Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

مستقبل الجيوش التقليدية فى ظل ثورة التكنولوجيا العسكرية

المصدر: ملف الأهرام الإستراتيجى

بقلم:   عادل سليمان

 

 

على الرغم من أن التاريخ لا يعيد نفسه، إلا أن المنطق الذى يحكم تطوره قد يتكرر من فترة لأخرى، وقد أوضح ما حدث فى المرحلة النظامية من حرب العراق 2003، أن العالم يقف على أبواب مفترق طرق يعيد طرح قضايا كثيرة تتعلق بامتلاك واستخدام القوة العسكرية التقليدية مرة أخرى، فى ظل متغيرات تكنولوجية جذرية، على غرار ما حدث فى نهاية القرن الثامن عشر وبالتحديد فى العام 1798.

 

فى ذلك العام قاد نابليون بونابرت "جيش الشرق" الفرنسى فى حملته لغزو مصر التى كان يحكمها المماليك فى ظل سيادة عثمانية يمثلها والى يتخذ من القلعة مقراً له. ولكنه لا يملك ولا يحكم، وهبطت قوات جيش الشرق الى مدينة الإسكندرية. وهب أهلها وحاميتها وحاكمها السيد محمد كريم يحاولون المقاومة، ولكن باءت محاولتهم بالفشل. وإحتل نابليون الإسكندرية وتقدم بقواته فى إتجاه القاهرة. وخرج فرسان المماليك بقيادة مراد بك وابراهيم بك يمتطون خيولهم ويحملون سيوفهم وهم مستعدون للنزال. ولكنهم لم يجدوا خيولا ولا سيوفا ولا فرسانا فى مواجهتهم. ولم يتقدم أحد لمنازلتهم. بل وجدوا بنادق ومدافع وقنابل (أطلقوا عليها اسم القنبر) تسقط عليهم. والباقى معروف.

 

وكانت تلك هى الصدمة التى أصابت ليس فقط فرسان المماليك ولكن الشعب المصرى كله فى ذلك الوقت.
-
عصر ضد عصر


والحقيقة أن الذى إنتصر وإحتل مصر لم يكن نابليون وجيش الشرق. ولا الذى إنهزم وتراجع هم فرسان المماليك والمقاومة الشعبية المصرية. ولكن الذى إنتصر هو النظام الحربى ومنظومة التسليح الفرنسية التى كانت أحد روافد الثورة الصناعية فى أوروبا. والذى إنهزم هو نظام حربى كان إمتدادا لعصر ما قبل الثورة الصناعية يعتمد على مهارة وشجاعة الفرسان فى المبارزة بالسيف والكر والفر من على ظهور الخيل. وهو ما أدركه محمد على بعد ذلك عندما إستقر له حكم مصر. وكان أول ما قام به بناء جيش جديد يتبع النظام الحربى الحديث ويستخدم الأسلحة المتقدمة. وهكذا تم حسم مستقبل ذلك النظام الحربى العتيق.

 

شهد العالم فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وطوال الحرب الباردة التى دامت قرابة النصف قرن وحتى سقوط الاتحاد السوفيتى سباقا محموما للتسلح فى إطار الصراع بين قطبى تلك الحقبة. الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى حلف الناتو، والدول التى اختارت أن تكون معها فى أنحاء العالم فيما عرف بمناطق النفوذ الأمريكى والغربى والقطب الآخر "الاتحاد السوفيتى السابق" وحلفائه فى حلف وارسو. وأيضا الدول التى اختارت أن تدور فى فلك ما كان يسمى بالمعسكر الشرقي. وطوال تلك الحقبة – الحرب الباردة – لم يقع صدام فعلى بين القطبين، وهو ما أدى إلى تسمية الحرب بينهما بالحرب الباردة، حيث كان الصراع يدور بينهما بالوكالة بين الدول الواقعة فى نطاق نفوذ كل منهما، فى إطار صراعات وصدامات وحروب إفليمية مثل حروب الشرق الأوسط بين إسرائيل وجوارها العربي، وحروب شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان، وغيرها من عشرات الحروب فى مختلف أنحاء العالم.

 

لقد استلزم ذلك بالضرورة قيام كل طرف من طرفى الحرب الباردة بإمداد حلفائه بالسلاح والعتاد والتجهيزات العسكرية وأيضا بالأفكار والعقائد العسكرية، وتحولت تلك الحروب الإقليمية إلى ميادين اختبار وتجريب لمنظومات الأسلحة التقليدية (التى تراكمت وتكدست على مر الأيام.) التى ينتجها كل من المعسكرين حتى كادت الحروب الإقليمية تتحول إلى حروب ما بين السلاح السوفيتى والسلاح الأمريكى والغربى، وهو ما عبر عنه هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق إبان فترة حرب أكتوبر 1973 عندما بدا واضحا حجم الانتصار العسكرى الميدانى الذى حققته القوات المسلحة المصرية على مسرح العمليات فى سيناء. بقوله "إن الولايات المتحدة لن تسمح بإنتصار السلاح السوفيتى – الذى كانت تستخدمه مصر – على السلاح الأمريكى الذى كانت تستخدمه إسرائيل".
-

تحول الثمانينات
ولكن فى بداية الثمانينيات. وبعد استيعاب دروس حرب أكتوبر 1973 جيدا، أدركت الولايات المتحدة أن السلاح التقليدى ليس بمقدوره أن يحقق نصرا حاسما فى الحروب. وتتوقف فعاليته وتأثيره فى النهاية على مدى كفاءة من بيده ذلك السلاح. ولعل دروس حرب أكتوبر التى حللتها أمريكا جيدا كانت أحد الأسباب وراء ذلك الإدراك. فبدأت الانطلاق نحو مشروع عملاق أطلقت عليه فى البدايةحرب النجوم. والذى تطور إلى مبادرة الدفاع الاستراتيجى الصاروخى، ووصل فى النهاية إلى ما عرف بمشروع الثورة فى الشؤون العسكرية

Revolution in  Military Affairs (R.M.A).
جاءت تلك التسمية من كون ذلك المشروع لا يعتمد على تطوير الأسلحة والعتاد التقليدى السائد، ولكن يتجاوز ذلك ببناء منظومات ونظم تسليح غير مسبوقة تعتمد على الثورة التكنولوجية فى مجالات علمية كثيرة تم توظيفها عسكريا مثل النانو تكنولوجي، وتكنولوجيا الليزر عالى الطاقة، وتكنولوجيا تكثيف وتركيز الطاقة الصوتية، وتكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر والاتصالات والكهروضوئيات مع التوسع فى استخدام الفضاء بإطلاق الأقمار والقواعد الفضائية للإتصالات الميدانية، والتوجيه والقيادة والسيطرة على مسارح العمليات، وظهرت أجيال متطورة من الأسلحة والذخائر الذكية Smart Weapons& Munitions، دقة التوجيه رغم إطلاقها من مسافات بعيدة تتعدى مئات الكيلومترات لتصل إلى أهدافها بدقة متناهية.
كما تطورت بالضرورة نوعية القوات سواء تلك العاملة فى تشغيل واستخدام أسلحة R.M.A أو التى تعمل على مسرح العمليات نفسه، فالأولى أصبح يغلب عليها طابع التخصص التقنى الدقيق. والثانية تم تزويدها بمساعدات تكنولوجية متطورة وظهرت عناصر مثل القوات الخاصة الحديثةSpecial Forces التى تعمل بمجموعات صغيرة للغاية 3 - 5 أفراد ولا تتعدى 10 أفراد ولديها القدرة على الوصول إلى أهدافها بسرعة فائقة مهما كانت طبيعة تلك الأهداف أو مكانها، كما تم تزويد مركبات القتال البرية بأجهزة ومعدات إلكترونية فائقة التطور.


-
صدمة 2003

 

وبدأ الظهور الفعلى لتلك المنظومة العسكرية فى حرب الخليج الثانية عام 1991 (حرب تحرير الكويت)، وشهد العالم صورايخ التوماهوك التى تنطلق على ظهر حاملات الطائرات التى تجوب المحيطات والبحار أو من قواعد إطلاقها الجوية من القاذفات الثقيلة بعيدة المدى مثل القاذفة B52 الشهيرة. لتصل إلى أهدافها بدقة كبيرة، ولا توجد وسيلة فعالة لاعتراضها. وكان ذلك الجيل الأول منها. الذى تم تطويره بعد ذلك، ثم جاءت المرة الثانية فى حالة ضرب يوغوسلافيا، وأعقبتها الحرب فى أفغانستان 2001.
كان الاستعراض الكامل لتلك المنظومة فى حرب العراق مارس/أبريل 2003، والتى تم خلالها إحتلال وفرض السيطرة العسكرية على دولة بالكامل مساحتها حوالى 0.5 مليون كم2 وتعداد جيشها التقليدى كان يتجاوز 0.5 مليون جندى خلال شهر واحد. ولم يصل حجم القوات البرية العاملة على أرض وامتداد مسرح العمليات إلى 100 ألف جندى وربما أقل من ذلك بكثير.

 

ووقف الجيش العراقى التقليدى عاجزا تماما وفاقدا القدرة على مواجهة تلك المنظومة العسكرية، ولم يكن أمامه سوى التفكك والانهيار التام. ولم يتمكن من خوض أى معركة تقليدية على الأرض. يطبق فيها ما تدرب عليه من صنوف الحرب والقتال التقليدي.
تلك هى الحقيقة الموضوعية بعيدا عن كل التحليلات العاطفية أو الأيدولوجية. فمهما كانت درجة ما يتمتع به الجيش العراقى من كفاءة وإرادة للقتال لما كان بمقدروه أن يواجه بما يملك من تسليح تقليدى تلك الموجة التكنولوجية العاتية التى داهمته بما لا مثيل له ولا لغيره من الجيوش التى على شاكلته من نظم وأساليب عسكرية، ومع ظهور بوادر نظام عالمى جديد يعتمد على قطب واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية التى حققت تفوقا نسبيا كبيرا فى طبيعة وقدرة المنظومة العسكرية بالنسبة للعالم كله.

 

لم يعد هناك مجال ولا مبرر لاستمرار الحروب الإقليمية. حيث لم تعد هناك معسكرات عالمية متصارعة يؤيد كل منها طرف من أطراف الصراع، وقد بدأت بالفعل تصفية تلك الصراعات خاصة فى المناطق الأكثر اشتعالا مثل الهند وباكستان، إسرائيل والجوار العربى لها والفلسطينيون، الحرب الأهلية فى السودان. وغيرها.

 

وخفت حدة سباق التسلح التقليدى إلى درجة كبيرة، ولم تعد القوة العسكرية للدول تقاس بحجم قواتها المسلحة وعدد ما تملك من دبابات ومدافع وطائرات قتال تقليدية. ولكن بقدر اقترابها من وسائل وأساليب الثورة فى الشئون العسكرية "R.M.A" ولم تعد الدول الكبرى والمتقدمة تهتم كثيرا بتطوير نظم الأسلحة التقليدية. وانصرفت إلى مجالات تطوير نظم التسليح التكنولوجية وعلوم الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والكمبيوتر وتكنولوجيا أشباه الموصلات والطاقة مثل الليزر والصوت.


وأدى ذلك التطور إلى ظهور مشكلات كبيرة فى صفوف الجيوش التقليدية حتى فى دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعانى البنتاجون من مشكلة عرفت بـ "مشكلة الجنرالات". فقد اكتشف أن الحاجة إلى كبار الضباط التقليديين لم تعد كبيرة (بينما ازدادت الحاجة إلى التقنيين)، ولم تعد هناك وظائف قيادة مناسبة للكم الكبير من جنرالات الجيش التقليديون.
السؤال
ويبقى السؤال الهام والذى يبدو أن الكثير من الدول والمفكرين العسكريين والاستراتيجيين يتجاهلونه أو لا يريدون مواجهته. وهو: ما هو مستقبل تلك الجيوش التقليدية الجرارة بسلاحها وعتادها. وأيضا بقوتها البشرية الهائلة التى تمتلكها الدول الصغيرة والتى لا تمتلك قدرة كبيرة على تطويرها، فهى لا تملك المقومات العلمية والتكنولوجية ولا القدرات الإقتصادية التى تمكنها من بناء قاعدة صناعية عسكرية متطورة.
وبالطبع، فإن ثمة مجال للحديث عن تلك النوعية من الحروب غير التقليدية التى بدأت فى الظهور فى مواجهة جيوش الموجة الثالثة، والتى وضحت معالمها فى أفغانستان والعراق بعد نهاية الحروب النظامية غير المتكافئة، لكن ذلك لا يقلل من أهمية السؤال الأساسى الذى يتطلب نقاشا حول مستقبل الجيوش التقليدية النظامية،. ويبدو أن المقولة التى أطلقها الرئيس الراحل ذو البصيرة النافذة أنور السادات. "أن حرب أكتوبر 73 هى آخر الحروب" تحتاج إلى إضافة كلمة واحدة. هى آخر الحروب التقليدية.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech