Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

الرائد محمد الحسيني - التصنت الالكتروني

رائد محمد الحسيني ابراهيم المغير


 

النشأة والطفولة

ولدت بالمنصورة في 18 ابريل 1946 ، والدي هو الدكتور الحسيني ابراهيم المغير وقد حصل علي الدكتوراة من فرنسا سنة 1928 وعمل بعدها بوزارة الزراعة ، وهو من أنشأ نظام تربية دودة القز أو الحرير الطبيعي بوزارة الزراعة واستمر بعمله هذا حتي خروجه للمعاش ،

لي أخ أصغر مني بسنتين وأختين ، قضيت طفولتي بين ضواحي وريف المنصورة وتعودت أن أسأل والدي عن كل شئ منذ كنت طفلا بالمدرسة وكان ابي واسع الصدر وغمرني بكثير من المعرفة ، وبخلاف الدراسة أتذكر أني كنت أخرج بالصيف إلي أرضنا الزراعية وأحضر جمع القطن فكنا نجمعه ونضعه بالمخازن ونقوم برشه حتي يتم توريده للحكومة ، والحمد لله أتمتع بذاكرة جيدة فأنا أتذكر أخي وهو مولودا مع ان الفرق بيننا سنتان فقط ،

كما أتذكر في فترة حكم الملك كان لدينا بمدخل البيت في الصالون صورة معلقة علي الحائط للعائلة الملكية كلها وكانت بالألوان مع أن تواجد صورة ملونة كان شيئا صعبا بهذه الفترة ، كانت الصورة للملك فاروق عندما تزوج ناريمان وبجواره اخوته البنات فكانت تمثل نوعا من الشياكة بمدخل البيت ليس أكثر ،

تستطيع أن تقول أن جميع المصريين بذلك الوقت كان لديهم المقدرة الذاتية علي تغطية احتياجاتهم ، فكان الريف متواجد به كل شئ ، وكانت المياه لم تدخل بعد لمنطقتنا فكانوا يأتون بماء من النيل ويضعونه في شيئا اسمه القطارة عبارة عن زير فيخرج منه الماء الحلو ، وأتذكر قبل دخول الكهرباء كانت الاضاءة بالكلوب الذي يوجد به الكيروسين والكلوب عبارة عن خزان يضغط فيه الكيروسين كالكلوبات التي تعلق بالأفراح "كما يقولون في الأمثال ضرب كرسي في الكلوب فطفي الكلوب" ، فكان هذا الكلوب موجودا قبل الراتينا عبارة عن ماسورة يتم تسخينها بالنار فيتحول الجاز لبخار ويدخل هذا البخار علي الراتينا فيشتعل فتنشأ الإضاءة ، وهي نفس نظرية عمل الوابور البريموس فعندما تكبسه يتصاعد منه الوقود السائل ثم يتبخر ثم يتحول لنار ،

أتذكر أننا كنا نسكن علي فرع النيل الذي يسمي البحر الصغير وكان عليه سكة حديد سوارس تغطي الدلتا بأكملها ، وأعتقد ان كلمة سوارس أتت من اسم شخص أو قد تكون شركة اسمها سوارس أنشأت خط سكة حديد من المنصورة إلي ميت غمر ، وبالإضافة لقطار الركاب كان يوجد علي نفس الخط قطار لنقل البضائع ، كما كان طريق المنصورة-القاهرة الذي كنت أراه أثناء سفرنا عبارة عن طريق ترابي ممهد موازي لفرع النيل المنصورة-بنها وكان العمال يخرجون كل صباح لرشه بالمياه حتي لا يثير أتربة تؤثر علي الطريق كان هذا قبل أن يتم رصفه ، وأول ما قامت الثورة كلفوا شركات بإدخال شبكات المياه فأتوا بشركة ألمانية اسمها كروب فحولت الطريق إلي بلاطات خراسان ثم أصبح أسفلت بعدها ،

سنة 1954 كانت مصر دولة فتية أرادت أن تسلح نفسها فتم جمع تبرعات لتسليح الجيش المصري وظهر جميع الفنانين وقتها وهم يحملون صندوقا خشبيا معلقا برقبتهم لتجميع التبرعات أتذكر منهم فاتن حمامه وشادية وغيرهم كثيرون وكان هذا برغبتهم لم يجبرهم عليه أحد فالحس الوطني كان مرتفع ولم يكن أحدا وقتها يعيش في برج عالي منفصل عن المجتمع فتجمع الكل تحت راية تسليح الجيش ، وكان كل فرد يتبرع بما يستطيع بخمسة أو عشرة قروش وتبرع والدي و والدتي بالدبل الذهب الخاصة بهم ، وأتذكر أن مجموع المبلغ الذي تم تجميعه لتسليح الجيش المصري كان أربعة ملايين ونصف جنيه ،

وعن المدرسة فقد اشتركت بنظام الكشافة في المرحلة الابتدائية والاعدادية ولي صورة وانا بابتدائي بزي الكشافة التي كان شعارها "كن مستعدا" ، كنا كطلبة وقتها نتحرك بانضباط ونشعر بالحماس ونتشارك الأنشطة دائما ، وعندما توقفت هذه الأنشطة زادت الطبقية اليوم ، فعندما كان يجلس ابن باشا أو ملياردير مع ابن رجل بسيط في تجمع أو معسكر ويسافروا للساحل سويا ويأكلوا من نفس الطعام وقتها يشعرون بنفس الشعور ، فهذا الاحساس الجمعي هو ما يخلق التوحد وينزع التفرقة والأنانية من نفوسهم فينتج عنه تقارب كبير بيننا كالذي يحدث مثلا بين من يخدمون مع بعضهم بالمناطق النائية ويحيون نفس الحياة ، فاذا أحضرنا عسكري من أسوان مع ثاني من البحيرة وثالث من الاسكندرية و وضعناهم بمكان واحد يحدث توحد بينهم ، بينما نحن اليوم نري الطبقية زادت وباتت واضحة في تصرفاتنا علي عكس قديما كان الجميع يعيش حياة واحدة ، وكان هذا هو أحد أسباب نجاح المدرسة العسكرية خلال أدائها واجب الدفاع عن الوطن ففي الكلية الحربية لا أحد يعرف من ابن الغني ومن ابن البسيط فالمعاملة واحدة ،

الجميع يستيقظ صباحا يرتب سريره ويحضر طابور الصباح ثم نعود ونأكل سويا عدس أو لحمة أو حلاوة طحينية ، فعندما يعيش الكل نفس الحياة مع بعضهم يحدث تقارب بين الجنود ويصبحون أقرب لبعض من الاخوة والأهل ،

فكانت هذه التجمعات من أكبر الاستفادات التي خرجت بها من نظام الكشافة ، و كانت الكشافة علي المستويات الأصغر في ابتدائي نقوم من خلالها بعمل معسكرات ولكن لم نكن نبيت بها لصغر سننا ولكننا كنا نسهر وخلال السهر كنا نقوم باستعراض بالمشاعل بعده تبدء حفلة كل من لديه موهبة يظهرها بها أو يلقي نكتة أو يحكي قصة وهكذا ،

وعندما التحقت بثانوي اشتركت بنظام الفتوة أو التربية العسكرية ،

 

كنا نرتدي زيا لونه أزرق سماوي أو كاكي ، كنا نتلقي تدريبات في المعسكرات وتدربنا علي ضرب النار بالبندقية لي أن فيلد وكانت تضرب نار حقيقي وهي بندقية انجليزية قديمة من الحرب العالمية الثانية فلم تكن تمتص صدمة الضرب فكنا نضرب الطلقة ترد بكتفنا كان هذا في تبة ضرب النار في مدرسة المنصورة الثانوية ، وكانت هذه التبة قريبة من ملعب الكرة الخاص بالمدرسة وهم قريبين من موقع جامعة المنصورة الآن و كانت مدارس المنصورة الاعدادية والثانوية جميعها مدارس أميرية حكومية ،

كان نظام الفتوة يضم أولاد وبنات وكانت البنات ترتدي جيبة ويتلقون طوابير رياضية وانضباط مثلنا ، كما كان هناك حصص لتعليم أنشطة مختلفة كالأنشطة الزراعية وتنمية الكثير من الهوايات فكانت المدرسة صرح ملئ بالأنشطة المفيدة ولم تقتصر علي التعليم فقط ،

كانت البلد بعد ثورة 52 مليئة بالطموح والأمل في مصر الجديدة وأننا سنتقدم للأفضل ، أتذكر عندما كان يزور عبدالناصر مدينة ما كانت المدينة بالكامل تتحمس لوجوده ولم يكن يتواجد الخارجين علي النظام حتي اذا تواجد أحد مختلف معه أو تضرر من قراراته كأحد مثلا تم سحب أراضي منه أو خلافه مما كان يملكه فترة الملكية لم نكن نشعر بوجوده و اندمج كل المصريين في النظام الجديد وكان لديهم أمل كبير في الغد كما كانوا واثقين تمام الثقة في قيادتهم السياسية وملتفين حولها وكان هذا الشعور متبادل فكانت القيادات أيضا تثق بالشعب...

 

 


 

حرب 1956

عندما حدث العدوان الثلاثي كنت موجودا بمدرسة المنصورة الاعدادية ، وأنا في الأساس دخلت المدرسة مبكرا وعمري 4 سنوات تقريبا حتي أنه كان ممنوعا أن أدخل بسن صغير ولكني تجاوزت سنة في الدخول لواسطة لوالدي فدخلت المدرسة قبل السن المحدد ، أتذكر عندما وقع العدوان أخذت المدارس أجازة وسمعنا طائرات اخترقت الدلتا وقد نكون رأيناها بالعين المجردة ولكن كل العمليات الأساسية بالحرب دارت في القاهرة في مطار ألماظة وفي بورسعيد...

 

الكلية الحربية

 

كان دخولي كلية عسكرية نوع من الصدفة فقد كنت علمي رياضة وكانت نتائجي عالية دائما ولدي حب للمعرفة ولكن ما حدث أنه وقت الامتحان أصيبت بالملاريا فحضرت أحد الامتحانات و حرارتي مرتفعة فحصلت علي درجتين من عشرين في الجبر بعدها في الميكانيكا حصلت علي 19 من 20 فأصبح متوسط مجموعي أقل من 60% نتيجة مرضي فنصحني أبي وأمي بإعادة السنة ولكني لم أريد ذلك وجازفت وفكرت أن أدخل كلية الشرطة أو الحربية فأتيت إلي القاهرة وتقدمت إلي الكلية الحربية ولم يعترض والدي علي هذا فكان بيتنا به ديموقراطية واحترام للرغبة الشخصية وتوجه كل فرد فلم يكن هناك تدخل للأب علي الطريقة التقليدية بمجتمعاتنا بحياتي وقد يكون أحد أسباب ذلك أن والدي تعلم بفرنسا فكانت تربيتنا قائمة علي كثير من الحوار الحضاري كما كان هناك اعتماد زائد علي النفس لدرجة أني أتذكر أننا كنا نأخذ مصروفنا ونضعه في الحصالة وعندما تكبر كان كل منا يتصرف بنقوده كما يشاء ويأتي بما يريده كعجلة أو غيره ،

 

 

وقد ساعدت نشأتي بالأقاليم علي نوع من الإعداد الجسماني العالي ، فمثلا كنا نلعب كرة في الليالي القمرية تحت ضوء القمر وكنا نقوم بسباقات جري للبلد الموجودة بعدنا علي بعد 12 كيلومتر من المنصورة لأجا تقريبا ، وكنا نذهب للأرض علي بعد حوالي 3 كيلومتر في جمع القطن ونعود بأكياس القطن في آخر اليوم ، وفي بعض الأوقات كنا نذهب ونعود من المدرسة علي أقدامنا وأوقات أخري بالمواصلات ، فساهم كل هذا في إعدادي اعدادا بدنيا جيدا ، فلما تقدمت للكلية الحربية لم يمثل الاختبار الطبي واختبارات اللياقة أي عائق لي في القبول فكانت نتائجي جيدة نتيجة النشأة ولم أهتز لشيئا من الاختبارات فكانت جميعها عادية بالنسبة لي إلا عند قفزة الثقة فلم أكن أعرف السباحة ولكني عبرت الاختبار بطريقة عقلانية فقد هزم عقلي الفوبيا الموجودة عندي ، فقفزت من 10:11 متر وشعرت أني بالطابق الخامس كانت علي ارتفاع عالي جدا ولكني كنت أري أن لا أحد يصاب بشئ ففعلتها ، وصلت لكشف الهيئة كان موجود بالاختبار اللواء محمد فوزي وعلي علي عامر من ضمن اللجنة كان هذا سنة 62 ، ومن المؤكد أنهم سألوني عن الاسم والوالد والعائلة ولكن أعتقد أنهم لم يحتاجوا لسؤالي عن سبب تقدمي للحربية لأننا بأيامها لم نكن نحتاج أن نثبت حبنا للبلد أو وطنيتنا لأن هذا كان ظاهرة مفروغ منها بالنسبة لتسعة وتسعون بالمائة من الشباب ،

 

مرت الاختبارات متتالية وفجأة وجدتهم يخبروني حتي قبل أن آخذ وقفة مع نفسي وأفكر هل أريد أن أدخل الحربية بالفعل من عدمه أن أذهب لمؤسسة القوات المسلحة بالعباسية وأشتري منها شنطة بها كل المستلزمات التي سأحتاج إليها بالكلية وأسلم نفسي خلال يومين ،

 

 

دخلت الحربية الدفعة 45 وكنت اعدادي 14 أي أن سنوات الدراسة بالكلية كانت مقسمة إلي اعدادي ومتوسط ونهائي ، وكان اعدادي مقسم لما يشبه الفصول أي اعدادي 1 واعدادي 2 وهكذا فكنت اعدادي 14 ، كنا نسمي وقتها مرحلة الانتقال من المدنية للعسكرية بمرحلة الدخول للفرن الذري واكتشفت بعد ذلك أن الأسلوب النفسي الذي تتبعه الكلية الحربية هو أفضل أسلوب للتعلم ،

فهو يصهرك في الحياة العسكرية تماما وينسيك أي سلوك أو عادات قد تكون غير بناءة في الحياة المدنية ، والمصريين خاصة ليس من السهل أن تخلصهم من عادات وتقاليد تعودوا عليها فكل فرد يريد أن يفعل ما يحلو له كما نقول "عاوز ينام علي الجنب اللي يريحه" ، فلكي توحد الجميع وتعيد صهرهم لابد أن يأخذوا الصدمة الأولي وضروري أن يحدث هذا من البداية لأن كل فرد أتي من بيئة مختلفة ومستوي اجتماعي وطريقة تربية مختلفة ومطلوب إنشاء منظومة منضبطة ومتشابهة ومتساوية اذن لابد من عمل سلسلة اجراءات حتي تتخلص الأفراد من النظام القديم الذي تعودوا عليه فتستطيع أن تزرع بهم البذرة العسكرية بأرض سليمة ، وكانت الخمسة وأربعين يوم الأولي فترة الإعداد للمستجدين كافية لتحقيق هذا الهدف لأنها كانت عبارة عن إعداد 24 ساعة في الخمسة وأربعين يوم بدون أي انفصال عن النظام المحدد ، وأعتقد أن هذا الأسلوب من أنجح الأساليب التي تساعد علي الوصول للهدف ، ولو كان الأمر بيدي كنت ألغيت نظام التعليم الحالي وأستنفرت كل الطلبة علي كافة المستويات هم والمعلمين والإداريين وأضمهم لمعسكرات و أمكنهم من زيارة المشاريع القومية ويتم تكليفهم بمهام قومية ويعاد بناء توجهاتهم من جديد وقد كتبت هذا الكلام علي حسابي علي الفيس بوك وعلق عليه ضابط قديم بأنه ولا حتي ماوستونج يقدر علي ذلك ، ولكني أري أن المصريين يحبون التجمعات وعن طريقها نستطيع تحقيق ما نريده فيمكنك أن تحضر ولد يأكل كافيار ولديه سائق يوصله بالعربية جيئة وذهابا مع ولد آخر يعيش بالريف وطلعهم معسكر سويا في الساحل الشمالي أو في جبل الجلالة ودعهم يجلسون ويأكلون سويا وليكن طعامهم هو أكل الجيش الجاف من البسكوت الذي يطلق عليه "خشبسكو" سيسعدوا ويتوحدوا ، فعندما تجمع المصريون في ميدان التحرير أو في 30 يونيو وعاشوا مع بعضهم سواء في خيام أو عملوا سويا في مكاتب توحدت عقولهم والفكر الجمعي لا يخرج سوي الأشياء الايجابية ، فلو لدينا مائة شخص يجلسون مع بعضهم سنخرج منهم بعشرة أشخاص موهوبين قادرون علي قيادة المجموعة بحسن كلامهم وأفكارهم ، أما اليوم أصبح الأولاد علي قدر كبير من الرفاهية ويتعلمون في مدارس دولية ولكن فلنفكر هل عندما يسافر الولد مع زميله إلي معسكر بأتوبيس للبحر الأحمر مثلا أو توشكي وهم يغنون بالطريق ويأكلون سويا هل وقتها ونحن نستنفره سيكون أسعد حالا أم وهو يجلس بالمنزل ؟

فالبيوت اليوم أصبحت روتينية ومملة وكذلك المدرسة والدروس فعندما تقوم بإستنفار وتعبئة فهذا شيئا لا يثير الخوف بالعكس فإسرائيل وقفت أمامنا بنفس الأسلوب فالمستعمرة الإسرائيلية بها البنت والولد ولديهم ميس عمومي يأكلون به سويا وكانوا يتعلمون الزراعة مع بعضهم وكنا نراهم وهم يركبون التراكتور حتي قبل 67 من تبة "علي المنطار" في غزة في مستعمرة تسمي جيفات راحيل ، كنا نراهم بالعين المجردة والفرد معه الجهاز اللاسلكي يبلغ به ونظارة الميدان والبندقية ويزرع أيضا فساعد كل ذلك علي زيادة التقارب بينهم ، فأنت تحاول أن تجمع من هذا الشتات المكون من 100 مليون انسان أسرة واحدة فإذا استنفرت تقوم بعمل انضباط ثم توجه سليم بعدها اذا أصدرت أمر للمائة مليون سيتحرك الجميع لتنفيذه ، فإذا وضع كل فرد طوبة سننتهي إلي وضع 100 مليون طوبة في البناء ، أما في حالة الانفلات والشتات التي نحياها إذا أتيت بعشرة ملايين يقوموا بالبناء من الممكن أن يهد البقية ما تم بنائه لعدم وجود انضباط ولا توجه فنحن نحتاج أولا لتجميع الكل ثم تعويدهم الانضباط حتي يستمعوا إليك عندما تتحدث إليهم وأيضا لكي تستطيع تحقيق هدفك عندما تطلب عمل جماعي وقتها في إشارة واحدة للجميع لتنفيذ توجه واحد مفيد سيتحرك الجميع بإتجاهه وليس ضد بعضهم البعض ،

 

 

 

 

أتذكر من دفعتي بالحربية سمير يوسف كان الأول علي الدفعة وكان مساعد الدفعة عند التخرج بعدها أصبح قائد حرس الحدود ثم محافظ مرسي مطروح وبعدها محافظ أسوان كان سلاح مشاة ، والمرحوم بكر شلبي كان قائد سلاح المدفعية وابراهيم عبدالنبي الذي استشهد في 67 وكان الثاني علي الدفعة بعد سمير يوسف ، أما المقربين لي فهم من دخل سلاح الإشارة معي بعدها انفصلنا عندما انضميت للاستطلاع اللاسلكي منهم توفيق الشامي ويحيي سوفراته ، وسيد محمود ابراهيم استشهد في 67 بعد أن حصل علي معلومات كثيرة يوم 4 و5 يونيو عن الهجوم الاسرائيلي علينا عن طريق التصنت وتحليل المعلومات وكان هذا في أبو عجيلة وبالتحديد في تارة أم بسيس الأمامية ، فقد كان موقعه متقدما أمام كل القوات المصرية ويلمس الحدود الاسرائيلية حيث كنا نضع معدات تصنت وتحديد اتجاه هناك ،

نعود لفترة الدراسة بالكلية كنا قريبين جدا من بعضنا وأتذكر أن بعض الطلبة تركوا الكلية بسبب حدوث خلاف ثم عادوا مرة أخري مثل حسين كمال الدين حسين كان معي بإعدادي 14 فقد حدث خلاف في مجلس قيادة الثورة نتج عنه ترك كمال حسين للمجلس فخرج ابنه من الحربية ثم عاد بعد ذلك ،

كالعادة في إعدادي كان معنا زملاء من الكلية البحرية وكلية الطيران حضروا معنا اعدادي بعدها ذهب كل منهم لإستكمال الدراسة بكليته ، ومن الأشياء الجميلة بالكلية قبل أن يعلنوا نتيجة الامتحان النهائي بإعدادي فوجئت أنهم يوزعون جوائز لأوائل الدفعة في كل مادة ، فوجدت اللواء محمد فوزي ينادي اسمي وحصلت علي جائزة الدفعة في الكيمياء الحربية وأخذت منه شنطة حلاقة كجائزة لأول الدفعة في الكيمياء ، في اعدادي كانت الدراسة واحدة للجميع ، أما متوسط كان ينقسم إلي متوسط أ ومتوسط ب ، متوسط أ كان يضم من سيكمل في المشاة والمدرعات ومتوسط ب كان يضم من سيعمل في الإشارة والمدفعية وكان هذا التقسيم حتي يركز كل في تخصصه ، توزعت في متوسط علي 5 ب وكان معي وزير التنمية محسن النعمان ، لم أختر سلاح الاشارة ولكني رضيت به فقد كان مناسب لتوجهي فهو تخصص يحتاج عقلانية وتفكير وكان هذا ما أريده و وقتها لم أفكر كثيرا بموضوع التخصص فكان كل ما يهمنا أن ننتهي من الدراسة ونتخرج حتي نرتاح من المجهود البدني الكبير الذي نبذله بالكلية ، وكانت حرب اليمن بدءت بهذه الفترة ولم يكن هناك أجازات بالكلية والتيرمات تتوالي بدون فواصل في دراسة مكثفة فكنا نريد أن ننتهي من الدراسة سريعا ، أما هذا التقسيم بمتوسط كان يتم علي حسب درجات الطلبة في المواد المختلفة فعلي حسب اتجاهات كل طالب يتم توزيعه علي السلاح المناسب لها فمثلا المتفوق في النشاط الرياضي وضرب النار ينضم للمشاة وهكذا ،

عندما وصلت نهائي كنت صف ضابط بالكلية أعتقد أن ترتيبي كان السبعين علي الدفعة فكنت أمباشي بشريطين ، كنت بنهائي 6 كان هذا في السرية السادسة بالكلية وكان من ضمن هيئة التدريس وقتها بالسرية السادسة النقيب محمد حسين طنطاوي وأتذكر أنه كان يهتم بمظهره كثيرا وكانت بدلته مهندمة دائما ، والحقيقة أن هيئة التدريس بهذه الفترة كانت أكثر من ممتازة في التعليم ومواد التكتيك العسكري والطبوغرافيا وقد أنقذتني الطبوغرافيا أثناء انسحابي في حرب 67 الذي استمر من يوم 7 يونيو وكنت مازلت بمكاني في العريش حتي يوم 15 يونيو الذي وصلنا فيه لقناة السويس ، فاستخدمت الطبوغرافيا أثناء سيري بالعساكر حتي أبتعد عن طريق الأسفلت بعدما حددت النجم القطبي في الشمال ،

وأتذكر مناورة نهائي الدفعة في الكلية ، كنا نخرج من الكلية ونمشي موازيين لطريق السويس ونحن نرتدي الزي العسكري كاملا ونحمل الشادة كاملة والسلاح ونسير حتي السويس ثم نمشي علي القناة ونضرب نار هناك حتي فايد ثم نعود موازيين لطريق الاسماعيلية حتي نصل الكلية الحربية...

التخرج

تخرجت في سنة كبيسة في 29 فبراير 1964 بعد أن تخصصت في سلاح الاشارة بالكلية ، بعدها ذهبت لمدرسة الإشارة وفي نهاية المدرسة كان هناك اتفاق حدث مع الاتحاد السوفيتي بتدعيم الاستطلاع بما يسمي الاستطلاع اللاسلكي ، والاستطلاع اللاسلكي يعني أن تستطلع معلومات بإستخدام اللاسلكي بمعني أن يصبح لديك معدات تصنت ومعدات تستطيع أن تأتي بمكان الشئ الذي قمت بالتصنت عليه تتلخص فيما يسمي بأجهزة تحديد اتجاه ثم عليك أن تعرف المحتوي الذي تصنت عليه فلذلك تحتاج لتعلم اللغة العبرية والانجليزية أيضا لأن المورس الذي كنا نسمعه كان عبري وانجليزي لأن الاستطلاع لم يكن علي اسرائيل فقط ولكن الاستطلاع اللاسلكي كان استراتيجي وتعبوي وتكتيكي ،

ويشاء الحظ أن أكون أول فرد يعمل علي هذا النظام الجديد عند بدء العمل به سنة 1965 ، كانت الفصيلة التي توليت قيادتها هي فصيلة تحديد اتجاه استراتيجي في مرسي مطروح ولم يكن لنا أي جيش هناك ، فبعد أن انتهيت من الفرق الأساسية بمدرسة الاشارة سنة 64 ، تم اختيار ثلاث ضباط هم سيد محمود ابراهيم الذي فقد في سيناء في أبوعجيلة في 67 ويحيي سوفراته وأنا ، تم توزيعنا علي الكتيبة 619 استطلاع لاسلكي التابعة للمخابرات الحربية في معسكرات الحلمية وهي أول كتيبة استطلاع لاسلكي تم انشائها ، بعدها جاءوا بكتيبة أخري منفصلة هي الكتيبة 623 كتيبة اعاقة وشوشرة بمعسكرات العباسية وانضمت الكتيبتان فيما بعد وأصبحوا نواة سلاح الحرب الالكترونية ،

كان متواجد بالكتيبة 619 اثنان خبراء سوفييت أحدهم اسمه لوجوشي وهو خبير تكتيكي والثاني اسمه سكالوف وكان خبير فني خاص بالمعدات ، كانت الكتيبة بها مراكز تدريب علي المورس واللغة العبرية وكان بها مترجم روسي لترجمة كلام الخبراء ، كان قائد الكتيبة ونحن بالحلمية النقيب اسماعيل محمد شوقي والذي صار رائد فيما بعد ، كان شخص ممتاز ومهم جدا ولكنه لم يكن يحب الظهور عليه رحمة الله ، و كنا نتلقي دعما سوفيتيا قوي وقتها وبلا حدود لعبدالناصر حتي أنه كان لديه مستشار عسكري روسي ، وبعد أن انتهي تدريبي في الكتيبة بالحلمية أطلقت شرارة بدء عمل الاستطلاع الاسلكي سنة 65 حتي يبدء القيام بدوره ،

في بداية عمل الاستطلاع اللاسلكي يتم عمل قاعدة تحديد اتجاه ثم عمل مركز تصنت والذي من الممكن أن يتواجد بالقاهرة بأجهزة استراتيجية تربط الأماكن المختلفة ببعضها ، ومن الممكن أن يكون هذا المركز قريب من الجبهة ويصبح اسمه مركز تصنت تكتيكي وله أجهزة استقبال ذات حساسية عالية بالإضافة إلي حقول هوائيات أي لا يستخدم اريال سلك ولكن مجموعات ذات توجيه معين علي المكان المراد التقاط اشارات منه ،

فماذا كانت مهمتنا ونحن بحالة سلم ؟ وقتها كان ما يقلق عبدالناصر هو الأسطول السادس الأمريكي بالبحر المتوسط وقاعدة العظم البريطانية في ليبيا أيام الملك السنوسي ، وميناء حيفا الذي كان رمز المورس الخاص به هو فور اكس زيد لازلت أتذكره لليوم فقد كان هناك ماكينة تردد قول هذا الرمز للمراكب وهي تدخل الميناء عندما تتصل بها ،

وكانت مهمتي استراتيجية بمعني أنها قد تكون علي بعد آلاف الكيلومترات ، وكانت قاعدة السلاح الجديد هي مرسي مطروح القاهرة الغردقة العريش كان هذا بداية من سنة 65 ، بفترة العمل الأولي هذه لم أكن أعمل بالتصنت لكن بعد 67 وخاصة في حرب الاستنزاف استطعت أن أفيد بشكل أكبر لأني كنت مسئولا عن وحدات تكتيكية وتصنت وعن تحليل المعلومات ، كنا نسمع حيفا من مطروح فعلي سبيل المثال كنت أعرفهم بالمراكب التي تدخل ميناء ايلات كلها وحسب المعلومات التي عرفتها من ملازم اول بحرية محمود نديم كانت المراكب ترفع علم بنما مع انها مراكب اسرائيلية ،

و في يوم من الأيام وقتها قيل كيف نغلق ميناء شرم الشيخ وأصلا لم تعبر منه اي سفينة عليها علم اسرائيل فما الداعي لغلقه ؟ وكان صلاح منتصر هو من كتب هذا الكلام وإلتقيت به مرة صدفة بعدها في نادي الجزيرة وأفهمته الموضوع فتركني وذهب ويبدو أنه كان لديه عداء قوي لعبدالناصر فأراد أن يسفه من عمله وأفهمته يومها بأنه هناك أكثر من سفينة اسرائيلية كانت تدخل كل يوم من شرم الشيخ ولكنها كانت ترفع علم بنما ، فكانت كل السفن سواء تجارية أو حربية تذهب لاسرائيل أو سفن الأسطول السادس أو سفن أسطول انجليزي أو قواعد انجليزية أو أمريكية أو غربية أو اسرائيلية موجودة بهذه المنطقة

أحد المهام الرئيسية لنا ، فكنا نتصنت عليها وعند التصنت نلتقط اشارة تسمي راديوجرام قد تكون الاشارة مفتوحة فنستفيد منها أو مشفرة وقتها نحاول كسر الشفرة اذا استطعنا أو نسجلها كنشاط ، فمثلا فلان يتكلم يوميا 5 مرات أما اليوم تكلم 20 مرة اذن نسجل أن هناك نشاط زائد ، فكنا نحلل ما يحدث إما بالنشاط أو بتحليل المعلومة نفسها علي حسب ما نستطيع وتوفيق الله لنا...

 

 

 

 


 

 

 

النكسة 67

ما حدث في 67 لم يكن نتيجة ضعفنا أو ضعف معلوماتنا عن العدو ولكنه كان نتيجة طبيعية للغرور والثقة الزائدة ، فقد كان عملي عبارة عن معلومات لا يحتاج لحنجرة قوية وعندما سافرت لبعثة اختاروا من 600 ضابط أربع مائة فقط كنت أنا الأول عليهم في مادة معلومات عن العدو لذلك أري أن كل الأخطاء التي وقعنا بها كانت فرص ضائعة ، ومن فترة الدراسة بالكلية الحربية وأنا أحفظ شكل طائرة العدو المستير والطائرة الأورجان وهي فرنسية جيت سرعتها 900 كيلومتر وهي الطائرة التي ضربت مطار العريش في 67 كنت أعرفها برؤية العين ، وكنت أعرف قوتهم البحرية وعاداتهم وعقيدتهم والدبابات والعربات نصف جنزير وال م.د بازوكا المضاد للدبابات الذي كان يملكونه وقتها كل هذا درسته تماما بالكلية ، فكل هذا معروف ولكن الأهم هو الاستيعاب وردود الأفعال وما هو وضع الجيش المصري والعبرة بمن فهم وأبلي بلاء حسنا ومن كان يملك ثقة زائدة عن اللزوم ويري أن الطريق سهلا فهذا موضوع آخر ، فكنا ندرسهم كدولة قوية لها جيش كبير ولكن حدث سوء تقدير في النهاية وما حدث لنا كان بسبب الاستنفار المعنوي الزائد الذي أدي لأن نقول أننا سنلقيهم بالبحر فالخطاب السياسي كان مختلف عن الواقع وشارك في صنعه أحمد سعيد في برج العرب فملأ الصوت العالي كل مكان وانتشر الكلام عن تضامن عربي حقيقي ولكن بالنهاية لم يكن هناك حسابات دقيقة فصارت قرارتنا خاطئة ،

بالإضافة إلي ذلك كانت أفضل قوات للجيش موجودة باليمن ، ففي 67 كنت موجودا بالعريش وكنت أسمع قائد ورشة الاشارة بالعريش النقيب جرجس يني خليل عندما أبلغوه بوصول 3 دبابات لحماية العريش يقول أن أجهزة اللاسلكي لا تعمل ولا توجد قطع غيار فقام بتوصيل الثلاث دبابات بتليفونات سلك ، وكانت محطة قطار العريش وتسمي محطة الأبطال يأتي إليها العساكر الذين تم استدعائهم من الاحتياطي بالجلاليب وكأنهم ذاهبين لفرح العمدة ولتقسيم الغنائم وليس لحرب ، واتضحت هنا شخصيتنا فكنا نتعامل بسلوكنا كمصريين وليس بسلوك جيشا فظهرت تركيبتنا الاجتماعية التي نري أنفسنا من خلالها أفضل من الجميع كما يقول البعض منا للآخر "انت مش عارف أنا مين" ، وكما يظهر في عادات الأخذ بالثأر في الصعيد فهي نفس الفكرة الكل يريد أن يقول أنه أقوي شخص ، فكانت 67 حالة من الثقة الزائدة بالنفس تستطيع أن توصلك لأحد درجات الغرور ومادمت وصلت لهذه الدرجة سيتوقف عقلك عن الحسابات ، واسرائيل ليست دولة ممتازة هي دولة عادية حسب ما رأيته ، فقد كنت أسمعهم في 67 والاستنزاف وهم يتحدثون كانت جولدا مائير تقول أنا رقم 100 وليفي أشكول يقول أنا رقم 99 وموشي ديان يقول معكم 55 وحاييم بارليف 57 وكان قائد الكتيبة الموجودة أمامنا رقمه 10 وقائد ثان الكتيبة 11 ورئيس عمليات الكتيبة 12 وقائد اشارة اللواء أو الكتيبة 14 والمدفعية الهاون كان كودها 5 أو 105 فقد كنت أسمعهم وهم يحدثون بعضهم بالكود المخصص لكل منهم من مطبخ المعلومات الحقيقي أو عند زيارة أحدهم للجبهة فيتم التبليغ عن كود الشخصية القادمة ، فمثلا كان في لسان بورتوفيق يوم السبت يأتي لقوات العدو أتوبيس به بنات ليل من تل أبيب للترفيه وكنا نسمعهم ونسجل كلامهم ، وكان عسكري المؤهلات بعد 67 يسمع الطيار وهو يطير في سرب الفانتوم من بير سبع وهو يقول : سأضرب النقطة كذا التي معناها بورسعيد فينزل إلي الفردان يقوم بالضربة حتي يصل للدفرسوار فتنفذ ذخيرته مثلا في كبريت فيعود ، كنا نعرف كل ذلك مقدما ، فإسرائيل من وجهة نطري شيئا من العمل والتركيز كافيين للتعامل معها فقد كانت مكشوفة لنا تماما كسياسة وتخطيط وقدرة عسكرية اذن هم عاديين و ليسوا العدو الممتاز ولكن المشكلة كانت في الفرص الضائعة ،

كان لدينا فرصتين ضائعتين أول فرصة كانت يوم 4 يونيو وقتها حدث صمت لاسلكي في قيادة المنطقة العسكرية الشمالية في الناصرة وفي المنطقة العسكرية الوسطي في الليد وفي قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في بير سبع للعدو وهذا يعني أن الهجوم علي الثلاث جبهات الذين يتبعوا هذه المناطق العسكرية سيكون في الغد ، وهذا معروف ففي حالة الحرب انت تجهز نفسك لترددات العمليات حتي تكون علي موجة ضرب النار ، فمثلا مركز التصنت التابع لنا في مكتب مخابرات غزة كان قائده العقيد فايق الصادق وهو ليس له علاقة بعملنا وكان رئيس المكتب وقتها الملازم مدحت شاهين وكان معه أفراد تصنت عبري مؤهلين كانوا مساعدين في القوات الجوية يجيدون اللغة العبرية موجودين تحت قيادته هم من يقومون بالتصنت

 

 

 

 

وأنشئوا مركز تصنت علي ترددات القوات الجوية الاسرائيلية أتذكر منهم محمد مطر ، إلتقطوا يوم 4 يونيو الطائرات في مطار بير سبع تصفر في الميكرفونات علي أي تردد ؟ كان علي تردد ضرب النار فالطائرة بها سويتش إذا كان الطيار خارج لمعركة حربية فهو يعمل علي تردد واذا كان خارج للاستطلاع وسيعود فهو يعمل علي تردد آخر ، ويومها لم يتكلم العدو ولم يقل شيئا كالعادة في الميكرفون وإلتقطنا صوت تصفير فقط لأنه كان يضبط أجهزته علي تردد ضرب النار أي علي تردد العمليات للتمهيد للهجوم في الصباح وتم تبليغ هذه المعلومات يوم 4 يونيو ، والاشارة الثانية لم أعرفها إلا من خلال زميل كان موجود مع محمد عقل حيث إلتقطوا وقتها اشارتين الإشارة الأولي في السابعة صباحا يوم 5 يونيو في أم بسيس كان يوجد هناك تصنت وتحديد اتجاه تكتيكي لتحديد موقع العدو فإلتقطوا بالاسلكي قوات إبرار جوي اسرائيلي نزلت من طائرات هليكوبتر خلف خطوط القوات المصرية وتسللوا لبير الجفجافة وقطعوا كابلات الاتصالات لقيادة الجيش المصري ، والاشارة الثانية كانت من شبكة اتصالات لاسلكي في حدود الساعة الثامنة صباحا من قائد لواء مدرع اسرائيلي كان موجود خلف خطوط الجبهة في بير سبع وهو مازال داخل اسرائيل وهو يعطي تعليمات مفتوحة وليست مشفرة إلي قواته بوجوب عبور حدود المصريين بحلول الساعة التاسعة ولكننا أضعنا كل هذه الفرص ، أنا شخصيا كان معي أجهزة تحديد اتجاه وفصيلة بجوار مطار العريش بحوالي 500 متر وكانت هذه الأجهزة محاطة بعدة أرايل عمودية كل أريال منهم طوله 12 متر ، وقد رأيت يوم 4 يونيو طائرات ميج 17 كانت تصعد وتهبط من مطار العريش حتي غروب هذا اليوم ، وفي يوم 5 يونيو أثناء عملي صباحا سمعت صوت طائرات أورجان بدءت في ضرب مطار العريش في الساعة الثامنة و40 دقيقة صباحا ،

لم أنتظر وأشفر وأرسلت رسالة مفتوحة لقيادتي بالمعادي التي تتبع المخابرات الحربية وأبلغتهم أن مطار العريش يتعرض للضرب بطائرات أورجان ، قام العدو بأول ضربة ودار ثم قام بضربة ثانية أصابوا بها الجهاز الرئيسي عندي ،

القيادات بمصر كان فكرها متفاوت ، فالمشير عبدالحكيم عامر انتهت دراسته عند درجة أو تكنيك معين فكان لا يعرف كثير من المعدات الحديثة والمعلومات العسكرية ، فأنا مثلا كنت تخصص استطلاع لاسلكي بمعني أني أقوم بتصنت وتحليل معلومات وتحديد اتجاه فمن الممكن أن يكون المشير لا يعرف أساسا أنه يوجد بالجيش شئ اسمه استطلاع لاسلكي ولا أهميته ! ، والرئيس السادات كان سلاح اشارة ولكن آخر معلوماته عن الاشارة أن يقف علي التبة بالعلم أو يقف ومعه فنار فيضئ بالمورس للمراكب ، بنفس الوقت كان هناك قيادات فذة ومنضبطة 100% مثل محمد فوزي وعبدالمنعم رياض وبعدهم في حرب أكتوبر

كان مهندس الحرب المشير الجمسي علي يدي فقد كنت أراه أثناء وجودي بنبطشيات في ادارة المخابرات الحربية ليلا وهو قادم بقميصه النصف كم ويظهر من بعيد الوشم الموجود علي يده الذي قام والده بعمله له وهو بالمنوفية وكان يسألني عن الأوضاع وماذا يوجد بالنقط القوية ويدون كل ما يعرفه في النوتة الخاصة به ، واستمر في تجميع المعلومات حتي قام وهو رئيس هيئة العمليات بإعطاء كافة التعليمات لحسني مبارك بكل ما يخص الطائرات كحجم الذخيرة الذي ستحمله الطائرة والساعة التي ستطير بها والمكان الذي ستعبر وسترجع منه والهدف الذي ستقوم بضربه ،

فكان الجمسي مثال للقيادات الممتازة أما القيادات الأعلي باتت معلومات أغلبهم قديمة وتوقف العمل بها وكانوا يحتاجون لتحديثها ، وبالنسبة للشاذلي لي عليه مأخذ صغير أنه في 67 قال أنه دخل قليلا لصحراء النقب في اسرائيل وهو ينسحب وهو ما ليس صحيحا كذلك فقد قام بخطأ أنا لم أقم به بالرغم أني كنت ملازم أول وقتها وهو دخوله بقواته ممر متلا فدخل المصيدة أثناء عودته ، وكان معه أفراد من الصاعقة ويستطيع ان يعبر من فوق الجبل ولكنه دخل الممر بينما كان عليه أن يتجنب ذلك ،

في بداية عام 67 توليت فصيلة العريش فقد كان لنا هناك سرية استطلاع لاسلكي تكتيكي داخل العريش عبارة عن أجهزة تصنت وأجهزة تحديد اتجاه محمولة فكنا نفترش الأرض في أي وقت ونقوم بمهام التصنت وتحديد الاتجاه وارسال المعلومات ، كما تواجدت سرية تحديد الاتجاه الاستراتيجي مع سرية الاستطلاع اللاسلكي التكتيكية في سيناء علي الجبهة الاسرائيلية قبل الحشد للحرب ، في البداية كان قائد السرية تيمور طه السعيد ثم انتقل للمخابرات العامة في مايو 67 ، ولكي ينزل القاهرة ليسلم نفسه كان لابد أن يأخذ طائرة من مطار العريش وكانت حالة الطوارئ أعلنت والمفترض عدم وجود طيران بالعريش وكانت هناك طائرات مدنية تابعة لمصر للطيران لازالت تهبط بمطار العريش فسافر في آخر طائرة مغادرة ، وتولي مكانه قيادة السرية النقيب محمد عقل الذي كان عائدا للتو من بعثة في روسيا ،

وعندما أعلنت حالة الطوارئ صدرت الأوامر بأن يفتحوا علي محور أبوعجيلة فذهبوا لهناك واستمريت أنا بالعريش كتحديد اتجاه استراتيجي ، فكان يكمل القاعدة مثلا عندما يتم التقاط اشارة من جهاز لاسلكي معين يقوم مركز التصنت بالحصول علي المحتوي وهو الراديوجرام أي نص الإشارة فيرسل لنا التردد وهو يعمل وتوجد شبكة بيننا فأقوم بإعطائه الاتجاه ويقوم الموقع الثاني والثالث بنفس الشئ ونجمع المعلومات علي الخرائط فنعرف موقع المحطة ،

مع دخولنا مايو 67 بدء التوتر علي الجبهة السورية وعملت اسرائيل مصيدة وأسقطت عدة طائرات ميج سورية حتي يزداد التوتر وأعلنت سوريا وقتها أن عدد الطائرات التي سقطت هم 10 طائرات بينما أعلنت اسرائيل أنهم 14 طائرة وتضامن عبدالناصر مع سوريا ، بدء وقتها النشاط الاسرائيلي يزداد وبدءت المناطق العسكرية الاسرائيلية ترسل حوالي 100 اشارة يوميا ثم أصبحوا 200:300 اشارة خلال مايو إلي أن وصلنا 4 يونيو حدث ما يسمي في عرف اللاسلكيين وأفراد الحرب الالكترونية بالصمت اللاسلكي كان علي جميع الجبهات وهذا يعني التحضير للحرب ليلة المعركة وبلغنا ذلك للقيادة وقتها بطريقة منتظمة كنا نتبعها لتصعيد الخبر ، فكنت أبلغ ادارة الكتيبة أولا ثم يتم ابلاغ فرع الاستطلاع اللاسلكي بادارة المخابرات والذي يبلغ مدير المخابرات ثم المخابرات العامة ثم الرئاسة كان الموضوع متشعب ،

كما كان مركز التصنت الموجود بمكتب مخابرات غزة كما يبلغنا بالمعلومات كان يبلغ قائد مكتب المخابرات والذي يبلغ بدوره ادارة المخابرات الحربية ، و وحدة الاستطلاع التكتيكي التي تركتنا وانتقلت لموقع اخر كما تبلغنا وتبلغ القيادة وادارة المخابرات يبلغ في نفس الوقت قيادة الجبهة في بير الجفجافة بسيناء ،

عندما تفكر فيما كان ممكنا أن يحدث وقتها ولماذا لم يتم الاستفادة من المعلومات التي حصلنا عليها ولماذا لم يكن هناك رد فعل أو منع طيران طائرة المشير فوق سيناء ولماذا لم يحدث تحذير للمطارات لمنع ضربها ولم يتم ابلاغها بأنها ستتعرض لضربة جوية في الغد ؟ ما السبب فيما حدث ؟ ستجد أننا كاستطلاع لاسلكي كان وجودنا مستجد ، وبجوارنا مثلا كل فرقة في الجيش بها سرية استطلاع تقوم بالاستطلاع بنظارة أو بالقوات فتضرب طلقة وتري ما نتيجتها ومن الممكن أن تقوم بعمل دورية أو تشتبك فتحصل علي معلومة ، وقائد الجبهة مثلا فجأة خلال فترة الطوارئ فصيلة أو جماعة استطلاع بسيناء أبلغته أن هناك لواء دبابات ناحية بير سبع أو علي محور أم بسيس أو علي محور أبوعجيلة فقد تكون المعلومة غير صحيحة أو رأي أحدا سيارة جيب فتخيل أنها فصيلة دبابات للعدو بسبب الرمال ، ففي ذلك الوقت تزيد المعلومات ونسبة تأكيدها لا تصل 100% ، ثم فجأة يبلغ سيد محمود ابراهيم بيان معين اذن سيتم الابلاغ بأن سرية استطلاع تقول كذا ثم يدخل تقريره وسط كم هائل من التقارير بعضها يؤخذ به والبعض الآخر لا ،

ثم نأتي للقيادة السياسية تجد من يقول أن لدينا جاسوس قال أن اسرائيل ستضرب يوم 5 يونيو في المخابرات الحربية أو في مكتب الرئاسة أو الأمن الحربي ، أو الملحق العسكري الفلاني يقول كذا واستطلاع المشاة يقول كذا والاستطلاع الجوي يقول كذا ، فأتت وقتها كثير من المعلومات بعضها مختلف وغير محدد أسبقيات ، ومن بيده القرار لا أستطيع القول بأنه مؤهل 100% فلم يأخذ القرار المناسب في الوقت المناسب فهذا تحليلي شخصيا لما حدث يوم 5 يونيو 67 ، كما كان كل ما نفعله هو استعراضات عسكرية ،

كما كانت طبيعة العلاقة بين الرئيس والقيادات التي تحته علاقة ثقة متبادلة بنسبة 100% ثقة لا نهائية ببعضهم وهم يأكدون له أن الجيش تمام وقال المشير للرئيس "برقبتي يا ريس" فعندما آخذ قرار كرئيس في هذه الحالة سآخذه وأنا مطمئن بناء علي كلام هؤلاء المسئولين وعبدالناصر كان رجل سياسي لم يحضر تدريب للجيش إلا بعد 67 ، أما المشير في هذه الفترة لم يكن لديه أي تركيز بالعمل وكثرت الأقاويل حول سلوكياته وعلاقاته النسائية والشخصية ، وكان من استشهد أو خدم جيدا باليمن له حجز سيارة نصر 1100 بسبعمائة جنيه ولكن كان هناك أيضا من يحصلون علي نفس السيارة بالواسطة والمحسوبية ، وعن الناس الذين لا يعرفون بواطن الأمور مثل الاذاعة المصرية فهم يشعرون أن مصر هي الجيش الذي لا يقهر والعرب يشعرون أنهم حتي وإن قصروا فمصر تستطيع أن تمسح اسرائيل من علي الأرض في ثانية ،

وفي يوم 5 يونيو استيقظنا صباحا وسمعت صوت طيران يضرب مطار العريش بطائرات أورجان لونها زيتي ، وكان بجوار المطار سرية مدفعية مضادة للطائرات 85 مللي بدءت تشتبك مع العدو وضربت طائرة من طائراته سقطت علي الأرض وانفجرت ، في الضربة الثانية ضربوا جهاز تحديد الاتجاه الرئيسي فبلغت ما حدث فقالوا لي انتقل لموقع تبادلي وحددوا لي هذا الموقع وكان بين محطة الأبطال والبحر وسط النخيل في المكان الموجود به نادي الضباط الآن ، أصيب بالانفجار عسكري سائق من قوتي بشظية في ظهره كان اسمه السعيد عبده غانم وأرسلته لمستشفي العريش المدني تلقي بها الإسعافات الأولية ثم عاد واستكمل الحرب معنا،

نقلنا للموقع التبادلي و وقتها أتت سيارة من القيادة بها مهمات وقاية و وقود وجهاز احتياطي لي انتقلنا معا للموقع ،

عندما رأيت الهجوم علي العريش يوم 5 يونيو كنت أري أن طائرات الأورجان هذه بطيئة وقولت أن ما يفعله العدو مغامرة وجنون وبدءت أنظر للسماء منتظرا أن أري صواريخ القاهر والظافر والناصر تمر وهي ذاهبة لتدمير اسرائيل حسب الخلفية التي كانت موجودة عند كل المصريين ، لم أستسلم علي الاطلاق وبكل ثانية كان لدي أمل جديد ومتماسك ،

وكان بجواري بين الطريق الأسفلت والبحر المدفعية الساحلية التي تدافع عن العريش وكان زميلي ملازم أول فكري جودة محمد قائد الإشارة بها وكانت اتصالاتهم لازالت تعمل ، وكانوا مقيمين هناك ولديهم مكاتب وتجهيزات وكان معي مرتبات السرية أو الفصيلة التي كان من المفترض أن نقبضها في 1 يونيو فسلمته كشف المرتبات والمرتبات نفسها حتي يضعهم بالخزينة عندهم ، واستمريت بمتابعته يومين كنا علي اتصال مادمنا بجوار بعض وأعرف منه الأخبار قبل أن ينسحبوا في يوم 7 يونيو تقريبا ، مرت الأيام وانسحبنا وبعد شهر وجدته يطلبني من بورسعيد لأذهب إليه وآخذ مرتبات العساكر ،

أما بفصيلتي قمنا بتشغيل مكن مولدات الكهرباء الخاص بأجهزة الاتصال وبدءنا نعاود الاتصال مع قيادتنا ، رتبت العساكر وانتظرنا نحاول أن نعرف الأحداث ولم يكن موجود أي مصدر للمعلومات سوي راديو ترانزستور صغير كان معي كنا نسمع عليه اذاعة صوت العرب ، وسمعت أحمد سعيد وهو يقول هيا يا عرب فلقد أسقطنا 85 طائرة ! وفي طريقنا إلي اسرائيل ونحن لا نعرف أي شئ عن الموقف ، وكان تصوري أن القيادة السياسية والعسكرية قد أصيبوا بصدمة ولم يستوعبوا الموقف فلم يعرفوا ماذا يفعلوا ، زائد أن أفضل قواتنا كانت موجودة باليمن ولم تعد بعد وقواتنا التي ذهبت لسيناء ذهبت علي استعجال وبالجلاليب حتي بدون أي ترتيب واعتمد كل واحد علي الآخر ولم يكن هناك خطوط واضحة للتعامل ،

وكانت الفرقة السابعة مشاة قد وصلت للشيخ زويد في الشمال ، وأعتقد أن هذا الحدث الغير متوقع صاحبه شلل فكري سياسي وعسكري ثم تبادل للإتهامات فكانت القرارات التي أتت بعده كارثية وأري لو لم يتم اتخاذ هذه القرارات لكان الموقف أهون بكثير ،

استمريت في الاستماع للأخبار بالراديو وسمعت صوت طلقات لأول مرة في الساعة الرابعة عصرا يوم 5 يونيو وصوت جنزير يقترب من ناحية غزة علي الطريق الساحلي وقادم إلينا ، ولم يكن معي سوي عربيات لاسلكي وعربية نقل عسكرية عليها مهمات وقاية كاوتش وعدد من براميل البنزين ، لم أكن أعرف ما يدور حولي نظرت فوجدت دبابات زيتي باتون كانوا حوالي 6 دبابات ومعهم حوالي 6:9 عربية نصف جنزير أي سرية ميكانيكا قادمون وهو يطلقون النيران ورأوا العربيات الموجودة عندي فقاموا بضربها ، وكان تسليحي الشخصي هو رشاش بورسعيد بالطبع لن يؤثر فيهم فنزلنا بحفر كان العرب يحفروها للنخل ليزرعوا فيها كانت مثل الخنادق ، ولم تمر نصف دقيقة إلا و وجدت جميع العربيات معي تم ضربها وأصبحت وراءهم ودخلوا العريش ، بعدها عبرت الطريق الأسفلت لزميلي بالمدفعية الساحلية ، دخل المغرب ورأيت طائرتان ميج 21 تطيران فوق العريش تخيلت أنهم طائرات استطلاع أو قد يكونوا اشتبكوا وفجأة بعد دقيقة واحدة وجدتهم تدمروا وقفز منهم الطيارين بالمظلات بدون أن أري أي طائرات اسرائيلية تضربهم ،

وعندما حللت هذا الحدث لم أجد سوي تفسير واحد أن الأسطول السادس بعد أن تحرك شرق المتوسط وأتت سفينة التجسس ليبرتي أمام العريش فقد تكون الطائرتين تم ضربهم من منظومة دفاع جوي لأني لم أسمع صوت طائرات اسرائيلية علي الاطلاق فقد رأيت الطيارين وهو يقفزوا ومستحيل أن يقفزوا بدون أن يتعرضوا لهجوم ، وقد رأيت بالصحراء أثناء رجوعي للقناة يوم 9 أو 10 يونيو اثنين من الطيارين برتبة رائد وهم مغطيان ببطانيتان وعرضت عليهم أن يسيروا معنا ولكنهم رفضوا وقالوا لا نستطيع السير قد يكونوا تكبروا أو شيئا آخر لا أعرف وقال أحدهم "نتأسر أحسن" ، ومع أن فصيلتي كانت حوالي 29 فرد الا أني عدت للقناة بخمسمائة فرد تقريبا ممن انضموا إلينا أثناء الانسحاب ، أما سريتي فقدت منها رقيب اسمه سليمان خليل أصيب بحالة هستيريا مع أول ضربة قبل أن أنتقل للموقع التبادلي وفقد السيطرة علي نفسه وجري ولم أره مرة أخري بعد ذلك ففي وقت الحرب بكل أسف يمكن أن يصاب البعض بحالة رعب وهلع لا ينجو منها سوي من كان متماسك و لديه وعي وثقة بالنفس ،

وصلنا لآخر اليوم بعد أن دخلت سرية العدو إلي العريش ودمرت عرباتنا واستكملت طريقها ، وقتها لم يكن هناك اتصال فلم أبلغ القيادة بما حدث ولازالت المصادر التي أعرف منها الأخبار هي المدفعية الساحلية والراديو ، بيتنا ليلة 5 يونيو وكان معي علب كمبوت كنا نشتريها من سوق غزة فأكلنا منها ، في اليوم التالي يوم 6 يونيو لم يكن هناك جديدا واستمرت قوات جديدة للعدو تتوالي علي العريش بدون وجود لمقاومة وعرفت من المدفعية الساحلية أنه حدث اختراق لجزء من الفرقة السابعة في الشيخ زويد فتسرب العدو مندفعا نحو العريش حتي يحقق هزيمة نفسية بسقوط العريش بيده ، وكانت الفرقة السابعة لازالت ثابتة وكان بها وحدة م.د وسمعنا أن هناك صف ضابط اشتبك مع قوات العدو من خلف الصبار بمدافع م.د واستمر في المقاومة أيام 6 و 7 و8 يونيو واليهود غير قادرين عليه ، وقد أبلغونا يوم 6 يونيو أن اللواء 12 مدرع تحرك من وسط سيناء قادما ليحرر العريش فلا تقلقوا وانتظرنا أن يأتي اللواء ولكن لم يأتي أحد ، واستمر نفس السيناريو يوم 7 يونيو وأصبح الراديو هو مصدر معلوماتنا الوحيد حيث فقدت الاتصال بالمدفعية الساحلية وفهمت بعد ذلك انهم انسحبوا ولم يبلغونا ،

من الراديو بدءت أسمع أن المعارك توقفت علي الجبهة المصرية وصدرت أوامر للجيش بالانسحاب لأرض القناة وتوقف اطلاق النار علي الجبهة المصرية ، وبدء وقتها الأمين العام للأمم المتحدة يطلب من عبدالناصر أن يساهموا في إنقاذ ما تبقي من الجيش المصري الذي لا يزال موجودا بسيناء ورفض عبدالناصر هذا وكان رده علي الأمم المتحدة أن مصر ليس لها جيش في سيناء فالجيش انسحب بالكامل لغرب القناة هذا ما سمعته من الراديو ، بدء الطعام ينفذ منا ويوم 8 يونيو صباحا رسميا أصبح ليس لنا جيش بسيناء والاتصال مقطوع بيني وبين القيادة فقررت الرجوع بالفصيلة لغرب القناة...

 

الانسحاب

 

 

كانت الفصيلة 28 فرد وأصبحنا 27 بعد فقدان الرقيب الذي أصيب بهستيريا و في أول محاولة للإنسحاب أخذت العساكر وقولت لهم سنبدء التحرك بتسليحنا الشخصي المتبقي معنا ، دخلنا شوارع العريش وكانت العريش مدينة صغيرة ليست كالآن وإذا بنا ونحن نعبر من شارع للآخر ظهرت دبابات العدو والعربيات نصف جنزير وقامت بضربنا فقمنا بوثبات سريعة بإتجاه البحر حتي أجد الطريق ، خرجت علي الطريق الأسفلت وكان يبعد عن البحر حوالي 300 متر وبدءت أري جثث عساكر مضروبة علي الشاطئ وبجوارها البندقية الآلية والخوذة ممن كانوا انسحبوا من الشيخ زويد من الفرقة السابعة وكان عددهم كبير فالجثث كانت بطول الشاطئ لأن الفرقة كانت تنسحب عشوائيا وكانت الطائرات الهليكوبتر والدوريات الأرضية للعدو يعرفون موقعهم فقاموا بإبادتهم ، بعد العريش اتجهت يسارا أي غرب العريش من الاتجاه الجنوبي وعبرت الكثبان الرملية التي كانت تسمي الفواخرية تقريبا لا أتذكر بالضبط ، وكانت منطقة الكثبان الرملية هذه تغمر الرمال بها قدمك حتي الركبة تقريبا ، كان يوما عصيبا للغاية ودرجة الحرارة مرتفعة جدا بالنهار وكانت الحركة في منتهي الصعوبة وليلا انخفضت الحرارة كثيرا لدرجة أننا نمنا ملتصقين ببعض من شدة البرودة ، وحتي هذا الوقت لم نكن نصدق أننا انهزمنا ولكن ببالنا أنه حدث انكسار بمنطقتنا فقط وسنأخذ بثأرنا في المرحلة التالية ولم نصاب بالإنهيار أبدا ،

وعندما حل الليل قررت أن نمشي بعد ذلك ليلا وننام نهارا حتي نستطيع أن نواصل السير وأن أحدد طريقي بحيث يكون بعيد عن الطريق الأسفلت والخطر الكائن به من دوريات العدو التي تحصد الأرواح ، في هذا اليوم عندما كنت قريب من الطريق رأيت الدبابات والعربيات نصف جنزير وهي عائدة من الغرب إلي الشرق حيث اسرائيل وبتحليل الموقف يبدو أنه عندما تم إعلان وقف اطلاق النار يوم 7 يونيو علي الجبهة المصرية ترك العدو نقاط قليلة وسحب كل قواته حتي يستكملوا الزحف علي سوريا والجولان والقدس والضفة الغربية ، فقد رأيت كم كبير من المعدات الاسرائيلية التي وصلت قناة السويس وهي تسير علي الطريق الأسفلت من الغرب للشرق بسرعة عالية ، انتهي يوم 8 وفي يوم 9 أو 10 يونيو أثناء سيرنا أكملنا الطريق كنت أسير أنا في الأمام والعساكر خلفي فرأيت حولي أشياء دائرية علي الرمال كانت عبارة عن ألغام وضعها العدو ولم يغطيها بعد فأمرت العساكر بأن يتوقف كل واحد منهم بمكانه لأننا في الطريق لحقل ألغام وعلي كل فرد منهم أن يرجع بهدوء بدون أن ينزعج للمكان الذي أتي منه ، وبالفعل تراجعنا وتجنبناه واستكملنا المشوار ، اليوم التالي كان يوم 10 أو 11 يونيو قضيناه بدون طعام ولا ماء وبدأنا نشرب من غطاء الزمزمية ، وكنا أثناء سيرنا نسمع أحيانا لصوت حركة علي الطريق علي اليمين ونسمع صوت ضرب نار من وقت لآخر ولكن لم نري شيئا ورأينا دبابات مصرية علي بعد النظر تسبقنا في المشي أحيانا وأحيانا نسبقها كانت تنسحب بجوارنا ولم نحاول الذهاب اليها لأني كنت أعتبرها خطر فهي هدف مكشوف للعدو ، وفي اليوم التالي انضم لنا عسكري من سرية ال 85 مللي م.ط التي كانت موجودة بجانب مطار العريش وكان مصابا وأصر علي استكمال الطريق معنا ولكنه لم يصل واستشهد للأسف فإصابته كانت شديدة ، بعدها رأينا عشش بدو مهجورة دخلناها فوجدنا دجاجة وبير ماء به دود يرقات ناموس و وجدنا زلعة فملئناها بالماء و وضعنا عليها عصا وبدءنا بعمل نظام ديموقراطي فكنت أنا وأقدم فرد نحمل الزلعة بالعصا أولا بعدها يتناوب اثنان آخران علي حملها وهكذا وأخذ الجنود تلقائيا الدجاجة وتم شواءها وأخذ كل منا جزء ،

وفي اليوم التالي رأينا الطريق علي مرمي البصر والذي بات يقترب منا شيئا فشيئا وبالطبع استخدمت في هذه الفترة الطبوغرافيا التي تعلمتها في الكلية الحربية ، فلكي أجد الغرب حددت الشمال الحقيقي من مجموعة الدب القطبي والكاسيوبيا والاثنان يدوران حول بعضهما فحددت الغرب ومشينا بإتجاهه ، صحيح أن الطريق كان أحيانا يقترب وأحيانا يبتعد فلم يكن مستوي تماما مع الغرب ولكننا وصلنا بالنهاية ، ثم أبلغني أحد الجنود بوجود عربية مضروبة علي الطريق فقال اثنان من الجنود سنراها فقد يكون بها طعام أو ماء وأول ما ذهبوا واقتربوا من الطريق في ثواني سمعت صوت ضرب نار بعده جاءت دورية وضربت المكان واستشهد بهذه اللحظة عسكري المواصلات وعاد الآخر، استكملنا الطريق وأصبحت الليالي متكررة نمشي ليلا وننام نهارا وسط الحشائش حتي لا يتم اكتشافنا ، وطوال هذه الفترة كنا نري دوريات علي الأسفلت وطائرات تقوم بالإستطلاع ومسح للمنطقة وضرب لأي فرد منسحب ، عبرنا بير العبد أولا وخلال رؤيتنا للدبابة التي تسير بجوارنا والعربية المدمرة كنا نلتقي بأفراد منسحبين بمفردهم فكنا نحن المجموعة المتماسكة الوحيدة خلال الانسحاب ولها قائد يوجهها فكان ينضم لنا من نقابله سواء كان ضابط أقدم أو عسكري شارد من المشاة وغيره ، وأتذكر أننا إلتقينا في الطريق بضابط مشاة برتبة ملازم أعتقد أنه كان يتبع الفرقة السابعة وكان مستسلم للغاية فساعدناه وأقنعناه أن يرجع معنا بصعوبة

وبعد عودتنا بشهر أو شهرين وأنا أسير بشارع قصر النيل وجدت شخص يتقدم ناحيتي وسلم عليا واحتضني كان هذا الضابط الذي كان فاقد الأمل في العودة للقناة وبقليل من الدعم المعنوي استكمل الطريق معنا ، وصلنا رمانة بعد ذلك و وجدنا هناك كثير من النخل فيما يشبه الواحة جلسنا تحته وأخذنا استراحة وبدءنا نشعر بالإقتراب من قناة السويس والصخب الذي يدور بها وقد نقابل اسرائيليين بالطريق ،

ونحن نجلس تحت النخل ومعي عساكر فصيلتي وغيرهم ممن انضموا لنا وقد زاد عددنا نظرت إلي ارتفاع النخل وكان تقريبا حوالي 50 متر وعبرت من فوقنا طائرة سي 130 وتمنيت أن يكون معي وقتها بندقية آلية كان من الممكن أن أضرب بها الطائرة ولكن كنا نحتاج لخارق حارق وذخيرة ، وصلت الطائرة لقناة السويس ويبدو أنها ألقت مواد غذائية وإمداد ومعونة للقوات الاسرائيلية ورجعت علي الفور بعد أن قامت بطيران منخفض وصلت به للقناة وعادت ،

وقتها قررت التخلي عن مظهرنا العسكري كنوع من الاحتياط لأننا قد نقابل اسرائيليين بالطريق فقد اقتربنا كثيرا من قناة السويس ، كان هذا في يوم 14 يونيو تقريبا ، فقمنا بتفكيك الرشاشات القصيرة وفككنا السلاح كما تعلمنا حتي لا يعاد استخدامه فدفنت إبر النار بمكان والمواسير بمكان آخر والخزن بمكان ثالث وباقي جسم السلاح بمكان مختلف ، وتخلينا عن الخوذ والرتب وكنت ارتدي طاقية وليست خوذة وكان الكارنيه لازال معي فدفنتهم واستكملنا المشوار ، بدءنا نستئأنف المشي نهاية اليوم وبدءنا نقترب من الطريق الأسفلت وبدءت أري خنادق علي حرف في بها شهداء من الصاعقة وكانت الجثث منتفخة وكل خندق به جثتين أو ثلاثة بسلاحهم ، اقتربت أكثر من الأسفلت ومشيت عليه لحظة فرأيت جثث دهستها الدبابات ولم يتبقي منها سوي ثلاثة أصابع هم الباقين من الدهس والذين عرفت من خلالهم أنها جثث لبشر ،

لم نكن نتوقف كثيرا لأن الوقوف كان يعرضنا للخطر الشديد وبدءت أري القنطرة وآثار لنقط اسرائيلية موجودة هناك فمشيت يسارا أي جنوب القنطرة واستمرينا في السير حوالي 5 كيلومتر لم أقابل خلالهم أحد حتي وصلنا لشاطئ قناة السويس ، وجدنا عند وصولنا قوارب صغيرة علي القناة أشرنا لهم فبدءوا في نقلنا وعبرنا للناحية الأخري وأعطوا كل واحد منا ساندوتش جبنة وماء فكنا نشرب أولا وكانت المياه تنزل علي البلعوم كالسكينة وكانت تؤلمنا أسناننا عند ضغطها علي الخبز وكانت أنفي مسلوخة وأصبح وزني 40 كيلو ،

 

أخذونا لمعسكر الجلاء فطلبت هناك قائد وحدتي اسماعيل شوقي بالتليفون وأبلغته بوصولنا للمعسكر فأخبرني أنه قال للضابط البحري محمود نديم أن لديه احساس يقول أن محمد الحسيني سيرجع لا يعرف كيف ولكني سأرجع كان هذا الاحساس يراوده منذ أن أبلغناه أننا تعرضنا للضرب بالطيران ، وقد كنا 6 ضباط بسيناء عدت أنا يوم 15 يونيو وعاد مدحت شاهين الذي كان موجودا بغزة يوم 19 كما عاد مترجم عبري يوم 25 عن طريق قارب أخذه من رمانة ، أما أغلب أفراد التصنت من القوات الجوية ساروا من غزة حتي الضفة الغربية وعادوا عن طريق الأردن ، أما الثلاث ضباط الموجودين بأبوعجيلة فقدوا أو استشهدوا أي فقدنا 50% من الضباط حيث عاد ثلاثة ولم يعد ثلاثة ،

 

 

تستطيع أن تقول أن سيناء وقتها كانت فارغة من الجيش الاسرائيلي فقد اعتمدوا أن قيادتنا ابلغت الأمم المتحدة بعدم وجود جيش مصري بسيناء وأنه انسحب بالكامل للقناة فترك العدو نقط قوية فقط للمراقبة واستكمل سيره ، ولم تكن سيناء فارغة منهم وحدها بل اسرائيل ايضا بدليل الأفراد الموجودين في مكتب مخابرات غزة وانسحبوا وفي الغالب ساعدهم ناس من البدو أو من فلسطين و قاموا بتوجيههم من خلال اسرائيل والضفة الغربية إلي أن وصلوا عمان فاسرائيل عندما قامت بتعبئة عامة أصبحت فارغة حتي ان قوات الصاعقة التي دخلت من الأردن ومن النقب تقريبا لم يجدوا أحد عندما دخلوا اسرائيل ،

 

 

عندما وصلت غرب القناة شعرت أن هناك نوع من الاتفاقية الغير معلنة بين نقط المراقبة الاسرائيلية التي وصلت قناة السويس وأساسا لم يكن لهم قوات بسيناء وبين القوات المصرية وهيئة قناة السويس بأن يظل كل طرف بحاله حتي يعبر أكبر عدد من الشاردين ، وفي هذه الفترة كنت أسمع راديو اسرائيل وهو يذيع أغنية شادية "قولوا لعين الشمس ما تحماش لاحسن حبيب القلب صابح ماشي" كانوا يذيعوها للجيش المصري وهو راجع ماشي نوع من السخرية ، وبلا شك نستطيع أن نقول من خلال المشاهد التي رأيتها أنه تم اغتيال متعمد لأغلب عناصر الجيش المصري المنسحبة والشاردة فلم يترك العدو أحدا ولا شيئا لا الخوذة ولا السلاح حتي زمزمية المياه كانوا يجمعوها من الجثث ، ولم يهمهم أن يأخذوا أسري فليس لديهم مكان للأسري ولم يتركوا أي شخص مهم علي قيد الحياة ، فأنا شخصيا فعلت ما فعلته برمانة من التخلي عن المظهر العسكري لأني من الاستطلاع وتابع للمخابرات فلو كانوا وجدوني كان من المستحيل أن يأسروني بل سيقوموا بتصفيتي في الحال أنا وجنودي حتي لا نعود مرة أخري فنحن كنا علي مستوي تكنولوجي يعتبر متقدم من الصعب تعويضه بالجيش ،

بعد أن بلغت اسماعيل شوقي بوجودنا في معسكر الجلاء أخذنا القطار الحربي من المعسكر حتي القاهرة وأتذكر أننا لم نستطع الجلوس لأن أعصاب قدمنا كانت مشدودة ولو جلسنا كنا نشعر بالألم بكل جسدنا فنمنا أسفل الدكك حتي يكون جسمنا مستقيم ، وصلنا القاهرة ولم يكن معي لبس وقد تقطع الأفرول وأصبح غير صالحا للاستخدام وكانت ملابسي العسكرية موجودة بالدولاب الصغير الصاج بخيمتي بجوار مطار العريش الذي انسحبت منه وكانت ساعتي وكل أشيائي الشخصية والفورمة موجودين هناك ، وكنا قبل الحرب ننزل اجازات بهذا القطار الحربي من العريش ثم يكمل القطار لغزة وأتذكر في آخر اجازة قبل الحرب أن تيمور طه السعيد الذي انتقل قبل الحرب لمخابرات الخدمة الخاصة قال أن مدحت شاهين عائد من أجازة وذاهب لمكتب مخابرات غزة فأرسلوا له من قابله في محطة الأبطال وأنزله من القطار قضي اليوم معنا وبعدها ذهب إلي غزة بالسيارة لظروف الحرب ، فكنا نستخدم القطار في الظروف العادية للانتقال بين العريش وغزة وأتذكر يومها كانت تجلس أمام مدحت علي الكرسي المقابل بالقطار موظفة التي تبيع تذاكر مصر للطيران بمكتب غزة ،

لم أكن أعتبر من الشاردين فقد عدنا فصيلة كاملة ماعدا اثنان وأعتبر أنني غادرت موقعي للانتقال لموقع آخر لاستكمال عملي في المعادي بالقاهرة ، لم يتحدث أي أحد معنا طوال الطريق للقاهرة أما الشاردون كان لهم نظام آخر وقد يستوقفوهم ويسئلوهم بعض الأسئلة فقد كان لهم نظام مختلف في التعامل ويتم توزيعهم بشكل مختلف أيضا ، وصلنا القاهرة وطمأنت القائد وسلمته العساكر وأرسلوا عربيات لتأخذهم لمحطة مصر ليذهب كل إلي بيته ثم نزلت المنصورة ورأيت اهلي واطمئنوا علي ولم يصدقوا أني لازلت علي قيد الحياة وكانت جدتي في عزبة البنا في الشرقية وهي عزبة ملك جدي وجدتي و كان لدينا عبيد وأعتقناهم وعندما تأخرت بالجيش أرسلت جدتي إلي شيخ حتي تسأله عني فقال لها سيعود اطمئنوا وهو كان يقول نفس الكلام لكل من يسأله عن أحد بالجيش سواء من عادوا ومن لم يعودوا ،

وقد كنت جاد جدا وأنا ملازم ولم يكن لي أي نوع من الأنشطة الاجتماعية البارزة بسبب عشقي لعملي بالاستطلاع اللاسلكي وكسر الشفرة وتحليل المعلومات فكنت أقضي به كل وقتي ، عندما عدت لمنزلي كنت بنفس الملابس البالية ففتحت دولابي لأبحث عن لبس عسكري أرتديه فوجدت بدلة الفسحة الخاصة بالكلية الحربية فأخذتها معي وذهبت إلي وحدتي والتي صار موقعها مكان الكلية الأمريكية بالمعادي بعد أن صادرناها وأنشأنا هناك مركز تصنت وأصبح مكان الوحدة الجديد فوق هضبة بجوار أساسات المشاة عند القمر الصناعي وتم وضع اللاسلكي والأرايل هناك ، وصلت الوحدة ومعي بدلة الفسحة والقميص الكاكي ولا أتذكر لماذا لم أكن أرتدي الجاكيت واتطلعت إلي الخريطة وبدءنا العمل علي القوات الاسرائيلية الموجودة شرق القناة ،

كان الوضع بعد النكسة صعبا و لم نكن نستطيع النزول للشارع كان الشعب ينظر إلينا كمتهمين بالرغم من أن الكثير قاموا بأعمال بطولية مثل المدفعية الساحلية استمر جندي منها في ضرب العدو بال م.د من وراء الصبار في الشيخ زويد لعدة أيام والبطل الذي أسقط طائرة اسرائيلية في مطار العريش وغيرهم كثيرون...


 

نبذه عن نشأة الاستطلاع اللاسلكي

 

بدءنا في إنشاء الكتيبة في 1963/5/25 في معسكرات الحلمية بجوار منزل المشير عبدالحكيم عامر وكان اسمها الكتيبة 619 استطلاع لاسلكي وكانت تابعة لإدارة المخابرات الحربية وهي أول كتيبة تعمل في الاستطلاع اللاسلكي ، كان مدير المخابرات في هذا الوقت اللواء مختار ثابت وكان نائب مدير المخابرات العميد عماد محرز الذي أصبح مدير المخابرات بعد ذلك ، وكان رئيس فرع الاستطلاع اللاسلكي العقيد بيومي والي وقائد كتيبة الاستطلاع الاسلكي هو الرائد اسماعيل شوقي ، والرائد شوقي كان سلاح اشارة وحضر حرب 56 وكان مدرس في الكلية الحربية وكانت عائلته مقيمة في الاسكندرية وأول ما أنشئت الكتيبة أصبح محل سكنه في مصر الجديدة بدون عائلته ليتابع عمل الكتيبة التي كان موجودا بها 24 ساعة و صارت هي كل حياته الخاصة والعامة وتمثل كل التزاماته ، كان يعمل بها ليلا ونهارا وبعدها سافر وأخذ بعثات في الخارج وكان كل أمله أن تكبر الكتيبة وتزيد امكانياتها ، وبعد الحرب تم ضم الاستطلاع اللاسلكي ممثل في الكتيبة 619 والاعاقة والشوشرة الذي بدء بالكتيبة 623 التي كانت موجودة في معسكرات العباسية ولسوء حظهم في فترة الانشاء احترقت المعدات فتأخر انشاء الكتيبة بعض الوقت وعندما أنشئت وحدات اعاقة وشوشرة انضموا مع الاستطلاع اللاسلكي وتم انشاء سلاح الحرب الالكترونية ، وأصبح اسماعيل شوقي قائد الحرب الالكترونية وتولي بعده اللواء نبيل سعيد كراوية والذي كان موجودا وقت انشاء الكتيبة في فرع الاستطلاع اللاسلكي داخل إدارة المخابرات برتبة نقيب وكان معه بالفرع رائد أقدم منه وهو الرائد عبدالرءوف رضا كانوا موجودين بالفرع داخل الإدارة زائد الكتيبة ،

خلال الفترة من مايو 63 حتي مايو 65 في الحلمية تم استكمال تشكيل الكتيبة بالأفراد والمعدات ، وتم التدريب علي معدات التصنت ومعدات تحديد الاتجاه أو أجهزة التصنت وأجهذة التصنت هذه كانت تقوم بدورها علي كافة الترددات علي نطاق اللاسلكي ، وأول ما يبدء التردد كان هناك موجات طويلة وقصيرة ومتوسطة تدخل في التردد العالي والعالي جدا وفوق العالي جدا وهو نطاق الاستخبارات الجوية فكانت تغطي كافة القطاعات ، وكانت عبارة عن أجهزة بحث تمسح النطاق بالكامل حتي تجد محطة تقوم بالإذاعة فتبدء بالتصنت عليها وتحديد موقعها ، وكنا نبحث عن الترددات يدويا وكان هناك أفراد تميزت مجهوداتها بهذا الاتجاه أتذكر منهم عريف سيد مبروك قوات برية كان من الممتازين ، ورقيب قوات جوية حسن رزق الذي كان يحب عمله كثيرا فكان يحققه بإجادة عالية ،

من كان يعمل علي الجبهة التكتيكية وهي الجبهة الاسرائيلية كان لابد من اجادته للغة العبرية والكتيبة كان بها قسم تدريب موجود به مدرسين لتعليم العبرية ومدرسين لتعليم المورس والمورس قد يكون مورس عربي أوانجليزي أوعبري أيضا فأنا أتذكر المناطق العسكرية الاسرائيلية كانوا يعملوا بالمورس وكنا نتابعهم بصفة مستمرة ونحدد أماكنهم ، وعندما كانوا يرسلون شفرة لا نستطيع فكها كنا نكتفي بتسجيل حجم النشاط وتوقع الاشارات المرسلة للأماكن التابعة له ، وبالنسبة للتدريب كان يدرس عبري أساتذة من خريجين كليات اللغات الشرقية فكان يدرس عبري عندنا الأستاذ شوقي وأنور خليل وابراهيم المراس ، وبالنسبة للمورس كان هناك متخصصين يقوموا بتعليمه وكان يعتمد علي السرعات والفرد المدرب الذي سيعمل بالتصنت كان لابد أن يمتلك ميزة السرعة العالية في الاستقبال ويكون استقباله صحيحا ، وكنا نعتمد علي أجهزة تصنت أو أجهزة استقبال لاسلكي في مجالات متعددة كما كنا نملك أجهزة متخصصة في البحث عن المحطات وأجهزة متخصصة لمتابعة المحطة بالنسبة للإستقبال والتقاط الاشارات بالإضافة لأجهزة تحديد الاتجاه وهذه الأجهزة كانت لابد أن تنتشر جغرافيا علي قاعدة واسعة حتي تغطي الاتجاهات المختلفة وتجمعها ،

كانت الكتيبة عبارة عن سرية تصنت استراتيجي أي أنها تعمل علي موجات عالية وتخدمها أجهزة تحديد اتجاه ، وفي الخارج توجد فصائل أول فصيلة منهم كانت بمرسي مطروح كما كان هناك 3 فصائل في العريش والغردقة والقاهرة ، وعندما سقطت محطة العريش استبدلناها بأقرب مكان في الشمال بالاسكندرية سنة 68 وهناك عملت في البداية بمطار النزهة ثم انتقلنا لمنطقة العامرية ،

 

 

 

وبالنسبة لجهاز تحديد الاتجاه لابد أن يكون بمكان مفتوح ومسطح كملعب الكرة حتي لا يحدث انعكاس للموجات أكثر من اللازم فتصل إلينا في شكل خط مستقيم ، وكانت الكتيبة في فترة الانشاء بها سرية تصنت والورش ومعدات تحديد الاتجاه وأجهزة الشحن وتوليد الكهرباء وأجهزة التصنت منها استراتيجي يعمل علي ترددات اتش اف وفي اتش اف و يو اتش اف ، أما أجهزة تحديد الاتجاه منها استراتيجي علي اتش اف وهي القاعدة الواسعة ، كما كان هناك سرية استطلاع لاسلكي تكتيكي والتي من المفترض أن تقترب من الحدود كثيرا وكلها كانت تعمل علي في اتش اف و يو اتش اف والتي كان مركزها العريش في البداية عند بدء عملها في سنة 66 وكانت بقيادة ملازم اول تيمور طه السعيد ومع اعلان حالة الطوارئ في مايو 67 فتحت الأجهزة أمام القطاع الأوسط في أبو عجيلة وبالتحديد في تارة أم بسيس الأمامية والخلفية وأنشئت قاعدة تحديد اتجاه وتصنت هناك وكانت تعمل علي ترددات في اتش اف وكانت اول سرية استطلاع لاسلكي تكتيكي تذهب لسيناء ، وكان يوجد مراكز تصنت مختلفة كالمركز الموجود في مكتب مخابرات غزة وكان يعتبر مركز تكتيكي ، أما علي المستوي الاستراتيجي كان المركز يتصنت علي الأشياء بعيدة المدي و يكون مركز التصنت في قيادة الكتيبة والتي أصبحت قيادة الفوج فيما بعد عندما تحولت الكتيبة إلي فوج بعد أن أصبحت كل الفصائل سرايا وأصبحت كل السرايا كتائب وقتها أصبحت الكتيبة فوج ، وفي هذا الوقت عندما كان اسم السلاح استطلاع لاسلكي كانت الكتيبة 619 تسمي الفوج 11 استطلاع وكان مركز التصنت التابع له موجود في الكلية الأمريكية في المعادي بعدها أخذنا مكان في الهضبة الموجودة عند أساسات المشاة عند قمر صناعي المعادي ،

وتولي سرية التصنت في فترة الانشاء نقيب أحمد الخطيب وأول وحدات تحديد اتجاه استراتيجي فتحت في مرسي مطروح بقيادتي والثانية كانت في العريش بقيادة ملازم سيد محمود ابراهيم وهو دفعتي والذي استشهد في 67 والثالث في الغردقة بقيادة اللواء عادل عثمان الدفعة 44 ، واستطعنا رصد النشاط المعادي وتحليل الاشارات الملتقطة سواء كانت كلام مفتوح أو مورس أو تيلي برنتر التي كانت تشبه ماكينة التليغراف وكنا نعد تقرير يومي ونبلغه لفرع الاستطلاع اللاسلكي بإدارة المخابرات الحربية ،

وفي 67 تم تدمير جميع أجهزتنا في العربات التي ضربها الطيران حيث وجدها فاروق الأنصاري محترقة وقد أسعدني هذا فقد توقعت أنهم سينقلوا العربية وهي مدمرة بسبب شكلها الهام ولكن عندما ذهب فاروق إلي سيناء بعد ما انسحبت اسرائيل الانسحاب الثاني للعريش وصل اللواء الأنصاري إلي الموقع و وجد كل شئ موجود كما هو بمكانه محترق ومضروب ، فعندما لم يستطيعوا الاستفادة منها أو لم يعرفوا نوعية المعدات تركوها ولو أني أعتقد أنهم قد يتوصلوا لمعلومات عن المعدات عن طريق يهود روس يعملون في الجيش الروسي فهذه شكوك قائمة ،

وبالنسبة للجهاز كان جهاز استقبال عاديا وأجهزة تحديد الاتجاه تستخدم في الأساس في أبراج المراقبة الخاصة بالمطارات صحيح أنها بالنسبة لنا كانت تعتبر أجهزة سرية لأنها بهذه السرية كانت تعطي نطاقات وحساسية أفضل ، ودليل أيضا علي عدم اكتشافهم أنهم أعطونا الأمان تماما طوال حرب الاستنزاف لدرجة أننا عرفنا أماكن محطاتهم وفككنا أكوادهم وجزء من الشفرة وطابقنا مع الخرائط الموجودة و أضافت لنا الخرائط كثير من المعلومات التي لم نكن نعرفها وكان التعامل جيد جدا والاستنتاجات صحيحة حتي عندما كنا نرصد شيئا بعيدا عن مدي البصر أو استطلاع الجيش الثاني والثالث مثلما رصدنا جبل أم خشيب ومركز القيادة في أم مرجم وقيادة جبهتهم الشمالية أمام سوريا في منطقة تسمي جبل الشيخ وكان رمزه 34 لازلت أتذكره لليوم وكنا نسمعهم ،

وعندما كان يتسلل أفراد من ك9 لاستطلاع مؤخرة العدو وهم يلبسون الزي البدوي كانت أحد المهام التي نطلبها منهم عن طريق إدارة المخابرات أن يتأكدوا لنا من أشياء معينة موجودة هناك ، فكان في تنسيق كبير بين وسائل الاستطلاع المختلفة بيننا وبين ك9 وبين مجموعة الشهيد ابراهيم الرفاعي ،

بالنسبة للتدريب ونحن بالحلمية كنا نتدرب علي التصنت تدريب مورس وعلي اللغة العبرية وكنا نتلقي معلومات عن تنظيمات الجيوش العادية وكان موجود معنا خبراء روس وكان اسم الخبير التكتيكي العقيد لوجوشي والخبير الفني بدرجة مقدم و اسمه سكالوف وأعتقد أن خبرتهم كانت من الحرب العالمية الثانية ، ونستطيع أن نقول أن الروس كانوا أمناء في توصيل المعلومات لنا بدليل أنهم قاموا بتدريب للقوات البحرية عبارة عن محاكاة من جديد لدخول الاسطول الانجليزي والفرنسي لبورسعيد في حرب 56 فقد كانوا مراقبين لهذه الحرب علينا وموجود ذلك بالملفات عندهم وكان هذا أحد وسائل التدريب الذي تلقاه زميلنا الضابط البحري محمود نديم ، وأي أسئلة كنا نسألها لهم فنية أو تكتيكية كانوا يجيبونا عليها وكانوا يؤكدوا نفس تقاريرنا واحتمالات الخطأ فيها والافتراضات ، وكانوا يأتوا لنا ببعض المعلومات الملتقطة من الجبهة السورية التي تعزز معلوماتنا لأنه بنفس الوقت كان هناك روس بسوريا ، أما بالنسبة لإمدادك بجهاز تصنت يستخدمه حاليا قد يكون لم يفعل هذا للدواعي الأمنية واحتمال وقوعه خلال العمليات بيد الجانب الاخر كما حدث برادار الزعفرانة الذي أخذه العدو وكان يعتبر رادار متقدم إلي حد ما وقد حزن الروس جدا عند وقوعه بأيدي الاسرائيليين ، بالإضافة إلي أن الأجهزة كان أغلبها لم يصل حتي لجيل الترانزستور كانت بين اللمبات والترانزستور أي أنها كانت الأجهزة المستخدمة في الأربعينات والخمسينات ،

وبلا شك كان عندهم جيل أحدث ويجوز قد اقتصر استخدامه علي جيش الاتحاد السوفيتي وحتي لم يكن يعطيه للحلفاء المقربين وكان يعامل مصر مثلما يعامل كوبا أو أي دولة يعتبرها من الحلفاء ،

وكنا بهذه الفترة نستكشف الجمهورية لتحديد أفضل أماكن تصلح كمواقع تصنت ومواقع تحديد اتجاه لبدء التشغيل الميداني ، واستطلعنا الأماكن بالنسبة لي استطلعت مرسي مطروح واختارنا المكان وحددناه وفي سنة 65 بدءنا العمل كتصنت وتحديد اتجاه استراتيجي الذي يعمل علي المدي البعيد علي حيز ترددات اتش في اف ، بدءنا العمل الفعلي في مايو 65 في مركز تصنت بالحلمية في قيادة الكتيبة للتصنت علي الأنشطة في البحر الأحمر والبحر المتوسط والمناطق القريبة من منطقتنا والأسطول السادس الأمريكي والأسطول الانجليزي والقواعد الانجليزية الموجودة في ليبيا ومالطا بالإضافة إلي ما يخص اسرائيل ، كمراكز قيادة المناطق الاسرائيلية الشمالية والوسطي والجنوبية وقواعد حيفا وايلات كنا نتابع الوحدات البحرية التي تدخل وتخرج منهم ، وكانت أغلب الأنشطة عندهم تتم بمراكب وحتي عندما كانوا يستخدموا مراكب مدنية لها نشاط عسكري كانت تحمل أعلام غير اسرائيلية وغالبا ما كانت تحمل علم بنما ،

 

 

من الأفراد الذين تواجدوا بفترة الإنشاء الملازم تيمور طه السعيد الدفعة 43 حربية وبعدها انتقل للمخابرات العامة وأنشأ نفس قسم التصنت وتحديد الاتجاه بالمخابرات العامة ، ومن أوائل العاملين بمركز التصنت نقيب طيار أحمد عبيد وكان طيار مقاتل ومختص بالعمل علي أنشطة القوات الجوية وكان الملازم اول بحري محمود نديم يعمل علي الأنشطة البحرية ،

والاستطلاع اللاسلكي لا يقوم علي الأجهزة فقط ولكن يقوم علي الفرد والأجهزة معا ، فمن الممكن أن يكون الجهاز جيد ولكن الفرد لا يجيد استخدامه وقتها لن نصل لنجاح لذلك لابد وأن يكون الاثنان منظومة واحدة ، والمختص الذي يعمل علي الجهاز لابد أن يشعر ويتخيل الفرد الموجود أمامه علي الناحية الأخري ، لابد أن يميز الصوت ومعدل الاشارة وصوت الجهاز هل هو سليم أم به عطل أم أن هناك شيئا مختلف وهل العمل نمطي أم غير نمطي واذا استخدم فجأة نظم التشفير "سيمون" ، فإذا لم يملك الفرد خلفية فنية لن يستطيع أن يعرف أن تردد لاسلكي معين به نقطة ضعف وهكذا ، وقد تدربت في روسيا علي الاستطلاع الفني أو البانوراما أو بصمة الأجهزة اللاسلكية ، ولم أكن أنا من يعمل علي الجهاز ولكن لكي أحلل المعلومة بشكل صحيح كان لابد من أن أجلس بجوار العسكري الذي يقوم بالتصنت وأسأله عدة أسئلة أستطيع من خلالها أن أصل لإتخاذ القرار السليم في تحليل المعلومات ومثال لهذه الأسئلة هل الموجود علي الجهاز في الجهة الأخري بإسرائيل سمع صوته قبل ذلك أم لا كما أسأله عن رأيه عن الجهاز الذي يسمعه هل موجود في طائرة أم دبابة أم في موقع أرضي ، وما هو صدي الصوت الذي يسمعه حول الجهاز وأحيانا كنت أسمع معه بدليل أنني سمعت بنفسي اتصالات وزارة الداخلية ومديريات الأمن وكثيرا ما كنت أحب أن ألعب دور عساكر البحث عندما أجد عدد القنوات قليل كنت أجلس علي جهاز التصنت وأقوم بالبحث ، وكانت الاتصالات التي نسمعها مسجلة فكان بجوار كل جهاز استقبال جهاز تسجيل وعندما أتت لنا اجهزة التسجيل هذه كنا نسمع مورس و تيلي برنتر يتم ارسالهم بسرعات عالية جدا وجهاز التسجيل الذي كنا نستخدمه كان به 7 سرعات فكنا نسجل بالسرعة العادية واذا كان هناك شيئا لم أسمعه جيدا كنت أخفض السرعة حتي أسمع بشكل أفضل ، فلم يكن أجهزة التسجيل وقتها كالأجهزة الموجودة الآن بل كان عبارة عن 7 سرعات ثابتة في حالة وجود اشارة لا تسمعها جيدا تقوم بتخفيض السرعة تدريجيا فتسمع بشكل صحيح ولكن أساسا كان تخفيض السرعة بالنسبة لإرسال المورس والتيلي برنتر بالسرعة العالية ، وهناك شيئا آخر فمن ضمن ما درسته بالبعثة التاريخ العسكري وكنا ندرس به حالات استطلاع لاسلكي حدثت في الحرب العالمية أو في فترة الحرب الباردة ، وما عرفته أن الغواصات النووية الأمريكية أو الروسية تعمل بمفاعل ذري أي أنها تملك طاقة و وقود تجعلها تستطيع البقاء تحت الماء وتحت جليد القطب الشمالي أو الجنوبي من 6 أشهر إلي سنة ، ومواقع هذه الغواصات سرية وممنوع أن يعرفها أحدا فكيف تتصل الغواصة ؟ تجهز الغواصة الاشارة اللاسلكية المراد إرسالها ثم تكتبها وتسجلها ثم تقوم بزيادة سرعتها وتقترب من سطح الماء بحيث أن الاشارة التي تحتاج نصف ساعة للارسال يتم ارسالها في ثانيتين وهي مضغوطة من خلال القمر الصناعي حتي لا يتمكن أحد من تتبعها أو تحديد مكانها ، اذن الاشارات اللاسلكية يمكن ضغطها وتشفيرها وارسالها سريعا ويمكن ارسالها علي أكثر من تردد فممكن أن تقول اشارة أولها في موجة ومنتصفها في موجة أخري وآخرها في موجة مختلفة ،

أما عن الوعي الأمني في الجيش المصري بالكامل فقد كان كبيرا ، وكان هناك دائما تعليمات أمن حربي وكان مكتوبا علي جدران كل وحدة "الحيطان ليها ودان" فاحذر كذا وكذا ، وبلا شك وأنا رجل تابع للمخابرات كنت أعلم يقينا أنه في حالة الوقوع في الأسر أني لن أعود ولو بعد مائة سنة فالشخص المهم لا يعود أبدا وسوف يتم تصفيتي بنسبة 1000% كما يصفي العدو كل من هو ذو قيمة ،

فكان كل ما نملكه هو الحذر قدر المستطاع ومحاولة عدم الوقوع في الأسر وبذل أقصي مجهود لآخر مرحلة ، ولذلك طوال أيام الانسحاب من 8:15 يونيو 67 لم أحاول الاقتراب من الطريق الأسفلت العريش - القنطرة المتواجد عليه دوريات العدو ، ومن حسن الحظ رغم الظروف الصعبة كان لدينا روح معنوية عالية وتماسك قوي جدا ويكفيني بهذا الوقت وأنا ملازم أول أن عساكري واثقين بي تماما وينفذون كل التعليمات ، ومن قوة تمسكنا كان الشاردين عندما يقابلونا ينضمون إلينا وينسحبوا معنا والحمد لله وفقنا في العودة وهذا دليل علي وجود تواصل اجتماعي بيننا وانضباط عسكري فأغلب الضباط والعساكر المنسحبين كانوا عائدين منفردين علي عكس فصيلتي عدنا سويا وأعتقد أننا القوة الوحيدة التي عادت يوم 15 يونيو وهي متماسكة وعبرت قناة السويس بكامل قوتها ، صحيح كان هناك معاناة وألم ولكن كان هناك انضباط وعندما أعطي أمر غير منطقي لعسكري وينفذه هذا بحد ذاته كان يعطينا دفعة قوية لاستكمال الطريق ، كما أفادتني الطبوغرافيا كثيرا بهذه الفترة في الوصول إلي الاتجاه السليم ، كنا نستمع لكثير من كلام العدو منها أشياء في اطار الاتصال العسكري وأشياء خارج العسكرية مثل اتصالهم بمنازلهم وضحكهم مع بعض ولكن لم أقوم بأي تدخل ايجابي بهذه الاتصالات فأساسا لم يكن عندي أجهزة ارسال تعمل علي الشبكات التي أستخدمها ، وكانت كل اتصالاتي مؤمنة بخطوط اتصالات أرضية خاصة وجهاز لاسلكي احتياطي أستخدمه في حالة الطوارئ أو عند انقطاع الاتصال بيني وبين قيادة وحدتي وقد يحدث أن وحدة عسكرية مصرية وهي تعمل أثناء التدريب أو الاتصالات أو العمليات فتجد تردد مشابه اسرائيلي أو يجد يهود معه علي نفس التردد ومن الممكن أنه كان يتدخل ولكن كان هذا بعيد عن نشاطي ،

ما كنت أسمعه ويلفت نظري علي جهاز التصنت بعض الأشياء السلبية التي كانت تحدث عندنا كحدوث أخطاء في الاتصال في بعض وحدات الجيش أو أن أحدا يتحدث وأنا أتخيل من خلال كلامه أن اليهود يتصنتوا عليه ويحصلوا علي معلومات أو الأخطر وهو اتصالات وزارة الداخلية المصرية كإتصالات مديريات الأمن وكنت أسمعها وتستطيع أن تخمن من خلالها كثيرا مما يحدث في البلد حتي لو كانت مظاهرة أو ارسال قوات لأي مهمة شرطية كنت أسمعها وأسمع مديريات الأمن وهي تبلغ الأخبار ، وكنت بكثير من الأوقات أسمع إذاعة اسرائيل وهم يذيعوا خبر مدلوله يقول أنهم عرفوا شيئا غالبا من الاتصالات اللاسلكية التي كانت تقوم بها مديريات الأمن داخل مصر ، وكنت أبلغ ما أعرفه أما الخطوة الثانية من المفترض أن تتم علي المستوي السياسي أو علي مستوي مؤسسات أخري في الدولة وليست مسئوليتي ،

 

 

ومن الأشياء الغريبة التي عرفتها عنهم مثلا وحدات المشاة و وحدات المدرعات لهم تردد 38.4 أو 38.5 كانت الوحدات الاسرائيلية تتعرف علي بعضها من خلاله حتي لا يضربوا ببعضهم بالخطأ وأنا أتحدث هنا عن بعض الترددات التي كانت تستخدمها اسرائيل عند الطوارئ فكان لديهم تردد ثابت وهو 38.5 أو 38.4 فتأتي دبابة وهي تري دبابة أخري علي بعد منها وهو لا يعرف هل الدبابة التي أمامه اسرائيلية أم مصرية فيكلم زميله علي التردد الثابت ويقول له أنا فلان هل أنت الموجود في مكان كذا ؟ فيجيبه بنعم أو لا فكانوا يستخدموا هذه الطريقة للتمييز بين الهدف الصديق والهدف المعادي ، وبالنسبة للقوات الجوية كان هناك ترددات معينة للطائرة التي تخرج للاستطلاع وهي لا تحمل أي ذخيرة إذن هو خارج لتصوير الجبهة ، وهناك تردد آخر اذا استخدمه اذن هو يحمل ذخيرة وخارج لمهمة قتالية وأعتقد أن تردد الاستطلاع كان 139 ميجا سيكل حسب ما أتذكر ولكن الأهم هو المضمون

، وكنا متابعين لاتصالات النقط القوية بالكامل 24 ساعة ، ومن الأشياء التي لاحظتها عندما كان يأخذ أوامر بضرب النار أو الاشتباك كان يقول كود واحد اسمه ناجش بمعني ارفع الغطاء من علي المدافع واضرب وبعدها كان يضرب بخمسة دقائق علي الأكثر ، وكان هناك اشارات يبلغ فيها ما يراه يحدث أمامه في قناة السويس فيما يخص المصريين وماذا يحدث مع قوات الطوارئ الدولية التي كانت موجودة علي القناة وكانوا يتعاونوا معهم في أغلب الأحوال أو كانوا بيحتموا بهذه النقط الموجودة ، كما كنا نتابع شبكة النقط القوية الخاصة بالمشاة وكنا نتابع شبكة المدفعية والدبابات اذا جاءت من عمق سيناء لمهمة معينة ،

ونتابع أيضا المدفعية الاحتياطي في حالة ما اذا دفعها للأمام استعدادا للضرب مثلما ضرب الزيتية في السويس في أحد المرات كرد علي اغراق المدمرة ايلات والمدمرة الاخري يافو 

 

وتابعنا الترددات التي تعمل عليها الدوريات المكونة من عربيات مدرعة ودبابات وكانت تغطي المسافات بين النقط القوية ، وكان مع نفس الدورية علي التردد الطائرة البيبركاب - كانت تعمل علي نفس التردد ، وأيضا مع وحدات المدفعية كانت تأتي الهليكوبتر وتدخل علي نفس التردد ، وهناك بعض العمليات التي تابعتها مع أني لم أشارك بها كيوم اشتباك الجزيرة الخضراء وقتها كنت أتولي تحليل المعلومات في القاهرة و لم أكن موجودا بالسويس ولكننا جمعنا اشارات التصنت وتابعت تقارير الموضوع مع المخابرات ،

وبالنسبة للعمليات الناجحة للعدو كانت بعض العمليات مثل عملية رادار الزعفرانة كان ينفذها بوحدات ليست من وحدات القوات الاسرائيلية الموجودة علي قناة السويس بل كانت عمليات تم التجهيز لها من عمق اسرائيل كمهمة خاصة وهذه العمليات للأسف الشديد لم نرصدها لم يكن عندنا ترددها أو استخدم التردد لفترة بسيطة أو تعمد عمل صمت لاسلكي ، وكان ببعض الأوقات يستخدم تردد جديد لينفذ عملية ناجحة ولكن بلا شك كل النقط القوية في خط بارليف والمدي التكتيكي للقوات الاسرائيلية علي جبهة سيناء بنسبة أكبر من 90% كنا متابعين أول بأول لكل ما يدور هناك من بداية استخدامه الجهاز اللاسلكي وكنا نعرف من يتحدث وماذا يعني كلامه وما المتوقع أن يحدث ، ولكن بعض العمليات الخاصة التي قاموا بها مثل ضرب العمق ومدرسة بحر البقر ومصنع أبوزعبل ونجع حمادي لم يتم رصد من جهتنا لها وتعتبر هذه مهام مسبقة وأغلب الظن عندما كان يدخل في العمق كان يستعد لأسوأ الاحتمالات ويطير علي ارتفاع منخفض حتي ينفذ العملية ، وفي نفس الوقت قمنا نحن بكثير من العمليات الناجحة جدا ولم يمر يوم من أيام حرب الاستنزاف إلا وكانت لنا قوات بسيناء سواء كانت صغيرة أو كبيرة وقامت بعمليات ناجحة وعادت وكان يتعاون معها فئة كبيرة من بدو سيناء في ذلك الوقت ،

أتذكر في موقع الشالوفة عندما كنت قائد سرية السويس كان معي جندي يعمل علي جهاز تحديد اتجاه اسمه محمد محرم والتقيت به بعد ذلك في امبابة وله ورشة ميكانيكا هناك ، كان هذا الجندي من الأفراد المميزين ويستطيع تمييز الأصوات ويعرف جهاز اللاسلكي يعمل بأي معدة وكان يساعد في عملية تحليل المعلومات فكيف كنا نعرف مصدر الصوت

هل هو بداخل دبابة ام طائرة ؟ مثلا هناك محطة جديدة لا أعرف ماهيتها فأسأله عنها فيصف لي هو ماذا يسمع فقد يسمع صوت مروحة هليكوبتر وقد يكون يحمل شخصية هامة فأعرف أنه موجود علي طائرة مع أنه يستخدم نفس الترددات الارضية لأنه سيدخل علي الشبكة الخاصة بهم ، وممكن أن أعرف من الأفراد فكما توجد بصمة جهاز لاسلكي توجد بصمة صوتية لصوت كل فرد وهذه البصمة الصوتية اذا رأيتها علي شاشة وصاحبها يتحدث ستجد لها خواص معينة كعرض الموجة فتعرف ما هي خواص صوتك وعندما تقول حرف معينكم يكون تردده ويختلف هذا من شخص لآخر فالكبير يختلف عن الصغير والرجل يختلف عن المرأة وببعض الأحيان كنا نستطيع تمييز البصمة الصوتية بدون أن يقول صاحبها من هو نتيجة الخبرة أو زيادة حساسية الانسان العادي ، ويمكنك أن تصنع هذه البصمة الصوتية في حالة عدم وجود امكانيات بشرية علي جهاز كمبيوتر بطريقة علمية باستخدام برنامج كمبيوتر وجهاز تسجل الصوت عليه وتدخلها كسوفت وير داخل برنامج كمبيوتر ويكون هذا الكمبيوتر متصل بأجهزة استقبال وتتم البرمجة بطريقة معينة ، أيضا كان عندي بمركز التصنت في السويس جندي مؤهلات اسمه عاطف وكان يتصنت علي القوات الجوية الاسرائيلية والطلعات التي تقوم بها طائرات الفانتوم والسكاي هوك وهو من اكتشف أن التشكيل ينقصه فرد وهو قائد التشكيل الذي تغير صوته قبل الطلعة بيوم نتيجة اصابته بنزلة برد وهذا لأننا كنا نتابع الطلعة من أول خروجهم من المطار في اسرائيل حتي يضرب في بورسعيد والفردان بنفس الطلعة ونفس الطائرة ثم يرجع ويضرب في كبريت والسويس ويعود ، وكانوا يقومون بضرب الوحدات التي اشتبكت معهم فقط كنوع من الارهاب للوحدات الأخري حتي لا تحاول الاشتباك معهم وبالطبع كانوا يضربون بكثافة كبيرة ،

كنا نعرف خسائرهم من ردود أفعالهم وطريقة حديثهم ، فالعسكري المسئول عن الاتصالات في النقطة القوية أو الوحدة الاسرائيلية كان يتكلم بطريقة نمطية وبنبرة صوت طبيعية بها إلتزام وتختلف هذه النبرة في حالة المفاجأة وعلي غير الموعد المقرر ، فمثلا في الحالة العادية كان من الممكن أن يجري اتصال كل ساعة ولكن عندما أجده كسر نظام العمل فجأة ويتكلم بإنزعاج شديد ويطلب دعم سريع ولديه عساكر مجروحة ويحتاج لهليكوبتر أو اسعاف فبالتأكيد أن رد الفعل هذا كان حقيقيا وبالتالي كنا نعرف خسائرهم التي يقولوها ونسمعها في اللاسلكي ،

لم يكن يتم استطلاع بالقوة لتأكيد معلومة إلا قليلا لأننا نستطلع في العمق ، فمثلا عندما ذهبت انا ورائد مجدي الجندي وأنا ملازم أول في أغسطس 67 لعملية استطلاع وتصنت وتحديد اتجاه علي طول قناة السويس ورصدنا كل النقط القوية بما فيها مركز القيادة في أم خشيب وأبلغنا المخابرات بهذا المركز وموقعه قالوا لنا المعلومة غير مؤكدة واستمرت العملية مرفوضة وحدثت أكثر من طلعة طيران للتأكد ولكن كان الموقع جيد التمويه فلم يتأكد وجوده إلا بعد تكرار الاستطلاع بوسائل مختلفة عدة مرات ، كانت هذه الوسائل التي تؤكد المعلومات الغير موجودة عند المخابرات إما استطلاع جوي أو استطلاع مؤخرة العدو في أغلب الأوقات أو عن طريق عملاء من البدو ولكن لم يتم الاستطلاع بالقوة لتأكيد معلومة في العمق لذلك كان الاستطلاع بالقوة لم يتم إلا من خلال المجموعة 39 أو الضرب بالمدفعية أو الاشتباك عبر قناة السويس وكان يقتصر علي النقط القوية والدوريات الموجودة عليها وكان أقصاه مراكز القيادة الموجودة في ممر متلا وعلي المحور الأوسط في الاسماعيلية ،

في حالة حدوث صمت لاسلكي كان يعني هذا أن الشبكة التي تعمل في وقت السلم علي التردد العادي أوقفت العمل بالظروف النمطية وبدءت تقوم بضبط الأجهزة علي ترددات جديدة سيتم استخدامها في مرحلة العمليات وحسب ما هو سائد والخبرة العسكرية أن هذا يحدث ليلة العمليات ، و وقتها أبلغ أن هناك عمليات في الغد سواء حدث صمت لاسلكي علي مستوي صغير أو كبير ، وفي 67 تم الصمت اللاسلكي علي مستوي كبير يوم 4 يونيو فقيادة المناطق العسكرية الثلاثة وكل وحدات الجيش الاسرائيلي التي كنا نرصدها بترددات حدث لها صمت تام سواء علي الجبهة الجنوبية وهي الجبهة المصرية بالنسبة لهم أو علي الجبهة الوسطي وهي الأردن أو علي الجبهة الشمالية وهي سوريا وتشمل لبنان أيضا ،

وعندما كانت أجهزة البحث تجد محطة مصرية أو قبرصية أو طائرة مدنية كنا نتفاداها وكنا نركز في المتابعة علي الترددات التي تمثل أهمية لنا فقط هذه الترددات كنا نتابعها 24 ساعة فالوردية كانت 8 ساعات والعمل والمتابعة والتحليل كانوا 24 ساعة ، وكما كانوا يرفعوا درجة الاستعداد ونكشف كودها ونبلغه للمنطقة المنتظر ضربها والكمية التي ستضرب بها من الذخيرة كذلك عندما كان ينهي درجة الاستعداد كنا نعرف كودها ونبلغ جيشنا ونقول له "أمان" أي المهمة انتهت ،

وكنا نرصد رفع حالة الاستعداد للعدو عندما تزيد عدد شبكات العدو فمثلا بقطاع معين يوجد 10 شبكات وأثناء قيامنا بالبحث زادت شبكة فنري ما هي هذه الشبكة وبموجب الأرقام نستطيع أن نعرف هل هي مدرعات أم مدفعية أم مهندسين عسكريين

كما حدث عندما حركوا الكوبري المستخدم في الثغرة في مناورات صيفية في اربع سنوات متتالية من سنة 68 حتي 71 بحيث في حالة هجومنا عليهم يصل بقواته ومعه المهندسين العسكريين بالكباري لهدفهم اذن خطة الالتفاف والعبور من الدفرسوار كانت خطة قديمة وموجودة ومعروفة ، وبالنسبة لخزانات النابالم يعتبر الذي اكتشفها أكثر مني هو الاستطلاع بمجرد النظر عبر القناة ولكن بالنسبة لنا أعتقد أننا سمعنا بعض المرات "افتح واغلق الأنابيب" لكن بدون تفاصيل ولم نسمع كلمة نابالم...

 

دور الإستطلاع اللاسلكي

نعود الي احداث ما بعد النكسة ، بعد أن عدت إلي وحدتي زارنا وقتها رئيس فرع الاستطلاع في المخابرات الحربية العميد محمود بيومي والي وسأل اسماعيل شوقي عن اخبار الوحدة والتدريب ورآني ببدلة الفسحة فسأله "الظابط ده لابس كدا ليه" وكان هذا العميد يهتم بالمظاهر كثيرا وكان يحكي دائما قبل الحرب عن أجازة الويك اند وكان يسميها بيكنيك ويحكي ماذا فعل بالبحر الأحمر ويتكلم كلمة عربية وأخري انجليزية هذه هي حياته أما بالنسبة لمعلوماته عن الاستطلاع فكانت صفر ، ولو كان معي سلاح وقتها لكنت ضربته بالنار وهو يتحدث عن لبسي الذي لا يعجبه وهو لا يدري شيئا عن الموضوع وماذا حدث لي وسبب ارتدائي هذا اللبس ،

بدأت استئناف العمل وبالنسبة للمعدات فقدنا جزءا كان معي وجزء كان مع سرية الاستطلاع التكتيكي التي كانت موجودة بأبوعجيلة لم يعد منها شيئا ، وكان متبقي معنا معدات احتياطي قبل الاستعواض بالقاهرة ،

وصلنا أول يوليو وحدثت معركة رأس العش ولم يكن لنا شيئا وقتها كاستطلاع لاسلكي موجود علي قناة السويس ولكن كنا نتصنت علي العدو من القاهرة وسمعنا معركة رأس العش ورصدنا الدبابات والعربيات نصف جنزير التي دخلت الموقعة وأتذكر نتيجة المعركة وكنا مستنفرين جميعا ومنتظرين أن ننتصر بها ونوقف تقدم العدو كان هذا في 1 يوليو 67 ، وأعتقد كان مدير المخابرات أيامها اللواء محرز وما يؤكد ذلك الاجتماعات التي كان يحضرها اسماعيل شوقي يوميا في ادارة المخابرات وسؤاله عن الوضع والأحداث والتقارير التي كنا نقدمها لهم ، ومثل فرع الاستطلاع اللاسلكي بالمخابرات اثنان هم الرائد عبدالرءوف رضا والنقيب محمود نبيل سعيد كراوية وكانوا حصلوا علي بعثات في روسيا ، واستمر النقيب محمود نبيل بالفرع إلي أن أصبح مدير الحرب الالكترونية بعد ذلك وبعد ما أنهي عمله بالجيش تولي مركز دعم واتخاذ القرار وأنشأ شركة الكترونيات بمصر الجديدة ، وكنت أنا من أول عشرة أفراد عملوا بالاستطلاع اللاسلكي ،

 

 

في 67 بعد معركة رأس العش وقتها انعدمت كل المعلومات عن شكل وحجم القوات الاسرائيلية الموجودة في سيناء ، لم نكن نعرف أي شئ عما يدور هناك وما هو الموجود هناك من الأساس وتنحصر المعلومات عند دورية استطلاع أو صاعقة عن طريق المجموعة 39 بقيادة ابراهيم الرفاعي عندما يعبروا ويعودوا ليس أكثر ، وفي 14 يوليو حدثت ضربة مدكور أبو العز وهي ضربة جوية عن طريق سرب العقيد تحسين زكي باستخدام طائرات ميج 17 علي جميع نقاط العدو والتي كانت لا تزال غير قوية وموجودة علي قناة السويس ، ورصدنا وقتها الاسرائيليين وكانت اتصالاتهم لم تشفر بعد وهو يقولون المصريين هجموا علينا ورصدنا وحدات العدو التي لم تكن كبيرة الموجودة علي قناة السويس وقد وصلت العريش ،

وهذا يعني أن الانطباع الذي كان موجودا عند الجيش الاسرائيلي وقيادته بعد ضربة طيران مدكور أبو العز "وهم في الأساس غير مصدقين الانتصار الذي حققوه في 67 وانهم احتلوا سيناء" أن المارد قد قام من جديد ويقوم بهجوم شامل لدرجة أن وحدات منهم انسحبت للعريش من قناة السويس واستمرت الضربة بطائرات ميج 17 يوم 14 و15 يوليو بعد رأس العش مباشرة ، وبلغنا هذه الاشارة وكان تقريرنا يصل يوميا للمخابرات الحربية التي توصله لرئاسة الجمهورية وتصل صورة منه للمخابرات العامة ، وحسب ما سمعت علي لسان أ/محمد حسنين هيكل أثناء اللقاءين الذين جمعوني به أن عبدالناصر بهذا الوقت قدر تقرير الاستطلاع اللاسلكي الذي كان يأتي إليه منفصل في ملف من المخابرات الحربية وكان معلم علي جانبه بخط أحمر مائل وقرأه وقد يدل هذا علي أهمية التقرير ،

وفي أواخر يوليو سأل مدير المخابرات اسماعيل شوقي "قائد ثان المخابرات" وهو يتحدث معه ما الموجود بسيناء و يمثل الاستطلاع اللاسلكي ؟ فقال له اسماعيل حاليا لا يوجد شئ فصدر قرار ل "مجدي نعمة الله الجندي" وهو دفعة المشير طنطاوي وكان برتبة رائد أو نقيب وقتها وكان عائدا من بعثة استطلاع الكتروني من روسيا "وأنا" كنت ملازم أول وقتها "ومحسن فهمي" كان برتبة ملازم وهو ابن عم اسماعيل فهمي وزير الخارجية أن نذهب نحن الثلاثة ومعنا معدات تصنت ومعدات تحديد اتجاه تكتيكي لنقوم بعمل مسح لقناة السويس بالكامل ونمدهم بمعلومات عن كل ما يحدث بسيناء وكنا لا نستطيع عمل وحدات كثيرة لأن قاعدة الجهاز التكتيكي مساحتها من 10:20 كيلو علي الأكثر بين كل جهاز تحديد اتجاه والآخر فلن نقدر علي تغطية القناة بالكامل وكان وقتها ما نملكه هو جهازين أو ثلاثة ، بدءنا الخروج من بورسعيد ومعنا أجهزة التصنت والاستقبال وأجهزة تحديد الاتجاه ، صعدت لأعلي مكان كان سيتم به انشاء فندق هيلتون علي البحر ببورسعيد وكان الفندق بدء بنائه وعندما أوشك علي الانتهاء ضربته طائرات ميراج في 67 فأصبح بعد الضرب عبارة عن خراسانات مكسرة ، صعدنا فوق سطح الفندق و وضعنا الأرايل وكنا نسمع سيارات الشرطة التي تسير في شوارع تل أبيب من حساسية وكفاءة الاستقبال فوق البحر كنا نعمل علي معامل في اللاسلكي اسمه سيجما فالأراضي التي تكون بجوار البحر يكون معامل التوصيل بها عالي فكنا نسمعهم ونعرف أخبارهم ، كما كان يحدث عندما كنت أتدرب بالقاهرة كنت أسمع مديريات الأمن المصرية وهي تكلم بعضها بالمفتوح فمثلا يقول أحد يوجد قتيل يا افندم في الزاوية الحمراء وهكذا ،

فعندما كنت أستمع للشرطة المصرية ومديريات الأمن وأنا أقوم بالبحث عن محطات باللاسلكي قلت أنه من المؤكد أن اسرائيل تعرف عنا كل شئ ويعزز هذا أنه أثناء عمليات الحرب في 67 كنت أسمع الاذاعة الاسرائيلية وهي تكرر مكالمة بين عبدالناصر والملك حسين فهذه المكالمة قد تكون إلتقطتها اسرائيل أو ليبرتي الأمريكية ويقوموا بإذاعتها لكسر أنف عبدالناصر ،

وعندما انتقلت لبورسعيد أصبحت أسمع أنا الشرطة الاسرائيلية وبدءنا نسمع القوات الموجودة في القطاع الشمالي ، وثاني نقطة تصنت كانت في فنار بورسعيد وضعنا عليه الأرايل وبدءنا نستمع لما يدور هناك ، في هذا الوقت تم تهجير أهالي بورسعيد فكنت أتناول الطعام أنا ومجدي الجندي عند محل وحيد متبقي هناك اسمه جيانولا أما محسن فهمي قريب وزير الخارجية كلم أقاربه فسحبوه من المكان واستمريت أنا ومجدي الجندي ، وقمنا بعمل الوثبات من بورسعيد حتي الزعفرانة وكانت كل وثبة من 10:15 كيلومتر علي مدي شهر أغسطس 67 ، وخرجنا من هناك ب85% من المعلومات بلا مبالغة التي دخلنا بها حرب 73 ،

فحددنا موقع القيادة المتقدم للعدو في أم خشيب علي الجبهة وقيادة القطاع الشمالي في القنطرة وقيادة القطاع الأوسط علي محور الاسماعيلية ومقر القيادة الجنوبي في ممر متلا ، كما حددنا الوحدات المنفصلة كالمدفعية التي كانت موجودة بعيون موسي كل هذه المواقع تم تحديدها باللاسلكي و وصلنا حتي لكود قيادة الجبهة المصرية وكان رمزها اللاسلكي 84 ، وكل ما هو لاسلكي أو اتصالات كان رقم الآحاد به 4 ، وقيادة قطاع الجبهة السورية في جبل الشيخ كان رمزها 34 ، وكل وحدات المدفعية وأرقامها و وحدات المشاة الميكانيكي والدوريات التي كانت تعمل جيئة وذهابا وكانت في حدود 3 عربيات نصف جنزير ودبابة والتي كانت تغطي المسافات بين النقاط القوية وبعضها وكل النقاط القوية وأسمائها وأسماء قياداتها كل هذا وصلنا إلي أكواده وتم تفكيك الشفرات ،

وأصبح العساكر حافظين للجانب الثاني بالأصوات حتي أنه قرب حرب الاستنزاف العساكر الذين كانوا يتصنتوا علي شبكات القوات الجوية للعدو حفظوا أصوات الطيارين الاسرائيليين لدرجة أنه حدثت واقعة غريبة جدا ، كان هناك تشكيل فانتوم إسمه الكودي خليل وغالبا كان هذا الاسم لأقدم فرد أو لقائد التشكيل وكان التشكيل عبارة عن 4 طائرات وفي مرة من المرات أثناء اقلاعهم من بير سبع خرج التشكيل 3 طائرات فقط ، فسألت العسكري عن هذا وكان عسكري مؤهلات تجارة عبري موجود معي بالخندق ويقوم بالتصنت وكان يحفظهم فقال لي أن قائد التشكيل بالأمس كان صوته يبدو عليه آثار المرض فلابد أنه أصيب بنزلة برد فلم يخرج مع التشكيل اليوم فأصبح التشكيل ثلاثة فقط ، فاكتشفنا كذبهم بعد هذه الواقعة فقد كانوا يدعوا أن كل طائرة عليها ثلاث طيارين ليوهمونا بقوتهم العالية واكتشفنا أن عليها طيار واحد فقط ،

وكنت أسأل العسكري الموجود علي جهاز تحديد الاتجاه بالشلوفة ماذا يسمع وهل محطة اللاسلكي التي يسمعها هل هي بدبابة أم بشئ آخر فيخبرني أنه يسمع صوت طائرة هليكوبتر فأسأل بعدها المسئولين عن استطلاع الجيش فيخبروني أنها طائرة تصحيح نيران مدفعية

وهكذا كنا نربط المعلومات ببعضها وكل معلومة كنت أعطيها كنت أسأل عنها قائد الجيش اللواء عبدالمنعم واصل وقيادة الفرقة 19 مشاة فلم يكونوا علي مستوي عالي من الناحية العلمية فلم أسألهم كثيرا ، وكان الفوج 86 دفاع جوي موجود بالزيتية في السويس وتتبعه سرايا دفاع جوي مثل الجزيرة الخضراء وعمل بها سمير السيد بدير ،

نعود إلي أغسطس 67 وقتها قدمنا معلومات فاصلة لإدارة المخابرات الحربية كموقع القيادة المتقدم في أم خشيب ولكن المخابرات وقتها قالت أننا لا نراه ومرت الأيام وتأكدوا من وجوده واتضح أن العدو قد عمل تمويه شديد عليه حتي لا يتم اكتشافه ولكننا إلتقطناه ، كما اكتشفنا كل النقاط القوية والهاونات والمدافع ذاتية الحركة ، كما رصدنا حجم القوة بالضبط سواء كانت لواء مدعم أو كتائب وكانت المخابرات تميل دائما أن ما أرصده كتيبة تعتبره لواء ، وكنت أرصده وأنا أري كود ورقم ومستوي معين فالعدو طوال حرب الاستنزاف كان يضرب بأقل قوات ممكنة و وقت الاشتباك يستنفر قوات من القطاع الشمالي أو الأوسط ويضرب مدفعية مثلا في القطاع الجنوبي وممكن أن يأتي بجزء من الاحتياطي الموجود بوسط سيناء لمدة يومين يشتبك بهم ثم يرجع مرة أخري ، فكان العدو أمامنا ونراه كأننا نجلس سويا ، واستمر الاختلاف في التقديرات بيننا وبين وسائل الاستطلاع الأخري فترة طويلة ولكن مع انتهاء حرب الاستنزاف كانت معلوماتنا تأكدت فالمخابرات أرسلت وقتها كثير من الاستطلاع لمؤخرة العدو كانوا يرتدون ملابس البدو ويعبروا لسيناء ويقضون بها شهر أو اثنين كما كانت تفعل ك 9 بالإضافة إلي العبور الذي كانت تقوم به المجموعة 39 كل هذا شارك في تأكيد المعلومات

أما الاستطلاع الجوي لم يكن يؤكد كثيرا لأن العدو كان يستخدم تمويه عالي وصرف أموال كثيرة علي تكنيك بناء الملاجئ فكان من الصعب كشفه جويا ، وأتت فترة كان ابراهيم الرفاعي كلما أراد العبور للضفة الأخري لتنفيذ عملية لابد وأن يأخذ معه فرد تصنت من الاستطلاع اللاسلكي من المختصين بمراقبة دورياتهم فقد كان بين كل نقطة قوية والأخري تقريبا 10 كيلومتر فراغ تؤمنهم دورية ولم يكن العدو هو العدو الممتاز فالدوريات لم تكن تعمل طوال الوقت فكان هناك دورية صباحية تمشي مثلا بطول القطاع الجنوبي من البحيرات المرة حتي عيون موسي ثم يكررها مرة أخري آخر النهار ، كما كانت مواعيد الدوريات ليست ممتازة فتقريبا كانت مواعيدها ثابتة ومعروفة لنا ، فمثلا دورية بها دبابة و3 عربيات نصف جنزير عندما تعبر كبريت متجهة شمالا أو جنوبا وقتها نبلغ مجموعات الاستطلاع عند مؤخرة العدو أو المجموعة 39 بأن الوقت مناسب لعمل الكمين بعد مرور الدورية كما حددت لهم حجم القوة وتوقيتها ومتي عبرت وأستطيع حتي بجهاز تحديد اتجاه واحد أن أحدد موقعه فكنت آخذ شعاع واحد وأقطعه مع الطريق الأسفلت فيعطيني الموجود علي الجانب الآخر ،

وحدثت مرة صدفة حسنة فدورية من الدوريات قمنا بتجهيزها للمجموعة 39 وعملوا كمين لها وأسروا عريف اسرائيلي كان معه خريطة ، أحضروا الخريطة لنا وكان مكتوب بها كل الأكواد التي تخص كل المناطق ، بمعني أني مثلا كنت أعمل بمنطقة المثلث فأصبحت أعرف أن رقم منطقتي عندهم هو 486 فعندما يقول لمدفعيته اضرب 30 طلقة علي هاوزر 155 علي 486 وقتها أقول لعساكري انزلوا الخنادق وعندما ينتهي الضرب نستكمل عملنا ،

وكانت خريطة العدو هذه موجودة مع كل فرد يتحرك منهم تقريبا حتي يتعرفوا علي بعضهم فيقول لزميله اسمي كذا و وصلت لمكان كذا ، وكانت أسمائهم محدودة ولكل فرد منهم رقم كودي من جولدا مائير لأصغر عسكري ويبين هذا الكود أيضا مكان الفرد بأي وحدة وعلي أي مستوي هل هو قائد كتيبة أم سرية أم فصيلة وهل هذه السرية تابعة للمدفعية أم للاستطلاع أم هاون وهل هذا الفرد قائد أم قائد عمليات أم مهندسين عسكريين ، كما كنا نعرف متي يرفع العدو حالة الطوارئ كان اسمها "جينش" ويعني هذا أنه سيضرب بعد 5 دقائق ،

 

 

 

 

 

ومن العمليات الناجحة التي شارك الاستطلاع اللاسلكي في تنفيذها عملية حدثت بأحد الأيام حيث كان هناك صمت لاسلكي وأنا محدد لقيادة القطاع الجنوبي علي ممر متلا وبجانبه قليلا قيادة مدفعية القطاع الجنوبي بممر متلا أيضا وفجأة علي شبكة المدفعية وجدت من يقول بقيادة القطاع الجنوبي " طلقة المصريين نزلت خلفي بمائة متر ، فطلبت الجيش وكلمت العميد الموجي قائد مدفعية الجيش الثالث الميداني وبلغته بما حدث وبما قالوه فأخبرني بأن مدفعيتنا ضربت بالفعل طلقة واحدة بمدفعية 130 مللي وكانت بعيدة المدي وقتها فسألني هل أنا متأكد من هذا الكلام فسيضرب علي مسئوليتي فقولت له متأكد 1000% فقد قالوها وهم مفزوعين من الطلقة فتكلموا مفتوح فصحح العميد الإحداثي وضرب غلالة نيران وسمعت صوت صراخهم

وفي اليوم التالي في جريدة معاريف الاسرائيلية حسب مصادر المخابرات والترجمة نشر هذا الخبر " أمس في قيادة الجبهة الجنوبية توفي قائد مدفعية القطاع الجنوبي وكان ابن عم ليفي أشكول رئيس الوزراء أتذكر هذه العملية تماما ،

من العمليات الناجحة أيضا بأحد الأيام كان هناك غارة ليلية علي السويس بطائرات سكاي هوك وكان لونها أبيض فضي بينما الفانتوم كان لونها قاتم فكلمت المدفعية المضادة للطائرات الفوج 86 وكانوا غير مشتبكين لأن الطائرة قامت بعمل شوشرة عليهم والرادارات لم تعمل ، فانتظرت قليلا وجدت عسكري تصنت يبلغني أن الطيار يقول أنه علي ارتفاع 5000 قدم استخدموا القدم هذه المرة فبلغت سريعا الفوج 86 فضبطوا الطبات وحولوا القدم لمتر وعملوا غلالة فوقهم علي ما يعادل 5000 قدم أي 1600 متر وأصابوا الطائرة واستمرينا نسمع الطيار وهو يبلغ أنه مصاب وتابعناه حتي نزل بممر متلا ،

 

استمر اليهود في العمل بالأكواد التي أخذناها من الخريطة التي وجدناها فلم تتغير أبدا ومع تكرار نجاح عملياتنا التي قد يستوحي منها أننا نعرف عنهم أكثر من اللازم أو أننا نسمعهم في المرحلة التالية لبداية الاشارة ومع وجود احتمال أننا نتصنت عليهم بدءوا استخدام أجهزة تشفير اسمها سيمون و وضعوها علي أجهزتهم وعندما كان يشك بنا أو عند إبلاغه لاشارة مهمة كنا نسمعهم وأحدهم يقول لزميله انتقل علي السيمون فنبدء في سماع صفارات متقطعة بدلا من الكلام وأعتقد أن هذا النظام كان نوع بدائي من أجهزة التشفير الذي كان موجودا عند الوحدات الصغيرة الموجودة أمامنا ، وكان معنا وقتها خبراء روس فعلمونا كيف نتعامل مع الأمر فبدءنا نسمعهم علي ظل الاشارة اللاسلكية فكنا نحرف التردد قليلا فنأتي بظل الاشارة صحيح أنها كانت أضعف بعض الشئ ولكن كنا نسمعهم ، ثم بدءوا في استخدام وسائل اتصال أكثر تأمينا كالتي استخدمها علي جبهة جنوب سيناء حيث كان موجودا جهاز اسمه تروب سفرك وهو جهاز أمريكي حديث عبارة عن عربية اسمها برايولك تشبه الطبق كان يستخدم طبقات الغلاف الجوي الموجودة علي ارتفاع 30 كيلومتر كمرآة تعكس الموجة اللاسلكية ثم يلتقطها في تل أبيب أو أي مدينة أخري في اسرائيل ، وكان هذا الجهاز موجودا في شرم الشيخ وله سعة عالية حيث كان يوفر حتي 400 قناة اتصال تليفوني أي من الممكن أن يجري كل عسكري أو ضابط في شرم الشيخ اتصال للأغراض العسكرية أو يكلم منزله في التليفون ، وما أعرفه أنه بعد ذلك خلال معارك 73 حتي الصمت الاسلكي والوسائل البديلة في الاتصال اللاسلكي كل ذلك انهار مع الضربة الجوية الأولي وعادوا لاستخدام اللاسلكي بدون أي حذر نتيجة حالة الفزع التي انتابتهم في 73 فكانت كل شبكاتهم تعمل إما مفتوح أو تحت تحكم الاستطلاع اللاسلكي ويتم التصنت عليها والحصول علي كل المعلومات الممكنة ، ومن المؤكد أنهم كانوا يتصنتوا علينا أيضا كما نتصنت عليهم ولكني كنت أبلغ الاشارات بتليفون سلك وليس بلاسلكي فلم يسمعوني ، فقد كان ملجئي في المثلث بفيلات كان أصحابها إنجليز وأخذت ملجأ قائد محطة السويس بعد أن غادر نتيجة زيادة الضرب بحرب الاستنزاف ، وأنشأت مراكز تصنت وكان عندي من أجل قاعدة تحديد الاتجاه ثلاثة أجهزة تحديد اتجاه واحد عندي بالمثلث وجهاز بالشالوفة وجهاز بعدي ، كما كان معي فرد مساعد يجيد العبرية مربوط معي بسلك لأعلي جبل عتاقة اسمه المساعد الصباحي وسمعت بعد ذلك في حرب 73 ان لغم انفجر به واستشهد فلا أدري هل سمي حي الصباحي علي اسمه أم لا ،

كان الصباحي يسمع حتي الحدود الاسرائيلية بجهاز تكتيكي فيعطيني مدي كبير وكان موجود دائما فوق الجبل وكان يشبه رجال الحدود فتستطيع أن تتركه في مكان لمدة اسبوع أو شهر وتعطيه فقط البطاريات مشحونة وتنساه فكان من الممكن أن يقضي أسبوعا بقطعة عيش جاف ،

قبل 69 انتقلت لجهاز تحديد اتجاه استراتيجي عندما تدمرت القاعدة و وضعناه علي ممر مطار النزهة في الاسكندرية وكان مقر عملي ببرج مراقبة المطارالذي تم اغلاقه وقتها وكنت موجود هناك بصفة مؤقتة بعدها إنتقلنا لمنطقة العامرية كان هذا في سنة 68 ، وفي 69 كنت قائد الاستطلاع الالكتروني للجيش الثالث الميداني حتي وقف اطلاق النار في ملجئي بالمثلث في السويس ،

 

 

 

ثم ذهبت لبعثة في روسيا سنة 70 وعدت سنة 71 وكنا 4 ضباط بالبعثة أنا وجمال مظلوم وهو من الجيل الذي انضم للاستطلاع اللاسلكي بعد ذلك ونبيل رشاد والمرحوم مصطفي بكتاش كان ضابط بحرية وزميلي بالغرفة ، وفي روسيا تعلمت مزيد من الإجادة لما أعرفه ودرسنا كمبيوتر وهذا يساعد في عمليات كسر الشفرة وتحليل المعلومات ودرسنا الجيوش الأجنبية وكل تشكيلات المدرسة العسكرية الغربية والأمريكية والاسرائيلية ، كما درست فن تحليل المعلومات بمعني كيف أحصل علي بصمة الجهاز اللاسلكي وكيف أتابعه و وقتها لم يكن هذا مستخدما عندنا ، وأثناء عودتنا من البعثة في نوفمبر 71 بالمركب نزلنا ترانزيت باسطنبول نحن الاربع ضباط وكنا نرتدي زي مدني فلاحظنا مجموعة من الناس تمشي وراءنا باستمرار من بداية نزولنا من المركب ويحاولوا التحدث معنا و التسبب لنا في حالة احباط وأننا لن نحارب ففهمت أنهم اسرائيليين أو تابعين للموساد ، لم يتكلم معهم زملائي ولكني رديت عليهم وقولت لهم أن الجيش المصري سيحارب مهما حدث ومهما كانت الظروف وسيستعيد أرضه وكنت سعيدا أن هذه الرسالة وصلتهم فمشوا ومن الجائز لو كانوا وجدوا أحدا من ذوي النفوس الضعيفة كانوا قاموا بتجنيده أو الحصول علي معلومات منه ،

وأكد لي ذلك أن المخابرات الاسرائيلية موجودة دائما في اسطنبول وتقوم بمحاولات لتجنيد المصريين ولديهم خط سير المصريين الذين يذهبوا في بعثات الي روسيا ، والمركب حسب ما اتذكر كانت تأتي من أوديسا تقف باسطنبول ثم تذهب لليونان بعدها اللاذقية وقبرص ثم تدخل الاسكندرية ، فكان لديهم بلا شك برنامج لمراقبة أو حصر عدد أو تجنيد أو تحصل علي معلومات خلال خط سير المصريين ذهابا وايابا للبعثات في روسيا وكان هذا يتم في اسطنبول فقط لأننا نزلنا بموانئ أخري كاليونان ولكن لم يحدث شيئا كالذي حدث باسطنبول ،

والذي فهمته وعرفته من خلال البعثة انه بالستينات كان هناك طائرة تجسس أمريكية يو 2 كان قائدها طيار أمريكي اسمه باورز ، كانت هذه الطائرة طائرة استطلاع لرصد مركز اتصالات الناتو في برلين ، و وقتها كانت هذه الطائرة تطير علي ارتفاع فوق مدي صواريخ الدفاع الجوي الروسي فبلغ الاستطلاع اللاسلكي خط سير الطائرة وهم متابعين لخط سيرها ومكان انطلاقها أي أن الطلعة كانت مرصودة بحيث أثناء وجودها فوق بوران تم تجهيز الصاروخ بإضافة تجهيز فني له وتم اطلاقه وأسقط الطائرة ، وقد سببت هذه العملية أزمة بين خروتشوف وأمريكا ،

ومن الفرص الضائعة التي لم نستغلها الكوبري الذي استخدم في الثغرة ، كان هذا الكوبري اسمه لاسلكيا 426 و من 67 ونحن نفكر في العبور كان اليهود يقولوا في حالة عبورنا سيفتحوا ثغرة وتدربوا علي هذا الأمر كثيرا وعملوا مناورات عدة مرات بهذا الكوبري

 

 

ففي سنة 68 وصل إلي سيناء حتي الدفرسوار وكرروا نفس المناورة سنة 69 و70 و71 ، صحيح أني سنة 71 كنت بالبعثة في روسيا ولكني قبل السفر وقبل عملي بالسويس كنت أتولي تحليل معلومات القوات البرية الاسرائيلية فكنت أحفظ معني أي كود يقال لدرجة أنه ببعض الأحيان كانت تأتيني إشارة ملتقطة مكودة ومشفرة وبها حرف أو اثنان متشابهين فكنت أستخدم ذاكرتي الشخصية وأتذكر أنهم مروا عليا قبل ذلك فأحضر اشارات ملتقطة لمدة سنة وأستمر بالبحث بها طوال الليل حتي أصل للمعني وأربطهم ببعض ، وكان هناك كتاب خاص بكسر الشفرة (( ادعي هيكل أنه من أتي به وسلمه للمخابرات العامة التي سلمتنا بدورها نسخة منه )) وقد قرأت هذا الكتاب وكان يتحدث عن خصائص اللغة وكيف تكسر الشفرة وكيف ستبدء الجملة في حالة ما اذا كنت انجليزيا أو عربيا أو اسرائيلي ، كان يعلم مداخل ضعف اللغات وكيف تكسر الشفرة بتوقع ماذا سيقول الطرف الاخر في بداية الاشارة ونهايتها ، كما كان العسكري يقول سمعت صوت كذا أو تكرر صوت معين أو مكان ما وهكذا كانت كل هذه الأشياء تساعد في فك الشفرة ،

نعود إلي عملي بتحليل معلومات القوات البرية وقتها كانت تقاريري والحمد لله من أفضل التقارير وكان الجميع بإدارة المخابرات يرجعون إليا لتوضيح الأمور لهم وكانت هذه التقارير كلها موفقة و تمثل الواقع فالاستنتاجات التي أكتبها كانت هي الواقع ، وفيما يخص موضوع الكوبري كان كود 6 يعني مهندسين عسكريين أما 16 فيعني فصيلة منهم وتظل ترتفع بالمستوي حتي تصل للمئات وكانت 426 تمثل وحدة هندسة عسكرية علي مستوي جيش الدفاع الاسرائيلي ،

وعندما كنت بالبعثة في روسيا قاموا بعمل مناورة للدفرسوار وحلل المعلومة عندنا المرحوم أسعد اليسري وكان أقدم مني قليلا وتولي المكان الذي كنت مسئولا عنه وأول ما عدت من البعثة كنت أقرأ التقارير القديمة حتي أسترجع المعلومات فوجدت أن المناورة حدثت ومكتوب بالتقرير أن الوحدة 426 وصلت الدفرسوار ويحتمل أنها وحدة دفاع جوي اسرائيلي هذا هو الكلام الذي وصل إدارة المخابرات ، فذهبت إلي اسماعيل شوقي وأبلغته ان هذا التحليل خاطئ وكلمت محمود نبيل سعيد رئيس فرع الاستطلاع اللاسلكي في المخابرات وأخبرته ان 426 هي وحدة مهندسين عسكريين ولكن لا أدري ماذا فعل بعدها ،

بالنسبة للاتصال عن طريق التليفون فلا يمكن التصنت عليه إلا اذا قمت بعمل خط موازي وتلتقط المكالمة من الحس بمعني انك مثلا اذا لديك خط ممتد علي مسافة 10 كيلومتر فإذا أنشئت أمامه سلك 10 كيلومتر فيمكنك أن تلتقط اتصالات لمسافة 100 متر مثلا فلابد من انشاء خط موازي له حتي تنتقل الاشارة بنظام اسمه الحس وهو يشبه نظام تحول التيار في الكهرباء ففي هذا النظام يكون الملفين غير متصلين ببعضهم بينما تنتقل الكهرباء من جهد لجهد آخر ، اذن لكي تتصنت علي تليفون عليك أن تفعل مثلما فعل الاسرائيليين في سوريا

فتأتي علي عمدان الكهرباء أو علي عمدان التليفونات أو علي كبائن التليفونات وتقوم بعمل اتصال مباشر له إرسال ثم تعيد الإرسال وتلتقطه كما وضعوا بسوريا عمود اتصالات عليه جهاز لاسلكي ينقل كل المكالمات ، ويقال أنهم عملوا شيئا كهذا علي طريق السويس وبالتأكيد أنهم تمكنوا من ذلك نتيجة زيادة الثقة بالنفس الذي ينتابنا كمصريين كثيرا ويصل لدرجة الغرور الذي يجعلنا نطمئن للأيام فلا نستطيع التوقع والتفكير ،

فوضعوا ما يشبه الرادار علي عواميد النور ويتطلب هذا وحدات ابرار وغالبا تكون عن طريق هليكوبتر تحمل المعدة وينفذ المهمة ، وخط سيره غالبا ما يكون مؤمن أو غير مغطي من خلال ثغرات عسكرية أي من خلال مناطق لا يوجد بها قوات مصرية سواء بالرؤية أو القوات فيتعمد الدخول من هذه المناطق لتنفيذ مثل هذه المهام وقد فعل هذا بسوريا ومصر ، وبعد الانسحاب الاسرائيلي تولي زميلي توفيق الشامي مركز القيادة المتقدم للإنذار المبكر في سيناء وبعدها عمل بشركة كانت تقوم بتوريد أجهزة تشفير وأجهزة اتصالات وغيرهم ، فكان يقوم بعمل اتصالات في سيناء فجاءه أحدا من العاملين بالأمم المتحدة أعتقد في جنوب سيناء أو في جبل كاترين وسأله هل يمكن أن يركب دش بهذا المكان ؟ ففكر في توجيهه وحجمه واتضح أن اتجاهه لكي يلتقط اشارة سيكون علي بير سبع علي مكان وحدة التصنت الاسرائيلية 8200 والتي بدءت عملها ورفعت الأرايل الخاصة بها ببالونات ،

والوحدة 8200 هذه مثل ويكليكس وسنودن أفرادها مدربين علي أعلي تكنولوجي وتلقوا تعليما جيدا للغاية ويعتمدوا بالوحدة علي البنات أكثر لأنهم أحسن بالتصنت من الرجال...

 


 

حرب الاستنزاف

تعتبر حرب الاستنزاف من أفضل الحروب المصرية علي مر التاريخ ، فقد بذل كل الضباط والعساكر كل ما لديهم من طاقات وامكانيات ومواهب ، وكان هناك اصرار غريب علي استرداد الارض بأي ثمن واستعداد للتضحية لأبعد الحدود ، بفترة حرب الاستنزاف كنت قائد سرية الاستطلاع اللاسلكي المسئولة عن القطاع الجنوبي للجبهة والذي يعتبر قطاع الجيش الثالث الميداني وكان قائد الجيش بهذا الوقت هو اللواء عبدالمنعم واصل ، وكانت الفرقة الموجودة في الجزء الشمالي للمنطقة هي الفرقة السابعة اما في الجزء الجنوبي بمدينة السويس نفسها كانت الفرقة 19 مشاة بالإضافة إلي وحدات المدفعية و وحدات المدفعية التابعة للجيش و وحدات الدفاع الجوي بالإضافة إلي المدرعات ، كانت قيادة موقعي موجودة في المثلث في السويس "منطقة المثلث هي منطقة مدنية في الأساس تواجدت بها في الفيلل القديمة التي بناها الانجليز وأصبحت فيلل مهجورة بعد تهجير أهل السويس" في نوعين من الملاجئ أحدهم ملاجئ محصنة تحصين جيد والأخري ملاجئ كانوا يسموها قفص القرد ، وبهذا الوقت حدثت محاولات بناء حائط الصواريخ التي كانت تقوم بها المقاولين العرب فكانت تقوم ببناء الخرسانات فيأتي طيران العدو ويدمرها ، في بداية انتقالي للمنطقة كان هناك مستشفي ميداني لازالت موجودة وراء المثلث فكنت أري كل يوم عددا من الشهداء المدنيين الذين يعملون بشركة المقاولين العرب وكانوا يقضون الليل في بناء حائط الصواريخ ثم يأتي الطيران الاسرائيلي في الصباح فيدمر ما يستطيع تدميره من البناء فيستكملوا البناء في اليوم التالي للضرب وهكذا ، كما كانت تستقبل هذه المستشفي أيضا المصابين والشهداء الذين يأتوا من الجيش ،

كان موقعي عبارة عن مركز بحث وتصنت وبه جنود يتقنون اللغة العبرية بكفاءة وبهذا الوقت تم تدعيم الأماكن الهامة بالجيش بجنود مؤهلات فهم كفاءتهم أعلي في الاستيعاب والأداء ، وبخلاف مركز التصنت وقيادة السرية ومركز البحث اللاسلكي كان متواجدا في الشمال عند الشالوفة موقع تحديد اتجاه حتي نستطيع من خلاله تحديد الموقع ، وموقع تحديد اتجاه لاسلكي اخر موجود في قيادة السرية وأجهزة تحديد اتجاه للقوات البرية وأجهزة تحديد اتجاه وتصنت للقوات الجوية تكون علي مدي أو قطاع موجي له ترددات مخالفة لترددات القوات البرية ، بمعني أن القوات البرية كان أغلب عملها في النطاق التكتيكي علي أجهزة ذات تردد عالي جدا والتي تسمي في اتش اف وبالنسبة للطيران كان يعمل علي نطاقين من التردد فوق العالي الترا يو اتش اف سواء في التصنت أو تحديد الاتجاه ، كنا نستخدم أرايل كانت واضحة من بعيد وكما كانت طائرات العدو تضرب المواقع الهامة علي الجبهة تعرضت للهجوم الجوي قد يكون بسبب الأرايل أو استطلاع الأقمار الصناعية أو بسبب الاستطلاع الجوي للعدو ، كان جهاز تحديد الاتجاه بالاسماعيلية والموجود بها قيادة السرية التي أصبحت كتيبة بعد ذلك وخدم بها سعد زغلول الذي كان موجود بمعسكر الجلاء بالقرب من منطقة شمال الاسماعيلية تقريبا عند المعدية 6 أو بعدها قليلا كان موجود أجهزة تحديد اتجاه وقد تعرضت لهجمة جوية واستشهد بها ملازم اول كان من سرية بقطاع الجيش الثاني نتيجة قصف الطيران ،

كان بموقعي وراء المثلث بالسويس بحوالي من 3 الي 5 كيلو قيادة الفرقة 19 ، كقيادة أي فرقة كانت مميزة بوسائل الاتصال الخاصة بها من أرايل ولاسلكي وغيره ومن حسن الحظ وصلت معلومات وتحليل معلومات أبلغت توقعات بأن قيادة الفرقة 19 مستهدفة بهجمة جوية ومن حسن الحظ أنهم غيروا موقعهم وانتقلوا لموقع آخر قبل الضربة الجوية باسبوع ، وقد ذهبت بنفسي لمقر قيادة الفرقة 19 السابق ورأيت كيف حدث عليه هجوم جوي ولكن لم تنتج عنه أي خسائر رأيت آثار الضرب فقط ،

ومن أصعب المواقف التي تعرضت لها كان هجوم مباشر عبارة عن طلعة منفصلة للعدو بطائرات سكاي هوك علي موقعي قد يكون لوجود الأرايل أو نتيجة أن مصدر من المعلومات رصد موقعي ، واستمر التشكيل الجوي لطائرات السكاي هوك يضرب موقعي بقنابل 500 رطل حتي نفذت القنابل ثم داروا وضربونا بطلقات رشاشاتهم ، ومن حسن حظي أنه في وقت الضرب كنت خارج الملجأ ولم أجد مكان أحتمي به سوي حفرة من الحفر التي خلفتها القنابل ال500 رطل وكان عمق الحفرة أكثر من خمسة أمتار فنزلت داخل الحفرة وفكرت كنظرية احتمالات انه لا يمكن أن تخرج قنبلة في نفس المكان الذي ضربت فيه القنبلة السابقة ، والحمد لله لم تحدث أي خسائر عندي في الأفراد ولا المعدات سوي حرق بسيط في شبكة تمويه أعلي عربية مجهزة ، وكتبت تقريري الشخصي لادارة المخابرات بأني تعرضت للضرب اليوم وكان معي في الفوج ايضا بالقاهرة مجدي الجندي وأبلغه الأحداث ،

وكان موقعي له رقم كودي مثل كل المواقع فكنا نسمع الطيارين وهم يقولون أنا أضرب المربع رقم كذا والذي نعرفه مسبقا ان هذا الكود لموقعي ، وأتذكر نتيجة الخريطة التي وجدناها والمعلومات التي اكتسبناها من خبرة القتال كان عندما يضرب مدفعية أو يشتبك معنا كان يقول أنا أضرب المنطقة رقم كذا فأطلب أنا قيادة الجيش واسأله الضرب نزل بأي موقع ومن قام بالضرب ؟ وأسجل عندي اذن أنا فكيت كود من أكواد العدو فعندما يقول انه يضرب المربع الفلاني كنا نفك الكود الخاص به ، فكانت تقاريرنا تأتي بنسبة كبيرة من أكواد وشفرات العدو ولم يغير العدو هذه الأكواد لأنه كان يعتقد ان مستوانا أقل من أن نكتشف الشفرة أو الكود ، وقد حدث لهم ارتباط كامل بالتعبيرات والمسميات العبرية الموجودة علي خرائطهم فمثلا لو أعطي اسم كودي للسويس أو الزيتية أو عيون موسي أصبح العسكري الاسرائيلي لا يعرف الاسم الحقيقي للمكان من استخدامه الدائم للأسماء المكودة الموجودة علي الخريطة فحدث عنده انفصال عن الاسم الحقيقي لمنطقة هو أساسا لم يراها ولم يدخلها من قبل وهذه الأسماء كانت عندنا فكنا نعرف ماذا يفعلون ،

وأسقطنا في اسبوع بحرب الاستنزاف 9 طائرات فانتوم ومنهم من تم ضربه بالمدافع الرباعية م.ط أما الطائرات التي كانت تطير علي ارتفاع منخفض كانت صواريخ سام 6 تقوم بضربها وبعدها حدث تحول جذري في موازين القوي وأصبح سلاح الحرب الالكترونية متقدما ويمكن الاعتماد عليه بناء علي الخبرات التي اكتسبها من حرب الاستنزاف ومقدرتنا علي الهجوم الثاني والقدر الكبير الذي تحصلنا عليه من معلومات عن العدو بحيث أصبحنا نعلم كل مراكز القيادة وكل وحدات المشاة والمدفعية والمدرعات الموجودة في سيناء علي الأقل وكنا نتابع بعض الأشياء التي تحدث علي الجبهة الأردنية مثل معركة الكرامة ومثل بعض العمليات التي حدثت علي الجبهة السورية من خلال متابعتنا إما لقيادة المناطق أو مراكز الاتصالات الموجودة في المنطقة الوسطي أو المنطقة الشمالية العسكرية الاسرائيلية...

 

    نهاية الخدمة

عندما كنت بروسيا بعد حرب الاستنزاف كنت قد أديت أداء جيد أثناء البعثة وكنت أعتبر من الأفراد المميزين وبنفس الوقت خلال وجودي هناك كان السادات قام بثورة التصحيح وتولي وقتها الفريق صادق وزارة الحربية وبدءت تتوتر العلاقات بين مصر وروسيا ، في هذا الوقت تعرفت علي زوجتي في سان بطرسبرج وصدق مدير المخابرات علي انتقالي الفرع بالمخابرات الحربية ، وطلبت وقتها من اسماعيل سيرهانج سكرتير الوزير صادق أن يقدم طلبي بالزواج من روسية للوزير للتصديق عليه كما طلبت من أحمد المسيري السكرتير الشخصي للسادات أن يحصل لي علي موافقة منه علي الموضوع وقال لي الاثنان أن الوقت غير مناسب للموضوع وبلغوني أن السادات علي وشك طرد الخبراء الروس وأنا أقدم له الطلب فعرفت مسبقا قبل الاعلان عن الامر أن الخبراء الروس سيتم طردهم ،

بعدها تغيرت الأوضاع وترك الفريق صادق الوزراة وتولي المشير احمد اسماعيل مكانه وعرف موضوعي فطلبني وذهبت لمقابلته وكان حاضرا اللقاء اللواء الجمسي وكان رئيس هيئة العمليات وطلب مني أن أنتظر قليلا وقال لي بالنص "انت ظابط جيد ومش عاوزين نخسرك وما اقدرش اطلب الطلب ده من الريس حاليا وقالي بالنص هيرفدني لو كلمته في الموضوع" ، وبوقتها لم يكن هناك تأكيد أننا سنحارب وكان هناك شك في القيادة السياسية وجاء عام الضباب وقمنا بالتحضير للعمليات ولم تقع في النهاية ، فأبلغته أني مصر علي التصديق علي طلبي فصدر قرار في حالة عدم اصراري فسيتم التصديق علي الطلب بعد ستة أشهر أما في حالة اصراري علي الطلب علي الاختيار بين الخروج للمعاش أو الانتقال لوظيفة مدنية وكنت مصر علي طلبي و وقتها عرضوا عليا وزارة السياحة والطيران والثقافة ، في الأول اختارت المعاش ثم طلبني مدير هيئة شئون الضباط وقال لي أن زملائنا يعملون بوظائف جيدة فلماذا المعاش فغيرت طلبي واختارت العمل بوزارة الثقافة وبعدها صدر القرار الجمهوري رقم 1551 بنقلي من المخابرات الحربية وكنت رائد إلي وزارة الثقافة والاعلام كان هذا في 1972/12/15 ، وانتقلت لعملي الجديد وعملت بهذه الفترة مع يوسف السباعي في العلاقات الثقافية الخارجية وخلافه ، وعندما قامت الحرب في 73 كنت مهموم جدا وكلمت فرع المخابرات وكان قائد الفرع محمود نبيل سعيد وقولت له اذا كانوا يحتاجوا لشيئا فأنا علي استعداد للتطوع والقيام به وأن أساعد في تحليل المعلومات فشكرني علي شعوري ولكن لم يطلبني وتولي موقعي من بعدي يحيي سوفراتة...

 

في النهاية أحب أن أقول أن التحصل علي المعلومات من خلال الوسائل الالكترونية بغض النظر عن اسمها سواء استطلاع لاسلكي أو أي وحدات تراقب اتصالات أو انترنت أو أجهزة الاتصال المحمول أو الشبكات العسكرية بغض النظر عن مدي تطورها وحتي الأقمار الصناعية التي تتوزع الاتصالات عن طريقها فجميعهم يمكن التصنت عليها والتحكم في توجيهها والشوشرة عليها ، حتي شبكات المحمول سواء عسكرية أو مدنية يمكن التصنت عليها والحصول علي معلومات سواء بالتصنت المباشر أو بخواص الاتصال أو بالبصمة وهذه تأتي بمعلومات هامة جدا ، ويجب علي الدولة الحديثة التي تتمتع بأمن قوي وعلي مستوي راقي ان تحافظ علي امتلاك مستوي متقدم من المعدات وتدريب الأفراد والتنسيق بين الجهات الأمنية التي تستخدم هذه الوسائل وقتها يمكن الحصول علي أكبر قدر من التأمين لمستويات الأمن القومي للدولة سواء من الناحية العسكرية أو من ناحية الارهاب أو من ناحية الجريمة العادية ، وبالنسبة للتحذيرات أعتقد أننا كمصريين مازلنا لا نملك الوعي الكافي بحيث نستطيع التقليل من فرص الاختراق التي من الممكن أن يستفيد منها أعداء الأمن القومي المصري علي المستوي الشخصي وعلي مستوي المؤسسات وعلي مستوي الأجهزة الأمنية نفسها..

تم التسجيل بمنزل البطل في الشيخ زايد

بحضور كل من أحمد زايد – حسن الحلو

تفريغ أمنية أدم

مراجعة تاريخية المجموعة 73 مؤرخين .

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech