الصيد الثمين

" عملية اصطياد احدث طائرة تجسس اليكترونى كانت الولايات المتحدة الامريكية قد زودت بها العدو الصهيونى مع طائرة اخرى من ذات الطراز من ضمن خمس طائرات فقط كانت تمتلكها فى مطلع سبعينات القرن المنصرم .. مما ادى بأمريكا الى سحب الطائرة الاخرى من ترسانة العدو المسلحة وبالتالى حرمان العدو الصهيونى من مزايا ذلك الطراز المتطور حيث كانت تلك الطائرة من الضخامة والتعقيد تستوجب وجود خمسة افراد كطاقم للملاحة بالاضافة الى طاقم الفنيين المنوط بهم ادارة وتشغيل الاجهزة الاليكترونية بالطائره ويتكون من اثنى عشر فردا .. اى بمجموع سبع عشرة صهيونيا ..

قامت سرية " الحرب الاليكترونية " التى كنت احد افرادها بالتعاون مع احدى بطاريات ارض جو المتحركة بتدميرذلك الصيد الثمين مع ارسال السبع عشرة صهيونيا الى الجحيم .. فى طرفة عين .. كانت تلك العملية هى باكورة استخدامات سلاح الحرب الاليكترونية الواليد والذى دخل الخدمة بالقوات المسلحة المصرية مع مطلع العام 1970..

ومن ثم اجد من واجبى سرد تلك الواقعة المجيدة قبل ان ينتهى بى العمر , حيث كنت وبكل تواضع قد اديت فيها واجبى كمقاتل مصرى ضمن مقاتلى الجيش الثالث بجبهة القتال ..

واشرف بان القدر قد اختارنى لتكون مشاركتى هى الشرارة الاولى بحكم مهامى المنوط بى القيام بها بعد اجتيازى الفرق التعليمية الخاصة باستخدام معدات واجهزة الحرب الاليكترونية بالاضافة الى اجتياز كورسات مكثفة لتعلم قدر غير قليل من اللغة الروسية اللازمة لاستيعاب شروح ذلك السلاح السوفييتى وكذلك لغة العدو العبرية المؤهلة لخوض عمليات الحرب الاليكترونية ابتداءا من عمليات الرصد , مرورا بعمليات التنصت وانتهاءا بعمليات الاعاقة الاليكترونية لاصطياد طائرات العدو بالاضافة الى عمليات الاسناد التى تقدم الى سلاح الجو المصرى .

ولعلى اسرد الان البعض من احداث تلك العملية الناجحة وغير المسبوقة فى ذلك الزمن البعيد .. وذلك على النحو التالى وبايجاز واجب :

كانت مهام سلاح الحرب الالكترونية الوليد فى ذلك الزمان البعيد تتلخص فى قاعدة العمليات الرئيسية المجهزة من الهوائيات العملافة التى تقوم نهارا وليلا باستقبال اشارات محطات الرادار المصرية التى تقوم برضد نشاط العدو الجوى ومن ثم يقوم افراد الرصد بترجمة نشاطات العدو على هيئة نقاط وخطوط يتم تسجيلها باقلام خاصة بالرسم والتدوين على الزجاج المصنوع منها لوحة كبيرة المساحة مرسوم عليها خارطة تشتمل على الشكل الجغرافى لمصر وفلسطين المحتله ..

مقسمة الى مربعات منتظمه مثل لوحة الكلمات المتقاطعه لكنها محددة رأسيا بالاعداد الرقمية وافقيا بالأحرف الابجديه على الترتيب الذى تعلمناه فى مدارسنا .. ومن ثم يكون من اليسير تحديد المكان الذى يقوم فوقه نشاط العدو الجوى واعداد تلك التشكيلات .. تلك اللوحة الزجاجية كانت تقع تحت ناظرى طوال فترة نوباتجيتى التى تمتد الى 8 ساعات متواصلة .. وفى ذات الوقت امارس مهام عملى الرئيسية باحكام سماعات الاذن شديدة الحساسية على اذنى واصابع يدى تدير مؤشر جهاز استقبال الموجات اللاسلكية قصيرة موجات التردد الصوتى والتى تستخدم فى الاتصالات بين الطائرات الحربية كافه وبين الفرد الموجود فى القاعدة التى خرجت منها الطائرات وبسمى " الموجه الارضى " .. وهو الذى يقوم يتوجيه الطائرات المحلقة بالجو طيقا لما يراه فوق شاشة الرادار الموجوده امامه .. فيتم التوجيه بالصعود والهبوط والمناورة والتحذير من الطائرات المعادية بل وتحديد زوايا وسرعة طائراته فى الجو ..

حيث ان قائد الطائرة عمليا يكون فى السماء كمن يسبح فى محيط هائل الاتساع .. وعادة يتم التوجيه الارضى وتبادل الحديث مع الطيار ببعض مصطلحات قصيرة باللعة الانجليزية بالاضافة الى لغة العدو العبريه .. كان عملى اختصارا ينصب على تتبع موجات الاتصالات بين الموجه الارضى وبين طائراته .. ومن ثم تسجيل رقم ترددها وايضا مواصلة تتبع الاتصالات على الموجات الاخرى حيتما بستبدلها العدو كاحراء وقائى .. وفى جميع الاحوال اقوم بتسحيل تلك المحادثات تمهيدا لارسالها الى ادارة المخابرات الحربية بصورة روتينيه يوميا .. كان ذلك باختصار هو شق الرصد والتنصت وتسجيل محادثات النشاط الجوى اليومى للعدو بالاضافة الى الحصول على تردداته المستخدمه .. تلك الترددات هى التى يتم استخدامها فى تفعيل عمل الحرب الاليكترونيه .. وذلك على النحو الاتى :

كان باقى مكونات قاعدة الرصد والتنصت بتكون من 3 مواقع تقع على ابعاد مختلفة من القاعدة الام .. تتلخص مهامها فى تلقى الاوامر من القاعدة الام بالقيام باعمال الاعاقة الاليكترونيه وهو ما اصطلح على تسميته بعمليات " التشويش " .. حيث تحتوى تلك المواقع الملحقة على اجهزة البث والارسال .. فاذا ماصدرت الاوامر من القاعدة الام بالتشويش على الاتصالات الجارية بين الموجه الارصى للعدو وبين طائراته المحلقة بالجو .. فانه يجرى اعطاء الامر لمواقع الارسال والبث بالتشويش على تلك الموجات التى تم رصدها وذلك يتم فنيا يعمليه ضغط تلك الموجات اللاسلكية فيتحول الصوت الى مجرد صافرة حادة الصوت فى اذان كل من الموجه الارضى للعدو وطياريه بالجو .. وهنا يصبح الطيار تائها بالجو لايدرى اذا ماكان هناك طائرة او طائرات مصرية تطارده حتى " تركبه " فى وضع تدميرى لامحاله .. بل ايضا يمكن اسر طائرة العدو اذا ماكان وقود طائرته على وشك النفاذ بحيث يكون من المستحيل له العودة الى قاعدته اذا ماكان على مسافة بعيدة من قاعدته فيكون امامه بديلان فقط .. اما ان يضطر الى الهبوط فورا على اى تضاريس ارضية عشوائيه فيتعرص للانفجار بطائرته واما ان بنصاع للامر الصادر له من اقرب قاعدة جوية مصريه يالتوجيه الارضى المصرى للهبوط بسلام والوقوع فى الاسر بطائرته

.

خلاصة القول يشأن تلك العملية التى ساهمت فيها ونتج عنها يوما اسود فى تاريخ العسكرية الصهيونيه

هو اننى كنت اول الشرر الذى انتج تلك الماساة التى اصابت احدث منظومة الاستطلاع والتجسس الاليكترونى الصهيونى وقطع يدها الطولى بتدمير احدث ما زودتها به امريكا .. يكل تواضع اقول : لقد الهمنى الله البصيرة فى استشعار الخطر الداهم فى فترة وقف اطلاق النار .. فأدبت واجبى على الوجه الصحيح بالرصد والتنصت والتتبع والتسجيل والابلاع .. ثم المشاركة فى عملية التشويش الاليكترونى الذى ادى فى نهاية الامر الى اصطياد ذلك الصيد الثمين بما فيه من ملاحين جويين وخبراء تجسس اليكترونى وبما كان له إنعكاسا غير خاف خلال معارك خرب اكتوبر المجيده

اخيكم

عبدالفتاح فارس

الاسكندريه

30 مايو 20015

Facebook : Asal Fares

https://www.facebook.com/Asalolly

e-mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ملحوظه واجبه : قام البطل الراحل المشير الجمسى بسرد تلك العملية عبر المسبوقة فى احدى ندوات الاحتقال بذكرى انتصار 6 اكتوبر قبل وفاته بعامين تقريبا .. على ما اتذكر ... ودائما النصر لمصر باذن الله تعالى