إسرائيل لشن أعمالها الهجومية ضد الدول العربية، بنقل القتال وأثار الحرب إلى الأجواء العربية المجاورة لها، خاصة وأن مزايا الوضع الجغرافى، تجعل هذا الأمر ميسورا وأكثر سهولة عن ذى قبل


3
ـ استتبع تجميد مبدأ ـ نقل الحرب فى مجالها البرى ـ ضرورة قبول استراتيجية دفاعية للحفاظ على المكاسب الإقليمية والتمسك بخطوط الواجهة وبالتالى تراجعت نظرية ـ الحرب الخاطفة ـ التى تعتمد على التعبئة السريعة المؤقتة، وتحليل الدولة إلى معسكر مسلح، لفترة زمنية محدودة تستجمع فيها مجامع قوتها لتوجيه ضربة واحدة مفاجئة، تقلب موازين الموقف الاستراتيجى بالقدر الكافى لتحقيق النصر العسكرى السريع بينما تزايدت الحاجة إلى الاحتفاظ بقوات عاملة كبيرة بصفة دائمة حتى يمكن تأمين الأراضى المحتلة الواسعة، ومقابلة التهديدات العربية المتصاعدة


4
ـ أن توفر عنصر الأمن الاستراتيجى ـ على ضوء الوضع الجغرافى ـ أدى إلى انتقاء فكرة ـ الحرب الوقائية ـ التى تذرعت بها إسرائيل دائما، بإدعاء شن العدوان لأغراض دفاعية وقائية، وبالقضاء على الخطر قبل وقوعه وبالتالى انحصرت وسائل فرض الإرادة وسياسة ـ اليد العليا ـ فى وسائل محدودة هى أساليب ـ الردع ـ التى قد لا تحقق نتائج حاسمة لارتباطها بعوامل معنوية وظروف نفسية يجب توفرها، لكى يتحقق تأثير أعمال الردع ويتمخض عنها نتائج محددة، الأمر الذى يصعب على إسرائيل أن توجهه أو تفرضه

5 ـ بقبول إسرائيل الاستراتيجية الدفاعية، فقدت قوتها المسلحة قدرا كبيرا من مزاياها كالإيقاع السريع والحركة المفاجئة المستمرة وزاد من تأثير هذا التغيير تباعد الجبهات العربية، وبذلك تضاءلت القدرة على المناورة بين الجبهات وحرية العمل من خطوط داخلية متقاربة، خاصة مع امتداد شبكة المواصلات عبر مناطق صحراوية واسعة تفتقر إلى المواصلات الجيدة، أو مرورها خلال مناطق عربية مأهولة تجعلها معرضة للقطع ولأعمال العزل، ولذلك اتجهت النظرية العسكرية الإسرائيلية إلى محاولة تكوين قوات قادرة على العمل فى جبهات منفصلة، والقيام بعمليات مستقلة، دون أن تنتظر وصول قوات إضافية لتعزيزها فى فنترات زمنية قصيرة


6
ـ تعرض موقف الأمن الداخلى لتغيرات حادة، أضاف أعباء ضخمة بعد ارتفاع نسبة السكان العرب الواقعين تحت السيطرة الإسرائيلية من 10 فى المائة إلى 40 فى المائة من تعداد السكان، فضلا عن ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة، وما يلوح من احتمالات نموها وتصاعد أعمالها، حتى أنها أصبحت أحد العوامل المؤثرة فى الموقف العسكرى، وفى اتجاهات الصراع العربى الإسرائيلى يتضح مما تقدم، أن هناك كثيرا من العوامل السياسية والعسكرية الطارئة استوجبت إعادة النظر فى ـ النظرية العسكرية الإسرائيلية ـ ولكى تكون دراستنا للآثار اتلى ترتبت على ذلك كدراسة متكاملة، سنتعرض فيما يلى للأسس الجديدة للنظرية العسكرية الإسرائيلية، وما ترتب عليها من مهام استراتيجية جديدة، وتأثير ذلك على تطوير القوات المسلحة الإسرائيلية


ثانيا: الأسس الجديدة للنظرية العسكرية الإسرائيلية:


إن النظرية العسكرية الإسرائيلية، ثابتة فى جوهرها، الذى يتغير باختلاف الظروف، فهى مازالت صهيونية بطبيعتها، عدوانية بوسائلها، توسعية بغاياتها، لذلك فإن التغيير الذى يطرأ عليها، لا يعدو أن يكون تغييرا فى الأسلوب، يحقق لها القدرة على مواجهة مطالب مرحلة من المراحل، وفى الحقبة الحالية فإن مطالب استيعاب المكاسب واحتوائها، وتلبية متطلبات الأمن ومستلزمات الدفاع، هى التى فرضت التغيير على بعض جوانب ـ النظرية العسكرية الإسرائيلية ـ فإذا كانت النظرية العسكرية الأصلية ترفض مبدأ الانسحاب، لعدم توفر العمق الجغرافى الذى يسمح بالأخذ بهذا الأسلوب، فإن النظرية الجديدة مازالت متمسكة بنفس المبدأ وإن اختلفت الأسباب، فرغم أن العمق الجغرافى الحالى يسمح الآن بمناورات الانسحاب إلا أن إسرائيل ترفض التخلى عن خطوط المواجهة وتصر على التمسك بها ويعود هذا الرفض إلى أسباب عسكرية، لكون هذه الخطوط مستندة على موانع طبيعية توفر لإسرائيل كل مزايا الثبات والقوة الدفاعية، وكذا إلى أسباب سياسية، كعنصر ضغط ومساومة للحصول على أكبر قدر من المكاسب ولهذا فإن الانسحاب مشروط بأن يكون ـ إلى حدود آمنة ـ تختارها وتحددها إسرائيل، وتضم خلفها ما تشاء من الأراضى العربية المحتلة وقد سبق دراسات مختلفة التعرض بالتحليل لمفهوم الحدود الآمنة من وجهة النظر الإستراتيجية الإسرائيلية ونضيف هنا الشروط العسكرية التى تراها إسرائيل لازمة لهذه الحدود: فهى الحدود التى تمنع التهديد السورى الذى كان موجهة إلى سهل الحولة وبحيرة طبرية، وتحول دون تهديد الأردن الذى كان مسلطا على عنق الزجاجة فى السهل الساحلى، وهى الحدود التى تحتفظ ـ بالقدس الموحدة ـ عاصمة لإسرائيل، وتبعد التهديد المصرى عن مناطق النقب، مع ضمان حرية الملاحة الإسرائيلية فى مضايق خليج العقبة

وقد أوضح إيجال آلون هذه الشروط فى مجال تعليقه على خطوط الهدنة لعام 1949، بقوله:


أن خطوط الهدنة لعام 1949 ليست حدود أمن، والانسحاب إليها يعتبر بمثابة الدخول فى مصيدة استراتيجية، لذلك فكل من يطالب بالاستناد عليها ـ حتى فى نطاق معاهدات سلام ـ فإنه يفرض على الدولة خطرا شديدا، إذ لا يجب إعادة الوضع الدفاعى لإسرائيل إلى ما كان عليه سابقا فلا يمكن أن نتصور عودة المدفعية السورية إلى مرتفعات الجولان، والمدرعات الأردنية أمام مشارف هاشارون (السهل الساحلى) ووادى حفروها شمالا، أو أن نسمح بتقسيم القدس من جديد، أو أن نفتح أبواب النقب مرة أخرى على حدود سيناء، أو نجعل حرية الملاحة الإسرائيلية فى الممرات الدولية أمام علامة استفهام

ـ (3) لذلك كله تعلق إسرائيل أهمية كبرى على وقف إطلاق النار لأجل غير محدود، باعتباره الوسيلة المضمونة التى تحقق لها الهدوء اللازم لفرض مخططها الخاص برسم حدود جديدة لها، وأن يستمر تمسكها بهذا النظام على خطوط المواجهة إلى أن يتم وضع تلك الحدود السياسية الآمنة المعترف بها من الأطراف المعنية ضمن معاهدات سلام ويرى ايجال آلون أن معاهدات السلام ليست فى حد ذاتها ضمانا للأمن، ما لم تحتو على تسويات أمن ذات تأثير فعلى، تتضمن هذه الحدود الجديدة، كما يرى كذلك أن نزع سلاح بعض المناطق ليست حلا، ما دامت لم تتوفر ضمانات بقاء هذه المناطق منزوعة السلاح ولا تصلح أن تكون هذه الضمانات عن طريق طرف ثالث

(4) فما الذى يرمى إليه آلون؟ أنه يقول:
أن الوجود الإسرائيلى سواء كان مدنيا أو عسكريا أو سياسيا فى وضع جغرافى أو استراتيجى يضمن للدولة عمقا جغرافيا ومواقع طبوغرافية مناسبة للدفاع هو أساس الأمن الإسرائيلى

(5) أن ما يريد أن يعبر عنه آلون هو أن إسرائيل لا تطالب بضم مزيد من الأراضى العربية إليها فحسب، بل أنها تبغى كذلك وضع أى مناطق منزوعة السلاح تحت إشرافها، أى أن تضمها إلى إسرائيل على أن تبقى منزوعة السلاح أن آلون إنما يردد نفس الآراء التى رددها زعماء إسرائيل بشأن المناطق المنزوعة السلاح التى حددت عام 1949، والتى حاولت إسرائيل استغلالها وإنشاء المستعمرات فيها، مستخدمة نفس الذريعة وكان هذا العمل هو بداية التحرك الإسرائيلى نحو التوسع الإقليمى عام ـ 1951، وفاتحة لمرحلة جديدة من مراحل الصراع العربى الإسرائيلى أن إصرار إسرائيل على البقاء فى الأراضى العربية واستمرار احتلالها، يعنى ضرورة الاستعداد للدفاع عنها أى قبول الاستراتيجية الدفاعية فى الأراضى المحتلة، ويعتبر ذلك هو التعديل الجوهرى الثانى فى أساليب تطبيق النظرية العسكرية الإسرائيلية وعلى ذلك فإن اتخاذ جانب الدفاع ـ الذى يتعارض مع طبيعة تكوين وأساليب القوات المسلحة الإسرائيلية، بل ومع عقائدها ـ يدفعنا إلى توقع، أن تحاول إسرائيل التوفيق بين طبيعة تكوين قواتها المسلحة ومتطلبات الإستراتيجية الدفاعية، بأن تلجأ إلى إدارة الحرب الدفاعية بأسلوب تعرضى، تستغل فيه إمكانياتها الهجومية وعلى هذا الأساس، فمازالت فلسفتها الدفاعية تقوم أساسا على مبدأ ـ منع الهجوم قبل وقوعه ـ ولكن بوسائل أخرى، فإن ما تحتاجه إسرائيل ـ فى هذه الحقبة ـ هو أن تتاح لها فرصة الاحتواء، ولذلك فلا مجال أمامها لمزيد من التوسع أن معنى ما سبق هو احتمال أن تكون الحرب طويلة الأمد، الأمر الذى يتعارض مع عناصر القدرة العسكرية الإسرائيلية ونظريتها العسكرية تلك العناصر التى لا تستطيع بشريا أو ماديا تحمل نزيف حرب طويلة الأمد، ولذلك فإن إسرائيل مع اضطرارها لقبول النظرية الدفاعية التى لا تلائم إمكانياتها، تبذل كل جهد لتحاشى التورط فيها، بأن تدفع بكل قواها احتمالات التعرض لها مستغلة فى ذلك كل مزايا مركزها الاستراتيجى الحالى، من خلال محاولات مستميتة لتحقيق الإعاقة المادية والمعنوية لأى تحرك عربى واسع فى المستقبل، بوساطة أسلوب ـ الردع الجسيم ـ الذى يعتبر محور سياستها الحربية فى الحقبة الحالية وفى مجال هذا الأسلوب، كان على إسرائيل أن تختار الجبهة الرئيسية لتركز ضدها جهودها الأساسية، وهى الجبهة المصرية، على أمل أن يؤدى التأثير فيها إلى ردود فعل عميقة وسريعة فى نفس الوقت بالنسبة للجبهات العربية الأخرى أن هذه التطورات الأساسية، لا تعنى بأى صورة من الصورة أن إسرائيل قد تخلت عن طبيعتها العدوانية، أو أنها جردت نظريتها العسكرية من فكرة ـ الهجوم المسبق ـ عندما تتوفر قدرتها العملية اللازمة والظروف السياسية المواتية، للقيام بمثل هذا الهجوم فرغم أن هذه العقيدة قد ضعفت من حيث القدرة العسكرية الإسرائيلية أو للقيمة السياسية والاستراتيجية إلا أن إسرائيل مازالت تتمسك بها بالنسبة لجبهات معينة وفى ظروف محددة وقد تعرض إيجال آلون للحالات التى تفرض على إسرائيل لقيامها ـ بالهجوم المضاد السبق ـ ويدفع قواتها عبر خطوط المواجهة، سواء لفترة مؤقتة أو طويلة، وهى أربع حالات


1
ـ قمع الأعمال الإرهابية والتخريبية، التى تشن من قواعد موجودة وراء خط وقف إطلاق النار، إذا لم يعد فى الإمكان ردعها بالوسائل المحدودة


2
ـ تقديم المعونة لحلفاء ذوى ثقل فى الدول المجاورة (وهو يعنى ظهور أى نظم للحكم موالية للإمبريالية الغربية)


3
ـ فى حالة حدوث تغيير الوضع القائم فى بعض الدول المجاورة


4
ـ فى حالة هجوم العدو أو حشد قواته استعداد للقيام بالهجوم ويستطرد آلون ـ واضعا فى اعتباره أهمية الضفة الشرقية للأردن كجزء حيوى من المخطط الصهيونى التوسعى البعيد المدى ـ فيستعرض حالات التدخل فى الأردن قائلا:
أن إسرائيل تعلق أهمية خاصة فى أمنها وسياستها على مستقبل هذه الدولة، لذلك فليس من حقها أن تظهر اللامبالاة إزاء مصيرها أن ما قد يحدث فى الضفة الشرقية من تغيير فى نظام الحكم لا يستوجب تخلا من إسرائيل، إما إذا حدث تفتت لمملكة الأردن، ووقعت فريسة للدول (العربية) المحيطة بها، فمن حق إسرائيل، ومن واجبها، أن تنقل حدودها إلى ما وراء نهر الأردن شرقا والاحتماء فى سلسلة جبلية ذات قيمة دفاعية وإلا فسوف تجد إسرائيل نفسها معرضة لخطر كان يجب ألا تقع فيه، لا وفقا لنظام وقف إطلاق النار مع الأردن، ولا وفقا لمصلحة أمنها الطبيعى

(7) وهكذا يكشف آلون دون مواربة عن المرامى التوسعية المستقبلية وهى نفس المرامى التى نادت بها الصهيونية منذ عشرات السنين، وحرصت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ـ وما زالت تحرص ـ على وضعها موضع التنفيذ بشتى الأساليب ومختلف الوسائل بقيت نقطة جوهرية فى مكونات النظرية العسكرية الإسرائيلية تعكس مفهوما جديدا هاما برر فى الفترة الأخيرة، ذلك هو السعى لتحقيق ـ الاكتفاء الذاتى العسكرى ـ بقدر ما تسمح به الظروف السياسية والإمكانيات الاقتصادية ولقد تردد هذا المفهوم فى أعقاب الجولة الثانية عام 1956، ثم ازداد حتى رسخ كعقيدة فى أعقاب الجولة الثالثة عام 1967 ـ ونلاحظ أنه كثيرا ما يردد الإسرائيليون كلمة ـ الاستقلال العسكرى ـ فى مجال مناقشة حلول السلام التى تسعى إليها الدول الكبرى، على أساس أنه ليس هناك أمل فى أن تتفق هذه الدول ـ المتعارضة المصالح ـ على تقديم ضمانات كافية لمنع وقوع الحرب فى المنطقة بل أن الضمانات العسكرية التى يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، لا تعتبر ـ من وجهة النظر الإسرائيلية ـ كافية لمنع وقوع الحرب، وأن أى تدخل سوف يأتى بعد أن تبدأ هذه الحرب فعلا وبما أن التكنولوجيا العسكرية الحديثة يمكن أن تتيح سرعة الانتقال القوات المسلحة فى حالة الاستعداد إلى حالة الهجوم، فإنه إذا تصورنا وضعا أمثل تستخدم فيه التكنولوجيا للحصول على أقصى قدر ممكن من القوات فإن الدول العربية ذات الجيوش الدائمة قد تتمكن من الوصول إلى درجة عالية من الاستعداد لفترة طويلة قبل بدء الحرب، وبذلك يمكن أن تكون قادرة على تقصير فترة الانتقال إلى حالة الحرب لأقل حد ممكن وإذا ما حدث ذلك قد لا تتمكن إسرائيل التى تقوم أساس قوتها العسكرية فى الحرب على تعبئة الاحتياطى، فى هذه الحالة فى مجاراة الدول العربية فى مجال التحول السريع إلى حالة الحرب، وخاصة فى الظروف العسكرية والاستراتيجية القائمة وعلى ذلك، فإن أى تدخل عسكرى، قد يحدث بعد فوات أوانه هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن سياسة الحظر الفرنسية على إرسال الأسلحة والمعدات إلى إسرائيل قد أثارت كثيرا من المخاوف فى إسرائيل خاصة بعد أن أصبحت الولايات المتحدة فى مورد الأسلحة الوحيدة لها وهو موقف يتعارض مع السياسة الإسرائيلية التى تسعى دائما إلى توفير مصادر متعددة تمدها بالسلاح وبالإضافة إلى ذلك فإن أهم القوى التى يستند إليها الأمن الإسرائيلى ونعنى بها قوة الصهيونية والاستعمار العالمى، لا تمتلك إسرائيل دائما القدرة على التحكم فيها فى كل الأوقات وفى كل الظروف، وخاصة إذا ما اتخذت اليهودية العالمية فى المستقبل موقفا لا يتلاءم مع المصالح الصهيونية الإسرائيلية، أو اضطر الاستعمار إلى تغيير موقفه من إسرائيل تحت ضغط مصالحه، إذا ما تعارضت مصالح إسرائيل مع هذه المصالح فى يوم ما وعلى ذلك تبقى القوة الوحيدة المضمونة التى تمتلك إسرائيل حرية التحكم فيها واستخدامها فى القوة المسلحة الإسرائيلية بمقدرتها الذاتية على الصمود والردع، وقد عبرت صحيفة ـ هايوم ـ الإسرائيلية جوهرها، فهى مازالت لا تعرف عن هذا الموقف فى مقال تحت عنوان ـ

استقلال عسكرى أو ضمان من دولة كبرى، بقولها:


أن الضمان الوحيد الذى بقى لإسرائيل يتمثل فى القوة الذاتية للجيش الإسرائيلى، وقد ثبت هذا فى جميع حروبها، كذلك سيكون الأمر فى المستقبل حتى يحل السلام ـ وهكذا أصبح من معالم النظرية العسكرية الإسرائيلية، الإقلال من الاعتماد على الخارج فى مجال التسليح كلما كان ذلك ممكنا وعلى هذا الأساس أصبح من الضرورى أن تلتزم الصناعة الإسرائيلية عامة، والصناعة الحربية الإسرائيلية خاصة، بسياسة تنمية واسعة النطاق، فضلا عن تركيز الاهتمام بمجالات البحث العلمى والتكنولوجى وبدأت إسرائيل منذ حرب يونيو 1967 تعلن لأول مرة ـ


أنها قد حققت إنجازات باهرة فى مجال البحث العلمى العسكرى، كما أنها كانت وراء تلك الضجة المفتعلة التى ثارت فى مايو عام ـ 1969 حول إنتاجها للأسلحة الذرية وقد ترتب على سياسة الاكتفاء الذاتى العسكرى، إضافة أعباء جديدة على القاعدة الصناعية التكنولوجية الإسرائيلية فسر أسبابها وحددها ايجال آلون فى قوله:
أن الخطر والتلكؤ فى تزويدها إسرائيل بالأسلحة وقطع الغيار، الذين جربتهما إسرائيل فى حرب الأيام الستة وبعدها من جانب دول صديقة بالذات، يلزمان الصناعة الإسرائيلية بالآتى


1
ـ زيادة الإنتاج الذاتى فى وسائل القتال المتعددة


2
ـ تطوير الأجهزة الإلكترونية والأسلحة الحديثة المختلفة

ـ 3 ـ تدعيم قطاعات البحث والصناعة العسكرية
4
ـ الارتباط العملى بجهات أجنبية، بحيث يمكن أن تصل إسرائيل إلى حد الاكتفاء الذاتى، مع مراعاة الاحتياجات الأخذة فى الازدياد وأيضا إلى حد إمكانية التصدير على نطاق واسع مما تقدم يمكن استخلاص ما طرأ من تعديل على النظرية العسكرية الإسرائيلية فيما يلى:


أن الفكرة الصهيونية ومخططها الكبير، هى المنبع الأساسى الذى تستمد منه النظرية العسكرية الإسرائيلية جوهرها فهى مازالت لا تعترف بالانسحاب العسكرى إلا فى حالة وضع ـ حدود آمنة ـ متفق عليها، تضم نطاقا جديدا من الأراضى العربية المحتلة على الجبهات الثلاث، ويكون ذلك ضمن اتفاق للسلام الإسرائيلى ولهذا فإن استمرار احتلال الأراضى العربية استوجب أن تقبل النظرية الجديدة، ـ الاستراتيجية الدفاعية ـ القائمة على التمسك بمبدأ ـ منع الحرب قبل وقوعها ـ بنقل مجالها الجوى أساسا إلى سماء الدول العربية وأراضيها وتسعى النظرية العسكرية الإسرائيلية، إلى العمل على تفادى آثار حرب الاستنزاف، أو احتمال وقوع جولة رابعة مع العرب فى حقبة الاحتواء الحالية باستخدام أساليب الردع الجسيم ـ التى من شأنها أن تثنى الدول العربية عن التفكير فى شن الحرب بالتأثير فى قدراتها العسكرية، وطاقاتها المعنوية، مع تركيز، المجهود الرئيسى ضد الجمهورية العربية المتحدة، باعتبارها ممكن القوة العربية ومحركها الأول فى نفس الوقت ولا تسقط هذه النظرية من اعتبارها حق إسرائيل فى العدوان ـ بشن هجوم مضاد مسبق ـ تحت ظروف معينة وضد جبهات بذاتها وليس ضروريا أن يكون هذا الهجوم بغرض الاحتلال بل يمكن أن يكون بغرض تغيير أوضاع قائمة لا تلائمها، وفرض أوضاع جديدة تحقق أهدافها وغاياتها، كما تهتم هذه النظرية بالسعى نحو تحقيق ـ الاكتفاء الذاتى العسكرى كضمان لأمن إسرائيل، فى مواجهة تقلبات الموقف الدولى واحتمالاته المقبلة، وتحولات الرأى العام العالمى، التى قد تعكس آثارها فى المستقبل على سياسات الدول المؤيدة لإسرائيل


ثالثا: المهام الاستراتيجية للنظرية العسكرية الإسرائيلية: كان طبيعيا أن تتمخض النظرية العسكرية عن مهام استراتيجية مختلفة تكلف بها القوات المسلحة الإسرائيلية، باعتبار أن محصلة هذه المهام ضرورية لنجاح هذه النظرية بعناصرها جميعا أو بعض منها على الأقل وعلى ذلك يمكن حصر المهام الاستراتيجية للنظرية العسكرية فى مرحلة ما بعد جولة يونيو عام 1967 فيما يلى:


ـ 1 ـ فرض السيطرة العسكرية المحكمة على المناطق المحتلة، وتأمين خطوط المواصلات الطويلة الممتدة داخلها

2 ـ إعادة تنظيم نظرية الدفاع الشامل عن إسرائيل، بغرض تحسين الوضع الجغرافى الاستراتيجية لإسرائيل، بما يحقق أكبر قدر من السلامة والأمن لها


3
ـ التشبث المؤقت بخطوط المواجهة والدفاع عنها، كضرورة لازمة لتأمين مخطط المن التوسعى من خلال التهديد العسكرى والضغط السياسى فى المرحلة الانتقالية


4
ـ ممارسة عمليات الردع العسكرى الجسيم ضد الدول العربية المجاورة، لتحقيق مجموعة من الأغراض المختلفة، بحيث تتنوع عمليات الردع من حيث طبيعتها وحجمها وأهدافها، باختلاف الغرض التى تشن من أجله


5
ـ مواجهة حرب العصابات التى تشنها منظمات المقاومة الفلسطينية المسلحة، ومحاولة القضاء عليها، وعزل الشعب الفلسطينى فى الراضى المحتلة وتفريغ هذه الأراضى منه، كلما كان ذلك ممكنا


6
ـ الاستعداد لسحق أى عمليات عسكرية واسعة النطاق، وإرادة الحرب الدفاعية التعرضية إذا ما تعرضت الأراضى المحتلة لهجوم شامل من الدول عربية وقبل التعرض بالدراسة والتحليل لهذه المهام وأبعادها الفعلية وتأثيرها على شكل وتكوين القوات المسلحة الإسرائيلية نبادر فنسوق مجموعة من الملاحظات الأولية تلقى الضوء على طبيعتها:

أ ـ أن هذه المهام الكبيرة تحمل القوات الإسرائيلية أعباء جسيمة، لم يسبق أن تعرضت لمثلها من قبل، وهى أعباء لم تكن قد تهيأت أو استعدت لهذه القوات طوال العشرين سنة التى سبقت جولة يونيو 1967 مما يجعل من المحتمل ـ على المدى الطويل ـ أن تنوء القوات الإسرائيلية بحملها، فى مواجهة حجم النمو المتوقع للإيجابيات العربية


ب ـ أن القيام بمثل هذه المهام المتباينة، يتطلب إحداث تغيرات أساسية فى شكل وتكوين القوات المسلحة الإسرائيلية، لكى تتواءم هذه القوات مع طبيعة وحجم المهام المكلفة بها


ج ـ هناك تفاوت كبير بين طبيعة المهام وبعضها، سواء من حيث الحكم أو النوعية أو الترابط أو التشعب وهذا يخلق بالضرورة نوعا من التشتت للقوى المتاحة، ويؤدى مع استمرار عناصر الضغط المختلفة ـ إلى بعثرة جهود هذه القوى وصعوبة تركيزها لتحقيق أهداف محددة


د ـ يستتبع الأمر، أهمية السعى لخلق أبعاد قتالية إضافية لتوسيع آفاق العمل العسكرى الإسرائيلى، بما يجعله قادرا على استيعاب مجموعات متناقضة من المهام، وما يحقق مرونة أكبر فى استخدام القوات، ويتفق مع الطبيعة المختلفة لمسارح العمليات المختلفة، سواء الجبلة أو الصحراوية أو المزروعة، فضلا عن تباعد هذه المسارح وما يتطلب ذلك من خلق القدرة على القيام بعمليات مستقلة واسعة النطاق فى كل مسرح، وفى أن واحد


ه ـ أن اتساع المسرح البحرى الممتد فيما بين البحرين المتوسط والأحمر، والمجال الجوى الكبير، وإن كان ذلك يكفل حرية المناورة، إلا أنه يضيف أعباء ضخمة بشأن تأمين السواحل الممتدة، وحماية المجال الجوى الواسع


و ـ أن تعدد أنواع العمليات الحربية المحتملة سواء عمليات الردع، أو مقاومة حرب العصابات أو شن العمليات الحربية الواسعة النطاق، إنما يتطلب نوعية خاصة من القوات، ومرونة كبيرة فى تكوينها وفى أساليب استخدامها، مع التركيز على أنواع من المعدات ذات قدرات قتالية عالية، وإمكانيات كبيرة للمناورة الواسعة السريعة أن فرض السيطرة العسكرية المحكمة على الأراضى المحتلة الواسعة، بما يحقق أمن هذه الأراضى، وحماية خطوط المواصلات، وأحكام القبضة على سكانها العرب، عمل يتطلب فى حد ذاته جهدا جسيما، تتزايد جسامته بتزايد اهتزاز حالة الأمن وتعرض خطوط المواصلات واتساع مجال الصراع بين السكان العرب وسلطات الاحتلال أن رحابة المناطق المحتلة، وتعرضها لأنواع متعددة من التهديد، وصعوبة توفير حجم القوات اللازمة للسيطرة على الأراضى، جعل من الضرورى أن تركز القيادة العامة الإسرائيلية على توفير حجم مناسب من القوات ذات النوعية الخاصة، وهى القوات القادرة على الاستجابة السريعة لأى موقف، والانتقال الفورى إلى أى مكان، ومن هنا فقد ركزت هذه القيادة اهتمامها على تطوير القوات التى تتصف بخفة الحركة كالقوات المدرعة والميكانيكية وعناصر الاستطلاع والجماعات المنقولة جوا يضاف إلى ذلك أن طول خطوط المواصلات واحتمالات التعرض لها زادت إلى حد كبير من أهمية تدعيم وسائل النقل الجوى اللازم لنقل القوات والمعدات والإمدادات، وتقديم الخدمات السريعة كالنجدة والإنقاذ والإسعاف وليس ثمة شك فى أن ابتعاد خطوط القتال لمسافات كبيرة عن حدود إسرائيل قد أهدر القيمة الحقيقية لنظرية الدفاع الشامل الأصلية ـ التى قضت إسرائيل سنوات طويلة فى وضعها وإحكام بنائها ـ وخاصة فما يتعلق بنطاق الأمن الأمامى المستند على نظام الدفاع الإقليمى والمستعمرات الدفاعية وبما أن الأهداف الرئيسية لعدوان إسرائيل عام 1967، كان تحسين الوضع الجغرافى الاستراتيجى بالعمل على ضم نطاق من الأراضى المحيطة بإسرائيل إلى رقعتها، كان لا بد من إعادة النظر فى نظرية الدفاع الشامل بحيث تحقق أكبر قدر من السلام والأمن، والبدء فى اتخاذ إجراءات ضم الأراضى التى تفى بهذه الشروط، بأن تسعى إلى خلق وجود إسرائيلى دائم فيها، أو بمعنى آخر نقل النطاق الأمامى للدفاع الإقليمى والمستعمرات الدفاعية، من مكانه القديم إلى خطوط جديدة داخل الأراضى العربية المحتلة تطلق عليها إسرائيل أسم ـ حدود الأمن ـ وإلى أن يتم خلق هذا الوجود العسكرى الثابت سيستمر عبء تأمين هذه المناطق واقعا على عاتق القوات المسلحة، خاصة إذا ما تزايدت المقاومة العربية فى مواجهة الإجراءات الإسرائيلية بإنشاء مستعمراتها الجديدة فى المناطق العربية وتعتبر هذه المهمة من أبرز مهام النظرية العسكرية الإسرائيلية الجديدة، فهى تحقق مشروع الأمن الحيوى التى تعمل إسرائيل على تنفيذه دون انتظار لأية تسوية، حتى تجعل منه أمرا واقعا ولتأمين تنفيذ هذه المخططات الإسرائيلية فى الأراضى العربية، واستمرار إسرائيل فى الاحتفاظ بأهم مكاسبها من الحرب كعنصر حيوى فى مجال الضغط السياسى والتهديد العسكرى ضد الدول العربية، كان على إسرائيل أن تبذل كل جهد، وتتحمل كل ضغط للتمسك بخطوط المواجهة، رغم ما يكفلها ذلك من خسائر فى القوة البشرية والمعدات لذلك أصبحت إسرائيل مضطرة إلى تدبير القوات النظامية اللازمة لتنفيذ هذه المهمة الدفاعية الحيوية ومن هنا فإن أفضل ما يناسب القوات الإسرائيلية تماما هو أن يسود الهدوء فوق خطوط المواجهة، باعتبار أن ذلك هو الوضع المثالى الذى يمكنها من تنفيذ مخططاتها فى أسرع وقت بدون خسائر غير أن القوات المصرية قد حرمتها من هذا الهدوء، حين مارست سياستها الدفاعية النشطة منذ أواخر عام 1968 ولكى تتيح إسرائيل لقواتها القدرة على الصمود فوق خطوط المواجهة فى الجبهة المصرية، وحتى لا تضطر إلى فتح وتجمد جزء كبير من قوتها لدعم هذه الخطوط، لجأت إسرائيل إلى بناء التحصينات لتحمى قواتها المتمركزة فى الضفة الشرقية للقناة، ولتساعدها على تحمل ضغط التركيز المصرى، وهى التحصينات التى عرفت ـ بخط بارليف ـ غير أن المدفعية المصرية التى ركزت منذ مارس عام 1969 نيرانها على هذا الخط، قد أفقدته تماسكه، ثم عززت تركيزها هذا بعمليات عبور واقتحام للمواقع الدفاعية الحصينة فى خط بارليف أو فى أعماقه، لذلك ما أن تقرر وقف إطلاق النار فى 8 أغسطس 1980 حتى انتهزت إسرائيل الفرصة لتبنى خطا من التحصينات القوية على الضفة الشرقية للقناة، يكون قادرا على توفير حماية أفضل لقواتها من ضربات المدفعية المصرية أو عبور القوات البرية لتدميره ومن ذلك يتضح مدى إصرار إسرائيل على تمسكها بخطوط المواجهة رغم تكاليفها المرتفعة، بما يلقى مزيدا من الأعباء على قواتها المسلحة، فهى مجبرة على تجميد جزء أساسى منها لحماية هذه الخطوط وتدعيمها، وسد الخسائر المستمرة فيها، وفضلا عن ذلك، فإن هذه المهام الدفاعية تفقد القوات الإسرائيلية ـ وهى القوات القليلة الخبرة بالحرب الدفاعية ـ أهم مزاياها الهجومية، لما تتطلبه من نوعية خاصة فى التدريب، والقدرة على تحمل المشاق المادية والمعنوية للحرب الدفاعية أن فكرة الردع بصفتها إحدى ركائز النظرية العسكرية الإسرائيلية، قد نبعت من اعتقاد خاطئ، بأن العنف هو أنسب السبل للتعامل مع العرب ولذلك فإن الغرض الأساسى من عمليات ـ الردع ـ الإسرائيلية هو خلق شعور بين الدول العربية بعجزها عن مواجهة إسرائيل ـ وقوتها الرادعة ـ وهو ما لم يتحقق حتى الآن، ولن يتحقق مستقبلا، وتعتقد إسرائيل أن خلق مثل هذا الشعور بين الدول العربية، من شأنه أن يثنيها عن التفكير فى شن حرب لاستعادة الأراضى المغتصبة، بل وأن يردعها حتى عن القيام بأى عمليات قد تعيق المخططات الإسرائيلية، أو تنزل بالقوات الإسرائيلية من الخسائر مالا تحتمله وتحاول إسرائيل الوصول إلى هدفها من خلال

: ـ 1 ـ العمل على حرمان القوات العربية من العناصر التى تمكنها من التحول إلى العمليات التعرضية، بالتركيز على وسائل الدفاع الجوى والقوات الجوية


ـ 2 ـ محاول خلق حالة من الإنهاك النفسى والانهيار المعنوى بين الشعوب العربية ذاتها، من شأنها أن تكسر قدرة هذه الشعوب على المقاومة


ـ 3 ـ السعى لإنهاك الاقتصاديات العربية وإصابة مرافقها الحيوية تؤدى إلى شلها أو تعطيلها وتنحصر أساليب الردع الإسرائيلية الأساسية فى أربعة أساليب هى:


1
ـ دفع القوات الجوية بكثافة عالية نسبيا فى القتال، كعنصر ردع سريع وفعال ضد أهداف عسكرية، كما حدث منذ يوليو 1969 ضد الجبهة المصرية، وفى ديسمبر 1969 ضد الجبهة السورية


2
ـ شن الغارات الجوية الكثيفة ضد بعض قطاعات جبهات القتال أو داخل العمق، أما للرد على عمليات معينة لتحقيق غرض تكتيكى كفتح ثغرة فى شبكة الدفاع الجوى وإما لغرض استراتيجى، كإحداث تأثير معنوى خاص، وكان ذلك هو الهدف لأول من غارات العمق ضد الأراضى المصرية التى بدأت فى أوائل يناير 1970


3
ـ التسلل إلى العمق بعناصر منقولة جوا أثناء الليل، للقيام بغارات محدودة ضد بعض الأهداف الحيوية المدنية، التى تعكس تأثيرا ماديا أو معنويا، مثل الغارات ضد نجع حمادى وادفو فى صعيد مصر، ويتبوأ اختيار الهدف والتوقيت المكان الأول فى مثل هذه الغارات


4
ـ شن غارات محدودة ضد أهداف عسكرية صغيرة ومنعزلة ليس لها قيمة عسكرية حقيقية، بعناصر محمولة جوا أو منعزلة بحرا، وهى فى معظمها عمل دعائى أو معنوى، مثل الغارات على بعض النقاط العسكرية على ساحل خليج السويس وجزره المنعزلة، والإغارة البرمائية التى أسمتها إسرائيل ـ غزو مصر ـ وتقوم القوات الجوية الهجومية، وقوت الكوماندوز المنقولة جوا أو بحرا بالدور الحيوى فى عمليات الردع الإسرائيلية، وهو ما تطلب ضرورة العمل على دعم القوة الهجومية الجوية وتوسيع قاعدة الكوماندوز الإسرائيلية أن بروز الكيان الفلسطينى ونمو المقاومة الفلسطينية المسلحة، من العوامل التى تهدد نظام الأمن الإسرائيلى، وتشكل عاملا سياسيا وعسكريا سوف يقف ـ إذا ما تزايد تأثيره ـ


حجر عثرة أمام تنفيذ المخططات الإسرائيلية وقد أوجب ذلك أن تعمل إسرائيل على إضعاف الكيان الفلسطينى، والقضاء على المقاومة المسلحة أو فى الأقل إبطال مفعولها السياسى والعسكرى، وهكذا وجدت إسرائيل نفسها مضطرة إلى حشد الوسائل، وتوفير القوات اللازمة لمواجهة المقاومة المسلحة الفلسطينية، والحد من انتشار حرب العصابات داخل الأراضى المحتلة وقد تطلب ذلك الاعتماد على جهاز دقيق لجمع المعلومات، وشبكة محكمة من الاتصالات والمواصلات، ووسائل سريعة لنقل القوات بالحجم المناسب والمعدات اللازمة، وما من شك فى أن أنسب الوسائل التى تحقق كل هذه المزايا هى طائرات الهليكوبتر، بحيث يتوفر منها أعداد كبيرة تمكن من توزيعها فى مناطق متعددة، فضلا عن توفير حجم مناسب من القوات التى يمكن نقلها بهذه الطائرات والمدربة تدريبا خاصا على مواجهة هذا النوع من أنواع القتال الذى يتميز بالسرعة والميوعة والانتشار وسيولة القوات وتسترشد إسرائيل فى هذا المجال بالخبرات المكتسبة التى تبلورت فى مسرح العمليات الحربية فى فيتنام، والتى لم تتوازن الولايات المتحدة عن وضعها تحت تصرف إسرائيل فبالإضافة إلى ذلك، تشيع إسرائيل الإرهاب ضد السكان العرب فى الأراضى المحتلة الذى وصل إلى حد فرض العقوبات الجماعية على السكان دون تفرقة ورغم كل هذه المهام الضخمة، تبذل إسرائيل كل جهد لتدعيم قواتها العسكرية بصفة عامة، وقواتها الضاربة على وجه الخصوص استعدادا لمواجهة أعى عمليات عسكرية واسعة النطاق قد تشنها الدول العربية ضدها، أو لمواجهة أعباء قيامها بهجوم مضاد مسبق ضد إحدى الجبهات وسوف تعتمد إسرائيل فى الحرب التى تعد لها، على العمليات الخفيفة الحركة والمعارك المائعة والضربات المضادة المركزة، فضلا عن استعدادها لشن ضربات جوية واسعة ضد الأهداف العربية الهامة الواقعة فى العمق، لذلك فهى تولى اهتماما بالغا لتنمية قوتها الضاربة، بحيث تحقق قدرة هجومية ذات أبعاد ثلاث:
الهجوم الجوى، والهجوم البرى، والاقتحام الجوى الرأسى ولكى تصبح القوات المسلحة الإسرائيلية قادرة على تنفيذ هذه المهام الكبيرة، سواء العاجلة منها أو المؤجلة كان لا بد أن تسعى إلى دعم قدرتها العسكرية، بإعادة تنظيم القوات المسلحة وتنمية قواتها الضاربة وكفاءتها القتالية، وتوسيع مجالات استخدامها وتنويع أساليب قتالها
رابعا: تطوير القوات المسلحة الإسرائيلية على ضوء النظرية العسكرية:


واجهت القوات الإسرائيلية فى أعقاب جوله 1967 مباشرة مجموعة من المشاكل المترتبة على النتائج التى أسفرت عنها هذه الجولة كان من أبرزها توفير القوات والوسائل اللازمة لفرض السيطرة العسكرية الدائمة على المناطق المحتلة وحل مشاكل قيادة القوات والسيطرة عليها، والناجمة عن انتشارها فوق مساحات واسعة من الأراضى، وتأمين خطوط المواجهة، ثم مقاومة النشاط العسكرى للمنظمات الفلسطينية، وبمرور الوقت، تضخمت هذه المشاكل بعد بدء العمليات العسكرية للقوات النظامية عبر خطوط المواجهة، وأصبح على إسرائيل أن تواجه المطالب الكبيرة لحرب استنزاف طويلة، فضلا عن ضرورة مواصلة الاستعداد للاحتفاظ بقوات مسلحة متفوقة قادرة على الحسم، وعلى مقابلة أى احتمالات مستقبلية لانفجار الموقف العسكرى العام، تضاف إلى ذلك مجموعة كبيرة من المشاكل الإدارية التى واجهتها إسرائيل سواء بالنسبة لقواتها المسلحة أو بالنسبة للأراضى المحتلة وأصبح لزاما على إسرائيل، فى مواجهة هذه المشاكل العديدة، أن تسعى لإيجاد الحلول المناسبة، التى يمكن تلخيصها فى النقاط التالية:


1
ـ العمل على تنمية القوى البشرية المتاحة للقوات المسلحة بصفة عامة، وفى نفس الوقت رفع حجم القوات النظامية العاملة والاحتياطية المحتفظ بها دون إخلال بسير الحياة الطبيعية أو إضعاف القوى الإنتاجية الإسرائيلية


2
ـ وضع أساليب جديدة لتنظيم السيطرة على المناطق، ولقيادة القوات المنتشرة فيها، ولمواجهة متطلبات الموقف الاستراتيجى الجديد واحتمالاته العسكرية


3
ـ خلق قوات ذات نوعية خاصة، يمكنها مواجهة الأعباء الدفاعية على خطوط المواجهة من ناحية، والأعباء القتالية التى فرضها النشاط العسكرى المعادى داخل الأراضى المحتلة، من ناحية أخرى.


4
ـ تنمية القوة الضاربة للقوات المسلح، لتحقيق قدرة عالية على الردع بمستوياته المختلفة، وتضمن ـ فى نفس الوقت ـ الاحتفاظ بالتفوق العسكرى الإسرائيلى، أو حسب تعبير السياسة الإسرائيلية ـ المحافظة على ميزان القوى بينها وبين جيوش الدول العربية.


5
ـ تحقيق نوع من الإشراف المباشر على المسائل المتعلقة بالأراضى المحتلة والقوات المسلحة، بما يوفر سير الحياة الطبيعية، وتدبير الموارد والإسهام فى ربط المناطق المحتلة بإسرائيل، خاصة مشروعات إنشاء المستعمرات وضم الأراضى.
6
ـ ممارسة سياسة الجسور المفتوحة بين سكان الأراضى المحتلة جيرانهم، واستغلال ما توفره هذه الجسور المفتوحة من مزايا فى تشديد قبضة إسرائيل على سكان الأراضى المحتلة وضمان هدوئهم وليس ثمة شك فى أن مشكلة القوة البشرية هى أعقد المشاكل التى تواجه إسرائيل فى صراعها مع الدول العربية، كما أن تحقيق التوازن بين الاحتياجات العسكرية والمدنية من القوى البشرية،

هى المعادلة الصعبة التى تسعى إسرائيل دائما لإيجاد الحول لها والتحايل عليها بأساليب عديدة فعلى الجانب العسكرى، تتكفل النظم الموضوعة للتجنيد والتعبئة واستيراد المتطوعين والمأجورين بمواجهة المشاكل المتزايدة للقوى البشرية فى القوات المسلحة، كما تحظى النوعية البشرية باهتمام بالغ، كأحد الحلو الضرورية للتغلب على النقص العددى، ولكنها بالقطع لا تعتبر حلا كاملا لهذه المسألة لقد بينت إسرائيل ـ أن عواقب التواطؤ الثلاثى ـ فى مجال السياسة ـ كانت الصخرة التى تحطمت عليها الآمال التى كاد العمل العسكرى أن يحققها وأنه لم يعد أمامها بعدئذ إلا بذل مزيد من الجهد لتعديل وتطوير نظم وأساليب التعبئة ـ القومية ـ والتغلب على نقاط الضعف فى حجم القوة البشرية التى ظهرت فى عام 1956، وتحقيق ـ القدرة الذاتية ـ على حشد القوة البشرية اللازمة لشن حرب كاملة ضد الدول العربية المتاخمة دون اعتماد سافر على حليف خارجى، مع سد أوجه النقص البارزة بالمتطوعين والفنيين من ذوى المهارات العالمية المأجورين من الخارج وتمكنت القيادة الإسرائيلية، بخفض مدة الخدمة العسكرية الإلزامية من زيادة نسبة المنقولين إلى الاحتياط فى مرحلة من مراحل الإعداد، وبالتالى من توفير رصيد بشرى كبير للقوات الاحتياطية التى تشكل القسم الأعظم من قواتها المسلحة وبذلك أمكنها فى عام 1967 أن تحشد ما يزيد على ربع مليون مقاتل ورفع نسبة التعبئة إلى أكثر من 11 فى المائة من إجمالى تعداد السكان فيها، أى 25 فى المائة من إجمالى القوى العاملة ممن تتراوح أعمارهم بين 15،65 عاما فى ذلك الوقت، والجدير بالذكر هنا التنويه عن شذوذ المنحنى البيانى لتوزيع السكان فى فئات الأعمار فى المجتمع الإسرائيلى القائم على سياسة الهجرة، فبينما نجد أن نسبة المواليد فى إسرائيل عام 1964 مثلا من الصالحين للمشاركة فى التعبئة العامة والمجهود الحربى تبلغ 281 فى المائة فقط، نجد أن هذه النسبة ترتفع بعد إضافة المهاجرين لتصل إلى 606 فى المائة من إجمالى السكان
وهذا يوضح مدى ما تلعبه الهجرة من دور أساسى وجوهرى فى تنمية القوى البشرية فى إسرائيل، وهو ما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه بكل جهد، وخاصة فى المرحلة التالية لجولة يونيو 1967 ولكى تواجه إسرائيل مشكلة الاحتفاظ بقوات نظامية كبيرة لمواجهة أعباء المرحلة الراهنة، لجأت إلى عدة أسباب مختلفة منها:


1
ـ توسيع القاعدة البشرية للقوات النظامية العالمة، بزيادة مدة الخدمة العسكرية، وفى تصريح لموشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى يوم 29 مايو 1969
قال: أن مدة الخدمة العسكرية قد تزيد إذا كان على إسرائيل أن تعتمد على طول خطوطها الراهنة لعدة سنوات أن على سكان إسرائيل الذين يبلغ عددهم مليونى وربع مليون نسمة أن يعبثوا كل مواردهم المادية والبشرية لشد وجذب طويل أن هذا يتضمن مد الخدمة العسكرية (10)


2
ـ قامت إسرائيل بإجراء تعبئة جزئية لقواتها الاحتياطية بنسبة معينة، تعدل تصاعديا تبعا لازدياد الأعباء العسكرية، وهى تحاول جاهدة ألا تتعدى هذه النسبة حد التأثير فى القوى الإنتاجية ومن المنتظر أن تلاقى إسرائيل صعوبات كثيرة إذا تزايد الضغط العسكرى العربى واتسع نطاقه، بحيث لا يمكنها تجميد نسبة التعبئة الجزئية إذا ما أرادت الاستمرار فى التمسك بخطوط المواجهة، وبالاحتفاظ بسيطرتها على المناطق المحتلة وتحاول إسرائيل الاحتفاظ بمدة استدعاء الاحتياط التى بلغت 3 شهور فى العام دون زيادة، مع رفع نسبة المستدعين بشكل لا يؤثر على مستوى الإنتاج ومطالبه من القوى البشرية


3
ـ حاولت إسرائيل الاستعانة بعناصر من قوات منظمة ـ ناحال ـ العسكرية، والمدربين على مهام الدفاع فى المستعمرات لاحتلال خطوط المواجهة بعد تحصينها، غير أن كفاءتهم القتالية لم ترق إلى مستوى القوات النظامية ولذلك تكتفى رئاسة الأركان العامة بتكليف ـ ناحال ـ باحتلال المستعمرات الدفاعية التى تقوم إسرائيل بإنشائها فى المراكز الحيوية داخل بعض المناطق المحتلة التى تسعى إلى ضمها إليها، وفى ذلك تخفيف للأعباء الدفاعية عن القوات النظامية


4
ـ مازالت إسرائيل تلجأ إلى نفس الأسلوب القديم الخاص بجلب المتطوعين من الخارج، على أن يكونوا من العسكريين المحترفين والفنيين من أصحاب الخبرات العالية، وهو ما يوفر لإسرائيل قوة بشرية جاهزة مدربة تدريبا قتاليا وفنيا عاليا على الأسلحة والمعدات الحديثة كالطائرات والمدرعات والأجهزة الإلكترونية، مما يحقق لإسرائيل قدرة عسكرية عالية بوساطة حجم محدود من القوى البشرية المنتخبة وقد سهل أمر الجنسية المزدوجة التى سمحت بها الولايات المتحدة من إسهام المتطوعين الأمريكيين العسكريين للعمل فى القوات الإسرائيلية


5
ـ اتخذت القيادة العامة الإسرائيلية خلال عام 1970 عدة إجراءات لرفع قوة الجيش العامل، بزيادة نسبة المجندين، وتوسيع نطاق خدمة المجندات من النساء وإلحاقهن بالقيادات حتى مستوى الكتيبة، وزيادة عدد الوظائف المخصصة لهن أن احتياجات تطوير القوات المسلحة الإسرائيلية، تعتمد إلى حد كبير على تطورات الموقف واحتمالاته المستقبلية خلال حقبة الاحتواء الحالية،

وإن كانت إسرائيل مازالت تأمل فى إمكان الوصول إلى تسوية نهائية، إلا أنها تخشى أيضا من تزايد حدة الموقف العسكرى وتصاعده، واحتمال وصوله فى المستقبل إلى حالة الحرب الشاملة لذلك فهى ترسم سياستها، وتعد قواتها المسلحة على أساس استمرار الصراع لفترات طويلة متصلة أن هذه السياسة لا تنفى أن مثل هذا الموقف لا يناسب إسرائيل على المدى الطويل، وأنها تبذل جهدها السياسى والعسكرى لتفاديه غير أنه من وجهة نظرها التى تتسم بالشمول عادة، لا يمكنها ترك القوات المسلحة رهنا لاحتمالات سياسية غير مضمونة لذلك تسعى إلى تطوير قواتها المسلحة، بحيث تكون قادرة على مواجهة الموقف الراهن وتطوراته المستقبلية ففى مواجهة اتساع الأراضى المحتلة ومتطلبات السيطرة عليها كان من الضرورى أن تخلق إسرائيل نظاما خاصا للقيادة والسيطرة عليها وكانت سلسلة القيادة الرئيسية تتميز بالبساطة والمرونة، وتقتصر على القيادة العامة وقيادات المناطق الثلاث (الجنوبية والشمالية والوسطى) ثم قيادات الألوية والوحدات العاملة، التى تتحول وقت الحرب ولفترة محدودة إلى قيادات ميدانية لمجموعات العمليات (التى تعادل قيادة فرقة)، تشكل لأغراض العمليات وتحل بمجرد انتهائها واستتبع الوضع الجديد أن تعقدت مشكلة القيادة بمستوياتها المختلفة واضطرت القيادة العامة الإسرائيلية ـ بعد أن زادت مساحات الأراضى وزاد حجم القوات النظامية المستخفة بصفة دائمة ـ إلى تضخيم سلسلة القيادة، بإضافة كادرات جديدة دائمة للقيادات الوسطى، فأنشأت أربعة قطاعات عسكرية جديدة فى المرتفعات السورية، والضفة الغربية للأردن، وسيناء الشمالية، وغزة وسيناء الجنوبية وشرم الشيخ كما أضافت كادرا جديدا للقيادات الميدانية الدائمة هو ـ قيادة الفرقة ـ ولم تكن زيادة مساحات الأراضى وحجم القوات هى السبب الوحيد لإضافة أعباء جديدة بزيادة كادرات قيادة مستديمة، بل كانت هناك أسباب استراتيجية أخرى، أهمها ضرورة تكوين تشكيلات كبيرة ثابتة لمواجهة أى تطورات مفاجئة فى الموقف، قادرة على الصمود والدخول فى معارك حاسمة لفترات مناسبة، يتم خلالها تعبئة ودفع قوات جديدة، من المنتظر أن يتأخر وصولها نتيجة لاتساع المساحات وبعد المسافات وقلة الطرق بالإضافة لذلك، فإن الاحتفاظ بقوات نظامية كبيرة، يتطلب بالضرورة وجود قيادات مستديمة قادرة على تحقيق السيطرة على مسارح العمليات الواسعة ومن ناحية أخرى رأت القيادة العامة الإسرائيلية أن التطور الذى طرأ على حجم القوات العربية فى السنوات الأخيرة، وقد تطلب ـ تضخيم وتدعيم القبضة التى يضرب بها الجيش الإسرائيلى ـ

بتشكيل قيادات دائمة للفرق المدرعة والميكانيكية على أن تتضمن عدة ألوية لا يتحتم أن يكون عددها ثابتا فى جميع الفرق تبعا لاختلاف طبيعة المهام، وشكل مسرح العمليات، وحجم القوات العربية المضادة ويقودنا الحديث عن الفرق الميكانيكية والمدرعة و ـ القبضة الإسرائيلية ـ الضاربة، إلى التعرض لمدى اهتمام إسرائيل بقواتها المدرعة باعتبارها عماد قوتها الضاربة البرية التى تشكل مع القوة الضاربة الجوية مزيجا متناسقا فعالا من القدرة العسكرية ولذلك لم تتوقف إسرائيل، منذ جولة يونيو عام 1967 عن تدعيم وتنظيم قواتها المدرعة، من خلال عدة أعمال أساسية، كان من أبرزها:


1
ـ تشكيل الفرق المدرعة المكونة من عدة ألوية مدرعة وميكانيكية لتحقيق أكبر حشد ممكن من المدرعات ضمن تشكيل واحد
2
ـ الاهتمام بتحسين قوة نيران الدبابات القديمة بتعديل تسليحها وباستبدال مدافعها، بمدافع أكبر عيارا وأكثر كفاءة ودقة


3
ـ بذل الجهود المتواصلة للحصول على مزيد من الدبابات، وهو ما يعنى اتجاها إلى زيادة عدد التشكيلات والوحدات المدرعة كما يتيح لها ذلك دعم القوة الضاربة للألوية المدرعة بزيادة عدد دبابات كل لواء وقد صرح ابراهام آدان قائد القوات المدرعة الإسرائيلية فى 23 أكتوبر 1969 بما يفهم منه أن حجم المدرعات الإسرائيلية قد تضاعف عددا المدرعات الإسرائيلية قد تضاعف عددا وتحسن نوعا، ورغم حصول إسرائيل منذ حرب يونيو، على عدة مئات من الدبابات ـ سنتوريان ـ البريطانية المزودة بمدفع عيار 105 ملليمتر والدبابات ـ باتون ـ الأمريكية، إلا أن محاولتها الحصول على مزيد من أحدث أنواع الدبابات الغربية، لمجاراة أنواع الدبابات الشرقية التى تحصل عليها الجيوش العربية أو المنتظر أن تحصل عليها فى المستقبل، لم تتوقف لذلك لا تكتفى إسرائيل بما تدخله من تحسينات وتعديلات على أنواع الدبابات المختلفة، باعتبار أن هناك حدودا لهذه التعديلات يصعب تخطيها، لارتباطها بالخواص الأصلية التى صممت على أساسها الدبابة وترى إسرائيل أن التطورات العسكرية المنتظرة فى المنطقة ح فضلا عن مطالب الحرب الحديثة ـ تلزمها بعدم الاكتفاء بتجديد المعدات القديمة، بل والحصول على معدات حديثة، خاصة فى مجال المدرعات، سواء فى الدبابات أو العربات المدرعة ولهذا سمعت إسرائيل خلال عام 1969 للحصول على ـ 250 دبابة من طراز ـ تشفتين ـ البريطانية الحديثة ولما فشلت مساعيها مع بريطانيا فى هذا الشأن تحولت إلى الولايات المتحدة ـ


وبقدر ما تسمى إسرائيل إلى تدعيم قوتها الضاربة البرية، فأنها حريصة كل الحرص على دعم قواتها الجوية، وزيادة قدرتها الهجومية إلى حد كبير وفى الماضى كانت القيود السياسية والاقتصادية والجغرافية تحتم على إسرائيل أن تتخذ حربها ضد الدول العربية شكل الحرب الخاطفة ولذلك كانت النتيجة الطبيعية أن تهتم عند انتقاء الأسلحة اللازمة لقواتها بصلاحيتها لهذا النوع من الهجوم، وليس للأغراض الدفاعية التقليدية، لقد كان الدور الرئيسى الأول أمام القوات الجوية الإسرائيلية خلال جولة عام ـ 1967 هو إحراز ـ السيادة الجوية ـ لكى تصبح حرة فى تقديم المعونة الفعالة للقوات البرية بقوة نيران ضخمة ومتحركة وكانت فاعلية القوات الجوية، باعتبارها العامل الرئيسى فى استراتيجية الحرب الخاطفة، تعتمد على قدرتها على اختراق الدفاعات الجوية العربية فى هجوم مفاجئ، وتدمير الطائرات العربية وهى جاثمة على الأرض ومثل هذا النوع من الهجوم كان يتطلب طائرات هجومية ذات مدى كاف للقتال يصل بها إلى أهداف بعيدة بسرعة عالية، وهلى ارتفاع منخفض ولقد استند تخطيط وتدريب القوات الجوية الإسرائيلية على فلسفة ـ الهجوم المفاجئ ـ ولم تحظ فكرة الدفاع الجوى الشامل عن الأراضى الإسرائيلية بوساطة الطائرات بأولوية جديدة وكان السبب الأساسى لذلك، المزايا الدفاعية غير المباشرة التى يمكن أن تحققها الحرب الهجومية الخاطفة إن الاستراتيجية الهجومية التى يتسم بها الفكر العسكرى والسياسى الإسرائيلى مازالت حتى الآن الاستراتيجية المفضلة لإسرائيل، فإن الظروف الجغرافية والاستراتيجية التى طرأت بعد جولة يونيو عام 1967 وإن كانت قد أفقدت الحرب الخاطفة أهم مزاياها فى المجال البرى، وهى القدرة على الحركة السريعة والمناورة الواسعة بسبب الأوضاع الجغرافية الحالية أساسا، فما زالت القوت الجوية تتمتع بنفس مزايا هذه الحرب، لذلك فإن أهميتها الهجومية قد تضاعفت من وجهة نظر إسرائيل بعد أن أصبحت الوسيلة الوحيدة التى تناسب عقيدة ـ التركيز والمفاجأة ـ والتى تعتبرها إسرائيل ركنا أساسيا من أركان استراتيجيتها، لذلك فهى لن تتخلى عنها ما بقيت الظروف السياسية والاقتصادية ـ التى استوجبت هذه الاستراتيجية ـ قائمة إن عناصر الموقف الاستراتيجى المترتب على جولة يونيو 1967 ـ فضلا عن متطلبات الحرب الحديثة ـ قد زادت من أهمية القوات الجوية الهجومية، باعتبارها العامل الرئيسى فى أى حرب شاملة مقبلة فى الشرق الأوسط إذا ما استخدمت استخداما فعالا ولهذا السبب فإن مجالا أوسع قد خصصته إسرائيل لدور القوات الجوية، وتدعيمها بالطائرات ذات القدرة الهجومية العالية، والطاقة التدميرية الواسعة، والاستخدام المرن المتعدد الأغراض، والقدرة على المناورة، والسرعة التى تتيح لها الدخول فى قتال جوى مع الطائرات المعترضة أو النكوص عنه حسب الموقف ولهذا كله ركزت إسرائيل طلبات على الطائرات الملائمة للدور الهجومى بوجه خاص مثل طائرات ـ ميراج ـ 5 ـ التى فشلت فى الحصول عليها من فرنسا وطائرات سكاى هوك 4 ـ التى حصلت عليها من الولايات المتحدة، وتعتبر هذه الطائرات ذات حمولة ثقيلة من القنابل بالنسبة لحجمها، وبالرغم من أنها ليست أسرع من الصوت فى الطيران الأفقى إلا أنها تتمتع بمدى ممتاز، فضلا عن سهولة صيانتها وقد حصلت إسرائيل منذ عام 1969 من الولايات المتحدة على طائرات ـ فانتوم ف 4 ـ التى تعلق عليها آمالا عريضة، حيث أدى وجود هذه الطائرتين تكمل الأخرى ومن أبرز عيوب الطائرات الجوية الإسرائيلية، بحمولتها الكبيرة من تغطية جميع الأهداف الحيوية فى الدول العربية المجاورة المجاورة فضلا عن سرعتها القصوى التى تفوق ضعف سرعة الصوت، ومزاياها فى الاستطلاع البعيد المدى وعلى الارتفاعات المختلفة والطيران فى كل الأجواء ومع ذلك فإن استيعاب إسرائيل ـ للفانتوم ـ لا يلغى احتياجاتها للطائرات ـ ميراج ـ فإن كل واحدة من هاتين الطائرتين تكمل الأخرى ومن أبرز عيوب الطائرة الفانتوم كثرة أجهزتها الإلكترونية، رغم أن هذه الأجهزة تمكنها من الحركة بمرونة والقذف الدقيق، إلا أنها تحتاج إلى كفاءة عالية من الأجهزة الأرضية الموجهة وقد حصلت إسرائيل حتى عام 1970 على 75 طائرة سكاى هوك 4أ و 56 طائرة فانتوم ف 4 من الولايات المتحدة وفضلا عن ذلك فقد سبق لإسرائيل أن طلبت فى أواخر عام ـ 1969، 105 طائرة قاذفة مقاتلة (منها 80 سكاى هوك و 25 فانتوم) وقد وافقت الولايات المتحدة فى أغسطس 1970 على تزويد إسرائيل بعدد 18 طائرة فانتوم وتعويضها عن كل ما تخسره من هذه الطائرات فى جبهات أن ذلك كله إنما يؤكد اعتقاد إسرائيل بأن الحرب القادمة سوف تعتمد بالدرجة الأولى على الحرب الجوية كما تتصور إسرائيل أن هذه الحرب الجوية هذه أنسب ما يمكن أن تواجه به حرب الاستنزاف الطويلة الأمد، فإن نجاحها فيها يخفف من أعباء الحرب الثابتة ومشاكل التعبئة العامة لفترة طويلة، وهى فى نفس الوقت توفر سمات الحرب الخاطفة التى تعتبر أنسب أشكال الحرب من وجهة نظر إسرائيل، ومن هذه السمات: ـ 1 ـ إمكان حشد النيران، وتحقيق المفاجأة، وسرعة الحركة، والمناورة على المواجهات العريضة فى العمق البعيد فى أن واحد ـ 2 ـ تحقيق أفضل النتائج التدميرية ـ بأقل خسائر بشرية، خاصة إذا ضمنت إسرائيل موارد مفتوحة للحصول على المعدات ـ 3 ـ التأثير النفسى الناجم عن الضرب الجوى، فى مجال تفتيت الإرادة العربية، والقدرة على الصمود، والعمل الإيجابى ورغم أن التجربة قد أثبتت أن القصف الجوى وحده لا يحسم الحرب، فسوف يبقى هذا الأسلوب هو الشكل المتوقع كوسيلة فعالة فى الظروف السائدة أن تنمية القوة الضاربة للقوات المسلحة، بالاعتماد على القوات المدرعة، والقوات الجوية الهجومية، بما تحقق قدرة عالية على الردع الشامل، لا تعتبر كافية لمواجهة ظروف الموقف الاستراتيجى على خطوط المواجهة أو داخل الأراضى المحتلة لذلك من الضرورى البحث فى تنمية قوات إضافية تعطى بعدا جديدا للمقدرة الهجومية للقوات الإسرائيلية، وتكون قادرة على سد الثغرات الكثيرة الواقعة بين الهجوم البرى التقليدى والهجوم الجوى المركز، وتعتبر فى نفس الوقت صالحة سواء فى المواجهات العسكرية الصغرى، أو فى المواجهات الواسعة النطاق وهكذا رأت إسرائيل فى ـ عمليات الاقتحام الجوى الرأسى ـ البعد الثالث المناسب لحل أكثر من المشاكل العسكرية التى تواجهها ومن أبرز هذه المشاكل، اتساع نطاق عمليات المنظمات الفلسطينية المسلحة والسعى للحد من نموها والقضاء على نشاطها قبل أن تتحول أراضيها إلى ساحة ـ الحرب تحرير وطنية ـ ومن ناحية أخرى فإن احتمال فاعلية عمل الفدائيين العرب الذين قد يعملون فى الأراضى المحتلة، أمر يصعب أن تتجاهله إسرائيل، إذ يمكن لهؤلاء أن يسببوا إزعاجا خطيرا لمنشآت القيادة، والسيطرة، والمواصلات اللازمة لتكتيكات الرد السريع التى يحرص عليها الإسرائيليون، ورغم التجاء إسرائيل إلى الإقلال من شأن التهديد الفلسطينى، إلا أن ذلك يخفى الحقيقة، أو يمنع إسرائيل من إدراك أهمية وتأثير استخدام الفدائيين فى أى حرب رئيسية شاملة، بالتعاون مع القوات النظامية العربية وخشية من أعمال المنظمات الفلسطينية المسلحة واحتمالات تطورها، فإن إسرائيل قد بذلت ـ سوف تبذل ـ كل جهد للقضاء على نشاطها ويتطلب ذلك توفير قوات مناسبة خفيفة الحركة قادرة على الحركة فى أى وقت وإلى أى مكان لمقابلة التهديد أو للقضاء عليه من مكمنه وقواعده، ومع القدرة على الحماية الجوية، وضعف فاعلية الدفاع الجوى لمنظمات المقاومة، يصبح استخدام القوات المنقولة بطائرات الهليكوبتر أفضل الأساليب للقيام بالهجوم على معاقل الفدائيين أو مواجهة نشاطهم داخل الأراضى المحتلة يضاف إلى ذلك تلك الخبرة المكتسبة فى هذا المجال، التى وضعتها الولايات المتحدة تحت تصرف إسرائيل ولم تقتصر هذه الخبرة فى أساليب القتال واستخدام القوات، بل شملت كذلك المعدات المطورة على أساليب التجربة العملية، مثل طائرات الهليكوبتر الهجومية وقد اعترف موشى ديان بهذه الخبرة المكتسبة فى مذكراته التى كتبها بعد زيارة مسرح فيتنام فى أغسطس عام 1966 بقوله، ـ أن الحرب فى فيتنام ـ أساسا ـ هى حرب هليوكوبتر، وإن فرقة فرسان الجو الولى عى التعبير التكتيكى والتطبيقى الذكى الذى يطور أسلوب استخدام الهليكوبتر فى المعركة، ويمكن القول أننا الإسرائيليون، نتعلم جيدا وبسرعة من خبرة الآخرين ـ ومن الواضح أن اهتمام إسرائيل بهذا النوع من أساليب القتال الحديثة قد بدأ قبل جولة يونيو عام 1967، وذلك لأن المقاومة الفلسطينية برزت على مسرح الأحداث فى إسرائيل منذ عام 1965 ومن الملاحظ أيضا أن هذا التحول قد دخل فعلا مرحلة التطبيق العملى على نطاق محدود فى معارك عام 1967، بمناطق أبو عجيلة وشرم الشيخ فى سيناء، وجبل الشيخ فى سوريا، فضلا عن أعمال الكمائن والتخريب فى ميدان القتال وجاءت نتائج جولة يونيو 1967 لتعطى هذا التحول الجديد دفعات ضخمة إلى الأمام لأسباب متعددة: ـ 1 ـ اتساع الأراضى المحتلة ومطالب السيطرة عليها، جعل استخدام القوات البرية فى هذه المهام أمرا تعجز هذه القوات عن تحقيقه، وبالتالى أصبحت هناك ضرورة لخلق شكل جديد من القوات القادرة على الحركة السريعة والانتقال المفاجئ حتى يمكن تلبية مطالب الاحتواء العسكرى للمناطق المحتلة ـ 2 ـ أن النظرية العسكرية الإسرائيلية قد لا تتطلع فى الوقت الحاضر إلى إضافة مزيد من الأراضى المحتلة لصعوبات كبيرة عسكرية وسياسية ولكنها تسعى فى نفس الوقت إلى إيجاد وسيلة لنقل الوجود العسكرى الإسرائيلى خارج نطاق الأراضى المحتلة لفترات مؤقتة وقصيرة، تحقيقا لأغراض الردع المحدود أو الجسيم وتعتبر قوات الاقتحام الجوى أنسب الوسائل لهذا الغرض، مادامت لن تتمسك بالأرض، وهو الأمر الذى لا تصلح له هذه القوات ولكى يحقق هذا الانتقال تأثيره المعنوى على جماهير الشعب العربى، لا بد أن يصل إلى أعماق بعيدة لا توفرها إلا الطائرات ـ 3 ـ أن استخدام أساليب الاقتحام الجوى الرأسى، ولو كان محدودا، يؤكد الاحتفاظ بالقدرة على الحركة الهجومية، مع تفادى خطوط المواجهة العربية القوية المتماسكة، والمواقع الطبيعية التى يصعب اجتيازها بالوسائل التقليدية وهناك الكثير من الشواهد الدالة على أن الفكر العسكرى الإسرائيلى مقبل على مرحلة جديدة من التطور بإضافة هذا البعد الثالث فى عملياته المقبلة ومن أبرز هذه الشواهد: ـ 1 ـ التطبيق العملى ابتداء من عام 1967 ثم فى معركة الكرامة ومطار بيروت، وعمليات صعيد مصر، ومهاجمة قواعد الفدائيين فى جنوب لبنان وغيرها من الأعمال العسكرية ـ 2 ـ إقدام القيادة العامة الإسرائيلية فى ديسمبر 1968 على خطوة أخرى بإنشاء قيادة جديدة تحت أسم ـ القيادة المركزية لسلاح المشاة والمظلات ـ وعينت قائدا لها الوف (عميد) وافائيل ايتان وكان الغرض من إنشاء هذه القيادة، دفع وحدات ذات كفاءة عالية من المشاة والمظلات لبناء حجم القوات الضرورى لهذا التحول ـ 3 ـ لعل أبرز الشواهد على مدى الجدية التى توليها إسرائيل بهذا الأمر، تقدمها بطلب شراء 125 طائرة هليكوبتر من طراز سيكورسكى الأمريكية الصنع فى سبتمبر عام 1969، وقد أعلنت المصادر العسكرية الإسرائيلية عن إجراء مفاوضات مع شركة أمريكية لشراء طائرات هذه من إنتاج سيكورسكى (13) أن قوات الاقتحام الجوى، رغم أنها تضيف بعدا جديدا وهاما للمقدرة الهجومية الإسرائيلية، إلا أنها تفتقد القدرة على الحسم دون تعاون وتنسيق كامل مع البعدين الآخرين: القوات المدرعة الضارية والقوات الجوية الهجومية وعلاوة على ذلك، فإن نجاح أعمال قتال هذه القوات يتوقف إلى حد كبير على حالة الطقس، ومدى التفوق الجوى، وقوة الدفاع الجوى المعادى، فضلا عن التكاليف الضخمة بالمقارنة مع التشكيلات التقليدية، وضعف إمكانياتها القتالية لمدة طويلة وقبل إنهاء العرض للعناصر الأساسية فى القوات المسلحة الإسرائيلية لا بد أن نتعرض بالحديث للقوات البحرية الإسرائيلية، بعد أن ظهرت ثلاثة عوامل ـ منذ حرب يونيو 1967 ـ زادت من أهمية القوات البحرية فى هذا الصراع هى:
ـ 1 ـ تزايد الوجود البحرى العسكرى السوفيتى فى البحر المتوسط، ونتائجه المباشرة فى الحد من حرية العمل التى كان يتمتع بها الأسطول السادس الأمريكى، وتضاؤل ما كانت تعلق إسرائيل على وجوده من آمال سواء فى المجال البحرى أو غيره من المجالات
ـ 2 ـ تدمير المدمرة ايلات بوساطة صواريخ ستايكس المصرية التى أطلقت من لنشأت الصواريخ طراز ـ كومار ـ فى 21 أكتوبر 1967 وما يدل عليه ذلك من أن لنشأت الصواريخ الصغيرة يمكن أن تكون وسيلة فعالة ضد السفن، بل وربما تكون من الأسلحة الفعالة ضد المنشآت الساحلية ـ 3 ـ اتساع مساحة الأراضى المحتلة وامتداد سواحلها بشكل كبير، وما لذلك من مزايا وعيوب عديدة، فمن مزاياها ابتعاد الأهداف الحيوية الإسرائيلية العسكرية والصناعية القريبة من الساحل عن التهديد المباشر للأساطيل العربية غير أن امتداد السواحل جعلها فى نفس الوقت معرضة فى معظم أجزائها، وفى حاجة إلى عناصر بحربة لحراستها وقد فرضت هذه العوامل على إسرائيل، ضرورة بذل بعض الاهتمام بالقوات البحرية وتبلور هذا الاهتمام فى عام 1969، حين نوهت بعض الصحف الإسرائيلية بما سيتم خلال العام القادم من تحويل سلاح البحرية إلى سلاح فعال وحديث (14) وكان التطوير الأساسى للقوات البحرية الإسرائيلية ينصب على تزويدها ـ لأول مرة ـ بالزوارق الصاروخية بعد أن عقدت صفقة مع فرنسا للحصول على 12 زوقا لهذا الغرض، وحينما فرضت فرنسا الحظر إرسال الأسلحة لإسرائيل غى أوائل عام 1969، كان قد وصل لإسرائيل 7 زوارق من هذه الصفقة، أما الزوارق الخمسة الباقية فقد أقدمت إسرائيل على تهريبها من ميناء سبربورج فى أواخر عام ـ 1969 وقد صممت هذه الزوارق أساسا بغرض القيام بالدفاع الساحلى وحماية الموانى والمنشآت البحرية، كما يمكنها القيام بأعمال هجومية ضد الوحدات البحرية المعادية وقد تمكنت إسرائيل مؤخرا من تسليح هذه الزوارق بصواريخ سطح من طراز ـ جبيرابيل ـ التى تم تطويرها فى إسرائيل وقد بدأ هذا التطوير منذ أكثر من عشر سنوات بعد نجاح تجارب الصاروخ ـ شافيت ـ الخاص بالأرصاد الجوية (15)
ومن الوسائل التى ركزت عليها إسرائيل فى تطوير عناصر الدفاع الساحلى بصورة أكثر فاعلية، استخدام قواتها الجوية لمساعدة البحرية فى أعمال الاستطلاع وفى القتال والهجوم البحرى وهذا يزيد من أهمية بناء قوة جوية هجومية إسرائيلية بعيدة المدى نسبيا ورغم وجود عدد محدود من الغواصات والمدمرات الصغيرة فسوف تستمر البحرية الإسرائيلية فى اعتمادها على القوات الجوية لتوفير قوة النيران الهجومية ضد البحرية العربية أما فى مجال الدفاع، فسوف يستمر اهتمامها بتشكيل قوات بحرية خفيفة وسريعة تعتمد على زوارق الدوريات وعدد من الغواصات، وعلى عناصر الضفادع البشرية المتخصصة فى أعمال التسلل والتخريب وفى مجال الشئون الإدارية، وما ترتب من مشاكل بالنسبة للقوات المسلحة الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة، وحتى يمكن توحيد الإشراف وتركيز الجهود فى حل هذه المشاكل بما يحقق تسهيل مهام القوات المسلحة فى الأراضى المحتلة، قامت الحكومة الإسرائيلية بإنشاء ـ هيئة خاصة لتنظيم الموارد القومية ـ تتبع وزير الدفاع ويرأسها مساعده، وكلفت هذه الهيئة بما لها من فروع منتشرة فى أنحاء إسرائيل والأراضى المحتلة، بكثير من المهام التى تخدم المجالين المدنى والعسكرى وفى المجال العسكرى تقوم هيئة تنظيم الموارد بالأتى:
ـ 1 ـ تعبئة الاحتياطى اللازم لمهام تأمين الأراضى المحتلة دون إفساد الحياة المدنية والإنتاج الصناعى
ـ 2 ـ بناء الطرق والكبارى ووصلات السكك الحديدية الضرورية، وإنشاء خطوط أنابيب المياه والبترول فى المناطق المحتلة
ـ 3 ـ الإشراف على نقل وإصلاح واستغلال المواد المستولى عليها سواء لاستعمال القوات المسلحة أو القطاعات المدنية ـ 4 ـ الإشراف على المخزون الاستراتيجى للدولة واستعراض مستوياته
ـ 5 ـ بناء المستعمرات الدفاعية بالمناطق العربية التى تحاول إسرائيل خلق وجود إسرائيلى دائم فيها، واختيار مواقعها فى الأماكن ذات الأهمية الخاصة وعند تقاطعات الطرق التى تربط المناطق المحتلة بالمناطق الخلفية فى إسرائيل ـ
6
ـ تتدخل هذه الهيئة فى الأعمال الرامية إلى تحسين الزراعة والصناعة والاقتصاد الإسرائيلى، بما يحقق خدمة المجهود الحربى والقوات المسلحة الإسرائيلية (16) هوامش:
(1)
هذه الدراسة ستنشر ضمن كتاب ـ العسكرية الصهيونية ـ الذى سيصدره مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بدار الأهرام
ـ (2) راجع د إبراهيم شحاته قضية الحدود الآمنة والتوسع الإسرائيلى مجلة التوسع الإسرائيلى ـ مجلة السياسة الدولية ـ العدد (25) يوليو 1971، ص 20 ـ 57 ـ (3) صحيفة معاريف، مقالة ـ الحدود الآمنة ـ
(4)
المصدر نفسه ـ (5) المصدر نفسه ـ (6) المصدر نفسهـ (7) المصدر نفسه ـ (8) المصدر نفسه ـ (9) أحمد حجاج، سكان إسرائيل ـ تحليلات وتنبؤات، سلسلة الدراسات الفلسطينية، العدد 28، ص
(10)
صحيفة ـ جيروزاليم ـ الإسرائيلية عدد 29 مايو 1969 ـ (11) صحيفة ـ هاأرتس ـ الإسرائيلية مقالة لرنيف شيف تحت عنوان ـ إعادة تنظيم للجيش، اللواء والفرقة ـ، عدد 3 فبراير 1969
(12)
أعلن فى شهر نوفمبر 1970 عن موافقة الولايات المتحدة على تسليم إسرائيل 200 دبابة من طراز باتون والأخيرة من أحدث الدبابات الأمريكية
(13)
صحيفة ـ معاريف ـ الإسرائيلية عدد 16 أكتوبر 1969 ـ (14) صحيفة ـ جيروزاليم بوست ـ الإسرائيلية، عدد 11 يونيو 1969
(15)
مجلة ـ جويش ابزيرفر ـ، عدد 15 يونيو 1970 ـ (16) من أهم المراجع فى هذا الموضوع: م س ارنونى، الخطأ والصواب فى النزاع العربى الإسرائيلى أموس بيرلموتر، الجيش الإسرائيلى والسياسة روبرت ماكنمارا، جوهر الأمن ماكس ل مارجوليز، تاريخ الشعب اليهودى ايجال آلون، بناء الجيش الإسرائيلى محمد كامل عمرو، الأمن الإسرائيلى موشى ديان، خريطة جديدة وعلاقات مختلفة بيرلمان، بن جورريون يستفيد من الماضى شمعون بيريز، حروبنا مع العرب اندير بوفر، مدخل إلى الاستراتيجية القوات المسلحة الإسرائيلية:
إجمال حجم القوات المسلحة:
ـ 75000 من النظاميين والمجندين، ويمكن أن تصل هذه القوات إلى 300000 فى حالة تعبئة الاحتياطيين ما بين 48 إلى 72 ساعة ـ
تقدير الإنتاج الوطنى لعام 1970: 54 بليون دولار ـ ميزانية الدفاع لعام 1971 ـ 1972: ـ 5194 مليون جنيه إسترلينى (1483700000 دولار) (الدولار = 35 جنيهات إسرائيلية) ـ
الجيش: ـ 11500 من النظاميين، 50000 مجند فى حالة التعبئة التامة يصل عدد الجنود إلى 275000 4 لواءات مدرعة، 4 لواءات مشاة، لواء مظليين.
الأسلحة: ـ 300 دبابة طراز أم ـ 48 مزودة بمدافع عيار 105 مليمترات ـ 250 دبابة طراز ـ بن جوريون ـ (دبابات سانتوريون مزودة بمدافع فرنسية عيار 105 مليمترات) ـ 200 دبابة طراز ـ سانتوريون ـ ـ 200 دبابة طراز ـ ايشرمان ـ (مزودة بمدافع عيار 105 مليمترات) وطراز ـ سوبر شيرمان ـ وطراز تى ـ أى /67 ـ (تى 54/55 مزودة بمدافع عيار 105 مليمترات) ـ 25 دبابة متوسطة طراز ـ أم 60 ـ وسيارات مدرعة طرازان: أم ال ـ 60، 15 ـ ايه أم ال ـ 90، ـ ستاجهاوند ـ وما يقرب من 1000 سيارة نصف جنزير طراز ـ أم 2 ـ، ـ أم 3 ـ وحاملات جنود مدرعة طراز ـ أم ـ 112 ـ مدفع قوسى (هازتزر) ذاتى الحركة طراز ـ أم 109عيار 155 مليمترات، ومدافع ـ هاوتزر ـ عيار 155 مليمتر مركبة على شاسيهات دبابات شيرمان، وحوالى 300 مدفع هاوتزر ذاتية الحركة عيار 155 مليمتر، ومدافع هاون عيار 120 مليمتر و 150 مم مركبة على شاسيهات دبابات ـ أيه أم أكس ـ ومدافع مضادة للدبابات ذاتية الحركة عيار 90 مليمتر، ومدافع عديمة الارتداد عيار 106 مم مركبة على سيارات جيب، وصواريخ موجهة، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات من طراز كوبرا ومن طراز ـ اس اس ـ 10 ـ، أس أس ـ ـ 11 ـ المركبة على حمالات للأسلحة ومدافع مضادة للطائرات عيار 20 مم، 30 مم، 40 مم ـ وخلال عام 1971 من الممكن أن تكون صواريخ ـ أم ـ د ـ 660 ـ قد أصبحت جاهزة للعمليات، وهى صواريخ ـ سطح ـ سطح ـ يصل مداها إلى 280 ميلا ـ ـ الاحتياطى ـ تعبئة الاحتياط تؤدى إلى زيادة حجم التشكيلات المذكورة آنفا إلى 10 لواءات مدرعة، 9 لواءات مشاة، و4 لواءات مظليين ـ البحرية: ـ 3500 من النظاميين، 1000 مجند (يصل عدد هؤلاء إلى 8000 فى حالة التعبئة التامة) ـ 3 غواصات: ـ 1 مدمرة (تستعمل للتدريب) ـ 12 زورق داورية سريع مجهز بصواريخ بحر ـ بحر من طراز ـ جابرييل ـ ـ 9 زوارق ـ طوربيد ـ (حمولتها أقل من 100 طن) ـ 8 زوارق داورية (حمولتها أقل من 100 طن) ـ 10 زوارق ـ أبرار ـ (تقل حمولة 4 منها عن 100 طن) ويبلغ عدد الكوماندوس البحريين: 500 ـ القوات الجوية: تشمل 800 من النظاميين 1000 من المجندين الإجباريين (فى حالة التعبئة التامة يصل عددهم إلى 17000) و 374 طائرة حربية موزعة كالأتى: ـ 10 قاذفات خفيفة طراز ـ فوتور ـ ـ 75 مقاتلة اعتراضية وقاذفة مقاتلة من طراز ـ فانتوم ف ـ 4 ئى ـ ـ 60 مقاتلة اعتراضية وقاذفة مقاتلة من طراز ـ ميراج 3 ـ س ـ بعضها بصواريخ جو ـ جو طراز ـ آر ـ 530 ـ ـ 72 قاذفة مقاتلة من طراز ـ أيه 4 ـ ئى سكاى هوك ـ (بالإضافة إلى 18 طائرة من نفس النوع سيتم تسليمها خلال عام 1971) ـ ـ 27 قاذفة مقاتلة من طراز ـ مستير 4 ـ أ ـ ـ 30 قاذفة مقاتلة من طراز ـ أوراجان ـ ـ 9 مقاتلات اعتراضية طراز ـ سوبر ميستير ـ ـ 6 طائرات استطلاع من طراز فانتوم ـ أ ف ـ 4 ئى ـ ـ 85 طائرة تدريب مسلحة من طراز ـ ماجيستر ـ ـ 10 طائرات نقل وتزويد بالوقود فى الجو ـ ستراتوكروزر ـ ـ 15 طائرة نقل من طراز ـ نور أطلس ـ، ـ 10س ـ 47 ـ، ـ 4 س ـ 46 ـ ـ 12 هيليكوبتر من طراز ـ سوبر فريلون ـ ـ 8 هيليكوبتر من طراز ـ سى اتش ـ 53 ـ ـ 25 هيليكوبتر من طراز ـ أب ـ 205 ـ ـ 20 هيليكوبتر من طراز ألويت ـ 8 بطاريات صواريخ أرض ـ جو ـ سام ـ مزودة ـ 48 ـ صاروخ من طراز هوك ـ ـ القوات شبه العسكرية: يصل حجمها إلى 10000 من رجال الميليشيا الذين يعملون فى وحدات الدفاع الإقليمى عن الحدود ـ المصدر: المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية بلندن (ميزان القوى العسكرية 71 ـ 1972) ـ لم تتضمن هذه التقديرات اتفاقيات التسليح الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والتى تحصلت إسرائيل بمقتضاها على 40 طائرة من طراز فانتوم 80 طائرة من طراز سكاى هوك.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech